المنشور

ابن عربي في مقهى كوستا


استوقفني ميل بعض الشباب في البحرين لتنظيم ندوات ولقاءات ومناقشات لكتب في المقاهي الحديثة، بما فيها تلك الواقعة في مراكز التسوق الكبيرة .
 
من هذه الفعاليات احتفاء أقيم بمناسبة يوم الفلسفة العالمي الذي مر مؤخراً، حيت تحلقتْ مجموعةٌ من المهتمين الشباب بالفلسفة حول طاولة في أحد المقاهي ليناقشوا قضايا كبرى، حكماً من كون الفلسفة حقلاً معرفياً معروفاً بميله إلى التجريد .
 
وهكذا كان بوسع كانت وهيغل وابن رشد ومحيي الدين بن عربي ومن هم في مستوى قاماتهم ووزنهم أن يحضروا إلى مقهى “كوستا”، أو “ستاربكس” ليحاوروا شباناً وشابات في أسئلة الزمن والوجود والحب وما إليها من قيم إنسانية وفلسفية .
 
سيقول قائل إن العولمة لم تترك حقلاً من الحقول إلا واخترقته، فاستدعت الفلسفة من عليائها، من أقسام الفلسفة في الكليات التي لا يلجها إلا قلة من المتجهمين ذوي النظارات الغليظة الذين تناقص بصرهم لكثر ما انكبوا على قراءة مجلدات الفلسفة، إلى فضاء كوستا وستار بوكس في المجمعات التجارية المشعة بالأضواء والتي تفوح في جنباتها روائح العطور، سواء تلك الآتية من محلات بيعها، أو منبعثة من الحسناوات الغاديات ذهاباً وإياباً في هذه المجمعات .
 
وبهذا المعنى تغدو الثقافة، وحتى الفلسفة، طقساً شبابياً حداثياً يتعايش مع النمط الاستهلاكي الذي يهيمن على العالم، ولنا، في هذا الخليج، من الولع به حصة لا يستهان بها .
 
وبشيء من الشرح أقول إنه من الصعب ومن الثقيل على أحدهم أن يذهب إلى محاضرة في قاعة مغلقة من قاعات المحاضرات في الجامعة أو في المراكز الثقافية ليستمع إلى محاضرة عن الفلسفة، ولكن سيبدو الأمر شيقاً وخفيف دم لو أنك دعوته لمحاورة عن ابن عربي في مقهى أنيق في “سيتي سنتر” .
 
أردت أن أخلص إلى شيء آخر غير هذا، أود أن أصيغه على شكل سؤال، فهل تحمل مثل هذه المظاهر إشارات إلى وضع جديد آخذ في التشكل، يأفل بموجبه مفهوم الجمهور المحتشد في القاعات على النمط الذي اعتدناه نحن المخضرمون لصالح أشكال جديدة من التواصل الثقافي تفرضها أنماط المعيش من حولنا .
 
في كلمات أخرى، هل بوسع الثقافة وهي تغالب الاستهلاك أن تقيم ما يشبه التسوية معه، بهدف أن تتعايش معه، طالما كانت له الغلبة الظاهرة، من أجل ألا يطرحها أرضاً بالضربة القاضية؟

اقرأ المزيد

مشاريع الأمن الغذائي . . الأهم التنفيذ


بعد إعادة تشديد الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء على أهمية دعم المشاريع التي تصب في خدمة أحد أهم الأهداف الإستراتيجية التنموية للاقتصاد الوطني البحريني وهو الأمن الغذائي، وذلك على خلفية مراوحة مشروع الاستزراع السمكي، بعد إعادة تشديده على أهمية هذا الموضوع وتوجيهه أجهزة الدولة لتسهيل إنفاذ المشاريع المتصلة بالأمن الغذائي، توالى الحديث في صحافة البحرين المحلية عن إقامة مشاريع غذائية بمبادرة من القطاع الخاص البحريني وبرؤوس أموال بحرينية خالصة .
 
فلقد أعلن في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عن تقدم مجموعة من المستثمرين البحرينيين الخواص للوزارات والجهات المختصة في الدولة بمشروعين يتعلق الأول بإنشاء شركة استثمار زراعية، والثاني بإنشاء شركة لتربية الدواجن يبلغ إجمالي رأسمالهما 32 مليون دينار (نحو 85 مليون دولار) .
 
وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي صرح وزير شؤون البلديات والتخطيط العمراني د . جمعة الكعبي، بأن الوزارة عازمة خلال الفترة المقبلة على تنفيذ العديد من المشاريع الداعمة لتوفير الأمن الغذائي، ودفع عجلة الاقتصاد بالمملكة، وتلبية الاحتياجات الرئيسة للمستهلكين بالتعاون مع القطاع الخاص .
 
وكان قد جرى الإعلان سابقاً عن إنشاء شركة “أسماك” للاستزراع السمكي بمبادرة من 34 مساهماً وبإنتاج مقدر بنحو 1500 طناً سنوياً من الأسماك، أي ما يوازي 10% من إجمالي الاستهلاك المحلي البالغ 16 ألف طن سنوياً .
 
وهناك حديث عن إنشاء شركة مساهمة متعددة الجنسية (بحرينية-سعودية – كويتية – باكستانية وإسبانية مشتركة)، لإنتاج السكر محلياً برأسمال يبلغ 150 مليون دولار في مدينة سلمان الصناعية، وعلى مساحة تبلغ 59000 متر مربع، إضافة إلى إصدار ترخيصين صناعيين لمصنعين لإنتاج وتعبئة التمور الأول لمستثمر سعودي بطاقة إنتاجية تبلغ 6000 طن سنوياً والآخر لمستثمر بحريني بطاقة إنتاجية تبلغ 40 طناً سنوياً . بلا شك هذا تطور جيد ينم عن وجود تحول محمود في الفكر الاستثماري لدى القطاع الخاص البحريني، الذي جبل على الحذر الشديد المبالغ فيه تجاه الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي (قطاعات الإنتاج المادي)، بسبب الطول النسبي لفترة الاسترداد (Pay-back period) والعائد المتوسط أو المعتدل على الاستثمار (Moderate return on investment)  نسبياً قياساً للعائد على الاستثمار في القطاعات التقليدية التي خبرها واعتاد عليها (القطاع الخاص البحريني) كقطاع التجارة والخدمات . ولكنه، بالمقابل، عائد مضمون ومتطور خصوصاً إذا ما أدير المشروع بكفاءة استناداً إلى جدواه الاقتصادية المدروسة بعناية وبضمنها دراسة السوق المقرونة بسياسة تسويقية فعالة .
 
وغني عن القول هنا إن مثل هذا الاستثمار المنتج (بكسر التاء)، هو الذي يشكل ضمانة أكيدة للاستدامة التنمية والمساهمة الحقيقية في الاقتصاد وفي خلق الوظائف النوعية الجديدة .
 
وكانت الأزمة المالية العالمية التي اندلعت خريف عام ،2008 قد أحيت من جديد الاتجاهات الاستثمارية الإنتاجية وأعادت الاعتبار للاقتصاد الحقيقي إثر الانهيار المريع للاستثمارات الورقية المضارباتية (الأوراق المالية) .
 
وبرغم أهمية الجهود المبذولة لتنويع مصادر الدخل وتعريض قاعدة إجمالي الناتج المحلي، تقليلاً للاعتماد على القطاعات التقليدية، يبقى التوسع في الاتجاه الاستثماري الجديد، أي في قطاع الزراعة والثروة السمكية والثروة الحيوانية، هو الأبرز والأهم والأجدر بالدعم وتقديم التسهيلات الحكومية، لأنه فعلاً سوف يدفع بقطاع إنتاجي بالغ الأهمية والإستراتيجية من الوضع الهامشي إلى الوضع المحسوس بوزن مساهمته في إجمالي الناتج المحلي .
 
