المنشور

لا لقاح للفقراء

ليس مفاجئاً التحذير الذي أطلقته منظمة الصحة العالمية من عدم تكافؤ توزيع اللقاحات المضادة لوباء “كوفيد 19” متحدثة عما أسمته بـ “فشل أخلاقي كارثي”.

منذ أن أعلن في أكثر من دولة في العالم عن نجاح شركاتها المختصة في انتاج هذه اللقاحات التي انكبّت عليه منذ انتشار الجائحة، طرح السؤال حول الآليات التي ستحكم توزيعها على النطاق العالمي، فضلاً عن سؤال آخر مهم حول قدرة هذه الشركات على تلبية الطلب الهائل على اللقاحات في مختلف الدول، حيث تجاوز عدد الوفيات في العالم بسسب الوباء مليوني وفاة، وأضعاف هذا العدد مرات من المصابين به، ددون أن يلوح أفق قريب للسيطرة عليه، أو على الأقل الحدّ منه.

بالنسبة للسؤال الأخير بالذات لوحظ تباطؤ الشركة الأشهر في انتاج اللقاح، شركة فايزر – بيونتيك في تزويد الدول التي تعاقدت معها على شراء كميات معتبرة منه، معزية هذا التباطؤ إلى “خلل” عابر في مصانعها، وواعدة بقرب التغلب عليه، فيما يؤثر التنافس السياسي بين الدول سلباً على فرص الاستفادة من لقاحات أخرى، كتلك المنتجة في الصين وروسيا، حيث “تترفع” دول غربية عن استيرادها تحت مزاعم هاوية، دون أن تفلح في حجب الطبيعة الاقتصادية – السياسية لهذا الموقف.

رئيس منظمة العالمية قال إنه “ليس من العدالة أن يحصل الشباب الأصحاء في الدول الغنية على اللقاحات قبل أولئك الأكثر عرضة للخطر في الدول الفقيرة”، واصفاً المبدأ الذي يقوم عليه هذا النهج، مبدأ “أنا أولاً” بالمدمر، لأنه سيشجع على ارتفاع أسعار اللقاحات وتكديسها.

وكان على الرجل أن يقول ما لم يقله صراحة حول أن منطق المال والربح هو الحاكم في الموضوع، فالشركات المنتجة غير معنية بمن يصاب أو يموت بسبب الوباء، بقدر ما هي معنية بمن هو مستعد لأن يدفع أكثر وأسرع، دون آبهة بما حذرت منه المنظمة المذكورة من أن ثمن هذا النهج “سيُدفع بالأرواح وسبل العيش في الدول الأفقر في العالم”.

عبرت منظمة الصحة العالمية عن أمنيتها بأن ينجح العالم في تحدي ضمان بدء توزيع لقاحات كوفيد- 19 في كل دولة بحلول اليوم العالمي للصحة، في السابع من إبريل/ نيسان، ولكن المعطيات المتاحة تظهر أنه دون هذه المهمة النبيلة عقبات كبيرة، يجعل من تحققها أمراً مشكوكاً فيه.

يمكن اعتبار هذا التحدي معياراً لإظهار إلى أي مدى استخلص العالم أقسى درس من الجائحة الفتاكة، وما من أدلة كافية على أن هذا حدث أو سيحدث.

اقرأ المزيد

محطات مضيئة من نضال حركتنا العمالية – 4

قدّم شعب البحرين وعماله في انتفاضة مارس 1965 المجيدة، والتضحيات البطولية، حيث سقط شهداء وجرحى، واعتقل الكثيرون من المناضلين ومن المشاركين فيهأ، لكن هذا القمع لم يثن الحركة العمالية عن مواصلة نضالها في المرحلة التالية، ففي عام 1968 قام عمال ادارة الكهرباء والماء في محطة الجفير بإضراب شارك فيه العديد من الرفاق، ورفعت فيه مطالب عديدة بينها السماح بتشكيل نقابة لهم، بإطلاق حرية العمل النقابي.
وفي عقد السبعينات اشتدّ عود الحركة العمالية، واتسع نضالها الذي شمل الاضرابات والاحتجاجات المنظمة في أماكن عديدة مثل موقع انشاء شركة البا، وزارة الصحة، شركة البرق والللاسلكي، إدارة الأشغال العامة، قطاعات المقاولات، بعض الشركات في المنطقة الصناعية في ميناء سلمان وغيرها.
تركزت المطالب العمالية يومها على حرية العمل النقابي، ورفع الأجورالمتدنية، وتحسين الحياة المعيشية وظروف العمل وتأمين السلامة المهنية، وتزامن ذلك مع إلاعلان عن تأسيس اللجنة التأسيسية لاتحاد العمال والمستخدمين وأصحاب المهن الحرة في عام 1971، عشية انسحاب المستعمرين البريطانيين من البحرين، واعلان الاستقلال.
وتمّ ذلك بالجهود المشتركة لمناضلي الحركة الوطنية واليسارية، وقد وقعّ على عريضة تأسيس الاتحاد الآلاف من العمال، لكن السلطة لم تستجب لهذا المطلب، الذي كان يمكن أن يؤسس لقيام ثاني اتحاد عمالي في البحرين، بعد تجربة اتحاد العمل البحراني في الخمسينيات.
وعجّل هذا النضال في اعلان صدور دستور مملكة البحرين عام 1973، وبدء التجربة البرلمانية الأولى التي وأدت في مهدها، خاصة بعد النجاحات التي حققتها جبهة التحرير الوطني البحرانية في تلك الانتخابات، إذ بادرت لتأسيس “كتلة الشعب” التي فازت بثمانية مقاعد في أول برلمان من أصل أعضائه المنتخبين الثلاثين، إضافة إلى فوز عناصر وطنية أخرى مستقلة.
على خلفية هذا الفوز تأسست أربع نقابات عمالية علنية عام 1974، هي نقابة ألبا، نقابة العاملين في وزارة الصحة، نقابة العاملين في الكهرباء، نقابة العاملين في الإنشاء والتعمير، وكان للكوادر العمالية من أعضاء ومناصري جبهة التحرير الوطني دور كبير في تأسيس تلك النقابات، وفق بنود قانون العمل لعام 1975 الذي يجيز تأسيس القابات العمالية، إلا إن المماطلات والرفض من قبل الحكومة حال مرة أخرى دون اشهار النقابات الأربع حينها، ومورست ضغوط كبيرة على القيادات والكوادر العمالية ممن أسسوها، شملت المضايقات الأمنية، والتسريح من العمل، والاستجواب والاعتقالات لمدد طويلة.

