المنشور

في ذكرى رحيل المناضل أحمد الذوادي


حينما يرحل العظماء تبقى ابداعاتهم ونتاجاتهم وعطاءاتهم ماثلة في ضمير الزمن، وحينما يرحل المناضلون تظل تضحياتهم ومبادئهم حية في ذاكرة الشعب ووجدان الأمم.. بحسب ما يمثل يوم رحيلهم يوما مضيئا في سجل الخالدين.

وهكذا يظل يوم الثامن  من شهر يوليو خالدا، لرحيل إنسان كان مسكونا بتطلعات شعبه وأهداف جماهيره وأماني رفاقه.. بقدر ما كانت أغواره وجوانحه مضيئة بشموخ النضالات الوطنية، متألقة بكبرياء التضحيات المبدئية..

هو يوم رحيل المناضل والمعلم والرفيق احمد الذوادي، المتجدد بمغازيه ودلالاته، المتسم بهالة من التكريم والتبجيل نحو الارتقاء بالقيم النضالية والأخلاقية.. مثلما يحتفي رفاق الدرب بالذكرى السنوية الثالثة لرحيل احد مؤسسي وقياديي جبهة التحرير الوطني البحرانية في عقد الخمسينيات، والامين العام للمنبر الديمقراطي التقدمي في عهد الاصلاحات العامة في بداية الالفية الثالثة. 
 
رحل المناضل احمد الذوادي بعد رحلة طويلة من النضالات الرائعة والتضحيات المريرة التي في ضوئها نسج هو ورفاق دربه اروع الملاحم النضالية ابتداء من يوم 15 فبراير 1955 وهو اليوم التاريخي لتأسيس جبهة التحرير الوطني البحرانية، مرورا بفترات اعوام القهر التي تخللتها اسوأ الساعات واللحظات التاريخية ابان مرحلة الاستعمار البريطاني للبحرين والتي كانت تقتضي شجاعة الابطال وبسالة المناضلين.

ولعل جبهة التحرير الوطني كان لها الدور الوطني القيادي بجانب نضالات هيئة الاتحاد الوطني في مناهضة الاستعمار البريطاني من جهة، ونضالات الجبهة بجانب التنظيمات الاخرى: الجبهة الشعبية وجبهة تحرير الخليج وجبهة القوى القومية وغيرها، من اجل الديمقراطية والاصلاحات السياسية من جهة اخرى.. مثلما تألقت الجبهة بالنضالات السياسية وقيادتها انتفاضة مارس الشعبية عام 1972،. وتسنمها قيادة المشاركة النيابية في اول انتخابات برلمانية باسم تكتل الشعب في 3 ديسمبر .1973

وبحسب ما تمثل الذكرى السنوية الثالثة لرحيل الغائب الحاضر المناضل احمد الذوادي القبس الذي يضيء درب الرفاق والمناضلين.. فان الرفيق (اباقيس) ظل المناضل الصامد الصلد بكبرياء لا تهزم، الواقف على قدميه بشموخ لم يطله الاقزام طوال خمسة عقود من الزمان.. قاهرا قسوة المنافي واتون الفيافي، متجاوزا مرارة الغربة ووحشة الاغتراب، بتعزيز الرغبة الاكيدة للموقف الراسخ، وبتجلي جرأة الكلمة وشجاعة القلم الحر، وبسالة الفكر التقدمي.. مثلما انتصر المناضل احمد الذوادي على عذابات الزنازين واهوال المعتقلات بإرادة انسان تسلح بالمبادئ الاممية التي اوصلته الى تحقيق الاهداف الوطنية والمجتمعية لرفاق الدرب ولجماهير الشعب البحريني.

وهكذا تحقق العديد من تلك الاهداف والغايات النبيلة للرفيق احمد الذوادي، التي ناضل من اجلها طوال حياته.. اهمها عقد مؤتمر الحوار الوطني الثاني في يوم 29 مارس 2008 الذي افتتح تحت شعار “الثوابت الوطنية فوق الانتماءات الطائفية” اثناء ترؤس المنبر التقدمي اللجنة التنسيقية وما تمخض عن نتائج المؤتمر من تناول موضوعات وقضايا ومداخلات حول تماسك اللحمة الوطنية وفي دحر الانقسامات الطائفية والاصطفافات المذهبية وتجسيد الوحدة الوطنية.. وكذلك الدعوة التي جاءت من بعض اعضاء اللجنة المركزية المستنيرين بجمعية العمل الوطني الديمقراطي “وعد” في شهر ابريل 2008، والتي طالبوا فيها الامين العام للجمعية ابراهيم شريف، بتعزيز التحالف مع التيار الديمقراطي وفي مقدمته “جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي”.. وايضا عقد وترتيب اللقاء التاريخي الذي جمع جمعيتي “المنبر التقدمي والعمل الوطني” في 16 اكتوبر 2008 والذي أثمر عن نتائج ايجابية انعكاسا للانسجام الفكري والمبدئي والتاريخي.

