المنشور

في حوار حول البدائل المستقبلية : “الاشتراكية الجديدة يجب ان تكون مختلفة” / رشيد غويلب



في حوار حول البدائل المستقبلية :
أجرت
النسخة الالكترونية من جريدة “دي تسايت” (الوقت) الألمانية الليبرالية
واسعة الانتشار حوارا مع سارة فاكنكنشت نائبة رئيس حزب اليسار الألماني،
ونائبة رئيس كتلته البرلمانية، والتي تعد من ابرز الوجوه القيادية في
الحزب، تناولت فيه موقفها من الرأسمالية، الاشتراكية المبدعة التي تناضل من
اجلها. وفي ما يلي أهم الموضوعات التي تضمنها الحوار:



في البداية أكدت فاكنكنشت ان الرأسمالية لا تمثل نهاية التاريخ وهذا ما
يحفزها على الاستمرار في النضال ضدها. وان الأزمة الحالية التي تعاني منها
أوروبا أضعفت بشكل هائل دولة الرفاه الاجتماعي، وحتى في ألمانيا لم يعد
الناس يتوقعون أن أبناءهم وأحفادهم سيعيشون بشكل أفضل. وهذه دلالة على فشل
النظام الاقتصادي الحالي. أما استمراره فيعود إلى ان الكثيرين لا يرون
بديلا له. ولكن هذا الوضع بدأ يتغير، وان كان بوتيرة بطيئة. ولو كان حوارنا
يجري في التسعينيات لقالت الأغلبية ان المستقبل للرأسمالية، أما اليوم فان
نقد الرأسمالية لم يعد موقفا معزولا.



ان انهيار التجربة الاشتراكية السابقة، لا يدلل مطلقا على ان الرأسمالية
هي الحل، ويدلل فقط على ان الاشتراكية يجب أن تكون شيئا مختلفا عن النظام
السابق الذي أقيم في بلدان أوروبا الشرقية. في التجربة السابقة انطلقوا من
الإلغاء الكلي لآليات السوق، وإحلال التخطيط المركزي محلها. وتم استبدال
الديمقراطية البرلمانية بنظام دولة مقيدة للغاية، مما أدى إلى فشل هذه
المفاهيم. والأسواق ليست هي المشكلة، إنما نظام الملكية الخاص للشركات
الكبيرة، والسلطة المجتمعية، التي تتيح مصادرة نتاج عمل العمال، بدون بذل
أي جهد يذكر. وهنا يجب حصر دور الأسواق في المجالات التي يمكن ان تؤدي
وظيفتها فيها. ويمكن للسوق ان يؤدي وظيفته في جميع المجالات التي تتوفر بها
منافسة حقيقية، والتي يجني المرء منها فائدة من الفكرة الأفضل، والنوعية
الأحسن. وعندما تتنافس في السوق عدة شركات، فيجب ان تحاول كل واحدة منها
تقديم الأفضل والأكثر إنتاجية عندها سيخلق ذلك قوة دافعة للابتكار
التكنولوجي. والتنافس كذلك مهم في مجال تجارة البضائع الاستهلاكية، لإنتاج
ما يرغب الناس في شرائه. ومن الطبيعي ان يضمن للسوق تأدية وظيفته، ولكن
عندما يوجد في سوق المواد الغذائية الألماني خمس شركات تسيطر على السوق
وتملي على الموردين والزبائن الأسعار، فلا يمكن الحديث عن ايجابية السوق.
والأسواق تؤدي وظيفتها حيث لا توجد شركات محتكرة وكبيرة جدا.



ان الأسواق مفيدة في العديد من المجالات، ولكن المهم ان نستوعب كيف تعمل
آلياتها. والمثل السلبي لذلك هي أسواق اقتصاد الطاقة. لقد كانت فكرة
مجنونة، تنظيم تغيير مصادر الطاقة بشكل يتوافق مع السوق، والواقع يؤشر
ضرورة إعادة تشكيلها على وجه السرعة، لكي نتمكن من إيقاف المضاربة بواردات
الأسر وميزانيتها. وكذلك الحال في قطاع الصحة، حيث يجري خصخصة المستشفيات
ويتوقع في نهاية المطاف ان تحقق ربحا قدره 20 في المئة. وهذه فكرة سخيفة،
وتتقاطع مع أي ادعاء إنساني. ان المرضى ليسوا زبائن، يستطيع المرء ان
يصنفهم على أساس المبالغ التي بحوزتهم، وهل سيجلب علاجهم أرباحا
للمستشفيات؟ ونفس الشيء يسري على التلاميذ، لذا فان خصخصة قطاع التعليم خطأ
في المكان، ويحدونا الأمل بقلة من يأملون اليوم بالأثر الايجابي للأسواق
المالية.



