المنشور

مخصصات دعم الوقود الأحفوري

يعتبر
موضوع الدعم المالي، المباشر وغير المباشر، الذي تقدمه الحكومات للوقود
الاحفوري، أحد أكثر المواضيع إثارةً للجدل في المداولات الدولية . ويمكن
القول إن الوقود الاحفوري (النفط والغاز والفحم) يتعرض في الآونة الأخيرة
لضغط لا سابق له، من زاويتين، مالية وبيئية .
على هذين المسوغين تتركز
موجة النقد الحالية الموجهة لمخصصات دعم الوقود الاحفوري . فهي، أي مخصصات
دعم هذا الوقود، تتسبب – من وجهة نظر الناقدين – في سوء تخصيص الموارد في
الاقتصاد، لاسيما فيما خص الاستهلاك المفرط للوقود الاحفوري نفسه، وإضافة
أعباء على المالية العامة، فضلا عن مساهمتها في زيادة انبعاثات الكربون .
وتسجل
الحملة الأوروبية الغربية المنسقة دعائياً ضد دعومات (Subsidies) الوقود
الاحفوري، ارتياح الدوائر التي تقف خلفها وتصفيقها للدول التي استجابت
لحملة “تكفير” دعومات الوقود الاحفوري، بقيامها بإجراء خفض كبير والغاء
لهذا الدعم وترتيبا رفع أسعار الوقود لديها، مثل الأردن والمغرب وأندونيسيا
وماليزيا . ومع ذلك تقول هذه الأوساط إن دوافع هذه الدول لخفض مخصصات
دعوماتها هي محض اقتصادية ومالية، من دون أن يكون للبعد البيئي نصيب في
دوافعها لتغيير موقفها من الدعم . حيث أصبح العبء المالي لهذا الدعم غير
محتمل بعد أن تضاعفت أسعار النفط خلال الفترة من 2009 إلى ،2012 ما رفع
تكلفة الدعم في الاردن على سبيل المثال عشر مرات، فيما هو يشكل أكثر من 5%
من اجمالي الناتج المحلي .
وتقدر وكالة الطاقة الدولية أن حجم دعم
الوقود الاحفوري قد ارتفع في العالم من 311 مليار دولار في عام 2009 إلى
544 مليار دولار في عام 2012 . ويزايد صندوق النقد الدولي على تقديرات
وكالة الطاقة الدولية بالقول انه في حال ادراج خسارة الايرادات الضريبية
سيرتفع الرقم إلى نحو 2 تريليون دولار، ما يوازي 8% من الايرادات الحكومية .
ويزيد الصندوق على ذلك بالقول إن 15% من اجمالي الانبعاثات العالمية ناجمة
عن الافراط الاستهلاكي للوقود الاحفوري . وبتخفيض الدعومات المخصصة له فإن
الدول المتقدمة ستتمكن من مقابلة أهدافها الخاصة بخفض الانبعاثات فوراً،
وبإزالتها كلياً سيتمكن العالم من رفع الكفاءة الاقتصادية ويحرر الانفاق
الحكومي ويوجه مخصصاته لأوجه انفاق تتسم بالاستدامة مثل التعليم والبنية
التحتية لوسائل المواصلات العامة .
هل من حلول يعرضها المنادون، في أوروبا الغربية خصوصاً، بالتخلص من الدعم الذي يلقاه الوقود الاحفوري؟
في
الواقع أن الذم والحط من شأن الوقود الاحفوري أوسع نطاقا من الحلول
العقلانية والعملية التي يطرحونها . صندوق النقد الدولي الأكثر عملية في
هذا الجانب، فهو يعتبر ان 5 سنوات، كمرحلة انتقالية، كافية للتخلص نهائياً
من مخصصات دعم الوقود الاحفوري . ولكنه، كبقية المتحمسين في دعوتهم للتخلص
من هذا الدعم، لا يملك إجابات مقنعة إزاء المعطيات الواقعية المحيطة بموضوع
الدعم، والمتمثلة أساساً في ما يلي:
1 . ان الابقاء على هذا الدعم في
جميع بلدان العالم، المتقدمة والنامية على حد سواء، هو حالة اضطرارية
حكومية، وورقة انتخابية للمتنعمين بمزايا عضوية السلطات التشريعية . إذ
لولا الخشية من ردات فعل الرأي العام، لما تطلب أمر ازالة الدعم كل هذا
الجدل الواسع والمتجدد ولكن الفاقد لإرادة وآليات التطبيق . وهذا بالضبط ما
يفسر الحل غير الواضح وغير المقنع الذي اقترحه صندوق النقد للتخلص منه
بصورة هادئة، متدرجة تمتد على خمس سنوات، يراها مناسبة لاستيعاب ردات الفعل
الغاضبة لجمهور المستهلكين .
2 . وإذا كان بالإمكان استيعاب ردة فعل
الجمهور، “بتجريعه” مرارة غزالة الجعم بصورة متدرجة (على مدى خمس سنوات)
كما يقترح صندوق النقد، فكيف سيتم التغلب على مصدر المقاومة الرئيس لهذا
القرار، وهو الشركات النفطية الكبرى وشركات صناعة السيارات المرتبط مصيرها
بانتاج وتسويق النفط، التي تشكل أقوى لوبي مصالح ذي سطوة هائلة على
السلطتين التنفيذية والتشريعية .
3 . إن التحول من نمط استهلاكي للطاقة
عالي التكلفة إلى نموذج متقشف (إن جاز التعبير) يتطلب تغيير ثقافة
الاستهلاك السائدة . وهذا يتطلب توفير شروط تتجاوز الآلية التقنية
(الزمنية) التي اقترحها صندوق النقد، وذلك برسم تراجع مجموعة العشرين عن
قرارها السابق القاضي بالتخلص الكامل من دعم الوقود الاحفوري بحلول عام
،2020 وتمديد الموعد حتى عام 2030 . – See more at:
http://www.alkhaleej.ae/analyzesandopinions/page/4b74023f-e23d-4560-8f1b-b68440f881be#sthash.W7ocfrup.dpuf