المنشور

“فرجان لوّل” *

نعيمة السماك
كنت أمنى نفسي بأن اشتري منها مجموعة جديدة من البهارات، التي اعجبتني وأحببتها. وقلت سوف أشتري كميّة، لأني أريد ان اهدى اخواتي شيئاً من بهاراتها الطيبة. اترقب بين حين وآخر وأعاود ارسال طلبي عبر “واتس اب”، ولا اتلقى أي رد. ساورتني الشكوك. همس صوتٌ داخلي، ماذا بها؟، لماذا لا ترد على رسائلي؟، ولا حتى على الهاتف! أتراها مصابة أم في حجر! فكأني بهذا الداء لم يوفر أحدأً من شرّه. وبعد مدة انتظار تجاوزت الأسبوع عاودتُ الاتصال. أيضا لم اتلق أي رد.
لم أيّأس. اعدت ارسال “مسج” جديد. وهنا جاءني الرد حاسما قاصما فاجعا: لم نعد نعمل توقفنا. الوالدة في ذمّة الله، انا ابنها. أسقط في يدي. وهنا فقط عرفت لماذا تأخرت وتعطلت كل الردود المرتقبة منها. لا يمكنني أن أصدّق ان بهذه القسوة والسرعة يمكن ان تنتهي حياة إنسان؛ كيف؟ متى؟ لا أعرف.
كل ما أعرفه الآن أنك أمام حقيقة واحدة هي حقيقة الموت الفاجع أياً كانت الأسباب. “كورونا” تنمر واستشرس على مدى شهر ونصف تقريبا في خطف الأرواح، وأفجع عوائل كثيرة في البحرين وبخاصة خلال شهري مايو ويونيو الماضيين.
في العام الماضي، 2020، لم يكن عدد الإصابات فاجعاً كما حدث قبل شهور قليلة، وكان عدد الوفيّات محدوداً. اما ما حدث بعد ذلك فهو خارق للتوقع، قاصم للروح. اما متى سينتهي هذا الوباء اللعين من العالم فالعلم عند الله وحده.
آخر مرة التقيتها كانت في رمضان الماضي عندما ذهبت لاستلام “طلبيتي”. من أمام باب بيتها كانت هاشة باشة وفي منتهى الحيوي. ولم يخطر ببالي أنها ستتوفى بعد شهر. وهذا كان حال الكثيرين من شباب هذه الأرض الذين غادرونا سريعاً بل سريعاً جداً بدون أي مقدمات.
ما شهدناه في مايو ويونيو الماضيين لا يمكن لعقل أو قلب أن يُصدّقه. فجعنا في أحبة كثيرين وفجع اهاليهم فيهم. كان الموت أحيانا يخطف أكثر من فرد في العائلة في فترة وجيزة أو متقاربة. لا تسمع نبأ موت أحدهم الا ويكون سبب الوفاة: كورونا. يعجزون عن التنفس، فيطلقون صرخاتهم الأخيرة من غرف العناية المركزة (لا أستطيع التنفس)، ويغادرون.
كيف يصبح أرخص شيء في هذا الكون هو أغلى شيء في هذه الحياة. الهواء الذي يوجد مجاناً في الطبيعة يصبح أغلى شيء، حين يجهز “كورونا” على قدرة الإنسان على التنفس!

*”فرجان لول” اسم حساب الإنستجرام للمتوفية

اقرأ المزيد

ربطة العنق

جاء إلى هذه الدنيا وسيمًا، ولا يدري إن كانت تلك الوسامة خيرًا، أم عبئًا. شعره الأسود المائل إلى البني قليلًا منحه الفرصة ليتفنن في تسريحه بطرق مبتكرة إلى درجة أن زملاءه بدأوا يشعرون بالغيرة منه وينظرون إلى تسريحاته بنوع من الحنق لأنها تستفزهم. بياض بشرته النسبية أضاف ألقًا إلى وسامته مثيرًا انتباه المراهقات خاصةً وبعض النساء اللعوبات. إحساسه بالزهو وهو يسمع كلمات الإطراء منهن أعطته بعض الثقة في النفس، لكنه في نفس الوقت اعتاد أن يتعرض للعديد من المضايقات من بعض الشاذين الذين يراهم يتبعونه دون توقف خاصة في سوق المنامة، حيث دكان والده، هذا التحرش خلق لديه بعض الخوف، دفعه أو ربما أجبره على تفادي ارتداء الشورت الذي يكشف عن فخذين بيضاوين يثيران الحمقى الشاذين.

مرة كان حارث قادمًا من بيت عمته في يوم عيد، مرتديًا أجمل الملابس مع نظارة رايبون رمادية عاكسة، عندما استوقفه أحد الشباب الأشقياء وقال له: “أنت غلطة من أغلاط القدر ..أنت جمالك جمال أنثى، لو لم أكن أعرف أهلك لما تركتك تمضي دون أن أحظى بك”. أسرع حارث الخطى وتمنى أن تنشق الأرض كي يختبئ داخلها هربًا من هذا الوضع المزعج.

كان يحب التصوير، يسير دائمًا وكاميرته من نوع “أجفا” معلقة على كتفه. تلك الكاميرا استخدمها كتذكرة دخول إلى الكثير من أعراس النساء في منطقته، عاشقًا للجمال والنساء منذ بداية سن مراهقته، أغلب البنات كن ينظرن إليه بإعجاب لكنهن يقولن له: ” ليتك كنت أكبر سنًا ، ما زلتَ صغيرًا على الحب!”. وهذا ما سبب له بعض الضيق.

