المنشور

التوازن الحصيف في‮ ‬دالة إنفاق موازنة البحرين

اعتُبرت موازنة مملكة البحرين للسنتين الماليتين‮ ‬2007‮-‬2008‮ ‬أكثر الميزانيات التي‮ ‬حظيت فيها ميزانية المشاريع بحصة وفيرة،‮ ‬بلغت في‮ ‬عام‮ ‬2007‮ ‬حوالي‮ ‬530‮ ‬مليون دينار وفي‮ ‬ميزانية‮ ‬2008‮ ‬وصلت لـ‮ ‬490‮ ‬مليون دينار ذهبت مخصصاتها لمشاريع تطوير البنية التحتية من شبكة طرق وجسور وموانئ ومشروعات إسكانية للمواطنين‮.‬
وكان المتوقع أن تحذو موازنة السنتين الماليتين التاليتين‮ ‬2009‮-‬2010‮ ‬حذو سابقتيهما،‮ ‬أي‮ ‬أن تكونا موازنتين توسعيتين في‮ ‬الاتجاه ذاته وهو استكمال مشاريع البنية الأساسية والتوسع العمراني‮.‬
بيد أن الأزمة المالية/الاقتصادية التي‮ ‬داهمت العالم في‮ ‬سبتمبر من العام الماضي‮ ‬فرضت نفسها على كافة دول العالم خصوصاً‮ ‬تلك التي‮ ‬كانت عرفت قبل الأزمة انتعاشاً‮ ‬مديداً‮ ‬عالي‮ ‬الوتيرة كما هو حال دول مجلس التعاون وبضمنها البحرين‮.‬
لذلك جاءت ميزانية المشاريع في‮ ‬الموازنة المالية لعامي‮ ‬2009‮ ‬و2010‮ ‬أقل بكثير من مخصصات ميزانية المشاريع في‮ ‬موازنة عامي‮ ‬2007‮ ‬و‭.‬2008‮ ‬حيث تم تخصيص‮ ‬300‮ ‬مليون دينار في‮ ‬ميزانية‮ ‬2009‮ ‬و300‮ ‬مليون دينار أخرى لميزانية مشاريع‮ ‬‭,‬2010‮ ‬أي‮ ‬بانخفاض مقداره‮ ‬4‭,‬43٪‮ ‬و8‭,‬38٪‮ ‬عن ميزانية مشاريع عام‮ ‬2007‮ ‬و2008‮ ‬على التوالي‮.‬
والواقع أن موازنة‮ ‬2009‮-‬2010‮ ‬جاءت متحفظة في‮ ‬تقديراتها للإيرادات حيث قدرتها،‮ ‬فيما‮ ‬يتعلق بالمداخيل النفطية،‮ ‬على أساس سعر لبرميل النفط‮ ‬يبلغ‮ ‬40‮ ‬دولاراً،‮ ‬وذلك تراجعاً‮ ‬عن التقدير الأصلي‮ ‬المقترح وقدره‮ ‬60‮ ‬دولاراً‮ ‬للبرميل،‮ ‬ما‮ ‬يجعل العجز الافتراضي‮ ‬المتوقع في‮ ‬ميزانية‮ ‬190‭ ‬2009‮ ‬مليون دينار وفي‮ ‬ميزانية‮ ‬239‭ ‬2010‮ ‬مليون دينار‮.‬
حتى الإيرادات‮ ‬غير النفطية تم تقديرها بحذر حيث إنها لن تزيد في‮ ‬ميزانية‮ ‬2010‮ ‬عن ميزانية‮ ‬‭,‬2009‮ ‬حسب تقديرات الموازنة،‮ ‬عن ثلاثة ملايين دينار‮ (‬من‮ ‬337‮ ‬مليون دينار في‮ ‬عام‮ ‬2009‮ ‬إلى‮ ‬340‮ ‬مليون دينار في‮ ‬عام‮ ‬2010‮).‬
وقد تم كل ذلك،‮ ‬أي‮ ‬وضع هذه التقديرات المتحفظة للإيرادات النفطية وغير النفطية في‮ ‬موازنتي‮ ‬2009‮ ‬و‭,‬2010‮ ‬تحت تأثير أجواء الأزمة المالية/الاقتصادية العالمية وانهيار أسعار النفط إلى ما دون حتى سقف الموازنة التقديري‮ ‬الموضوع وهو‮ ‬40‮ ‬دولاراً‮ ‬للبرميل‮.‬