ويبقى الأهم فيما يُعلن ويُذاع ويصرح به من نوايا وتوجهات استثمارية نحو القطاعات الإنتاجية وتحديداً القطاعات المساهمة في تقليل الاعتماد على الخارج، بتأمينها جزءاً من حزمة الأمن الغذائي، ألا تكون هذه الإعلانات مجرد نفرة حماسية لا تلبث أن يطويها النسيان، أو يحبطها طول وبيروقراطية إجراءات تفعيل القرار بشأنها، أي أن الأهم هو نقل الفكرة ومشروعها من الورق إلى حيز التنفيذ .

اقرأ المزيد

البذخ الشرقي

أهرام مصر مثال للبذخ الشرقي، لجر العاملين لتكوين مبان أسطورية، من أجل وضع جثة كائن متضخم النفس داخلها.
يتكون البذخ الشرقي الأسطوري من كائناتٍ سياسية توهمتْ الاتحاد مع المطلق، وهو مطلق السرقة، لا مطلق الإله، مطلق أن يفعلوا ما يشاؤون ويهدروا الثروات، في أي لفتةٍ مفاجئة يأمرُ بها المتضخمُ الذات.
كيف يحق له أن يقررَ المشروعات ويأمر ببناء أبراج بابل وحشود المباني والقصور على الرمال وعلى الجزر وعلى المياه؟
ربما أن الجزر في الخرائط الكونية تريدُ أن يُشار لها بالبنان وبالفضائيات وبالحملات الإعلانية وبالمهرجانات الغنائية رغم أنها بحجم الأقمار والشموس.
كل شيء في البذخ هو ثقبٌ أسود يبتلعُ الثروات الوطنية، فالمتصرف له الكبريت والماس والفوسفات والغاز والأكسجين ودخل القنوات وضرائب السياحة، ويقرر ترحيل المليارات لأوروبا الغنية وأمريكا الصديقة، وإيجاد القنوات الفضائية المشوشة الهادرة للأموال، ليظهر النجم الشرقي عالياً يدخل كل بيت في الأرض.
كل المشروعات الأسطورية لتظهر ذاته، التي كلما أكلت الذهب والفضة أحستْ بالجوع أكثر وأكثر، حتى تأتي على المواد الثمينة وتجعل الماس ترابا ، وقوة الرياح عواصف.
وتظهر المشروعاتُ الخرافيةُ على أعمدة أمية، وجاهلة ثقافية، وربما كان الفرعون العتيق أكثر ثقافةً وأكثر رهافةً فهو المتعلم الذي يجلبُ المثقفين والعلماء ويصغي إليهم ليل نهار، وهو في جنونه أرحم من الشرقي الراهن، فقد تصور أنه جزء من الألوهة ومن دونه تنخسفُ الأرضُ بشعبه، وهم بحاجة إلى عبقريته الفذة أبد الدهر، وفكر في الأهرام كثيراً وجعلها تحفاً تحاكي عبقرية الطبيعة، وسيطرَ في هندستها على الإشعاعات والمدارات الكونية، فقدم كتباً علميةً منقوشةً على الحجر، وصنعَ من المادة التافهة الوفيرة ثروة عظمى على مدى الدهر.
الشرقي الراهن لا يدري بالعلماء الذين يقربهم ويحاورهم الفرعون، الذي جعل شعبه متحضراً على مدى عشرات القرون، وملأ بالذهب والفضة والماس والنظريات جوفَ الأرض، وحول القبور إلى حياة، فتقدر مصر أن تعيش بالآثار وثرواتها لولا الفساد!
الشرقي الراهن تخصص في إهدار الثروات الزائلة، ثروات الطاقة وبعض الكائنات الحية التي بقيت من المجاعة والفقر والهجمات الحربية والاقتصادية الأجنبية.
ثمة فرق كبير بين الفرعون الزراعي وكائن الصحراء، هذا الأخير تخصص في إهدار الثروات، وجعل حصى الآثار أثافا لقدوره، والصحارى ملاعب، وثروات البحار الطبيعية مسارح.
لو انه ينادم علماء الطبيعة والكيمياء والاجتماع، ويقرأ سيرَ أسلافهِ وكيف أهدروا المناجمَ وحولوا الجبالَ لقصورٍ فجاءت الأعاصيرُ الطبيعية والاجتماعية، وعادتْ الأمبراطورياتُ الملأى بالثرواتِ لتتسولَ الطعامَ على قارعة الطرق العالمية، وتبعثَ بفلذات أكبادِها لتعملَ خدماً ومهرجين وشحاذين في الغرب والشرق المتقدم، أو تغرقهم على شواطئ استراليا والفلبين وأسبانيا وجزر المالديف.
لو أنه..!
لكنه مشغول بعظائم الأمور، بالقضاء المبرم على الثروات وتحويلها إلى سباقات الجياد، وإلا لما كانت شوارع قراه تخلو من المصابيح في بلد الثروة وفنانو وكتاب شعوبه يبيعون كتبهم القديمة على نواصي الشوارع.
لا مصر ورثت مجد الفراعنة ولا البلدان العربية الأخرى انتجت حصافة البدوي المتحضر الحكيم، إلا من بعض الحكام النادرين الذين طوروا بلدانهم واستغنوا لحسن الحظ عن الأحزاب(الثورية) وانتهازييها وفوضوييها.
الأغلبية الكاسحة تقدم نماذج يرثى لها، ارستقراطية باذخة وحولها مبان عملاقة وثراء لا محدود وعامة ناقعة في الفقر وعيشها صعب منهك.
أملنا في بعض هؤلاء الحكام المتنورين بعد أن قطعنا الأمل في الأحزاب وشلل الانتهازية بأن يقاربوا نماذج الملوك والرؤساء العظام الذين نهضهوا بالغرب واليابان والهند وغيرها، وعاشروا الفلاسفة والمفكرين والعلماء، ولم يكرسوا حكم التسليات، والذين نهضوا بالفنون والعلوم ولم يحولوا الموارد النادرة إلى المتع العابرة وحدها.

صحيفة اخبار الخليج
22 ديسمبر 2010

اقرأ المزيد

دور الدولة في حقولها الأساسية

يدخل الموقف من مسألة رفع الدعم الحكومي عن المحروقات وسواها من سلع ضرورية، الذي يدور عنه الحديث في البحرين في الفترة الأخيرة، في بند التزامات الدولة تجاه المواطنين.
وكانت الإشارات التي أعلنت عنها جهات حكومية حول هذا الموضوع، قد أثارت جدلاً واسعاً، بين رفض شعبي واسع، مفهوم ومبرر، لهذا التوجه، وبين تبريرات أو تسويغات «اقتصادية» لهذا التوجه، عنوانه إعادة توجيه الدعم حتى لا تتحول الدولة إلى بقرة حلوب تقدم من المال العام دعماً لمن هم ليسوا في حاجة إليه.
لا يمكن النظر إلى مسألة رفع الدعم هذه بمعزل عن فلسفة اقتصادية رائجة، على المستوى العالمي، تريد أن «تُحرر» الدولة من الالتزامات الاجتماعية الملقاة على عاتقها تجاه المجتمع، وخاصة تجاه الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل.
وحان الوقت لمراجعة الموقف المتطرف الذي أخضع الدولة، للنقد الذي بلغ حد المطالبة بإقصاء دورها، أو في أحسن الحالات، الحد منه إلى أبعد مدى، عندما استشرت أطروحات فعالية اقتصاد السوق والمبادرة الفردية والدور السحري للخصخصة.
ورغم أن بيروقراطية الدولة وبطء أدائها كانا موضوعاً للتهكم والنقد والسخرية منذ زمن بعيد، لكننا عشنا وطراً قريباً ازدهرت فيه المطالبة بإبعاد الدولة عن دورها الموجِه كليةً.
الغريب أن الحديث لم يدر عن السطوة السياسية للدولة واختراقها للمجتمع المدني ومؤسساته، لا بل تغييب هذه المؤسسات ومصادرة أي دور مستقل لها.
إن الأمر حصرا تركز في الحقل الاقتصادي، وحول الخدمات الاجتماعية الضرورية التي تقدمها الدولة لأبنائها في حقول الرعاية الأساسية من تعليم وتطبيب وضمان اجتماعي وخدمات ثقافية وإعانات مختلفة.
وإذا ما تجاوز المرء اليوتوبيا التي صاغتها فلسفة القرن التاسع عشر عن اضمحلال محتمل لدور الدولة، فعلينا التسليم بأن الدولة، من حيث هي دور اجتماعي تشكل أحد أهم الانجازات المهمة في التاريخ البشري، لأن تلك اليوتوبيا حين تنبأت باضمحلال دور الدولة إنما كانت تراهن على قيام عدالة اجتماعية حقيقية تنفي الحاجة إلى وجود الناظم القانوني والإداري للتمييز بين الطبقات.
لكن ما يميز دعوات مناهضة دور الدولة في التنظير الراهن هو مصادرة مسؤولياتها كهيئة رعاية اجتماعية، في مقابل التأكيد على دورها النقيض لدور المجتمع الذي يفترض التعددية السياسية والاجتماعية، ويصبح بموازاة الدولة ضامنا للتطور الصحي للمجتمعات.
ربما وجب التفريق الواضح بين تلك المجالات التي يتعين على الدولة أن تفسح فيها المجال لدور أكبر للمبادرة الفردية، ولدور أكثر فعالية لمؤسسات المجتمع المدني وهيئاته وشخصياته، خاصةً في الدول النامية.
هنا تبدو الدولة هي المؤسسة الأكثر جبروتاً، وقد تكون الوحيدة في بعض الحالات، حين تنجح في احتواء التكوينات التقليدية السابقة لها، وتجعلها جزءا منها، وتتحول إلى ناطقٍ باسمها، ولكن بلغة عصرية، وبين تلك المجالات التي على الدولة أن تتمسك فيها بالدور المناط بها، ونعني بذلك مجالات الخدمة الاجتماعية، خاصة في الحقول الحيوية كالتعليم والصحة والتنمية الاجتماعية والثقافية.
يجب إعادة الاعتبار لدور الدولة كمُصحح للفوارق الاجتماعية، وذات مسؤوليات تجاه قضايا مستجدة كالبيئة وإدارة الموارد الطبيعية، وكضامنٍ للتماسك الاجتماعي.
 