مرة كان واقفًا خارج أحد الأعراس في منطقة قريبة من منطقته، مرتديًا كعادته بدلة أنيقة مع ربطة عنق، على عكس زملائه الآخرين الذين يرتدون ملابس عادية. عدد الشباب الواقفين معه بدا كبيرًا نسبيًا. الفتيات المراهقات من البيت الذي يقام فيه العرس كن يتلصصن من النوافذ، بعضهن يحدقن فيه ويحركن أيديهن لإثارة انتباهه هو بالتحديد مما أثار حنق شاب يكبره سنًا من منطقة أخرى اسمه “علي كو”، عُرف بأنه شرير لا يتورع عن فعل أي شيء، اقترب من حارث، ورائحة الخمر تفوح منه، وفاجأه بلكمتين على وجهه دون أي سبب ولم يهرع أي شخص لمساعدته خوفًا من بطشه. عندما كبر حارث تذكّر هذا الموقف وضحك معلقًا “إنه الصراع الطبقي..ظن ذلك الشاب (الشرير) الفقير شبه المعدم بأنه من أولاد الأغنياء سارقي فرح الكادحين، بسبب أناقته وملابسه -وهو لم يكن كذلك- فانتقم منه بالضرب تعبيرًا عن ذلك القهر الطبقي الضارب بجذوره في داخله، وهو بدا يعاني من نفس القهر في فترة لاحقة بعد أن عرف الحقيقة وامتلك الوعي، لكنه يعبر عنه بوسائل أخرى غير الضرب.

نادته ابنة خالته من النافذة في نفس تلك الليلة وأخبرته أن هناك فتاة معجبة به جدًا اسمها مرايم، مصرّة على التعرف عليه. أخبرته بأنها سوف تأتي لزيارتها في اليوم التالي وطلبت منه أن يكون هناك.

في اليوم التالي وفي الوقت المحدد توجّه إلى بيت خالته حيث وجد مرايم تنتظره، تفاجأ حين شاهدها، بدت أكبر منه سنًا نسبيًا، شكلها عادي ولا تتمتع بالجاذبية سوى نهديها الكبيرين النافرين. طلبت منه أن يكتب لها رسالة، ففعل وسلّمها الرسالة بعد أقل من ساعة مكتوبة بخطه الجميل وأسلوبه الأنيق. وهو يسلّمها الرسالة شعر انها لا تشبهه ولم تلامس قلبه. مجرد إشباع غرور، جنون طاووس فخور بشكله الذي لم يخدمه في سنواته اللاحقة. شعر بالأسف على استعجاله ورعونته وربما غبائه، ونسى أو تناسى الموضوع.

بعد فترة كان هناك عرس آخر في نفس المنطقة، دخل مع ابن خالته مكان العرس، مرتديًا كعادته بدلة وربطة عنق، رأته مرايم من بعيد فأشارت بيديها أن يتبعها إلى سطح البيت لكنه تجاهلها. في تلك اللحظة شعر حارث بالحر فنزع ربطة عنقه وعلّقها على كتفه، فوجئ بمرايم من خلفه وهي تسحب ربطة العنق وتعدو بعيدًا وهي تقول “إن كنت تريدها الحقني إلى السطح…لا أحد هناك لا تقلق ” لم يهتم حارث بالموضوع فبدأت تنادي ابن خالته ليقنعه بالتوجه إلى السطح ولكنه لم يأبه بها. قبل انتهاء العرس بقليل أعادت إليه ربطة العنق وهي معقودة بقوة يصعب فكها ومعها ورقة كتبت فيها: “حبي لك قوي بقوة هذه العقدة، لن تنفك. لن أنساك!”. لم يهتم حارث بكل ما حدث فهي لم تقترب من أسوار قلبه ولو قيد أنملة فهو من النوع الذي له مزاج خاص مع الفتيات ولا تعجبه أي واحدة بسهولة.

في إحدى المرات وهو يمر بسيارته في شارع السينمات في يوم صيفي حار، وجد رجلًا مرميًا على الأرض، أوقف سيارته وتوجّه إليه، كان ذاك الرجل “علي كو”، في حالة سكرٍ شديد، فأخذ حارث زجاجة ماء ورشّها على رأسه حتى استفاق نسبيًا من السكر وأدخله سيارته ليوصله إلى بيته. ذكّره حارث بأنه ضربه يومًا فكان رده: “أنا لا اضرب سوى أولاد الأغنياء فهم يذكرونني بحرماني وبؤسي ..هم السبب ..هم السبب !! أطرق حارث صامتًا وهو لا ينفك يفكر بالقهر الطبقي وما يفعله.

سنوات مرت، وحكاية مرايم اختبات أو انطفأت في أكمام الزمن أو في تجاويفه. مرة سمع أنها تزوجت من رجل خليجي اصطحبها معه إلى بلده، جاءه النبأ المفجع بعد سنوات قليلة بأنها أصيبت بسرطان الثدي ورحلت. شعر بالأسى والحزن والندم على تصرفاته الطائشة معها ولم يسامح نفسه أبدًا.

تذكّر عقدة ربطة العنق في ذلك الزمن البعيد، تلك العقدة التي لم يفهمها أو لم يأخذها مأخذ الجد حينذاك … هل تلك العقدة هي التي اشتبكت مع مسيرة حياته القادمة التي امتلأت بجبال من العقد ولم تتوقف، أم إنها عقدة الذكريات التي تربط أعناقنا بوثاق الماضي !!

