المنشور

الشعراء موبوؤون

لن تقبلَ بهذه النهاية!
العاشقةُ التي تَرَكَ سريرَها عاشقُ الكلام
كان كلَّما قرأها شعراً، حمّلها عبئاً مزيَّناً بالحنين
يذوِّب الشمسَ على شفاهِها،
ويَسقيها من أبجديتِه محوًا لا يغادرُها طعمُه قبل العناق

يسأل بشار بن برد عن غزلٍ، فيجيبه أبو العلاء عن فلسفة الرحيق

الشعراء موبوؤون بالأحرفِ وكلٌ لقصائدِه رسولٌ..

لماذا تنسى العاشقاتُ أحلامَهن حين يهيِّئن البيتَ لشاعرٍ قادمٍ من غياب ؟
لماذا يضعن رؤوسَهن في ترابِ النسيان
ويُغْلقْن على خزائنِ أسرارِهِن؟
يخلعْن أحزانَهنَّ كلّما لاح أملٌ،

وما إن تتكسر الأخبار حتى تبدأَ الحكايةُ مع الرحيل
يهتدين بالنجومِ كلَّما عنَّ عليهن اليأسُ
وحين يختبرنَ أصواتَهنَّ يفاجأْن بالخرس
عاشقاتٌ دَهَنَّ مرافئَهنَّ بزيوتٍ عطريةٍ تُدوْزِنُ الأمواج،
علّ الغائبين يُطِلُّون
غير أنه السراب،
فيشهقن باليأس

اقرأ المزيد

“الطفيلي” أو تقاعس القطاع الخاص

حاز الفيلم الكوري “الطفيلي” على عددٍ من جوائز الأوسكار قبل أشهر، ومن ضمنها أفضل فيلم لعام 2019. قصة الفيلم تصوّر العلاقة بين أسرة فقيرة وأخرى ذات مستوى معيشي عالٍ جداً، وكيف أن العائلة الثرية رغم كونها ذات مكانة علمية واجتماعية مرموقة، إلا أنها تتصف بالسذاجة بنسبة كبيرة وهو ما أدى بالأسرة المُعدّمة الأخرى أن تستغلها عبر أساليب ملتوية تتسم بالخداع والكذب، وتنجح العائلة الفقيرة في أن تعمل بكامل أفرادها لدى الأسر الثرية وبعضهم في مهنٍ متخصصة لا يمتون لها بأدنى صلة أو وسيلة، أو حتى مؤهل علمي قريب منها.
بصرف النظر عن تطور الأحداث في الفيلم، لأن القصة أوسع من هذا السرد المختصر، وفي تركيز على جزئية معينة فقط وهي تعمّد الأسرة الفقيرة استغلال الأسرة الأخرى، عبر أساليب ملتوية والعيش معها في منزل واحد متطفلين عليهم واعتبارها بأنها ممارسة مستحقة لهم، وهو ما يمكن البناء عليه في تناولنا لمجريات الأحداث محلياً في مواجهة الوباء المنتشر حالياً كوفيد-19 أو كورونا.
الإجراءات الحكومية في مواجهة هذا الوباء المنتشر عالمياً على مستوى عالٍ من الاهتمام والتركيز من قيادة البلاد العليا، ورغم بعض التحفظات على جزئية إعادة المواطنين العالقين في الخارج لمن يرغب، إلا أن الإجراءات في مجملها انعكست ايجاباً على الشارع البحريني، ولم نشهد حتى اللحظة حالات هلع كما حدث في دول قريبة. إلا أنه وبالعودة للفيلم الكوري، إذا اعتبرنا مجازاً أن الحكومة تمثل صورة الأسرة الغنية فالحاصل أن القطاع الخاص عبر شركاته ومصارفه ومؤسساته الاستثمارية يؤدي دور الأسرة “الفقيرة” التي تعتاش بصورة طفيلية، مستغلة الإجراءات الحكومية في مواجهة هذا الوباء، دون أي اعتبار لما تفضي إليه مجريات الأمور من انعكاسات على المواطن.
لا يمكن للقطاع الخاص أن يستمر في عزل نفسه عن الصورة العامة في مواجهة هذا الوباء العالمي الذي يتربص للانقضاض بنا، ولا يمكن للحملات الدعائية التي يمارسها البعض ذراً للرماد، أن تبرىء ذمة القطاع الخاص من المساهمة الفاعلة والحقيقية وتقديم يد العون للدولة في هذه المواجهة وعدم تحميل المواطن تبعات هذا الوباء، انطلاقاً من المسؤولية الاجتماعية لهذه الشركات والمؤسسات المالية الضاربة جذورها في عمق السوق.
يجب النظر في إصدار تشريع يلزم شركات القطاع الخاص بتفعيل حقيقي لمفهوم المسؤولية الاجتماعية، ويجب أن تعي الجهات الرسمية بأن هذا القطاع الذي قامت بتسمينه وتدليله تقاعس اليوم من أجل مدّ يد العون لها وهي في أمس الحاجة، وظهرت طبيعته القائمة على الأخذ دون العطاء.

اقرأ المزيد

“التقدمي” فى بيان بمناسبة يوم الضمير العالمي العالم يحتاج إلى إحياء قيم الضمير والإنسانية وحقوق الإنسان

إن احتفال الأمم المتحدة يوم أمس – الأحد – الموافق 5 أبريل بيوم الضمير العالمي استجابة لمبادرة صاحب السمو رئيس الوزراء يأتي في وقت بات العالم وأمام محنة “كورونا” وما أفرزته من ظروف عصيبة، أحوج ما نكون إلى إحياء قيم الضمير والإنسانية من سلام وحقوق الإنسان، وتسامح وتعايش سلمي بين البشر على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم وأعراقهم وثقافاتهم، وتنمية حقيقية مستدامة وتحقيق الرفاهية للشعوب فى كل بلدان العالم. وقد استقر في وجدان الثقافة الأممية توافق حول المفهوم الدولي لحرية الضمير وتحديداً في نص المادة 18 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية:
1- لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.
2- لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.
وبرغم أن أغلب الدول انضمت للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية إلا أن واقع الحال لازال على مسافة ليست بالقصيرة ومنها مملكة البحرين عن تحقيق مضمون القيم والمفاهيم التي تستجيب للضمير الإنساني والمبادئ التي أرستها الثقافة البشرية نحو الأهداف التي تحدد مسارات تحقيقها.

