المنشور

قراءة في الميزانية العامة

لماذا يجب علينا معرفة الزيادة والانخفاض في المصروفات والإيرادات العامة؟ وما أهمية الميزانية العامة لنا كمواطنين؟ وما علاقة السياسة الاقتصادية بالميزانية العامة؟

تختلف قراءة الموازنة العامة من شخص إلى آخر ومن جهة إلى جهة أخرى. فعلى سبيل المثال فإن عضو السلطة التشريعية يهمه ما يمس المستوى المعيشي بشكل مباشر مثل الضمان الاجتماعي والدعم والاسكان، أما المحلل اقتصادي فيهمه دور وتأثير الموازنة في التنمية الاقتصادية بشكل عام ومدى ملائمتها في تنشيط الاقتصاد والتغلب على التحديات الاقتصادية.

ينبغي التذكير أن الميزانية العامة هي الأداة الاقتصادية الوحيدة الفعالة التي تستخدمها الدولة للتأثير على الاقتصاد الكلي، من خلالها يتمّ ضخ السيولة في الاقتصاد، وتنفذ السياسة الاقتصادية، ومن خلالها أيضاً يتم تحقيق اهداف الرؤية الاقتصادية 2030.

يعني هذا أن الموازنة أو الميزانية العامة هي تحصيل ايرادات وتوزيعها لتمويل الخدمات الحكومية على القطاعات الاقتصادية وتسمى مصروفات عامة، فمن خلال هذه الميزانية يمكننا معرفة توجه الحكومة واهتماماتها وأهدافها الاقتصادية والاجتماعية خلال السنة أو السنتين الماليتين القادمتين. فعلى سبيل المثال يمكننا معرفة مدى أهمية قطاع التعليم والصحة للدولة من خلال حجم الأموال المخصصة للقطاعين، وكذلك مشاريع البنية التحتية والاستثمارات.

ويمكننا مقارنة حجم مخصصات التعليم مع دول مختلفة، فعلى سبيل المثال فإن دولة الإمارات تخصص 15% من المصروفات العامة لقطاع التعليم وفي المملكة العربية السعودية 18.8% (ميزانية 2021) بينما لا تزيد النسبة في البحرين عن 5%. وكانت النسبة عام 2015 بلغت 8.8% من حجم المصروفات العامة.

إن دولاً مثل دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية 0ECD تخصص في المتوسط 13% من مجموع نفقاتها العامة للتعليم بمستويات تتراوح بين 10% في إيطاليا، وفي اليابان وسلوفاكيا إلى أكثر من 19% ، وتبلغ في سنغافورة 22% ، وفي الولايات المتحدة 15%، وفي ماليزيا 19.7% وفي المانيا 11%..

أما مخصصات الصحة فقد بلغت نسبتها من الموازنة العامة في المملكة العربية السعودية 7.4%، وفي دولة
الامارات 7%.

الموازنة مصدر هام لضخ السيولة في الاقتصاد

يقدر حجم السيولة في البحرين حوالي 70 مليار دينار، ومصادر هذه السيولة هي الاستثمارات المحلية والإقليمية والعوائد المصرفية أي المدخرات الوطنية، والتحويلات المالية من الخارج وعوائد الصادرات، فعندما يكون الاقتصاد في حالة ركود لأي سبب كان، نتوقع أن تقوم الدولة بزيادة حجم المصروفات لمواجهة الركود وتنشيط الاقتصاد، كما نتوقع أن يتمّ خفض الضرائب والرسوم الحكومية لغرض زيادة دخل أفراد المجتمع ومن ثم زيادة الاستهلاك. ولكن ما نراه هو انخفاض المصروفات العامة في فترة الركود وقد يكون أحد الاسباب هو انخفاض الايرادات النفطية
ارتكزت الرؤية الاقتصادية 2030 على ثلاث مبادئ هي: الاستدامة والعدالة والتنافسي، ويتضمن برنامج عمل الحكومة 9 أهداف عامة تطمح الحكومة إلى تحقيقها خلال الأعوام الأربعة من 2019 وحتى 2022 عبر التركيز على ثلاث أولويات هي: تعزيز الثوابت الأساسية للدولة والمجتمع، الاستدامة المالية والتنمية الاقتصادية، تأمين البيئة الداعمة للتنمية المستدامة.