ولعل افتتاح المنبر التقدمي مقره الجديد خلال تدشين الحفل الجماهيري والنخبوي الكبير بتاريخ 21 ديسمبر 2008، كان يمثل الحلم الكبير والهدف الوطني للرفيق الراحل الحاضر احمد الذوادي، الذي كان دائما يشغل فكره وهواجسه، ذلك لما يحمل هذا المشروع بين ثناياه تتويجا لأبدع المكتسبات الوطنية والمبدئية والمجتمعية ببذورها المغروسة في ارضية الواقع المجتمعي الملموس، وما يتمخض عن ماهية هذا المشروع من ترسيخ تلك العلاقات الرفاقية في انه يمثل “بيتا لكل التقدميين والوطنيين في هذا الوطن”.. بحسب ما صرح به الامين العام للمنبر الدكتور حسن مدن خلال كلمته الافتتاحية للحفل.. اضف الى ذلك طرح مبادرة المنبر التقدمي في شهر فبراير 2009، التي حملت في جوهرها اهدافا وطنية ومجتمعية من اجل تهيئة الاجواء العامة بظروفها الذاتية والموضوعية، ما بين مؤسسات المجتمع المدني وفي مقدمتها المعارضة السياسية وما بين السلطة التنفيذية، ومن اجل النهوض بالاصلاحات العامة وحلحلة الاوضاع السياسية، ومكافحة الانقسامات الفئوية بجميع اشكالها، وفي سبيل تعزيز مبدأ الوحدة الوطنية ضمن مشروع المصالحة الوطنية ما بين جميع الاطراف الرسمية والشعبية. مفاهيم ومغازي هذه المبادرة التاريخية كانت تحتل المرتبة الاولى من اهتمامات المناضل احمد الذوادي.

اما المؤتمر العام للمنبر التقدمي والمنعقد بتاريخ 15 مايو 2009،. وما ترتب على نتائج الانتخابات بفوز 25 عضوا منتخبا للجنة المركزية للمنبر، التي جاءت مطعمة بالدماء الجديدة والوجوه الجديدة من الشباب والشابات (جيل الشباب) بجانب (جيل الكبار) الذي حافظ بعضهم على عضويتهم في اللجنة المركزية والمكتب السياسي.. حقائق هذه النتائج هي كثيرا ما كان الرفيق احمد الذوادي يشدد عليها، ويصر دائما على تحقيقها، بقدر ما كان ينشدها ويرنو اليها انطلاقا من ايمانه بمبدأ الشفافية والديمقراطية والمشاركة الجماعية من دون تمييز بين (جيل الكبار) و(جيل الشباب) ومن دون فرض وصايا (جيل الكبار) على (جيل الشباب) بل الاستفادة من طاقاتهم وكفاءاتهم ومهماتهم.

هذه هي بعض المكتسبات الوطنية والشعبية والمبدئية التي تحققت في دائرة الضوء وحيز الوجود، والتي حققها المناضلون رفاق المناضل احمد الذوادي بكل مصداقية وعمل دؤوب وأمانة التكليف بالدرجة الاولى، اقتداء بنضالات المعلم والمناضل احمد الذوادي في جبهة التحرير الوطني البحرانية في سنوات الجمر طوال خمسة عقود، ونضالاته خلال المنبر الديمقراطي التقدمي في عهد الاصلاحات العامة، بفكر اممي تقدمي واضح الرؤى والمعالم يؤمن بأن “جبهة التحرير” تمثل “المنبع المبدئي” وما يتمخض عنه من ثوابت المواقف المبدئية والفكرية والايديولوجية وان “المنبر التقدمي” يمثل الذراع السياسية ببرنامجه السياسي وما يترتب عليه من القواسم الوطنية المشتركة والواقعية السياسية.. ضمن مفهوم التمايز بين ما هو مبدئي وما هو سياسي.

طوبى للمناضل الراحل احمد الذوادي الذي وجد المكانة الكبيرة في قلوب الشعب وعقول المناضلين وطالبي الحرية وخاصة في الذكرى السنوية الثالثة لرحيله.. وسلام عليك يا “أباقيس”.. يا من حفرت انجازاتك الوطنية والشعبية وتضحياتك المبدئية والتاريخية في ارضية الواقع المجتمعي وصخرة الزمن على حد سواء.. مثلما دونت اسمك في سجل الخالدين.
 
أخبار الخليج 10 يوليو 2009