اقرأ المزيد

يوسف العجاجي: صفحات مضيئة من تاريخ “التحرير” والوطن

برحيل المناضل يوسف حسن العجاجي يغيبُ واحد من الوجوه المضيئة في تاريخ البحرين وتاريخ الحركة الوطنية والتقدميّة واليسارية فيها، فالعجاجي لم يكن مناضلاً وقائداً وطنياً فحسب، وإنما هو واحد من الذين وضعوا اللبنات الأولى، الصلدة والقويّة، للتيار التقدمي في البلاد، الذي غدا تياراً مهمأً وفاعلاً في تاريخ وطننا، لا على صعيد خلق الوعي الوطني، وحشد الجماهير حول الأهداف الوطنية والديمقراطية العادلة للشعب، وفي مقدمتها النضال ضد الهيمنة البريطانيّة ومن أجل نيل الاستقلال الوطني، وإنما أيضأً على صعيد نشر قيم الحداثة والتنوير والتقدّم في مختلف أرجاء وطننا، بمدنه وقراه، وفي صفوف كافة مكوّنات هذا الشعب على أسس وطنيّة حقيقيّة وحديثة، متجاوزة للعصبيات الطّائفيّة والمذهبيّة والقبليّة والعرقيّة والمناطقيّة.
يوسف العجاجي مثله مثل أحمد الذوادي وحسن نظام وعلي مدان وعلي دويغر وحسن جناحي وجعفر الصيّاد وإبراهيم ديتو وعبدالله البنعلي ويعقوب الجناحي وعشرات سواهم من مؤسسي الجبهة ومن كوادرها الأولى بنوا تنظيماً تقدّميّاً، طليعيّاً، مناضلاً، بات له شأنه ومكانته داخل الوطن، وصيته في المحيط الخارجي والعربي وفي الحركة العماليّة واليساريّة العالميّة، وعلى خطى هؤلاء ورفاقهم سارت أجيال من البحرينيين، نساء ورجالاً، وما زالت، مستلهمة منهم ومن تضحياتهم وإخلاصهم القدّوة، فلم تثنهم لا السجون ولا المنافي ولا كافة أنواع العذابات والضغوط عن مواصلة كفاحهم.
علينا تخيّل كيف كانت البحرين في أوائل ومنتصف خمسينيات القرن الماضي، لندرك إلى أي مدى كانت بصيرة هؤلاء القادة، ويوسف العجاجي واحد من أبرزهم وعياً وثقافة ومعرفة وكفاءة، ترنو إلى المستقبل، وتجترح أساليب عمل جديدة، وتبشر بفكر مغاير، جديد وعميق، جدير بشقّ الطرق نحو هذا المستقبل.
بعد سنوات فقط من تأسيس تنظيمهم: جبهة التحرير الوطني، وضعوا وأقرّوا برنامجاً سياسياً، هو الأول من نوعه في تاريخ العمل الوطني، بمنهاجه ورؤيته، ليس فقط لدّقة وصحّة ما تضمّنه من مطالب، وإنما أيضاً بما حوته مقدمته من تشخيص دقيق للأوضاع في البحرين، بالارتباط مع التحوّلات المهمة، لا بل والجذريّة، التي شهدها العالم يومذاك، وما كان بوسع واضعي هذا البرنامج أن يفعلوا ذلك، لولا ما تمتعوا به من وعي متقدّم واطلاع فكري ومتابعة للجديد.
لروح الرفيق يوسف العجاجي وأرواح من سبقوه في مغادرتنا من أولئك الرفاق: أحمد الذوادي، علي دويغر، جعفر الصيّاد وغيرهم السلام والطمأنينة، ودعائنا بدوام الصحة وطول العمر لمن لا زالوا معنا محافظين على جذوة الفكر الذي تذروا حياتهم من أجله.

اقرأ المزيد

الشباب والشأن العام

يعدّ مجتمعنا البحريني، شأنه في ذلك شأن المجتمعات الخليجية عامة، مجتمعاً فتياً، حيث نسبة الشباب ممن تقل أعمارهم عن الثلاثين هي نسبة طاغية، ويدخل هذا الجيل الحياة وهو يواجه مشاكل في التعليم وفي العمل ويعاني من نقص وضعف الخدمات الاجتماعية والثقافية وسواها، وعلى كاهل هذا الجيل تقع أعباء معيشية وعائلية مرهقة، وهي أمور لا بد وأن تؤخذ بعين الاعتبار، في إطار السعي لتوسيع مشاركة الجيل الجديد في الشأن العام.

المؤكد أن للتضييق مساحة الحريات، بما في ذلك حرية التعبير، وفرض قيود على أنشطة مؤسسات المجتمع المدني، دوراً كبيراً في عزوف الشباب عن الانخراط في الشأن العام، وهو ما يترك أثره السلبي على حيوية المجتمع، خاصة وأن الجيل الجديد يواجه قضايا غير مسبوقة في زمن العولمة الثقافية، وليس بالوسع عزل هذا الجيل عن مؤثراتها، بل لعل ذلك ليس مطلوباً، فلكي نواجه قضايا العصر يجب أن نزج بأنفسنا في أتون هذا العصر لا أن نهرب منه، بيد أن ذلك يتطلب مقاربة شجاعة للتحديّات التي يثيرها، ويطرحها على تفكير وسلوك الجيل الجديد.

المؤثرات الوافدة بفعل آليات الاتصال الراهنة تتوجه مباشرة نحو أذهان هؤلاء الشباب بالذات، فهم الأنشط تفاعلاً مع وسائط الاتصال الحديثة، والأكثر مهارة في سبر أغوارها والولوج في دهاليزها، ولا يمكن الاستخفاف بما يتلقونه من معارف وأنماط تفكير وسلوك من هذه الوسائط تضاهي، لا بل وتتفوق في أحيان كثيرة على المؤثرات التي يتلقونها من خلال الوسائط التقليدية كالعائلة والمدرسة والمحيط الاجتماعي المباشر.

في المجمل فإن الأجيال الجديدة تتعاطى مع مصادر للتكوين الثقافي والنفسي لم تعرفها الأجيال الأسبق، وليس هذا وحده ما يتعين ملاحظته، عند التفكير في مسألة عزوف قطاعات ليست قليلة من الشباب عن الانخراط في الشأن العام، فالظاهرة كلها تتطلب معالجة تفصيلية.

يظلّ أن الجوهري في الأمر هو إيلاء عناية أكبر لإشراك الشباب في الشأن العام ودمجهم فيه، عبر مختلف الآليات الثقافية والاجتماعية، من خلال تشجيع الهيئات الشابة التي يمكن أن تجترح أفكاراً جديدة تلائم وعي الشباب وطموحاتهم وتطلعاتهم، والقضايا التي هم بحكم أعمارهم وحساسياتهم العصرية أكثر قرباً منها، مما يجعلهم مهيئين، إن أحسن إعدادهم، ليكونوا في رؤاهم أقرب إلى المستقبل.