لاشك في أن المنعطف الخطير الذى يمر به العالم اليوم فى ظل الحقائق والتداعيات الخطيرة الراهنة التي أفرزتها الحرب الشرسة لجائحة كورونا على البشرية، والتي من المؤكد أنها ستغير الكثير من الحسابات والمعادلات والاعتبارات التي ستفرض نفسها على مختلف الأصعدة والمستويات، الاقتصادية والتنموية والاجتماعية والبيئية، والتي يتوجب قبل أي وقت مضى أن تستند على الضمير الجمعي والقيّم الإنسانية وإرساء ثقافة السلام وأن تقلص من الهوة الشاسعة بين طبقة الأثرياء والطبقات الكادحة وتمكن الشعوب وشرائح المجتمع المهمشة من المشاركة في تقرير مصيرها ورسم سياسة بلدانها.

إن مبادرة مملكة البحرين والتي تبنتها الأمم المتحدة تفرض على مستوى المملكة والعالم أجمع تعزيز تلك القيم والمساعدة في إرساء ثقافة السلام والتنمية المستدامة وبذل كل ما يمكن من أجل تحقيق تلك الأهداف وجعلها فى صدارة الاهتمامات فى المرحلة المقبلة انسجاماً وتوافقاً مع صوت الضمير الذي جعلته جائحة كورونا يعلوا على كل صوت، ونؤكد بأن مملكة البحرين التي تبنت المبادرة لا بد أن تكون فى صدارة الدول التي تعطي كامل الاعتبارات لتلك الأهداف وتجعلها في مقدمة الأهداف التي ننشدها جميعاً، من حكومة وسلطة تشريعية وقوى مجتمع مدني.

المنبر التقدمي
6 أبريل 2020

اقرأ المزيد

ملاحظات أولية على تبعات برنامج التقاعد الاختياري

عندما أعلنت الحكومة عن برنامج التقاعد الاختياري في النصف الثاني من 2018 مصحوبًا مع الكثير من التوجيهات والارشادات عنه، والذي كان يهدف إلى تخفيض البند الأول من الميزانية، والذي يشكّل ما نسبته الـ 40%، وبما يقترب من المليار ونصف المليار دينار بحريني، كما يتبين من الحساب الختامي لسنة 2018، ومن أجل خفض الميزانية العامة، وبالتالي تخفيض العجز المالي والمساهمة في وقف نمو الديّن العام.. وترافق ذلك كله مع مجموعة من المقالات في الصحافة وتصريحات العديد من أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية وكتاب الأعمدة، وكان تنفيذ هذا البرنامج إحالة ما يقارب الـ 9 آلاف من العاملين في الحكومة على التقاعد المبكر بامتيازات تشجيعية، وعلى أساس أنّ لهذا البرنامج الكثير من الجوانب الإيجابية، تتركز في:
• خفض النفقات في الميزانية العامة وبالتالي خفض العجز وتحقيق التوازن المالي.
• زيادة في السجلات التجارية وإنشاء المؤسسات وإقامة مشاريع جديدة بما سينشط دورة الاقتصاد الوطني وزيادة حركة الاستثمار.
• ضخّ المزيد من الأموال في مجال الاستثمار عن طريق دخول هؤلاء سوق الاستثمار بما يملكونه من مدخرات او مستحقات تحصّلوا عليها حال خروجهم إلى التقاعد وفق هذا البرنامج.
• رفد سوق الاستثمار بعقول ودماء جديدة من خلال السماح للمستفيدين من هذا البرنامج في توظيف خبراتهم ومهاراتهم ومؤهلاتهم الإدارية والعلمية في مجال ريادة الأعمال وتعزيز العمل في القطاع الخاص.
• رفع كفاءة القطاع الحكومي والقضاء على البطالة المقنعة.
• خلق فرص عمل جديدة لمن هم على قوائم انتظار ديوان الخدمة المدنية، والعمل على تغطية الشواغر في مختلف المؤسسات والهيئات الحكومية بمختلف أقسامها وتخصصاتها، الأمر الذي سيساهم في تدني نسبة البطالة، ورفع نسبة البحرنة في كل قطاعات الدولة ومؤسساتها.
جرى ترويج هذه الرؤية التي صاحبت إطلاق هذا البرنامج، حتى دون أن تتفحصه أو تتبين من تكاليف تطبيقه وآلية تنفيذه. ليتضح ذلك بعد إقراره مباشرة حين تقدمت الحكومة في مارس من عام 2019 إلى المجلس النيابي بمشروع بقانون مستعجل لتعديل قانون التعطّل يجيز للحكومة سحب مبلغ 230 مليون دينار لتمويل تكاليف هذا البرنامج، الأمر الذي أثار معارضة مجتمعية كبيرة، وللأسف صوتت له مجموعة من أعضاء مجلس النواب، وأقرّ، تالياً من المجلسين: النواب والشورى.
ورغم أن الوقت لا زال مبكرا لتقييم آثار هذا البرنامج؛ إلا أن بعضًا من الملاحضات التي أكدّنا عليها وبالذات في تبيان أسباب معارضتنا تؤكدها الشواهد التي ظهرت للعيان ومنها:
ما يدور الحديث عنه، والتصريحات ذات الصلة، عن زيادة العجز في صندوق التقاعد وهو عجز فاقم هذا البرنامج منه، والتبعات التي سيتحملها صندوق التقاعد، وما ينتج عن ذلك من إخراج الآلاف من العاملين من العملية الإنتاجية، لأن حلّ مشكلة البطالة يتطلب وضع سياسة تشغيلية واضحة المعالم تعتمد على إحلال البحرينيين محل العمالة الوافدة في مؤسسات وهيئات ووزارات الدولة والشركات الحكومية أولًا، وتهيئة ظروف وبيئة عمل لائقة في القطاع الخاص في جميع الصعد ثانيًا.. وهذا ما يغيب عن أية خطة حكومية.
كما أنه وبحكم ما نصّ عليه البرنامج من إلغاء وظائف ممن تقاعد اختيارياً فقد أغلق الباب بوجه إحلال بحرينين في وظائفهم، مما ساهم في زيادة نسبة العاملين غير البحرينيين في مؤسسات ووزارات القطاع العام. وهذا ما ثبت من إحصائيات ديوان الخدمة المدنية.
إن الحديث عما وصلت له الأسوق والاقتصاد البحريني من حالة ركود لم يستطع هذا البرنامج من إسعافه، حيث إنه وبعد مرور سنة عليه، أقرّ مجلس النواب تشكيل لجنة لدراسة الركود وهو ما يدلّ على صحة هذا الاستنتاح، وسيؤدي حتماً إلى تراجع النمو الاقتصادي من جراء إخراج الالاف من المواطنين من عملية الانتاج بدون أية ضمانه لتحقيق ما روّج له من فرص لدخولهم لعالم الاستثمار.
كما أنه لايغيب على عين المراقب ما وصلت له الخدمات الحكومية بعيد خروج الآلاف من العاملين على التقاعد وخاصة في قطاعي الصحة والتعليم، وتشهد مضابط جلسات مجلس النواب على ما صرّح به معظم النواب – إذا لم نقل جميعهم – عن تراجع الخدمات التي هي في الأساس كانت تعاني ما تعانيه، حتى قبل الشروع في تطبيق هذا البرنامج.

