المنشور

حدث في 65

قصة قصيرة: عبدالحميد القائد

في بداية المسافة
وارتعاشة الطرق تحت رجليه وكأنه ينطلق لأول مرةٍ
في مهمة كان يعتبرها بطولية
غير آبهًا بوحوش الطريق والفضاء والأماكن الظامئة للحرية مثل قلبه.
في المسافة شبه القصيرة التي اصبحت بلا نهاية، ربما بسبب التوتر والقلق الجاثم على الصدر مثل ليل كابوسي.
كأنه طريق اللايقين، وكأن جانبي الطريق يحملان موتًا فجائيًا. بدأ عبدالله يلهث والعرق يتصبب منه والخوف يسكن كل مساماته، متجهًا الى دكان والده في سوق المنامة، الى مرفأ الأمان بعيدًا عن الخوذات والضجيج او هكذا كان يعتقد.

لم يكن يعلم كيف يبدو شكله ولا حالة ملابسه بعد الواقعة الخطيرة التي مرّ بها. لذلك قبل ان يمضي الى دكان والده عرج على المقهى الشعبي القريب “مقهى يوسف” ليزيل التراب والغبار العالق بقميصه. حين نظر في المرآة شعر بالذهول عندما اكتشف وجود آثار دم على كفيه وساعديه وعلى قميصه الأزرق السماوي الذي كان ممزقًا في عدة اماكن فتساءل كيف سار في الطريق بهذا الشكل . تخلص من آثار الدم بسرعة وغسل وجهه وقميصه ويديه ومشّط شعره وتصرف كأن شيئًا لم يكن. جلس في دكان والده الذي كان ينتظره ليخرج ليقضي حاجاته.

تنفّس الصعداء وهو جالس في الدكان، اصبح الآن على الأقل بعيدًا عن موقع الحدث، المكان الذي تراءى له أنه ملىء بالفخاخ. عاد بريئًا مما حدث او هكذا اقنع نفسه، غير مصدّقًا كيف استطاع ان يفلت من قوات مكافحة الشغب التي تحيط بمدرسته الثانوية بعد أن قفز من السور قفزة غريبة وخطيرة لم يكن بوسعه ان يفعلها في الظروف العادية ولكن لحظات الخطر تجعل المرء يفعل المعجزات..

كان بعض الطلبة قد خططوا للهجوم على المدرسة وتخريب امتحانات الأول ثانوي نظرًا لوجود عدد كبير من الطلبة خلف الشمس وبسبب إضراب الكثير من الطلبة عن تقديم الإمتحانات احتجاجًا على ما حدث وكل ما حدث في إنتفاضة مارس، لكنهم عندما قفزوا الى داخل المدرسة، ودخلوا الصفوف ليخلقوا فوضى عارمة حسب خطتهم، لم يستجب الطلبة الممتحنون واصيبوا بإحباط كبير. اضطروا الى المغادرة بسرعة لكن عددًا من المدرسين بدأوا بملاحقتهم للإمساك بهم، ولم يكن امامه سوى أن يتسلق سور الغرفة المجاورة للمقصف وكانت بدون سقف وكانوا يستخدمونها كمخزن يرمون فيه ادراج وكراسي الطلبة المكسورة، نظر الى الأسفل ولم يجد اية مسافة خالية. قفز على تلك الأدراج غير آبهاً بالمسامير الناتئة وقطع الأخشاب الحادة. انها حلاة الروح! تسلق السور الثاني المؤدي الى الخارج. عندما قفز الى الخارج فوجىء بجيب شرطة قادمًا فإختبأ خلف شجرة كبيرة خلف السور، ولحسن حظه لم يروه.
جلس في الدكان ساهمًا او ربما نادمًا على تصرفه الصبياني الذي لم يكن له معنى منطقي حين يفكر بعقلية هذه الأيام ولكن لأيام الصبا معطياتها ودوافعها وأمزجتها. وبينما كان غارقًا في التفكير، شاهد احد الطلبة وكان يكبره سنًا اسمه “نورس ” الذي توجُه اليه حيث يجلس:

-انت جالس هنا والمدرسة الثانوية مقلوبة رأسًا على عقب.
– ماذا حدث؟
-الطلبة افسدوا الإمتحان وهم يسيطرون على المدرسة الآن.
-لا علم لي يا نورس ولا شان لي بذلك.

في الحقيقة شعر عبدالله بإرتياح كبير وتنفس الصعداء عندما ابلغه هذا الطالب المشبوه المشكوك فيه دائمًا بما حدث وتأكد ان حركتهم نجحت في تخريب الإمتحانات.

حالما مضى ذاك المشبوه، غادر عبدالله الدكان مسرعًا الى مدرسته ليرى مالم يحب أن يراه. مئات الطلبة محتشدين في الساحة مع وجود عدد منهم في الطابق العلوي بقسم الإدارة وهم يرمون ملفات الطلبة من البلكونة والطلبة المحتشدبن في الأسفل يمزقون الأوراق ويطعمون الملفات للهواء وكانت تتساقط ويدوسونها بالأقدام. شعر بعدم ارتياح بل بغصة عميقة وإحباط قوي مما يرى وتنهد بحسرة “آهٍ يا وطني! “، ومضى خارجًا من بوابة المدرسة التي كانت مفتوحة ليشاهد والدته خلف الباب تسال عنه وهي في حالة من الهلع. أمسك بيدها وصمتٌ غريب يلفه وهما في طريقهما مشيًا الى البيت!!

بعد عدة ايام بلغه نبأ فصله من المدرسة!