المنشور

متلازمة عقدة العصر الذهبي لليسار

بعد الانفراج السياسي الذي شهدته البحرين في العام 2002 بدأت المنظمات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني في إعادة نسج علاقاتها الممتدة، وكنا في جمعية الشبيبة البحرينية قد أعدنا تفعيل عضويتنا في اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي (وفدي) واتحاد الشباب العربي، بعد تجمد شبه تام لنشاط جبهة التحرير الوطني البحرانية، واتحاد الشباب الديمقراطي البحراني.

 كنا مزهوين في وقتها بماضٍ مشرف لعبت خلاله الحركات اليسارية في البحرين والمنطقة دوراً محورياً في موجة تصاعد الحركات الثورية والتحررية وصعود نجم الاتحاد السوفيتي وتنامي دوره في المنطقة. ونحن في قمة الحماس لاستعادة هذا الدور تندرنا فيما بيننا من اعمار ممثلي معظم الوفود العربية المشاركة في اجتماعات اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي، واتحاد الشباب العربي، حيث كانت تتجاوز سن الأربعين فيما كنا شباناً في مطلع العشرينات من عمرنا، مدعاة السخرية الثانية كانت في “الكلاشيه” الذي ظل يتكرر في كل اجتماعات المنظمات العربية عند تشخيص وضع اليسار حيث تبدأ المداخلة بجملة: “بعد سقوط حائط برلين، وانهيار الاتحاد السوفيتي (…) وتستمر في سوق التبريرات حوال أسباب تردي اليسار في العالم العربي والإغراق في المقارنة بين ما كنا عليه وما أصبحنا عليه.

ما كنا نتعامل معه بشيء من الفكاهة إتضح لاحقاً بأنه أزمة اليسار في العالم، لكن الأزمة التي لم يعشها أبناء جيلي ولم يتذوقوا مرارتها كانت جاثمة على صدور أبناء جيل الستينات والسبعينات الذي عاشوا العصر الذهبي لليسار وتلمسوا آماله، وشهدوا تراجعه وسقوطه. هذه الأزمة أحدثت تشوشاً لدى شريحة واسعة من المناضلين والمفكرين فنزح بعضهم للتنظير للإسلام المستنير كمنهج بديل عن المادية الجدلية، فيما رأى بعضهم الآخر أن الليبرالية هي النموذج الأرحب لكل التوجهات اللادينية متغافلين عن تناقض الليبرالية في شقها الاقتصادي – على أقل تقدير- مع المنهج الاشتراكي.

في البحرين دون سواها من الدول كنا أمام تجربة مختلفة، فالانفراج السياسي الذي تبع الإعلان عن ميثاق العمل الوطني في فبراير 2001، أتاح للقوى اليسارية أملاً جديداً في الاستمرار، وفرصة لتحقيق بداية جديدة ترتكز على الماضي العريق وتنطلق إلى المستقبل بطاقة الشباب الذي كان مشحوناً بالحماس والتفاؤل.

لكن هذه الفرصة لم تستغل في تأسيس مدارس حزبية ناضجة لنقل العلم والمعرفة السياسية والفلسفية للشباب، ولا في صوغ برنامج سياسي قابل للتطبيق ينطلق من تعزيز دور كل عضو من أعضاء التنظيمات اليسارية في تلمس مطالب أبناء محيطه السكني، والمهني، والعائلي. عوضاً عن ذلك انغمسنا في التغني بما كنا عليه في الماضي وربطه بتحسرنا على ما نحن عليه في الراهن مقدمين كل المبررات لفشلنا (سقوط الاتحاد السوفيتي، تصاعد الإسلام السياسي، ضرب الحركات اليسارية، سيادة القطب الواحد) دون أن نبذل جهدا كافيا في طرح سؤال رئيسي: ما الذي يمكن أن نقدمه لنكون أقرب إلى المجتمع؟

حول هذا الموضوع يلاحظ أحد الأصدقاء أن شباب اليسار في البحرين يجتمعون في صفة واحدة تتمثل في ضعف علاقتهم بأبناء مناطقهم السكنية، وتركز نشاطهم في مناطق بعيدة عن محيطهم السكني وهم بناء على ذلك كما الغرباء في مناطقهم.

ربما يكمن الحل من خلال مواجهة هذه المعضلة، فالالتصاق بالماضي لن يجدي نفعاً، وعلاج متلازمة عقدة العصر الذهبي الذي لم نعشه تبدأ من تغيير واقعنا المعاش لا التغني بمنجزات لم نعشها.

اقرأ المزيد

الفريضة الغائبة عند العرب

الواقع السياسي والاجتماعي للعرب بعد (ثورات الربيع العربي) أصبح أكثر سوءاً وتمزقاً. الصراعات والحروب مستعرة في سوريا والعراق وليبيا واليمن، بينما الانتهاكات الحقوقية والاضطهاد الطائفي والاستبداد السياسي والتخلف الاقتصادي والحضاري تسيطر على أغلب الدول العربية.

 عدد الدول الديمقراطية في العالم في تزايد، بينما العرب يغردون خارج السرب الديمقراطي. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لا توجد ديمقراطية عربية؟ التفسيرات السائدة حول غياب الديمقراطية في الوطن العربي متعددة، يتم إرجاعها لعوامل: سياسية، اقتصادية ،دينية، ثقافية ، تاريخي ، اجتماعية.

 وفي هذا الإطار تأتي الدراسة التي أعدّها لاري دياموند مدير مركز الديمقراطية والتنمية في جامعة استانفورد ونشرتها دورية الديمقراطية Journal of Democracy  في يناير 2010 تحت عنوان: ” لماذا لا توجد ديمقراطيات عربية؟ يرى السيد دياموند بأنه “لا يمكن الجزم بأن الثقافة السياسية المحدد الأساسي لتعثر عملية التحول الديمقراطي في العالم العربي فالقيم النابعة من المعتقدات الإسلامية لم تمنع عددًا من الدول التي يعتنق غالبية سكانها الدين الإسلامي من تحقيق ديمقراطية سياسية مستقرة خاصة ألبانيا وماليزيا والسنغال. حيث يصنف مركز فريدم هاوس حوالي 8 دول إسلامية غير عربية باعتبارها دولاً ديمقراطية، بما يعني أن المعتقدات الدينية لا تعد محددًا لمسار التحول الديمقراطي”.

أما فيما يتعلق بالثقافة وغياب الممارسات الديمقراطية عن التقاليد ذات المجتمع العربي ورفض الشعوب العربية للديمقراطية وعدم تقديرهم للانتخابات كآلية لتداول السلطة، فهو افتراض غير صحيح بالنظر إلى ما كشفت عنه استطلاعات الرأي التي تم إجراؤها في الجزائر والأردن والكويت والمغرب والأراضي الفلسطينية والعراق من أن نسبة لا تقل في المتوسط عن حوالي 80% ممن تم استطلاع آرائهم يعتقدون أن الديمقراطية هي أفضل نمط للحكم على الإطلاق.

بيد أن المعضلة تكمن من وجهة نظر دياموند في الانقسامات والشكوك المتبادلة بين التيارات السياسية العلمانية من جانب والتيارات الإسلامية المعتدلة والراديكالية من جانب آخر، وتأكيد حوالي 56% ممن تم استطلاع آرائهم في عدد من الدول العربية علي ضرورة التوافق بين الممارسة الديمقراطية والشريعة الإسلامية.