وفي نهاية الحوار عرضت سارة فاكنكنشت رؤيتها للاشتراكية المبدعة التي
تناضل من اجلها. ان فكرة الاشتراكية المبدعة تقوم على دعم الابداع، فكل من
يطرح فكرة جيدة، ويحاول ان يؤسس شركة جديدة يجب دعمه. ومن يحتاج المساعدة
يجب ان يضمن له مستوى معيشي يليق بكرامة الانسان. ولا ينبغي ان تتوفر لأحد
امكانية العيش من عمل الآخرين، لكونه يملك والدين ثريين وضعا له ثروة هائلة
في مهده.

اقرأ المزيد

توصيفات الخراب العربي



منذ سنوات قدّم عالم الاجتماع العربي المعروف حليم بركات مصفوفة الصفات التالية عن الإنسان العربي: أنه كائن عاجز، مسحوق، منفعل، مغلوب على أمره، مدجن، اعتمادي، هامشي، مسلوب من حقوقه، المناخات العامة لا تسمح له بممارسة حريته وتنمية طاقاته الإبداعية، ولا تشجعه على الاعتزاز بتراثه وكرامته وهويته، لا تشمخ به ولا تعتبره غاية، ولا تعزز أصالته وصدقه، إنها على العكس من ذلك، تعطل إمكاناته وتذله، وتمنع عنه الريادة والاكتشاف، تزيف حياته وتفقرها في الصميم، وتمارس عليه العبودية والقهر .
الهوة بين الواقع والحلم في حياة الشعوب العربية تتسع وتتعمق وليس من جسور بينها وبين مستقبلها . الخيارات نادرة، هذا إذا كانت موجودة أصلاً، وليس أمامه إلا أن ينسحب ويعلن بصوت مرتفع نعيه الذاتي، أو أن يرضخ ويتمسك بالصبر ويمارس الرقابة الذاتية والمساومة على حياته والتنازل عن حقوقه .
حتى في المجتمعات الغربية بالغة التطور وذات التقاليد السياسية العريقة، يشكو الباحثون والناشطون السياسيون من انحسار رقعة الاهتمامات والأنشطة السياسية عند الرأي العام، إلا أن مسببات هذه الظاهرة في المجتمعات الغربية مختلفة عن أسبابها في عالمنا العربي، فإذ تظهر الدولة هناك كفاءة ملحوظة في احتواء أو حجب التناقضات الاجتماعية الصارخة، وتضع قيودا مشددة يضمنها القانون على ظواهر الفساد أو التصرف غير المشروع بالمال العام، هذا إضافة إلى الدور المهم الذي تقوم به وسائط ‘الميديا’ في إشاعة جو عام من الاسترخاء والثقافة الاستهلاكية تعززها وفرة السلع وكثافة إنتاجها وسهولة الحصول عليها، فإن الأمر في عالمنا العربي مختلف .
إن هذه اللامبالاة ناجمة عن شعور عام بالإحباط واليأس والعجز عن فعل شيء يمكن أن يسهم في تغيير الأوضاع إلى الأحسن، أمام سطوة بيروقراطية أجهزة الدولة واستشراء نفوذها واختراقها حتى للفضاءات الصغيرة الخاصة بكل مواطن بالطريقة التي تجعل هذا المواطن منتهكاً حتى في أدق تفصيلات حياته، وتفقده بالتالي القدرة على المبادرة والاشتراك النشط في الحياة العامة التي تتطلب مقادير لابد منها من الحرية ومن الشعور بالكرامة، وهما القيمتان اللتان يجري السعي لتدميرهما من روح ومن ذهن هذا المواطن ليصبح عاجزاً ومشلولاً ومحبطاً وخائباً .
حين أزفت لحظة انفجار الغضب العربي عام 2011 وما تلاه، لم تكن المسارب الآمنة متوافرة له، فانزلق إلى المهالك، كأن الخراب أثمر خراباً أكثر فداحة منه .

اقرأ المزيد

المصالحة ليست هدفاً في هذا الوطن

لقد أثبت المجلس الوطني بشقيه (النواب والشورى)، أنه لن يكون في يوم من
الأيام جزءًا من الحل المرتقب للأزمة الدائرة في البلد، وإنما هو أساساً
جزء من المشكلة.

فلقد تقدم المجلس الوطني خلال الاجتماع الإستثنائي
يوم الأحد الماضي، بـ 22 توصية، أعلنتها وزيرة الدولة لشئون الإعلام
للصحافيين خلال فترة الاستراحة التي سبقت التصويت عليها من قبل المجلس
الوطني، أي قبل التصويت عليها، ولم تكن بينها أية إشارة إلى أهمية وضع حلول
تخرج البلد من أزمته التي ستدخل قريباً عامها الثالث، ولم تشر أيٌّ منها
إلى اتخاذ إجراءات تقرب من إعادة اللحمة الوطنية أو المصالحة بين مكونات
الشعب ولا حتى النظر في إيجاد حلول سياسية.