اقرأ المزيد

الديمقراطية الهشة

فاجأ ترامب وأنصاره من الحزب الجمهوري الديمقراطيين والشعب الأمريكي والعالم باقتحامهم مبنى الكونجرس عشية اجتماعه للتصديق على نتائج الانتخابات التي فاز فيها جو بايدن بغالبية أصوات حاسمة.
غير أن بعض المحللين والمتابعين للشأن السياسي الأمريكي منذ وصول ترامب لرئاسة الجمهورية الأمريكية لم ينصدموا بالفعل الشنيع لترامب برفضه للخسارة في الانتخابات الرئاسية ونزوله إلى مستوى هابط في خطابه السياسي وخروجه على الأعراف الدبلوماسية في تواصله مع الأصدقاء والخصوم على مستوى الداخل والخارج. فقد كان الرجل معتوهاً ومصاباً بداء الجنون والعظمة بما يدفعه لفعل ذلك وأكثر.
ولذلك دعت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى محاكمة ترمب أمام الكونغرس ومنعه من مزاولة العمل السياسي، وأشارت إلى مساعيه للتدخل في نتيجة الانتخابات وعلى وجه الخصوص محاولته لإقناع المسؤول الأول عن الانتخابات في ولاية جورجيا لتغيير نتيجة انتخابات الولاية والعثور على 11780 صوتاً لصالحه بما يكفي لاعتباره فائزاً بأصوات الولاية.
لكن ليس هذا موضوعنا في هذا المقال، بل ما أريد أن أسلط الضوء عليه، هو أطروحة (الديمقراطية الأرفع) التي توجد في الولايات المتحدة الأمريكية كما زعم الكثير من السياسيين والمثقفين، وما عمل على تثبيته الإعلام الرأسمالي في وعي الدول والشعوب. منذ عقود وهذا الإعلام يتغنى بالديمقراطية الأمريكية وما وصلت إليها من تفوق على كل أشكال الديمقراطية، حتى بلغ الحال بالفيلسوف السياسي فوكوياما بالقول بفكرة نهاية التاريخ كنتيجة لوصول الإنسان(الأمريكي/الغربي) إلى أعلى مستوى من الرقي والتفوق في التاريخ البشري.
لا ننفي الإرث التاريخي والتجربة الغنية للديمقراطية الأمريكية، ولكن أليست هذه الديمقراطية ذاتها من انتهكت حقوق السود ومارست العنصرية ضدهم قديماً وحديثاً؟ أليست هي الديمقراطية التي تزداد فيها ثروات الأغنياء على حساب اتساع قاعدة الفقراء؟ وأليست هي الديمقراطية التي سمحت لنظامها واقتصادها وجيشها بغزو البلدان وتدميرها ونهب ثرواتها؟ أو فرض الحصار الاقتصادي وتجويع الشعوب؟
على الكثيرين إعادة النظر في تحديد النماذج الديمقراطية الأفضل والأرفع في تاريخنا المعاصر، فنماذج ديمقراطية مميزة لدول، مثل سويسرا والنرويج والسويد، تستحق من كافة المؤسسات المحلية والدولية الاهتمام بها والاستفادة منها في بناء وتطوير التجارب الديمقراطية في الشرق والغرب.
فدولة كسويسرا بها تعدد هائل على المستوى الديني والعرقي والقومي والثقافي، ومع ذلك يعيش الجميع في أمن وسلام وحرية ومستوى معيشي جيد. أما عن السياسة الخارجية لدولة سويسرا فتقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وإن كان يؤخذ عليها المسايرة لسياسات الدول الكبرى أو عدم الاعتراض عليها، وذلك تحاشياً للاصطدام بها.
لا بد من الإشارة أيضاً إلى كذبة التمييز بين الجمهوريين والديمقراطيين، ووصفهما بالنقيضين في سياساتهما داخل أمريكا وخارجها. فمن الملاحظ التشابه الكبير في استراتيجيات وخطط الحزبين إلى درجة التطابق. فهما لا يختلفان من ناحية العمل على زيادة تراكم المال في يد طغمة صغيرة من عُتات التجار الرأسماليين، وعلى حساب ملايين الأمريكيين الذين يعانون من مشاكل عديدة كالبطالة والعنصرية والعنف والمخدرات. كذلك لا يختلف هذان الحزبان في سياستهما الخارجية تجاه الشرق الأوسط ودول شرق آسا وأمريكا الجنوبية وقارة إفريقيا. فالعداء تام تجاه روسيا والصين وإيران وكوبا وفنزولا وكوريا الشمالية وفلسطين. قد تختلف الأساليب إلا أن الاستراتيجيات والأهداف واحدة.
ومن المثير للانتباه الحديث المتكرر من الجمهوريين والديمقراطيين في دعم الشعوب في الحصول على الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان والتنمية فيها. غير أن الواقع يُشير إلى وقوف الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع الأنظمة المستبدة في إفشال كل حركة وليدة نحو تحقيق الديمقراطية، وذلك من أجل المحافظة على مصالحها الاقتصادية والسياسية التي تتناقض مع الطموحات التقدمية العادلة لهذه الشعوب.
لقد أثبتت العقود الأخيرة من القرن العشرين، والعقدين الماضيين من القرن الواحد والعشرين على هشاشة الديمقراطية الأمريكية، فقد سجلت حضوراً سيئاً في إيجاد الحلول لمشكلتي البطالة والعنصرية وتضييق الفجوة الواسعة بين الأغنياء المترفين وعامة الأمريكيين. بينما شكَّل الحضور الخارجي للإدارات الأمريكية الحاكمة وصمة عار في تعاملها مع قضايا الشعوب والدول المختلفة، حيث أشعلت العديد من الحروب ونشرت الدمار في مختلف قارات العالم، بدلاً من المساهمة في إيجاد الحلول الناجعة لها.
والغريب أن العديد من المثقفين والسياسيين من العرب وغيرهم يُريدون أن يقنعوا الرأي العام الدولي وكافة الدول والشعوب بالاقتداء بالديمقراطية الأمريكية حصراً، وبلا خجل.