اقرأ المزيد

لنتعلّم من الصين

شعوب العالم التي تناضل من أجل إرساء أسس العدالة الاجتماعية وفصل السلطات وديمقراطية فاعلة واحترام حقوق الانسان ومسألة التحرر والحرية، لم ترفع شعارات طائفية، وإنما شعارات وطنية لا تأبه للفوارق المذهبية والقومية بل ناضلت تحت راية موحدة لكل مكونات مجتمعاتها.
نحن في الوطن العربي أبتلينا ومنذ عقود بشعارات شعبوية طائفية مزّقت العمل الوطني المشترك في العديد من بلداننا، وهو ما يخدم مصالح الأنظمة الشمولية والدول الإقليمية.
هذه القوى الطائفية التي مزّقت النسيج الوطني للمجتمعات العربية المتآخية، لا تزال تظهر في الأوقات الحساسة والصعبة والأزمات لتنشر سمومها في أوساط الجماهير لإغوائها عن ثوابت العمل الوطني والمسؤولية تجاه الوطن، وهذا ما صرنا نلحظه في محنة وباء كورونا، فأصبحت الاتهامات توجه لهذه الطائفة أو تلك بصفتها هي من نشر الفايروس.
على أصحاب هذ الأبواق بجميع مستوياتها وفي كل مواقعها وصحفها وقنواتها أن يتعلموا من موقف الصين الشعبية، وكيف وحدّت قواها صفاً واحداً في مواجهة هذا الفايروس، لأنه يصيب كل أفراد المجتمع بعيداً عن طبقاتهم الاجتماعية وأفكارهم السياسية وعقيدتهم الفكرية، وبالتالي عملوا، حكومةً وشعباً، للحدّ من انتشاره، وسجلوا في ذلك تقدّماً كبيراً، وهاهي الصين تقدّم خبراتها إلى الدول الأخرى المحتاجة للمساعدة مثل إيطاليا، فاستحقت إعجاب العالم كله.
في البحرين هناك من يريد تحويل أزمة كورونا إلى أزمة طائفية، محاولاً إغواء الناس عن نضالهم اليومي لتحقيق العيش الكريم ووقف التلاعب بالأموال العامة، عن طريق سن قوانين رادعة لمحاربة الفساد المالي والإداري وحفظ المال العام في سبيل الإنفاق على برامج الصحة والتعليم والإسكان والبنى التحتية ورفع المستوى المعيشي لتخطي مستوى الفقر والعوز.
وطننا في حاجة إلى النضال الوطني بعيداً عن النفس الطائفي الذي مزّق النسيج الاجتماعي في البحرين خصوصاً بعد أحداث عام 2011، وهذا ما تزداد أهميته في أوقات الشدائد، كما هي الحال اليوم، حيث يجب توحيد مواقفنا الوطنية لمحاربة هذا الفايروس وعدم انتشاره الخطير في البحرين، فهو لا يميز بين الطوائف، وبين غني و فقير، فعلى العقلاء أن يردعوا كل أبواق الفتن الطائفية أينما كانت، وعلى الناس ألا تصغي لهم، وأن يكون حب الوطن هو بوصلتنا.

اقرأ المزيد

حتى قبل ذلك كنا نفعل الأشياء نفسها كل يوم

– ماذا ستفعل اليوم ؟
– كالمعتاد.
– وأنا كذلك.
لم يخطر ببال أحد أننا سنفعل ذات الشيء الذي تفعله البشرية أجمع، وفي نفس الوقت: الجلوس بالبيت كل يوم حتى إشعار آخر. أهذه هي إذا العولمة؟ أن نجعل الشيء عالمي الانتشار؟
قرأت لكاتب من جمهورية موريشيوس، يدعى عيسى أصغر علي، بأنه لو قرأت الحكومة الاسرائيلية أشعارمحمود درويش، قد تتوقف الحرب ويشيع السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ضحكت بصوتٍ عال فور قراءتي هذه الجملة، وذلك بسبب سذاجتها. استغربت تصوّر الكاتب. كيف لأحد أن يتصوّر بأن مشكلة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي هي محض عائق لغة؟!
يظنّ عيسى أصغر علي أنه استطاع البشر تجاوز الاختلافات، سيحلّ السلام في العالم أجمع، وان لم نستطع تجاوزها، فمصيرنا الحرب.
في الحقيقة، هنالك حروب عادلة يجب أن تخاض.
عندما كانت ألمانيا على وشك النيل من فرنسا، لم يستسلم الجنرال شارل ديغول، ودافع عن حق فرنسا في المقاومة. وبالمثل، لن يتجاوز الفلسطينيون اختلافهم مع الإسرائيليين بالاستسلام. ذلك غير ممكن.
ما يحدث في العالم، يتجاوز قدرة الحكومات على السيطرة. إن كانت الحرب العالمية الأولى نتجت عن خطأ في الحسابات، فالحرب العالمية الثانية أصبحت حرفة. حتى بعد الحرب، أصبح الانسان عجوزا، يعيش في عالم لم يعد يعرفه.
العالم هو ما تصنع أيدينا. الكل يريد أن يكون الانسان مسالمًا، إلا أن روسو لم يكن على حق عندما لوّح بأن الانسان خير بالطبيعية، و بأن الشر ليس من سماته. الانسان قادر على الشر مثلما هو قادر على الخير.
ما نحتاجه بالفعل، هو إعادة تعريف للثقافة. ايما بوڤاري لم تنتحر خوفاً من زوجها، بل انتحرت مللًا، أي الملل ذاته الذي أصاب أوروبا و جرّدها من إنسانيتها. ظلت ايما بوڤاري تحلم، الا أنه لم يكن لأحلامها مثيل على أرض الواقع. قد يهلع فلوبير عندما يرى بأن العالم لم يتغير كثيراً من حينها، فثقافة الملل سارية. يقول أرتور شوبنهاور: “إن الانسانية قد حكم عليها بشكل واضح أن تتأرجح إلى الأبد بين طرفين أحدهما الضيق وثانيهما الملل”.