 نختلف هنا مع الكاتب دياموند بأن المعضلة الأساسية والأكبر والتي تعطل التحول الديمقراطي في الدول العربية ليست في الشكوك المتبادلة بين التيارات العلمانية والتيارات الإسلامية، بقدر ما هي في البنية الاجتماعية القائمة بمعناها الأوسع(سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافيا)ً وهي بنية تسيطر عليها الأنظمة العربية الرسمية والتي هي تابعة للبنية البرجوازية الرأسمالية الغربية.

  في جانب آخر يرى السيد دياموند أن السبب الأول لعدم وجود ديمقراطية عربية يكمن في هيكل النظم الاقتصادية العربية وليس مستوى التنمية الاقتصادية في تلك الدول، حيث أن حوالي 11 دولة عربية يمكن تصنيفها كدول ريعية تعتمد على صادرات البترول والغاز كمصدر أساسي للدخل القومي وفي بعض الحالات تمثل تلك الصادرات حوالي 90 % من قيمة الناتج المحلي الإجمالي ومن ثم تتضاءل حاجة الدولة لفرض ضرائب على دخول المواطنين في مقابل تصاعد اعتماد المواطن على الدولة للحصول على الدخل والخدمات العامة، ويسبب ذلك خللاً في العلاقة بين السلطة السياسية والمواطنين وعلى حد قول هنتجتون في كتابه الموجة الثالثة للديمقراطية ” إذا كانت مقولة لا ضرائب دون تمثيل مطلب سياسي فإن مقولة لا تمثيل دون ضرائب تصبح حقيقة سياسية في الدول الريعية”.

  و يؤدي اعتماد الاقتصاد الوطني على الصادرات النفطية لعدة تداعيات على المستوي السياسي أهمها مركزية السلطة السياسية وإيلاء الأمن والاستقرار قدر كبير من اهتمام النظام الحاكم فضلاً عن انتشار الممارسات القمعية في مواجهة الإضرابات والمظاهرات بما يؤدي لإضعاف وتهميش مؤسسات المجتمع المدني في مقابل تضخم الجهاز الإداري والتنفيذي للدولة.

وفي ما أسماه الكاتب دياموند ب”سياسات التكيف السياسي السلطوية” يشير إلى أن احتكار السلطة السياسية أحد أهم السمات المشتركة بين دول المنطقة العربية في ظل تأييد القوى الخارجية لاستمرار التسلطية السياسية حفاظًا على الاستقرار السياسي، ومما يعزز سلطوية النظم الحاكمة في العالم العربي استغلالها لاحتكار الدولة لأدوات القهر السياسي المتمثلة في قوات الشرطة والمخابرات وتوظيفها لقمع المعارضة السياسية للحفاظ على بقائهم في السلطة، بحيث تصنف غالبية الدول العربية ضمن أعلى دول العالم من حيث مستوى الإنفاق على الأمن، بيد أن النظم العربية الحاكمة لا تمارس القمع السياسي بصورة دائمة وإنما تعتمد على عدة آليات بصورة متزامنة مثل استقطاب بعض قيادات المعارضة والسماح بقدر محدود من التمثيل السياسي وإجراء انتخابات بصفة دورية حتى وإن كانت غير نزيهة.

أخيراً يخلص الكاتب في دراسته لعوامل عدم وجود ديمقراطية عربية: بأن مستقبل الديمقراطية في العالم العربي ليس قاتمًا كما يبدو للوهلة الأولى، لأن التغير في السياسة الخارجية الأمريكية بين عامي 2003 و2005 باتجاه تصعيد الضغوط على الدول العربية لدفع عملية التحول الديمقراطي قدمًا قد أسفر عن نتائج إيجابية جزئيًا، كما أن الدعم الشعبي للديمقراطية يعد مؤشرًا آخر على أن التغير السياسي باتجاه الديمقراطية لم يعد ممكنًا تفاديه خاصة مع توظيف تكنولوجيا الاتصالات وإفادة المعارضة السياسية من المنتديات الاجتماعية مثل الفيسبوك وتويتر والمدونات كمساحات افتراضية لحشد الرأي العام ضد الركود السياسي الراهن في الدول العربية، أما إذا انخفضت أسعار البترول أو تم إيجاد بدائل للطاقة تتسم بانخفاض التكلفة، فإن النظم الحاكمة للدول المنتجة للنفط ستجد ذاتها مضطرة لإبرام عقد اجتماعي جديد مع شعوبها تقوم على التشارك في السلطة والتمثيل السياسي بما ينهي فترة احتكار تلك النخب للسلطة السياسية.

ونختلف هنا مرة أخرى مع السيد دياموند حول الدور الأمريكي في الضغط على الأنظمة العربية للمضي قدماً باتجاه التحول الديمقراطي ، بل أثبتت التجارب والسنوات إلى السعي الدائم للولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية الكبرى في تحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية على حساب المصالح الطبيعية للشعوب العربية.

أختم مقالي هذا بما ذكره المفكر والأديب الراحل عبد الرحمن منيف حول الديمقراطية (الفريضة الغائبة) وحاجة العرب إليها: “ان الأداة-الشرط وسيلتنا للدخول إلى عالم شديد التعقيد والتشابك، وبدون هذه الأداة – الشرط سنبقى ندور حول المشاكل، نتوهمها، نؤجلها، نحتال عليها، نراها من بعد، وأيضا نغرق في سلسلة من التجارب والأوهام التي نفرضها على أنفسنا، أو يفرضها علينا الأخرون”.

اقرأ المزيد

أفكار كارل ماركس بين الأمس واليوم -1

شبحها ما زال يطارد الرأسمالية

أفكار كارل ماركس بين الأمس واليوم -1

 

بقلم: ألان وودز Alan Woods

ترجمة: غريب عوض

 

لم يَكُن الفِكر الماركسي أكثر مُلائمة قط في أي وقت مضى مما هو اليوم. وهذا مُتَمثلٌ في التَلَهُف على النظرية الماركسية في زمننا هذا. في هذا المقال، يتناول ألان ودز Alan Woods الأفكار الرئيسة لكارل ماركس وصِلَتَها بالأزمة التي نَمُرُ بِها اليوم.

          لقد مضى مائة وثلاثون عاماً مُنذُ وفاة كارل ماركس Karl Marx. ولكن لماذا يجبُ علينا إحياء ذكرى رجلٌ توفى في عام 1883م؟ في أوائل ستينيات القرن الماضي حينها أعلن رئيس الوزراء العُمالي هارولد ولسون Harold Wilson بأننا يجب ألا نبحثُ عن الحلول في مَقبرة هايغيت. ومن يستطيع مُعارضة ذلك؟ ففي المقبرة أنفة الذكر ليس بوسع المرء إلا أن يجد العِظام البالية والغُبار وشواهد قبور صامِته.

          غير أننا حينما نَتحدث عن صِلة كارل ماركس بالزمن الراهن فنَحنُ لا نُشير إلى المقابر وإنما إلى الأفكار – تلك الأفكار التي صمدت في وجه تقلُبات الزمن وظهرت على السطح الآن مُنتَصِرة، حتى إن بعض أعداء ماركس اُجبِرَ، غير راغباً، على الاعتراف بذلك. لقد أظهر الانهيار الاقتصادي في عام 2008 من هو الطَرَف المُتَخلف عن الرَكب، وبالتأكيد أنهُ لم يَكُن كارل ماركس.