اقرأ المزيد

قراءة في الميزانية العامة

لماذا يجب علينا معرفة الزيادة والانخفاض في المصروفات والإيرادات العامة؟ وما أهمية الميزانية العامة لنا كمواطنين؟ وما علاقة السياسة الاقتصادية بالميزانية العامة؟

تختلف قراءة الموازنة العامة من شخص إلى آخر ومن جهة إلى جهة أخرى. فعلى سبيل المثال فإن عضو السلطة التشريعية يهمه ما يمس المستوى المعيشي بشكل مباشر مثل الضمان الاجتماعي والدعم والاسكان، أما المحلل اقتصادي فيهمه دور وتأثير الموازنة في التنمية الاقتصادية بشكل عام ومدى ملائمتها في تنشيط الاقتصاد والتغلب على التحديات الاقتصادية.

ينبغي التذكير أن الميزانية العامة هي الأداة الاقتصادية الوحيدة الفعالة التي تستخدمها الدولة للتأثير على الاقتصاد الكلي، من خلالها يتمّ ضخ السيولة في الاقتصاد، وتنفذ السياسة الاقتصادية، ومن خلالها أيضاً يتم تحقيق اهداف الرؤية الاقتصادية 2030.

يعني هذا أن الموازنة أو الميزانية العامة هي تحصيل ايرادات وتوزيعها لتمويل الخدمات الحكومية على القطاعات الاقتصادية وتسمى مصروفات عامة، فمن خلال هذه الميزانية يمكننا معرفة توجه الحكومة واهتماماتها وأهدافها الاقتصادية والاجتماعية خلال السنة أو السنتين الماليتين القادمتين. فعلى سبيل المثال يمكننا معرفة مدى أهمية قطاع التعليم والصحة للدولة من خلال حجم الأموال المخصصة للقطاعين، وكذلك مشاريع البنية التحتية والاستثمارات.

ويمكننا مقارنة حجم مخصصات التعليم مع دول مختلفة، فعلى سبيل المثال فإن دولة الإمارات تخصص 15% من المصروفات العامة لقطاع التعليم وفي المملكة العربية السعودية 18.8% (ميزانية 2021) بينما لا تزيد النسبة في البحرين عن 5%. وكانت النسبة عام 2015 بلغت 8.8% من حجم المصروفات العامة.

إن دولاً مثل دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية 0ECD تخصص في المتوسط 13% من مجموع نفقاتها العامة للتعليم بمستويات تتراوح بين 10% في إيطاليا، وفي اليابان وسلوفاكيا إلى أكثر من 19% ، وتبلغ في سنغافورة 22% ، وفي الولايات المتحدة 15%، وفي ماليزيا 19.7% وفي المانيا 11%..