اقرأ المزيد

أيّها النوّاب

في وضع مشحون بالقسوة والقساة، مليء بالضنى والقهر والنهب، يتسيّد الجشع المعلن بلا خجل ولا خوف ولا استحياء، وللأسف من تحت قبة البرلمان تخرج أحياناً كثيرة قوانين تحمي ذلك، وإلا كيف تنهب الحقوق في وضح النهار وبلا مساءلة للفاسدين، فيما المطوب من نوّاب الشعب الوقوف إلى جانبه والنظر في أحواله المعيشية؟.
لقد كان النواب يتسابقون في إظهار “حبهم” للشعب أثناء خطبهم في خيام الانتخابات، واليوم لسان حال بعضهم يقول بعد الفوز: (أنا يهمني الراتب.. لا يهمني شيء)، (غيري ليس أحسن مني) وبالفعل لا يفعل ما كان قد قاله في حملته الانتخابية.
لتأخذوا الراتب لا مشكلة، لكن تحدّثوا دفاعاً عن حقوق الناس كما استبسلتم في خطاباتكم أثناء الحملة الدعائية في الخيام، لتكن شعاراتكم صادقة، عندما استعرضتم للدفاع عن مطالب الشعب من أجل السكن والبطالة والصحة والتعليم، ألا تريدون لشعبكم أن يتعلم ويتثقف ليرتقي بوطنه وحرصه للعيش في بيئة صحية نظيفة؟ ألا تريدون وطناً متحضراً؟
نحن اليوم نسبح في بحيرة من الفساد وذلك بسبب حب الذات والأنانية وسلوك جمع المال بطرق غير مشروعة عبر الصناديق التأمينية والتقاعد من أناس لا يمسهم القانون، ولا يصلون حتى المحاكم على عكس الفقير المعوز حين يسرق تتم سرعة البت في الحكم عليه.
بالأمس كانت أمور النهب من تحت الطاولة، وكل جهة تتهم الأخرى أما اليوم كل شيء واضح حيث جهات النهب معروفة، فأين النواب، إلا قلة منهم، من ذلك؟، ولماذا لا نسمع أن الوزير الفلاني أم المدير العلاني حوكم أو سجن بتهمة الفساد وسرقة المال العام؟، فالديمقراطية يجب ألا تكون عملية شكلية، تصاغ نصوصها ليلاً وتسرد في الصباح، الديمقراطية ممارسة ، أفعال لا أقوال فقط.
أيّها النوّاب، أنتم لستم أطباء ولا مهندسين، لستم عمالاً في مصانع، لقد خوّلكم الشعب بأن تكونوا عوناً له، لا فرعوناً عليه، خوّلكم بأن تكونو نوّاباً عنه لا نوّاباً لأحد غيره، وقد انتخبكم لترعوا مصالحه، وتحافظوا على حقوقه ومكتسباته ولا تكونوا طرفاً مع من يلتوي على القانون.

