المنشور

الحديث عن عجز إكتواري غير دقيق #ارفعوا_أيديكم_عن_التأمينات

د.حسن الماضي

لقد كثر الحوار والنقاش في وضعية صناديق التامينات في البحرين منذ أكثر من تسع سنوات حتى ايام قريبة. فاجئت الحكومه المواطنين ومجلس النواب بمشروع بقانون بصفة مستعجلة للقيام ببعض التغيرات في القانون الحالي يعطي مجلس إدارة الهيئة صلاحيات التشريع واصدار قوانين تمس حقوق المتقاعدين ومزاياهم، كما تسمح لمجلس الإداره تحديد المدد اللازمة لبلوغ سن التقاعد.

وقف المواطنون البحرينيون ضد هذا المشروع، وطالبوا جلالة المللك بالتدخل لوقفه، خاصة بعد أن رفضه أيضاً مجلس النواب بالإجماع، وأقرّه مجلس الشورى بالأغلبية. وهنا لابد  لنا من وقفة شكر وتقدير للمقام السامي لجلالة الملك المفدى الذي أمر بإعادة القانون لاعطائه مزيداً من الدراسة والبحث بصورة متأنية لما له من تاثير مباشر على كافة أفراد المجتمع.

لقد أطلق بعض المسؤولين في الهيئة العامة للتقاعد، بعض المصلطحات كالعجز الاكتواري، أو تعادل الاشتراكات والمدفوعات، أو أن نقص الاشتركات على المدفوعات قد يفلس صناديق التقاعد ويستنزف الإحتياطي الذي ادخره العمال طول فترة عملهم وكدهم.

لكن الحقيقة فإن هذه التصريحات ليست دقيقة بشكلٍ كافٍ، وتحتاج بعض التحليل، عما إذا كانت أسباب عجز أو افلاس الصناديق التقاعدية بسبب نقص الاشتراكات او صرف المزايا التقاعدية، أو تحسينها، كما جاء في قانون رقم ٣ لعام ٢٠٠٨ . الذي تعتزم الحكومة تعديله بحجة ادامة عمر الصناديق، أو عبر زيادة الاشتراكات أو اطالة عمر المدة المطلوبة للتقاعد، أو تقليل المزايا .

ولو بحثنا في المعلومات الموجودة والمعلنة للهيئة سنكتشف بأن أسباب تعرض الصناديق للعجز أو الإفلاس ليست الاشتراكات او المزايا. .. فبحسب تلك المعلومات، يتضح، احصائيا، بأن متوسط فترة اشتراك المؤمن عليه هي حوالي ٣٠ عام، بينما التقاعد المبكر بعد ٢٠ عام أو المدة الكاملة ٤٠ عام للتقاعد الكامل. يراكم خلالها العامل ما متوسطه راتب تقاعدي بالمزايا الحاليه لمدة ٩ سنوات و٧ اشهر. بينما متوسط حياة العامل بعد بلوغه سن التقاعد الطبيعي هي ١٥ سنة (معدل العمر في البحرين 75 عام).

أي أن هناك عجز في تغطية المدة بين ما ادخره طول فترة عملة وفترة بقاءه، بعد التقاعد بمدة ٥ سنوات و٣ شهور، والمفترض تغطية هذا العجز عن طريق استثمار مداخراته طوال ال ثلاثين عام حتى تقاعده بمتوسط ٦ في المائة ليغطى معاشات تقاعديه. ل ٦ سنوات وبضعة شهور  تقريبا..هذا هو الوضع الطبيعي والمثالي، ولكن بالنظر إلى وضع الصناديق التقاعدية نفاجىْ بأن الوضع مختلف.

حيث انه وبحسب القوائم المالية المعلنة والمنشورة على موقع الهيئة يتضح أن هناك عيب واخفاق واضح في عوائد الاستثمارات مقارنة بما هو متوقع أو حاصل في سوق المال أو العقار ، فمنذ العام ٢٠١٠ حتى ٢٠١٦ كانت عوائد االاستثمارات تتراوح بين ٣ ٪ وأقل، وهو أمر معاكس لعوائد الاستثمار في السوق التى قد تصل إلى١٤٪ في نفس المجال، أو حتى ما تحققه الشركات الزميلة التى تشارك فيها الصناديق، والتى تصل في بعض الشركات الي نسبة ٩ ٪ .  تتآكل أمام الخسائر التى يتكبدها الفريق الاستثماري باستثماراته المباشرة، علماً  بأن حجم الحقيبة الاستثمارية يصل إلى ٣.٥ مليار دينار بحريني، موزعة بين ودائع وسيوله لدى البنوك المحلية تصل إلى حوالي ٩٠٠ مليون دينار بحريني لا تحقق عائداً أعلى من ١.٥ ٪ سنويا. و مجموع عقار يساوى ٢٩٠ مليون دينار تحقق عائد ١.٢ ٪ مقابل معدل السوق الذي يتراوح بين ٨٪ و ١٠٪ ..

يدلل ذلك  على أن هناك خللاً في استراتجية الاستثمار، أو في كفاءات الفريق الذي انفصل بحكم القانون وشكل شركتين مستقلتين للادارة وهما شركتا  “أصول” و”عقارات التقاعد”،  مضخما التكلفة التشغيلية بنسبة 250% خلال الثمان سنوات الأخيرة. والتى كان المفروض زيادة العائد مقابل زيادة التكلفة، وللاسف حصل العكس.