          على مدى عشرات السنين لم يَكل أو يمل خُبراء الاقتصاد قط عن تَكرار أن تنبؤات كارل ماركس حول التراجُع الاقتصادي كانت مُتَخَلِفة عن العصر كُلياً. كانت من المفترض أنها أفكار القرن التاسع عشر، وقيل عن هؤلاء الذين يُدافعون عن تلك الأفكار بأنهم عقائديون مُفلسين. ولكن أتضح الآن أن أفكار المُدافعين عن الرأسمالية هي التي يجب أن تُرمى في مزبلة التاريخ، في حين إن كارل ماركس اُثبِتت صحة أقوالة وتمت تبرِئته بالكامل.

          وليس من فترة بعيدة حينما أعلَن رئيس الوزراء العُمالي السابق غوردون براون Gordon Brown، بِكُل ثقة، عن “نهاية الانتعاش والإخفاق الاقتصادي”. بعد انهيار 2008 اُجبِرَ على أكل كلامه. أظهرت أزمة عُملة اليورو € بأنهُ ليس لدى البرجوازية أية فكرة عن كيفية حل مشاكل اليونان واسبانيا وإيطاليا والتي بدورها تُهدد العُملة الأوروبية المُوحدة بل والاتحاد الأوروبي في حد ذاتهِ. بالإمكان أن يكون هذا بكل بساطة مُحَفّز لإنهيار جديد على مستوى العالَم، بل والذي سوف يكون أعمق من أزمة 2008.

          حتى أن بعض خبراء الاقتصاد للبرجوازية اُجبِروا على قبول ما قد اصبح بشكل مُتزايد دليلاً: على أن الرأسمالية تحملُ بِداخِلُها بذور فناؤها؛ ذلك نظام فوضوي مُشوّش يتصف بالأزمات الدورية التي تكثر فيها البطالة ما يتسبب بعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

          والشيء المعروف عن الأزمة الراهِنة هو أنها ليس من المُفترض أن تحدُث. وإلى عهدٌ قريب اعتقد مُعظم خُبراء الاقتصاد البرجوازيون أن السوق، إذا تُرِكت وشأنها، فإنها قادرةً على حل جميع المشاكل، بضربة سِحرية توازن بين العرض والطلب (“فرضية كفاءة السوق”) حتى لا يمكن أن يتكرر أبداً إنهيار 1929 والكساد الكبير.

          لقد تم رمي تنبؤات ماركس بأزمة الإسراف في الإنتاج في مزبلة التاريخ. إن أولئك الذين لا يزالون مُتمسكين برأي ماركس بأن النظام الرأسمالي كان مُنهك بِتناقُضات لا حل لها وهو يحتوي بداخِله بذور فنائهِ كان يُنظر لهم كمجموعة من المهووسين. ألم يُبَرهِن سقوط الاتحاد السوفيتي أخيراً على فشل الشيوعية؟ ألم ينتهي أخيراً التاريخ بانتصار الرأسمالية كنظام اقتصادي إجتماعي مُمكن؟

          ولكن في بحر عشرون عاماً (وهي ليست بالفترة الطويلة في عُمر المجتمع البشري) دارت عجلة التاريخ 180 درجة. والآن إن نُقاد ماركس والماركسية الأقدمون يعزفون نغماً مُختَلِفاً. وفجأةً ودون سابق انذار تَلقى نظريات كارل ماركس الاقتصادية اهتماماً بالِغاً. هناك أعدادٌ مُتزايدة من خُبراء الاقتصاد يتهافتون على قراءة مُدونات ماركس، على أمل أن يعثروا على شيء يُعينُهُم على فهم ما يحدث.

إعادة نظر

          في شهر يوليو/تموز 2009، بعد بدأ الركود عقدت مجلة الإكونومست Economist ندوة في لندن لمناقشة السؤال: ماذا حل بالاقتصاد؟ وهذا كشف ذلك لأعداد مُتزايدة من خبراء الاقتصاد من أن نظرية الاتجاه السائد الاقتصادية لا تلائم الوضع الراهن. لقد صرح بول كروغمان Paul Krugman الفائز بجائزة نوبل، باعتراف مُدهِش. قال “أن الثلاثون سنة الماضية في تطوير نظرية ال macroeconomic قد كانت في أحسن حالاتها إبهاراً عديم الفائدة أو في أسؤ حالاتها مُضِرة.” إن هذا الحُكم يُماثل نقشٌ على ضريح لنظريات الخُبراء الاقتصاديون للبرجوازية.

          والآن تلك الحوادث قد أدخلت شيء من العقل في أذهان على الأقل بعض مُفكري البرجوازية، نحنُ نرى كلُ أنواع المقالات التي تعترف مُكرهةً بأن ماركس كان مُحِقاً في النهاية. وحتى الصحيفة الرسمية لمجمع الفاتيكان (المُراقب الروماني) L’Osserʋatore Romano نشرت مقالاً في عام 2009 تمتدح فيه تشخيص ماركس لعدم المُساواة في الدخل، وهذا حقاً تأييد للرجل الذي قال أن الدين أفيون الشعوب. ويتصدر كتاب رأس المال قائمة المبيعات في ألمانيا الآن. وطُبِعت نسخة مُصوّرة منهُ في اليابان.

          كَتَبَ جورج ماغنوس George Magnus كبير المُحللين الاقتصاديين في البنك السويسري المُتحِد UBS مقالاً تحت عنوانٌ مُثير: “أتيحوا لكارل ماركس فُرصةً لِيُنقذ الاقتصاد العالَمي”. إن البنك السويسري المتحد هو عامود المؤسسة المالية في سويسرا، لديه فروع في أكثر من خمسين دولة وتبلغ أصولهُ أكثر من ترليوني دولار أمريكي. ورغم، ذلك كتب جورج ماغنوس في مقال لصحيفة Bloomberg View “أن الاقتصاد العالمي اليوم يحملُ تشابهاً غريباً لِما تنبأ بهِ ماركس.”

          في هذا المقال يبدأ بوصف صانعي السياسة “يجاهدون من أجل فهم وابل من الذعر المالي والاحتجاجات وأمراض اُخرى تُصيب العالَم” ويقترح أنهم سيستفيدون كثيراً لو أنهم درسوا أعمال الاقتصادي القديم الميت كارل ماركس.”

“على سبيل المثال، دعونا نُفكر في تنبؤ ماركس حول كيف يتجسد الصراع المُتأصل بين رأس المال والعمل. كما كَتَبَ في رأس المال، إن سعي الشركات المحموم نحو الربح والانتاجية من الطبيعي أن ينتهي بِهِم إلى تقليل عدد العُمال شيئاً فشيئاً مما يخلق “جيشاً من العاطلين الصناعيين، من الفقراء والعاطلين: إن تراكم الثروة في قُطب، هو بالنتيجة تركمٌ للبؤس في الوقت نفسه.”