صحيفة الايام
22 ديسمبر 2010

اقرأ المزيد

خارطة طريق تنتظر التفعيل!

في الخطاب السامي الذي دشن به جلالة الملك حفظه الله الفصل التشريعي الثالث للمجلس الوطني في الرابع عشر من شهر ديسمبر الجاري، نستطيع أن نلحظ في مفاصل متعددة منه الحرص على توجيه دفة العمل الوطني خلال الفترة القادمة ربما باتجاه أكثر تركيزا على مجالات باتت تحتاجها مسيرة التنمية والازدهار الاقتصادي بصورة أكبر، وقد كان الخطاب موجها بالدرجة الأولى لممثلي الشعب باعتبارهم ممثلين للوطن والمواطنين وليس لطوائفهم وفئاتهم وهذا امر غاية في الأهمية، وهو الدرس الأول الذي يجب أن يتعلمه ويعمل به من اختيروا لتمثيل الناس للمرة الأولى وهو قبل ذلك يجب ان يقرع أجراس الوعي لدى بعض ممن حاولوا جاهدين ان يزايدوا على طائفيتهم ونصبوا أنفسهم مدافعين اشاوس عنها حيث انشغلوا وأشغلوا الرأي العام بمماحكات بائسة ساهمت كثيرا في حرف بوصلة العمل الوطني وأساءت للبحرين وابنائها.
 
فقد أكد خطاب جلالة الملك على ما ينتظر ممثلي الشعب من واجبات ومهمات كثيرة سواء في مجال تطوير القوانين وسن التشريعات او في مجال إقرار الحقوق وحماية الحريات، أو مجال الرقابة على الأداء الحكومي وإصلاح الأوضاع وخاصة المعيشية منها، أو مجال التنمية الاقتصادية وغيرها من المجالات، حيث استشعر الخطاب حجم واهمية تلك المهمات التي لن تكون سهلة وميسورة، وهي لذلك تحتاج الى تعاون وتكاتف المجلسين مع الحكومة، مذكراً النواب بما ينتظر منهم خلال المرحلة القادمة وهي مرحلة تعج بالتحديات.
 
وفي إشارة الى الحاجة لإجراء بعض المراجعات المطلوبة حيال بعض اوجه العمل الوطني اشار جلالته الى ما تحقق من انجازات تنموية فرضت ضرورة مراجعة الخطة الاستراتيجية الاقتصادية 2030 والسياسات المالية للدولة، ومراجعة المصروفات بغية استعادة التوازن في الميزانية العامة للدولة في اقرب مدى زمني ممكن مذكرا بحالة الاقتصاد العالمي وتداعياته على مجمل الهياكل الاقتصادية العالمية، وهي خطوة جديرة بالتوقف عندها ملياً من قبل من يعنيهم الأمر سواء كانوا في الحكومة أو في مجلسي النواب والشورى، حيث اثبتت التجربة أهمية مراجعة السياسة المالية للدولة والتي لم تتماشَ كما اعتقد مع مستجدات الوضع الاقتصادي العالمي بما فيه الكفاية وإن بدت متحفظة بعض الشيء وهذا امر يحسب لها، الا اننا لا نجد مبررا موضوعيا يستدعي مثلا زيادة الدين العام حين كانت الموازنات العامة السابقة تحقق فوائض، وفي ظل أسعار النفط الحالية الجيدة بالقياس ببداية الأزمة المالية، وتبقى المراجعة أمراً في غاية الأهمية شريطة ان لا ينعكس ذلك على المستوى المعيشي للمواطنين الذين هم في واقع الحال يتطلعون الى تحسين اوضاعهم المعيشية، حيث تبدو الاشارات التي ابدتها الحكومة حيال التوجه لرفع الدعم عن بعض السلع الاساسية ومنها البنزين محل تناقض في ظل الدعوة لتحسين الأوضاع المعيشية وعلى الحكومة ومجلسي النواب والشورى ان يبحثوا عن بدائل اخرى وهي متاحة، وتتسق مع الدعوة لتقليص المصروفات الحكومية بحيث لا تقترب من مداخيل الناس وإنما تتجه لوجوه صرف وربما نقول بذخ غير مبررة.

أما بالنسبة لمراجعة الخطة الاقتصادية فنُذكر بحالة الاقتصاد الوطني في الوقت الحاضر وما أحدثته الأزمة الاقتصادية العالمية من إعاقات واضحة لمسار الخطة، والتي كانت تتوجه لزيادة الاستثمارات وخلق فرص عمل جديدة والتركيز على مسارات اقتصادية محددة، ويمكن الرجوع الى بعض مطالبات القطاع الخاص المستمرة في هذا الشأن، وهو أمر لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه ونعتقد أنه بشيء من التفاهم مع القطاع الخاص يمكن التوصل الى حلول مقبولة من الطرفين وهي ليست متعذرة، خاصة وان التجربة أثبتت الحاجة لخلق شراكة حقيقية مع القطاع الخاص وضرورة العمل وفق منهجية واضحة وتوجهات لا تستسلم للبيروقراطية الرسمية، كذلك يمكن القول إنه بامكان الحكومة أن تمضي قدما في مشروع تنظيم سوق العمل وزيادة برامج التدريب وإيجاد فرص عمل للعاطلين حيث نجحت الحكومة في تحجيم قضية البطالة الى حد كبير واشاعت بذلك حالة من الاستقرار عبر مزيد من الضبط وضخ السيولة المطلوبة لبرامج التدريب والتمكين لأبناء وبنات البحرين وهو امر لم يكن ممكنا من قبل بهذه الصورة، الا أن مآخذ القطاع الخاص بهذا الخصوص يجب عدم اهمالها أو تجاوزها ولابد من خلق حالة من التواصل يستشعر معها القطاع الخاص اهميته في دفع عجلة التنمية.
 
