المنشور

أزمات العمال في الخليج – حنان الهاشمي

”إن الدافع من الإنتاج الرأسمالي هو لاستخراج أكبر كمية ممكنة من فائض
القيمة وبالتالي لاستغلال العمالة إلى أقصى حد ممكن.” – كارل ماركس


شهدت منطقة الخليج سلسلة من الاحتجاجات والإضرابات العمالية، ولعل أبرزها
ما حدث في المملكة العربية السعودية -في فترة الأربعينات والخمسينات
الميلادية- من إضرابات نفذها عمال سعوديون من العاملين في شركة “أرامكو”،
حيث شكلوا لجنة عمالية متبنين حزمة من المطالب، من ضمنها: ضمان حق التنظيم
النقابي، والتوقف عن التمييز الطبقي والعنصري بين العامل السعودي والموظف
الأمريكي، وزيادة الأجور، وتخفيض ساعات العمل، وتحسين ظروف السكن والمعيشة
بشكل عام. وقد واجهت السلطات هذه التحركات بالقمع، فاعتقلت عدداً كبيراً من
العمال والقيادات العمالية، كما قامت بتعذيبهم في السجون. إلا أن إصرار
العمال واستمراريتهم في تنظيم الإضرابات، أضر بمصالح أرامكو، مما دفع كلاً
من الحكومة السعودية وشركة أرامكو للرضوخ والاستجابة الجزئية للمطالب.


ويمكن اعتبار الإضرابات عام 1956م، آخر تحرك منظم يقوم به العمال
السعوديون، ويعود ذلك لأسباب عدة، منها: قمع الحكومة لأي عمل يغذي هذه
التحركات العمالية، بالإضافة لتوسيع القطاع العام وجعله مكان لتوظيف
السعوديين بشكل غير إنتاجي وجعل القطاع الخاص مكان للعمالة الخارجية،
ونتيجة للطفرة النفطية، فقد تم استقدام أعداد كبيرة من العمالة الوافدة
“الرخيصة” لتغطية الحاجة للأيدي العاملة.


وتُعد مرحلة السبعينات الميلادية، هي فترة بداية توافد العمالة الخارجية
إلى الدول الخليجية؛ وذلك بسبب الفورة النفطية، وسعي الحكومات لتحقيق
التنمية السريعة، وبسبب غياب العمالة الوطنية المدربة أولاً، و”رخص”
العمالة الوافدة ثانياً، فقد اعتمدت هذه الدول في بناء بنيتها التحتية على
العمالة الوافدة اعتماداً كلياً، مما أدى لتدفق موجات من العمالة سواء من
الدول العربية غير النفطية أو من الدول الآسيوية، ولتنظيم تواجد هذه
الأعداد الكبيرة من الوافدين، ظهر ما يُعرف بـ “نظام الكفالة”، والذي يشترط
وجود “كفيل” سواء كان (مواطناً) أو (شركة) لكل عامل وافد، حيث لا يعمل
العامل إلا لدى كفيله، وإلا أصبح وجوده على الأرض الخليجية غير قانوني.
يمنح هذا النظام للكفيل السلطة المطلقة على المكفول، مما يسبب اختلال في
موازين القوى بين العامل وصاحب العمل، وتصبح لقمة العامل وحريته مرتبطين
ارتباطاً تاماً بالكفيل، لتظهر حالات من الاستغلال لا تقل بشاعة عن
العبودية؛ حيث لا يستطيع العامل تغيير العمل إلا بإذن من الكفيل الذي يطلب
عادة مبالغ باهظة مقابل هذا الإذن، وفي ظل غياب أي جهات رقابية أو قوانين
تحمي العمال وتضمن حقوقهم، فإن ظروف العمل التي يضطر العامل لتحملها عادة
ما تكون شديدة القسوة؛ إذ يجبر على العمل لساعات طويلة، مع مماطلة الكفيل
في دفع الرواتب والتي تكون غير مجزئة في أغلب الأحيان، كما يقوم العديد من
الكفلاء بمصادرة وثائق سفر مكفوليهم لمنعهم من المغادرة، وإذا حاول العامل
البحث عن عمل آخر فإن وضعه يصبح غير قانوني مما يجعله عرضة للاحتجاز
والترحيل.


لا ينحصر الاستغلال الذي يتعرض له العمال على اضطرارهم لتحمل ظروف العمل
القاسية ليتمكنوا من تسديد ديون شراء تأشيرة العمل، بل يصل لحالات العنف
الجسدي والاغتصاب كما حدث مع عدد من الخادمات في المنازل، ولا يتوقف الأمر
عند هذا الحد؛ فقد تم تسجيل حوادث وفاة كما أشار التقرير الذي نشرته صحيفة
الغارديان تحت عنوان “عبيد كأس العالم في قطر”، والذي كشف عن وفاة 44
عاملاً نيبالياً في الفترة بين (الرابع من يونيو والثامن من أغسطس) الماضي،
وكان ذلك بسبب إجبار العمال على العمل في الصحراء الحارقة، وقد لقي عدد من
هؤلاء العمال حتفهم، إما بسبب تعرضهم للجلطة القلبية وفشل في وظائف القلب،
أو بسبب حوادث أثناء العمل، وكان رد اللجنة القطرية المنظمة على هذا
التقرير بأنها “ستأخذ المعلومات ببالغ الجدية!”. وفي ذات السياق، نشرت
منظمة العفو الدولية تقريراً وصفت فيه حال العاملين في مشاريع استعداد قطر
لكأس العالم بأنه “يفوق السخرة”. وهناك العديد من القصص المشابهة في جميع
دول الخليج، والتي قد لا تصل الصحافة أو المنظمات الحقوقية إلى معظمها.


على الرغم من حظر الحكومات الخليجية للنقابات العمالية، إلا أن العمال
نظموا – وفي أكثر من مرة – عدداً من الإضرابات، ربما يكون أشهرها إضراب
الآلاف من عمال شركة “آرابتك” – الشركة المنفذة لبناء برج خليفة في دبي
“أعلى برج في العالم”، والتي تعمل على بناء فرع متحف اللوفر في أبو ظبي –
احتجاجاً  على تدني الرواتب، واستقطاع جزء منها مقابل وجبات الطعام
اليومية، مطالبين بتحسين ظروف المعيشة والعمل، وقد قامت الجهات الأمنية
الإماراتية باعتقال وترحيل منظمي الإضراب وعشرات من المشاركين.


بدلاً من أن تتخذ الحكومات الخليجية إجراءات تحمي حقوق العمالة الوافدة،
تسير سياساتها في طريق المزيد من الانتهاك للحقوق، ولعل آخر فصول هذه
الانتهاكات ما حدث أثناء ما يعرف بـ “الحملات التصحيحية”، حيث تقوم السلطات
بملاحقة العمال “المخالفين” واحتجازهم لترحيلهم. كما جرى في دولة الكويت
والإمارات العربية المتحدة، هذا و تعتزم دول خليجية أخرى القيام بإجراءات
مشابهة.


في المملكة العربية السعودية، أعلنت كل من وزارة الداخلية و وزارة العمل
عن بدء الفترة التصحيحية بتاريخ 2013/4/6، والتي كان الهدف منها “تنظيف
السوق” من العمالة المخالفة، وتم اعتماد مهلة تمتد لثلاثة أشهر حتى يتمكن
المخالفون من تصحيح أوضاعهم، وبسبب كثرة العدد وقصر المدة، أعلنت وزارة
العمل عن تمديد المهلة لثلاثة أشهر إضافية “استجابة لرغبة عدد من السفارات
والهيئات الدبلوماسية لعدد من الدول الشقيقة والصديقة” كما ذكرت في بيانها.


تتجاهل مثل هذه الحملات أصل المشكلة لتحارب الأثر، وتغض الطرف عن المتسبب
لتلاحق الضحية؛ لا يخفى على أحد أن منطقة الخليج تعد أكبر سوق لتجارة
التأشيرات، حيث تعتبر هذه التجارة مصدر دخل لعدد غير قليل من المواطنين
خاصة المتنفذين منهم، تبدأ القصة عندما يقوم التاجر بفتح مؤسسة “وهمية”
ليستخرج تأشيرات استقدام، أو يطلب تأشيرات أكثر مما يحتاجه لمؤسسة موجودة
فعلاً، ثم يبيع الفائض في السوق، وعندما يأتي العامل المشتري للتأشيرة
يلزمه الكفيل بدفع مبلغ شهري وإلا أبلغ عنه كهارب ليتم ترحيله ويستقدم عامل
آخر. إذاً أنظمة الدولة هي التي تخلق المشكلة وتهيئ المناخ لوجود مثل هذا
التلاعب بحياة وأرزاق ما يعرف بـ العمالة “السائبة”.


سبقت هذه الحملة وصاحبتها حملة إعلامية منظمة تركز على فكرتين أساسيتين،
الأولى: ترسيخ صورة نمطية سلبية عن العمالة باعتبارها “خطر” يهدد أمن
المجتمع، و”منافس” للمواطنين في لقمة عيشهم، وسبب في إهدار الأموال عن طريق
الحوالات للخارج، وعامل “تهديد للهوية الوطنية” عبر المطالبة بالحقوق
والتي قد تصل لطلب حق الجنسية .. وغيرها من التهم.


