المنشور

بين الجهاد والجهاد

استعيد من قصص الامس ان لم تخني الذاكرة حكاية الشيخ عادل المعاودة ’ الذي سبق وان تمردت جماعة ضده في رفضها الصلاة خلفه تحت مبررات وحجج ’ لم تكن فقهية وشرعية وانما اكثرها سياسية تم ’’ تفقيها ’’ احيانا وقد تكون شخصية تمثل مصالح اشخاص وقد تكون تيارا تمثله كتلة موجودة كتنظيم لا يخفي وجهه تحت قناع ’ بأنها تؤيد كل اشكال الجهاد ضد الكفرة والمشركين في بلاد الاسلام وخارجها. الغريب ان الحكاية اظهرت رأسها من جديد ’ اي الحكاية نفسها ’ تمرد مجموعة في الصلاة خلف الشيخ المعاودة للمرة الثانية ’ فهل هي نزوة وطيش شخصي وسياسي ام انه اتجاه تنظيمي له ذيول ومؤيدون خارجه ؟!’ لا ينبغي الاستهانة بهم سواء كانوا هم الاقلية او الاكثرية او المتساوية او حتى مجرد مجموعة اشخاص. ترى لماذا تتفجر الحكاية كلما وجدنا انفسنا في حالة انتخابات او وضعا سياسيا حرجا يستدعي رفع البورصة. اليوم تستعيد ذاكرتنا الحكاية اياها الاحتجاج نفسه والاسطوانة نفسها ’ والمحتجون انفسهم ’ وكأننا في حفلة زار سياسية جديدة يمارسها هؤلاء المحرضون ضد المعاودة. هل الشيخ بحاجة الى ضجيج إعلام مصطنع يتم افتعاله داخل المسجد؟ ’ حيث كان بإمكانهم عدم الذهاب للمسجد وخلق دراما اعلامية ’ لكونهم يعرفون مسبقا انه الشيخ المعاودة من يتحدث لا غيره ’ ولكن الضجيج الاعلامي هو رسالة للناس والمؤيدين والحانقين من ’’ الشباب المسلم ’’ المعد سلفا لفكرة الجهاد الدائم لمن عصاهم وتمرد عليهم وصار في ركاب من يصفونهم باقذع النعوت واسوأها. سؤال يبقى مشروعا ومشرع الابواب للحوار والتساؤل عن نوعية تلك الاصوات القادمة لحرم المسجد سواء من داخل الجمعية او خارجها او الاثنين معا ؟ فنحن على مقربة قصيرة من مسافة صناديق الانتخابات وقريبين من شهر رمضان المبارك ’ حيث يصبح خطاب السياسة والتدين والادعية فرصة جيدة للعبة السياسية الحقيقية ’ متوهما هذا التيار الاعلامي للقاعدة ومدرستها التقليدية في الجهاد ونصرة الحق وفضح الظالم ضد الباطل ’ كلها مدعاة للشك ان لم نتمكن من برهنتها وهذا ما تسمح به المواثيق المهنية وتابو الكتابة في ديمقراطية وليدة حدودها وشفافيتها ما تزال مقيدة بفعل ظروفها ومحيطها الداخلي والاقليمي. نميل الى سيناريوهات عدة وان كانت بعض من تلك السيناريوهات لا تحمل من القوة والبراهين ما يؤكد على وجود كتلة من القاعدة عمادها المرجعية السياسية السابقة لمكونات عدد من الجمعيات. ما لا نمتلكه بالارقام ايضا سيناريو اخر هو حجم تلك المجموعات او الجماعات المؤيدة في الشارع السياسي الحذر ’ والذي بعد احداث سبتمبر تم ’’ تنتيف ريشه ’’ بالادوات العالمية والامريكية كحرب مباشرة ضد الارهاب. هذه المجموعات تطل دائما عليك من خلال الفضائيات والمواقع والصحف والاعمال المشبوهة بغطاء ’’ الخيرية ’’ والتي صارت تحت طائلة القانون معرضة للاستجواب والمحاكمة بعد فضائح الاموال التي ’’ كبست ’’ في الغسيل الجنائي ومعامله القانونية والمصرفية ’ حيث ماعاد لمثل تلك الجماعات امكانيات سهلة كالسابق في تمرير حقائب السمسونايت عابرة القارات ’ فالاجهزة وعيون الامن مفتوحة على مصراعيها كعيون ابو الهول المتربص لمداخل مدينة طيبة يسألها سؤالا تاريخيا دائما لحل اللغز وسره ’’ الى من تأخذ هذه الاوراق الخضراء المطبوع عليها مفردة ليباركك الرب !’’ صار ابو الهول امريكيا يتابع اوراقه النقدية. السيناريو الاخر الاكثر احتمالا انها المجموعة نفسها ’ التي تصطنع اللعبة في مواقيت الصلاة والمناخات السياسية الساخنة بهدف الاعلان عن نفسها لاستعادة رصيدها المتراجع . اما السيناريو الثالث فهو نظرتهم للشيخ المعاودة كشخصية براغماتية تحسن وظيفة اللعبة النيابية ’ غير اننا من وجهة نظرنا نراها طبيعية لمثل هذه التوجه والتيارات ’ بأن تنتهي في نهاية المطاف الى حلقتين وتيارين وان لم يبلغا درجة الشقاق الواضح ’. من حاولوا اعادة انتاج اللعبة الاعلامية السابقة بخلق زوبعة الاحتجاج والرفض بالصلاة خلف الشيخ المعاودة ’ لهم غاياتهم ومآربهم كعصا موسى التي التهمت ثعابين فرعون وحاشيته وكهانه المشعوذين. بين عصا موسى وثعابين فرعون تكمن المعضلة ’ ففيهما يتجسد الصراع بين فريقين يبشران بحقيقة وجودهما معا ’ حتى في ظل وجود الزوبعة .’ فلعل عصا موسى تتحول الى متراس في وجه التشدد بحثا عن تيار الاعتدال. لم يكن هناك داع للضجيج في بيوت الله على امور سياسية ’ اذ بامكان توظيف مقر الجمعيات ومجالس الاعيان ’ من اجل حوار طائش او عاقل وهادئ’ مشتط او تسكنه شطحات الممثلين البارعين فوق خشبة مسرحنا السياسي. انهم ظاهرة سياسية موجودة ’ لا نعرف كيف ستكون نتائجها الانتخابية القادمة ’ ولكن ما نعرفه ان اصدقاء الامس ضاقوا ذرعا منهم وكذلك الناس والمؤيدون ’ حتى وجدنا ان المعاودة يحافظ على توازن وترابط الجمعية من الداخل.

صحيفة الايام
29 يونيو 2010