ربما كنّا دائماً ضجرين، أو مملين، ولم نعِ ذلك. ماذا كان يحتل جدول فعاليات يومي قبل الإضطرار للجلوس في البيت ؟ العمل، الدراسة، التفكير في الغد ؟ في النهاية، سأعيد عمل ما فعلته بالأمس، وهكذا…
اذاً، الحياة يشوبها الملل والتكرار بشكل عام. لعلّ الجلوس في البيت يُغيّر المعادلة، فنضفي على يومنا بعض التغييرات، فقراءة كتاب، أو الاستماع إلى الموسيقى، إنجاز بعض الأعمال المنزلية، حتى نشعر بأننا لا نعيد ذات الشيء كل يوم، مثلما كنّا نشعر ونحن نعمل، لأن طريقة سير يومنا في أيدينا هذه المرة. ماذا تراكم فاعلون ؟

اقرأ المزيد

المنبر التقدمي عبر لجنة البيئة في بيان بمناسبة يوم الصحة العالمي: نشيد بالوقفة الوطنية فى مواجهة تحدٍ غير مسبوق والمطالبة بوقفة حازمة ضد أصحاب المآرب

يصادف اليوم الثلاثاء السابع من أبريل يوم الصحة العالمي، وتأتي هذه المناسبة اليوم وسط كارثة عالمية أصابت العالم تتجلى فى جائحة “كورونا” التى تعد أكبر وأخطر تهديد يواجه البشرية، وقد كشفت هذه الجائحة عن الكثير من الحقائق الصادمة وأهمها فى تخلف الأنظمة الصحية التي أفرزت أشكالاً من الضعف والهشاشة واللامساواة فى الكثير من دول العالم، وفى المقدمة منها دول طالما تشدقت بحقوق الإنسان ورعاية المواطنين، وأنفقت فى الوقت ذاته المليارات على التسلح والتدخل العسكري فى الدول الأخرى، ولم تُعطي كما يجب شئون الرعاية الصحية الاهتمام اللازم بل أسندتها إلى شركات القطاع الخاص، وخصخصة الخدمات الصحية التي أثبتت عدم جدواها خاصة في الظرف الراهن.

إن التقدمي إذ يُحي جهود الدولة وخاصة عبر اللجنة الوطنية لاحتواء ومنع انتشار جائحة فيروس “كورونا” برآسة صاحب السمو الملكي ولي العهد نائب رئيس الوزراء، ويُحي كل الجهود الطيبة المبذولة فى هذا المجال من كوادرنا الطبية والصحية والإدارية والمتطوعين، ومن وقفوا وراء المبادرات الشعبية فى العديد من مناطق المملكة، فى وقفة وطنية يشهد لها الجميع، فإننا فى الوقت ذاته نطالب بوقفة شجاعة إزاء كل من يحاول استغلال الفرصة لبث الشائعات المغرضة التى تقف وراءها مآرب شتى والتي لا تتوقف لبث سموم التفرقة المقيتة والمساس بأي صورة من صور التلاحم الوطني كما هو حاصل الآن، ونطالب أيضاً بوقفة حازمة إزاء كل من يستغل الظرف الراهن برفع أسعار السلع الغذائية والتموينية والمواد الطبية والعلاجية .

إن التقدمي يرى أن يوم الصحة العالمي فرصة للتأكيد على ضرورة مراجعة كل الإجراءات والأنظمة الصحية فى العالم وتمكين جميع البشر على الرعاية الصحية، والتمتع بحياة صحية آمنة، إذ من المؤسف أن هناك ملايين من البشر لا زالوا محرومين من أي فرصة للعمل أو الحصول على الرعاية الصحية اللازمة، وكذلك من احتياجاتهم اليومية كالغذاء والكساء وحتى المأوى، وهذه كلها ترتكز على العدالة الاجتماعية والإنصاف وعلى الاعتراف بالحق الأساسي فى التمتع بأعلى مستوى من الرعاية والخدمات الصحية والاجتماعية، كما ورد فى المادة 25 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، وجاءت جائحة كورونا التى تكتسح العالم اليوم لتكشف عن الكثير من الحقائق والدروس التي يجب التوقف عندها بمنتهى الجدية لبلوغ ما يجب تحقيقه فى مجالات الصحة والعدالة الاجتماعية ووقف الإنفاق على التسلح والهدر المالي والاهتمام بالبيئة التى بلغت حداً مقلقاً مؤثراً على صحة الإنسان والمجتمع، وجاءت جائحة كورونا لتؤكد على الأهمية البالغة للبعد البيئي فى مختلف دول العالم .

أخيراً يشدّ التقدمي على أيدي أخوتنا واخواتنا الأعزاء، والكوادر الطبية والمتطوعين الذين استجابوا لحملة “معاً ضد الكورونا” من أجل مجتمع واعي، والشكر والتقدير لكل من وقف وانخرط ودعم المبادرات والمواقف الشعبية التى تجلت بعدة صور لتساند جهود اللجنة الوطنية فى مواجهة هذا التحدي الاستثنائي الراهن غير المسبوق.

المنبر التقدمي
7 أبريل 2020

اقرأ المزيد

كورونا يتنزه في العالم وكلمة السر: فانغا!