والفكرة الثانية: الترويج للحملة والتبشير بنتائجها السحرية في القضاء على
البطالة (على اعتبار أن العمالة هي العامل الرئيس المتسبب بهذه المشكلة)
والإسهام في فتح باب الفرص على مصراعيه أمام الشاب السعودي.


في المقابل تم اتباع سياسة تعتيم واضحة فيما يتعلق بالانتهاكات الخطيرة
التي حدثت أثناء الحملة من مداهمات و”قص إقامات”، وصولاً إلى ظروف احتجاز
العمال القاسية، حيث يتم احتجاز الآلاف من العمال بينهم نساء وأطفال في
أماكن غير مهيئة مع عدم توفير الطعام الكافي أو الرعاية الصحية، وقد تحدثت
تقارير حقوقية عن حالات وفاة تحت هذه الظروف.


تلميع الصحافة للحملة وشيطنة العمالة وتحميلها مسؤولية فشل سياسات الدولة
في ملفات عدة، ما هي إلا محاولة لصرف النظر عن أصل المشكلة، واستثارة
المشاعر الوطنية وتعبئتها  ضد “الغريب” الوافد، ويمكن اعتبار ما حدث في
منفوحة من اعتداء عنيف على الأثيوبيين وقتل عدد منهم وجرح العشرات، نتيجة
لمثل هذه التعبئة؛ التي تضع بعض الجرائم – إن حدثت- تحت المجهر وتقوم
بتعميمها على جنسيات كاملة، متجاهلة أمرين أساسيين، الأول: غياب العدالة
وعدم وجود نظام قانوني يحمي حق العامل في الدفاع عن نفسه في محاكمات نزيهة،
والثاني: أن هذه الجرائم فردية ومن حالات شاذة، فالسواد الأعظم من هذه
الأيدي العاملة، أتى بحثاً عن لقمة العيش، ولإعالة أسر كاملة عن طريق
الحوالات المالية، والتي يتم تضخيمها وتصويرها كثروات مهدرة، في تجاهل تام
لحقيقة أن هذه الأموال لا تساوي شيئاً مقابل ما يتم تشييده على أكتاف هؤلاء
العمال، والمردودات الضخمة التي عادت للمؤسسات من خلال استغلالهم، كما أن
الأنظمة التي تمنع العامل من استقدام عائلته هي التي تجبره على تحويل
الأموال – التي لا تقارن بالأموال التي يبتلعها الفساد-  إلى الخارج.


ولا يمكن تقبل تسطيح أزمة البطالة لدرجة اعتبارها نتيجة لمزاحمة العمالة
للمواطنين؛ فالوظائف التي تشغلها معظم العمالة المستهدفة بالحملة، خدمية
ويدوية وذات رواتب زهيدة وظروف عمل سيئة يرفضها المواطن، مع وجود عدد من
الوظائف التي لا يستطيع أغلب المواطنين شغلها؛ وذلك لافتقارهم للتأهيل
المطلوب. أما إقبال القطاع الخاص على توظيف الوافدين بدلاً من المواطنين
فيعود لعدم وجود حد أدنى لراتب الوافد، مع سهولة استغلاله والتحكم بحريته،
في مقابل حد أدنى عالي لراتب السعودي، وقد حد برنامج “نطاقات” الذي أطلقته
وزارة العمل من إمكانية توظيف المقيم والوافد مع توفير فرص أكبر للمواطن.


وأخيراً، فإن استمرار العمل بنظام الكفالة، يخلق المزيد من تجار
التأشيرات، وبالتالي المزيد من العمالة “غير القانونية”، مما يؤدي للمزيد
من الظلم والاستغلال لهؤلاء العمال. وإذا كانت الحكومات الخليجية جادة
فعلاً في محاولاتها التخلص من العمالة غير القانونية؛ فعليها أولاً أن تلغي
الأنظمة التي تدفع العامل إلى اللجوء للعمل بشكل غير قانوني، حيث أن
القوانين الحالية مجحفة بحق العامل ولا تجرم تجار التأشيرات، بل تحمل
العامل المسؤولية كاملة وتقوم بترحيله باعتباره مخالف “للأنظمة”، كما يتوجب
عليها الاعتراف بأهمية العمالة ودورها الكبير في عملية التنمية، وأن تعمل
على سن قوانين هجرة تتناسب مع حاجة الدول لهذه العمالة، وتعمل على تنظيم
وجودها بشكل يضمن لها الحياة الكريمة، ويمنع حدوث أي حالات ظلم أو استغلال
في المستقبل عن طريق فرض عقوبات جدية على من ينتهك حقوق هؤلاء العمال.
وتجدر الإشارة إلى الأهمية البالغة لوجود النقابات العمالية؛ والتي تمثل
أعضاءها (المواطنين والمهاجرين) وتكمن أهمية هذه النقابات في أنها تكفل
التوازن المطلوب بين العامل وصاحب العمل، وتعمل على تحسين شروط وظروف العمل
وحماية الحقوق.
اقرأ المزيد

تحدٍّ تثقيفي تاريخي أمام الجميع

الذين آمنوا ويؤمنون بأن مطالب الديمقراطية، التي انطلقت منها ثورات
وحراكات الربيع العربي، لن يوهنها الزمن ولن تطفئ جذوتها عثرات المراحل
الانتقالية، يحتاجون أن يمعنوا النظر فيما يمكن أن يكون أصعب وأعقد تحدٍ
يقف في وجه الانتقال العربي نحو الديمقراطية. هذا التحدّي يتمثل في نوع
العقلية التي يتعامل بها الإنسان العربي مع محيطه الاجتماعي.

ذلك أن
بناء وترسيخ وتطوُّر النظام الديمقراطي في أيّ مجتمع يتطلّب وجود عقلية
مجتمعية عامة تتعامل مع الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية من خلال
الآتي:

القدرة على التحليل الموضوعي الناقد تمهيداً للتجاوز نحو
الأفضل والأكثر قبولاً، ممارسة المرونة والتسامح والاحتواء في التعامل مع
القضايا ومع الآخرين، ممانعة الانزلاق نحو الخضوع للغرائز والانفعالات
البدائية، العيش في الحاضر والبناء للمستقبل، الرفض التام لممارسة الإقصاء
والتهميش لأية جماعة.

السؤال المفصلي الذي يجب أن يطرح وأن يجاب عليه
دون الإلتفات لما قاله ذلك المستشرق المتحامل أو ذاك المستغرب المسحوق هو
الآتي: هل أن العقلية العربية، التي كوّنتها معتقدات وأفكار وعادات
وسلوكيات وتصورات وممارسات المجتمعات العربية عبر القرون، ستكون قادرة على
أن تختزن داخلها متطلبات العقلية التي بدونها تفسد الديمقراطية في
المجتمعات؟

الذين كتبوا عن خصائص العقلية العربية، وهم كثيرون،
أبرزوا الخصائص التالية لهذه العقلية: إنها عقلية تبالغ في تمجيد الماضي
ورموزه لتقع في النهاية أسيرة فكر وممارسات ذلك الماضي الذي يؤدّي عدم
دراسته بصورة موضوعية ناقدة إلى هيمنة الماضي وشلل الحاضر. إنها عقلية لم
تستطع غربلة تراثها لتتجاوز قاعدته المبنيَّة على تصور رأسي للعالم كما
يصفه المفكّر الإسلامي حسن حنفي على أنه وضع «أولوية الله على العالم في
الخلق والفيض، وأولوية النّص على الواقع، وأولوية النقل على العقل، وأولوية
الحاكم على المحكوم، وأولوية الرجل على المرأة»، وما يهمنا بالنسبة
للديمقراطية هو أولوية الحاكم على المحكوم، وأولوية الرجل على المرأة، إذ
أنهما يتناقضان تماماً مع أسس ممارسة الديمقراطية.

لا أعتقد أنه قد
وجدت مجتمعات تشابك فيها إلى أقصى الحدود هيمنة التاريخ مع هيمنة التراث،
فأوجد حالة من الإرباك في عقلية المجتمع، مثلما حدث في المجتمعات العربية.

إشكالية
اختلاط التاريخ بالتراث، كما يؤكّد كاتب الفلسفة البريطاني أ. س. جريلنج،
أنه في حين أن دراسة التاريخ يمكن أن تكون مفتوحة وشاملة وتهدف لمعرفة
الحقيقة، فإن التعامل مع التراث ينطلق من اعتقادات إيمانية شبه مقدسة لا
تتردَّد في أن تتلاعب بمادة التاريخ حذفاً ومبالغةً واختراعاً وتشويهاً
لتبني أساطير حول هوية الأمة أو أصولها أو ولادتها. ولذلك يلح هذا الكاتب
على وضع حاجز بين التاريخ والتراث ليسهل التعامل مع كلٍّ منهما.

موضوع
دور التاريخ والتراث في تكوين العقلية العربية ليس موضوعاً أكاديمياً، إذ
أننا نعيش تأثيرهما في كل مناحي حياتنا اليومية وفي كل نظراتنا للأمور بما
فيها السياسة، وبالتالي بما فيها محاولة الانتقال لنظام ديمقراطي.