اقرأ المزيد

فوق جدار الصين

رضيّتُ بالسلامة على عمري غنيمة
هذه حكاية وقعت لي في العام 2006 اثناء رحلة سياحية للصين، ظلّت عالقة بذهني سنوات طويلة، وأستعيدها كلما وجدت نفسي في مرحلة تتسم بالحيرة والتشوش وتقتضي اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.
كنا وقتها مجموعة من الأهل والأصدقاء وعشاق السفروهواة المغامرات، وفي أعمار شابة وإن تفاوتت نسبياً، وكان البرنامج الذي بدأ منذ الصباح الباكر ينطلق من زيارة سور الصين وصعوده، حيث خصصت وزارة السياحة في الصين عدداً من المواقع على امتداد السور لزيارات السيّاح.
قصدنا قسم موتيانيو على بعد حوالي 60 كيلومترا شمال وسط الصين، وهو أحد أكثر اقسام النصب شهرة وأقلّها ازدحاماً، والمعروف أن ارتفاعات السور تتفاوت من منطقة لأخرى، حيث يقطع صعوداً وهبوطاً جبالاً وودياناً وسهولاً وصحارى لمسافة تمتد نحو 1500 ميلاً .
قدّمت لنا المرشدة السياحية، ونحن في الحافلة ثلاث نصائح مهمة: اجراء تمرينات التحميّة تلافيا للشد أو التمزق العضلي، الالتزام بالصعود بطريقة حلزونية كمشي الأفعى كتقنية مجربة وسريعة وأخفّ وطأة على الركب، خصوصاً وأن العتبات متفاوتة الارتفاع ومتعرجة، وأخيراً أعادت تنبيهنا إلى أنّ الصعودإالى هذا العلو يقتضي التريث لمن يعاني من رهاب الارتفاعات.
أجرينا التمرينات اللازمة ووقفنا دقيقة لالتقاط صورة جماعية تحت السورعلى وعد منا أن نلتقط صورة مماثلة لها عند القمة، وانطلقنا…
في الطريق كنا نرى السياح يصعدون وينزلون ويتراجعون، وكلما توغلنا في الارتفاع استوقفتنا زوايا ومتاجر تسوق وهدايا وأعلاماً وقمصاناً تحمل صورا للسور متضمة عبارات تشجيعية “لقد بلغت ربع المسافة، أو نصفها، أو أنت على وشك بلوغ القمة”، وذلك لمنح المترددين أو المتكاسلين جرعة تحفيز إضافيّة، وهكذا مضى برنامج التسلق، ومن الطبيعي أن الاكثر شباباً ولياقة، والأصغر سناً بلغوا القمة في وقت قياسي، وراحوا من فوق ومن نقطة النهاية يطلقون الصيحات ويستحثون البقية للمواصلة، “تعالوا لالتقاط الصورة”، وأما البقية المتمهلة تحت – وأنا منهم – فراحوا يبطئون الصعود بعد أن بدأت قواهم تتضاءل شيئاً فشيئاً.
قالت رفيقتي: “ركبتي” وجلست على أقرب عتبة، نظرت فإذا امامي عتبات طويلة تبلغ ثلثي المسافة صعوداً وثلثاً اخر للنزول. تذكرت مثلا عالميا يقول “قد تبلغ نهاية الدرب اعتمادا على الكذب أو الادعاء أوالوهم لكن السؤال هو في كيفية العودة؟”، وكنت ارنو إلى ما تبقى من مسافة صاعدة، وأقيس مقدرتي الجسدية ولياقتي الصحية، وحين بدأت استشعر الرجفة في رجلي، تساءلت: ماذا لو أخفقت في المنتصف؟ هل ثمّة وسائل انقاذ ومسعفين؟ صحيح، إنه السؤال الذي لم نطرحه على مرشدتنا السياحية.
برنامج صعود السورالمفاجئ – والذي لم نحسب له نحن غير الرياضيين حساباً – يماثل تحدّيات عديدة نخوضها في حياتنا، بعضها نذهب إليه طواعية، آخر نلقاه مزروعاً بالمصادفة في طريقنا كهذا السور العالي، لذا فإن الوقفة الصحيحة مع النفس جديرة بالاعتبار.
هنا، أنت لا تتحدى الآخر أو تحاول خداعه أو الاحتيال عليه، انما تختبر نفسك وذاتك وقدرات جسدك، الحساب إن لم يكن صحيحاً ومدروساً وبناء على معطيات سليمة، فالعواقب ستكون وخيمة، وهذا ما يجري لنا في كل مرحلة من مراحل حياتنا، فحين نؤسس المشاريع ونمضي قدما في مسيرة العمل المهني ونغامر ونجازف ونتخذ القرارات ونتقافز من موقع الى آخر، فإنما نفعل ذلك تعويلاً على رصيدنا من عناصر القوة كالصحة والعلم والمعرفة والتمكن والخبرة والمال والطاقة ونزعة المغامرة في تلك المرحلة الزمنيّة.
هبطت رفيقتي عدة عتبات وتبعهتا اثنتان، قالت الصديقة نحتاج أيضاً إلى طاقة للعودة، شدّتني صيحة اخرى للواصلين تستحثنا على الحركة ،”يالله ، تعالوا ، ننتظركم لالتقاط صورة تاريخية للمجموعة فوق السور” من ضمن الستة عشر فردا تراجع أربعة فقط، وكنت آخر النازلين، قبلها منحت نفسي مزيدا من التفكير والتنفس العميق، اشتريت قميصا خُطت عليه عبارة “أنت بلغت ربع المسافة”، تذكرت أنني ركبت الصعاب الكثيرة في حياتي الصحفية والسياحية أيضاً، وغطيت حروباً ومناطق ملتهبة في لبنان والعراق في معمعة الحرب، وكنت على حاملة طائرات عسكرية في الحرب على العراق عام 2003، وكان أول تدريب تلقيناه على السفينة هو كيفية اتقاء الهجوم الكيماوي، وقيل لنا على الحاملة: أي خطر تتعرضون له من أي جهة هو على مسؤوليتكم، ولن تتلقون أي تعويض!.
وقادتني التجربة ذاتها إلى الإبحار في غوّاصة مائية حربية اشبه بزجاجة مغلقة، وانطوى كل حاجز عسكري أو نقطة تفتيش أو معبر اجتزته على الكثير من الخوف والمخاطر، وخضت ألعاباً مخصصة للمغامرين والشجعان فقط، وصعدت مناطيد هوائية ومظلات هبوط، وتسلقت أهراماً وابراجاً شاهقة وسلالم طويلة وملتوية، واقتربت من عرين الحيوانات المفترسة في رحلات السفاري في إفريقيا والهند وتايلند، وغالبت خوفي المزمن من الأماكن المغلقة بأسلوب الغمر وبالمران والتدريب.
لكن كان ذلك في عمر اصغر، حيث الحيويّة واللياقة الصحيّة والحماس والرغبة في التنافس وتحقيق الانجاز واختبار اقصى درجات التحمل، منتحتني ذكريات الماضي الجميل رضاً نفسياً وقناعة مريحة، جال بخاطري قول الشاعر العربي أمرؤ القيس: “وقد طوًفت في الآفاق حتى / رضيت من الغنيمة بالإياب”.
عدت أدراجي على العتبات الصلبة المتعبة بعد أن اختبرت نصف متعة التجربة، رددت مع نفسي قولا شعبيا مأثورا “صاحب النصيفة سالم” .
كنا قد تركنا خلفنا قبل هذا اليوم برنامجاً ناجحاً ومتنوعاً وحافلاً، امتدّ على مدى أسبوع مع مؤتمر التصوير الفوتوغرافي العالمي “فياب”، ولا يزال أمامنا يومان سياحيان في العاصمة بكين قبل العودة إلى الوطن، عبر رحلة طيران تناهز الإثني عشر ساعة، إضافة إلى عدّة ساعات عبور في مطار هونج كونج ليلاً. نعم كان قرار التراجع صائباً وحكيما في قبال المجازفة المحفوفة بالمخاطر.
حين التأم فريق الرحلة بعد عودة الجميع إلى الحافلة، قالت لنا المرشدة: “ما لم أقله لكم قبل ان تصعدون هو أني صعدت السور مرة واحدة في حياتي، ومن نقطة أقلّ ارتفاعا وسقطت مريضة اسبوعاً ولم أكرر التجربة”.