كما كانت هناك اشارات واضحة لتوجهات الدولة القادمة حيال تطوير التعليم، وايضا حيال مسألة غاية في الأهمية ومطلب شعبي تبنته القوى السياسية جميعها دون استثناء تقريبا وهو المختص بالدعوة لمراجعة سياسة التجنيس ووضع معايير واضحة تأخذ مسألة الانتماء والمواطنة والهوية الوطنية البحرينية في الحسبان، علاوة على احترام القانون بحيث يكون التجنيس في اضيق الحدود، وهو مطلب طالما نادت به قوى المعارضة السياسية وحان الوقت لتفعيل توجهات جلالة الملك التي يُنتظر أن تشيع حالة من الارتياح والثقة خلال الفترة القليلة القادمة، وحتى نتجه جميعا حكومة وشعبا لضبط ومعالجة هذا الملف الذي بسببه انشغلت البحرين عن الكثير من قضاياها الاساسية.

أمامنا خارطة طريق ومسيرة عمل علينا أن نجعلها حافلة خلال المرحلة القادمة، وعلينا ان نسهم كل من موقعه في بلورة جهد وطني حقيقي يرفض ان يراوح في ذات المكان، فالتحديات أمامنا كبيرة ومسيرة التحول الديمقراطي تحتاجنا جميعا.

 
صحيفة الايام
22 ديسمبر 2010
اقرأ المزيد

مفهوم التحالف «القوى السياسية في البحرين»

أول ما يتبادر إلى ذهن القارئ المتابع أو المراقب للأحداث السياسية، والحراك السياسي الذي تقوم به الجمعيات السياسية المعارضة، طوال السنوات الماضية، وتحديدا منذ عام 2002، أي بعد أن أعلنت أربع جمعيات عن مقاطعة الانتخابات النيابية التي جرت آنذاك، وعرفت فيما بعد بالتحالف الرباعي، وبعد عام 2006، تغير الوضع وتفكك ما كان يطلق عليه «التحالف الرباعي»، وتحول إلى تنسيق سداسي بين القوى السياسية المعارضة في البحرين.
هناك سؤال مطروح حول ماذا قدمت هذه الصيغ للمواطن البحريني، وما هي طبيعتها، وما هو مصيرها بعد الانتخابات النيابية 2010، وربما هناك العديد من التساؤلات الأخرى.
في البداية نريد التوضيح للقارئ الكريم، بأن مصطلح التحالف الذي كان يطلق على علاقة الجمعيات السياسية، سواء كانت أربع أو ست، غير صحيح، فالتحالف له شروطه ومفاهيمه وهو يقوم على أسس متينة وقوية، ويوضع له برنامج وأهداف ولائحة خاصة أو نظام داخلي خاص بالهيكل التنظيمي والإداري والمالي، بالإضافة إلى قرب البرامج والأهداف ما بين تنظيماته المتحالفة، والتي تؤدي في حالات عديدة الى اندماج تلك التنظيمات أو الأحزاب.
ما كان موجوداً في البحرين في الفترة السابقة، هو تنسيق بعض المواقف والاتفاق على بعض الملفات المشتركة التي كانت تعبرعن قطاعات واسعة من الناس، شكلت عناصر الالتقاء والتعاون ما بين القوى السياسية البحرينية المعارضة والمختلفة فكرياً وسياسياً، نستطيع القول بأنه كان عن تنسيق وليس تحالفاً.
بالمناسبة فانه كان للقوى الديمقراطية والتقدمية في البحرين تجارب سابقة لم تصل إلى مستوى التحالف الاستراتيجي، ومثال ذلك الأرضية السياسية المشتركة التي طرحت من قبل جبهة التحرير والجبهة الشعبية في عام 1981، وكذلك لجنة التنسيق فيما بينهما في بداية تسعينات القرن الماضي، التي كانت تصدر النشرة المشتركة «الأمل»، بالرغم من الاتفاق في معظم المواقف السياسية، إلا انه كانت هناك تباينات واختلافات في الفكر وأساليب العمل.
فتلك العلاقات الراقية ما بين قوى اليسار الماركسي واليسار القومي لم تتطور إلى الاندماج، لأنها لم تبنَ على أسس تحالف استراتيجي يؤدي بهما في نهاية المطاف إلى التوحيد، مثلما حدث في حال جنوب اليمن «الحزب الاشتراكي اليمني» نموذجاً، وان كانت هناك العديد من الإشكالات والملاحظات على ذلك الاندماج ما بين تلك القوى المؤسسة للحزب. وهناك تجارب عديدة في الوطن العربي وبلدان العالم الثالث، فالتحالف شكل راق من التنسيق والتفاهم بين قوى سياسية تتقاطع فيما بينها في العديد من الأهداف والرؤى المشتركة، ولا يشكل على أسس مصالح آنية ونفعية أو بتعبير أدق «تبادل مصالح» حتى هذا المفهوم لم ينطبق على واقع بلادنا.
على أطراف التيار الوطن الديمقراطي أن تُحدد خياراتها الوطنية وبوضوح، وتعلن عن ميثاق العمل الذي كتب من قبل أطرافه، وعليها تبنى فكرة التحضير والإعداد لمؤتمر عام لتنظيمات التيار الوطني والديمقراطي والشخصيات الوطنية المستقلة التي يهمها وحدة هذا التيار والإعلان عن برنامجه، وأن يشكل رقماً قوياً، ليكن نداً، يعمل من اجل الناس وتحقيق تطلعات وآمال شعبنا في حياة أفضل.
اختم المقالة، بما كتبه د. سمير أمين في كتابه «في مواجهة أزمة عصرنا» مُنتقداً القوى اليسارية التي تعول على ما يوصف بالاتجاه المعتدل في الإسلام السياسي باعتبار أن الاتجاهين يحملان ذات الإيديولوجية أي إلغاء الديمقراطية، وإقامة نظام شمولي باسم الدين.
 
صحيفة الايام
21 ديسمبر 2010

اقرأ المزيد

ماذا نعرف عن جيراننا؟

حتى الآن ما زال جُهدُ الترجمة العربية موجهاً للنقل من اللغات الأوروبية . ليس تحت أيدينا بيان أو إحصاء بهذا الخصوص، ولكن نظرةً عامةً على الكتب المترجمة تجعلنا على يقين بأن هذه الكتب نُقلت إما عن الفرنسية أو الإنجليزية أو الروسية، وفي العقدين الأخيرين عن الإسبانية.
وبالتالي فإن «الآخر» بالنسبة إلينا كقارئين للترجمات، هو الآخر الغربي الذي كدنا نختصر فيه العالم، ناسين أن في هذا العالم لغات أخرى عريقة ثرية شكلت وعاء خصباً لثقافات عظيمة خاصة في آسيا، وليس من سبب يدعونا لعدم الاهتمام بالثقافات الصغيرة، أو بالأحرى ثقافات الشعوب الصغيرة، فمثل هذه الثقافات قادرة هي الأخرى على أن تقدم أسماء لامعة في مجال الإبداع والفكر.
نحن العرب موزعون على قارتين عظيمتين هما آسيا وإفريقيا. هنا كان مهد الحضارة العالمية، ولكن جهلنا بثقافة وأدب شعوب هاتين القارتين يكاد يكون مُخزياً .
ماذا نعرف عن ثقافة الهند مثلاً؟ حتى طاغور وصَلنا كصدى لاهتمام الغرب به، لسنا من اكتشفهُ أو سعى لمعرفته. وماذا عن الصين، ثقافةً وتاريخاً وأدباً، إذا ما استثنينا تلك الشذرات التي قدمها بعض المأخوذين بعمق هذا البلد وغرابته وعراقته مثل الراحل هادي العلوي؟
ومن نعرف من باكستان سوى محمد إقبال، وماذا نعرف عن إيران القريبة جداً التي تشاطرنا التاريخ والجغرافيا؟ إن «الآخر» القريب منا، الآخر الشرقي، والآخر المسلم، الآخر الآسيوي والآخر الإفريقي، مجهول تماماً أو يكاد يكون مجهولاً من قبلنا. نحن نعرف بعض المعرفة الغريب البعيد ولكننا نجهل كلياً جيراننا.
الترجمة إلى العربية، إذاً، ليست عشوائية فقط وخاضعة لمبادرات المترجمين أنفسهم، وإنما هي أيضاً انتقائية في اختيار اللغات التي تجري الترجمة منها، وليس خافياً علينا أن المركز الحضاري العالمي هو اليوم في الغرب، سواء كان ذلك يروق لنا أو لا يروق، لكن هذا المركز كان دائم التنقل من قارةٍ إلى قارة على مدار التاريخ الإنساني، وليس من المؤكد أنه سيبقى في المكان الذي هو فيه الآن.
ولكن من شأن المركز أن يكون بؤرةَ الجديد في كل شيء، بيد أن العالم هو دائماً في حالة سيرورة وتحول، وبوسع شعوب وبلدان مغمورة حالياً، أو قابعة في الجانب المعتم من دائرة الضوء أن تكون لها مساهماتها الثرية في الفن والإبداع والفكر والفلسفة.
لا يمكن التعرف على مقادير التنوع الثقافي في عالم اليوم، أذا ظلّ اهتمامنا منحصراً في وجهة واحدة، خاصة وأن الثقافات المختلفة تعبر عن رفضها التنميط الثقافي الذي يُراد فرضه على العالم، من خلال النماذج الابداعية التي تُقدمها والتي يرتقي بعضها الى مستوى العالمية، ولكنها تظل مهددة بالاقصاء والتهميش لصالح النموذج المسيطر عالمياً، والذي يمتلك آليات تسويقه الفعالة.
ثم تأتي عشوائية خطط الترجمة الى اللغات الأخرى، بما فيها لغتنا العربية في الحيز الذي يعنينا، لتسهم في هذا الأقصاء، لأن هذه الخطط لايمكن أن تظل محصورة في المبادرات الفردية للمترجمين أنفسهم، أو في بعض دور النشر المحدودة المهتمة، وانما يجب أن تتبناها جهات نشر مقتدرة ومدعومة من الحكومات ووزرات الثقافة فيها.
 