وبالطبع لم تشر هذه
التوصيات إلى ما يستخدم من عنف وتجاوز ضد المواطنين، ومعاقبة من استخدم
أساليب التعذيب في السجون لإرغام المعتقلين على الاعتراف، ما أسفر عن سقوط
العديد من القتلى في داخل السجون من بينهم عبد الكريم فخراوي، وعلي
العشيري، وعلي صقر، وذلك ما أثبته تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي
الحقائق.

جميع التوصيات التي خرجت تصبّ في خانة تشديد العقوبات،
وإسقاط الجنسيات ومنع المسيرات في العاصمة، وتشديد القبضة الأمنية، وكأن كل
هذه الأمور لم تطبق بشكل عملي من قبل، ولا أحد يعرف كيف يمكن لهذه
الإجراءات أن تسهم في استتباب الاستقرار، فحتى معالي وزير الداخلية أشار في
حديثه الرسمي إلى أنه لا يمكن «القضاء على العنف والإرهاب بين ليلة
وضحاها»، ما يعني أن هذه التوصيات لن تضيف شيئاً لواقع الأمر، ولن تسهم
بقليل أو كثير في حل العنف المستخدم في الشارع سواءً من قبل هذا الطرف أو
ذاك.

بالطبع هناك مداخلات لعدد بسيط جداً من النواب والشوريين الذين
سعوا إلى أن يأخذ هذا الاجتماع الاستثنائي مسلكاً آخر، وأن يساهم ولو بشكل
بسيط في تهيئة الظروف لطرح عقلائي وتهدئة الأوضاع، بدلاً من سكب الزيت على
النار المشتعلة أصلاً، ولكن للأسف لقد قوبل هؤلاء، بالسباب مما دعاهم
للانسحاب من الجلسة.

ما حدث لعضو مجلس الشورى علي العصفور يمكن أن
يكشف نوايا البعض وموقفهم من موضوع المصالحة الوطنية، حيث أنه تقدم باقتراح
بتشكيل «لجنة للحكماء»، وقال «إن البلد لا تخلو من الطائفتين الكريمتين
ممن يسعى إلى المصارحة والمصالحة، بدلاً من سن القوانين وتشديدها»، فما كان
من وزير العدل إلا اتهامه بأنه يطرح عناوين لا تحمل معنى حقيقياً، ما دعا
العصفور إلى سحب اقتراحه «لأنه أزعج وزير العدل، ولأنه ثبت أن المصالحة
والمصارحة ليست هدفاً في هذا الوطن». وأعلن بعدها انسحابه من الجلسة، فما
كان من أحد النواب إلا أن يقول له «اطلع بره»!

اقرأ المزيد

عن لقاء عابر مع محمد البراهمي

حين
رأيت صورتهُ على شاشات الفضائيات بعد لحظات من إعلان إغتياله تذكرتُ وجهه
جيداً، ومرَّ في ذهني شريطاَ عن وقائع لقائي به في أواخر نوفمبر/ تشرين
الثاني الماضي، في إجتماع للناشطين العرب في حركة السلم والتضامن عُقد في
مدينة مراكش بالمغرب حيث كان محمد البراهمي القائد الوطني التونسي في عداد
وفد بلاده لذلك الاجتماع.



ورغم أننا تبادلنا البطاقات التعريفية
لكلينا، لكني لم أحفظ إسمه، على جري ما يحدث معنا في مثل هذه الفعاليات
التي تعج بالمشاركين، فلا تسعفنا الذاكرة في حفظ أسماء جميع من نلتقيهم
فيها، لكني تذكرت أننا جلسنا معاً نتبادل الحديث لبعض الوقت ونحن ننتظر
دورنا لإجراء حديث مع مندوبة إحدى الصحف المغربية، وتذكرتُ أكثر أننا كنا
ضمن لجنة الصياغة التي اختارها المجتمعون لوضع مسودة البيان الختامي
للإجتماع المذكور وتوصياته.


الاجتماع، كما ذكرت، كان للناشطين في حركة
التضامن بين الشعوب الآسيوية الافريقية التي نشأت في زمنٍ قريب من ذاك الذي
تأسست فيه حركة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز، كان العالم آنذاك غير
العالم اليوم: حركة التحرر الوطني والقومي من الاستعمار والهيمنة الأجنبية
كانت موجة عارمة تجتاح بلدان آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وكانت شعوب
هذه البلدان بحاجة للتآزر والتضامن في ما بينها. 