هذا من جهة. ومن جهة أخرى تضاءلت حصة اشتراكات القطاع الخاص من قبل حصة أصحاب العمل بنسبة ٦٪  منذ العام ١٩٦٨ مخلفة نقصاً يبلغ ١٠٢ مليون سنويا، أي يفوق ما أظهرته القوائم بعجز بين الاشتراكات والمدفوعات بنسبة٤٠٪ .

ودون الدخول في تفاصيل أكثر، أو الرجوع إلى تقارير لجان التحقيق البرلمانية، يتضح لنا جلياً، بأن ما وصل إليه حال صناديق التقاعد لا يلزم التعديل في القانون أو تخفيض المزايا. إنما العمل على لب وجوهر السبب، ألا وهو إداراة الاستثمارات والعمل على تصحيح ما أخفقت فية في الفترة الماضيهة، كما يجب تصحيح نسبة اشتراكات اصحاب العمل للتساوي، لتصل إلى  ١٥ ٪ كما هي في صندوق التقاعد الحكومي.

نخلص إلى أن الوضع صعب ومعقد، لكن التغلب على تلك الصعوبات ليس مستحيلاً.

نشرة التقدمي لشهر يوليو 2018.

 

اقرأ المزيد

خطة انقاذ التأمينات #ارفعوا_أيديكم_عن_التأمينات

يحيى المخرق

لاشك لدينا، بأن أوضاع التأمينات الاجتماعية في البحرين، تمرّ بمنعطف خطير، ومن الواجب الالتفات جيدً، وجدياً، لهذه القضية المصيرية التي تؤثر على شريحة واسعة جدا من المواطنين ويجدر ذكر العدد الكبير من الفعاليات التي نظمناها في المنبر التقدمي على مدار 14 عاما وأكثر من أجل إصلاح التأمينات الأجتماعية.

وهنا نقول إننا متفقون على أن التأمينات بحاجة الى إصلاح، بل نحن أكثر من طالب بأصلاحها ولكن إصلاح أي خلل يتطلب دراسة معمقة لأسباب الخلل ثم اقتراح الحلول الممكنة ودراستها مع أصحاب الشأن، وهم دافعو الأشتراكات والمستفيدين، أي العمال وأصحاب العمل، سواء كانوا من القطاع الخاص ، أوالحكومة بصفتها رب عمل.

والمشكلة الأساسية في التأمينات الاجتماعية، (ولا نناقش هنا الأسباب)، هي مسألة العجز الأكتواري، فماذا يعني هذا المصطلح، الذي أصبح رائجاً منذ سنوات عندنا؟

ينقسم المصطلح إلى قسمين؛ الأول هو “العجز”، وهو يعني زيادة ميزان المدفوعات على المدخول أو بمعنى أبسط زيادة المصاريف على المدخول. أما القسم الثاني: “الإكتواري”، أو العلم الإكتواري،  فهو نظام يقوم على تقييم المخاطر المالية في مجالات التأمين والتمويل باستخدام الأساليب الرياضية والإحصائية، ويطبق العلم الإكتواري رياضيات الإحتمالات والإحصائيات لتحديد وتحليل الآثار المالية للأحداث المستقبلية غير المؤكدة. وبمعنى أبسط فإن العمل الاكتواري يتوقع النتائج المالية المستقبلية على مدى بعيد.

أما “العجز الأكتواري” فيعني أن عدم القدرة على تغطية المصاريف المستقبلية من المدفوعات الحالية التي يتم جمعها لدفعها في المستقبل.

هذا وبعد تحديد وفهم المشكلة، ومن موقع المتابعة لملف التأمينات الأجتماعية يمكن إختصار أسباب العجز الإكتواري في التالي:

  • سوء ادارة الإستثمار من قبل مجلس الإدارة والادارة التنفيذية.

  • تبديد اموال التأمينات عن طريق شطب الديون بشكل كامل، والتصرف في أموال لا صلاحية لهم فيها –  مثلا دفع مكافأة سنوية للموظفين “بونس”.

  • استثناء العمالة المهاجرة من دفع اشتراكاتها.

  • عدم دفع الحكومة للإشتراكات المطلوبة عن العمالة المهاجرة التي تعمل لديها.

  • تشريع التقاعد المبكر والحث عليه، وفرضه في بعض الشركات المملوكة للحكومة

  • زيادة المنافع دون تمويلها او ايجاد سبل للتمويل.

ولو نظرنا للقاعدة القانونية التي تقدم الحقوق العمالية على بقية الديون، فإن أموال التأمينات الاجتماعية يجب أن تقدّم ولا تعدم، ويعمل على استرجاعها. وبناء على عناوين وأوجه الأزمة التي أشرنا إليها أعلاه، نقترح الحلول التالية:

  • التشريع للجنة ثلاثية يمثل فيها العمال وغرفة التجارة والحكومة ذات صلاحيات قضائية – على غرار اللجنة الوزارية للتعامل مع الإستثمارات العقارية المتعثرة ذات الصلاحيات القضائية ، للعمل على تحصيل أموال التأمينات المهدرة والمنهوبة.