فايروس غير مرئي بالعين المجردة أوقف العالم على قدم واحدة، صنفته منظمة الصحة العالمية على أنه يشكل حالة طوارئ صحية عالمية، فجاء الهلع راكضاً، مصحوباً بكمية التقارير الطبية المعجونة بأرقام وحقائق وتفصيلات لا يهتم بقراءتها الشخص العادي في سائر الأيام. ولعل الفضول والرغبة في معرفة الأساسيات تدعو البعض للإنصات قليلاً، لكنه اهتمام لم يطل؛ لأن الإعلام بأوجهه المتعددة، خصوصاً في وسائل التواصل، دخل بقوة لينثر فوضى لا مسئول لها، تخرج بفتاوى وتصورات ونصائح في الموضوع من خلال منصته/هاتفه النقال؛ من خلطات المناعة المعدة منزلياً، وحتى الاحتياطات الواجبة والمبتكرة أيضاً، إلى حد التحذير من بعض الأدوية التي تأتي على هيئة صوتية أو مرئية مقرونة بمنصب طبي لإضفاء شيء من الجدية والوقار للمادة!
في مقابل كل الخوف من انتشار الفايروس والموت به، أطلقت الشعوب العنان للفكاهة والنكت التي تسعى لتخفيف وطئة العزل/ الحجر/ المرض/ الموت، كلها كانت سواء في وقت لاحق، بعد أن استوعب عامة الناس خطورة ما سخروا منه في البداية، حيث بدا أنه شيء ما حاصل في الصين أو ما جاورها من البلاد، والبعد الجغرافي يمكن أن يخلق التعاطف وبعض الاهتمام لوقت قصير جداً، يتلاشى بسرعة تحت مُلهيات الحياة “الأهم”، لذا تبقى النكتة تعبر عن واقع يرفض الناس تصديقه أو مواجهته، كحيلة نفسية دفاعية ومعتادة أيضاً. هكذا بدأت الأمور، لما كانت لا تزال غير ملموسة، لكنها حين اقتربت أكثر في محيطنا بدأت الحكومات تتخذ احترازاتها الوقائية، وصلت إلى الإعلان عن إغلاق الأماكن العامة التي تجمع عدداً كبيراً من البشر وهو أمر مخالف، لطبيعة المرض الذي ينتقل بسهولة؛ بالملامسة، والتقارب، والرذاذ، وغيرها. وظهرت ثلة من الجهلة، المعروفين بشكل أو بآخر للناس، ممن استصغروا – خاصة قبل تفاقمه عالمياً – وسخروا ممن يحذر منه، مدعين أن مناعتهم التي يغذونها عبر وصفات الثوم والبصل والخل وغيرها قادرة على الفتك بالكورونا(1)، أو أن القدرة الإلهية في دور العبادة ستزيل أي مكروه يأتي من مسبب “مادي”، وليس من الضروري الإشارة إلى التحذير الديني بتجنب سبل التهلكة، والتي دعت إليها كل الديانات.
لكن التبجح في هذا الظهور غير الواعي بالحقيقة العلمية المادية للإصابة بهذا الفايروس، أودى بمسار حياة أشخاص كثر، ظهرت نجمتهم المفضلة وهي تضحك برقاعة على الإعلام الذي يضخم موضوعاً تافهاً! أو ظهور رجل دين مخفور بالورع في كنيسته، أو مسجده، أو معبده، يدّعي أن مكانه محمي بقدرة الرب، تحت ذريعة أن المرض والموت وما سواهما من المقدرات التي لا يمكن تغيير مسارها مهما فعل الإنسان، لذلك فإن الاستمرار بالعبادة – دون الأخذ بالأسباب – هو طريق النجاة الوحيد!
وليست هذه القوالب الوحيدة التي تتعرض لها المجتمعات في هذه الأزمة أو سواها، فهناك فقرة مهمة تصاحب مثل هذه الأزمات في باب نظرية المؤامرة “المزمن”. فقد ظهرت الكورونا في المواد المرئية بشكل صريح في المسلسل الكوري My secret terries المنتج في 2018، يتم الحديث بشكل مفصل ومذهل عن الفايروس، تماماً كما في المسلسل الكارتونيthe Simpsons الذي تنبأ بإصابة النجم الأمريكي توم هانكس بالفايروس من دون ذكره بالإسم، لكن عبر وصفه بـ”الفايروس التاجي الذي يتفشى في أقصى الشرق ويجتاح الكوكب..”. ولم يقف الأمر عند حدود الدراما التي نجهل من وراء تصنيعها، حتى بظهور أسماء العاملين عليها في تترات المقدمة والنهاية، حتى يأتي دور العرافة البلغارية الكفيفة “فانغا”، والتي توازي دور وقيمة العرافات في تاريخ المسرح اليوناني، الذي يرسم خارطة طريق للأبطال بناء على أقوال العراف/ة. وفانغا التي قضت نحبها منذ عام 1996، لكنها عادت للصدارة مؤخراً من خلال تذكير بعض المصادر بالنبوءات التي تحققت مسبقاً حول “الوباء الخطير الذي سيكتسح العالم في 2020″، كل هذه الأخبار تأتي من غير مصادرها، لأنها مجرد أخبار مختصرة ومتنقلة وراء حجاب وسائل التواصل المتاحة، فلا أحد يهتم بالبحث عن الحقيقة من منبعها الذي يبدأ بفكرة “توصل العلماء إلى دراسة تحذر من …..”، ربما كانت إشاعة مؤلفة للتسلية، أو زرع الرعب في النفوس، والضحك على ردود فعل البشر الذين يرون في الحياة ما يستحق أن يعاش، أو أنها حقيقة مضاف إليها قليل من الزيادة التي تربك حياة شعوب بأكملها.