هنا
نواجه مشكلتنا الحقيقية. ذلك أن تاريخنا وتراثنا قد ارتبطا عبر القرون
بفكر وممارسات القبلية والعشائرية والاستبداد السياسي والفقهي والاجتماعي،
بتقديم الحاكم على المحكوم؛ بإطاعة شبه عمياء لولي الأمر؛ بخوف مريض من
مساءلة السلطة؛ بهيمنة ذكورية على المرأة وتشكيك في قدراتها العقلية
والنفسية والحياتية، وفي الفهم الخاطئ الانتهازي لموضوع الفرقة الناجية
الوحيدة التي تملك الحقيقة المطلقة، وبالتالي في حقّها أو واجبها في
الاستئصال المعنوي للآخر المختلف، في أشياء كثيرة لا يسمح المجال لتفصيلها.

والنتيجة
لكل ذلك هو بناء عقلية لا ترى مشكلة في الظلم ولا في الاستبداد، ولا في
الفروق المعيشية المعيبة بين الناس، ولا حتى في شتّى أنواع العبودية لشتّى
أنواع السلطات والرموز، وعلى الأخص في حقول السياسة والدين
والاجتماع.لنستذكر قول المهاتما غاندي الشهير بأن «الحرية والعبودية هما
حالات عقلية ذهنية»، لنرى ما فعل التاريخ والتراث بنا وهيّأنا للتعايش مع
عار العبودية.

والحل؟ هل نستسلم لذلك القدر، قدر إملاءات العقلية
المليئة بالعلل التي كونها ذلك التاريخ وذلك التراث؟ الجواب القاطع هو
كلاّ. أولاً، لأن هناك الكثيرين ممّن عملوا منذ القرن التاسع عشر لإخراج
العقلية العربية من المنزلق الذي عاشت في قاعه عبر القرون. لكن تلك
المحاولات ستحتاج إلى سنين إن لم يكن إلى قرون.

وثانياً: هناك حاجة
ملحّة في اللحظة الراهنة، لحظة الربيع العربي في صعودها وهبوطها، لإقناع
أكبر عدد من جماهير الأمة العربية باختزان على الأقل الحدّ الأدنى من
متطلبات الانتقال الديمقراطي في عقليتها الجمعية، بمحاولة القبول، إبّان
الفترة الانتقالية التي تعيشها الأمة حالياً، بتعايش تلك المتطلبات
الديمقراطية مع ما ترسَّب في الذهنية العربية عبر العصور من متطلبات
القبلية والمذهبية من جهة، ومن مقولات التراث والتاريخ المليئة بالأخطاء
والعلل من جهة أخرى.

نؤكّد مرةً أخرى بالاكتفاء حالياً بتعايش
متطلبات الديمقراطية مع المتطلبات الأخرى التي بناها التاريخ والتراث، وليس
الحديث عن الاصطدام والتضادد والاجتثاث بين تلك المتطلبات.

عملية
الإقناع تلك هي التحدّي الأكبر أمام عقلاء المساجد والحسينيات والأحزاب
والإعلام ومستعملي شبكات التواصل الاجتماعي. إنه تحدّ تثقيفي تاريخي عسير،
يتطلب الكثير من الحكمة والصّبر، ولكنّ مواجهته أصبحت ضرورةً حياتية.

علي محمد فخرو

اقرأ المزيد

مرحلة كشف الأوراق

حسب التصريحات الصادرة مؤخراً من مختلف الجهات المشاركة في الحوار، فإن
على كل طرف من هذه الأطراف أن يقدم مرئياته بشأن الحوار الوطني، وبرنامج
العمل، إلى الديوان الملكي، لتبدأ بعد ذلك جولات الحوار الفعلية في نسختها
الثالثة، بعد أن فشلت النسختان الماضيتان من تحقيق أي شيء يذكر، سوى تفاقم
الخلاف بين جميع الأطراف.

الأيام القليلة المقبلة ستكشف عن مدى جدية
ومصداقية البعض، والذي ظل حتى الآن يراوغ ويتهرب من تقديم أية أفكار أو
حلول، بحجة أن الوقت لم يحن بعد لكشف المرئيات «النووية».

لقد ظل هذا
البعض ولنسمهم بأسمائهم (تجمع الوحدة الوطنية، جمعية المنبر الإسلامي،
وجمعية الأصالة، وتجمع شباب الفاتح) متخبطاً ومتناقضاً في مواقفه وبياناته
وتصريحاته، فمرةً هو يرفض رفضاً باتاً الجلوس مع «الخونة» على طاولة واحدة؛
ومرةً أخرى ينصاع لطلب الحكومة لإجراء الحوار ويقبل على مضض التحاور مع من
يسميهم «الخونة» و»العملاء»، ومرةً يطالب بالتوافق على ما يتم الحوار
عليه، ومرةً رابعةً يرفض تقديم أية تنازلات، ومرة خامسةً يطالب القوى
المعارضة بتقديم الإعتذار، ومرة أخرى يصرح بأنه يشارك المعارضة بـ 80 في
المئة من مطالبها. ومرة يتهم المعارضة بمحاولة إفشال الحوار، ويعود مرةً
أخرى لينسحب من الحوار بحجة عدم رغبة الحكومة في الدخول في جدول أعمال
الحوار.

هذا التخبط لم يقتصر فقط على مواقف هذه الجمعيات من الحوار
والأزمة السياسية الجارية، وإنما حتى علاقاتهم الداخلية وبين بعضهم البعض
أصبحت غير مفهومة لدى الشارع البحريني، فالجميع يدعي أنه من يمثل الشارع
السني، ويتهم الجمعيات «الشقيقة» الأخرى بالإنتهازية السياسية، والتخلي عن
المطالب الأصيلة للشارع البحريني، ولا أحد يفهم على ماذا يختلفون أو على
ماذا يتفقون، بخلاف اتفاقهم على محاربة القوى الوطنية المعارضة ومناكفتها
ومعارضتها في أي شيء تطرحه!

ومع أن الوضع الحالي والتطورات في الفترة
الأخيرة لا تنبئ أن هناك نية صادقة للدخول في حوار جاد ينهي الأزمة، إلا
أن الفترة المقبلة ستلزم الأطراف الأخرى بالكشف عن المزيد من الأوراق التي
أخفتها أو التي لا تمتلكها أصلاً. فليس من المقبول أن تكتفي الجمعيات
الموالية بتقديم مجرد شروط، أو الإصرار على عدم تقديم أية تنازلات، أو
الطلب من القوى المعارضة أن تقدّم اعتذاراً أو تدين العنف، وإنّما المطلوب
منها أكثر من ذلك بكثير.

المطلوب من هذه الجمعيات التي تضيع الوقت،
أن تقدّم مرئيات جادة وحقيقية يمكنها أن تخرج البلد من هذه الأزمة وتعيد
اللحمة الوطنية، وتقدّم البحرين على طريق المزيد من الديمقراطية.

جميل المحاري

اقرأ المزيد

أجندة عربية للنقاش


اقترح الأديب العراقي حسب الله يحيى على مجلة “الثقافة الجديدة” الصادرة في بغداد، التي احتفلت بمرور ستين عاماً على تأسيسها تقديم محور خاص في كل عدد من أعدادها يتناول إحدى القضايا الملحة في العراق اليوم .





ومن المحاور التي سمّاها: ظاهرة العنف في العراق، حيث أمن المواطن بين القانون الضائع وحماية العشائر أو الطوائف، الفساد المالي والإداري: مَن يديره ومَن يصلحه في ظل تغييب الكفاءات وإقصائها، وحيث فوضى الإدارة ونهب الثروات، ولماذا يصبح المال العام في أيدي مَن لا يعرفون إدارته؟ وأيضاً: عزلة المثقف العراقي وغياب دوره في المشهد السياسي راهناً .


استوقفتني هذه المحاور لسبب رئيسي، هو أني وجدتها محاور عربية وليست خاصة بالعراق وحده، صحيح أنها تتمظهر في العراق بشكل أكثر حدة مما هي عليه في بلدان أخرى، لكن ما من بلد عربي، باستثناءات نادرة للغاية، ينجو من مواجهة هذه المعضلات الكبرى، التي تتماس مع قضايا التنمية والديمقراطية ودور الثقافة وأمن الوطن والمواطن .


جيد أن تنصرف الدوريات العربية، وبينها “الثقافة الجديدة” التي خاطبها حسب الله، وهي تكاد تكون واحدة، إن لم تكن الوحيدة من الدوريات الثقافية والفكرية العربية المستمرة في الصدور، منذ ستين عاماً، رغم المحن التي عانى ويعانيها العراق، فكانت تهاجر لتصدر في الخارج حين تهاجر الثقافة الديمقراطية العراقية مكرهة عن بلادها، وتعود للوطن حين يتوفر لها هامش يسمح بصدورها رغم الصعوبات، لكنها لم تنقطع عن الصدور، وظلت باقية كشمعة وجدت مَن يداري عنها الريح، ما في وسعه، كي لا تنطفىء .


لكن يبقى أن هذه الأجندة العراقية، التي حسبتها أجندة عربية، هي ليست مسؤولة دورية ثقافية فحسب، فهي أكبر من ذلك بكثير، إنها مسؤولية مؤسسات ونخب وقوى اجتماعية وسياسية معنية بمستقبل هذه الأوطان المنكوبة بالحروب الدموية، وبسرقة المال العام وإهداره، وبمصادرة فضاءات المجتمع المدني، وبانعدام أية رؤية تنموية للنهوض بالاقتصادات الوطنية المتعثرة وتحسين معيشة المواطن، رغم الثروات الهائلة في جوف هذه البلدان، وما العراق نفسه إلا مثال بين أمثلة .