  • العمل على اصلاح فوري وجدي لإدارة الإستثمار ليوفر عائداً مجدياً من خلال مشاريع تنتج وظائف للبحرينين، بالإضافة الى العائد.

  • إصلاح التشكيل الأعور لمجلس ادارة التأمينات ووضع تشكيل ثلاثي متكافئ حسب مواصفات ومبادئ منظمة العمل الدولية.

  • وأيضا وضع وتطبيق قواعد الحوكمة والادارة الرشيدة من قبل مجلس الادارة.

  • إرجاع العمالة المهاجرة إلى مظلة التأمينات الاجتماعية، بما يحفظ لهم حقهم في مكافأة نهاية الخدمة، وينهي التمييز الحاصل حالياً، ويساعد في دعم ميزانية التأمينات من خلال عوائد الاستثمار من هذه الأموال.

  • الزام الحكومة بدفع اشتراكات موظفيها من العمالة المهاجرة.

  • وضع قواعد أكثر صرامة للتقاعد المبكر، ومعالجة أسباب الإقبال عليه ومنع الشركات الكبرى من الترويج لبرامج التقاعد المبكر بل ومعاقبتها عليه.

الحلول أعلاه، في تقديرنا، لو طبّقت بشكل أمين ستحل جزءاً كبيراً من العجز الاكتواري وبعد انجازها يتوجب اجراء دراسة مفصل ومعمقة لمكامن الخلل وعلاجها.

يبقى أن نقول إن على الشارع البحريني وقوى المجتمع المدني الفاعلة مواصلة الضغط على الجهات المعنية، لضمان عدم الإلتفاف على نتائج سحب القانون وتقديم رؤية بديلة، لا بد لها، لكي تكون جادة وفعّالة، أن تشمل الحلول المذكورة للحفاظ على مكتسبات العمال والمتقاعدين والمستفيدين.

نشرة التقدمي لشهر يوليو 2018.

اقرأ المزيد

التأمينات الاجتماعية.. بوحدتنا ننتصر #ارفعوا_أيديكم_عن_التأمينات

لن نحتاج للكثير من المبررات والشرح لفهم مسببات ردات الفعل الشعبية الرافضة لمشروع اصلاح نظام التقاعد في البحرين، والذي اقترحته الحكومة مؤخرا، والذي بسببه اعيدت قضية أوضاع التأمينات وصناديق التقاعد للواجهة، ربما هذه المرة بشكل اقوى، نظرا للمخاوف  الحقيقية التي استنفرت مشاعر الناس ومخاوفهم في ظل الهجمة الشرسة على العديد من المكتسبات والتي يقف خلفها بكل تأكيد نهج الحكومة المساير بلا هوادة وترو لتوصيات صندوق النقد الدولي ودون تحسب لحجم الارتدادات الشعبية المنتظرة، خاصة بعد ان تقدمت الحكومة بمشروع التعديلات هذا في الوقت الضائع من عمر الفصل التشريعي الرابع داعية السلطة التشريعية لتمريره بطريق الاستعجال دون مبررات موضوعية، وهي التي كان لديها كل الوقت لرفع تلك التعديلات باكرا وحتى تمريرها، لكنها لم تفعل.

 وهذا يظهر تحسب الحكومة تحديدا لردات الفعل المنتظرة فيما لو أعطي المشروع الوقت الكافي لدراسته بتأنٍ، وهي التي لم تتعود ولم تُعودنا على الشفافية والمكاشفة حول أوضاع التأمينات على وجه التحديد، ويكفينا أن نفهم مغزى صمتها  الطويل عن إجراء الإصلاحات المنشودة، على الأقل منذ اقرارها أمام مجلس النواب منذ العام 2004 بكل ما ورد في تقرير لجنة التحقيق البرلمانية الشهير من توصيات ومعالجات مهمة.

جوانب عديدة تجدر ملاحظتها والتأكيد على اهميتها في تداعيات هذه القضية الهامة جدا، انطلاقاً من الرفض الشعبي الحاسم ومن مختلف الشرائح والفئات والتي توحدت ربما للمرة الأولى منذ فترة ليست بالقصيرة دفاعا عن مصالحها المباشرة، ما يظهر الحيوية المطلوبة شعبيا والتي قادتها قوى سياسية ومجتمعية، كان المنبر التقدمي في طليعتها مع قوى وشخصيات ونخب ومؤسسات المجتمع المدني توّحدت جهودها في الوقوف بصلابة لتقول كلمتها بكل قوة وصدق مبدية مخاوفها الحقيقية، والتي للأسف لم تتلق تفهما في البداية من جانب الحكومة، وكذلك من مجلس  الشورى المعين، الذي لم يكتف بعض أعضاءه بتمرير المشروع، بل بالغوا في الاساءة للناس مظهرين موقفاً سيظل ملازماً ومسيئاً لدورهم المنتظر منهم ولن ينسى من ذاكرة الناس بسهولة بكل تأكيد، كما أن عليهم أن يفهموا جيداً أن نظرتنا واصرارنا على اهمية ايجاد نظام تقاعدي عادل وشفاف ومستقر، تتجاوز بكل تأكيد المفهوم الضيق لدى  البعض منهم حول مسألة المناكفة السياسية والتهويل والمبالغة.