ويُكمل:

“إن العملية التي يشرحها ماركس يمكن رؤيتها في جميع أرجاء العالم المُتطوّر، خاصةً في جهود الشركات الأمريكية لتخفيض التكاليف وتحاشي التوظيف قد أنعش أرباح الشركات الأمريكية كحِصة في كامل الانتاج الاقتصادي إلى أعلى المستويات خلال أكثر من ستة عقود، في حين أن مُعدل البطالة بلغ 9.1% والأجور الحقيقية مُتجمِدة.

“في حين أن التفاوت في الدخل في الولايات المتحدة هو ببعض المقاييس يقترب من أعلى مستوياته مُنذُ عشرينيات القرن الماضي. قبل عام 2008، كان تفاوت الدخل خفي نتيجة لعوامل مثل تيسير الاقتراض، الذي سمح للناس الفُقراء التمتع بإسلوب حياة موُسر. والآن تَرتَد المُشكِلة على رؤوس أصحابَها.”

          أجرت صحيفة وال ستريت مُقابلة مع الخبير الاقتصادي الشهير الدكتور نوريل روبيني Nouriel Roubini، المعروف بين زُملائه الاقتصاديين بلقب “الدكتور دوم Dr. Doom” وذلك بسبب تنبُئِهِ بأزمة 2008 المالية. وهناك فيلم فيديو لهذهِ المُقابلة غير العادية، والتي تستحق الدراسة بِعناية لأنها تُبيّن تفكير النظرة البعيدة لاستراتيجيو الرأسمالية.

          يقول روبيني إن سلسلة الاقتراض انفصمت، وإن الرأسمالية دخلت في حَلَقَة مُفرَغَة حيثُ الطاقة الزائدة (فرط الإنتاج)، وتناقص طلب المُستهلك، ومستويات عالية من الدين جميعها تولّد انعدام الثقة في المُستثمرين والذي بدوره سوف ينعكس في انخفاضات حادة في سوق الأوراق المالية، وانخفاظ في أسعار الأصول وانهيار في الاقتصاد الحقيقي.

          وكغيرهِ من الخُبراء الاقتصاديين، ليس لدى روبيني حل حقيقي للأزمة الراهِنة، عدا مزيد من الضخ النقدي من البنوك المركزية لتفادي إنهيار آخر. ولكنهُ أعترف بصراحة بأن السياسة النقدية بمفردها سوف لن تكون كافية، بينما الأعمال التجارية والحكومات لا يُساعِدون. وقال أن الولايات المتحدة وأوروبا يُطبِقان برامج تقشُف لمحاولة إصلاح الاقتصاديات المَدِنة، في حين أنهُ يجب عليها إدخال مزيد من المُحفزات النقدية. ولم تكُن خواتِمه أكثر تفاؤلاً: “لقد أصاب كارل ماركس، بإمكان الرأسمالية أن تُدمر نفسها يوماً ما”. “لقد ضننا أن السوق بخير. إنها ليست كذلك.”

          إن شبح الماركسية لا يزال يُطارد البرجوازية مائة وثلاثون عاماً بعد دفن جثة ماركس في قبره. ولكن ما هي الماركسية؟ إن تناول جميع أوجه الماركسية بصورة جيدة في بحر مقال واحد هي مُهِمة مُستحِلة. ولهذا سوف نحصر أنفُسُنا في رواية عامة ومن ثم موجَزة على أمل أنها سوف تُشَجع القارئ على أن يقوم بقراءة كتابات ماركس بنفسه. لأنهُ في النهاية، لم يوضح أحداً قط أفكار ماركس أفضل من ماركس نفسه.

          بصفة عامة، يمكن تقسيم أفكاره إلى ثلاثة أجزاء مُتميزة وفي نفس الوقت مُتداخِلة – الذي أسماها لينين Lenin المصادر الثلاث والمُكونات الثلاث للماركسية. وهذهِ عموماً تقع تحت عناوين، الاقتصاد الماركسي، والمادية الجدلية، والمادية التاريخية. وتقف كلُ واحدة من هذهِ في علاقة جدلية مع الأخرى ولا يمكن فهما بِمَعزل عن بعضها البعض. وخيرُ ما نبدأ بهِ، الوثيقة التأسيسية لِحرَكتنا التي كُتِبَت قُبيل الثورات الأوروبية في عام 1848. أنهُ واحداً من أعظم الأعمال وأكثرها تأثيراً في التاريخ.

البيان الشيوعي

          إن الغالبية العُظمى من الكُتُب التي كُتِبَتْ مُنذُ قرن ونصف مضيا، هي اليوم مُجرد ذات اهتمام تاريخي. ولكن الشيء المُثير جداً حول البيان الشيوعي هو الطريقة التي توقع بها الظاهِرة الأساسية الأهم التي تُسيطر على انتباهُنا على مستوى العالَم في الوقت الراهن. إنهُ لأمرٌ غريب حقيقةً الاعتقاد أن كِتاباً كُتِبَ في عام 1847 بإمكانهِ تقديم صورة للعالَم في القرن الحادي والعشرون في غاية الوضوح والصدق. وفي الحقيقة إن كِتاب البيان الشيوعي أكثر صدقاً اليوم منهُ عندما ظهر أول مرة في 1848.

          دعونا نأخذ مثالاً واحداً. في الوقت الذي كان ماركس وأنجلز كانا يكتِبان، كان عالَم الشركات مُتعدِدة الجنسية الكبيرة لا زال ملهاءٌ غنائية لمُستقبل بعيد جداً. وبالرغم من هذا، قاما بشرح كيف ستقود حُرية التجارة وحُرية التنافس في النهاية إلى تَرَكُّز رأس المال واحتكار قوى الانتاج. إنهُ بِصراحة شيء مُضحِك أن تقرأ التصريحات التي كَتَبها المُدافعون عن السوق فيما يتعلق بالخطأ المزعوم لماركس حول هذهِ القضية، في حين إنها في الواقع كانت بالضبط إحدى أذكى وأدق تنبؤاتهِ.

          خلال ثمانينيات القرن الماضي أصبح رائجاً أن تزعم أن الصغير جميل. إن هذا ليس الموقع الذي تدخلُ من خِلاله إلى نِقاش يتعلق بالجماليات النسبية للحجم الكبير أو الصغير أو المُتوسط، الذي يحقُ لكل شخص أن يُشكل رأياً عنهُ. ولكنها حقيقة لا جِدال عليها تماماً أن عملية تَرَكُّز رأس المال الذي تنبأ بهِا ماركس قد حدثت، وتحدث، وقد وصلت بالفعل إلى مُستويات غير مسبوقة خلال السنوات العشر الماضية.

          وفي الولايات المتحدة حيثُ يمكن رؤية العملية على نحوٍ خاص في شكل واضح، ثروة 500 مؤسسة تُقدر نسبتها بـ 73.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2010. لو أن هذهِ ال 500 شَرِكة شَكَلَت دولة مُستقِلة، فستكون ثاني أكبر اقتصاد في العالَم، تأتي بعد الولايات المتحدة مُباشَرةً. في عام 2011، أوجدت ال 500 شَرِكة هذهِ رقماً قياسياً بلغ 824.5 مليار من الأرباح – قفزة 16 بالمائة من عام 2010. وعلى المقياس العالَمي، وتُقَدر إيرادات ال 2000 شَرِكة الأكبر بـ 32 ترليون دولار، و 2.4 ترليون دولار من الأرباح، و 138 ترليون دولار أصول و 38 ترليون دولار في القيمة السوقية، مع ارتفاع في الأرباح بلغ 67 في المائة بين عامي 2010 و 2011.