صحيفة الايام
21 ديسمبر 2010

اقرأ المزيد

حسن مدن: القوى الإسلامية مُنحت فرصة واسعة لكنّها لم تظهر إخلاصها والتغييرات في العراق لها انعكاسات في البحرين


قال الكاتب والمفكر البحريني الدكتور حسن مدن في حوار أجرته معه إيلاف ضمن سلسلة حواراتها مع مفكرين ومثقفين عرب، إن القوى الإسلامية مُنحت فرصة واسعة جدًّا لم تتح لغيرها من القوى في أن تتغلغل في المجتمع وحتى في أجهزة الدولة، لكنها لم تظهر إخلاصها لما تدعو له من شعارات مغلفة بالديمقراطية. وفي الوقت ذاته، يرى مدن أن هناك سوء فهم وتشويهًا أحيط به مفهوم العلمانية، فقُدم كما لو كان نقيضًا للدين، وفي هذا افتراء كبير، فالعلمانيون مؤمنون شأنهم شأن خلق الله الاخرين، ومتمسكون بالهوية العربية الإسلامية لمجتمعاتنا وحريصون على الدفاع عنها أكثر من خصومهم. وقال مدن إن التغييرات الجارية في العراق تجد لها انعكاسات في البحرين، بالنظر إلى بعض أوجه التشابه في التركيبة المذهبية وفي التقاليد الثقافية في البلدين. ويرى مدن أن نتائج الانتخابات النيابية والبلدية الأخيرة في البحرين كشفت أن هيمنة القوى الإسلامية على الشارع ليست مطلقة، وأنها في تراجع، بل إن هذه النتائج كشفت عن أن جزءًا من النفوذ الذي كان لهذه القوى هو في قسم كبير منه عائد الى الغطاء الذي قدمته الدولة لبعضها في الفصلين التشريعيين السابقين.




فجر العلمانية



هل ثمة ملامح لبزوغ فجر العلمانية في العالم الخليجي، وهل ترى انها مدخل بالضرورة لنزع فتيل الشحن الطائفي والمذهبي؟

العلمانية تيار قائم في الحياة الثقافية والسياسية العربية منذ بواكير المشروع النهضوي العربي، على الرغم من سوء الفهم والتشويه الذي أحيط به مفهوم العلمانية، فقُدم كما لو كان نقيضًا للدين، وفي هذا افتراء كبير. فالعلمانيون مؤمنون شأنهم شأن سواه من خلق الله ، ومتمسكون بالهوية العربية الاسلامية لمجتمعاتنا وحريصون على الدفاع عنها أكثر من خصومهم، ولكنهم يدعون الى عدم اقحام الدين في السياسة وفي طريقة ادارة الدولة، خصوصًا في بلدان قائمة على التنوع الديني والمذهبي كما هي حال الكثير من بلداننا العربية.
وإتفق مع ما يذهب اليه السؤال من أن ذلك مدخل ضروري للخروج من الاستقطابات الطائفية البغيضة التي حولت مجتمعاتنا الى ملل وطوائف متنازعة، تدير العلاقات فيما بينها بروح من البغضاء والريبة والشك وعدم الثقة.


هموم المقال اليومي



كيف يحشد حسن مدن لمعلومات مقاله الصحافي، وكيف تنتفض افكار مقاله اليومي؟

الأفكار كما يقول الجاحظ ملقاة على قارعة الطريق، وبالتالي فانه من خلال كل حدث يمكن أن نستوحي فكرة لكتابة المقال، لكن ذلك وحده ليس كافيًا، وإلا لأصبح كل الناس كُتابًا. فمن الضروري أن تكون لكاتب المقال اليومي مهارة هذا الالتقاط، وهذا يتطلب عدة ثقافية يلزمها الإغناء الدائم، لأن الكتابة اليومية تستنزف كل ما لديك من مخزون، إن لم تواصل تعويضه بالجديد. من هنا حرصي على أن أعطي وقتًا للقراءة بصورة مستمرة.
يلزمك أيضًا خبرة في الحياة وذاكرة يقظة وتجارب أثرت في تكوين شخصيتك، تسعفك عند استحضارها في اقامة المقارنات وبلوغ الاستنتاجات، مما يضفي على المقال حيوية ويكسبه عمقًا. وبالتأكيد لا بد أن يسبق ذلك كله موهبة الكتابة، والتمكن من اللغة.
مقالاتك قصيرة ومركزة وهو اسلوب اعتمده كتاب كبار مثل أنيس منصور، ترى هل تلبي الكلمات القليلة الأفكار الكبيرة التي يطرحها حسن مدن، وهل تدعو في ذلك الى الاستجابة لروح العصر المتسم بالسرعة؟
وصلت الى التركيز والتكثيف في مقالاتي بالتدريج وبالتجربة، مع استمرار الكتابة اليومية والمران عليها تعلمت أن أتخلص من الزوائد والتكرارات والمرادفات غير الضرورية التي تشكل عبئًا على المقال وعلى القارئ معًا.
اضافة الى ذلك، هناك ظرف موضوعي يتصل بحجم المساحة المخصصة للمقال في الجريدة، التي فرضت عليّ أن اقول الفكرة بأقل كلمات ممكنة، حتى لو كانت تحتمل المزيد من الشرح.
وفي نهاية المطاف، فإن العمود اليومي ليس أكثر من اضاءة لماحة لقضية من القضايا، ومحظوظ هو الكاتب الذي يستطيع عبر هذه الاضاءة المكثفة أن يوصل لقرائه فكرة عميقة أو مفيدة.



تجريب الإسلاميين


كتبت في مقال لك ان فكرة تجريب الإسلاميين، مثلما جرّبت الشعوب القوميين واليساريين وسواهم، أضف إلى أن إعطاءهم فرصة الحكم مغالطة كبيرة. ترى كيف تقيم اليوم قوى الإسلام السياسي في العالم الاسلامي؟

أرى ان هذه القوى الاسلامية مُنحت فرصة واسعة جدًّا لم تتح لغيرها من القوى في أن تتغلغل في المجتمع وحتى في أجهزة الدولة، وفي حالات كثيرة بتواطؤ من الحكومات أو بالاتفاق معها، ولم تظهر هذه القوى اخلاصها لما تدعو إليه من شعارات مغلفة بالديمقراطية. لا تنسى أن الجبهة القومية في السودان انقضت على السلطة بانقلاب عسكري ضد حكومة ديمقراطية منتخبة برئاسة الصادق المهدي. ووجدنا كيف تعاملت قوات الباستيج الايرانية المعروفة بشراستها مع الحركة الاصلاحية الاحتجاجية التي قادها عدد من رموز الثورة الاسلامية ذاتها، ولم يكونوا أعداءها أو من خارجها، وفي كل ذلك عظة كبيرة.