أما مخصصات الصحة فقد بلغت نسبتها من الموازنة العامة في المملكة العربية السعودية 7.4%، وفي دولة
الامارات 7%.

الموازنة مصدر هام لضخ السيولة في الاقتصاد

يقدر حجم السيولة في البحرين حوالي 70 مليار دينار، ومصادر هذه السيولة هي الاستثمارات المحلية والإقليمية والعوائد المصرفية أي المدخرات الوطنية، والتحويلات المالية من الخارج وعوائد الصادرات، فعندما يكون الاقتصاد في حالة ركود لأي سبب كان، نتوقع أن تقوم الدولة بزيادة حجم المصروفات لمواجهة الركود وتنشيط الاقتصاد، كما نتوقع أن يتمّ خفض الضرائب والرسوم الحكومية لغرض زيادة دخل أفراد المجتمع ومن ثم زيادة الاستهلاك. ولكن ما نراه هو انخفاض المصروفات العامة في فترة الركود وقد يكون أحد الاسباب هو انخفاض الايرادات النفطية
ارتكزت الرؤية الاقتصادية 2030 على ثلاث مبادئ هي: الاستدامة والعدالة والتنافسي، ويتضمن برنامج عمل الحكومة 9 أهداف عامة تطمح الحكومة إلى تحقيقها خلال الأعوام الأربعة من 2019 وحتى 2022 عبر التركيز على ثلاث أولويات هي: تعزيز الثوابت الأساسية للدولة والمجتمع، الاستدامة المالية والتنمية الاقتصادية، تأمين البيئة الداعمة للتنمية المستدامة.

تعمل الحكومة من خلال برنامج عملها لتحقيق الأهداف العامة التالية: الاستثمار في المواطن من خلال تعزيز وتطوير واستدامة الخدمات الحكومية في التعليم والصحة والخدمات الأخرى، المحافظة على مجتمع يسوده الأمن والاستقرار ، تعزيز التنمية الشاملة في إطار تحقيق توازن مالي يواكب ويحافظ على النمو الاقتصادي الإيجابي، دفع القطاع الخاص ليتبوأ دورا ً أكبر كمحرك رئيسي في عملية التنمية لخلق فرص نوعية للمواطنين وللعمل والاستثمار، ترسيخ قواعد الاستخدام الأمثل للموارد وضمان استدامتها للأجيال القادمة، اسـتـدامـة التنمية الاجتماعية والاقتصادية مـن خلال تفعيل التشريعات والمبادرات الداعمة لاستقرار الأسرة، استمرار تمويل المشاريع التنموية والبنى التحتية المحفزة للنمو ولخدمة المواطنين، إعادة رسم دور القطاع العام من المحرك الرئيسي إلى المنظم والشريك، وتطوير وتسهيل الإجراءات الحكومية، دعم الإبداع والتفوق ودور المرأة والشباب والرياضة في جميع البرامج والمبادرات الحكومية

تطمح الحكومة في الانتقال من اقتصاد قائم على الثروة النفطية إلى اقتصاد منتج قادر على المنافسةعالمًيا، ويتولى القطاع الخاص الرائد عجلة تنميته بشكل يوسع الطبقة الوسطى من المواطنين البحرينيين الذين ينعمون بمستويات معيشية عالية جراء زيادة معدلات الإنتاجية والوظائف ذات الأجور العالية، وطبقا للرؤية على المستوى المحلي هناك حاجة إلى تغيير النموذج الاقتصادي الحالي، حيث يتمثل الهدف الرئيسي للرؤية في زيادة دخل الأسرة الحقيقي إلى أكثر من الضعف بحلول العام 2030. وسوف يتم دفع عجلة النمو الاقتصادي للبحرين بزيادة إنتاجية القطاع الخاص وبجعل المواطن البحريني الخيار الأمثل للعمل في الشركات ذات القيمة المضافة العالية،

ملاحظات حول مشروع الموازنة

من الواضح انها ميزانية أزمات، تعكس الوضع المالي الصعب، وسياسة التقشف في أعلى رتبها، فيما يلاحظ انخفاض مستمر في الخدمات الحيوية كالصحة والتعليم ، وتوجه نحو معالجة الوضع المالي بالضرائب وخفض المصروفات وليس بتنويع القاعدة الإنتاجية، ومبنية على سعر لبرميل النفط يبلغ 45 دولار، وتنتج البحرين نحو 200 ألف برميل من النفط الخام يومياً.

وأدى انخفاض أسعار النفط والتباطؤ الاقتصادي بسبب كورونا إلى ارتفاع توقعات العجز مع الالتزام بخفض النفقات الحكومية بنسبة 30 بالمئة خلال العامين المقبلين، ويقدر مشروع موازنة 2021، الإيرادات العامة بقيمة 2.285 مليار دينار (6.09 مليارات دولار) منها 1.407 مليار دينار الايرادات النفطية، فيما يقدر المصروفات بقيمة 3.296 مليارات دينار (8.78 مليارات دولار).

في حين يقدر مشروع موازنة 2022 الإيرادات العامة، بقيمة 2.339 مليار دينار (6.24 مليارات دولار) والمصروفات بقيمة 3.219 مليارات دينار (8.58 مليارات دولار).