لم يعد العالم كما
كان، ولم يعد عالمنا العربي بالذات كذلك، ليس بالقياس لما كان عليه يومها،
وإنما أيضاً بالقياس لما كان عليه قبل عامين، حيث عصفت به ولا تزال موجة من
التغييرات مازالت في حالٍ من السيولة بحيث يصعب تحديد وجهتها النهائية.
والمجتمعون جاءوا ليبحثوا في أمر هذه المتغيرات، وفي جعبتهم الكثير من
الأسئلة والقليل من الأجوبة وهم يجتهدون لبلورة رؤية حول الدور المستقبلي
للحركة.


قال الحاضرون أشياء بعضها متشابه، وبعضها ينطوي على شيء من
الاختلاف، ولكنهم أجمعوا أن ثمة حاجة لخطاب جديد يلائم وضعاً مستجداً غير
مسبوق، ومن النقاش تبين أن ما كان يُعد بديهياً لم يعد كذلك، وأن ثمة أشياء
كنا نظن أن الزمن حسمها إيجابياً، فإذا به، ماكراً، يعيدنا إلى نقطة
البدء. 


بدا لي الرجل هادئاً في حديثه وفي مداخلاته، وهو يتحدث عن
المعضلات الجديدة الماثلة أمام الحركة الوطنية والديمقراطية في تونس بعد
ثورة الياسمين، وبعد صعود الاسلام السياسي ممثلاً في حركة النهضة إلى
السلطة، وعن تعقيدات الوضع في بلدان المغرب العربي وفي العالم العربي عامة.


يومها
كتبت هنا أنه ليس عبثاً أن البيان الختامي توقف طويلاً أمام السجال حول
هوية الدولة الوطنية العربية، أتكون مدنية أو دينية، ليعيد تعريف المُعرف،
ربما لأن الدولة ذاتها كبنية راسخة تواجه خطر التفكيك، فثمةَ من يريد أن
تُحكم القاهرة أو تونس أو سواهما، لا بمنهاج الدولة، وإنما بطريقة الإمارة
«الإسلامية» في قندهار.


هاهي تونس الخضراء تقف مذهولة أمام إثم الآتين
من الماضي المحمولين على موجة التطرف الديني الذين ضرجوا محمد البراهمي
الوطني، رجل الحوار والتقدم، بدمائه، بذات السلاح وذات الأيدي التي استهدفت
منذ شهور ستة فقط رفيقه شكري بلعيد.    
اقرأ المزيد

المشي الحر


ما من قيمة في الحياة هي محل تقريض وإشادة كقيمة الحرية، ولكن ما من قيمة مكبلة بالقيود وبالمحاذير وبالمحظورات، مثلما هي الحرية.


إننا جميعا نمشي بمحاذاة الحائط، لأننا اعتدنا الاتكاء عليه ولم نتعلم بعد المشي الحر في الشوارع الفسيحة برجلين طليقتين، ونحن نمشي مطأطئي الرؤوس، لأننا اعتدنا أن تكون السقوف واطئة، بحيث لا تحتمل قاماتنا القصيرة، وإن رؤوسنا دقت بما فيه الكفاية بهذه السقوف، حتى أصبنا بالدوار فلم نعد نعي مواقع الجهات الأربع.. ومع الوقت نشأت في دواخلنا «سيكولوجيا العبد» نحن الذين ولدتنا أمهاتنا أحرارا، وحين نتذكر تلك النصيحة الذهبية التي أطلقها أحد الكتاب: «احذر الإنسان الذي يشعر بأنه عبد، فلسوف يريد أن يجعل منك عبدا» حتى نشعر بأن ماء باردا صب على رؤوسنا، لأننا إذ ندرك في قرارات أنفسنا أننا لسنا أحرارا نمارس التسلط على من نظنهم أدنى مكانة منا.




انظر إلى الرجل المستلب في عمله أمام مديره أو مسؤوله المباشر، وتأمل كيف يتصرف في بيته كطاغية فتعجب كيف تجمع الناس بين شخصية الطاغية وشخصية الخنوع، في أشبه ما يكون بسيكولوجيا التعويض عن القهر الواقع علينا، بالشكل الذي فصله د.مصطفي حجازي في كتابه القيم عن «سيكولوجيا الإنسان المقهور»، وفي كتابه الطريف «المستظرف الجديد» ينقل الباحث هادي العلوي أقوالا وحكما من التراث العربي – الإسلامي تدلل على أن الوعي بهذا الأمر يمتد بعيدا وعميقا، فينسب للخليفة الراشد عمر بن الخطاب قوله «ما وجد أحد في نفسه كبرا إلا من مهانة يجدها في نفسه»، أما أبوحيان التوحيدي فيقول: «ما تعاظم أحد على من دونه، إلا بقدر ما تصاغر لمن فوقه».



