المنشور

ضغط غربي متواصل لإنجاح مؤتمر باريس لتغير المناخ

وجهت
80 منطمة غير حكومية تمثل القارات الخمس خطابا إلى المفاوضين لاستبعاد مثل
هذه المقاربات في مجال التخفيف وإبعاد حقوق الأرض عن مداولاتهم .


بالرغم
من فرص الفشل القوية التي مازالت تحيط بنتائج مؤتمر الأطراف ال 21 لتغير
المناخ الذي سيعقد في باريس من 30 نوفمبر/تشرين ثاني إلى 11 ديسمبر/كانون
أول ،2015 كما أوضحنا ذلك في مقالنا السابق “ما مصير النفط في مؤتمر باريس
لتغير المناخ”، فإن عوامل نجاح المؤتمر صارت تسابق عوامل فشله، وذلك برسم
التطورات المتسارعة المتصلة بمسودة البروتوكول التنفيذي الجديد لاتفاقية
الأمم المتحدة لتغير المناخ (UNFCCC) الذي سيحل محل بروتوكول كيوتو المنتهي
أمده منذ شهر ديسمبر ،2012 والتي تعكس عملاً غربياً منسقاً ودؤوباً لإنجاز
هذا الهدف، وجعل استحقاق تطبيقه سارياً على جميع الدول الأعضاء في
الاتفاقية، بما فيها الدول النامية التي استثنيت من الالتزامات (بخفض
الانبعاثات) في البروتوكول السابق . ولعل أبرز هذه المستجدات توصل أطراف
التفاوض (194 دولة) في الثالث عشر من فبراير/شباط الماضي بعد مفاوضات
استمرت اسبوعا في جنيف، إلى مسودة اتفاق من 86 صفحة، يغطي مواضيع التخفيف
(Mitigation)، والتكيف (Adaptation)، والتمويل، ونقل التكنولوجيا، وبناء
القدرات، على أمل أن يتم اقراره بصورة نهائية في مؤتمر الأطراف في باريس
أواخر هذا العام، وعلى أن يبدأ سريانه اعتباراً من عام ،2020 وذلك وفقا
لمنهاج دوربان (Durban Platform) الذي أُقر في مؤتمر الأطراف ال 17 الذي
عقد في دوربان بجنوب إفريقيا من 28 نوفمبر إلى 9 ديسمبر 2011 . وحال
الانتهاء من إعداد مسودة الاتفاق باللغات الست الرسمية المعتمدة في الأمم
المتحدة، سوف يتم إرسالها إلى الحكومات، وهو ما يُتوقع حصوله نهاية شهر
مارس الجاري .


وفي الاجتماعات التحضيرية التي تعقدها عادةً أطراف
التفاوض قبل انعقاد مؤتمر الأطراف السنوي لتغير المناخ، لاسيما الاجتماعات
الثلاثة المهمة التي تحتضنها مدينة بون الألمانية، الاجتماع الأول من 1 إلى
11 يونيه ، والاجتماع الثاني من 31 أغسطس إلى 4 سبتمبر والثالث من 19 إلى
23 أكتوبر ،2015 سوف تركز الفرق الفنية للوفود المشاركة في المفاوضات على
تحديد القضايا الرئيسية ذات الاهتمام الأكبر في مسودة الاتفاق لتضمينها
اتفاق باريس، وتحديد المواضيع المناسبة لاتخاذ قرارات بشأنها في باريس .
ففي حين سيتم تضمين الاتفاقية، على سبيل المثال، إنشاء آلية تكفل سرعة
الاستجابة للرد على تحدي تغير المناخ، فإن التفاصيل بشأن كيفية عمل هذه
الآلية سوف تتكفل بها القرارات المرفقة بالاتفاقية التي ستصدر عن لقاء
باريس .


حكومات الدول الأعضاء في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير
المناخ مطالبة بتقديم عروضها لخفض الانبعاثات خلال الموعد المحدد، وهو بين
شهري مارس ويونيه 2015 . إلا أن سويسرا قدمت عرضها فيما يتعلق بالمساهمة
الوطنية المعتزم تحديدها .