إن ما تحقق من اجماع شعبي رافض لتمرير المشروع بتفاصيله وبالكيفية التي رفعته الحكومة للسلطة التشريعية، يمكن البناء عليه للمستقبل في مناقشة العديد من قضايانا الحيوية والحساسة خاصة تلك التي تلامس المصالح المباشرة للناس والوطن، وما اكثرها، وهو درس علينا جميعا أن نستخلص منه العبرة،  في ظل ما هو متاح من متغيرات وتحولات، فلا يكفي من وجهة نظري ان يكون لنا موقف مسبق من قدرة أو عدم قدرة السلطة التشريعية على الإنجاز والفعل، بل يجب أن نعطي أهمية معتبرة للرقابة الشعبية ودور المؤسسات والنخب ومؤسسات الضغط، حتى في أشد حالاتها انتقاصا، كما هو حاصل الآن.

 وبحكم معايشتي للحياة البرلمانية في فترة مهمة من تاريخ هذا الوطن استطيع ان أقول بوضوح وصدق أن قوة  الموقف الشعبي أو ضعفه تنعكس بشكل أو بآخر على واقع الأداء البرلماني للمجلس والنائب ايضا، فكلما كان الموقف الشعبي والأهلي متابعا متيقظا ومتفاعلا فإنه حتما سينعكس على نوعية وجودة الأداء النيابي، والعكس صحيح أيضاً، وأنا هنا لا أغفل أبداً حجم الصلاحيات المنتقصة، والقيود على المجلس المنتخب، ولديّ الكثير من الأمثلة التي يمكن أن ادلل بها على ما أقول، ولا تتسع  المساحة هنا  لذكرها بكل أسف.

لقد جاءت استجابة ملك البلاد لمناشدات القوى السياسية والأهلية تعبيراً عما ذهبنا إليه من ضرورة التيقظ جيداً لما يطرح من مشاريع في ظل الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة التي نعيشها، حيث بادرت قوى المجتمع بشكل موحد للدفاع عن مصالح ومستقبل الأجيال للحفاظ على ما تحقق من مكتسبات، فمجرد دعوة رأس الدولة لضرورة اخضاع مشروع نظام التقاعد المقترح من الحكومة لمزيد من البحث والتقييم والأخذ بكل ما طرح من مخاوف ومرئيات واراء من قبل مؤسسات المجتمع وقواه ونخبه المعنية، يؤكد مجدداً الدور الحيوي الذي يمكن ان تلعبه  هذه القوى المجتمعية إذا ما توحدت واهتدت إلى أهمية وقيمة تشكل الاجماع الوطني دفاعا عن المكتسبات الوطنية أياً كانت تلك المكتسبات.

إننا بذلك نعطي قيمة أكبر للعمل الوطني الموحد والمؤطر للقوى المجتمعية دون مغالبة أو  ابتسار أو حتى انتقاص لأي جهد مخلص، الأمر الذي يعطي  المجتمع دفقا جديدا للمستقبل، لعل أهم تجلياته تبرز في تنامي وعي الناس بضرورة الدفاع بحضارية واستماتة عن مصالحهم، وبالتالي عليها أن تحسن الاختيار مستقبلاً لممثليها الحقيقيين للدفاع عن تلك المصالح في المجالس المنتخبة وفي الحياة العامة وداخل المؤسسات، وبذلك نستطيع أن نعزز من دور الرقابة الشعبية على المال العام  والثروات انطلاقا من الحرص على صياغة التشريعات وممارسة الرقابة بمسؤولية وشفافية لا زلنا نفتقدها بكل أسف لأسباب عديدة، متفهمين حجم الصعوبات والمعوقات  السياسية والتشريعية التي تنتظرنا، والتي علينا أن نمتلك الارادة والصبر لتغييرها نحو الأفضل انطلاقا من وحدتنا الوطنية التي هي أمضى أداة نمتلكها للتغيير نحو الأفضل.

إن إعادة بحث مشروع نظام التقاعد تعني أن المشروع لا زال مطروحاً، وسيعاد بحثه مجدداً، وعلينا ألا نكتفي بتعطيل او وقف المشروع مؤقتا، وأمامنا الوقت للتحضير لجولات اخرى قادمة من العمل الوطني المشترك في هذا الاتجاه، فمشروع اصلاح نظام التقاعد هو مطلب شعبي اساسا، ولكن دعونا نتوافق اولا حول أي اصلاح نريد وأي نظام تقاعدي يمكن ان نرتضي.

 فقد دأبنا لعقود على التحذير من وجوه عديدة من التجاوزات والفساد والتلاعب في أموال المشتركين والمتقاعدين لدى هيئة التأمين الاجتماعي، وطالبنا السلطة مراراً بعدم الإنفراد بقرارات غير مدروسة تمس مصالح الفئات الأوسع من المجتمع، والعمل على ادارة التأمينات الاجتماعية  بشكل مستقل يكفل إعادة ممثلي العمال لمجلس ادارة الهيئة دون ابطاء، واشراك العمالة الوافدة التي تمثل الجزء الأكبر من حجم العمالة في نظام التأمينات الاجتماعية، وعدم الاكتفاء فقط بمراعاة كبار التجار والشركات بل بالسواد الأعظم من المستفيدين من مظلة التأمينات الاجتماعية، وأن تدار مدخرات واستثمارات المواطنين على أسس مهنية واحترافية بعيدا عن تغول اي من السلطات، وبما يكفل ادارة الهيئة وتنمية اصولها واستثماراتها حفاظا على مظلة الأمان الاجتماعي في البلاد والتي دونها مخاطر لا يمكن القبول بالتلاعب فيها.

