المنشور

إشكالية كتلة المستقلين (2)

في خضم الأيام الانتخابية الفائتة تمخض بكل وضوح عن صعود وتشكل كتلة ثالثة جديدة /قديمة ، ستكون القوة الثانية بعد تكتل الوفاق ، ولم تكن الأنوف السياسية ولا حتى الاستبيانات بعيدة عن إحساسها العام عن وجود حالة دفع مجتمعية قوية في اتجاه منح المستقلين فرصة الحلول في مواقع الإسلام السياسي السني داخل قبة البرلمان كبديل جديد ، يقود العملية النيابية بعد موقف الناخبين من جمعية الأصالة والمنبر الإسلامي ، بل وكشف الحقائق أمام ناخبين ناقمين على الجمعيتين ، فكان الخيار والبديل هو المستقلين وليس القوى الديمقراطية اليسارية ، المهم أن يأتي مولود جديد يحمل على عاتقه الملفات ويصبح اللاعب الأساسي في المجلس محاط بمقاعد خمسة للإسلام السياسي ستكون في حضنه في نهاية المطاف ، عندما تكون الحاجة ملحة في التضامن والتأييد. غير إننا نجد منذ اللحظة الأولى لتصريحات الوفاق أنها ستهتم بملف الخدمات ومن أولويات تلك الملفات ملف الإسكان ، حيث سيتبارى جميع النواب أمام من لديهم مشكلة سكنية متناسين أنهم أيضا يمثلون ناخبين ليس الإسكان مشكلتهم !! فماذا بصدد هؤلاء الناخبين المنسين والذين كانوا على قدم وساق منحوا صوتهم .
في غمرة التصريحات نكتشف خلل النواب الذين أتحفونا في حموة الانتخابات وتشنجات الحناجر الهادرة ، بأنهم سيكونون ،، الخدام الطيبين في خدمة الشعب /الناخبين ،، ولكن عندما نكتشف إن هناك مسافة شاسعة بين العمل الدعائي الانتخابي و الفعل الحقيقي اليومي لحجم هموم الناس وطموحاتهم ، سيلمس الناس بعدها إن الوعود ليست كل شيء فهناك الحلول المؤقتة والتي عادة تكون حلا مؤقتا للشعب أكثر من كونها حلولا جذرية لمشكلة مستعصية من الضروري حلها بخطط ثابتة وعملية ودائبة ، فالناس ملت الأصوات المتضخمة في الحملات الانتخابية ، بل وتكاد تهمس من الوراء بعد كل عشاء دسم ، لن يفعلوا لنا أكثر مما وعدونا في السابق ، حيث صارت تؤمن قوة الشارع الموزعة في الكم والنوعية ، بقدرة الدولة على حل مشاكلهم والذهاب إليها عبر قنوات متعددة أهم من أسئلة استفسارية ،، مدرسية ،، داخل قبة البرلمان !
ما ترشح من كلام عابر في الصحافة دلل على مدى الالتباس السياسي لهذه الكتلة ، فتارة سمعنا أنها كتلة اقتصادية فانبرى أخر يحتج بهدوء رافضا ذلك ، فيما أخر صرح أنهم يسعون لإعداد برنامج للكتلة وبأنهم سيسمونها ،، كتلة المستقلين الوطنية ،، وإذا بنا نكتشف أن الوطنية اختفت بقدرة قادر من التسمية مما يجعلنا نتحسس الطبيعة الفكرية والسياسية لهذه الكتلة الهلامية المبعثرة ، التي كلما تراخت أو تسيبت في كلامها يقفز الناظم لها ناصحا.