ترميم الذاكرة

حسن مدن هاجر وسجن بسبب أفكاره. وتعد “الشارقة” من أخصب مراحل حياته… كيف يقيم مدن تجربته في الوطن وخارجه، وكيف اثر ذلك الرحيل في كتاباته ؟

علاقتي بالعمل الوطني ابتدأت مبكرًا، منذ سنوات صباي، وقد تحدثت عن هذا بالتفصيل في كتابي “ترميم الذاكرة”، وطبيعي أن هذا جرّ اوجه معاناة مختلفة.
 اقامتي في الشارقة والامارات أعدها من أخصب مراحل حياتي من وجهة نظر العطاء الثقافي، وأنا ممتن لهذا البلد بالكثير، لذلك أتذكره دائمًا بالعرفان بالجميل.
امتدت اقامتي في الشارقة عشر سنوات متواصلة، لكن سبقتها سنوات اخرى من العمل السياسي في المنفى، في بلدان عربية مختلفة، اضافة الى خمس سنوات، هي مدة دراستي في موسكو.
حين عدتُ الى البحرين بعد الاصلاحات السياسية مطالع هذا العقد، وجدت نفسي منخرطًا في العمل السياسي من خلال موقعي في قيادة المنبر التقدمي، خلفًا للقائد التاريخي الراحل أحمد الذوادي، ونزولاً عند ارادته، بعد أن اشتد عليه المرض قبل رحيله بسنوات.
ناظم حكمت يقول ان المنفى مهمة شاقة، لكني مع ذلك أرى أن تنقلي بين عدة بلدان، على الرغم من أن ذلك كان قسريًّا ولم يخلُ من الصعوبات، أثرى تجربتي وأنضج شخصيتي، وأكسبني معارف وخبرات، انعكست، كما أحسب، في كتابتي.




الكاتب والسياسي


ما هي المسافة بين حسن مدن الكاتب والسياسي، وكيف يقيم مدن تجربته في العمل ي السياسي الذي يتطلب احتكاكًا مباشرًا مع الجمهور؟

السياسة تستحوذ على الجزء الأكبر من وقتي في المرحلة الحالية، وهذا يكون بالتأكيد على حساب مشاريع ثقافية ما زالت مؤجلة، لكن من الزاوية الأخرى فإن الاهتمامات السياسية كانت مفيدة في تعميق محتوى ما أكتب.
بالنسبة إلى الشطر الثاني من السؤال أود الاشارة خاصةً الى تجربة خوضي الانتخابات النيابية الأخيرة في واحدة من أكبر الدوائر في البحرين من حيث المساحة وحجم الكتلة الانتخابية، حيث كانت تجربة غنية ورائعة في اقامة الاتصال المباشر مع الآف الناخبين، لا تتوفر في الظروف الاعتيادية. وأعتبر هذه التجربة مدرسة ثرية في التعرف على تضاريس مجتمعنا وحجم ما لحق به من تغيرات في العقود الماضية، والتعاطي مع ما يعرف بسيكولوجيا الجماهير عن كثب.



الاصطفاف الطائفي


هل ثمة تشابه بين العراق والبحرين من ناحية احتمال الاصطفاف الطائفي في البحرين مثلما حدث في العراق، أم ثمة عوامل تحول دون ذلك ؟

التغييرات الجارية في العراق تجد لها انعكاسات في البحرين، بالنظر الى بعض اوجه التشابه في التركيبة المذهبية وفي التقاليد الثقافية في البلدين. من مصلحتنا في البحرين ومصلحة المنطقة كلها أن يستقر العراق في ظل ديمقراطية تعددية تعكس ما فيه من تنوع ديني وسياسي. أما بناء البلد على أسس المحاصصة الطائفية في صفقات يبرمها زعماء الطوائف، فلن يعود بالخير لا على العراق ولا على المنطقة، لأن هذه المحاصصات حتى لو استمرت لفترة تظل قنابل موقوتة قابلة للانفجار.
في ما يتعلق بلبنان والعراق والبحرين.. كيف يرى مدن مستقبل “الاحتكاك الطائفي “،
وهل ثمة فرصة قادمة لإشعال فتيل حرب طائفية في تلك البلدان، في ظل اشتداد أفكار التطرف في المنطقة ؟
الطائفية وانفجار الهويات الصغرى نظرًا لتفكك او ضعف الهوية الوطنية الجامعة في كل بلد على حدة هما خطر محدق، يجب عدم الاستهانة به، ومواجهته بجرأة وبرغبة صادقة في كبح كل ما من شأنه الاضرار بالنسيج الوطني لمجتمعاتنا. لا يوجد مخلص او عاقل يتمنى أن نشهد توترات أو حروب طائفية، وهذا يتطلب درء اسباب ذلك، ومن الشروط اللازمة في هذا المجال تعميق مبادئ المواطنة المتكافئة في الحقوق والواجبات بعيدًا من أي تمييز أو محاباة.



الأحزاب الإسلامية

 كيف ينظر مدن الى الأحزاب الإسلامية في البحرين، هل ما زالت تمسك بزمام  قيادة الشارع، وما هي القوى الجديدة الفاعلة ؟

نتائج الانتخابات النيابية والبلدية الاخيرة في البحرين كشفت ان هيمنة القوى الاسلامية على الشارع ليست مطلقة، وانها في تراجع، بل ان هذه النتائج كشفت عن ان جزءًا من النفوذ الذي كان لهذه القوى هو في قسم كبير منه عائد الى الغطاء الذي قدمته الدولة لبعضها في الفصلين التشريعيين السابقين.
انحسار قوى الاسلام السياسي السني في الانتخابات الأخيرة كان لصالح وجوه مستقلة، جلهم من رجال الأعمال والتكنوقراط ذوي الميول الليبرالية، وهم في مواقفهم السياسية سيكونون أقرب الى الموقف الرسمي، وفيما فاز مرشحو جمعية الوفاق في كامل الدوائر الثماني عشرة ذات الكثافة الشيعية، إلا انها واجهت منافسة حامية في بعض الدوائر، وهذا يحمل مؤشرات على امكانية تغير الوضع في الانتخابات المقبلة.
اتهمت برامجكم السياسية في الانتخابات بانها تحمل “نفسًا ” طائفيًا، وأنّكم تمثلون تيارًا طائفيًا محصورًا في فئة معينة.. كيف يفسر مدن هذه الاتهامات..؟
هذه المرة الأولى التي أسمع فيها هذا الاتهام، ومن المستحيل أن يوجه الينا أصلاً، لأننا دخلنا الانتخابات على قاعدة برنامج لمواجهة الاستقطاب الطائفي في المجتمع، ومن هنا كانت تسمية لائحتنا الانتخابية: قائمة البديل الوطني، تأكيدًا منّا على المشتركات والجوامع بين مكونات الشعب البحريني، وأحد أبرز شعارات حملتنا الانتخابية كان: “الطائفية لا تبني وطنًا”.
وبالمناسبة فإننا كنّا القائمة الانتخابية الوحيدة في الانتخابات الأخيرة في البحرين التي ضمت مرشحين سنة وشيعة، وهو أمر لم يتوفر في أي قائمة انتخابية أخرى.
نحن نرى في الخيار الوطني غير الطائفي، العابر للانحيازات الفئوية الضيقة، مستقبل البحرين والمنطقة كلها، ويشرفنا أن نكون في مقدمة الداعين لهذا الخيار والمجسدين له في الممارسة.