ولأن الحديث دار عن دورية ثقافية، علينا ملاحظة التهميش الذي يطال الثقافة العقلانية وتراثها ورموزها، وانكفاء الاجتهاد الثقافي والفكري الذي كان رافعة التقدم العربي في عقود ماضية، لتحل محله فتاوى تزيين الإرهاب تحت راية ما يطلق عليه زيفاً الجهاد، والتكفير وتحقير المرأة . 


اقرأ المزيد

الأمل الهش

مع كل بادرة حتى وإن كانت مجرد أفكار أولية للخروج من الأزمة، نجد أن
هناك مجموعات معروفة بتوجهاتها وانتماءاتها ومصالحها، تحاول بكل ما لديها
أن تئد أي تحرك، وتشوّه أي حل، وتقتل أي أمل.

الهدف الأساسي لهذه
المجموعات هو إبقاء الوضع الحالي على ما هو عليه، وعدم تقديم أي تنازل
للقوى الوطنية المعارضة، فمن وجهة نظر هذه المجموعات أن تحقيق أي مطلب من
مطالب المعارضة يستلزم بالضرورة أن يكون ذلك على حساب باقي مكونات الشعب.

هذه
المجموعات ترى أن تحقيق مطلب الحكومة التي تمثل الإرادة الشعبية، ما هو
إلا «مطلب مخادع باتجاه تطبيق نظام ولاية الفقيه في البحرين»! وأن إشراك
جميع مكونات المجتمع البحريني من خلال اعتماد مبدأ الكفاءة والقدرة في
السلطة التنفيذية إنما يقصد به «المحاصصة الطائفية»! وأن تعديل الدوائر
الانتخابية بحيث يكون لكل مواطن صوت واحد متساوٍ في جميع الدوائر، مطلب
«يراد به إيصال أكبر عدد من أعضاء جمعية الوفاق إلى المجلس النيابي»! وأن
المجلس المنتخب بكامل الصلاحيات، يعني محاولة «السيطرة على السلطة
التشريعية»؛ وأن فتح مجال التوظيف في جميع مؤسسات الدولة لجميع المواطنين،
وعدم التمييز بين مواطن وآخر، إنما هو «فرصة لأبناء الطائفة الشيعية
للسيطرة على هذه المؤسسات»! وأن استقلال القضاء، محاولة «للسيطرة على
القضاء»؛ وفتح ملف التجنيس السياسي، ومحاربة الفساد، ووقف انتهاكات حقوق
الإنسان، ما هي إلا لـ «تشويه صورة البحرين في الخارج»!

هذه
المجموعات ترى أيضاً أن تنفيذ توصيات لجنة بسيوني ومجلس حقوق الإنسان
التابع للأمم المتحدة، «رضوخ للدول الأجنبية وتدخل في الشئون الداخلية
لدولة البحرين»؛ وأن المصالحة الوطنية «تسامح غير مقبول مع الخونة»؛ وأن
إخلاء سبيل المعتقلين السياسيين، «عفو المجرمين».

ولذلك فهي تقف ضد
تحقيق أيٍّ من هذه المطالب، كما ترفض الحوار والتوافق الوطني والاستفتاء
الشعبي، وأي مبادرة من القوى المعارضة ترى فيها مكيدة، كما ترى في أي توجه
من الجانب الحكومي لحلحلة الأوضاع ضربة في الظهر للمواطنين «الشرفاء» الذين
وقفوا معها في السابق وأيقظوا مارد الفاتح.

ولذلك فهم غير معنيين بتاتاً بتقديم أي مقترحات أو حلول، وكل ما يعنيهم هو وقف أي محاولة للخروج من الأزمة.

الجميع
يتذكر أن نفس هذه المجموعات وقفت ضد تطلعات الناس فترة أحداث التسعينيات
من القرن الماضي، عندما طالبت القوى الوطنية المعارضة إرجاع العمل بالدستور
وإعادة الحياة النيابية، وإفراغ السجون من المعتقلين السياسيين وعودة
المنفيين، ووقف العمل بقانون أمن الدولة، وكيف شوّهت نفس هذه الأسماء
والمجموعات المطالب الشعبية المحقة، ومع ذلك عندما شهدت البحرين الانفراجة
السياسية، كانوا هم أول المستفيدين.

في المستقبل القريب سيتأكد الشعب
البحريني بأكمله، أن المطالب المرفوعة الآن لا تخصّ فئةً دون أخرى، وليست
في صالح طائفة معينة، وإنّما هي مجرد ترسيخ لمبادئ أكثر ديمقراطية وعدالة،
نحو التطور الطبيعي للمجتمعات الإنسانية.

اقرأ المزيد

اليساريون مرضى التاريخ!

بقلم: د. فواز فرحان*


في
خضم النقاشات والحوارات وربما بعض المماحكات في مواقع التواصل الإجتماعي
وما خالطها من تباين في الآراء والتحليل والتشخيص بخصوص الحالة المصرية
وتداعيات ثورة ٣٠ يونيو على استفراد الإخوان بالحكم وما تبعها من دخول
للعسكر على خطها قرأت بعض التعليقات من (مرضى الواقع) وممن تهيأ لهم أنهم
مناضلون وثائرون تتلخص بأن اليساريين مرضى التاريخ وأن شعاراتهم يسارية
بينما أفعالهم يمينية وأنهم حلفاء للأنظمة القمعية والدكتاتورية في الوطن
العربي تاريخياً؛ وهنا يجب أن أضع النقاط على الحروف بالنسبة لهؤلاء فقط
لأن النقاط موضوعة أصلاً ولا تخفى إلا على جاهل أو متجاهل.




لم ولا ولن يخفى على أي مطلع -ولو بشكل
سطحي- على تاريخ الحركات اليسارية والتقدمية العربية بأنها جميعاً تعرضت
بأشكال مختلفة وبدرجات متفاوتة للقمع والتنكيل من السلطات العربية
المختلفة، وسأضطر لسرد تاريخي مقتضب يسلط الضوء على هذا التاريخ المشرّف
ليكون منطلقاً لتفنيد ادعاءات (مرضى الواقع).


لقد تعرضت قيادات وكوادر الأحزاب
اليسارية التقدمية في الوطن العربي للتصفية الجسدية إما بالاغتيال أو
بالمحاكمات الصورية الهزلية؛ فالرفيق فهد (يوسف سلمان يوسف) مؤسس الحزب
الشيوعي العراقي ورفيقاه حسين الشبيبي وزكي بسيم تم إعدامهم في بغداد على
يد النظام الملكي. هذا غير مئات الشهداء الذين قدّمهم الحزب عبر العهود
الدكتاتورية المتعاقبة حتى سمي بحزب الشهداء، وأشدها ما تعرض له الحزب
الشيوعي العراقي من ضربات متعددة في ظل نظام صدام حسين…وهناك الرفيق فرج
الله الحلو القائد في الحزب الشيوعي السوري اللبناني قبل انقسامه الذي تعرض
للتعذيب والقتل والتذويب بالأسيد على يد نظام الوحدة السورية المصرية في
دمشق…والرفيق عبدالخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي السوداني تعرض لمحاكمة
صورية هزلية انتهت بإعدامه على يد نظام جعفر النميري في الخرطوم كما واجه
الرفيق الشفيع أحمد الشيخ رئيس اتحاد عمال السودان المصير ذاته….والرفيق
شهدي عطية القائد في الحزب الشيوعي المصري (حدتو) الذي تعرض للاعتقال
والتعذيب حتى الموت على يد النظام الناصري في سجن أبو زعبل….وتعرض تسعون
شيوعياً ليبياً للاعتقال على يد نظام القذافي وتمت تصفيتهم جميعاً بحادثة
هدم السجن الشهيرة….وتعرضت قيادات وكوادر جبهة التحرير الوطني البحرانية
مثل الرفيقين سعيد العويناتي و د.هاشم العلوي للإعدام على يد السلطة
البحرينية؛ كما تعرض الرفيق مجيد مرهون للسجن على مدى ٢٢عاماً حتى سمي
بمانديلا البحرين….وتعرضت قيادات وكوادر الحزب الشيوعي في السعودية
للاعتقال والتعذيب والمطاردة والنفي؛ واستشهد تحت التعذيب الرفيق خالد
النزهة من مدينة حايل…وكان من نصيب بعض الرفاق في حزب اتحاد الشعب في
الكويت من القيادات العمالية الاعتقال على إثر البيان الذي استنكر الإنقلاب
الأول على الدستور في عام ١٩٧٦….وتعرضت كوادر الحركة الثورية الشعبية
لتحرير عمان والخليج العربي للملاحقات والاعتقالات والقتل…أما الأحزاب
اليسارية التقدمية في فلسطين فهي رائدة النضال والكفاح ضد العدو الصهيوني
وتعرضت قياداتها مثل غسان كنفاني وأبو علي مصطفى للاغتيالات كما تعرض
الكثير من كوادرها للاعتقال ومن أبرزهم الرفيق من الجبهة الشعبية وأمينها
العام أحمد سعدات المعتقل حتى هذه الساعة، والأمثلة أكثر من أن تحصى في
تاريخ نضال الأحزاب اليسارية التقدمية العربية ولن يغطي تفاصيلها مقال
وحيد.