لكنه في النهاية فعل مؤثر على الآخرين وعلى حياتهم، ليس على سبيل المبالغة، لكنه تأثير القوة الناعمة التي تكون عبارة عن “امتلاك القدرات على التأثير في أسلوب الآخرين لجعل الأشياء تنفع”(2)، وهو تأثير سلبي، لأنه مصحوب بجهل، وقلة وعي، ومجاهرة لابد أنها أثرت على فئات كبيرة، خاصة ممن يربطون العلم بالدين، وهما شيئان منفصلان، رغم تقاطعهما في شؤون حياتنا. والقوة الناعمة أيضاً تأتي عبر التأثير بالسلوك دون أوامر مباشرة، فيكفي أن يعرف الآمر السياق العام، حتى يعرف كيف يحرك عن بعد من يريدهم أن يتبعوه. قد يكون هذا الآمر فرداً، أو مؤسسة، لديهم أغراض قصيرة المدى، مثل جني مشاهدات، ونيل العديد من الإعجابات التي تنقل صاحبها لمستوى آخر، أو أهداف استراتيجية بعيدة المدى، لكن النتيجة واحدة والأمر سيان. وفي أزمة الكورونا الحالية، لم يترك قاموسurban dictionary هؤلاء الذين يستخدمون تأثيرهم السلبي دون أن يضيف لهم ما يستحقون، فقام بدمج كلمتي covid التي تشير إلى فايروس كورونا وكلمةidiot التي تعني غبي أو أحمق، فظهرت كلمة جديدة هي covidiot وتعني الشخص الذي يتجاهل التحذيرات المتعلقة بالصحة العامة والسلامة. ولا أظن أن هناك كلمة أدق من هذه لتوصيف المشاهير الذين ساهموا بحمقهم في تفشي الوباء الفكري والكوروني لدى متابعيهم!
في حين أن شخصاً بشعبية المطرب الكويتي نبيل شعيل، قد فطن إلى قوة التأثير التي يمتلكها، بعيداً عن جفاف تقارير الأخبار، وتحليلات الأطباء المستمرة – والمتناقضة أحياناً – قد ظهر بشكل بسيط، وغير متكلف، في بيته موجهاً خطابه للناس بضرورة الالتزام في البيت، لئلا يسهل نقل العدوى من شخص لآخر، بالذات أن الفايروس ينتقل بخبث من شخص لآخر بلا أعراض ظاهرة تتطلب الحذر، مما يجعل التراكم كبيراً، والضغط الهائل على الكوادر الطبية، فلخصها لجمهوره في جملة بسيطة: كيف أستطيع أن أدعو لمنزلي ألفي شخص، في حين أني لا أملك إلا عاملتين بالمنزل؟
ربما لم يكن شعيل هو الأول، لكنه استثمر قبوله وجماهيرته للتوعية.. نموذج آخر من مصر، قد لا يعرفه الكثيرون، لأنه يتعامل مع فئة خاصة غير تلك التي يتعامل معها الإعلام بعمومية، هو الدكتور محمد صلاح موسى، الذي يعمل في تأهيل العلاج النفسي للمدمنين وعلاج الإدمان، والذي توجه للإرشاد والتوعية للفئة المستهدفة عنده، المدمنين غير المتعافين، والذين سيسهل نقل العدوى بينهم، وبالتالي لكل مخالطيهم، عبر بث مباشر نستطيع أن نطلق عليه بثاً متخصصاً(3). وعلى مستوى المهرجانات التي تتطلب تجمع عدد كبير من الناس، قام المخرج بدر قلاج من المغرب بالإعلان عن المهرجان الأول لـ”المسرح المصور” الذي تنظمه جمعية مسرح أسوار مواكز الفني، وجمعية فوازير للفنون والثقافة والأعمال الاجتماعية، تحت شعار “أبقى فدار والمسرحية تجي لعندك”(4)، على اعتبار أن المسرح تحديداً، دون الفنون الأخرى، الجمهور هو الذي يذهب إليه، وليس العكس، وهو ما قام به منذ سنوات فنان الماريونت المصري محمد فوزي، بتأسيس مهرجان عبر الإنترنت، يستضيف عروضاً دولية بخاصية البث المباشر، بالإضافة إلى ورش وندوات حية(5). كل هذه المبادرات، ضمن نماذج كثيرة تستحق الإشادة الحقيقية، والتي تتابعت بعدها مبادرات فردية ومؤسساتية، هي نماذج قد تحتمل الفشل والنجاح، القبول أو عدمه، لكنها تبرهن أن القوة الناعمة في امتلاك القدرات أو الموارد التي يمكنها أن تؤثر على النتائج، وتغير من الواقع، على أن نسلم زمام الأزمة التي سببها فايروس بيد العلم المؤكد، غير القائم على الغيبيات، والاقتراحات، وتحديث نبوءات فانغا ومن سواها، على مقاس التشاؤم الذي سيقضي على ما تبقى لنا من وقت ونحن على قيد الحياة. ما عدا ذلك، فسوف تنطبق علينا المقولة الرائجة حالياً “من منظور آخر، نحن الفيروس الذي أصاب الأرض، وكورونا هو العلاج”!