اقرأ المزيد

شمس صديقي غسان

تربطني بصديقي غسان معرفة قديمة، وجمعتني معه أولى المراحل الدراسية منذ بدايات التسعينات في مدرسة البديع الابتدائية للبنين. تزاملنا في مختلف المراحل الدراسية حتى المرحلة الجامعية حيث أختار لنفسه دراسة تخصص الهندسة. استمرت المعرفة ولكن كما هي سنة الحياة وعجلتها المتسارعة لم يكن تواصلنا على ذات الوتيرة، فانعكس ذلك على ندرة التواصل على عكس ما أتمنى.
وضعت الحياة المهنية صديقي غسان في مواقع عمل متسقة مع شهادته الاكاديمية، مما يتطلب تواجده في مناطق نائية غير ذات حياة أحياناً، وغالباً ما كانت تلك المناطق عارية تحت أشعة الشمس الحارقة. تذكرته تحديداً خلال هذه الأيام التي تشهد تطبيق قرار حظر العمل تحت أشعة الشمس المباشرة وفي الأماكن المكشوفة خلال فترة الظهيرة من الساعة الثانية عشر ظهراً وحتى الساعة الرابعة عصراً في شهري يوليو وأغسطس.
دأب صديقي غسان على التنويه والتنبيه مراراً وتكراراً في ذات الفترة من كل عام بأن القرار يحتاج لمراجعة من أجل أن يحقق الغايات التي وضع من أجلها، وليس كافياً الاعتماد على أربع ساعات فقط لمنع العمل، حيث ان شمسنا كما هو معلوم تشرق شديدة القوة خلال هذه الفترة بل وإن أثرها الحارق يطال فترة أطول من شهري يوليو وأغسطس، فلا الشمس وحرارته تكون ناعمة خلال يونيو ولا هي تخبو وتبرد خلال شهر سبتمبر.
إذاً، كيف يمكن تطبيق القرار حفظاً لأرواح عمال شركات المقاولات ومؤسسات البناء الذين هم الشريحة الأكبر الذين يواجهون مخاطر العمل تحت أشعة الشمس؟
يجيب صديقي غسان على ذلك بأنه يجب الاعتماد في قرار حظر العمل على درجات الحرارة المحسوسة، وليست تلك المسجلة في جهات رصد الطقس، حيث تعتمد تلك الجهات، وهي آلية معيارية معتمدة دولياً، إلى حساب درجات الحرارة في الظل، وواقعاً لا وجود لتلك الحرارة المسجلة تحت أشعة الشمس خلال العمل في الأماكن المكشوفة عديمة الظل، حيث تتخطى غالباً الدرجات المسجلة والمعلنة.
ويذهب صديقي غسان إلى أبعد من ذلك، حيث قرر بأن أحد مخارج الحل، هو إيجاد فريق معني يقوم بحساب وتسجيل الحرارة بشكل مستمر وإرسال القراءات للمقاولين والشركات التي تعرف بأن كل درجة حرارة لها احترازات محددة مسبقاً، طوال أيام السنة وليس فقط خلال شهري يوليو وأغسطس. فهل تجد حلول صديقي غسان آذاناً صاغية؟

اقرأ المزيد

يوم مع الموسيقى

في فرنسا، الموسيقى في كل مكان، في المسارح، والجامعات، والشوارع، في الأعراس والجنازات وحتى في المترو. أينما تذهب الموسيقى ترافقك. أتذكر أول مرة سمعت فيها صوت تلك الآلة الفرنسية كنت في محطة المترو وكانت الأصوات عالية، ليأتي صوت الأكورديون وينهي جميع الضوضاء المحيطة. صوته يشبه ملامح فرنسا، ملامح المكان وتاريخه. جعلني الصوت أسافر الى عوالم لم أعش فيها من قبل، تلك الخاصة بمغنيين مثل اديث بياف، جورج براسنز، فرانسواز هاردي، شارل ترينيه، باربرا، داليدا، جاك برل وغيرهم.

كنت في هذه الفترة، أتعلم اللغة الفرنسية ولم أكن أسمح لنفسي بسماع موسيقى غيرها لتساعدني على تعلم اللغة بسرعة. كل موسيقى عربية كانت ممنوعة بالرغم من حبي لها، حتى صوت فيروز كان ممنوعاً. استغرقني الموضوع سنة كاملة لأفوق من هذيان هذه الموسيقى، وأرجع الى عوالم الموسيقى العربية، التي بدأتها بالرجوع إلى موسيقى بلدي. رجعت لألحان خالد الشيخ و أحمد الجميري وأنغام أصدقائي الموسيقيين مثل حسن ومحمد حداد، ومحمد المرباطي ليذكروني برائحة الوطن، ومعنى أن يكون المرء في وطنه. كنت أسمع موسيقاهم كلما أشعر بشيء من الحنين فيكون استرجاعًا للفصل الأجمل من الحكاية مثلما يقول محمود درويش:

الحنين وجع البحث عن فرح سابق
لكنه وجع من نوع صحي
لأنه يذكّرنا بأننا مرضى
بالأمل…وعاطفيون!

كنت أحنّ لكل موسيقى تذكرني ببلدي وأسمعها صباحاً مساءً. كان لفيروز نصيب الأسد كل صباح مع فنجان قهوة ساخن، وكان للجاز حظّه، ولأم كلثوم وقتها في الليل. الموسيقى تجعلني أستذكر أحاديث ومشاهد عن الشعر والأدب. أذكر حديث لشخص عزيز وهو يسرد ذكرياته في السجن، ومعه شاعر. كانا يتأملان الليل مع بعض، وحدث أن لاحظ صديق الشاعر نور القمر وكان قمرا شاعرياً، فناداه وافرد له مكان بجانب النافذة ليستلهم من القمر شعراً، ويحفظ صديق الشاعر القصيدة عن ظهر قلب ويذكر صديقه بالشعر المكتوب بعدما شابا ولعب عليهما الدهر لعبة الزمن. هي أحاديث أسترجعها عندما أسمع تلك الأنغام وأحنّ الى أشخاص أحاديثهم تشبه الموسيقى.

أستذكر عازف عود أخبرني بأنه ترك عروسه في ليلة عرسه لانشغاله بالعزف في أمسية من أمسياته الموسيقية، وقدّم حب الموسيقى على حب المرأة. كان لي صديق آخر لا يعرف عمل شيء وهو يسمع فاغنر، بل كان يعتبر عمل شيء مصاحباً جريمة عند سماع الموسيقى. هم مجانين موسيقى كنت أرافقهم و كانوا يخبروني بهوسهم المجنون الذي قد يأخذهم بعيداً عن البشر. قد تشكّل الموسيقى درع حماية لهم من حوادث الدهر وخيبات الأمل.

أما أنا فالموسيقى كانت تعطي معنى لحياتي عندما لا يكون لها معنى. لا أعرف أن أقضي يوما دون سماع الموسيقى. الموسيقى تلهمني، ترافقني في فرحي وفي ترحي، بها أستطيع التفكير والتركيز والتخيل، تخيل قصص حب أتمنى لو أعيشها أو يتراءى لي أنني عشتها وانتهت.

كل هذه الموسيقى، تركت ذكريات الجزء الأكبر منها في فرنسا، لأنّ في السفر للموسيقى طعم آخر، عندما تكون لوحدك ولا يكون لديك رفيق غيرها. أتذكر بأن صديق أخبرني ذات يوم بأنه يريد صنع الموسيقى طوال حياته، و تجريد نفسه من أي عمل آخر أو حب آخر غير الموسيقى. أحببت هذا الشغف الذي تكون فيه الموسيقى أساس كل شيء وسبب عيّش.