فبعد كل هذا النضال وهذا الحجم من
التضحيات هل هناك من مبرر لوصف الأحزاب اليسارية التقدمية واليساريين
والتقدميين بأنهم مرضى التاريخ بسبب وقوفهم ضد حكم الإخوان وانحيازهم للشعب
المصري؟ فأنعم به وأكرم به من مرض إذن… وهل ما يزال هناك بعد هذا السرد
التاريخي المقتضب والمختصر جداً أساس لوصف (مرضى الواقع) الأحزاب اليسارية
التقدمية بأنها حليفة للأنظمة القمعية الدكتاتورية وأنها ذات أفعال يمينية
تتناقض وخطابها اليساري؟ وهل يجوز وصف هذه الأحزاب التي تعرضت لكل هذا
القمع من أنظمة عبدالإله ونوري السعيد وقاسم والنميري والقذافي وصدام
وغيرها من أنظمة الخليج بأنها حليف لها، أو أن يصل الجنوح بالبعض إلى درجة
وصفها باليمينية؟ ومنذ متى يتبجح أتباع الأحزاب الدينية والمحافظة التي
تحالفت مع السلطات العربية عموماً والخليجية خصوصاً في مراحل متعددة
بالنضال والثورة؟ وهم من ساند هذه السلطات في عرقلة الديمقراطية وقمع
الحرية ومطاردة وملاحقة كوادر الأحزاب اليسارية التقدمية تارة وبثوا
إشاعاتهم وتدليساتهم لتكفير هذه الأحزاب أمام المجتمع تارة أخرى.


في الحالة الكويتية أنا كيساري تقدمي
أعتقد بأن مشكلتنا الرئيسية في الكويت تكمن في وجود دستور منقوص
الديمقراطية تستخدمه سلطة لا تؤمن بالتطور الديمقراطي لخدمة مشروعها الخاص
والمتمثل بتحويل الكويت إلى مشيخة مكتملة الأركان، وأعتقد بأن صراعنا
الرئيسي يجب أن يصب في استكمال النظام الديمقراطي البرلماني للنهوض بوطننا
وشعبنا، ولا أعتقد بأن مشكلتنا الرئيسية مع التيارات الدينية إلا إذا كانت
جزءاً من أدوات السلطة لعرقلة التطور الديمقراطي ولضرب الحريات، فعلامَ هذا
الهجوم على اليسار العربي عموماً والكويتي خصوصاً بسبب اختلاف في المواقف
من حالات عربية وعالمية لها ظروفها الخاصة ولليسار تحليله الخاص لأحداثها؟
خصوصاً وأن أطراف هذا الهجوم ليسوا نموذجاً في المنطلق الديمقراطي ولا في
احترام الحريات وأيضاً ليسوا نموذجاً للدفاع عن العدالة الاجتماعية، كان
هذا المقال رداً على من يريد تفريغ عقدته (الواقعية) في مواقف تشويه اليسار
ومَنْ يريد استغلال هذا التفريغ للتجاوب مع مغازلة السلطة له إن لم يكن
هناك ارتباط بينهما أصلاً.
————————————–
*عضو التيار التقدمي الكويتي.
اقرأ المزيد

تحديات الاقتصاد الخليجي في 2014 – عبدالعزيز العويشق

أولوية الرئيسة التي ينصح بها خبراء الاقتصاد هي تطوير قوة العمل الوطنية
في دول مجلس التعاون، كماً ونوعاً وكيفاً، وتطوير روح المبادرة الاقتصادية
في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة


نشر صندوق النقد الدولي تقييمه السنوي للاقتصاد الخليجي. ويسجل التقرير
سرعة نمو اقتصادات دول مجلس التعاون والتحسّن الكبير في ميزانها التجاري،
خلال فترة ما بعد الأزمة المالية العالمية، إلا أن الاقتصاد الخليجي مقبل
على تحديات مهمة خلال عام 2014 وما بعده، ومن الضروري مباشرة الاستعداد لها
ومواجهتها.


ولنستعرض أولاً الأخبار السارّة. فمنذ عام 2009، ازداد حجم الناتج المحلي
الإجمالي الخليجي، أي إجمالي قيمة السلع والخدمات المتداولة، بنسبة (68%)،
من (955) مليار دولار في 2009 إلى (1,600) مليار في 2013. وارتفع ميزان
الحساب الجاري بنسبة (23.5%)، من 108 مليارات دولار عام 2009 إلى 361
مليارا في 2013.


ويرجع هذا النمو السريع بالدرجة الأولى إلى ارتفاع أسعار البترول، التي
قفزت من (62) دولارا للبرميل في 2009 إلى (105) دولارات للبرميل في 2013،
وهي زيادة بنسبة (69%)، وهو ما يعادل نسبة ارتفاع حجم الناتج المحلي في
الفترة نفسها.


وبالدرجة الثانية يعود ذلك النمو إلى زيادة إنتاج البترول بنسبة (19%) من
(14.5) مليون برميل يوميا في 2009، إلى (17.2) مليون في 2013.
ولكن بسبب تأثر أسعار البترول بالتطورات الاقتصادية والسياسية الدولية،
فمن الصعب الجزم باستمرار صعودها، فضلاً عن وجود عدد من التحديات التي
تتعلق بهيكل وطبيعة الاقتصاد الخليجي، ويمكن أن تؤثرعلى النمو الاقتصادي في
الفترة القادمة.


وبالنسبة للتحدي الأول المتعلق بتوقعات انخفاض دخل البترول، يتوقع الصندوق
استمرار الركود الاقتصاد العالمي خلال 2014، حيث يتوقع أن تتفاقم أزمة
منطقة اليورو، وأن يكون لذلك تأثير سلبي لا يقل عن 7% على معدل نمو
الاقتصاد الخليجي، يمكن أن يصل إلى 20% إذا أضفنا استمرار تباطؤ النمو في
الاقتصادات الصاعدة. ويتضاعف تأثيره السلبي في حال ارتفاع إنتاج البترول
الأميركي بنسبة أعلى من المتوقع حالياً.


ويعني ذلك إمكانية انخفاض الطلب على البترول وانخفاض أسعاره ودخل دول
المجلس من تصديره، مما قد يؤدي إلى ضغوط لخفض الإنفاق الحكومي. ولدى دول
المجلس بالطبع احتياطات مالية كبيرة، تُقدر بنحو (2000) مليار دولار، مما
يوفر لها إمكانية التعويض عن أي انخفاض غير متوقع في دخل النفط.


ولكن من المهم تذكر أن دول المجلس تختلف في حجم احتياطاتها المالية،
وبالتالي قدرتها على تغطية انخفاض دخل البترول، وبالإضافة إلى ذلك، فإن
زيادة إنتاجها النفطي ليس حلاً في ظروف انخفاض الطلب العالمي، لما لذلك من
تأثير سلبي مضاعف على الأسعار، وإمكانية تعارضه مع التزامات (أوبك)،
والحاجة إلى الحفاظ على معدل صحي بين حجم الإنتاج وحجم الاحتياطي من
البترول.


وإذا استمرت الضغوط السلبية على أسعار النفط، كما يتوقع الصندوق، فإن
استمرار السياسات المالية التوسعية الحالية قد يؤدي إلى تناقص الاحتياطات
المالية، والتأثير سلباً على ثقة القطاع الخاص والاستثمار المحلي والأجنبي.


وهنا تكمن المعضلة، فإن استمر الإنفاق المرتفع فله تلك المردودات السلبية،
وإن انخفض فسيؤثر سلباً على النمو الاقتصادي وعلى تنفيذ المشاريع
التنموية، فضلاً عن مستوى رفاهية المواطن.


أما التحدي الثاني فيتعلق بتوقعات المواطنين التي ارتفعت مع ارتفاع دخل
النفط خلال السنوات الأربع الماضية، مما أدى إلى ارتفاع الإنفاق الحكومي
بشكل قد لا يمكن الاستمرار فيه إن انخفض دخل النفط كثيراً خلال 2014.


أما التحدي الثالث فهو التأثير السلبي لنمو القطاع الحكومي على المحاولات
القائمة لزيادة توظيف المواطنين في القطاع الخاص، فكلما زادت فرص التوظيف
في القطاع العام، وازدادت عوامل الجذب فيه، انخفضت جاذبية القطاع الخاص
للمواطنين، ما لم تُتّخذ إجراءت فعالة لتجسير الفجوة بين القطاعين وتحسين
ظروف العمل في القطاع الخاص، الذي أصبح منذ بعض الوقت مدمناً على العمالة
الأجنبية الرخيصة.


ومن ذلك وصلنا إلى نتيجة غير مسبوقة في التاريخ الاقتصادي، وهي تزامن
النمو المتسارع مع ارتفاع معدلات بطالة المواطنين وانخفاض معدلات الأجور.
فمع وجود برامج لتوطين الوظائف في جميع دول المجلس، إلا أن نتائجها
الملموسة ربما تستغرق بعض الوقت، وذلك لعدة أسباب. فمعدلات الأجور في
القطاع الخاص لا تجذب المواطنين، خاصة أنها في تناقص مستمر بسبب انخفاض
الأجور في دول الجوار، ووجود مخزون لا ينفد من العمالة المستعدة للقدوم
لدول المجلس. ومن ناحية أخرى فإن مستويات مخرجات التعليم الجامعي لم تواكب
تماماً الاحتياجات الجديدة لسوق العمل، مما أدى إلى تركز البطالة بين خريجي
الجامعات بسبب افتقارهم للمهارات المطلوبة وعدم استعداد قطاع الأعمال
لتدريبهم.


