المنشور

وداعاً لمرحلة %99.9


كتبنا هنا غير مرة عن وجهة نظرنا في التطورات السياسية في مصر، وعن المخرجات المتوقعة للعملية الانتخابية هناك. هذه المخرجات لم تعد متوقعة، وانما باتت واقعاً باعلان فوز الدكتور محمد مرسي رئيسا للجمهورية، ولسنا هنا في وارد الحديث عن دلالات ذلك، فهو امر جرى الحديث حوله كثيراً، ولكننا بصدد التوقف عند النسبة المئوية التي فاز بها مرسي، وعن تلك التي نالها منافسه الفريق أحمد شفيق، فبالكاد تجاوزت أصوات الرئيس المنتخب نسبة 51%، من مجموع المقترعين، مما جعل الفارق بينه وبين منافسه محدوداً للغاية.
 
هي المرة الأولى في تاريخ مصر الحديثة التي يُعلن فيها عن فوز رئيس للجمهورية بمثل هذه النسبة، بعد أن تعودنا خلال عقود على نتائج باعثة على السخرية، حين يعلن عن فوز الرئيس بنسبة لا تقل عن 99,9%، والحق اننا لم نكن في غالب الأحوال إزاء انتخابات، تتنافس فيها الأحزاب والقوى السياسية على تقديم مرشحين وبرامج تتوجه الى الناخبين طالبة منحها ثقتهم، إنما بصدد استفتاءات صورية، لا يذهب اليها إلا القلة من الناخبين، لأن الجميع يعرف النتيجة سلفاً، وعلى ثقة تامة من أن ذهابه أو عدم ذهابه لمراكز الاقتراع لن يغير شيئاً من النتيجة.
 
لم يكن هذا داء مصر وحدها، وانما هو داء مُعمم عربياً، ففي كل بلدان الحزب الواحد، سار الأمر على هذا المنوال، واستمرأ الحكام ذلك، فأدخلونا في حقبة لا نظير لها في أي بقعة من بقاع العالم، هي حقبة الجمهوريات الوراثية، فلم يعد الرئيس يكتفي بولايته المؤبدة، وانما بات يخطط لتوريث الحكم لابنه أيضاً، وفي الحالة السورية جرى استدعاء أعضاء مجلس الشعب عن بكرة أبيهم ليغيروا مادة في الدستور، لتفصل على مقاس بشار الأسد الذي لم يكن قد بلغ الأربعين لحظة الموت المفاجئ لوالده، فصوت نواب الشعب بالاجماع وبدون اعتراض حتى ولو بصوت واحد، قبل أن يوارى جثمان الرئيس المتوفى الثرى.
 
مثل هذا السيناريو كان مرسوماً له أن يتكرر في مصر مع جمال حسني مبارك، وفي ليبيا مع سيف الاسلام معمر القذافي، وفي اليمن مع أحمد علي عبدالله صالح، ولكن لمصر كان فضل الريادة في منع تعميم هذا الفصل الأكثر سخرية في النظام «الجمهوري» العربي، حين أطاحت ثورة 25 يناير بالرئيس السابق حسني مبارك، ومعه أطاحت بأحلام التوريث التي استحوذت على اذهان الحلقة المحيطة بالرئيس من صناع القرار، ومن المستفيدين والمتمصلحين من بقاء الأمور على ما هي عليه.
 
لقد طويت هذه الصفحة للأبد، أو هكذا نأمل لأن الشعوب العربية لن تسمح بعودتها، ونأمل أن تُطوى إلى الأبد أيضاً مرحلة الـ 99.9% في التصويت بنعم على الرئيس، وأن تشهد مصر وسواها من البلدان المعنية انتخابات رئاسية كل أربع سنوات، تضمن فيها الشفافية والنزاهة، تؤسس لمبدأ تداول السلطة، وتحدد رئاسة الجمهورية بولايتين فقط، لا يجوز بعدهما للرئيس إعادة ترشيح نفسه.

 الأمل أن تكون القاعدة الأولى على هذا الطريق الطويل قد أُرسيت.