افتقارنا إلى الحرية كشعور بالانطلاق ينسل عميقا إلى أدق تفاصيل حياتنا، إنه يمس على سبيل المثال قيمة نبيلة كقيمة الحب من يقول إن عواطفنا حرة، أو أننا نعبر عن مشاعرنا حيال الآخرين بشكل حر ومجرد وخال من الحسابات والاعتبارات! 



يذهب ميلان كونديرا، الروائي العالمي المعروف، إلى أنه ليس في استطاعة المرء أن يحدد يقينا إلى أي مدى تكون علاقاتنا بالغير نتيجة العواطف لحبنا أو لـ «لاحبنا»، لعطفنا أو كرهنا، وإلى أي مدى هي محكومة سلفا بموازين القوى بين الأفراد، وهذه الملاحظة الدقيقة إذا كانت تصح على البشر جميعا بصرف النظر عن انتماءاتهم وجنسياتهم، فإنها تصح بمقدار مضاعف على مجتمعات مثل مجتمعاتنا العربية «تشيخ» فيها حتى العواطف.



«إن طيب الإنسان الحقيقي لا يمكن أن يتجلى بكل صفاء وحرية إلا حيال أولئك الذين لا يمثلون أي قوة»، والقوة هنا مأخوذة بمعناها الشامل وتجلياتها المختلفة التي تتوغل في أصغر الخلايا وتندس في أدق الشرايين!
اقرأ المزيد

قبل أن نصل إلى مرحلة اللاعودة

رغم حالة اليأس من تحسن الأوضاع التي تسيطر على الجميع، ورغم ما نراه من
تدهور الأوضاع الأمنية وانتشار العنف والعنف المضاد، وتشظّي المجتمع
طائفياً، إلا أن الأمل لا يزال قائماً في أن تتخذ الدولة خطوات جادة لإعادة
الأوضاع لطبيعتها.

إن مجرد دعوة السلطة للحوار والحديث بين الحين
والآخر عن حلول ومبادرات، كما أن الحديث عن التطور من خلال مراحل معينة
وتدريجياً، ناهيك عن تصريحات القوى السياسية الموالية بأنها تتفق مع
الجمعيات السياسية المعارضة في 80 في المئة من المطالب، هو في نهاية الأمر
اعترافٌ مبطّن، بأن هناك مطالب مشروعة يجب الاستجابة لها، وأن الأوضاع في
البلد لن تتحسن إلا من خلال الاتفاق بين مكونات المجتمع على ماهية
الإصلاحات ونوعيتها، خصوصاً أن ما يطالب به الناس ليس من المستحيل أو الصعب
تحقيقه، ولا يصل إلى نصف ما كانت تطالب به الشعوب الأخرى في دول الربيع
العربي.

وقوف السلطة موقف المتفرج في هذه الأوقات العصيبة وتغليبها
للحل الأمني، وعدم طرحها لمبادرات جدية واللعب بورقة الجمعيات السياسية
الموالية، لن يخدم البحرين ولن يخرجها من المأزق المتفاقم يوماً بعد يوم،
فكلما مرّ الوقت أصبحت الأوضاع أكثر تعقيداً وأعصى على الحل.

ما عاد
خفياً تطوّر أعمال العنف والعنف المضاد يوماً بعد آخر، مع مؤشرات على
احتمال دخول مرحلة جديدة من الحراك الشعبي، ورغم تأكيد الجمعيات السياسية
المعارضة إدانتها للعنف، وعدم تبنيها لأسلوب الحراك العنيف، إلا أن الشارع
على ما يبدو، بدأ يخرج عن سيطرة أحد، ما يؤكد أن موضوع تشديد العقوبات الذي
يريد مجلس النواب من خلال جلسته الاستثنائية المقبلة، لن تثني الناس عن
المطالبة بحقوقها، كما أنها لن توقف العنف ولا العنف المضاد.

لقد كان
من الأجدى أن يطلب مجلس النواب عقد هذا الاجتماع الاستثنائي لمناقشة
الأوضاع الحالية لإيجاد حلول واقعية وعملية تبعد البلد من الانزلاق في طرق
العنف الذي لا تُعرف نهايته، وقبل أن نصل إلى مرحلة اللاعودة، ويترك أمر
العقوبات وتشديدها للقضاء.

يجب الاعتراف بأن الخروج من هذه الأزمة لا
يمكن إلا من خلال مبادرةٍ شجاعةٍ كما حدث في أحداث التسعينيات، والتي كانت
أشد وطأةً من حيث تغليب الحل الأمني حيث سجن الآلاف وشرد المئات في
المنافي، ولم يخرج البلد من تلك الحالة إلا من خلال المشروع الإصلاحي
لجلالة الملك، فإن الأمل لا يزال باقياً في أن تسود لغة العقل والمحبة، بدل
لغة العنف والقتل.