في فرنسا كنت أذهب الى حفلات موسيقيّة عدة، وكنت أسافر إلى عوالم جميلة في كل أمسيّة، كان سفرًأ هادئًا يشبه العودة إلى الوطن، فيه أمان ولقاء الذات بالذات. تكون حاضرة تلك القشعريرة التي تُذكرنا بفرح قادم وذلك الحلم بالعيش في الموسيقى، نتخيل أحاديث جميلة بين الآلات، تلك الأحاديث التي نكاد نعرف هوية حاضريها ونريد أن نتعرف على كل واحد منها، حتى ينتهي العازف ويوقظنا من الحلم. وحتى ان استيقظنا من الحلم، تبقى الموسيقى عالقة في ذاكرتنا ونرددها أو ندندنها لحين اكتشاف موسيقى جديدة.

“في أعماقي موسيقى خفيّة أخشى عليها من العزف المنفرد”، يقول محمود درويش

نتمنى لو كان من نحبهم يصاحبونا في سماع الموسيقى التي نحبّها، فيهدي العاشق للعاشقة قصة حب موسيقية، يتقمصون شخصياتها، و تتقمصهم، فتصبح الموسيقى جماعية، معاشة، حية، تذكرنا بحنينا للحب ونشوته التي لا تكتمل إلا بالموسيقى.

اقرأ المزيد

قصص قصيرة جداً

طعنة الردى
عاد لي الأوكسجين بعد موجة موّت حادة، نهضت مسرعاً من فراش المنيّة، ذهبت لبشارة أهلي… ولكن .. آآه لقد خانوا العهد اجتمعوا من دوني في القبر!

افتراس
فتحوا باب الحياة للغرباء فأكل الموت أبناء الوطن.

نعيق الفشل
صرخ غاضباً على ابتسامة بنات وطنه لصور تفوّقهن، واصفا إياهن بالفاسقات والمتبرجات. شرد في ذهنه متأملاً اوراق فشله في المدرسة التي لم يختم تعليمها .

غطاء
علا نشازها في مواقع التواصل الاجتماعي واصفة النساء اللاتي يرفضن الخضوع والظلم بالجاهلات ونظيراتهن اللاتي ترتفع أصواتهن بالدفاع عنهن بهادمات الأسر. ابتسمت بمكر وهي توقع عقد قرانها على الرجل الذي سلبته من أسرته.

صرخة وحش
صرخ غاضبا: الحركة النسوية دمار للمجتمع، لم يكن للمرأة صوت وكان زوجها الرب الآخر حتى ظهرت حركتهن الشيطانية، ذلك بعد ان خلعته زوجته التي غيّر معالم وجهها وشلّ حركة جسمها.

مسخ
عاهرة من لا تغلف نفسها بالسواد وماسخة للمجتمع!. ختم كلامه صباحًا وجهز نفسه ليلا لراقصته الجديدة .

بصمة عار
صاح الخامام من الغرب: الكيان المحتل عار على اليهودية والإنسانية ولا يمثل أهل الشرف.
فصرخت بقعة من الشرق: أهلا بإسر*ائيل. أهلاً بالجيران الجدد!

حفل في غزة
في ليلة عقد قرانهما همس في أذنها: الحب المنغمس في الروح لا يمزقه حتى الموت! سنعيش سوياً أو نموت سوياً.
وفى موعده حين انتشلوهما متعانقين من تحت أنقاض منزلهما الصغير في صباحية عرسهما.

بصير
ذلك الطفل لم يستطع اغماض عينيه منذ سقوط المنزل على أسرته، فقبل عام أغمض عينيه ثم رأى والده ملطخاً بالدماء، وشهد بصره وقت نومه هذا العام موت أسرته بالكامل. حينها تيّقن أن الوطن قد يرحل!

سماء غزّة
سأل معلم التلاميذ: من أين نحصل على النار؟
تلميذ: من سماء غزة يا أستاذ!
طعن
سأل الشيخ الكبير: من أين يأتون بقوّة سرقة منازلنا؟
قال الطفل: من وعود العرب يا جدي.

اقرأ المزيد

بحزن وحنين أكتب عنك يا جواد

لم يخامر أحد منا نحن أهله وأصدقاؤه الشك حول ما آل إليه الحبيب جواد العكري منذ عام ونصف من المعاناة مع المرض العضال، فكان يحمل جسده بصعوبة، فهي النهاية المحتومة دوماً مع مثل هذا المرض الفتاك، فبعد أن أكل من جسده واستوطن فيه كان المآل هو الموت للأسف.

عندها علمنا بأن الزمن كان يركض بسرعة فائقة نحو الفاجعة، وما كان لنا نحن البشر الا أن نقاوم الموت ولو بلحظة حلم أو بغفوة تربطنا بخيط الحياة، الدنيا واسعة ولكنها تضيق كلما سمعنا خبر مرض أحبّة لنا فتزداد الحياة ضيقاً ويزداد وجع القلب وجعاً ويتحول الفرح حزناً.

استحضرت كل الخوف دفعة واحدة وأنا أتتبع أخبارك من القريبين إليك، وعندما عرفت بأن مرض العضال تمدد في جسمك وضعت يدي على وجهي وأحسست بأن الخيط الذي يجمعك بالحياة قد تمزق ولن تعود كما كنت، ولكن ليكن في القلب نشيد لا يموت ، فأنت باق وروحك الطاهرة ترفرف بين محبيك.

خيط من الخوف والذعر والرعب كان ينتابنا كل يوم بعد سماعنا بخبر مرضك، الشعوربالغصة لازمنا وعدم الحيلة أقعدنا حتى عن زيارتك بسبب هذا الوباء المميت فأصبحنا عاجزين، وعلى الوجوه حيرة لم تعرف أين تستقر، فاعذرنا إيها الحبيب. صورتك باقية رغم حمأة الحزن والألم والفقدان لكن ليس باليد حيلة.

فالمرض الذي لا يرحم أنهك أيها الغالي وأخذك من أحبتك سريعاً ومع ذلك بقى الصفاء يملأ عينيك المتعبتين وظلّ وجهك يشع بالوهج وبالنور رغم ثقل المعاناة ووجع المرض، فبقيت عاشقاً للحياة لدرجة الوله، شامخاً مثل جبل تبحث عن بصيص أمل ولكن هيهات أن يترك هذا المرض الخبيث أحدًا يسلم منه رغم تلك المقاومة الشجاعة التي يتحلى بها المُبتلى.

