المنشور

أعمال همجية تُقابل بالصمت

في العراق
قامت مليشيات “داعش” في السادس من أبريل/ نيسان الماضي بإغلاق سدة الفلوجة
وقطع جريان نهر الفرات إلى وسط وجنوب العراق بهدف تدمير مزارع وممتلكات
وحياة ملايين العراقيين .
وفي سوريا قامت التشكيلات الإسلامية المسلحة
بقطع إمدادات المياه عن المناطق الغربية في حلب الواقعة تحت سيطرة الدولة،
بهدف إحالة حياة سكانها إلى جحيم .
وفي نيجيريا أقدم مسلحو جماعة “بوكو
حرام” الإرهابية مساء الاثنين 14 أبريل/ نيسان 2014 على اقتحام مدرسة
للبنات في ولاية بورنو شمال شرقي نيجيريا واختطفوا 230 تلميذة وأضرموا
النار في البلدة المحيطة بالمدرسة . 
ولو عدنا بالذاكرة قليلاً إلى
الوراء سنجد أن هذه الأفعال الشنيعة ليست مقطوعة الصلة عن الجرائم
الإرهابية العديدة التي نفذها تنظيم القاعدة في غير بقعة عالمية منذ
ثمانينات القرن الماضي، حين أسهمت أجهزة المخابرات الأمريكية والأوروبية
على إنشاء هذا التنظيم بدفع من إيديولوجيا اصطناعية عمادها “الجهاد” ضد
قوات الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، قبل أن يتحول التنظيم بعد انشقاقه عن
تلك الأجهزة وشق عصا الطاعة على رعاته، إلى ما يشبه الشركة القابضة
المتعددة الجنسية تملك فروعاً متفاوتة الأحجام في العديد من بلدان المعمورة
. وكان الغرب الذي صنّع هذا “الفيروس” في مختبراته قبل أن يخرج عن سيطرته،
شاهداً على هذه المسيرة التطورية للتنظيم الذي تتواضع النازية الألمانية
أمام أفعاله البربرية . وهو، خصوصاً الغرب الأمريكي، حرص، بعد “انفقاس بيضة
الفيروس وخروجه من معمل التصنيع”، على إبقاء التعامل مع التنظيم على خطين
متوازيين، على الخط الأول العمل بكل الوسائل السرية وشبه السرية على تصفية
الخارجين على طاعة مُنشئهم وراعيهم، وعلى الخط الثاني توظيف الجسم “غير
المعطوب” من التنظيم أينما وحيثما تطلبت دواعي السياسة الأمريكية الخارجية
الخادمة لهدف صون وتثقيل وزن المصالح الأمريكية عبر العالم .
لذلك لم
يكن غريباً أن تأتي ردة الفعل الغربية غير مكترثة، وفي أحسن الأحوال باهتة،
على جريمة خطف التلميذات النيجيريات . لتبلغ الإثارة ها هنا ذروتها بإشهار
السيدة الأمريكية الأولى ميشيل أوباما غضبها من لامبالاة بلادها والعالم
بهذه الجريمة النكراء، ما دفعها للحلول محل زوجها الرئيس أوباما في إلقاء
كلمته الأسبوعية، في خطوة نادرة الوقوع، لتعبر عن “الغضب الإنساني وانفطار
القلب”، بحسب تعبيرها . وهو الغضب الذي استرعى انتباه بعض واجهات الميديا
الغربية التي زادت اهتمامها بالكارثة، وإن عالجت هول الجريمة الذي تمثله
باعتباره موضوعاً إشكالياً أكثر منه جريمة ضد الإنسانية، لدرجة أن بعض تلك
الميديا ذهب لحد نصح الحكومات الغربية لتجنب الصدام مع “بوكو حرام” ما دامت
تُقصر عملياتها، حتى الآن، على بلادها من دون التعرض للمصالح الغربية .
وحسبنا
أن الغرب ربما يهدف من وراء ذلك، العمل، على قدر ما تسمح به حدود مناوراته
الدبلوماسية اللفظية، بمبدأ السلامة، والمتمثل في انتهاج سياسة “الغموض
البديع” في بعض “الملفات الدولية الخاصة” لكي يجنب نفسه الزج بها في
“عشوائية” التداولات الدولية، السياسية والدبلوماسية، وحتى الإعلامية ذات
الصلة بملفات تلك القضايا .
ولما كانت “بوكو حرام” نفسها، قبل بشاعة
جرائمها، تندرج، على ما نفترض، ضمن تلك “المسائل الحساسة” بالنسبة للأجندات
الخفية لاستراتيجيات السياسة الخارجية للغرب ولذراعه العسكرية الضاربة
“حلف الناتو”، لأنها، و”بوكو حرام” هنا مثالاً، تضعهما في حرج شديد، بحسبان
أنها إحدى مخرجات “معامله” الفكرية والإيديولوجية، أو خزانات أفكاره
(Think Tanks) كما تسميها المشيخة الفكرية الأمريكية . ولعلنا نستذكر هنا
التقاليد التي أرساها اليمين الأمريكي، وفي اقتفاء أثره، الأوروبي،
والمؤسسة على ثالوث الفلسفة السياسية للأب الروحي للتيار المحافظ الجديد في
الولايات المتحدة والعالم “ليو شتراوس”، وهي ضرورة استخدام الخداع
(Deception) في السياسة، لاسيما في السياسة الخارجية، وتوظيف المشاعر
والحماسة الدينية في السياسة، والتوسع في توظيف النزعات القومية في خدمة
الأهداف السياسية، إضافة إلى مبدأ شتراوس الفلسفي السياسي الذي اشتقه على
ما هو واضح من الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه ومن نظرائه البائدين من
سفسطائيي أثينا القرن الرابع قبل الميلاد، والمتمثل في “أن هناك حقاً
طبيعياً واحداً هو حق الصفوة المتفوقة في حكم كل الفئات المهمشة” . . وكل
ذلك في إطار الهدف “الفلسفي” السياسي الأكبر، وهو كيفية التحكم في
المجتمعات والسيطرة عليها وإدارتها بطريقة مستديمة وآمنة .
في شريط
فيديو مسرب بعد الجريمة قال زعيم مليشيا “بوكو حرام” أبوبكر شيكاو أن
جماعته ستعامل الفتيات المختطفات على أنهن سبايا وستقوم ببيعهن وتزويجهن
بالقوة! فكيف كانت ردة الفعل من جانب من تطوع ونصب نفسه زعيماً “لإدارة”
شؤون العالم ومجتمعاته؟ لا شيء اللهم التحرك على استحياء لمسايرة موجة
الغضب العالمية بالمشاركة الرمزية في عمليات البحث عن التلميذات، إنما ليس
على غرار حملة البحث عن الطائرة الماليزية المختفية! – See more at:
http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/14e18ed5-a751-425c-9a11-d34b1caf7ac7#sthash.8bJsWvMm.dpuf