المنشور

المجتمع المدني العالمي

تمتلك منظمة العفو الدولية أموالاً أكثر، وآليات أفضل لجمع التبرعات، من لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وهي أفضل اطلاعاً من أي دولة قومية حول انتهاكات حقوق الإنسان التي تقع في جميع أنحاء العالم، ولديها مداخل جاهزة لوسائل الإعلام الإخبارية لإشهارها، كما أنها تمتلك النفوذ السياسي لفعل شيء حيالها.
هذا مجرد مثل تسوقه الدكتورة ليزا نيوتن في معرض حديث لها عن تنامي دور المؤسسات غير الحكومية ذات الطابع الأممي، أو العابر للقارات وللدول الوطنية، في التأثير على مجريات الأحداث العالمية، مشيرةً إلى تشكل ما يمكن أن ندعوه المجتمع المدني العالمي، الذي بات يملك، بفضل وسائل الاتصال الحديثة، إمكانيات غير مسبوقة لتوسيع نشاطاته واستقطاب قطاعات كبيرة من المريدين والمناصرين والنشطاء.
وفي كتابه الذي يحمل عنوان:«نحو شركات خضراء « الذي صدرت ترجمته إلى العربية ضمن سلسلة عالم المعرفة الصادرة عن المجلس الوطني للثقافة والآداب والفنون في دولة الكويت من وضع د. إيهاب عبد الرحيم محمد، تشير د . نيوتن إلى ما تتيحه شبكة «انترنت» من إمكانيات للتنسيق بين نشطاء المجتمع المدني العالمي في أرجاء العالم المختلفة. فهذه التقنية التي يسهل الوصول إليها على نطاق واسع والميسورة التكلفة أدت إلى كسر احتكار الحكومات للكميات الكبيرة من المعلومات وحرمان الحكومات من الاحترام الذي كانت تتمتع به، وبتحقيقها لخفض هائل في تكاليف الاتصال.
«يكمن السر في الانترنت» – هذه خلاصة مهمة توجز بها المرأة الأمر. فآلية الاتصال العالمية الانتشار هذه يمكنها أن تستثير الآلاف، بل عشرات الآلاف من المشاركين بين عشية وضحاها لحضور الاجتماعات الحاشدة العامة أو حملات جمع التبرعات . لقد أظهرت الانترنت قوتها المميزة بالفعل، ومن خلال هذه الشبكة أمكن حشد المسيرة العالمية للاحتجاج على الحرب الأمريكية ضد العراق في الخامس عشر من فبراير 2003، حيث خرج إلى الشوارع ستة ملايين شخص من أصل سكان العالم البالغ ستة مليارات.
لكن فكرة المجتمع المدني العالمي كانت قد تشكلت قبل ذلك بزمن طويل. إن آليات التدويل العالمي الواسعة أدت، في نتيجة لا مناص منها، إلى ظهور مجتمع مدني عالمي مضاد لمنطق الهيمنة الذي يريد «هوامير» هذه العولمة فرضه على شعوب الكوكب بدون مقاومة. ومن أهم مكونات هذا المجتمع المدني العالمي حركات حماية البيئة، حيث يجري الاستشهاد بحكاية «برينت « في إشارة إلى تمكن حركة السلام الأخضر التي شكلت تحالفاً من الناشطين البيئيين لإحباط مخطط شركة «شل» بإغراق حاملة نفط عجوز انتهت فترة صلاحيتها في عمق المحيط، فبعد مناقشات خاضتها الشركة مع الأجهزة الحكومية توصلت إلى قرار بأن أفضل طريقة للتخلص من حاملة النفط هو خرقها تمهيدا لإغراقها.
الناشطون البيئيون رأوا أن هذا الإجراء سيسمم المحيط وقرروا التصدي للأمر. وعندما بدأ زورق سحب السفينة إلى عمق المحيط ظهر أسطول صغير من المراكب التي أرسلتها منظمة السلام الأخضر لاعتراض سبيله، مما افشل مشروع «شل» ، وفتحت مفاوضات جديدة أدت إلى تفكيك الباخرة والتخلص منها على اليابسة.
ستغدو هذه المعركة الناجحة إشارة البدء لحركة عالمية مناهضة للاحتكارات متعددة الجنسية، تحمل الطابع الاممي لن يعود بالوسع تجاهلها فيما بعد.
 
صحيفة الايام
29 مارس 2010