المنشور

بن بيلا: أفول مرحلة


من يعود إلى الأعداد القديمة من نشرة «الجماهير» لسان حال جبهة التحرير الوطني في البحرين، خاصةً منها تلك الصادرة في بدايات تأسيس التنظيم سيجد ذلك الحضور الطاغي لاسم الثورة الجزائرية وقادتها، وفي روايات بعض قادة الجبهة، فان اختيار اسم جبهة التحرير ليكون اسما للتنظيم الذي انبثق في البحرين في النصف الأول من خمسينيات القرن العشرين كان في أحد أوجهه تيمناً باسم جبهة التحرير الوطني الجزائرية، التي قادت ثورة الشعب من أجل الاستقلال الوطني.
 
 لا غرابة في ذلك، فالجزائر وثورتها كانتا عنواناً لنهضة حركة التحرر الوطني لا في العالم العربي وحده، وإنما في بلدان آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، في مناخ النهوض الثوري الذي ساد العالم بعد هزيمة نازية هتلر وفاشية موسوليني وعسكرتاريا اليابان.
 
لم يمكث بن بيلا طويلاً في الحكم بعد انتصار الثورة التي كان أحد ألمع وجوهها، وعلى طريقة الثورة تأكل أبناءها، عاجلهُ هواري بومدين بانقلاب، أودعه بعده في السجن ثم الإقامة الإجبارية، وهو سيناريو تكرر في كل الأنظمة العربية التي حكمت بعد الاستقلال، فمصيره لا يختلف، إلا في التفاصيل، عن مصير محمد نجيب في مصر وعبدالكريم قاسم في العراق، ناهيك عن مصائر نور الدين الأتاسي وصلاح جديد ورفاقهما في سوريا، وعبدالله السلال في شمال اليمن، ولن ننسى العبث الدموي في جنوبي اليمن الذي أودى بحياة الزعماء المتعاقبين من قادة الجبهة القومية والحزب الاشتراكي فيما بعد.
 
تلك حكاية تطول لو أن المرء سرد ما فيها من مرارات، ولم يكن جوهرها يتصل بالخيارات الأساسية في التنمية ولا في التحالفات الدولية ولا في بنية الدولة وعلاقتها بالمجتمع كما أشيع أو روج له، إنما كان في الصراع على السلطة. فرغم تعاقب الرؤساء لم تبارح هذه الأنظمة نهج رأسمالية الدولة التي جعلت من القطاع العام وسيلة للثراء، عبر شبكات فساد واسعة، وعلى صعيد التحالفات الدولية كانت هذه الأنظمة تتزود بالسلاح السوفيتي بأسعار زهيدة، لكنها لا تخفي انبهارها بجاذبية السلع المنتجة في الغرب، فكان حجم تبادلها التجاري مع بلدانه يفوق أضعاف المرات نظيره مع الاتحاد السوفيتي وحلفائه في أوروبا الشرقية، ولم تختلف العلاقة مع مسألة الديمقراطية والحريات العامة عن طريقة إدارة الأحزاب الحاكمة، فكيف بأحزاب تعالج خلافاتها الداخلية بالتصفيات الجسدية، أن تكون ديمقراطية في علاقتها مع غيرها من القوى.
 
كان أحمد بن بيلا أحد أبرز ضحايا تلك المرحلة، رغم دوره الوطني في قيادة الثورة. ها هو يرحل في إشارة رمزية الى أفول مرحلة بكاملها، بعد أن بلغت حد الأزمة المستعصية، التي عبرت عن نفسها بالطوفان الذي يجتاح عالمنا العربي منذ أكثر من سنة، شهدت إسقاط رؤساء تونس ومصر وليبيا واليمن، وعلى قائمة الانتظار رئيس سوريا. لم يكن بوسع خيارات هذه الأنظمة أن تتفادى هذه النهاية المحتمة. التراكم الكمي للاستبداد والفساد بلغ مرحلة التحول النوعي. لكنه تحول فتح الأبواب على مصاريعها أمام مجهول مخيف. كأن هذا يؤكد قاعدة ذهبية فحواها أن مشكلتنا مع الديكتاتور ليست في حياته فقط، إنما بعد مماته أيضاً.
 
26 أبريل 2012