وبالمثل، فإن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لم تستفد مثل المؤسسات الكبيرة
من النمو الاقتصادي. فتجد دول المجلس بصفة عامة تتبوأ أعلى المراتب في
مؤشرات التنافسية العالمية وسهولة الاستثمار فيها، وهو ما يفسر ارتفاع
معدلات الاستثمار المحلي والأجنبي. ولكن ذلك لا يشمل بالدرجة نفسها
المؤسساتِ الصغيرةَ والمتوسطةَ. ومردُّ ذلك إلى انخفاض معدلات الدعم
الإداري والفني المتوفرة لها، وبشكل أساسي اعتمادها على الموارد المالية
الذاتية بسبب محدودية فرص التمويل من السوق المالية والبنوك، حيث تفضل
البنوك تمويل المؤسسات الكبيرة رغبة في تخفيض تعرضها للمخاطر.


وفي الاقتصادات الأخرى، توفر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أكبر حصة من
الوظائف للمواطنين، ولكن في دول المجلس يسيطر عليها الوافدون بشكل شبه
كامل، مما يُضعف دورها في تخفيض البطالة.


وإن كنتَ ترى أن هذه التوقعات كثيرة التشاؤم، فتلك طبيعة علم الاقتصاد
وخبرائه. ولكن من الحكمة الاستماع إلى نصحهم، خشية أن تتحقق توقعاتهم لو
أهملناها. والأولوية الرئيسة التي ينصحون بها هي تطوير قوة العمل الوطنية،
كماً ونوعاً وكيفاً، وتطوير روح المبادرة الاقتصادية في المؤسسات الصغيرة
والمتوسطة وتشجعيها مالياً وإدارياً وفنياً لتوظيف وتدريب المواطنين، وبذلك
سيستطيع الاقتصاد الخليجي مواجهة تحدي انخفاض دخل البترول، والذي إن لم
يحدث في عام 2014، كما يتوقع صندوق النقد الدولي، فقد يحدث في السنوات التي
تليها، ولكنه آتٍ لا محالة.


__________
24 ديسمبر 2013
اقرأ المزيد

مقومات نجاح الحوار «الوطني» البحريني

الحوار البحريني المعنون بالوطني، وبإصرار السلطات المستدام، أنه
استكمال للحوار الوطني في شقه السياسي، الذي جل ما أنتج تعديلات في الدستور
لعام 2012، فيما يتعلق بالهوية الوطنية، بما ينال من الطرف الشعبي ويحصن
الطرف الحكومي، وبما لم يؤثر في استحواذ القرار، لمن له القرار بحسب النصوص
السابقة. فأول المآرب التي يتوجب تخطيها في الحوار القادم، هو إحداث
التغيير الحقيقي، بما يعيد توازن الحقوق ويفرض الالتزامات على أطراف
المجتمع، الحكومة كسلطة تنفيذية ليس إلا، والسلطة التشريعية في التمثيل
الحقيقي للشعب، والسلطة القضائية في استقلالها ونزاهتها، والإعلام والصحافة
الرسميان وغير الرسميين، في إخضاعهما للمبادئ الإعلامية والمحاسبة
القانونية، إزاء كل خروج بما ينال من الوحدة الوطنية والتكامل الوطني،
وأخيراً وليس آخراً، فصل الدين عن السياسة.

والسبيل الوحيد لتحقيق
ذلك وما يستتبعه من خطوات، هو إعادة صياغة دستور عقدي، بناءً على المبدأ
الفقهي الدستوري «الشعب مصدر جميع السلطات»، بمؤدى تشكيلها ومحاسبتها
وإبدالها في حال لم تحظ بالقبول الشعبي.

وللتعبير الشعبي في المحاسبة
والقرار، بالقبول من عدمه، وسيلة وحيدة لا يستقيم الحق الشعبي دونها، هي
الأمن والطمأنينة والتمكين، لجميع التوجهات الحقوقية والسياسية، المعارضة
والحكومية، على قدم المساواة، في حرية التعبير المسئولة، والخاضعة للمحاسبة
القانونية، التي لا تمس جوهر الحق، فلا ملاحقات أمنية ولا سجون لأفراد
القوى الحقوقية والسياسية الفاعلة في المجتمع، على فعلها في التقييم
الحصيف، والكشف عن الانتهاكات والفساد، في أداء السلطات.

فطالما أن
هناك معارضة، معيشية كانت أو حقوقية أو سياسية، فالأمر ليس على ما يرام،
والمعادلة المجتمعية مختلة، لذا يلزم التواصل المباشر والحوار، هذا في حال
اراد الجميع إعادة التوازن، أما إذا ما بَطَر طرف وتطرّف لذاته وحامى عن
مستفيداته دون الآخرين، واستبعد أي طرف من الحوار، وأخرجه من المعادلة
المجتمعية، سواء بالإهمال أو بالإفراط في المعاملة القاسية، من بطش وسجن،
ومهما كانت مطالبات ذاك الطرف المعارض، فلن يكون هناك تغيير إيجابي، وان
الحال المأزومة ستظل، وبوتيرة تتنامى إلى أن تدور الدائرة للعودة إلى نقطة
البداية من جديد.

فالحوار الوطني الناجح بين الشعب وسلطاته، يستلزم
في البداية اعتراف جميع الأطراف المجتمعية بأن هناك أزمة، وعلى السلطات
أولاً، أن تمتنع أو تتوقف عن استخدام قواها ضد المعارضة، وهي المتمكنة
والمتسلحة بالنظام والعِدَد، مع وعدها الصادق والأمين بأن ينال كل صاحب حق
حقه، وأن يُجازى كل متطاول جزاء تطاوله، وذلك بما يسفر عنه الحوار من
اتفاقات وإجراءات، ولا تثريب للطرف فاقد الثقة في أي طرف آخر، أن يطلب
طرفاً دولياً أو أممياً يكون ضامناً لتنفيذ الاتفاقات، وهذا ما يعنيه
التطبيق الفعلي لمبدأ التسامح ونبذ الكراهية، عوضاً عن البيانات والمؤتمرات
والاحتفاليات، بما يفتح المجال للتعويضات والجزاءات والتنازل عن الحقوق
الجزائية ضد الأفراد والأطراف الأخرى، وبإرادة المجني عليه.

فالحوار
الوطني لعام 2014، بقيادة سمو ولي العهد، كما يبدو للخروج من ضَيِّقات
الأزمة التي عصفت بالوطن لقرابة السنوات الثلاث، ولأسباب ليست مجهولة لأي
طرف، ولم يفد في تجاوزها البطش الأمني، وسياسات وادّعاءات التخوين، لأطراف
متضررة جراء السياسات الحكومية وإجراءات أفراد متنفذين فيها، ولم يفد في
طمسها إعلام وصحافة رسميان ولا غير رسميين، من وسائل تواصل اجتماعي مفتوح
للحكومة ومواليها، قبالة التضييق فيها على المعارضين، بما فيها نشرات
الجمعيات السياسية، والزج بقيادات بعضها في غياهب السجون لمدد طويلة، ولا
التصدي العنيف للحراكات الشعبية بمليون قذيفة من مسيل الدموع الذي يطال
بقصد أو دون قصد، أماكن السكنى والعبادة، ولا مليون طلقة رصاص حي، أودت
بحيوات البعض وجرحت وآلمت الكثرة، ولا مليون قانون عقابي توصي به السلطة
التشريعية، ولا مليون حكم قضائي يطال كل المعارضين، وذلك استغلالاً للهيمنة
القائمة لتحالف السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والصحافة والإعلام
للنيل من الإرادة الشعبية.

لذا فمن أراد فك عقدة الأزمة، فعليه
العمل أولاً على أساس المعيار الإنساني، ثم المواطني، ولا ثالث لهما، لا
ديني ولا مذهبي ولا طائفي ولا مصلحي لفئة دون أخرى، والاستناد إلى القانون
الدولي للحقوق المدنية والسياسية، المتساوية للمواطنين، والبدء قبل التئام
الجمع غير المستثنى منه أي طرف، حول طاولة الحوار للمصالحة، بإعادة نصاب
الحق، بإطلاق سراح جميع المعتقلين والموقوفين، والتوقف عن الملاحقات
الأمنية للمعارضين، وفتح الباب على مصراعيه للتعبير الشعبي عن مطالبه، بما
في ذلك المعارضة والأطراف الحكومية، وسحب جميع المظاهر الأمنية من قوات أمن
وعسكر وحواجز وأسلاك شائكة، وفتح المناطق المغلقة في جميع أنحاء الوطن،
لتعود ممارسات الحياة الطبيعية للمواطنين وأفراد السلطات، ويشمل ذلك دور
العبادة المهدّمة.