المصادر
1. https://m.youtube.com/watch?v=Rx0TX-yMLRs&feature=share
2. القوة الناعمة: وسيلة النجاح في السياسة الدولية، جوزيف س.ناي، ترجمة: محمد توفيق البجيرمي، مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى 2007م
3. https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=2658221087640520&id=100003579655506
4. https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=2704351089834115&id=100007777512444
5. https://kayanmarionetteegypt.wixsite.com/egypt/festival

كلام الصور
ص 1
العرافة البلغارية فانغا
ص 2
نبيل شعيل
ص 3
د. محمد صلاح موسى
ص 4

اقرأ المزيد

الكورونا في الزمن الرقمي

كلما حلّت علينا المصائب استغلّ تجّار الدين الفرصة للتسويق لأفكارهم الظلامية، إذ ما أن بدأ فيروس كورونا بقطع الحدود الصينية منتشرًا بين الدول، حتى سارع البعض للاستخفاف بالإجراءات الوقائية المقترحة من وزارات الصحة وتحدّيها.
كما ظهر أنصار النقاب مجددًا إلى الواجهة مدعيّن أنه الحل الأنسب لمحاربة الفيروس، وأن الله نصرهم وكسر أنف الكفار بإجبارهم على التَّنقُّب، وهذه نماذج تلامس فئة معينة من البشر، يعتقدون أن الدين، بدون وقاية أو علاج أو اتباع الإرشادات الصحية، كاف لمواجهة حتى الأمراض المعدية، فقد أخبرتني صديقة لبنانية مسيحية أن الإقبال على صور “مار شربل” يتزايد في حالات المرض وظهور أوبئة كهذه، مع صور قديسين آخرين، كما يدعي البعض بظهورات العذراء مريم في مناطق معينة لرفع معنويات الناس، فالإنسان من شدة ضعفه يتمسك بأي شيء يُشعِره بالأمان.
أطلّ أطباء مختصون في الأمراض المعدية وأكّدوا أن الكمامات ليست آمنة تماما، ما جعل جماهير بأكملها تنسحب من الشوارع وتعتكف في بيوتها تفاديًا لأي احتكاك بمصابين. مما تسبّب في خسائر جمّة لصالات السينما، والملاعب، والأسواق المغلقة، والمسارح. كما ألغيت مهرجانات سينما، وفعاليات تلتقي فيها جموع من أهل الفن والأدب، وبالمقابل ارتفعت أرباح العملاقين “أمازون” و”نتفليكس”، وازداد إقبال الناس على قراءة الكتب، بشكل ملحوظ، فقد سُجّل ارتفاع نسبة مبيعات كتاب “الطاعون” لألبير كامو، بحيث قفز من المرتبة الواحدة والسبعين إلى المرتبة الثالثة على سلم المبيعات في إيطاليا، حسب جريدة “لاريبيبليكا”، كما قفزت رواية ساراماغو “العمى” إلى المرتبة الخامسة، لكن هذه المبيعات سجلت عبر موقع أمازون، أما النسبة الأعظم من المبيعات فقد كانت من نصيب مواقع رقمية.
بالنسبة لرواية كامو “الطاعون” فهي، حسب مراجع كثيرة، وليدة مخيلته، أمّا كيف خطرت بباله فكرتها فهذا يبقى حبيس الكتب باللغة الفرنسية، وبعض الترجمات العربية القليلة المتوفرة في بلاد المغرب العربي، لعلّ الجزائر أهمها، كون الكاتب جزائري الهوى والقريحة، فكل فضاءاته المكانية تعيدنا إلى المدن التي عاش فيها في الجزائر، مثل مدينة وهران التي ألهمته بتفاصيل هذه الرواية العظيمة، رغم أن محفوظات البلديات والمستشفيات فيها خالية إلى حد كبير من ادعاءات أي طاعون في أربعينات القرن الماضي، بحيث أن آخر مرة ضرب فيها الطاعون المدينة كان إبان الإحتلال الإسباني في القرن الثامن عشر. لكن عبقرية الكاتب برزت في جمعه لشخصيات متنوعة بين الديني والعلمي والإنساني، إنها الأدوار نفسها التي نراها تبرز اليوم في زمن الكورونا، كموقف الكاهن الذي فسّر الطاعون على أنّه لعنة إلهية يستحقها الناس لابتعادهم عن الرب، لكن حين يصاب القريبون منه بالمرض، يتغيّر خطابه في عظته الأخيرة، فيستعمل ضمير “نحن” مبعدا فكرة اللعنة، قبل أن يصاب هو الآخر ويموت. تنتهي الرواية باختراع المصل المنقذ، لكن كامو الشهير بعبثيته لا يكتفي بهذه النهاية السعيدة، بل يتركنا في صدمة أمام موت زوجة برنار ريو الطبيب الإنساني الذي تفانى من أجل مساعدة الجميع، والتي توجهت لفرنسا للعلاج من الطاعون، فتموت بمرض السل!
في رواية خوسيه ساراماغو نقرأ عن الحجر الصحي في مكانٍ معزول لمرضى أصابهم العمى بشكل غير مفهوم، ينتقل من شخص لآخر بمجرد النظر. في الحجر تروي زوجة الطبيب المصاب مثل البقية ما تراه بعد أن تدعي أنها مصابة بالعمى هي أيضًا، تروي فظاعات الإنسان التي يمارسها ضد بني جنسه، من ابتزاز يصل حد الإستنزاف التام لكل القيم السامية. لا هوية مكانية – زمانية للرواية، فقط تسليط الضوء على فقدان المبادئ المتحضرة للبشر، وكيف يتحولون إلى وحوش من أجل بقائهم على قيد الحياة، وواضح جدًا أن الكاتب بنى فكرته العظيمة هذه على مدى ترابط المبادئ الإنسانية بقوة البصيرة، لا قوة البصر.
هذا مختصر لروايتين حققتا مبيعات ساحقة مؤخرا، وقد أشرت في مقال سابق قريب إليهما، قبل معرفتي لأخبار تصدرّهما المبيع عالميًا خلال الشهر الأخير.
جاء كورونا ليدعم انتصار القارئ الرقمي على القارئ الورقي، بعد أن أصبحت عملية الخروج من البيت والتوجه للمكتبة واختيار كتاب مغامرة فيها الكثير من المخاطر، وبعد أن أصبح العدو الذي يتهددنا غير مرئي، فقد أثبتت الدراسات أن أكثر الأشياء الناقلة للفيروس هي النقود، ثم الكتب في المكتبات، كونه يعيش ثلاث ساعات على الأسطح، وكون قُرّاء الكتب كثيرا ما يُقلبون صفحاتها بأصابعهم المبللة بلعابهم بعفوية ودون انتباه.
إننا في زمن دونكيشوتي غريب نحارب فيه جميعًا طواحين الهواء، بسيوف خشبية. لهذا أعتقد أننا يجب بعد أن نقرأ “الطاعون” و”العمى” أن نضيف إلى قائمة قراءاتنا رواية “دون كيشوت دي لامنشا” للأديب الإسباني ميغيل دي ثربانتس سابيدرا، لأنها تنطبق علينا اليوم في المستجدّات التراجيدية التي يعيشها العالم كله.
فأجمل ما في هذه الرواية ويشبهنا كثيرا هو بنتيها الحكائية المبنية على شخصين؛ أحدهما رجل نبيل أصيب بلوثة عقلية من قلة النوم والطعام وكثرة قراءة قصص الفرسان، فظنّ نفسه فارسًا والثاني فلاح بسيط، صدّق جنون جاره وتحوّل إلى مرافق له. ونحن هنا بالضبط في موقع الفلاح المأخوذ بالسيد النبيل الخرف. كمُّ السخرية قاتل في هذه الرواية، وقد خطرت ببالي وأنا أقرأ قائمة الروايات التي تصدّرت المبيعات في أوروبا. إذ أنها ظلّت دومًا مطلوبة بين المئة رواية الأولى. أما عربيًا فبعد تصريحات متفائلة لرئيس اتحاد الناشرين العرب بسبب ارتفاع نسبة مبيعات الكتاب الورقي، عقب انتهاء معرض الكويت، وبروز جيل من القراء الشباب المتميزين بوعي لافت، هاهي الكورونا تعيد القارئ العربي بقوة للكتب المقرصنة، المنتشرة على شكل pdf عبر مواقع لا تعد ولا تحصى، وهذا يصعب معرفة نوعية الكتب المقروءة في هذه الفترة، ولكنه يسجل ركودًا واضحًا في سوق الكتاب الورقي.
لكأن الأرض توقفت عن الدوران فجأة، فتغيّر سلوك الناس، على غير توقع نحو الأفضل في مواضع وفي أخرى نحو الأسوأ. لكن عجلة الحياة ذهبت في مسار جديد لم نتوقعه، لقد أدرك الإنسان ضعفه أمام ترسانات السلاح التي خزّنها لحروبه فإذا به أمام عدو لا مرئي، فها هو مثل دونكيشوت عاجز وحالم في موقف لا يحسد عليه، وهو يواجه قدرًا من أغرب أقدار العصر التكنولوجي المتفوق، ألا وهو قدر العزلة، والحجر الذاتي، والعودة للكهف البعيد عن بني جنسه، إذ يبدو أن التكنولوجيا خدمته استعدادا لهذا الحجر.
ما نعيشه شبيه تماما بوقائع فيلم “عدوى” المنتج سنة 2011 والذي قام بدور البطولة فيه “مات دايمن”. الفيلم الذي سحب من قائمة نتفليكس أثار الكثير من الأسئلة على مواقع التواصل الإجتماعي، إذ أن قصته تنطلق من إصابة موظفة عائدة من هونغ كونغ بمرض يشبه الأنفلونزا، يتوضح فيما بعد أن سببه فيروس مرّكب، ناتج عن تلاقح فيروسات من الخنازير والخفافيش. محطات القصة مذهلة، في تتبع حياة المصابة الأولى وعلاقاتها مع القريبين منها وانتقال الفيروس إليهم، قبل الحجر عليهم لتقليص العدوى التي أصبحت تهدد البشرية.
لقد سبق الأدب والفن كل تطور إنساني بخطوات كبيرة، وقدّم قراءات للمستقبل تمامًا كما فعل مع الماضي، وهذا في حدّ ذاته مخيف، إذ أن بعض القصص والأفلام تُحضرنا لمغادرة الأرض إلى كواكب أخرى بعد كوارث أكثر رعبًا من زمن الحروب البشرية والفيروسية، فهل نحن أمام مرحلة وعي جديدة مفعمة بأسئلة جادة حول مستقبل الإنسان؟