          حينما كتب ماركس وأنجلز البيان الشيوعي لم تَكُن هناك أدلة تجريبية أو اختبارية لمزاعِمهما. على النقيض من ذلك، كانت رأسمالية عصر ماركس تتأسس بشكل كامل على الاعمال التجارية الصغيرة، والمُنافَسة وحُرية السوق. إن اقتصاد العالَم الرأسمالي بَرُمَتِهِ تُسيطرُ عليه اليوم حَفْنة من الاحتكارات مُتعدِدة الجنسيات مثل شركة إكزون Exxon وشركة والمارت Walmart. إن هذين العملاقين يمتلكان أموالاً تتجاوز بكثير الميزانيات المحلية لِولايات كثيرة. لقد تم إدراك تَنبؤات البيان بوضوح وشمول حتى ماركس نفسهِ ما كان يحلم بهِ.

          ليس بوسع المُدافعين عن الرأسمالية أن يغفِروا لماركس وذلك بسبب أنهُ في ذلك الزمن عندما كانت الرأسمالية في عنفوان شبابِها استطاع أن يُدرِك أسباب شيخوختها. وعلى مدى عقود من الزمن عملوا جاهدين على إنكار تنبؤهِ بالعملية الحتمية لِتَرَكُّز رأس المال وقيام الشرِكات الاحتكارية الكبيرة بإزاحة الشرِكات الصغيرة.

          إن عملية تَركيز رأس المال وتَرَكُّزهِ بلغت حتى الآن نِسَب لا يحلم بها إنسان. إن كثرة الإستيلاء والسيطرة أخذ صِفة وباء في جميع الدول الصناعية المُتقدِمة. وفي حالات كثيرة مثَّل هذا الإستيلاء والسيطرة مُتصِلان بشكل وثيق بجميع أنواع المُمارسات المشبوهة – الاتجار بالأسهُم بُناءً على معلومات سِرية، تزييف أسعار الأسهُم، وأنواع اُخرى من الاحتيال، واختلاس ونصب، كما كشفت الفضيحة حول التلاعُب بسعر الفائدة في ليبور Libor (London Inter-bank Offered Rate) في بنك باركليز وبنوك كبيرة اُخرى. إن هذا التَرَكُّز لرأس المال لا يُشير إلى النمو في الانتاج، وإنما على العكس تماماً. وعلى أية حال، القصدُ ليس هو الاستثمار في مصانع وآلات جديدة وإنما إغلاق المصانع القائمة والفروع والتخلص من أعداد كبيرة من العُمال بقصد زيادة هامش الربح دون زيادة الانتاج. خُذ مثلاً الدمج الأخير لمصرفين سويسريين كبيرين تبع ذلك مُباشرةً خسارة 13,000 وظيفة.

اقرأ المزيد

الصعود التاريخي الجديد لليمين المتطرف في الغرب: إنه الاقتصاد مجدداً ودائماً

كنت في باريس خلال النصف الأول من شهر ديسمبر 2015 مشاركا في قمة باريس لتغير المناخ (30 نوفمبر-12 ديسمبر 2016). وقد أتاحت لي هذه المصادفة التاريخية أن أكون شاهدا على هول الصدمة التي أصابت أوساط النخبة الفرنسية الحاكمة ومحيطها إثر النجاح الكاسح الذي حققه حزب الجبهة الوطنية بزعامة مارين لوبان في الجولة الأولى من الانتخابات البلدية الفرنسية التي جرت الأحد الموافق للسادس من ديسمبر 2015، حيث فاز الحزب في 6 مناطق من أصل 13 بالدورة الأولى من انتخابات المناطق، جامعا نسبة أصوات قياسية بلغت نحو 30%. يومها أعلن الحزب الاشتراكي الحاكم في فرنسا انسحابه من منطقتين رئيسيتين على الأقل في الدورة الثانية التي أجريت يوم 13 ديسمبر 2015 لفتح الطريق أمام حزب اليمين الجمهوري للفوز بالمناطق السبع المتبقية تفضيلا على حزب الجبهة الوطنية اليميني، وهو ما حدث بالفعل.

في النمسا، تمكن زعيم حزب الحرية اليميني المتطرف نوربرت هوفر من الفوز في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي أُجريت أواخر شهر أبريل الماضي، بحصد 35.1% من الأصوات، لكنه خسر في الجولة الثانية التي أجريت في مايو الماضي بفارق ضئيل أمام زعيم حزب الخضر الاقتصادي ألكسندر فان در بيلين الذي فاز بنسبة 50.3% من أصوات الناخبين. لكن هوفر استطاع الحصول على أصوات 49.7% من أصوات الناخبين، أي أن مرشح حزب الخضر فاز بفارق ضئيل لا يتجاوز 0.6% من الأصوات. فكان أن طعن هوفر في نتيجة الانتخابات وقررت المحكمة العليا قبول الطعن وإعادة اجراء الانتخابات يوم 4 ديسمبر 2016 بحسب قرار البرلمان. علماً بأن الحزب يشغل حاليا 40 مقعدا في مجلس النواب النمساوي من اجمالي عدد مقاعد البرلمان البالغ 183 مقعداً، أي نسبة 21.8%.

في بلدان أخرى أوروبية أيضا تم تسجيل تقدم واضح لأحزاب أقصى اليمين باتجاه مواقع السلطة، سواء السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية. ففي الدانمارك تعتمد الحكومة على دعم “حزب الشعب الدانماركي القومي الذي يقف وراء التشريعات المتشددة ضد الهجرة الى أوروبا. فمع انه حل ثانيا في انتخابات يونيو 2015 بحصوله على 37 مقعداً  من اجمالي مقاعد البرلمان البالغ 175 مقعداً، خلف الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي حصل على 47 مقعدا، إلا أنه اختار عدم المشاركة في الحكومة التي يقودها الحزب الليبرالي، والاكتفاء بعلاقات التخادم المتبادل معها، حيث يتعاونان بشكل وثيق في معظم القضايا، ويتلقى الحزب بالمقابل الدعم في القضايا السياسية الرئيسية، خصوصا المتصلة بأهداف الحزب الرئيسية المتمثلة في حماية الحرية والتراث الثقافي للشعب الدانماركي، بما في ذلك قيم العائلة، والمَلَكية، والكنيسة الانجيلية اللوثرية الدانماركية، وإنفاذ القانون بصورة صارمة، ومقاومة تحويل المجتمع الدانماركي الى مجتمع متعدد الثقافات وذلك بالحد من الهجرة وتشجيع الاندماج الثقافي للمهاجرين الشرعيين، والمحافظة على مستوى الرفاه الاجتماعي، وتشجيع المبادرة الخاصة (Entrepreneurship)، وحماية البيئة والموارد الطبيعية.

في فنلندا التي تشكلت حكومتها الائتلافية التي تضم 14 وزيرا في مايو 2015، فإن زعيم “حزب الفنلنديين” الذي يحسبه الاعلام الغربي على أقص اليمين، “تيمو سويني- Timo Soini”، شغل فيها منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية المسؤول عن السياسة الخارجية والسياسة الأمنية والشؤون الخارجية العامة. علماً بأن “البند 93″ من الدستور الفنلندي المتعلق بـ”الاختصاصات المتعلقة بشؤون السياسة الخارجية” ينص على أن “السياسة الخارجية لفنلندا تُدار من قبل رئيس الجمهورية بالتعاون مع الحكومة([1])”.