دون شك سيجد «المستقلين» وهم يتحاورون إن لكل واحد منهم برنامجه الانتخابي ، وعليهم استمزاج واستنباط واستخراج برنامج موحد من برامجهم ، فهم سيتفقون على مجملها وسيختلفون على تفاصيلها ، دون أن ينسوا أنهم في النهاية محكمون من جهتين بنقيضين ، الأول الناخب والآخر الحكومة ،التيه السياسي بدأ منذ اختفاء طبيعة التسمية التي تعكس مدى رؤية وفهم النواب لمعنى كتلة مستقلة دون أن نفهم مضمونها الفكري والسياسي والاقتصادي ، تسمية مختلفة عن مغزى مرشح دخل بتسمية مستقل للحملة الانتخابية ، ولكنه لن يكون داخل البرلمان كتلة هلامية بلا معنى أو مغزى أو اتجاه !! كتلة المستقلين التجارية الليبرالية ربما لا تناسب بعضهم وتناسب الآخرين ، المنتمين لشريحة التجار ، كتلة المستقلين الديمقراطية أو الوطنية فهذه تضعهم في مطبات ومنزلقات غير مرغوبة ، إذن عليهم البحث عن تسميات محددة لهويتها كتسمية كتلة المستقلين الدستورية أو النيابية أو الإصلاحية أو أي شيء يحدد تلك الملامح، هذا على سبيل المثال وليس الحصر ، ومثلما هم من البداية تحمسوا لتسمية كتلتهم بالوطنية وصرحوا أنهم ينوون تشكيل جمعية سياسية !، فنحن بانتظارها وبانتظار تسميتها ، وصيغتها المحددة ، لكي يتم التعامل مع مجريات العملية النيابية داخل القبة وخارجها ، فالنواب في المجلس مهماتهم ليست محصورة بالخدمات ولا بناخبيهم فقط ، كما نجدها في تصريحات لا تعبر إلا عن مستوى وعي النائب وثقافته وحسه السياسي .
فنحن طالما قرأنا بروشيه احد الفائزين أن ،، انجازه هو إمام مسجد ! ،، فهذا دليل واضح أنه لا يفقه الفرق بين المؤهلات والانجازات ليس ككلمة وإنما كمعنى ، بل ولم يتصد له ناخب لمناقشة هذه الهفوات المسلية في الأوراق والملصقات الانتخابية ! .
مثل تلك الهفوات سنجدها في باكورة تصريحات ذلك النائب الذي قال لجريدة الأيام إن لديه سبعة أسئلة وزعها على أربع وزراء ، غير إننا عندما تفحصناها وجدنا إن النائب لديه خلط بين السؤال والتساؤل والمساءلة ، والأخير ينبغي أن يدخل في دائرة الاستجواب ، بينما حقيقة الأسئلة السبعة كانت جميعها خدماتية حملها النائب من روح العمل البلدي ! والأكثر كانت أسئلة ذات طابع استفساري، أسئلة توضيحية واستيضاحية ، تفتش عن إجابة قديمة ومعطلة ، في نبرتها رسالة لناخبيه قائلا : ،، هاأنذا أوفي بتعهداتي الانتخابي لكم في السؤال عن مشاكلكم المعلقة في البلديات والإسكان والتعليم والتنمية ! ،، وهكذا ضاع السؤال من التساؤل واختفى السؤال عن المساءلة ، فجميع نوابنا باتوا يخافون المواجهة مع الحكومة حتى في حدود الحريات المتاحة في الميثاق والدستور ، وبدلا من أن يرفع نوابنا سقف الاثنين «الميثاق والدستور « في تنشيط فضاء الحرية والديمقراطية الوليدة في المشروح الإصلاحي لجلالة الملك ، لكي تتراكم العملية الديمقراطية ، نراهم يتراجعون بأقل من ذلك السقف ! فهل فعلا نحن أمام إشكالية جديدة في المناخ النيابي ، في كل الأحوال ستكون كتلة المستقلين حديثنا الشاغل في الأسابيع القادمة ، إذ أول الغيث في الدور التشريعي القادم ما زال غامضاً، طالما هذه الأنواع من الأسئلة ستكون هي السائدة ! وعلينا أن نستعد!
 
صحيفة الايام
28 نوفمبر 2010