المنبر التقدمي للحوار الوطني

أطلق مدن العام 2009 مبادرة المنبر التقدمي للحوار الوطني، كيف تقيم المبادرة اليوم..؟

قدمتُ مبادرة الحوار الوطني باسم المنبر التقدمي الذي اشغل منصب أمينه العام، وبالتالي فإنها مبادرة المنبر وليست مبادرتي الشخصية، وهي جاءت على خلفية توترات أمنية في البلد واجهتها الدولة بحملة اعتقالات، وقد اطلقناها، يومذاك، لتجاوز الوضع المتوتر، على أن يصار الى آلية حوار وطني ينتهي بالتزامات متبادلة بين الدولة والقوى المجتمعية المختلفة، وفي مقدمتها المعارضة، وباشتراك السلطة التشريعية، بنبذ العنف والمعالجات الأمنية والوصول الى تسويات بشأن قضايا الخلاف.
من حيث الجوهر، فإن مبادئ المبادرة وأفكارها ما زالت تحتفظ بحيويتها، وأي صيغة لضمان استقرار البلد ومُضيه في طريق التنمية والبناء الديمقراطي لا يمكن أن تتأمن الا بالأفكار المنصوص عليها في مبادرتنا، والتي أُستقبلت بترحيب سياسي واعلامي كبير.



أوراق ويكليكس


كيف ينظر مدن الى أوراق ويكليكس، وما مدى تأثيراتها على السلوك الدبلوماسي العربي بعدما ظهرت أسرار تخصّ دولاً عربية معينة؟

تسريب هذه الاوراق يكشف عن معطيات جديدة في عالم اليوم، حيث لم يعد من الممكن اخفاء المعلومات او التستر عليها الى ما لا نهاية، ولكن هناك من يتحدث عن انتقائية في الأوراق المسربة، وأن هناك احداثًا جسيمة شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية لم يرد لها ذكر في ما نشر حتى الآن، مما قد يطرح أسئلة حول ما اذا كانت هناك جهة أو جهات تعمدت الكشف عن بعض المعلومات وحجب بعضها الآخر. لذلك علينا أن ننتظر لنرى.
وضمن السياق نفسه، فإن الديبلوماسية العربية مطالبة بتوخي الحذر في علاقتها مع الدول الكبرى، فبالنسبة إلى هذه الدول لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة، والمصالح تفرض متغيرات في التعاطي السياسي مع الدول الذي قد ينقلب من الشيء الى نقيضه، لذا المطلوب الانطلاق من الادراك الواعي لمصالح شعوبنا وبلداننا في المقام الأول في صوغ لعلاقة مع هذه الدول.



التعاون الخليجي .. الأنجح


كيف يفسر مدن عدم بلورة اتحاد خليجي حقيقي الى الان، والاكتفاء بمجلس تعاون فحسب.. هل ثمة معوقات اقتصادية آو اجتماعية أو سياسية تحول دون
تحقيق تقدم ملموس؟

بالقياس الى تجارب عربية اخرى تظل تجربة مجلس التعاون الخليجي هي الأنجح، لكنها مع ذلك ليست تجربة مثالية. مجلس التعاون نشأ على خلفية ظروف موضوعية وتاريخية مؤاتية، ولا يمكن نسب التقارب القائم بين دول المجلس وشعوبها الى قيام المجلس، فهذا التقارب، لا بل والتداخل، كان موجودًا قبل قيام المجلس بكثير، كل ما فعله المجلس في هذا السياق هو انه اضفى على هذا التقارب طابعه المؤسساتي إن صحّ القول.
هناك تشابه، يكاد يكون كليًّا، في طبيعة النظم السياسية وفي الخصائص الثقافية والنفسية لشعوب المنطقة وفي المصالح الاقتصادية المشتركة، لكن المطلوب تجاوز حالة المنافسة الخفية أو العلنية بين حكومات المنطقة، والى ايجاد اليات دمج في المصالح، من الطبيعي أن تتطلب بعض التضحيات، في سبيل عمل خليجي وحدوي حقيقي بأفق مستقبلي يقودنا الى التجارب الدولية الناجحة وفي مقدمتها تجربة الاتحاد الأوروبي.
 
سيرة ذاتية

د. حسن مدن
دكتوراه فلسفة في التاريخ الحديث والمعاصر.
عمل منذ أوائل السبعينات في الصحافة البحرينية.
عمل رئيسًا لقسم الدراسات والنشر في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، ومديرًا لتحرير مجلة “الرافد” منذ تأسيسها ولمدة عشر سنوات.
عمل مديرًا لتحرير مجلة ” دراسات ” الصادرة عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات.
أعدّ برامج حوارية لقناة دبي الفضائية.
عضو في لجنة تحكيم جائزة الثقافة العربية (2005 – 2008).
كاتب مقالة صحفية يومية في جريدة “الأيام” البحرينية و جريدة” الخليج” الإماراتية.
تُدرس بعض نصوصه في المقررات الدراسية في المرحلتين الإعدادية والثانوية في دولة الإمارات.
انتخب رئيسًا، ثم أمينًا عامًا للمنبر الديمقراطي التقدمي في البحرين منذ ديسمبر 2002، حيث جددت الثقة فيه عدة دورات آخرها في المؤتمر العام الخامس في مايو 2009.
أطلق في 2009 مبادرة المنبر التقدمي للحوار الوطني التي حظيت بترحيب برلماني وسياسي وإعلامي واسع.
اختارته منظمة “اليونسكو” عضوًا في لجنة تحكيم جائزة الثقافة العربية التي تمنحها المنظمة في دورتها الثانية()
مُنح في العام 2009 جائزة تريم عمران التقديرية لتميزه في كتابة العمود الصحافي ومجمل عطائه الثقافي والإعلامي.
يعمل مديرًا لتحرير مجلة “البحرين الثقافية” الصادرة عن وزارة الثقافة في البحرين.صدرت له مؤلفات متعددة.


 