تلك، إذاً، احدى مهماتنا الوطنية التي تستحق منا جميعا الاستمرار على استكمالها بنجاح، فلتتحد كل الجهود دفاعا عن مصالح الناس ومستقبلهم.

نشرة التقدمي لشهر يوليو 2018.

اقرأ المزيد

لماذا نرفض وصفات صندوق النقد الدولي ؟ #ارفعوا_أيديكم_عن_التأمينات

يقدم صندوق النقد الدولي (ص.ن.د) والبنك الدولي (ب.د) نفسيهما رسميا كمؤسستين شقيقتين ضمن منظومة الأمم المتحدة، يعملان بتكامل من أجل رفع مستوى المعيشة في بلدانهما الأعضاء. يركز الصندوق على قضايا الاقتصاد الكلي بينما يركز البنك على التنمية الاقتصادية طويلة الأجل والحد من الفقر.

وعلى الأرض تختلف الوقائع. يقول بحث أجراه براين جونسون وبريت شيفير أنه بين عامي 1965 و1995 “أنقذ” ص.ن.د. 89 بلدا بفضل “توافق واشنطن”. لكنه حتى عام 2010 ظلت الحالة الاقتصادية الاجتماعية في 48 بلدا منها كما كانت تقريبا قبل “الإنقاذ”، وفي 32 بلدا ساءت الحالة أكثر. ولا مجال للحديث عن نجاعة تلك الحلول. إلى ذلك أشار جوزيف ستيجليتس، الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد إلى أن “توافق واشنطن” كان وراء الأزمة المالية في آسيا. وبصرخة ضمير اعترف ستيجليتس : “يجب أن تكون لكل بلد سياسة اقتصادية تراعي خصائصه. لا يمكن أن تكون هناك سياسة واحدة وعامة للإصلاح في كل البلدان. وشخصيا كنت واهما عندما رددت بإرادتي في بداية التسعينات ” الخصخصة، الخصخصة ومرة أخرى الخصخصة”.

نجد في مقابل ذلك أن بلدانا كالصين والهند وفيتنام التي لم تذعن لشروط  “توافق واشنطن” ورسمت لنفسها سياساتها التنموية الوطنية المستقلة تحقق وتائر متصاعدة في نموها الاقتصادي وثماره الاجتماعية. وقد استطاعت الصين أن تواجه “توافق واشنطن” بـ “توافق بكين” الذي أعلنه دين سياوبين متسلحا بسياسة اقتصادية جديدة “النيب” وبالنموذج الكنزي المعزز لدور الدولة في الاقتصاد.

ما هو “توافق واشنطن” الذي يضفون عليه القدسية، وما هي شروطه ؟

أدرج “توافق واشنطن” كمصطلح في نهاية ثمانينات القرن العشرين من قبل البروفيسور الأميركي جون وليامسون ومختصين من ص.ن.د. وهو يعود بجذوره إلى مؤتمر بريتون وودز والسياسة الريغانية ويشكل نقيضا لمذهب كينز، الداعي لتعزيز دور الدولة في الاقتصاد. وتم تقديمه كبرنامج بشكل توصيات للخروج من الأزمة الاقتصادية التي مرت بها بلدان أميركا اللاتينية، الغارقة في الديون للمصارف الأميركية. لكن ذلك ولَّد بؤسا كارثيا لشعوب هذه البلدان، فاحتجاجات واسعة وانفجارات اجتماعية. وكان هذا أول استعراض لنتائج “توافق واشنطن” على الأرض.

وفي سنوات التسعينات أُبتليت بـ “توافق واشنطن” بلدان أوروبا الشرقية والبلطيق. وبينما كان “الربيع العربي” ملتهبا كانت المؤسسات المالية الدولية تجهز برامج “توافق واشنطن” للدفع بها فيما بعد  إلى المغرب والأردن ومصر، كما العراق قبلا. ولعلنا نلمس الآن ما يعتمل في هذه البلدان من تدهور اقتصادي واحتجاج اجتماعي نتيجة تطبيق هذه الوصفات.

يحتوي “توافق واشنطن” على وصفات عشر : التمسك بالانضباط المالي (تقليص عجز ميزانية الدولة)، أولوية الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية في إنفاق الدولة، خفض معدلات الضرائب، تحرير أسواق المال، سعر صرف حر للعملة الوطنية، تحرير التجارة الخارجية (خفض الرسوم الجمركية على الواردات)، خفض المحددات أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة، الخصخصة، عدم توجيه الاقتصاد، حماية الملكية الخاصة. وبالمعنى الأوسع يستخدم مصطلح “توافق واشنطن” لتشخيص عدد من الإجراءات ( ليست بالضرورة من بين المدرجة أعلاه)، الموجهة لتعزيز دور قوى السوق وإضعاف دور قطاع الدولة. يندرج ضمن هذه الوصفات إلغاء دعم أسعار السلع الضرورية، زيادة الرسوم على الخدمات، اقتطاعات الأجور والعلاوات، ضريبتا الدخل والقيمة المضافة، تقليص الحقوق التقاعدية وصولا لخصخصة النظم التقاعدية وغيرها من الإجراءات المؤثرة سلبا على الأوضاع المعيشية ( تتناولها على مثال البحرين مقالات أخرى في هذا العدد). وهكذا ففي مقابل تجريد الدولة من وظائفها الإقتصادية والاجتماعية تنشط وظائف الجباية وتشكيلات القوة.