تعمل الحكومة من خلال برنامج عملها لتحقيق الأهداف العامة التالية: الاستثمار في المواطن من خلال تعزيز وتطوير واستدامة الخدمات الحكومية في التعليم والصحة والخدمات الأخرى، المحافظة على مجتمع يسوده الأمن والاستقرار ، تعزيز التنمية الشاملة في إطار تحقيق توازن مالي يواكب ويحافظ على النمو الاقتصادي الإيجابي، دفع القطاع الخاص ليتبوأ دورا ً أكبر كمحرك رئيسي في عملية التنمية لخلق فرص نوعية للمواطنين وللعمل والاستثمار، ترسيخ قواعد الاستخدام الأمثل للموارد وضمان استدامتها للأجيال القادمة، اسـتـدامـة التنمية الاجتماعية والاقتصادية مـن خلال تفعيل التشريعات والمبادرات الداعمة لاستقرار الأسرة، استمرار تمويل المشاريع التنموية والبنى التحتية المحفزة للنمو ولخدمة المواطنين، إعادة رسم دور القطاع العام من المحرك الرئيسي إلى المنظم والشريك، وتطوير وتسهيل الإجراءات الحكومية، دعم الإبداع والتفوق ودور المرأة والشباب والرياضة في جميع البرامج والمبادرات الحكومية

تطمح الحكومة في الانتقال من اقتصاد قائم على الثروة النفطية إلى اقتصاد منتج قادر على المنافسةعالمًيا، ويتولى القطاع الخاص الرائد عجلة تنميته بشكل يوسع الطبقة الوسطى من المواطنين البحرينيين الذين ينعمون بمستويات معيشية عالية جراء زيادة معدلات الإنتاجية والوظائف ذات الأجور العالية، وطبقا للرؤية على المستوى المحلي هناك حاجة إلى تغيير النموذج الاقتصادي الحالي، حيث يتمثل الهدف الرئيسي للرؤية في زيادة دخل الأسرة الحقيقي إلى أكثر من الضعف بحلول العام 2030. وسوف يتم دفع عجلة النمو الاقتصادي للبحرين بزيادة إنتاجية القطاع الخاص وبجعل المواطن البحريني الخيار الأمثل للعمل في الشركات ذات القيمة المضافة العالية،

ملاحظات حول مشروع الموازنة

من الواضح انها ميزانية أزمات، تعكس الوضع المالي الصعب، وسياسة التقشف في أعلى رتبها، فيما يلاحظ انخفاض مستمر في الخدمات الحيوية كالصحة والتعليم ، وتوجه نحو معالجة الوضع المالي بالضرائب وخفض المصروفات وليس بتنويع القاعدة الإنتاجية، ومبنية على سعر لبرميل النفط يبلغ 45 دولار، وتنتج البحرين نحو 200 ألف برميل من النفط الخام يومياً.

وأدى انخفاض أسعار النفط والتباطؤ الاقتصادي بسبب كورونا إلى ارتفاع توقعات العجز مع الالتزام بخفض النفقات الحكومية بنسبة 30 بالمئة خلال العامين المقبلين، ويقدر مشروع موازنة 2021، الإيرادات العامة بقيمة 2.285 مليار دينار (6.09 مليارات دولار) منها 1.407 مليار دينار الايرادات النفطية، فيما يقدر المصروفات بقيمة 3.296 مليارات دينار (8.78 مليارات دولار).

في حين يقدر مشروع موازنة 2022 الإيرادات العامة، بقيمة 2.339 مليار دينار (6.24 مليارات دولار) والمصروفات بقيمة 3.219 مليارات دينار (8.58 مليارات دولار).

وكانت الإيرادات العامة للدولة خلال عام 2017 مبلغ 2.201 قد بلغت مليار دينار، في حين بلغت في العام 2016 حوالي 1.897 مليار دينار، ما يعني أن الإيرادات زادت بمقدار 304 مليون دينار،
وبلغت الايرادات غير النفطية عام 2021 تبلغ 538,345.000، وفي عام 2022 تبلغ 555,798.000، وحسب الجهاز الوطني للايرادات فإنها تبلغ عام 2021 340 مليون، وفي عام 2022 تبلغ 360 مليون.

أما المصروفات المتكررة للدولة فستكون في عام 2021 قرابة 3.296 مليار دينار، وفي عام 2022 ستكون 3.219 مليار دينار تقريبا، وستكون مشاريع الدولة في عام 2021 مبلغ 265 مليون دينار، وفي عام 2022 سيكون المبلغ 265 مليون دينار، وأظهر الحساب الختامي للدولة للسنة المالية 2017 تراجع مصروفات الحكومة على بند “المشاريع” إلى 354 مليون دينار.

وزعت ميزانية المشاريع للسنتين الماليتين على الشكل التالي :المشاريع الاسكانية 27%، المشاريع الشبابية والرياضية 22%، مشاريع الاشغال والطرق 21%، مشاريع شبكات تطوير الكهرباء والماء 16%، مشاريع البنية الاساسية للمواصلات 6%، مشاريع التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية 5%.

وانخفض الإنفاق على التعليم بنسبة 7% أو 20 مليونا تقريبا. فبعد أن كان 343.6 مليونا في 2019 أصبح 319.6 مليونا في 2022، كماا نخفض الإنفاق على الصحة بنسبة 3% عن 2019 أو عشرة ملايين، وانخفض الضمان الاجتماعي 10% بواقع 43 مليونا.