في هنغاريا (المجر)، حلَّ حزب “جوبك” (Jobbik) القومي الراديكالي، في الانتخابات البرلمانية التي جرت في السادس من أبريل 2014، ثالثا بنسبة أصوات بلغت 20.54%. وهو حزب يصف نفسه بأنه حزب مبدئي، محافظ وحزب مسيحي وطني راديكالي هدفه الأساس حماية القيم والمصالح الهنغارية. في حين تصفه الأساط السياسية العلمانية بأنه حزب يجمع بين الوطنية الاثنية، شعبوي، مؤثر في العامة بخطاباته البلاغية، مناهض وناقد راديكالي للنخبة السياسية الحاكمة([2]).  كما يعتبر حزب “جوبك” نفسه في عداد زمرة الأحزاب الأوروبية القومية المناهضة للعولمة الرأسمالية وللتكامل الأوروبي العميق والصهيونية. وعوضا عن ذلك فإن الحزب يتبنى الأيديولوجية البانطورانية (Pan-Turanism)، وهي حركة ظهرت في القرن التاسع عشر للتعبير عن مكون ثقافي بلوره النفوذ العثماني في بعض أجزاء أوروبا الشرقية التي وصلت اليها أيدي الامبراطورية العثمانية، وذلك قبالة صعود “الغزو” الثقافي لما سمي حينها بـ”البانجيرمانيزم – Pan-Germanism” إنما يتسلح بها حزب “جوبك” لمقاربة النظرة القومية الروسية “الأورآسيوية”. ولكن الاعلام الغربي لا يعترف بذلك، فهو يخلع على الحزب أقذع الأوصاف، فهو تارة فاشي وأخرى فاشي جديد وثالثة نازي جديد ورابعة عنصري وخامسة معادي للسامية وسادسة معادي للصهيونية وسابعة بأنه مصاب بمرض الكراهية وبفوبيا الخوف من المثليين.

في ألمانيا التي تعتبر القاطرة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي ببلدانه الـ 27، حقق حزب البديل، وهو حزب آخر يميني متطرف ظهر مؤخرا على الساحة السياسية الألمانية، فوزا مفاجئاً في عدد من انتخابات الأقاليم الألمانية، حيث فاز في انتخابات ولاية مكلنبورج فوربومرن التي جرت الأحد 4 سبتمبر على منافسه الرئيسي الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تنتمي إليه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وهو ما اعتبره نائب زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا رالف شتجنر بأنه هزيمة مباشرة لميركل لأن الحزب فاز عليها في دائرتها الانتخابية، إذ حل حزب البديل ثانيا بنسبة 22% بعد الحزب الاشتراكي الديموقراطي الذي حصل على 30% من الأصوات. كما حل حزب البديل خامسا في انتخابات ولاية برلين التي جرت الأحد 18 سبتمبر 2016، حاصدا نسبة 14.1% من الأصوات، ما جعل الحزب يحظى بتمثيل في 10 مجالس برلمانية محلية من أصل 16 مجلسا، وهو الذي لم يتجاوز عمره الثلاث سنوات (تأسس في 6 فبراير 2013).

وهكذا وبعد عرض هذه الوقائع المنتقاة، فقد صار بوسعنا أن نطرح عددا من الأسئلة التي يفترض أن تفتح لنا بعض الآفاق المعرفية المتصلة بهذه الظاهرة المسماة في الاعلام الغربي، واسنتساخا منه في الاعلام العربي الرديف، صعود اليمين المتطرف الى مواقع السلطة في أوروبا. فهل هناك بالفعل خطر يتهدد الأنظمة السياسية الليبرالية المستقرة في بلدان أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945 من جانب أحزاب اليمين المتطرف؟ وهل هناك ظاهرة يمكننا تمييزها وموافقة الميديا الغربية على وجودها، وعلى اطلاقاتها التحذيرية من مغبة تكرار صعود النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا مطلع ثلاثينيات القرن العشرين الماضي؟

أم أن هذه المزاعم تندرج في إطار سياسية الإثارة والتهييج الاعلامي بدفع من ثقافة الفزعة، بغية تحويل هؤلاء المنافسين الجدد من أحزاب اليمين المتطرف الى بعبع لتخويف العوام منه وحصر نفوذه في “زوايا الحصص” التصويتية المقبولة من جانب أوساط الطبقة الحاكمة، والتي لا تؤثر على التيار العام للطبقة السياسة الحاكمة المتداوِلة والمتقاسمة للسلطات فيما بينها؟

وهل التصويب على هذه الأحزاب اليمينية يعد انحرافاً عن التصويب الذي كان استهدف الى أشهر قليلة خلت، أحزاب اليسار الراديكالي الجديدة التي سجلت حضورا قويا ومدويا في انتخابات اليونان مطلع العام الماضي التي فاز فيها حزب سيريزا اليساري، وهو الانتصار الذي وصفه حينها رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون بأنه “سوف يزيد القلق الاقتصادي في أوروبا([3])”، وانتخابات اسبانيا التي جرت في شهر يونيو الماضي وزاد فيها حزب “بوديموس” (الذي يصفه الاعلام الغربي بالحزب اليساري الراديكالي) وحلفاؤه، عدد مقاعدهم في البرلمان الى 71 مقعدا، وإيطاليا التي أصبح فيها حزب “حركة خمس نجوم” التي أسسها قبل سبع سنوات، الممثل الكوميدي بيبي جريلو والمحسوبة على اليسار الراديكالي الأوروبي([4])، القوة السياسية الثانية في برلمانها (EURONEWS، 20/6/2016،)؟ – أم أن التصويب سيتوازى ويتكامل معه في المرمى؟

من الواضح أن الطبقات اليمينية الحاكمة في أوروبا، لا تريد “الغرباء الفضوليين” من الأحزاب الشعبية (التي بالمناسبة يوصمونها بالشعبوية)، سواء أكانت يمينية أو يسارية. يوم السبت 24 سبتمبر 2016، أعاد أعضاء حزب العمال البريطاني المجتمعين في مدينة ليفربول، انتخاب جيريمي كوربن رئيسا للحزب، وكانت أوساط الطبقة السياسية التقليدية الحاكمة في بريطانيا (حزب المحافظين والجناح “البليري”، الموالي لتوني بليز داخل حزب العمال) وآلتها الاعلامية الضاربة، قد شنت هجوماً سياسياً وشخصياً ونفسياً ضد كوربين من أجل دفع أعضاء الحزب لإقالته. وتم تحريض أعضاء الحزب في البرلمان الذين يشكلون حكومة الظل، للتمرد عليه والمطالبة باستقالته. فهل كوربين أيضا من اليمين المتطرف؟ إنه يساري، يقول صراحةً بأنه سيطبق سياسات اقتصادية واجتماعية لا ترضى عنها الطبقة السياسية التقليدية، ولا امتداداتها في قطاعات المال والأعمال التي تعبر عن مصالحها.