بعد بدء الأزمة المالية والاقتصادية العالمية عام 2008، وما تلا من انخفاض حاد في أسعار النفط بدت دول الخليج لأول مرة فريسة مغرية أمام المؤسسات المالية الدولية لاستهداف كامل الطبيعة التي تقوم عليها النظم الاقتصادية الاجتماعية في هذه البلدان التي عُرفت بدول “الرعاية الشاملة” في مقابل تحكم الدولة بعائدات النفط الفلكية. وحيث بدت آلة النموذج الاقتصادي الاجتماعي السائد في بلدان الخليج عاجزة عن العمل لأسباب تعود إلى السياسات وليس إلى الإمكانات الهائلة الكامنة في قدرات الدولة النفطية، بدأت جهود تشغيل برامج “توافق واشنطن” بدلا من إدخال إصلاحات حقيقية تعيد التوازن إلى السياسات الوطنية. وكما قال شكسبير يوما: “المصيبة يا عزيزي بروت ليست في نجمنا، بل فينا نحن”. وتتجلى في البحرين بشكل صارخ ومثير للقلق عملية الانعطاف الحاد الذي تحاول المؤسسات المالية الدولية إحداثه في طبيعة الدول الخليجية.

يتفق المرء إلى حد بعيد مع الرأي الجريء لرئيس مجلس إدارة بنك البحرين والكويت مراد علي مراد بأهمية ألا تلجأ بلادنا إلى الاقتراض من ص.ن.د، نظرا لشروطه المجحفة والصعبة جداً، خصوصا مع ارتفاع خدمة الدين العام لما يزيد على نصف المليار دينار ومع الأسئلة الكبيرة حول استخدامات أموال القروض. كما نتفق معه في أن القطاعين العام والخاص يفتقران إلى القيادات الكفوءة. لكن من الصعب الاتفاق مع نظرته إلى تعزيز دور القطاع الخاص بخصخصة قطاعات الصحة والتعليم والخدمات. فلا القطاع الخاص بقادر على أن يقدم هذه الخدمات بأفضل من الدولة، لكنه سيزيد من وطأة أسعارها على الناس، وخصوصا فقرائهم. أو أن تنشئ الدولة مؤسسات صناعية وإنتاجية ثم تحولها إلى القطاع الخاص بدءا بإدخاله شريكا. فبهذا وذاك نكون قد أوقعنا أنفسنا في مصيدة “توافق واشنطن” بتعزيز دورٍ، ولكن طفيليٍ، للقطاع الخاص.

نؤمن ونطالب بدور فاعل للقطاع الخاص في إصلاح حقيقي، في بناء هيكل اقتصادي متوازن وتحويل استثمارات القطاع الخاص نحو توسيع القاعدة الإنتاجية وإدخال التقنيات والتكنولوجيات المتقدمة في الإنتاج وإيجاد فرص عمل لائقة وبأجر يكفل العيش الكريم للمواطن. على أن تقدم الدولة كافة التسهيلات والإعفاء الضرورية لتمكينه في هذا الاتجاه. وأن تتوجه المصارف نحو تمويل المشاريع الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة بدلا من تغليب القروض الاستهلاكية. للقطاع الوطني الخاص دور إيجابي منتظر بالوقوف إلى جانب الجماهير الشعبية في رفض وصفات صندوق النقد الدولي وتقديم البدائل الواقعية بتغيير النهج الاقتصادي باتجاه تعميق بعده الاجتماعي، وليس النكوص عنه.

نشرة التقدمي لشهر يوليو 2018.

اقرأ المزيد

تعديلات التقاعد بعد توجيهات جلالة الملك – رؤية قانونية #ارفعوا_أيديكم_عن_التأمينات

تابع المواطنون على اختلاف مستوياتهم البسيطة من عمال وموظفين ومثقفين ومتخصصين في الاقتصاد والتشريع التعديلات التي أجرتها الحكومة على احكام القانون رقم 3 لسنة 2008 بشان الهيئة العامة للتامين الاجتماعي لنظرة بصفة عاجلة من قبل مجلسي النواب والشورى، الذي رفضه مجلس النواب ووافق عليه مجلس الشورى، وكنا نتوقع أمام اختلاف المجلسين أن يعرض الأمر على المجلس الوطني للتصويت عليه خلال خمسة عشر يوما، وكنا نخشى ألا يبت المجلس الوطني فيه خلال هذه المدة، حينها يجوز إصداره بمرسوم له قوة القانون حتى جاءت توجيهات جلالة الملك وازالت ما كنا نخشاه بإعادة بحث مشروعي قانوني التقاعد إلى الحكومة، وهو الموقف السليم والصحيح والسليم الذي يتفق وينسجم مع الواقع ويستجيب لكل المرئيات والملاحظات التي ابداها الجميع من المجلسين أو من المواطنين.

