المنشور

في بيتنا “كورونا”

تلقينا كل المعلومات المفصلة عن جائحة كورونا ربما قبل غيرنا من الناس على أثر التحذيرات التي بلغتنا مباشرة من شقيقي استشاري الامراض المعدية والعناية المركزة الدكتور طارق الموسوي،وهو الذي افشل كل خطط السفر لدينا منذ مطلع عام 2020 بل واقنع البعض منا على إلغاء الحجوزات المسبقة فورا قبل التحذير الرسمي من السفر،وهو الذي ارتدى الكمامة قبل غيره،وهو الذي حذرنا من سماع أصوات “مؤامرة الجائحة ” ،هل من السهل تجاهل صيحات تنطلق من داخل البيت ومن أقرب الناس إليك ؟
ومع كل تطور شهدناه على مدى عام كامل كنا نتلقى محاضرة مباشرة واقعية على الارض او افتراضية عبر زووم تعرفنا بآخر المستجدات حول الجائحة ، وقلنا لن تقربنا كورونا مع شقيق واقف لنا بالمرصاد نصحا وتثقيفا وتحذيرا .
ولقد ظلت كورونا عصية علينا كأسرة منذ الإعلان عنها في ديسمبر الماضي ولغاية ديسمبر 2020 رغم الحجر الذي وقع على بعض منا نتيجة مخالطة مصابين من هنا وهناك، اجرينا الفحوصات المرة تلو الاخرى ومنحتنا النتائج السلبية اطمئنانا وراحة نفسية وشعورا بالتفوق الصحي في مواجهة كورونا،و تساءلنا : اهي المصادفة أم التقيد بالتباعد الجسدي أم سر آخر لا نعرفه عن سلوك هذا الفيروس الغريب الغامض وكيفية اختياره لضحاياه ؟
ودخلنا الى مرحلة الذروة في الصيف الماضي حين قفزت اعداد المصابين والوفيات ،ومرة اخرى سلمت عائلتنا رغم مجلس العزاء المقتضب المحدود الذي اقمناه على اثر وفاة والدتي ،ثم لاحقا أي في الأشهر التالية بدا وكأن الوضع الصحي يتجه الى الانفراج والانفتاح ومعاودة السفر والعودة الى الحياة الطبيعية مع انطلاق موجة اللقاح في بلدنا وفي كل مكان في العالم ، وبدأت تصلنا عروض السفر المغرية على هواتفنا النقالة،لكن حارسنا الصحي الدكتور طارق ظل يحذر ،انتبهوا من السفر فلا يزال الوضع قابلا لكل الاحتمالات ، وثمة خشية من إغلاق الملاحة الجوية والبحرية لأي سبب خصوصا وان كثير من المناطق السياحية الجذابة يعشش فيها المرض وتخلو من الرصد والمتابعة اليومية لحركة الفيروس.

في شهر ديسمبر الماضي رصدت بريطانيا التي تعد البلد الأول في الاصابات والوفيات، رصدت ما اسمته بالفيروس المتحور وتحدثت عن موجة ثانية للفيروس الذي بدا أكثر شراسة واسرع انتشاراً، وتميّز باصابة أعداد كبيرة من الشباب على عكس الفيروس السابق، فأعادت إغلاق أجوائها ومنافذها البرية والبحرية وتبعتها دول أخرى، وما هي إلا أيام حتى وصلتنا رسالة على “جروبنا” العائلي من أختي العائدة لتوها من رحلة سفر سياحية تنبأنا باصابتها بـ كورونا، ثم وبعد عدة أيام سجل أحد افراد الاسرة اصابة أخرى بعد عودته من السفر أيضاً، وهكذا تبين لنا ان لا عاصم من كورونا ولا ميزة صحية او جينية لأي مخلوق انساني قبالته، وأن التعاطي مع الفيروس بوعي وحذر وانتباه هو السبيل الوحيد لاتقاء المرض ولا شيئ آخر على الإطلاق، وهكذا أغلقنا المكان الذي نجتمع فيه، وآخر حضن جميل بقى لنا في ظل الجائحة التي تسببت في إغلاق كل الانشطة الترويحية، انفض سامر مجلسنا العائلي الذي لم يشهد اغلاقا حتى في أحلك الظروف، وبدا مساء الخميس كئيبا وموحشا ومفتوحا على كل احتمالات صيرورة فيروس كورونا .

لا أحد يعلم متى وكيف أصيب، وهل ستمنحه الإصابة وقاية دائمة أو مؤقتة؟ ارتبطت الاصابة به بالخصوصية الصحية والخشية من الوصمة المعيبة ما جعل الناس يفضلون الصمت والكتمان أو الاختفاء بدلا من الإفصاح الموجب للحيطة والحذر، فلا تعرف المصابين في محيطك او أقرب الناس اليك أحيانا.

ثمة حكايات عديدة نسمعها ولا نرى اثرا لها في الصحافة، وبالتأكيد فقد كان للاسر الممتدة التي يعيش أفرادها في بيت واحد ويتشاركون المائدة الواحدة النصيب الأكبر من إصابات كورونا. وثمة حكايات لا يزال يكتنفها الغموض والحيرة فقد عزل أحد المسنين نفسه تماما منذ انطلاق الجائحة لكن مجيئ اول حفيد له حفٌز والدته على أخذه إلى جده فأصيب الطفل بالمرض وكانت أصغر إصابة لمولود لم يتجاوز عمره عدة أيام، وبقي السؤال من الذي نقل المرض للآخر وكيف يصاب بالمرض شخص معزول؟ وثمة مسافرين خضعوا للفحص لحظة وصولهم إلى المطار وجاءت النتيجة سلبية ثم تبينت اصابتهم بعد عدة ايام، وعن عائلة اصيب ابويها ونقل كلاهما إلى المستشفى، وقد أحيطت الام بعناية مضاعفة على خلفية تعدد أمراضها إلا أنها نجت وتوفي الأب، وعن إصابات متكررة للفيروس لدى بعض المصابين، وعن أعراض غريبة وغير مألوفة صاحبت الإصابة بالفيروس كتساقط الأسنان أو الشعر لدى بعض بعض المتعافين.

حتى اللقاح الذي تراكض الناس للحصول عليه اتقاءا لشر كورونا – والذي لا يعني الحماية المطلقة للفيروس كما هو معروف – منح الناس إحساسا كاذباً وزائفاً بقرب النهاية فتساهلوا وعادوا إلى مألوف عاداتهم في الاختلاط والالتصاق ومخالفة القواعد الصحية ،فشهد البلد قفزة جديدة في أعداد المصابين، وكله على وقع تفكير رغائبي بأن الفيروس قد أفل أو شارف على النهاية.

مؤخراً دخلت محلا تجاريا فإذا بي امام مجموعة موظفين بلا كمامات، استفسرت بعجب مشيرة إلى انعدام الكمامة، فأجابني أحدهم: ألم ينتهِ الفيروس؟ مثل هؤلاء يصابون وينقلون المرض لأقربائهم بسهولة ثم يتساءلون باستغراب كيف أصبنا؟

تحصل في احسن العائلات ولدى أحسن الناس، لا نجاة من الفيروس إلا بالحذر، الخطر لا يزال موجودا كما يشير عنوان المرحلة. انتقلنا من فيروس مستجد إلى متحور، وقد نشهد جيلاً جديداً للفيروس بعد الطعوم في قادم الأيام، من يدري؟