اقرأ المزيد

الطغيان والخنوع



ما من قيمة في الحياة في محل تقريظ وإشادة كقيمة الحرية، ولكن ما من قيمة مكبلة بالقيود وبالمحاذير وبالمحظورات مثلما هي الحرية .


إننا جميعاً نمشي بمحاذاة الحائط لأننا اعتدنا الاتكاء عليه ولم نتعلم بعد المشي الحر في الشوارع الفسيحة برجلين طليقتين، ونحن نمشي مطأطئي الرؤوس لأننا اعتدنا أن تكون السقوف واطئة، وأن رؤوسنا دقت بما فيه الكفاية بهذه السقوف حتى أصبنا بالدوار فلم نعد نعي مواقع الجهات الأربع .


ومع الوقت نشأت في دواخلنا سيكولوجيا العبد نحن الذين ولدتنا أمهاتنا أحراراً، وحين نتذكر تلك النصيحة الذهبية التي أطلقها أحد الكتاب “احذر الإنسان الذي يشعر أنه عبد، فلسوف يريد أن يجعل منك عبداً” حتى نشعر بأن ماءً بارداً صب على رؤوسنا، لأننا إذ ندرك في قرارات أنفسنا أننا لسنا أحراراً نمارس التسلط على من نظنهم أدنى مكانة منا، فتعجب كيف تجمع الناس بين شخصية الطاغية وشخصية الخَنوع، في أشبه ما يكون بسيكولوجيا التعويض .


في كتابه الطريف “المستطرف الجديد” ينقل الباحث الراحل هادي العلوي أقوالاً وحكماً من التراث العربي الإسلامي تدلل على أن الوعي بهذا الأمر يمتد بعيداً وعميقاً، فينسب للخليفة الراشد عمر بن الخطاب قوله “ما وجد أحد في نفسه كبراً إلا من مهانة يجدها في نفسه”، أما أبو حيان التوحيدي فيقول “ما تعاظم أحد على من دونه، إلا بقدر ما تصاغر لمن فوقه” .


افتقادنا إلى الحرية كشعور بالانطلاق ينسل عميقاً إلى أدق تفاصيل حياتنا، إنه يمس على سبيل المثال قيمة نبيلة كقيمة الحب، من يقول إن عواطفنا حرة، أو إننا نعبر عن مشاعرنا حيال الآخرين بشكل حرٍ ومجرد وخالٍ من الحسابات والاعتبارات؟!


ليس في استطاعة المرء أن يحدد يقيناً إلى أي مدى تكون علاقاتنا بالغير نتيجة لعواطف، لحبنا أو للاحبنا، لعطفنا أو كرهنا، وإلى أي مدى هي محكومة سلفاً بموازين القوى بين الأفراد .


هذه الملاحظة إذا كانت تصح على البشر جميعاً بصرف النظر عن انتماءاتهم وجنسياتهم، فإنها تصح بمقدار مضاعف على مجتمعات مثل مجتمعاتنا العربية “تُشيء” فيها حتى العواطف .


“إن طيب الإنسان الحقيقي لا يمكن أن يتجلى بكل صفاء وحرية إلا حيال أولئك الذين لا يمثلون أية قوة”، والقوة هنا مأخوذة بمعناها الشامل وتجلياتها المختلفة التي تتوغل في أصغر الخلايا وتندس في أدق الشرايين .
اقرأ المزيد

التعقل والجنون



في
فيلم “إحنا بتوع الأوتوبيس” يسأل ضابط المخابرات (قام بأداء دوره الممثل
سعيد عبدالغني)، يسأل جابر، المعتقل رهن التحقيق والمتهم بالمشاركة في
مؤامرة لقلب نظام الحكم (وقد قام بأداء هذا الدور الممثل الكبير عادل
إمام): إلى أي التنظيمات السياسية تنتمي؟ . . فيجيبه (عادل إمام أو جابر)
بكل براءة، بأن “والدي كان دائم الحرص على تذكيري بنصيحته الأثيرية “يا
جابر سايس الناس يا جابر . . يا جابر سايس الناس يا جابر” . ومع أن المحقق
(سعيد عبدالغني) آثر وتعمّد تأويل المعنى البسيط، السمح، والمغزى الإنساني
الحكيم، لكلام جابر بقصد إيقاعه في تهمة التآمر على النظام، إلا أنه
(المحقق) قد فهم بالتأكيد المقصود الصدوق لما عناه جابر بكلماته البريئة،
وهو أن عليه – بحسب توصية والده الفلاح المصري البسيط – أن يتعامل مع الناس
بالعقل والحسنى كي يكسب فهمهم وودهم له .


وقديماً قالوا: “العقل زينة” . . أي أنه أفضل حلة قشيبة يمكن للإنسان أن يتزين بها بين الناس .