ونستخلص من كل ما جرى منذ إحالة مشروعي القانونين من الحكومة إلى مجلس النواب ثم  لمجلس الشورى، وإعادتهما إلى الحكومة الآتي:

أولاً: إن توجيهات جلالة الملك بإعادة بحث مشروعي قانوني التقاعد بالتعاون والتنسيق مع السلطة التشريعية يعني زوال الآثار القانونية التي ترتبت عليهما في المجلسين سواء بالرفض أو بالموافقة، وانه لابد من عرض جديد على المجلسين بصيغة مختلفة، ولأن إعادة البحث تتطلب التأني وعدم الاستعجال كما جاء في توجيهات جلالة الملك، ولأن الفصل التشريعي قد انتهى فإنه يتعين عرضه في الفصل التشريعي القادم .

ثانياً: إن المساس أو النيل من الحقوق التي تتعلق بالحياة المعيشية للمواطنين كالحق في التأمين الاجتماعي الذي لا يشمل فقط المشتركين والمتقاعدين بل يشمل اسرة كل متقاعد، ويتعلق بحق الأجيال القادمة، لا يمكن قبوله، وهو ما يفسر أهمية الالتفاف الشعبي الواسع الرفض لهذه التعديلات. وأنه من الممكن حين يمس الحق لقمة عيش المواطن ويلتف حوله الشعب بكل مكوناته وطوائفه مستخدما الوسائل السلمية المتاحة أن يكون له اثر على القرار السياسي.

ثالثاً: أن رأي لجنة الشؤون التشريعية والقانونية بمجلس الشورى بأن لا شبهة دستورية في هذه التعديلات هو رأي لا ينسجم على الإطلاق مع احكام الدستور ويكفي أن نشير إلى أن تنظيم الحقوق المنصوص عليها في الدستور أو تحديدها لا يكون إلا بقانون، أو بناءً عليه. ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق حسب نص المادة (31 ) من الدستور. والحقيقة هي أن تنظيم الحقوق المتعلقة بالحق بالتأمين الاجتماعي بموجب التعديل الجديد قد مسَّ جوهر هذا الحق، فالحق في التأمين الاجتماعي يدور وجوده وحمايته بتحديد نسبة اشتراكات التقاعد، وتقرير منح زيادة سنوية على المعاش أو وقفها، وتحديد المدة المؤهلة لاستحقاق المعاش، وتقرير السماح بضم مدد افتراضية من عدمه، هي حقوق مكتسبة لا يجوز لقرار إداري أن ينتقص منها  لا بأثر رجعي ولا بأثر فوري.

رابعاً: إن ما أجرته لجنة الخدمات بمجلس الشورى من تعديل على مشروع القانون بحيث يمنع التعديل الانتقاص من المزايا التقاعدية أو زيادة اشتراكات التقاعد إلا بموافقة مجلس الوزراء، يظل خاضعاً لقرار إداري ومن ثم ينتقص ويسلب حق السلطة التشريعية من حماية المزايا من الانتقاص، ويكشف عن مدى العوار الدستوري الذي جاء في أصل التعديلات.

خامساً: علينا أن نتفهم وجود العجز الاكتواري المستقبلي في أصول الصناديق التأمينية، وانه من المتوقع نفاد هذه الاصول عام 2034 حسب تقرير لجنة تحقيق مجلس النواب، وتؤكد تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية هذا العجز إذ جاء فيها ( ارتفاع قيمة العجز الاكتواري في صندوق القطاع العام المدني وصندوق القطاع الخاص بشكل متسارع، إن استمرار الأوضاع الحالية للصناديق وبقاء التشريعات والأنظمة المنظمة للتأمين الاجتماعي على حالها سيؤدي إلى استمرار اتساع الفجوة بين مصروفات الصناديق وإيراداتها) .

سادساً: إن معالجة العجز وإعادة التقييم تقتضي إعادة النظر ليس في مشروعي القانون محل التعديلات بل في كل القوانين التي تنظم أو تلك المتعلقة بالتأمين الاجتماعي، وقد أشار جلالة الملك في توجيهاته ( بأن تكون إعادة التقييم محققة للتوافق الوطني بين جميع سلطات الدولة ومؤسساتها المعنية في إدخال الإصلاحات اللازمة على القوانين المعمول بها وتتطلب بيان الأسباب الحقيقة له وبشفافية عالية تكون معروضة على الكافة. و يتعين أن تكون معالجة العجز على نحو لا ينتقص من الحقوق المكتسبة للمنتفعين من التأمين الاجتماعي ولا ينال من حق السلطة التشريعية من الرقابة أو تقرير الحقوق المتعلقة بهذا الحق.

سابعاً: إذا كانت العلة، كما تؤكد التقارير في الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي وفي سوء إدارتها لأموال الصناديق، فإن من الخطأ منحها مزيداً من الصلاحيات على حساب السلطة التشريعية، وإن إعادة التقييم والبحث في مشروعي القانونيين محل التعديلات يتطلب النظر في طريقة تشكيل هذه الهيئة وفي اختصاصاتها بحيث تتمتع بالاستقلال، وأن تكون نسبة تمثيل ممثلي القطاعين العام والخاص نسبة معقولة تزيد عن نسبة اللذين يمثلون الحكومة أو اصحاب العمل .