ولو دققنا قليلا في معطيات التغطيات الاعلامية الواسعة لما يسمى بظاهرة صعود اليمين المتطرف، وفحصنا “مؤشراتها” الكمية والنوعية، لوجدنا تهويلا غير متناسق وغير متناسب مع نتائج هذه القياسات. ففي ألمانيا لازال حزب “البديل” بعيدا كل البعد، برغم المؤشرات الكمية لحضوره الانتخابي، عن تهديد المواقع “الحصينة” للحزبين المحتكرين لمؤسسات السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والاعلامية: الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي. وما حدث من “اجتياح” حزب البديل لبعض مواقع الحزب المسيحي الديمقراطي، لا يعدو أن يكون ردة فعل عقابية من جانب قطاع واسع من كتلة قوة العمل الألمانية ضد سياسة أنجيلا ميركل وحزبها الخاصة بالهجرة، والتي سمحت لملايين اللاجئين بدخول ألمانيا ومزاحمة شغيلتها التي يعاني قسم منها من البطالة التي بلغت 4.2% في شهر يونيه 2016 ([5])، ومعدل نمو بلغ 1.7% في عام 2015 و1.5% في عام 2014 و0.1% في عام 2013([6]).  في الدول الأخرى التي أتينا على ذكرها ومنها النمسا وإيطاليا وفرنسا، سنجد أن  معدل البطالة فيها قد بلغ في شهر أبريل 2015  5.7%، و12%، 10.5% على التوالي ([7]).

ولو وضعنا هذه المعدلات العالية في كل من إيطاليا وفرنسا والمتوسطة في النمسا للبطالة قبالة معدلات نموها السكاني السنوي، ومعدلات النمو السنوي لإجمالي نواتجها المحلية، سنجد أن معدل النمو السكاني كانت نسبته في فرنسا 0.39% (2015)، و 0.49% في إيطاليا (2014)، و 0.67% في النمسا (2015)، و 0.32% في عام  2015 في المانيا([8]).

أما النمو السنوي لإجمالي نواتجها المحلية فكان على النحو التالي: في النمسا 0.88% في عام 2015 و0.35% في عام 2014، ومن غير المتوقع أن يتجاوز هذا العام نسبة 1.24% ([9]). وفي إيطاليا كان سلبيا في عام 2013 بنسبة 1.75%، وسلبيا أيضا في عام 2014 بنسبة 0.34%،  وإيجابيا في عام 2015 بنسبة 0.76%، وعلى أن يبقى أقل من 1% (0.95%) في نهاية العام الجاري([10]). وفي فرنسا، فقد كان نمو اجماليها في عام 2015  1.14% مرتفعا من أقل من ربع واحد في المائة (0.18%) في عام 2014، وعلى أن يبقى بنفس المعدل نهاية هذا العام([11]).

وكما هو ملاحظ، فإن البلدان التي فشلت حتى الآن في الخروج من دوامة الأزمة المالية العالمية لعام 2008، مثل فرنسا وإيطاليا (برغم معدلات بطالتها العالية ومعدلات نموها المتواضعة)، هي الأكثر “انكشافا” على المد السياسي الراديكالي، سواء بالجنوح يميناً أو يساراً. ومع ذلك تستطيع هذه الدول أن “تتعايش” وتتكيف مع معدلات نمو منخفضة لإجمالي الناتج، وهي تفعل ذلك على أية حال منذ عقد ثمانينيات القرن الماضي باستخدام أدوات السياستين النقدية والمالية، بفضل معدلات نموها السكاني الأخفض من معدلات نمو نواتجها المحلية. وهي أو بصورة أدق أحزابها الحاكمة، تقوم مع كل اقتراب للاستحقاقات الانتخابية برفع درجة الإحماء الاقتصادي لخلق رواج مصطنع في الدورة الاقتصادية، رغم الأضرار التي يخلفها عادة مثل هذا الاحماء “الفائض” على الحسابات القومية للدولة، لاسيما سقف الدين العام وعجز الموازنة.  لماذا؟ لأنها أصلا مقيدة بالسقوف العالية لمديونيتها العامة. فرنسا على سبيل المثال مقيدة بدين عام يبلغ حوالي 2.140 تريليون يورو مقابل اجمالي ناتجها المحلي البالغ حوالي 2.229 تريليون يورو، أي أن اجمالي دينها العام يشكل 96% من اجمالي ناتجها([12]). أما إيطاليا فهي في وضع لا تحسد عليه اطلاقا، ذلك أن اجمالي دينها العام البالغ 2.196 تريليون يورو يتخطى بكثير اجمالي ناتجها المحلي البالغ 1.550 تريليون يورو، أي أنه يشكل 141.69% من الاجمالي، تدفع عليه إيطاليا فائدة سنوية تبلغ حوالي 84 مليار و469 مليون يورو([13]) حتى ألمانيا التي تعتبر في وضع اقتصادي أفضل قياسا لبقية الدول الأخرى المحورية في الاتحاد الأوروبي، حيث يتخطى ناتجها المحلي البالغ 2.851 تريليون يورو إجمالي دينها العام البالغ 2.117 تريليون يورو، أي بنسبة 74.28% من الاجمالي، تبلغ فائدته السنوية حوالي 49.350 مليار يورو([14]) مضافٌ اليها معدل النمو السكاني المنخفض للغاية كما هو مشار اليه أعلاه. حتى ألمانيا التي لديها مساحة أكبر للمناورة الاقتصادية، استنادا الى هذه المؤشرات “التفضيلية”، فإنها طمعت في رفع سقف اجمالي قوتها العاملة لمواجهة أزمة شيخوختها السكانية (Aging population) الناجمة عن المستوى المتدني لمعدل نموها السكاني السنوي، وذلك بفتحها الباب على مصراعيه لتدفق أكثر من مليون لاجىء (سوري أساساً) على أراضيها واستثمارهم في تثوير دورة النمو برفع طاقة الطلب الكلي على السلع والخدمات. فكان أن استدعى هذا الضغط الهائل والمفاجىء على سوق العمل والمرافق العامة في ألمانيا، سخطاً شعبياً سرعان ما تلقفته أحزاب التغيير الراديكالي من اليمين واليسار على حد سواء، خصوصا وأن هذه تعتبر بضاعة رائجة وبديعة للتسويق السياسي قبالة عداء شرائح واسعة من الطبقات الفقيرة والمتوسطة لأحزب المؤسسة الطبقية الضخمة الحاكمة.

بهذا المعنى يمكننا الزعم بأنه لا يوجد تهديد حقيقي للمواقع “الحصينة” لأحزاب ما يسمى “يمين الوسط” الحاكمة في البلدان الأوروبية سالفة الذكر من جانب أحزاب اليمين المتطرف، بقدر ما هنالك تهويل متعمد من جانب ماكينتها الدعائية لوقف زحف القوى الناقمة على “المؤسسة” الضخمة الحاكمة، سواء من اليمين أو اليسار الراديكاليين، والإبقاء على “استاتيكية”: الحالة السياسية الجارية “Status qua”، أي ابقاء مواقع القوى السياسية وامتيازاتها دون تغيير لإطالة أمد بقائها واستمرارها في السلطة.