الآن
وفي ضوء اللوثة الطائفية والمذهبية التي تجتاح العالم العربي منذ بعض
الوقت التي ارتفعت وتيرتها وحدّتها في الأيام القليلة الماضية، وأدخلته في
المرحلة العبثية والعدمية اللامعقولة، إلى حد مقاربتها لمنزلة الهمجية،
يتساءل العقلاء الذين احتفظوا بسلامة كينونتهم وبحسهم الإنسانيين، على ماذا
يمكن المراهنة في تجاوز أخطر مأزق حضاري وأقوى وأعتى تهديد تتعرض له
الجبهات الداخلية للمجتمعات العربية في العصر الحديث المرتبط بتشكّل وقيام
الدولة العربية الحديثة؟ . . على التسامح، أم على انكسار هذه الموجة
الجاهلية نتيجة لإصابة بعض أجزائها بالعطب بفعل اختلالات عناصرها الداخلية،
أم على تعرّض الموجة لضغوط من خارج بوتقتها تجبرها على الانكفاء والخمود .
. أم على العقل الوازن بحكمة، مُطلق جرس الإنذار الأخير للجميع بضرورة وقف
العبث؟! . .


كما
صار واضحاً وملموساً، فقد قفزت الفتنة الطائفية والمذهبية إلى صدارة
المشهد العام في معظم الساحات العربية تقريباً، وأمام أعين الجميع تدور رحى
معركة حامية الوطيس بين العصبيات الجاهلة المندفعة بشراسة في محاولات
تموجية متواترة ومتجاسرة لإزاحة العقل والتعقّل من طريقها . والمدهش أن
التيار الجارف لهذا العصاب الطائفي والمذهبي المنفلت العقال، قد استطاع في
لمح البصر أن يجذب و”يجرف” معه ليس فقط معشر الدهماء، وإنما حتى أولئك
الذين كان يعتقد أن نسق منظومتهم المعرفية والإدراكية الواعية تحصّنهم ضد
تلك “الخزعبلات” الجاهلة، إذ تبين أن موروث الجهالة و”زئبقية” المصلحة، أشد
وأصلب عوداً، وترتيباً أقوى تأثيراً ومفعولاً، من تلك الأبنية المعرفية
والإدراكية المتقادمة على ما بدا .


فلا
غرو، والحال هذه، أن ترى العقلاء والحكماء يتامى وسط هذه اللوثة العصابية
المتطيّرة . وعلى قلتهم فإن أصواتهم العقلانية “مخنوقة”، لا تكاد تسمع في
حمأة الضجيج الذي يصم الآذان لتلك العصبيات المنفلتة من صوب تلك الكتل
البشرية الدهماوية (التي تحولت بالمناسبة في أوروبا المعاصرة إلى مجاميع من
الأفراد المدركين لحقوقهم وواجباتهم في ظل العقد الاجتماعي) التي كرس عالم
الاجتماع الفرنسي “غوستاف لو بون” (1841 – 1931) لدراساتها، مؤلفه الموسوم
“سيكولوجية الجماهير” الصادر العام 1895 .


اليوم،
في عالمنا العربي، كما كان الحال في أوروبا ما قبل العقد الاجتماعي، هنالك
بالتأكيد بيئة حاضنة لهذا الاندفاع المهووس لنفرة العصبيات الطائفية
والمذهبية، والتي يتصدر عناوينها الخطاب المنبري الديني ورديفه الخطاب
الإعلامي اللذان يشكلان رأس الحربة في حملة التحريض والتجييش الطائفي
البالغة الضخامة لجهة حجم الكتل البشرية وحجم الأموال التي قُذف بها وسط
جحيمها وشررها المتطاير .


ولولا
بقية من حكمة وعقل مانعين، حتى الآن، لنذر الشؤم، لكانت ساعة الصفر قد
دقّت معلنة اندلاع “حرب البسوس الثانية”، (حروب الطوائف) على نحو لا يمكن
التنبؤ بمآلاته الكارثية .


ومع
ذلك فإن هذا التعقل الحكيم يغالبه تيار قوي نازع إلى تسخير سلاح العصبيات
الطائفية لحسابات سياسية تتصل بشبكة واسعة من المصالح الفئوية والجهوية .
اقرأ المزيد

تدقيق بعض المصطلحات والمفاهيم المتصلة بمطالب الإصلاح الديمقراطي

ورقة مبسطة من إعداد التيار التقدمي الكويتي



مصطلح “الإمارة الدستورية”:




المفهوم المباشر هو أن نظام
الدولة “أميري”، ويحكمها “دستور”، فهي إمارة دستورية. وهي بذلك عكس الإمارة
ذات الحكم المطلق أو المشيخة ذات الحكم الفردي. والكويت إمارة دستورية في
حدّها الأدنى، ولا يمكن أن تتحقق الإمارة الدستورية إلا في إطار نظام
برلماني كامل. 





