المنشور

زيارة أوباما للسعودية في ظل السياسة الجديدة

زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للسعودية يوم أمس الجمعة (28 مارس/
آذار 2014) تعتبر أهم زيارة إلى المنطقة منذ اندلاع الاضطرابات في البلدان
العربية مطلع العام 2011، ضمن ما عُرف بالربيع العربي.

المحادثات
التي أجراها الرئيس الأميركي مع العاهل السعودي لا شك أنها تناولت مختلف
الملفات التي يختلف عليها الطرفان، وهي جميع الملفات تقريباً، ربما فيما
عدا ملف اليمن. إضافة إلى كل ذلك، فإن العلاقات الخاصة بين أميركا
والسعودية تعود إلى فترة طويلة جداً منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية،
وهي علاقة ارتبطت بسعي أميركا لاستقرار تدفق النفط إلى السوق العالمية
مقابل توفير الحماية الاستراتيجية للدول الحليفة في المنطقة.

بعيداً
عن الطرح الذي يهول في الخطاب والشعارات، فإن السياسة الجديدة التي يتبعها
أوباما في الشرق الأوسط تعتمد على ما أوضحه في كلمته أمام الجمعية العامة
للأمم المتحدة في 24 سبتمبر/ أيلول 2013. فنحن نرى حالياً توسعاً للوجود
الأميركي العسكري في المنطقة بخلاف ما هو مطروح في الإعلام عن إعادة توجيه
الارتكاز الأميركي إلى شرق آسيا.

لقد كتب أستاذ جامعة كولومبيا «غاري
سيك» ملخصاً عن رؤية أوباما نحو المنطقة، موضحاً بأن الهيمنة العسكرية
الأميركية المصحوبة بتحرك دبلوماسي واقتصادي مكثف في الخليج أصبح جزءاً لا
يتجزأ من الوضع في الخليج، وأميركا لها وضع استثنائي ولا يمكن الاستغناء
عنها في المستقبل المنظور. هذا الوضع بدأ في العام 1971 ثم تطور في
ثمانينات القرن الماضي عندما تشكلت قوات التدخل السريع التي أصبحت الآن
مجموعة متكاملة من القواعد والتسهيلات الدائمة من شمال الخليج إلى جنوبه،
وبالقرب منه من كل جانب، ولاسيما بعد الاجتياح العراقي للكويت في 1990، ومن
ثم الغزو الأميركي للعراق في 2003.

انشغل أوباما في ولايته الأولى
بإنهاء الحرب في العراق، وهو يستعد حالياً لإنهاء حالة الحرب في أفغانستان،
التي تعتبر أطول وأغلى الصراعات في تاريخ الولايات المتحدة. وفي هذا الوقت
بالذات تعقدت أوضاع المنطقة وزادت القضايا من كل جانب في وقت سعت أميركا
للخروج من كساد عظيم عمَّ العالم بسبب الأزمة المالية التي بدأت في 2008.
وعليه، فإن السياسة الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط تنص على أن الولايات
المتحدة مستعدة لاستخدام كل عناصر القوة، بما في ذلك القوة العسكرية،
لتأمين مصالحها الأساسية في المنطقة، وأن أميركا ستواجه أي اعتداء خارجي
(وليس داخلياً) ضد حلفائها، وأنها ستعمل على ضمان التدفق الحر للطاقة إلى
كل أنحاء العالم. وفي الوقت ذاته، فإن أولويات أميركا تتضمن تفكيك الشبكات
الإرهابية التي تهدد أمنها، وإنها لن تتسامح مع تطوير أو استخدام أسلحة
الدمار الشامل.

أميركا في عهد أوباما تفضل الدبلوماسية على العمل
العسكري، مع إفساح المجال للأطراف الأخرى المؤثرة للدخول في كيفية معالجة
قضية ما، ولكنها ستلجأ إلى القوة إذا احتاجت إلى ذلك.

الاستراتيجية
الجديدة لم تذكر أي شيء عن الدفاع عن مبادئ الحرية والديمقراطية (لأنها لا
تفرض بالقوة)، ولم تتحدث بالحماس السابق عن أمن إسرائيل أو أي بلد آخر في
المنطقة، وإنما تحدثت فقط عن مساعدة الحلفاء ضد العدوان الخارجي المباشر.
فوق هذا وذاك، فإن أوباما يهمه أن يحقق إنجازاً ملموساً في تهدئة المنطقة
عبر معالجة الملف النووي الإيراني، وتحريك عملية السلام بصورة أكثر جدية،
دون تجاهل قضايا ترتبط بحقوق الإنسان وتحرير التجارة في المناطق التي تؤثر
فيها. وعلى ضوء ما أعلنه أوباما بشأن سياسته الجديدة في الشرق الأوسط فإنه
يمكننا أن نستقرئ شيئاً مما قد توصل إليه خلال زيارته أمس للسعودية.

منصور الجمري