ماذا أقول عنك يا فقيدنا جواد؟. الكلمات تتصلب في اللسان مثل الأحجار، ويعجز القلم عن سرد سجاياك وطيبتك وخلقك الحميد، فقلبك كان عامراً بالمحبة ناصع البياض. لك من الأحبّة الكثير، فأنت البسيط، المتواضع رغم غزارة معلوماتك وقدرتك العالية على فهم الأحداث، واسع الثقافة ملهم لمن يعاشرك، تتدفق طيبة وأدباً وإنسانية.

سرقك الموت وغيّبك عنا في وقت نحن في أمس الحاجة اليك، فقد قدمت الكثير لوطنك ودفعت ضريبة ذلك في الاعتقال الطويل الذي زاد على الثمان سنوات، وما الأمراض التي ألمّت بكل من أُعتقل الا نتاج لهذا العسف الذي طالهم ووّرث فيهم تلك الامراض المزمنة وبتر من حياتهم أجمل سنوات عمرهم ومع ذلك غالبت المرض بمكابدة فوق طاقتك.

جواد نفس مرهفة الاحاسيس مفرطة بالنبل والحميمية. له قلب لايحقد وله نفس أبية تشعر بقربه لك من أول حديث معه، نظيف السريرة لا تخالط روحه شوائب البغضاء والطائفية. هادئ ورزين مُحب للجميع فائق الحنية والوفاء والصدق في أفكاره لا يجامل أحداً ولا ينافق أحداً في قضية وطنه، يحاورك برزانة العارف بما يريد. يقنعك أو تقنعه ليس مهمأً، فالتواصل بأريحية والترفع عن الصغائر أكسبه محبة الجميع أبقاه بعيدا عن التشنجات والخلافات، فكان خلاقاً في نسج علاقاته مع الناس، مفعماً بالحيوية ونكران الذات. انتخب بجدارة في أعلى هرم طلابي للاتحاد الوطني لطلبة البحرين في الخارج فكان خير ممثل لهم وبسبب كل ذلك ولدوره الوطني البارز تمّ أعتقاله لأول مرة في 23 أغسطس 1975 هو ومجموعة كبيرة من الوطنيين وأعتقل للمرة الثانية في العام 1976 ليبقى في المعتقل حتى العام 1983 .

تزاحمت بدماغي أحداث غابت بفعل الزمن، فكانت فكرة مواصلة الدراسة الجامعية نبتت لدي عندما رأيت طلتكم أنت والدكتور رضي العكري في نادي الديه، وانتما في مقتبل الشباب والتألق والتأنق. يومها كنت أنت طالباً في جامعة دمشق ورضي في جامعة بغداد مفعمين بالنشاط والحيوية والعطاء الذي لا يهدأ مما حفزني على المضي للدراسة في الخارج دون خوف أو وجل كما فعلتما، وكان لي ما أردت فقد فتحتما باباً للكثيرين أن يواصلوا مسيرة العلم فساروا على دربكم واثقين .

رحيلك المبكر يا أبا محمد أشعل النار في قلوب محبيك والدهشة كانت مرتسمة في جميع العيون التي غزاها ذعر مخيف ووجوه وجلة مما سمعت، ولكن لا أحد يضمن الآتي من الأيام وما يخبئه الدهر والعالم منذ سنتين لا يتنفس الا روائح الموت في ظل جائحة كورونا تاركين وراؤهم قصصاً مؤجلة والناس يعيشون من خوف إلى خوف ومن حنين إلى حنيين ترمينا موجات صرخاتهم مسموعة والكل يأمل في الخروج سالماً من هذا الكابوس ليندفعوا في فراغ مخيف.

لقد بدأ العقل يرسم كآبته داخل هذه الخسارات المتتالية للأحبة أسبوعاً تلو الاخر والكل عاجز عن وقف ما يحدث مما يزيد من الظلمة والبحث عن أمل مفقود، ومع ذلك نتشبث بضؤ تحت النفق علّنا نستعيد ألق الحياة ودفئها رغم تلك الخسارات، فكلنا ننهزم أمام الموت لكن لا شي أفظع من الهزيمة أمام الحياة .

أمر لا يصدق على الاطلاق أن نفقد عزيزين خلال أسبوع واحد، جواد العكري وطيبة مطر ولكن هي مشيئة القدر وكلاهما يدخلان القلب بدون استئذان مسبق، عجنا من طيبة عائليتهما، فلكما منا حب لا ينضب أبد الدهر.

لقد استعجلت الرحيل وغادرت وفي القلوب غصة، ونعود فنقول هو القدر المحتوم لبني البشر ولا مفر منه ولا راد له، فالكل راحل من هذه الدنيا وتبقى أعماله وخلقه، فقلبك أخضر عشق الناس وأحبهم فرحلت بكبرياء ووفاء فودعتك الجموع بطيبة كبيرة وبدموع غزيرة وبقلوب مفطورة ألماً وحسرة، فبرحيلك تدفقت الأشواق من محبيك حزناً وألماً، فتدفقت الرسائل والبرقيات تعزيك وتأسى على غيابك.

أكتب عنك بحزن وحنين وبروح مثقلة بأوجاع الفراق، فراقك لأحبتك من زوجة وأولاد وأخوة وأصدقاء وبقلب متعب أقول لهم لكم الصبر والسلوان وله الرحمة والغفران .

أنت يا من حلمت وفي قلبك شوق وفرح بأطفالك وهم مازالوا يأملون الكثير من حبك وحنانك استعجلت الرحيل، فالقدر كان أكبر من حلمك وأحلامهم، لكنك ستظلّ لهم اباً حنوناً محباً واسع القلب وصاحب خلق عظيم رغم هذا الفقدان المبكر، فالزمن لا يتوقف عن المسير. فلروحك الهدوء والسكينة. نم قرير العين، فيك الحنيين وفيك أجمل ما يحلم به القلب.

اقرأ المزيد