مصطلح “الحكومة المنتخبة”:




الحكومة المنتخبة في الأنظمة
الديمقراطية الرئاسية غير الوراثية تعني انتخاب رئيس الدولة، أما في
الأنظمة الديمقراطية البرلمانية الوراثية أو غير الوراثية فإنّ مصطلح
الحكومة المنتخبة يعني أن يكون رئيس مجلس الوزراء والوزراء من بين أعضاء
البرلمان فقط. ويجب الانتباه إلى أنه في الأنظمة البرلمانية لا يتم انتخاب
رئيس مجلس الوزراء والوزراء مباشرة، بل يتم تعيينهم من بين أعضاء البرلمان،
وهذا يحقق فكرة الحكومة المنتخبة. ولعل التعبير الأدق هو النظام البرلماني
الكامل. 



مفهوم النظام البرلماني الكامل:




من أجل تحقيق مبدأ شعبية
الوزارة، ومن أجل التخلص من آثار الحكم الفردي، تأتي المناداة بالنظام
البرلماني الكامل الذي يقوم على خمسة أركان هي: 


– وجود أحزاب سياسية. 


– تداول ديمقراطي للسلطة. 


– ضرورة نيل الحكومة ثقة البرلمان. 


– أن يكون رئيس الدولة حَكَمَاً بين السلطات لا طرفاً في المنازعات السياسية. 


– اختيار رئيس مجلس الوزراء والوزراء من بين أعضاء البرلمان بما يسهل محاسبتهم دون أي تعقيدات.
اقرأ المزيد

من القومي إلى دون الوطني



لقياس حجم التراجعات العربية علينا فحص الخطابات السياسية الرائجة، وقراءة  التحولات التي شهدتها، في ما يتصل بالمسألتين الوطنية والقومية، على مستوى كل بلد عربي على حدة بالنسبة للأولى، وعلى المستوى العربي العام بالنسبة للثانية .


شهدت  فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية موجة الاستقلال الوطني لأغلب البلدان العربية، وانحسار الهيمنة الأجنبية في صورها المختلفة: الاستعمار المباشر، الانتداب، الحماية، الوصاية، وقيام الدول المستقلة، ورغم أن الكثير من الكيانات الجديدة رسمت حدودها بصورة اعتباطية وفق أهواء واضعي اتفاقية سايكس بيكو، ألا أن الفكر الوطني، والقومي بالنتيجة نظر إلى  هذه الحدود على أنها مصطنعة، وإلى زوال، أمام قوة وجاذبية فكرة الوحدة العربية، التي شكلت عصب التيارات القومية، وحتى تلك التيارات التي ركزت على الهوية الوطنية لكل بلد عربي على حدة، لم تضع ذلك كمقابل أو نقيض لفكرة الوحدة العربية، بقدر ما رأت فيها تعزيزاً لهوية جامعة تجمع بين ثناياها فسيفساء متعدد، يغني ولا يفرق، يجب ضمان العيش المشترك بين من يمثلونه من خلال آليات الديمقراطية والحداثة .


عوامل إخفاقات الدولة القطرية العربية، وعجزها عن التقدم في إتجاه تحقيق الوحدة العربية القابلة للبقاء بين كيانين عربيين أو مجموعة كيانات كثيرة، ولكن في الظرف الراهن علينا ملاحظة أن تراجع دور ومكانة التيارات القومية والتقدمية لمصلحة تيارات الإسلام السياسي لم يؤد فقط إلى تراجع فكرة الوحدة القومية، وحدة العالم العربي في كيان واحد، وإنما إلى تفكيك الخطاب الوطني نفسه لمصلحة الإعلاء من الهويات المذهبية والإثنية، ما ينذر بتفكيك الكيانات الوطنية ذاتها، لا لمصلحة الوحدة، وإنما في إتجاه ما هو دون الوطني، أو أقل منه .


الإسلام السياسي مأخوذ بفكرة الدولة الإسلامية، في صورة الخلافة أو في غيرها من الصور، وبالتالي فإنه لا يقيم وزنأً للكيان الوطني للدول، حتى لو كانت هذه الدول بأهمية ومحورية وقوة دولة مثل الدولة المصرية المعروفة برسوخها، وبحفاظها على وحدة أراضيها منذ قرون، يعزز ذلك كون تنظيمات الإسلام السياسي ليست ذات منشأ وطني، فهي تنظيمات عابرة للحدود، وتضم في قوامها أفراداً من جنسيات مختلفة، عربية وغير عربية، لذا فإنها أعجز من وضع برامج للتنمية وضمان السيادة لأي بلد تنشط فيه، فهذا ليس ضمن أجندتها .


لقد تراجع الخطاب من المستوى القومي إلى ما هو دون الوطني .
اقرأ المزيد