(Intended Nationally Determined
Contribution) قبل هذا الموعد، وذلك في 27 فبراير 2015 كأول دولة تفعل ذلك .
وكانت هذه الآلية قد اختيرت لاستدراج عروض الدول حول مساهمتها، والتي يجب
أن تتضمن تفاصيل عن خفض الانبعاثات التي تتعهد بها، إضافة إلى إمكانية
تضمينها خططاً عملية حول القضايا الأخرى ذات الصلة مثل التكيف .


ولحق
الاتحاد الأوروبي بسويسرا، حيث قدم عرضه الخاص ب”مساهمته الوطنية المعتزم
تحديدها (INDC) يوم السادس من مارس 2015 . وتتوقع الرئيسة التنفيذية
لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ كريستيانا فيغيريس (
Christiana Figueres) أن يبادر مزيد من الدول المتقدمة لتقديم عروضها في
الأيام القليلة المقبلة . وهذا مفهوم، فهي الأكثر تحمساً لسرعة نسخ كيوتو
باتفاق يُلزم الصين والهند وبقية الدول الصاعدة في العالم النامي بتحمل قسط
من كلفة خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري .


ولكن في الوقت الذي
تعهد فيه الاتحاد الأوروبي بالعمل على أن يكون البروتوكول التنفيذي الجديد
لاتفاق المناخ المقرر اقراره في باريس، ملزماً قانونياً للدول الأعضاء، بل
ان بعض الدول ترغب في فرض عقوبات على أكثر الدول نفثا للانبعاثات وغير
الموافقة على الاتفاق، فإن إدارة أوباما تسعى، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”،
إلى التوصل لاتفاق غير ملزم للدول بهدف تفادي الذهاب للكونغرس الذي يسيطر
عليه الجمهوريون، للحصول على مصادقته على الاتفاق .


كذلك يضاف إلى
المستجدات التي من المؤكد أن تشهد شداً وجدباً خلال الاجتماعات التحضيرية،
لاسيما اجتماعات بون الثلاثة التي ستسبق انعقاد لقاء باريس، مساعي عدد من
وفود الدول الغربية لتضمين الاتفاق الجديد نصاً يتعلق باستغلال الأراضي
لإيداع غاز ثاني أكسيد الكربون في باطن الأرض، وهو مسعى يلقى معارضة قوية
حتى الآن ليس من الدول الأعضاء وحسب، وإنما من جانب منظمات المجتمع المدني
أيضاً، حيث وجهت 80 منطمة غير حكومية تمثل القارات الخمس خطاباً إلى
المفاوضين لاستبعاد مثل هذه المقاربات في مجال التخفيف وإبعاد حقوق الأرض
عن مداولاتهم .


الآن، ما الذي يتعين على دول مجلس التعاون، والدول
العربية البترولية بصفة عامة، فعله إزاء هذه المستجدات الضاغطة على نحو
واضح وصريح على جميع الدول النامية الأعضاء في اتفاقية الأمم المتحدة
الإطارية لتغير المناخ (مجموعة ال 77 + الصين)، خصوصاً منها الصين والهند
والبرازيل ذات الثقل بسياساتها الاستقلالية الصريحة ومعها الدول الرئيسية
المنتجة والمصدرة للبترول؟


نظراً لضيق المساحة فإننا باختصار نقترح على
وفود هذه الدول التمهل وعدم التسرع في تقديم أي عروض سابقة لأوان معرفة
هوية وشكل الالتزامات التي ستقدمها الدول المتقدمة، ومعرفة ردود أفعال بقية
أعضاء منظومة مجموعة ال 77 . فهذه التواريخ التي تضعها سكرتارية الاتفاقية
ليست مقدسة، ولسوف يعاد جدولتها مرة وأخرى نتيجة لعدم اكتمال النصاب
المطلوب لإنشاء التزامات مربوطة . ولنا وقفات أخرى لمتابعة هذا الموضوع
الذي يشكل أحد أكبر التحديات التي يمكن أن تهدد عرش الوقود الأحفوري والنفط
منه على وجه الخصوص في المستقبل .