ثامناً: إن إعادة البحث والتقييم يتعين ألا تتجاهل مسؤولية الدولة التي نصّ عليها الدستور في المادة (5 فقرة ج): “تكفل الدولة وتؤمن للمواطنين في حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو اليتم أو الترمل خدمات التأمين الاجتماعي”، والواقع يكشف أن التشريعات الناظمة للتأمين الاجتماعي في القطاعين العام والخاص ليس فيها ما ينص على تحمل أو ما  يلزم الدولة بالمساهمة في موارد الصناديق التأمينية في القطاعين أو ضمان تمويلها عند عجز.

تاسعاً: إن تشكيل اللجنة المشتركة من الحكومة وممثلين عن مجلسي الشورى والنواب للوصول إلى رؤية توافقية بشأن قانوني التقاعد بدون ممثلين من المنتفعين من الـتأمين الاجتماعي ونقصد بهم العمال وموظفي الدولة هو تشكيل ناقص لا يعزز من المسئولية المشتركة بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، ومع ذلك  نأمل أن تتوصل هذه اللجنة إلى رؤية تحقق الغاية من توجيهات جلالة الملك و أن لا يصدر بموجبها مرسوم له قوة القانون في ظل غياب المجلسين، بل يتعين عرضها على السلطة التشريعية في الفصل التشريعي المقبل.

نشرة التقدمي لشهر يوليو 2018.

اقرأ المزيد

التقاعد ليس قضية إجرائية #ارفعوا_أيديكم_عن_التأمينات

تقدمت الحكومة إلى مجلس النواب بمشروع تعديلات على قانون التقاعد والتأمينات الاجتماعية، تنص صراحة، ودون مواربة، على أن تتخلى السلطة التشريعية عن رقابتها على أداء صندوق التقاعد والتأمينات، بأن يعهد لمجلس إدارة الصندوق، غير المشهود له أصلاً لا بالكفاءة ولا بالنزاهة، حرية وضع ضوابط وقواعد عمل الصندوق بما فيها تحديد نسبة الاشتراك وسن التقاعد وإعادة النظر في المزايا التي بمنحها القانون المعمول به للمشتركين في الصندوق ممن تقاعدوا ومن سيتقاعدون في المستقبل.

تشكّل في البحرين رأي عام موحد برفض هذه التعديلات، حيث اتفقت كافة شرائح المجتمع البحريني من مختلف المشارب على هذا الموقف، مما حمل مجلس النواب على التصويت بالإجماع برفض التعيلات المقدمة من الحكومة.

في مجلس الشورى سمعنا بعض الأصوات المتحفظة والممتنعة عن تأييد التعديلات، لكننا سمعنا أيضأً أصواتاً سمجة، لم تكتف فقط بتزيين وتسويق التعديلات المقترحة من الحكومة، وإنما أيضاً أساءت لمئات الآلاف من أبناء وبنات الشعب، الذين توحدوا في الموقف ضد هذه التعديلات لأنها تمس حقاً أصيلاً لهم، وتنال من المدخرات التي أنفقوا وينفقون العمر من أجل أن تتحول إلى مرتب تقاعدي لهم بعد مغادرتهم الوظيفة، وفي النهاية صوّت مجلس الشورى بغالبية أعضاءه بالموافقة على التعديلات

عاشت البلد بعدها حلاً من الترقب والجدل، حول مصير هذه التعديلات، خاصة بعد أن طلعت هيئة رئاسة مجلس النواب ب”تخريجة” الطلب من جلالة الملك إحالة مشروع التعديلات للمحكمة الدستورية، وهي “تخريجة” أغفلت أن مشكلتنا مع هذه التعديلات ليست في كونها تنطوي على شبهة دستورية، وإنما في كونها “تُشرّعن” السطو على مدخرات المؤمنين في الصندوق، مشكلتنا ليست إجرائية أو دستورية، وإنما هي مشكلة تطال حقوق الناس وأموالهم، وبالتالي فإن تقزيمها بهذه الطريقة وتصويرها على أنها محض إجرائية، ما هو إلا تمهيد لتمرير مارفض شعبياً وبرلمانياً بطرق ملتوية.

في غمرة ذلك، تلقى المواطنون والفعاليات المجتمعية والسياسية بترحاب توجيهات جلالة الملك بالتريث في البت بالتعديلات المقترحة، وإعطاءها فرصة للنقاش والحوار، كي لا تسلق سلقاً، وقد تشكلت لجنة مشتركة ضمت ممثلين عن مجلسي النواب والشوري والحكومة للنظر فيها، وبلورة رأي حولها، لكن المؤمل ألا تكون قرارت هذه اللجنة التي يغيب عنها ممثلو النقابات والمجتمع المدني، نهائية، وأن يخضع ما ستتوصل إليه، بدوره، للنقاش المجتمعي، قبل أن تحال إلى المجلس القادم.

إفتتاحية نشرة التقدمي لشهر يوليو 2018.

اقرأ المزيد