اقرأ المزيد

“كورونا”: حكم الضعيف على القوي

هذه تأملات في الجائحة الجديدة المستجدة التي اجتاحت العالم في غضون الشهرين الماضين وتسببت في خسائر اقتصادية وتحولات اجتماعية وسلوكية هائلة، وأحالت البشر إلى كائنات خائفة ومرعوبة ومستريبة وفاقدة للثقة في الحاضر والمستقبل، والسؤال هو: هل كان العالم أفضل قبل كورونا؟ ثم هل سيكون أفضل بعد كورونا؟ بمعنى أن التغيير الذي أحدثه سيرافقنا حتى بعد انتهاء الجانحة واستعادة حياتنا الطبيعية؟
إن العالم الذي نعرفه دومًا يبدو مستقرًا وراكدًا وهادئًا وسائرًا بكل سلاسة نحو أهدافه وغاياته ومتسقا مع الثوابت والتشريعات والأعراف السائدة في حقول السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والبيئة والتربية والعلاقات الإنسانية، والتي ارتضاها الانسان ذاعنا وصاغرا ومرغما دون تفكير ودون نقا ، فنحن ومنذ زمن طويل داخل القفص، أو الفخ، المنصوب لنا بعناية كما اسماه وعرفه وشرحه المفكر آدم كرتيس في سلسلة أعماله الشهيرة المكتوبة والمرئية (the trap) ، وأكبرها فخ الديموقراطية والحريات وحقوق الانسان وشعارات العدالة والمساواة والمشاركة في صنع قراراتنا ومصائرنا، وكل تلك المبادئ التي جرى الانقلاب عليها وتهميشها وعرقلة مسارها الصحيح في كل مكان في العالم، وضمن هذه المنظومة المحكمة تمّ اغلاق الأبواب والنوافذ على كل رياح التغيير القادمة من أي صوت مغاير ومختلف في كل مكان في العالم .
لماذا التغيير ما دمنا نعيش في أفضل العوالم الممكنة وإن كانت مصطنعة؟
هل شاهد أحدكم فيلم عرض ترومان؟ يحكي الفيلم الذي قام ببطولته جيم كاري وأنتج عام 1998 عن برنامج تلفزيوني يشاهده العالم، أما بطل البرنامج فهو آخر من يعلم، وحين يستيقظ ويدرك اللعبة وأنه محاط بالكاميرات التي ترصد حركته وتسيطر عليه تمامًا منذ لحظة استيقاظه إلى أن يغمض عينيه، يفرّ هاربًا من ميدان المراقبة ومن حياته المصطنعة، فيلاحقه المخرج ويتوجه إليه بسؤال فلسفي مهم يلخص مغزى الفيلم: إلى أين تريد أن تذهب، لقد كنت سببًا في سعادة المشاهدين، ولقد خلقت لك عالمًا أفضل وأجمل من العالم الحقيقي الذي كنت ستعيشه، فلماذا تريد التمرد عليه؟
سيطر الإعلام الكوني الموجه على أدمغة البشر، وأقنعهم في ظرف شهرين أنهم مهددون بالفناء، عزل الناس انفسهم خوفًا ورعبًا، وفرض الأمن سيطرته تحت مسمى حالة الطوارئ والسلامة الوطنية، لكن العزلة الأكبر كانت لمن يطرح السؤال المغاير، لمن يناقش ويستفسر ويربط ويحلل، من يجرؤ على قرع الجرس أو الاحتجاج أو الاعتراض سيجد نفسه أيضًا وحيدًا وربما منبوذًا وموضعًا للسخرية، وربما للمساءلة الأمنية وتشويش العامة والاستخفاف بالمحظورات الصحية، فالآلة الإعلامية الضخمة الواقعة تحت سيطرة القوى العظمى هي من يدير اللعبة من ألفها إلى يائها وحتى المنظمات الدولية التي يفترض بها النزاهة والصدّقية لم تخلُ من شبهات الفساد وتضليل الناس والإنحياز لشركات الدواء والتكنولوجيا.
وكي لا أسترسل في التفكير وفق نظريات المؤامرة، أطرح السؤال من منظور آخر: إذا كان “كورونا” جائحة حقيقية وليس لعبة خبيثة ذات مرامٍ وأهداف أبعد من تصورات البشر الواقعين تحت السيطرة الإعلامية الكونية، فإن هذا الوقت هو الأنسب للتفكّر والتأمل وللبدء في التغيير والإصلاح؟
لقد فتكت الأوبئة والأمراض بالبشرية في الأزمان المظلمة الغابرة، ولكن ليس في الزمن المعولم الذي وعد البشرية بالجنة العلمية والتكنولوجيا المريحة والصحة والجمال والعمر المديد، فهل زاد الماء على الطحين، كما نقول في أمثالنا ففسد كل شيء وانهار؟ وأدرك الجميع أن ما صنعناه من بيئة فاسدة وأرضٍ يباب خربة وعلاقات مختلة يوشك أن يغرقنا جميعًا، ألسنا في مركب واحد؟ من هم الناجين من هذه الكارثة بعد أن ساوى “كورونا” بين البلدان المتخلفة والبلدان المتطورة، الفقراء والأغنياء، المشاهير والمهمشين، الباقي هو العبر المستخلصة.
أول درس من “كورونا” هو أن البشرية تغرف من نبعٍ واحد، وتنتهي إلى مصب واحد، وإن ما نشاهده من اختلافات إن هي إلا أمور مصطنعة ومفبركة وغير طبيعية ونتاج التربية الخاطئة والإعلام الموجه. في جملة قرأتها ذات مرة، فإن كل الكائنات الحيّة على الأرض تكبر وتنمو لتكون ذاتها عدا الانسان ينمو ويكبر ويتعلم ويتربى لكي يكون شيئًا آخر لا صلة له بأصله وفصله وانسانيته.
درس “كورونا”، المنتشر والمتطاير سريعًا في أي مكان يهدد الصحة في كل مكان، الأول والأخير: لكي تنتشل نفسك يجب ان تنتشلني معك، وأي بلد مصاب سواء كان قريبًا أو بعيدًا يشكل خطرًا على الجميع في ظل كوكبنا الذي تحوّل بفعل العولمة إلى قرية كونية نتشارك فيها جميعًا.
ان العودة الى العالم المتشابك المترابط الذي كنا نعرفه قبل “كورونا” لن يكون ممكنا دون الاستحقاق الإنساني الذي تأخر طويلًا، وهو إرساء مبادئ العدالة والسلام والرحمة والتضامن والمساواة والمسؤولية والتشارك الحقيقي في السرّاء والضرّاء .

اقرأ المزيد