المنشور

راحت السّكرة وحضرت الفكرة




يبدو أننا قد بدأنا في الدخول
إلى دائرة الدول المستهدفة بالأعمال الإرهابية، كما كان مخطط لها منذ سنتين أو
أكثر، وكما حذرنا من مغبة التهاون مع تنامي الفتن الطائفية في منطقتنا، فالتفجير
الذي حدث في مسجد القديح بالقطيف، ثم استهداف مسجد العنود بالدمام، وقبلها الجريمة
البشعة والنكراء في حسينية الدالوة بمحافظة الأحساء في المملكة العربية السعودية،
لم يكن أمراً غير متوقعاً أو مفاجئاً، بل توقعناه رغم سخطنا واستنكارنا لهذه
الجرائم البشعة.



ففي العام الماضي سرّبت خطط
داعش للتمدد في الخليج والجزيرة العربية، وضمن هذه الخطط تقسيم المملكة السعودية
إلى خمس ولايات، كما صرح أحد قادة الإرهابيين الدواعش بعد سيطرتهم على مساحات
واسعة في سوريا والعراق، وأن الكويت ستكون أولى الدول المستهدفة التي ستُضم إلى
الدولة الإسلامية، وقد كتبنا عدة مرات وحذرنا إلى خطورة هذه التصريحات والخطط،
وضرورة أخذ التهديدات بجدية، ليس فقط كما تقول التصريحات الحكومية:” بأخذ
الحيطة والحذر”، ولكن باتخاذ إجراءات عملية وشجاعة من شأنها أن تجمع الشعب
الكويتي حول قيادته، ومساهمته في القضاء على بوادر ظاهرة التطرف والغلو الديني،
والابتعاد عن الشحن الطائفي والقبلي.



إذ لا يمكن القضاء على
الأفكار المنحرفة التي تتخذ من الإسلام ذريعة، دون خطوات جدية لردع الإرهاب
وملاحقة الخلايا النائمة والمحرضين والممولين للجماعات الإرهابية، وكذلك ضرورة ردع
اتجاهات ودعاة الكراهية والفتنة الطائفية والقبلية، والتركيز على الخطر الماحق قبل
فوات الأوان، وليس التركيز على المعارضة السياسية التي تهدف إلى الإصلاح،
وملاحقتها وسجنها وترك الدعوات المتطرفة تنتشر في المساجد والمدارس.



إن حماية مجتمعنا من الحروب
الأهلية والصراعات الطائفية، يتطلب إطلاق الحريات الديمقراطية، وتحقيق العدالة
الاجتماعية وتكافؤ الفرص، وإعادة الاعتبار إلى دستور الحد الأدنى في الكويت، والعودة
إلى الشعب مصدر السلطات جميعاً، والتخلي عن نهج الانفراد بالسلطة والقرار، والقضاء
على الفساد والإفساد التي لا يهمها تقدم البلد، بل كل ما يهمها نهب ثرواتنا
النفطية، وقضم أكبر قدر من الكعكة، وليذهب الوطن والشعب إلى الجحيم.



وكثيراً ما ردّت حكومتنا على
منظمات حقوق الإنسان الدولية، وتقارير المؤسسات الدولية حول التمويل الكويتي
الكبير للإرهابيين، بالتعنت ونكران ذلك باعتبارها إدعاءات لا أساس لها، وإن
التبرعات ذات نوايا واتجاهات خيرية، ولكن السكين قد وصلت إلى النحر، فلا مجال
لمجاملة القوى السياسية الإسلامية، التي تم التراخي عن مراقبتها ومحاسبتها في
السنوات الماضية بل ورعايتها.



الأمر في غاية الخطورة
والجدية، والمطلوب الآن ليس فقط معالجة النتائج، بل التفكير فوراً وبشكل جدي في
تحويل الكويت إلى دولة مدنية، ومجابهة مظاهر التشدد والغلو والتخلف في مناهجنا الدراسية
وقوانيننا وسلوكنا، وتحقيق أنظمة ديمقراطية مكتملة الأركان وإطلاق الحريات العامة
والخاصة، وسن قوانين وتشريعات حديثة لقيام أحزاب سياسية على أسس وطنية.



لكن التعنت والاستمرار في
ملاحقة المعارضة السياسية، وإعطاء غطاء للجماعات الدينية المتشددة والتراخي عن
اتجاهاتها لتحويل بلدنا إلى دولة دينية ومصدر لتمويل الجرائم الإرهابية، بعيداً عن
روح العصر والمدنية والانفتاح، سيضعف مجتمعنا ووحدتنا الوطنية، ويعمق الشرخ بين
الشعب والسلطة، وسيتيح الفرصة للعصابات الإرهابية لتدمير بلدنا.