*ورقة عمل كُتبت خصيصا لورشة “صعود اليمين المتطرف في الغرب” التي نظمها مركز دبي للسياسات العامة (بحوث) في 16/9/2016

([1]) القسم 93 من الدستور الفنلندي، النص بالانجليزية: The foreign policy of Finland is directed by the President of the Republic in cooperation with the Government. انظر الرابطhttp://www.finlex.fi/fi/laki/kaannokset/1999/en19990731.pdf

([2]) راجع موقع الحومة الهنغارية على الانترنت: http://www.kormany.hu/en

([3]) محطة بي بي سي العربية، 26 يناير 2015. الرابط: www.bbc.com/arabic/worldnews/2015/01/150125_greece_elections_results

([4]) يورو نيوز العربية، 20 يونيو 205. الرابط: arabic.euronews.com. the-birth-and-growth-of-italy-s-five-star-movement

([5]) راجع:  مكتب يورستات للاحصاءات العمالية: Eurostat, Bureau of Labor Statistics، الرابط:  https://www.google.com.bh/#q=unemployment+in+germany

([6]) انظر: البنك الدولي. الرابط:   http://data.worldbank.org/indicator/NY.GDP.MKTP.KD.ZG. وصحيفة وول ستريت جورنال (WSJ)، 15 يناير 2015 عبر الرابط: http://www.wsj.com/articles/german-economic-growth-accelerates-in-2014-1421313682

([7]) راجع: مكتب يوروستات للاحصاءات العمالية واحصاءات البنك الدولي. انظر الرابط: https://www.google.co.uk/?gws_rd=ssl#q=austria+unemployment+rate&stick=H4sIAAAAAAAAAOPgUWLXz9U3yDCv0DLMTrbSz8lPTizJzM_TLy4B0sUlmcmJOfFFqelAIavSvNTcgpz8ytzUvJL4osSS1C5GGy6YdiFytNtycYC0G5uYZpCl346LE6TfMtm83IAMAwDfPKO9_gAAAA.

([8]) مصادر عدة، يمكن مراجعة: https://en.wikipedia.org/wiki/List_of_European_countries_by_population.

([9]) انظر: https://www.statista.com/statistics/375293/gross-domestic-product-gdp-growth-rate-in-austria/

([10]) راجع: https://www.statista.com/statistics/263606/gross-domestic-product-gdp-growth-rate-in-italy

([11]) انظر: https://www.statista.com/statistics/263604/gross-domestic-product-gdp-growth-rate-in-france/

([12]) راجع: موقع:  National Debt Clocks.Org، عبر الرابط:  http://www.debtclocks.eu/public-debt-and-budget-deficit-of-france.html

([13]) راجع: موقع:  National Debt Clocks.Org، عبر الرابط:  http://www.debtclocks.eu/public-debt-and-budget-deficit-of-france.html

([14]) المصدر السابق.

اقرأ المزيد

بلدنا ليست بوابة للتطبيع

انشغل الرأي العام في البحرين، وبمختلف أطيافه، بأمر الزيارة المريبة التي قام بها وفد من الصهاينة الأمريكان، الذين قدّموا أنفسهم كرجال أعمال، فيما اتضح أنهم يمثلون جماعة صهيونية متطرفة مرتبطة بإسرائيل، اصطحبوا معهم فرقة موسيقية، يسرت لها فرصة العزف وتقديم أغان مسيئة للحق الفلسطيني والعربي في القدس وفي فلسطين، لا في مجلس من استقبلوا الوفد من تجار البحرين فحسب، وإنما في قلب العاصمة، في باب البحرين بالمنامة.

رغم مساعي بعض الأصوات القليلة النشاز الخارجة عن الاجماع الوطني البحريني لتبرئة هذه الزيارة من مغزاها السياسي، وتصويرها كما لوكانت زيارة عمل لمستثمرين أمريكان صادف أنهم يهود، فإن  الوجدان الوطني للشعب البحريني سرعان ما كشف عن الشبهات الكثيرة المحيطة بهذه الزيارة، خاصة بعد الاحتفاء الذي أظهرته التلفزة الإسرائيلية بها، وتداعى البحرينيون، من شتى المشارب، لإدانة الزيارة ومراميها طالبين كشف الحقيقة حولها، بل أن أصحاب المجلس الذي استضاف الوفد قدموا اعتذارهم للبحرينيين، موضحين أنهم لم يكونوا على معرفة بمرامي الوفد.

جمعيات التيار الوطني الديمقراطي: المنبر التقدمي، وعد والتجمع القومي أدانت الزيارة في بيانٍ لها بهذا الخصوص، حيت فيه وقفة شعب البحرين، مؤكدة على رفضها واستنكارها لأي محاولة ترمي لاختراق موقف سشعب البحرين الرافض لأي تطبيع مع العدو الصهيوني المستمر في احتلاله للأراضي العربية، وإقامة المستوطنات على أراضي فلسطين والحيلولة دون قيام الدولة الوطنية الفلسطينية المستقلة.

كما طالبت جمعيات التيار الديمقراطي بكشف دور أي جهة رسمية سهلت هذه الزيارة، ودعت إلى مواقف شعبية دائمة وداعمة للقضية الفلسطينية ومناهضة لكافة أشكال التطبيع، وهو ما أظهرته الفعاليات البحرينية في مختلف المناطق، إن على شكل بيانات أو عرائض شعبية أو ندوات، وكافة صور الاحتجاج على ما جرى، وذلك لتوجيه رسالة واضحة للقاصي والداني مفادها أن البحرين لن تكون بوابة للتطبيع.

اقرأ المزيد

اللقاء اليساري العربي ينعي المطران كبوجي

اللقاء اليساري العربي ينعي المطران كبوجي:

رحل وقلبه في فلسطين وعليها

 

بعد سنوات وسنوات من المنفى بعيدا عن فلسطين، التي ترك فيها قلبه وروحه، عاد المطران هيلاريون كبوجي إلى واجهة الأحداث مع بدايات هذا العام ليذكر العالم بقضية شعبه ووطنه التي ضحى بكل شيء في سبيلها.

كان في طليعة المقاومين من أجل تحرير فلسطين واستعادة وحدة أرضها ووحدة عاصمتها القدس، التي قاد صمود أهلها وساهم في انطلاقة مقاومتهم. لذا كان حقد الصهاينة عليه كبيرا. وضعوه لسنوات عدة في زنزانة ضيقة داخل سجن الرملة، وأنزلوا به شتى أنواع التعذيب. كسروا الجسد ظنا منهم أنهم سيستولون على روح المقاومة، إلا أنه لم يهن ولم يتراجع لا عن حبه لفلسطين ولا عن دعواته المتكررة لمقاومة المحتلين… لذا، حكموا عليه بالموت نفيا بعيدا عن وطنه وشعبه.

من عاصر المطران هيلاريون كبوجي لا يمكن له أن ينسى هذا القائد الكبير الذي نذر حياته للقضية الفلسطينية، فألهم الكثيرين، وهذا المقاوم الصامد الذي أبى، رغم المرض،  إلا أن يكون في عداد القادمين إلى غزة على متن “أسطول الحرية” في العامين 2009 و2010.

رحل وقلبه في فلسطين وعليها.

ستبقى صورته في قلوب أبناء فلسطين وكل الشعوب العربية. وسيبقى ملهما لنا في مقاومتنا من أجل تحرير الأرض العربية، والخلاص من التبعية والاستغلال، وبناء المجتمع العربي الديمقراطي.

اللقاء اليساري العربي

                                                                                                      لجنة التنسيق

في الثاني من ديسمبر / كانون الثاني 2017

اقرأ المزيد