أجرى اللقاء عدنان أبوزيد

جريدة إيلاف 16 ديسمبر 2010

اقرأ المزيد

الدين والفضائيات

كتب د. احمد محمد صالح في مقدمة مقالته التي نشرها في مجلة الهلال الصادرة في مطلع هذا الشهر منذ عدة اسابيع عن صدور قرار مصري بإغلاق اثنتي عشرة قناة تلفزيونية وانذار عشرين قناة أخرى لإخلالها بشروط التقاعد ولإعادة تنظيم أوضاعها في ظل الفوضى الاعلامية في الفضائيات الناطقة بالعربية، واصبح بعضها باسم اشخاص واحزاب وطوائف ومذاهب دينية وقدرها البعض بـ 54 قناة مصرية حكومية تبث عبر القمر الصناعي نايل سات وقنوات خاصة تعدى عددها 31 قناة.
وفي تقديرات اخرى تجاوزت القنوات الفضائية الدينية في بلاد العرب 40 قناة وهي ظاهرة عربية خالصة.
لماذا كل هذه الفضائيات الدينية؟ قد نجد الاجابة واضحة على هذا السؤال وخاصة ان غالبية هذه الفضائيات تستهدف بوضوح تمزيق نسيج المواطنة ليس في مصر وحدها وانما في البلاد العربية قاطبة تحت ستار الدين, وبالإضافة إلى ذلك ان هذه الفضائيات تروج للشعوذة والخرافة والتطرف والعنف ونشر الأكاذيب والتخلف الفكري.
وفي تصور د. سيار الجمل ان هذه الفضائيات تساهم في تأخر الوعي وتعمل على جر تفكيرنا الى الوراء قسراً وانها تزرع الفساد الفكري وإشاعة الدجل والخرافة والشعوذة وإشعال المشاعر المضادة للحقائق العقلانية والواقعية، دراسات كثيرة تناولت علاقة الدين بالفضائيات ومن بين هذه الدراسات تلك التي تعتقد, بالإضافة إلى نشر ثقافة العنف ان وسائل الاعلام الالكتروني كالفضائيات تخلق وتسعى إلى إرضاء وإشباع السوق التجاري الاعلامي وبالتالي فالفضائيات الدينية أشبه بالأسواق وتحديداً بأسواق البضائع المستعملة وان الاسر العربية عندما تستقبل التشكيلة المتنوعة من الفضائيات الدينية يلعب أفراد الاسرة دور حارس البوابة لحماية الفضائية المفضلة لديهم وان البيوت اليوم اصبح بداخلها تنوع واسع من الرموز والخدمات لها شكل ومعنى ديني مباشر وظاهر واحياناً مستتر ولنا ان ننظر حولنا سيولاً من الكتب واشرطة الكاسيت والأناشيد والاسطوانات المدمجة وبرامج الكمبيوتر وبرامج الفيديو التي تسوق الدين غير العاب الاطفال والملابس ومستلزمات الحجاب والحج والعمرة ومستلزمات الموالد والمهرجانات والاحتفالات والاعياد الدينية والسلع المنزلية وبطاقات بريدية وايقونات كلها محملة برموز دينية للتسويق.
وحول السلطة الدينية والاعلام الالكتروني يقول «صالح» ان وسائل الاعلام التي يتم في سياقها الخطاب الديني تمثل مصدر المعلومات حول الأديان وفي عصر الانترنت لم يستطع أي دين السيطرة على قصصه ورموزه وبمعنى آخر اليوم القيادات الدينية من كافة الأديان لا تستطيع السيطرة على أي انتهاك للرموز الدينية التي يمتلئ بها الانترنت والفضائيات وبقية وسائل الاعلام ولا يستطيع احد ان يسيطر على الاخبار والموضوعات التي تغطيها تلك الوسائل وفي ظل الممارسات الاعلامية الفورية البصرية تعلمت السلطات الدينية في كافة الأديان ان الموضوع ليس فقط التحكم والسيطرة على قصصهم ورموزهم الدينية بل لم يعد في امكانهم الاحتفاظ بأسرارهم الخاصة تحديداً اسرار الانحرافات والفساد في المؤسسات الدينية!!
وفي موضع آخر, يتساءل «صالح» ماذا يريدون من الفضائيات؟؟ يقول الدراسات تقول انهم يريدون الانتشار والشهرة والاعلام والإعلان عنهم كدعاة وموجهين للبشر يريدون ايضاً تأكيد شرعيتهم ويطمعون من الفضائيات تسهيل وتفعيل عملياتهم في الدعوة والتبشير وعلى ذلك ليس من الصعوبة فهم العلاقة المضطربة والملتبسة في اغلب الاحيان بين المؤسسات الدينية والفضائيات فالمؤسسات الدينية تريد من الفضائيات ان تبث رسائل ايجابية عنها دائماً وفي نفس الوقت تريد المؤسسات الدينية ان تكون عاملاً مؤثراً وموجهاً على الفضائيات طول الوقت، حقا كما يقول معادلة صعبة، والسؤال الآخر الذي يطرحه صاحب المقال هل غلق هذه القنوات ولفت نظر البعض الآخر هو الحل لتلك الفوضى الاعلامية في الفضائيات العربية عموماً والفضائيات الدينية على وجه الخصوص؟؟
البعض يرى ضرورة التدخل لتنظيم البث وتطبيق ميثاق الشرف الاعلامي والبعض الآخر يعارض ذلك ويعده ضربة قوية لهامش الحرية وآخرون يزعمون بضرورة إنشاء مجلس أو مؤسسة لمراقبة اداء المرئي والمطبوع والمقروء وتقويمه إذا انحرف عن المسار الصحيح، في رأيهم هو تقديم حقائق تفرض نفسها على العقل ولكن الصحيح كما يزعم ان الفضائيات مثل أي تكنولوجيا مجرد أداة توظيف طبقاً للغرض المستهدف من هذا المنظور. ان تأثير الفضائيات على المجتمع سيعتمد على خصائص هذا المجتمع في كيفية توظيفها، فخصائص المجتمع نفسه على المستوى الثقافي والاجتماعي والاقتصادي وقبل ذلك خصائصه السياسية هي التي تعيد تشكيل الفضائيات بما يتوافق مع شروط المجتمع، ومع ذلك نقول تبقى كل الفضائيات الدينية التي تبث سموم الفرقة في المجتمعات العربية وغير العربية وتنشر ثقافة الإرهاب وتروج للطائفية والمذهبية فضائيات تتعارض مع مبدأ التعايش السلمي واحترام الآخر والتسامح والتقدم والعصر والحياة.
 
صحيفة الايام
18 ديسمبر 2010
اقرأ المزيد

الخليج والمتغيرات من حوله

منذ سنوات وضع كاتبان أمريكيان تقريراً عن الأوضاع في منطقة الخليج العربي وأفقها المستقبلي، محوره دعوة دول المنطقة إلى ما وصفاه بـ «التعايش مع المتغيرات».
ورغم أن التقرير صيغ بروحية أن أمن الخليج هو مسؤولية الولايات المتحدة في المقام الأول وحلفائها الغربيين إلى حد ثانوي، ويغفل، لا بل يُفند، مقولة أن يكون هذا الأمن جزءاً من منظومة الأمن الإقليمي المتفاهم عليه بين دول المنطقة في سياق أشمل للأمن العربي، ويبرز بصورة مُكَبرة أن دول الخليج الصغيرة المنتجة للنفط غير قادرة على الدفاع عن نفسها ضد اللاعبين الكبار في المنطقة، فإنه لا يستطيع الهروب من الإشكالات الكثيرة الناجمة عن تسويد مفهوم أن أمن المنطقة سيظل مهمة الدول المستفيدة من نفط الخليج.
المُغيب في مثل هذه الأطروحات هو أن هذا الخليج عبارة عن شعوب ودول معنية بمقدار لا يقل بأمن هذه المنطقة، الذي هو أمنها وأمن أجيالها القادمة في الدرجة الأولى. والإغفال المتعمد لهذه الحقيقة أدى في السابق الى كوارث عديدة، وهو يمكن أن يؤدي الى شبيهاتها في المستقبل، اذا جرى الاستخفاف في حقيقة أن أي مفهوم لأمن الخليج سيظل مفهوماً ناقصاً إذا لم يأخذ في الاعتبار مصالح شعوب هذه المنطقة وأمنها وسيادة دولها على أراضيها وحدودها، ضمن تفاهم أشمل ولا شك، ولكنه ليس ذاك التفاهم الذي ينظر للمنطقة ودولها مجرد مستودعات أو مخازن سلاح.
ورغم أن دول المنطقة خطت خطوة، لا بل خطوات، في الاتجاه الصحيح بتشكيلها لإطار مجلس التعاون الخليجي كوحدة أهم وأشمل بطبيعة الحال إقليمية تمتلك درجة كبيرة من التجانس، لكن يظل المنتظر من هذا الإطار أكبر بكثير من المنجز، بل إن هذا المنجز يبدو متواضعاً بالقياس لحجم التحديات الكبرى التي تجابه الإقليم الخليجي.
وفي هذا السياق فإن هناك قضايا بحاجة إلى تسوية لبلوغ التوافق حول موقف خليجي واحد ومتسق إزاء التحديات المصيرية لدول المنطقة، خاصة في تلك المسائل التي تمس الجانب الأمني، إزاء العلاقة مع الخارج.
نقول ذلك وفي الذهن أنه لو كانت الأمور مثالية لما جاز الحديث أصلاً عن علاقات خليجية – خليجية إلا بمقدار أهمية توطيد هذا النوع من العلاقات، وصولاً إلى آلية من التكامل الحقيقي وتوحيد المواقف إزاء الخارج، سواء كان هذا الخارج صديقاً أو حليفاً أو عدواً .
قدر هذه المنطقة وأهلها أنها ليست قوة ضاربة، لذا فإن المصلحة الوطنية تقتضي أن يصل الخليج إلى مستوى يجعل من إطاره الإقليمي الذي حافظ على ديمومته منذ أن تشكل حتى اليوم، وبات التراجع عنه أمراً صعباً، فضلاً عن أنه خطر، إطار يتعدى حدود التنسيق والتشاور ليصبح أداة صنع سياسة موحدة تستجيب لمصالح دوله مجتمعة إزاء المخاطر الكثيرة المحدقة بها.

صحيفة الايام
18 ديسمبر 2010

اقرأ المزيد