المنشور

ما قبل المقاطعة أو المشاركة في الانتخابات


العملية الانتخابية، هي واحدة من الممارسات لتطبيق الديمقراطية، فينتخب الشعب بشكل أولي مجلسه الدستوري (التأسيسي)، الذي يؤسس للتوافق الوطني على النظام السياسي لإدارة الدولة، ويؤسس للمبادئ الحقوقية، سواء في جوانبها الإنسانية، التي تصونها جميع سلطات الدولة، وتكون المنارة التي تهتدي بنورها تلك السلطات، في التعامل مع المواطنين، بالعدالة والمساواة، لا تمييز بينهم، لحفظ إنسانيتهم وكرامتهم؛ أو في جوانبها الخدمية لحماية المواطنين ورعايتهم ضد العوز والجوع والجهل والمرض. فتعمل السلطات جادةً، وبالأمانة التي تستثمر للوطن ثرواته، لتنهض بخدمات الإسكان وتوفير فرص العمل في جميع التخصصات، وإشاعة التعليم المتطور من محو الأمية وصولاً إلى التعليم الجامعي العالي، عبر ربط مخرجات التعليم بسوق العمل، وتوفير وسائل التطبيب، من المستشفيات والمراكز الصحية، المعنية بالوقاية والعلاج، وتطوير البنى التحتية بما يسهل الحياة على الجميع.

والديمقراطية هي المحافظة على ثروات الوطن وحمايتها من السرقات والفساد، وحسن إدارتها بما يحفظ للأجيال المتعاقبة، الحياة الأفضل من آبائهم، وبما يؤصل ويطور للشعب، حقه في العيش بالعدالة والمساواة والكرامة والحرية، وبما يؤسّس ويطوّر آليات أن يمارس الشعب حقه في انتخاب سلطاته، وحق قبولها أو رفضها، وبالتالي إبدالها، ومحاسبتها عبر الرقابة، ووضع حدود مسئولياتها عبر التشريع، فينتخب الشعب من يمثله، سواء لسلطة الرئاسة، أو سلطة الشعب التشريعية، أو سلطة الشعب التنفيذية، وكذلك سلطته القضائية.

والديمقراطية مبنية أساساً، على أن الشعب الذي يجمع مواطني الدولة، بجميع مشاربهم، هو الأصل، وعلى مبدأ أن «الشعب مصدر جميع السلطات» وسيّدها، والسلطات هي الخادمة له، وهي تنبثق منه في أفرادها، عبر انتخاب الشعب لها، وتوكيلها إدارة شئونه، حسب ما رسم لها من مهام في توافقه الوطني على الدستور. فالسلطات موظَّفَةٌ لدى الدولة، يراقب الشعب أفرادها، ويحاسبهم ويعزلهم ويبدلهم، ويدينهم ويعاقبهم، من خلال ما ينتخب من سلطات، حسب دور كل منها الموصوف في الدستور، ما بين السلطة الرئاسية والقضائية والتشريعية والتنفيذية.

والديمقراطية هي الاكتمال بجمع الإختلاف، الذي يتبدى طبيعياً في تناوب سلطات الدولة، ما بين الطرف الحاكم القائم وما بين المعارضة، فيتناوب الطرفان مواقعهما، ما بين استفراد طرف، أو الطرف الآخر، أو جمعاً ما بين الطرفين، أو مزجاً بين عدة أطراف، استجابةً للقرار الشعبي الحر المباشر، من خلال صناديق الاقتراع، فلا ديمقراطية لدولة، تُنتهك فيها حقوق المواطنين، كونهم معارضين لسلطات الحكم، ولا ديمقراطية لدولة يصد ظلم سلطاتها القائمة، معارضيها عن المشاركة في إدارة الدولة، من حيث أن الوطن لا يملكه طرفٌ دون الآخر، بل يملك الوطن جميع مواطنيه، وحقّ على الجميع أن لا يهمّش أو يدفع الآخر خارج حدود الوطن، أو خارج سمات المواطنة والوطنية.

والديمقراطية هي أن تظل جميع هياكل الدولة، بإداراتها وموظفيها، دون مس بأي منهم، يواصلون العطاء الوطني، تحت قيادة هذا الطرف أو ذاك، من السلطات التي يختارها الشعب، وبالذات تلك الأجهزة المعنية بالأمن العام والدفاع عن الوطن ضد أي اعتداءٍ خارجي، فهذه يتأصل واجبها الوطني والوظيفي، في خدمة الوطن والمواطنين، ليس إكراماً لسواد عيون هذا المسئول أو ذاك، بل إخلاصاً للوطن وللمواطنين، فالوطن هو الباقي، والشعب هو المتجدّد في إستمراره، وأفراد السلطات أسرع فناءً، سواء وظيفياً أو حياة.

وفي الدولة المدنية الحديثة، السلطات مهما كان منشؤها، لا تكتسب شرعيتها، ما لم يقبلها شعب الدولة، سواءً بالرضا العام الجامع من الشعب، أو برضا الفريق الغالب منه تعداداً، مع حفظها، أي السلطات، لحقوق مخالفيها من المواطنين، على أرضية أن الشعب هو المعني بإيكال مهام إدارة الدولة (الوطن)، إلى هذا الفريق المواطني أو ذاك.

والقانون لا يكتسب صفته وقوته وحقوقيته، ما لم يتساوَ أمامه المواطنون، من أضعفهم إلى أقواهم، لأن القانون يسود على الجميع، ولا تتحقق للشعب، الذي هو جمع المواطنين، مصدرية السلطات، إلا من خلال صوته الحر المباشر، سواء الإنتخابي أو الإستفتائي، أو صوت وكيله الذي ينتخبه بصوته الحر المباشر، من دون أدنى وصاية أو ضغط، من قبل أية سلطة في الدولة، فمتى ما اختلّت هاتان القاعدتان للديمقراطية، سقطت الدولة في صفتها المدنية والديمقراطية والدستورية، وسقطت شرعية سلطاتها. ولنا مواصلة.
 
صحيفة الوسط البحرينية – 16 نوفمبر 2014م