ونتيجةً لإفرازات الأزمة من ناحية التقوقع
المذهبي، تتفرغ السلطات الأمنية لملاحقة الداعين إلى الفرقة من جميع
الأطراف وأولها المحسوبون على السلطات، واعتماد المساحتين التقليديتين،
للتجمهرات الشعبية، دوار نصب مجلس التعاون، المحال إلى دوار الفاروق،
ومازال في وجدان المعارضة الشعبية دوار اللؤلؤة، مكاناً لتجمهر المعارضة،
وساحة مسجد الفاتح مكاناً لتجمهر الحكوميين، ولا ضير مؤقتاً من تشييد ما
شاء المتجمهرون هنا وهناك، من خيم ونُصُب، ليكون الحَكَم فيها لاحقاً
مخرجات حوار التوافق الوطني، ففي ذلك بناء لأساس أرضية صلبة يقوم عليها
الحوار الوطني، لا غالب فيها ولا مغلوب.

فلنجعل الوطن غير قابل
للقسمة، بل هو واحد يحوي جميع المواطنين، بجميع مشاربهم، ولكلٍ في عقيدته
ما يعتقد، من دون مساس بعقيدة الآخرين.

يعقوب سيادي

اقرأ المزيد

لا حرية دون خبز




جلُّ المعالجات لتعثر ما عرف
بـ«الربيع العربي»، تتوقف أمام حالة الفوضى والعنف التي تغطي البلدان التي شملتها
موجته، والتي لم ينج منها حتى بلد أكثر رسوخاً في بنية مجتمعه المدني وتقاليده،
مثل تونس









.




وهو توقف في مكانه تماماً، فبدون
استقرار أمني وسياسي سيبدو متعذراً المضي إلى الأمام، وتبدو ملحة مهمة معالجة
أسباب ومظاهر العنف، لا بل والارهاب، الذي يطول هذه البلدان، لكن في هذا المقام
يتعين توجيه الأنظار إلى مسألة المعيشة، أي مدى التحسن في تحقيق العدالة
الاجتماعية









.




مقياس المواطن في الحكم على الأمور
يتأتى بدرجة أساسية، بعد توفر الأمن طبعا، في مدى توفر الأمان الاجتماعي، أي إلى
أي مدى أصبح وضعه المعيشي ووضع عائلته وابنائه أفضل مما كان عليه قبل هذه
التغييرات، لذا لا نندهش حين نسمع أصواتاً في الشارع تنقلها الفضائيات عمن يحن
للوضع الذي كان في بلدان الربيع العربي قبل اندلاع موجة التغييرات فيها









.




إلى جانب الحرية، كانت العدالة
الاجتماعية هي هدف التغيير المنشود، وتحقيق الحرية بدون عدالة إجتماعية يجعل هذه الحرية
ذاتها مهددة، فليس كافياً أن يتمكن الناس من حرية الكلام والتظاهر، إذا كانوا عاجزين
عن نيل لقمة العيش الكريم، وللديمقراطية وجهان لا ينفصلان: سياسي يتمثل في الحريات
العامة والمشاركة في صنع القرار، واجتماعي يتمثل في عدالة تقسيم الثروات









.




للدكتور سليم الحص، أحد أنزه رؤساء الحكومة
اللبنانية السابقين مقولة تخص الوضع اللبناني فحواها: إن في لبنان الكثير من
الحرية والقليل من الديمقراطية، وهي مقولة باتت صالحة لأن تطلق على العديد من
البلدان العربية التي طالتها المتغيرات، حيث صار بوسع الناس ووسائل الاعلام أن
تنتقد وتساجل، لكن هل هذا يعني أنها، بذلك، باتت أقرب إلى الديمقراطية، مما كانت
عليه؟







ان الفقر طالما ظلَّ مستشرياً، فانه يبقى
معوقاً للتحول نحو الديمقراطية، فلا يمكن لهامش من الحريات العامة، على أهمية ذلك،
أن يغني عن الديمقراطية الاجتماعية، أي ديمقراطية العدالة في توزيع الثروات، ويظل
أن الخبز والحرية معاً يندرجان تحت عنوان واحد هو الكرامة الانسانية، فالانسان
الجائع لا يمكن أن يكون حراً، والانسان الحر لا يمكن أن يرضى بالجوع أو بصور الضيم
المختلفة









.




تلك هي خلاصة ما نشهده من الهزات
الاجتماعية والسياسية التي شهدها عالمنا العربي وما يزال









.



 





جلُّ
المعالجات لتعثر ما عرف بـ«الربيع العربي»، تتوقف أمام حالة الفوضى والعنف
التي تغطي البلدان التي شملتها موجته، والتي لم ينج منها حتى بلد أكثر
رسوخاً في بنية مجتمعه المدني وتقاليده، مثل تونس.
وهو توقف في مكانه
تماماً، فبدون استقرار أمني وسياسي سيبدو متعذراً المضي إلى الأمام، وتبدو
ملحة مهمة معالجة أسباب ومظاهر العنف، لا بل والارهاب، الذي يطول هذه
البلدان، لكن في هذا المقام يتعين توجيه الأنظار إلى مسألة المعيشة، أي مدى
التحسن في تحقيق العدالة الاجتماعية.
مقياس المواطن في الحكم على
الأمور يتأتى بدرجة أساسية، بعد توفر الأمن طبعا، في مدى توفر الأمان
الاجتماعي، أي إلى أي مدى أصبح وضعه المعيشي ووضع عائلته وابنائه أفضل مما
كان عليه قبل هذه التغييرات، لذا لا نندهش حين نسمع أصواتاً في الشارع
تنقلها الفضائيات عمن يحن للوضع الذي كان في بلدان الربيع العربي قبل
اندلاع موجة التغييرات فيها.
إلى جانب الحرية، كانت العدالة الاجتماعية
هي هدف التغيير المنشود، وتحقيق الحرية بدون عدالة إجتماعية يجعل هذه
الحرية ذاتها مهددة، فليس كافياً أن يتمكن الناس من حرية الكلام والتظاهر،
إذا كانوا عاجزين عن نيل لقمة العيش الكريم، وللديمقراطية وجهان لا
ينفصلان: سياسي يتمثل في الحريات العامة والمشاركة في صنع القرار، واجتماعي
يتمثل في عدالة تقسيم الثروات.
للدكتور سليم الحص، أحد أنزه رؤساء
الحكومة اللبنانية السابقين مقولة تخص الوضع اللبناني فحواها: إن في لبنان
الكثير من الحرية والقليل من الديمقراطية، وهي مقولة باتت صالحة لأن تطلق
على العديد من البلدان العربية التي طالتها المتغيرات، حيث صار بوسع الناس
ووسائل الاعلام أن تنتقد وتساجل، لكن هل هذا يعني أنها، بذلك، باتت أقرب
إلى الديمقراطية، مما كانت عليه؟
ان الفقر طالما ظلَّ مستشرياً، فانه
يبقى معوقاً للتحول نحو الديمقراطية، فلا يمكن لهامش من الحريات العامة،
على أهمية ذلك، أن يغني عن الديمقراطية الاجتماعية، أي ديمقراطية العدالة
في توزيع الثروات، ويظل أن الخبز والحرية معاً يندرجان تحت عنوان واحد هو
الكرامة الانسانية، فالانسان الجائع لا يمكن أن يكون حراً، والانسان الحر
لا يمكن أن يرضى بالجوع أو بصور الضيم المختلفة.
تلك هي خلاصة ما نشهده
من الهزات الاجتماعية والسياسية التي شهدها عالمنا العربي وما يزال. – See
more at:
http://www.alayam.com/mobile/ardetails.aspx?id=11089#sthash.rxa6PBnx.dpuf
جلُّ
المعالجات لتعثر ما عرف بـ«الربيع العربي»، تتوقف أمام حالة الفوضى والعنف
التي تغطي البلدان التي شملتها موجته، والتي لم ينج منها حتى بلد أكثر
رسوخاً في بنية مجتمعه المدني وتقاليده، مثل تونس.
وهو توقف في مكانه
تماماً، فبدون استقرار أمني وسياسي سيبدو متعذراً المضي إلى الأمام، وتبدو
ملحة مهمة معالجة أسباب ومظاهر العنف، لا بل والارهاب، الذي يطول هذه
البلدان، لكن في هذا المقام يتعين توجيه الأنظار إلى مسألة المعيشة، أي مدى
التحسن في تحقيق العدالة الاجتماعية.
مقياس المواطن في الحكم على
الأمور يتأتى بدرجة أساسية، بعد توفر الأمن طبعا، في مدى توفر الأمان
الاجتماعي، أي إلى أي مدى أصبح وضعه المعيشي ووضع عائلته وابنائه أفضل مما
كان عليه قبل هذه التغييرات، لذا لا نندهش حين نسمع أصواتاً في الشارع
تنقلها الفضائيات عمن يحن للوضع الذي كان في بلدان الربيع العربي قبل
اندلاع موجة التغييرات فيها.
إلى جانب الحرية، كانت العدالة الاجتماعية
هي هدف التغيير المنشود، وتحقيق الحرية بدون عدالة إجتماعية يجعل هذه
الحرية ذاتها مهددة، فليس كافياً أن يتمكن الناس من حرية الكلام والتظاهر،
إذا كانوا عاجزين عن نيل لقمة العيش الكريم، وللديمقراطية وجهان لا
ينفصلان: سياسي يتمثل في الحريات العامة والمشاركة في صنع القرار، واجتماعي
يتمثل في عدالة تقسيم الثروات.
للدكتور سليم الحص، أحد أنزه رؤساء
الحكومة اللبنانية السابقين مقولة تخص الوضع اللبناني فحواها: إن في لبنان
الكثير من الحرية والقليل من الديمقراطية، وهي مقولة باتت صالحة لأن تطلق
على العديد من البلدان العربية التي طالتها المتغيرات، حيث صار بوسع الناس
ووسائل الاعلام أن تنتقد وتساجل، لكن هل هذا يعني أنها، بذلك، باتت أقرب
إلى الديمقراطية، مما كانت عليه؟
ان الفقر طالما ظلَّ مستشرياً، فانه
يبقى معوقاً للتحول نحو الديمقراطية، فلا يمكن لهامش من الحريات العامة،
على أهمية ذلك، أن يغني عن الديمقراطية الاجتماعية، أي ديمقراطية العدالة
في توزيع الثروات، ويظل أن الخبز والحرية معاً يندرجان تحت عنوان واحد هو
الكرامة الانسانية، فالانسان الجائع لا يمكن أن يكون حراً، والانسان الحر
لا يمكن أن يرضى بالجوع أو بصور الضيم المختلفة.
تلك هي خلاصة ما نشهده
من الهزات الاجتماعية والسياسية التي شهدها عالمنا العربي وما يزال. – See
more at:
http://www.alayam.com/mobile/ardetails.aspx?id=11089#sthash.rxa6PBnx.dpuf
اقرأ المزيد