وكانت الإيرادات العامة للدولة خلال عام 2017 مبلغ 2.201 قد بلغت مليار دينار، في حين بلغت في العام 2016 حوالي 1.897 مليار دينار، ما يعني أن الإيرادات زادت بمقدار 304 مليون دينار،
وبلغت الايرادات غير النفطية عام 2021 تبلغ 538,345.000، وفي عام 2022 تبلغ 555,798.000، وحسب الجهاز الوطني للايرادات فإنها تبلغ عام 2021 340 مليون، وفي عام 2022 تبلغ 360 مليون.

أما المصروفات المتكررة للدولة فستكون في عام 2021 قرابة 3.296 مليار دينار، وفي عام 2022 ستكون 3.219 مليار دينار تقريبا، وستكون مشاريع الدولة في عام 2021 مبلغ 265 مليون دينار، وفي عام 2022 سيكون المبلغ 265 مليون دينار، وأظهر الحساب الختامي للدولة للسنة المالية 2017 تراجع مصروفات الحكومة على بند “المشاريع” إلى 354 مليون دينار.

وزعت ميزانية المشاريع للسنتين الماليتين على الشكل التالي :المشاريع الاسكانية 27%، المشاريع الشبابية والرياضية 22%، مشاريع الاشغال والطرق 21%، مشاريع شبكات تطوير الكهرباء والماء 16%، مشاريع البنية الاساسية للمواصلات 6%، مشاريع التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية 5%.

وانخفض الإنفاق على التعليم بنسبة 7% أو 20 مليونا تقريبا. فبعد أن كان 343.6 مليونا في 2019 أصبح 319.6 مليونا في 2022، كماا نخفض الإنفاق على الصحة بنسبة 3% عن 2019 أو عشرة ملايين، وانخفض الضمان الاجتماعي 10% بواقع 43 مليونا.

الضمان الاجتماعي

من الواضح أن الإنفاق على الصمان الاجتماعي قد انخفض بمقدار 43 مليون دينار (10%) عن الميزانية السابقة ليصل إلى 392 مليوناً، وارتفع بند دعم الأسر محدودة الدخل بمقدار 14 مليونا، أي بنسبة (11.3%). لكن هناك ثلاثة بنود تأثرت سلبا وهي مؤثرة في مستوى المعيشة، وعلى سبيل المثال انخفضت علاوة تحسين مستوى معيشة المتقاعدين بمقدار 16 مليونا (12.4%). ، فيما انخفض بند إعانة المواد الغذائية بنسبة 71.5%، حيث انخفض من 36 مليون دينار إلى 10 ملايين، كما انخفض دعم برامج الإسكان (علاوة الإيجار) بنسبة 31%، من 57 مليونا إلى 39 مليون دينار.

حجم العجز

سيرتفع العجز الكلي بموازنة البحرين خلال العام المقبل بنسبة 99.8 بالمئة عن المقدر بالعام 2020 عند 708 ملايين دينار (1.88 مليار دولار) وستعاني السنة المالية 2021 من عجز كلي 1.276 مليار دينار (3.4 مليارات دولار)، ومع توجه لخفضه إلى 1.145 مليون دينار (3 مليارات دولار) في 2022.

تهدف الميزانية إلى الوصول بالعجز المالي الأولي بدون فوائد خدمة الدين العام إلى 568 مليون دينار (1.51 مليار دولار) في العام 2021 و388 مليون دينار (1.03 مليار دولار) في العام 2022.

وكان الحساب الختامي للدولة قد سجل انخفاض العجز العام للدولة إلى 1.336 مليار دينار عام 2017 مقارنة بالعام 2016 والذي بلغ العجز فيه 1.6 مليار، ففي عام 2017 بلغ العجز 1.336 مليار دينار، وفي عام 2016 بلغ العجز فيه 1.6 مليار.

حجم الدعم الحكومي

بحسب مشروع الميزانية، فإن إجمالي الدعم للعام 2021 سيكون 478.425 مليون دينار بحريني، و402.163 مليون دينار في 2022.

ويشير مشروع الميزانية، إلى أن دعم هيئة الكهرباء والماء سيكون 48 مليون دينار في 2021، وصفر في 2022 ما يعني أن الهيئة لن تتلقى أي دعم عام 2022، أما دعم جامعة البحرين فسيكون 38.4 مليون دينار في 2021، و38.8 مليون في 2022، وسيكون دعم كلية البحرين للمعلمين سيكون 3.309 مليون في 2021، و3.332 مليون دينار في 202، أما دعم بولتكنك البحرين فسيكون 8.393 مليون دينار في 2021، و8.494 مليون دينار في 2022.

وسيبلغ دعم الصندوق الاجتماعي الوطني، سيكون 19.1 مليون في 2021، و18.894 مليون في 2022، ودعم صندوق الضمان الاجتماعي سيكون 21.5 مليون في 2021 و21.268 مليون في 2022، أما دعم علاوة تحسين مستوى المعيشة للمتقاعدين، فسيكون 124.450 مليون في 2021 وسينخفض إلى 115.640 في عام 2022، ودعم الأسر محدودة الدخل سيزداد من 163 مليون دينار في 2021 إلى 142.448 مليون دينار في 2022، أما إعانة المواد الغذائية فسينخفض من 48.2 مليون دينار في 2021، إلى 38.975 مليون دينار في 2022، ودعم برنامج الإسكان (تخفيض الأقساط الإسكانية) فسيكون 4 مليون دينار لكل عام في 2021 و 2022.