ومع ذلك تواصلت عملية تخصيص الموارد لتمويل مشاريع البنية الأساسية في‮ ‬موازنة‮ ‬2009‮-‬‭,‬2010‮ ‬فخُصص للمشاريع الإسكانية‮ ‬80‮ ‬مليون دينار و90‮ ‬مليون دينار على التوالي،‮ ‬وتم تخصيص‮ ‬3‭,‬7‮ ‬و4‭,‬6‮ ‬مليون دينار في‮ ‬السنتين الماليتين على التوالي‮ ‬لإنشاء المدارس والمرافق التعليمية،‮ ‬إضافة إلى‮ ‬7‮ ‬ملايين دينار لكل سنة لدعم برامج ومبادرات قطاع التعليم،‮ ‬وتخصيص‮ ‬2‭,‬17‮ ‬مليون دينار لكل سنة للخدمات الصحية منها‮ ‬14‮ ‬مليون دينار لكل سنة لاستكمال مشروع مستشفى الملك حمد العام بالمحرق،‮ ‬وتخصيص‮ ‬2‭,‬81‮ ‬مليون دينار و85‮ ‬مليون دينار لكل سنة لإنشاء شبكات ومرافق الطرق والجسور والمنافذ والصرف الصحي،‮ ‬وتخصيص‮ ‬5‭,‬175‮ ‬مليون دينار و200‮ ‬مليون دينار على التوالي‮ ‬لمشاريع قطاع الكهرباء‮.‬
الآن،‮ ‬وفي‮ ‬ظل الأداء القوي‮ ‬لسوق النفط العالمية المتمثل في‮ ‬سرعة استعادة سعر برميل النفط لجزء كبير من نقاطه التي‮ ‬خسرها في‮ ‬خضم الأزمة المالية/الاقتصادية العالمية،‮ ‬ووصوله إلى المستوى الذي‮ ‬اعتبره معظم الدول الأعضاء في‮ ‬منظمة الأقطار المصدرة للبترول‮ (‬أوبك‮) ‬وهو‮ ‬80‮ ‬دولاراً‮ ‬للبرميل،‮ ‬وفي‮ ‬ظل التوقعات المرجِّحة لأن‮ ‬يحافظ سعر برميل النفط على مستواه الحالي‮ ‬حتى نهاية العام المالي‮ ‬الحالي‮ (‬2009‮)‬،‮ ‬يمكن القول إن البحرين قد اختارت أن تدير أدوات السياسة المالية في‮ ‬ضوء الأزمة وخصوصاً‮ ‬فيما‮ ‬يتعلق بالشق المتمثل في‮ ‬انهيار إيرادات النفط،‮ ‬بحصافة بالغة‮. ‬فهي‮ ‬لم تختر التوسع المغامر ولا الانكماش الانفاقي‮ ‬المتساير مع اتجاه الدورة الركودي،‮ ‬وإنما اختارت الموازنة بين الاحتفاظ بزخم الإنفاق الاستثماري‮ (‬للمشاريع‮) ‬وعدم الإخلال بدالة الإنفاق الجاري‮ ‬المعنوَن للشق الاجتماعي‮ ‬التنموي،‮ ‬وبين الحذر المشروع من الوقوع في‮ ‬فخ العجز الذي‮ ‬قد تُظهره الحسابات الختامية في‮ ‬نهاية السنة المالية وما‮ ‬يترتبت عليه من زيادة الدين العام‮.‬
ومع ذلك فإن هذا التحفظ سواء في‮ ‬تقييم سعر برميل النفط أو في‮ ‬الإنفاق الاستثماري‮ ‬التقديري‮ ‬في‮ ‬موازنة السنتين‮ ‬2009‮-‬‭,‬2010‮ ‬قد أتاح بعض المرونة للحكومة لكي‮ ‘‬تتدخل‮’ ‬عند الضرورة لتخصيص موارد مالية إضافية في‮ ‬موازنة عام‮ ‬2009‮ ‬لتمويل بنود إنفاقية استثمارية حالّة‮ (‬استكمال مشاريع الطرق والكهرباء تحديداً‮)‬،‮ ‬وبنود إنفاقية جارية‮ (‬مثل علاوة الغلاء‮)‬،‮ ‬اطمئناناً‮ ‬للمستوى الجيد والثابت الذي‮ ‬يحققه سعر برميل النفط.
 
صحيفة الوطن
29 نوفمبر 2009