البحرين: السياسة تضرب النقابة – عبدالله أحمد

كبقية مؤسسات المجتمع المدني، تواجه
الحركة النقابية البحرينية تحديات كبيرة، لا سيما بعد انطلاق الحراك
المطلبي في شباط/ فبراير 2011. فعلى العكس تماماً مما حصل في بعض بلدان
الربيع العربي، من نشوء حركات نقابية مستقلة، قبل أو اثناء الانتفاضات
الشعبية، رفعت شعارات الحرية والديموقراطية والكرامة، شهدت البحرين انتكاسة
على مستوى الحركة النقابية، إذ تشكلت بعد أحداث الانتفاضة الشعبية فيها
تجمعات عمالية أخذت دور المساند للقمع والمكرس لحكم الفرد، فيما شنت حملة
على الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين الذي يمثل الحركة النقابية
المستقلة (عن النظام على أقل تقدير)، والعمل على تقليص أدواره في الساحة
البحرينية.


التأسيس
العام 2002، اتخذت الحركة النقابية
البحرينية، ممثلة بـ«اللجان العامة لعمال البحرين»، قرارها بالتحول إلى
الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين. ولعب هذا الاتحاد الوليد دوراً
أساسياً في تأطير عمال البحرين في العمل النقابي. ورغم الخلافات التي شابت
تأسيسه بين الكوادر النقابية في القوى السياسية التقليدية التي انضوت
لاحقاً في جمعيات سياسية حملت مختلف التوجهات الموجودة على الساحة العربية
(يساريون، قوميون، اسلاميون)، استطاع الاتحاد شق طريقه في تأصيل العمل
النقابي، واكتسب الاتحاد سمعة كبيرة على المستوى العربي والدولي. وقد دخلت
الحركة العمالية البحرينية معارك عدة من أجل انتزاع الحقوق العمالية
الطبيعية، كحق الاضراب، المُقيّد بشروط تعجيزية يتحكم فيها رئيس مجلس
الوزراء، وحق تشكيل النقابات في القطاع الحكومي، الذي ما زال محظوراً لغاية
اليوم. إلا أنها لم تنجح في خلق حالة عمالية مساندة لانتزاع هذه الحقوق،
وقد يعود هذا الأمر لعدم الاحساس بأهمية العمل النقابي في أوساط المجتمع
البحريني، واقتصاره على مجموعة من الناشطين ذوي التوجهات السياسية أو
القريبين منها.بالمقابل استطاعت الحركة النقابية تعزيز مكانتها على المستوى
الوطني، حيث أصبح الاتحاد العام الممثل الشرعي والوحيد لعمال البحرين، فتم
تمثيله في بعض القطاعات ثلاثية التكوين، كهيئة تنظيم سوق العمل، والهيئة
العامة للتأمين الاجتماعي والمجلس الأعلى للتدريب المهني، وغيرها من
الهياكل، وكذلك على المستوى الاقليمي والدولي، فحظي بعضوية عدد من
الاتحادات العمالية الدولية وتمثل أحد أعضائه في مجلس إدارة منظمة العمل
الدولية لدورتين متتاليتين.


اتحاد آخر على أساس سياسي 
مع اندلاع
الحراك في البحرين في 24 شباط/ فبراير 2011، كان الاتحاد أول الداعين
لتدشين حوار حقيقي بين السلطة والقوى السياسية للخروج من الازمة التي
دخلتها البحرين في ذاك اليوم، كما دعا إلى إضرابين عامين بعد الحملة
العسكرية الأولى والثانية على مقر اعتصام المتظاهرين في دوار اللؤلؤة. وبعد
الانقضاض الأمني على هذا الحراك، بدأت السلطة في عملية تصفية الحسابات مع
مؤسسات المجتمع المدني، حيث حُلت بعض الجمعيات المهنية، كجمعية المعلمين،
التي لا يزال رئيسها يقبع في المعتقل، وتم عزل مجلس إدارات البعض الآخر،
كجمعية الاطباء، وبدأت السلطة في إعادة تشكيل المجتمع المدني عبر خلق
منظمات أهلية رديفة لتلك القائمة. وطالت يد السلطة الحركة النقابية فبدأت
حملات التشهير في الصحافة والتلفزيون الرسمي بقياداته، وترافق ذلك مع حملة
واسعة لفصل العمال وصلت إلى ما يفوق الاربعة آلاف عامل، حسب تقديرات
الاتحاد، كما تم تهميش دور الاتحاد العام في المجالس الثلاثية التكوين،
كالهيئة العامة للتأمين الاجتماعي، وأخيراً تأسيس «الاتحاد الحر لعمال
البحرين»، معلناً شق الحركة العمالية على أساس المصالح السياسية، لا سيما
أن أحد ابرز القائمين على هذا الاتحاد مارس دوراً في عمليات فصل العمال
ابان العام 2011.


أين المصلحة العمالية؟
وبصرف النظر عن مدى قوة
أو ضعف هذا الاتحاد أو ذاك، فقد بات من المؤكد أن أكبر المتضررين هو الطبقة
العاملة، حيث تشتتت المنظمات التي تمثلهم في أطر طائفية أو سياسية، وتحول
الصراع من أن يكون بين العمال وأصحاب العمل، إلى صراع بين العمال انفسهم.
وعلى سبيل المثال، بادرت السلطة بإدخال تعديلات عدة على قانون النقابات
العمالية، بشكل منفرد من دون العودة إلى الشركاء الاجتماعيين. وكذلك أصدرت
قانون العمل الجديد، الذي اعتبره أحد المحامين المتخصصين في قضايا العمل،
أسوأ قانون عمل صدر بتاريخ البحرين. إضافة إلى استشراء الفساد في الهيئة
العامة للتأمين الاجتماعي، كما تشير تقارير ديوان الرقابة المالية؛ كل ذلك
دون أن تُجبر المصلحة العليا كلا الاتحادين على اتخاذ مبادرات مشتركة أو
منفردة للذود عن مصالح العمال.وكأن السلطة طرف محايد في هذا الاستقطاب، دعا
مؤخراً وزير العمل كل من الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين والاتحاد
الحر لنقابات عمال البحرين «للعمل بوتيرة أسرع وأكثر فاعلية لتجاوز أية
خلافات وتوجيه جهودهما وطاقتهما معا للتصدي لمظاهر الفرقة والانقسام وتعزيز
أجواء التوافق والانسجام والعمل المشترك في مختلف مواقع العمل والانتاج»!
من جهة أخرى، وبقدر مساهمتهم في سوق العمل، يشكل العمال المهاجرون عنصراً
مثبطاً لأي تحرك عمالي ضاغط باتجاه تحسين ظروف العمل والانتاج، بل وعمدت
السلطة على الاستقواء بهؤلاء العمال الذي جاؤوا إلى البحرين بهدف تحسين
ظروف معيشتهم، وتوظيفهم في الصراع السياسي والاجتماعي القائم.خلاصة القول،
تعاني الحركة النقابية البحرينية من فترة من الجمود والتقهقر لعلها ستطول
بسبب: أولاً طبيعة الاقتصاد البحريني الريعي، الذي تتحكم فيه مجموعة قليلة،
هي المتصرفة الوحيدة بعائداته وبه تشتري الولاءات، ثانياً الاستقطاب
الطائفي الذي لعبت السلطة في تنظيمه دوراً كبيراً، فبات الانتماء الطائفي
هو معيار المواطنة وانتفت الوحدة على المطالب الاقتصادية والاجتماعية،
ثالثاً ضعف الكيانات النقابية من حيث تكوينها الفكري والممارساتي من جهة،
ومن جهة أخرى المنافسة الشديدة مع العمالة المهاجرة ذات الأجر المتدني
والخاضعة لظروف عمل اعتباطية، والتي تجعل البديل عن العمالة الوطنية جاهزاً
في أي وقت لتغطية أي تحرك تبادر به الطبقة العاملة…


* كاتب من البحرين
 
 
اقرأ المزيد