أما المبالغ من إيرادات النفط لصندوق احتياطي الأجيال فستكون في ميزانية كل عام منهما حوالي 20.586 مليون دينار، بإجمالي 41.172 مليون دينار.

ملاحظات وحلول

أولاً: ساهمت جائحة كورونا في تعقيد الوضع المالي واذا لم تنتهي سندفع ثمناً باهظاً
ثانياً: عدم قدرتنا على تنويع مصادر الدخل يعني ان الوضع المالي سيكون اخطر حيث سنرى المزيد من سياسة التقشف وانخفاض الدعم وارتفاع السرائر والرسوم الحكومية.
ثالثاً: سنواجه صعوبة في سداد الدين. فارتفاع الدين العام يعني المزيد من التقشف واستمرار الركود الاقتصادي.

كما ذكرنا أكثر من مرة فإن الحل لا يكمن في سياسة التقشف وإنما في تصحيح المنهج الاقتصادي بحيث يتحول اقتصادنا من الاعتماد على القروض والمنح والمساعدات والاعتماد المفرط على النفط إلى الاعتماد على الذات والإنتاج المتنوع والاستثمار المحلي معتمداً على قدراتنا الفكرية والبشرية، بهذا النهج ستخلق فرص العمل المطلوبة وسنحقق النمو المستدام.

اقرأ المزيد

أستجديني أن أطير

مرهقة وحزينة
كما لو أنني خرجتُ من تنور الخلْقِ
بجناحٍ واحد..

خففتُ بدمعي ثقل الذكريات
مرنتُ لساني مراراً على الأغنيات
وعلى كتفي علّقتُ آلاف القصائد..
جففتُ أيامي المبللة في ثبات
عواصف القلب لا تمنحني الوسيلة..
أكتب بجسارة الموت عنواناً للحياة
وأرسم بالأوهام أخيلةً هزيلة..

حزينة وموسيقى الريحِ
تجرح كبريائي
يهزمني زفير المصير
مكسورة الريش
أطوي سمائي
أستجديني أنْ أطير….
ولا أطير..
في أمان الخوْفِ يطعنني التمرد
والشعر نقمة حلمٍ في دمائي

