المنشور

مشتركاتنا مع الموالاة – يعقوب سيادي


مفردة مثل «الانقلابيين» التي كثيراً ما يردّدها الموالون، ولا يفقهون معناها، نشاركهم الهمّ فيها، فهناك انقلابيون على الوطن، والانقلاب يقوم به طرف مقتدر تسليحاً وعتاداً وأفراداً، فلا انقلاب دون سلاح، وبالصفة العسكرية، إذ هو عملٌ للإجبار بالقوة على نقل المجتمع من حال إلى حال، بتهميش دور فئةٍ من الناس في القرار الوطني، واستحواذه من قبل الطرف صاحب فعل الانقلاب. نعم نشارككم الهمّ من ناحية الانقلاب على الوطن، فلنبحث سوياً عن من استخدم السلاح في الوطن ضد قواه المجتمعية، ليس مهماً هنا أن يكون الانقلابيون من بني جنسي وديني، لأنهم يأتون فعلاً لتقسيم الوطن باستخدام قوة السلاح، ويأتون فعلاً يمكّنهم من الهيمنة على مقدراته، فمن كان ذاك الطرف؟

ورأينا شعباً ينتفض بحراك شعبي هادر، من أجل التغيير إلى الأفضل، من بعد تفشي الفساد في كل صوره، وفي مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والمنظومة التشريعية التي ناصرت المنظومة التنفيذية، في انقلابها على الإرادة والمبتغى الشعبيين.

وفي حال الانقلابات، يسقط العقد الاجتماعي، المتمثل في الدستور، وتميّع القوانين، إن لم يُلقى بها في سلة المهملات، ويسود الإجبار والتطاول بالباطل، فتُلغى العدالة ليحل محلها السلاح وسيلةً للإجبار، ويقابله من المنقلب عليه، مقاومة لا تخلو من القوة والسلاح، لاسترداد الوضع قبل الانقلاب، هذا إذا كان الوضع السابق في صالح الوطن وشعبه، إلا أن الأمر البحريني، لم يكن كذلك، فما حدث لم يكن بخلاف الوضع القائم، بل من أجل تكريسه، فلم يكن هناك مقاوم لذاك الانقلاب بحمل السلاح والإجبار على الاندحار، فلم نر حرباً تتبادل فيها الأطراف المدججون بالسلاح القتل والتدمير، بل رأينا حراكاً شعبياً مدنياً، من أجل رسو سفينة الوطن على ساحل الأمان بنشر العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات، وقبالة ذلك كان هناك إمعانٌ في القمع والتفريق، ورأينا من بين مناصري ذاك، إسقاط وصف الانقلاب على الطرف الشعبي. لا بأس، لن نختلف معكم في إنقلاب الشعب على سلطاته، التي لم تكن من خياراته، ولكننا لن نتفق معكم، حول حكم الوطن بالمذهب، فلا مذهبكم أهل بذلك ولا مذهب الآخرين، بل مذهب المواطنة المتساوية، فلا تدّعوا على الآخرين ما أتيتم به.

وسوءات قلة من أفراد من المذهب، التي درجتم على تشويه المذهب الآخر بها، لا يخلو مذهبكم من سوءات أفراد مثلها وأكثر، المذهب في كلتا الحالتين منهما براء، فلا تأخذوا على الغير ما يموج به حالكم، بل استنصروا الحق في مذهبكم بالحق في المذهب الآخر، وادرءوا الباطل لديكم ولديهم، واجتمعوا شعباً وسلطات بما يمطر على الوطن زخات العدالة والمساواة، فلا غيرها يخرج البحرين من أزمة طالت لسنوات ثلاث، الأمر المختلف، عما عهده الشعب والسلطات، من أزمات سابقة.

إن الأزمة بين الطرفين، الشعب والسلطات، أضحت متأصلة، ولا ينفع فيها ماحدث من انتقامات، تطال القتل والتعذيب المفضي إلى الاستشهاد، وإفلات الجناة من العقاب، واكتظاظ السجون بالمحكومين والمعتقلين والموقوفين على ذمة قضايا يمتد التحقيق فيها لسنوات، ولن يفيد استحثاث السلطات ومواليها للاحتراب الطائفي، فالآخرون أكثر صبراً واحتمالاً على الأذى الفردي، تضحيةً لقضايا الوطن، وهم بذلك يثبتون أنهم أهل الوطن، وليسوا طارئين عليه، وأن الوطن ينجرح بجرحهم، ولابد من الثبات والصبر، الذي سيؤتي أُكُلَه ولو بعد حين.

ماذا تبقى في الجعبة؟ هل الاعتقال والتهجير بسحب الجنسيات الأصيلة، حقاً إنسانياً وقانونياً، لمئات الآلاف من المواطنين، وهل ستتسع السجون المكانية والوجدانية لهذا التعداد، وهل نَفَعَها ما جنت عليهم من تطاول على الكرامة الإنسانية، التي جمعت الموالين بتبعيتهم اللاإرادية والمعارضين بالعقاب، إلا قلة من الطرفين، منتفعة من الوضع، والتي تأبى التغيير إلا إلى الأسوأ، أم أنها في حالة انتظار أن تؤتي مظالمها المستمرة أن يسود المجتمع الاحتراب والخراب، لتوكِل إلى بسطاء الناس الحرب نيابةً عنها في معركةٍ لن تنجو هي الأخرى من سعيرها، بل تطالها في أول من تطال، أم أنها تنتظر الإجبار من المجتمع الدولي، المتصارعة فيه مراكز القوى والمصالح، بما يغنيها عن المبادرة بإصلاح ذات البين، امتناعاً بمبدأ العزة بالإثم، وعليّ وعلى أعدائي، كما صيحة شمشون الجبار حين هدم المعبد على من فيه؟.

يعقوب سيادي
صحيفة الوسط البحرينية -  الأحد 24 نوفمبر 2013م