الضمان الاجتماعي

من الواضح أن الإنفاق على الصمان الاجتماعي قد انخفض بمقدار 43 مليون دينار (10%) عن الميزانية السابقة ليصل إلى 392 مليوناً، وارتفع بند دعم الأسر محدودة الدخل بمقدار 14 مليونا، أي بنسبة (11.3%). لكن هناك ثلاثة بنود تأثرت سلبا وهي مؤثرة في مستوى المعيشة، وعلى سبيل المثال انخفضت علاوة تحسين مستوى معيشة المتقاعدين بمقدار 16 مليونا (12.4%). ، فيما انخفض بند إعانة المواد الغذائية بنسبة 71.5%، حيث انخفض من 36 مليون دينار إلى 10 ملايين، كما انخفض دعم برامج الإسكان (علاوة الإيجار) بنسبة 31%، من 57 مليونا إلى 39 مليون دينار.

حجم العجز

سيرتفع العجز الكلي بموازنة البحرين خلال العام المقبل بنسبة 99.8 بالمئة عن المقدر بالعام 2020 عند 708 ملايين دينار (1.88 مليار دولار) وستعاني السنة المالية 2021 من عجز كلي 1.276 مليار دينار (3.4 مليارات دولار)، ومع توجه لخفضه إلى 1.145 مليون دينار (3 مليارات دولار) في 2022.

تهدف الميزانية إلى الوصول بالعجز المالي الأولي بدون فوائد خدمة الدين العام إلى 568 مليون دينار (1.51 مليار دولار) في العام 2021 و388 مليون دينار (1.03 مليار دولار) في العام 2022.

وكان الحساب الختامي للدولة قد سجل انخفاض العجز العام للدولة إلى 1.336 مليار دينار عام 2017 مقارنة بالعام 2016 والذي بلغ العجز فيه 1.6 مليار، ففي عام 2017 بلغ العجز 1.336 مليار دينار، وفي عام 2016 بلغ العجز فيه 1.6 مليار.

حجم الدعم الحكومي

بحسب مشروع الميزانية، فإن إجمالي الدعم للعام 2021 سيكون 478.425 مليون دينار بحريني، و402.163 مليون دينار في 2022.

ويشير مشروع الميزانية، إلى أن دعم هيئة الكهرباء والماء سيكون 48 مليون دينار في 2021، وصفر في 2022 ما يعني أن الهيئة لن تتلقى أي دعم عام 2022، أما دعم جامعة البحرين فسيكون 38.4 مليون دينار في 2021، و38.8 مليون في 2022، وسيكون دعم كلية البحرين للمعلمين سيكون 3.309 مليون في 2021، و3.332 مليون دينار في 202، أما دعم بولتكنك البحرين فسيكون 8.393 مليون دينار في 2021، و8.494 مليون دينار في 2022.

وسيبلغ دعم الصندوق الاجتماعي الوطني، سيكون 19.1 مليون في 2021، و18.894 مليون في 2022، ودعم صندوق الضمان الاجتماعي سيكون 21.5 مليون في 2021 و21.268 مليون في 2022، أما دعم علاوة تحسين مستوى المعيشة للمتقاعدين، فسيكون 124.450 مليون في 2021 وسينخفض إلى 115.640 في عام 2022، ودعم الأسر محدودة الدخل سيزداد من 163 مليون دينار في 2021 إلى 142.448 مليون دينار في 2022، أما إعانة المواد الغذائية فسينخفض من 48.2 مليون دينار في 2021، إلى 38.975 مليون دينار في 2022، ودعم برنامج الإسكان (تخفيض الأقساط الإسكانية) فسيكون 4 مليون دينار لكل عام في 2021 و 2022.

أما المبالغ من إيرادات النفط لصندوق احتياطي الأجيال فستكون في ميزانية كل عام منهما حوالي 20.586 مليون دينار، بإجمالي 41.172 مليون دينار.

ملاحظات وحلول

أولاً: ساهمت جائحة كورونا في تعقيد الوضع المالي واذا لم تنتهي سندفع ثمناً باهظاً
ثانياً: عدم قدرتنا على تنويع مصادر الدخل يعني ان الوضع المالي سيكون اخطر حيث سنرى المزيد من سياسة التقشف وانخفاض الدعم وارتفاع السرائر والرسوم الحكومية.
ثالثاً: سنواجه صعوبة في سداد الدين. فارتفاع الدين العام يعني المزيد من التقشف واستمرار الركود الاقتصادي.

كما ذكرنا أكثر من مرة فإن الحل لا يكمن في سياسة التقشف وإنما في تصحيح المنهج الاقتصادي بحيث يتحول اقتصادنا من الاعتماد على القروض والمنح والمساعدات والاعتماد المفرط على النفط إلى الاعتماد على الذات والإنتاج المتنوع والاستثمار المحلي معتمداً على قدراتنا الفكرية والبشرية، بهذا النهج ستخلق فرص العمل المطلوبة وسنحقق النمو المستدام.