اقرأ المزيد

رجل بحجم الشام

تعرّفت على حاتم علي أيام سرق المشهد الدرامي السوري قلوبنا بروعته، وسحرنا بجمالياته، وقد كنا على مدى عقود من الزمن مُحتَكَرين كمشاهدين بالدراما المصرية.
شيء مختلف تماما قدمته الدراما السورية منذ بدايتها كان أقوى من كل الأعمال التي عوّدنا عليها التلفزيون، كونه كان حقيقيا حدّ إدهاشنا مثل المرآة التي عكست دواخلنا بكل تفصيلاتها.
حاتم علي كان واحدا من كوكبة النجوم الذين صنعوا تلك الدراما المدهشة، حيث الكل متساوون في الأداء، لا كومبارس ولا نجوم صف أول ولا ثانٍ. عرفته على الشاشة ممثلا ثم مخرجا قبل أن أجتمع به في لقاء مطوّل. شهدت إطلالاته الأولى، وشهدت نجوميته السّاطعة، ثم قرأته ككاتب قصة جد متميز، ثم ها أنا أشهد غيابه المفجع، ليعيد مشهد غيابه شريطا كاملا لعشقي لسوريا وما عشته فيها من ذكريات حلوة من المحال أن تنسى.
غير كل المشاهد الحزينة التي قدمها حاتم علي جاء المشهد الأكثر حزنا من إخراجه أيضا لكنّه هذه المرّة كان مشهدا فريدا من نوعه منح فيه فرصة لجمهوره العريض أن يكون خلف الكاميرا، ويكون هو أمامها يؤدي مشهده الأخير.
هبّت الجماهير العربية إذن، وهبّت الشام كلها لوداعه، تبكي رحيل الحالم الذي رسم الكثير من أميناتها الجميلة، وقدّمها لنا دافئة مشرقة عابقة بألوان من الروائح الثقافية التي تلاقحت على أرضها وأثمرت بما هو أجمل وألذّ.
هل كان ما شعرت به نابعا من الشّام فأوهمتني أنها شبيهة البحرين في حميميتها ومذاقها المألوف؟ أم أنّه نابع من تلك الصداقات التي تكوّنت بشكل عفوي، منذ زرت الشّام أول مرة، فما شعرت بغربة ولا بوحدة، ولا بذاك الإرتياب الذي يشعر به الغريب حين يحل ببلد أجنبي؟
أدهشتني الشام بعراقتها، وأدهشني موزاييكها الثقافي الذي وجدته كما تمنيت تماما. وأذكر كيف فتحت لي ذراعيها، خاصة مبدعيها وكبارها، كنت محظوظة جدا بذلك الحضن الكبير الذي وجدني في كنفه، وهذا موضوع يطول سرده، لكن لا يمكنني فتح موضوع حاتم علي دون فتح بوابة صنّاع الدراما وعلاقتهم ببرنامجي “نلتقي مع بروين حبيب”، فأنا أدين لهم بالكثير، فقد كانوا بالنسبة لي المدرسة الثانية والثالثة والجامعة الحقيقية التي تعرفت من خلالها على أهم الوجوه والتجارب الدرامية. كما لا يمكنني إلاّ فتح بوابة الشّام على مصراعيها، شام الحرف العربي، مقام إبن عربي، جبل قاسيون، وكل تلك الأماكن والرموز والعلامات التي ترسم لوحة جميلة لكل ما أعشق ووجدته.
من الصدف الجميلة والمحطّات المهمة في حياتي استضافة المخرج الكبير هيثم حقي لي هو وزوجته هالا محمد الشاعرة الموهوبة الذكية في بيتهما، فوجدتني محاطة بالشعر والفنون كلها دفعة واحدة في حضرتهما.
من حسن حظي أيضا أن تعرّفت على السيناريست ريم حنّا، التي استضافتني أيضا ونشأت بيننا صداقة متينة جدا. تعود صور لقائنا في مطعم النارنج بباب توما في الجانب القديم من الشام حول طاولة العشاء، وحديث شيّق قرّب مشهدية الأحلام السورية الكبيرة التي كان يحلم بها المبدعون والفنانون. كانت تلك من أول علاقاتي بالعائلة الفنية السورية، والتي امتدت حتى بعد تبعثر أهل الفن بسبب خلافات سياسية لا معنى لها.
بقيت بصمة ذلك الماضي في ذاكرتي وقلبي، وها هي تطفو على السطح كما لو أنّها حدثت البارحة.
في أرشيفي ذاكرة بأكملها عن المشهد الثقافي السوري، بدءا بحنا مينا الكاتب الذي عشقته من الغلاف إلى الغلاف، إلى المفكر والشاعر أدونيس الذي احتفى بي من أول لقاء بيننا في بيته بجبلة، إلى كل من حاورتهم بحثا عن بصمات إبداعية تميز سوريا مثل الرسام نذير نبعة الذي حاورته في أليسار بيت عربي قديم، والمفكّر الطيب تيزيني الذي رفض أن يأخذ مكافأته المالية خجلا، وأذكر أنه قال لي إنه من المفروض أن يعطوني مكافأة على دوري التنويري عبر برنامج “وجوه”العام 2002 – 2003، كما حاورت الكاريكاتوريست علي فرزات ملك بلاغة الصمت، والفنان العراقي جبر علوان حين كان مقيما في دمشق، والموسيقي المبدع طاهر مامللي…كلهم كانوا يمثلون الشام، فلم تكن سوريا آنذاك كما تخيلنا مجرد ورشة جديدة للدراما التلفزيونية، وإن كان ما شدّني إليها بعد الرواية هي الدراما فعليا. لقد كانت أوسع من سماء صيفية مقمرة مرصعة بالنجوم، وكانت تعد بالكثير.
ثمة أوقات يستحيل نسيانها تحدثت فيها عن تلك السماء مع صديقيّ أمل عرفة وعبد المنعم عمايري، مع ضحكات نابعة من القلب لا تزال تنبض بالحياة في ذاكرتي. ثمة صور استثنائية لأمسية شعرية جمعت اثنتي عشرة شاعرة في الآرت هاوس، نظمتها الصديقة الشاعرة هالا محمد وهاهي تركض في شريط سحري أمام عيني كأنها حدثت البارحة، تحمل تفاصيل المكان الذي كان طاحونة قديمة قبل أن يُحوّل لفندق غاية في الجمال، ملتقىً لعشاق الشام والفن. كانت المفاجأة في تلك التظاهرة الشعرية إقامتي في غرفة تحمل إسم المخرج العظيم مصطفى العقاد الذي كان صديقي أيضا، وكان لكل شاعرة غرفة مجيّرة بإسم فنان من الكبار، فقد حملت كل غرفة اسما، مثل نزار قباني، ولؤي كيالي، وفاتح المدرّس، وآخرين.
تحضرني أيضا مهرجانات أدونيا للدراما، بكل زخمها وفخامتها، وتحضرني المدينة بروحها المتفرّدة، من المزرعة، إلى الحميدية، والأسواق القديمة، والعطّارين، وسوق ساروجة، إلى السيدة رقية التي زرتها مع الكاتب والسيناريست خيري الذهبي فارتبطت في ذهني به، وبمقهى النّوفرة حيث شربنا الشاي، كما ارتبط مقهى الرّوضة ومعهد الفنون بجمال سليمان، فكانت بداية لصداقة جميلة، مستمرة إلى اليوم.
يحضرني أيضا أحمد معلاّ الفنان التشكيلي الساحر الذي صمم ديكور وسينوغرافيا مسلسل الزّير سالم، حين دعاني لزيارة موقع التصوير، ومشاهدة كل تفصيلات المكان لذلك المسلسل الرائع. كما يحضرني أسعد فضة، بقامته العظيمة، وقد ارتبط به قصر العظم حيث صورت معه مقابلة من أجمل مقابلات برنامجي التلفزيوني.
كل هؤلاء والقائمة طويلة لذكرهم جميعا أدين لهم بالكثير لأنهم رفعوا من مستوى برنامجي، وشكّلوا إضافات مهمة لي. ومن بينهم حاتم علي، الذي التقيته بعد نجاح مسلسله صراع على الرمال، ويومها اكتشفت الخلفية الثقافية الواسعة والعميقة والصّاخبة لرجل هادئ، الذي يوحي لمجالسه كل الوقت أنّه غارق في التفكير. أكتشفت القارئ النّهم، وكاتب القصّة، والممثل والمخرج الشغوف بعمله، والإنسان المجتهد بكل ما أوتي ما قوة، والنّاقد اللاذع لنفسه ولعمله.
من معرفتي القصيرة به أحببت سرعة بديهته، وردة فعله الذكية، وأجوبته البليغة، وأدركت أنّه علامة فارقة في الدراما السورية التي أحببتها بوجهها السوري الخالص دون أية إضافات من هنا وهناك، ولي في هذا الموضوع ما أقوله، ربما في مناسبة أخرى إن سنحت لي فرصة. فلطالما وددت أن أكتب بغزارة عن “ذكريات الزمن القادم” لريم حنّا والمخرج هيثم حقي (أستاذ حاتم علي)، و”الفصول الأربعة” لدلع الرحبي وريم حنا، و”عصي الدمع” “و”التغربية الفلسطينية” التي عشتها بكل جوارحي، والثلاثية الأندلسية، و”خان الحرير”، و”الثريا”.
أحببت لمسة الأستاذ المبدع وإبتكارات التلميذ المجتهد قبل أن يصبح هو الآخر معلمأ كبيراً، فلطالما أعجبت بإستمرارية مدرسة هيثم حقي وإثمارها، وكنت كما غيري من ملايين المعجبين بحاتم علي نحلم أن نرى وهو شاهد معنا ثمار من اجتهد في تعليمهم، لكنّه قرر أن يغادر باكراً، ولا أدري هل يمكن لصدمة موته التي وحّدت السوريين أن تُبقي على وحدتهم هذه؟ وهل يمكن للعائلة الفنية أن ترمم الشرخ الذي شطرها نصفين؟
من شهق لموت حاتم علي مصدوما وبكاه بحرقة وهو يتابع جنازته، سيدرك أن فجيعته وبكاءه كانا بسبب شيء مفقود أعاده حاتم إلى الحياة بموته، شيء مثل الحب ولكنّه أكبر، شيء مثل الجمال ولكنه أيضا أكبر، شيء كالذي فاضت به ذاكرتي، من ماضِ عبق لسوريا العظيمة، شامل وجامع لكل ما كانت تزخر به الشّام وفقدته في غفلة منها حين تخاصم أبناؤها بعد اختلافهم بشأن مستقبلها.
الأكيد أن حاتم علي صفعنا بموته صفعة مفاجئة، أعادتنا لرشدنا ولو لحين، وهذا ما جعل البكاء عليه حارًّا وحارقا. لقد بكينا في شبابه شبابنا المهدور أيضا، وبكينا عبقريته التي حرمنا منها وهو في عز عطائه، وبكينا كل خساراتنا التي لا تعوض وكأننا رأينا مستقبلا ينتظرنا في نهاية انتظاره …وبيني وبينكم بكيت زوجته ورفيقة عمره دلع التي أصبحت وحيدة، والخاسر الأكبر بموته، وقد حضرني إهداء خصّها به على مجموعته القصصية “موت مدرس التاريخ العجوز”: “إذا كان في القصص ما يستحق أن يُهدى فإلى الغالية د. الرحبي طبعا. كان ذلك سنة 1987، وأعتقد أن الإهداء ساري المفعول إلى الأبد …

اقرأ المزيد

ترجمان الأشواق

على خديكِ تَطوفُ النُّجومُ
كأنّهما فَلَكٌ
وإنّي عاشقٌ ضوءيهما
يا لعَينيكِ قَمرينِ
وإنّي كَوكبٌ
لا يَدوران عليَّ
بل أنا حَوليهِما

فلتفيضي مِن جَمالِ الوَجدِ
ما فاضَ عليكِ
مِن سَحابِ الله
أمطاراً
لأُروى مِنهُما
ألستِ تَدرينَ
بأنّ الوَجد إن فاضَ عَليَّ
تتوارى الكَلِماتُ
وتَجُفُّ أَحرفُ التّاريخِ
واللُّغَةُ الأمُّ تُصبِحُ نسياناً
وأهوي مِنهما

قالَ شيخي
إذا اتسعَ المعنى
ضاقت العِبارة
وعِباراتي لا تَعبُرُ البَحرَ
مِنَ العَقلِ إلى العَقل
وأسمالي تُهرِئها الرِّياح الذاريات
ونُجُومي لم تعد رجومًا للشياطينِ
ففي الضِّدين
أراكِ وأراني
واصطفاني واصطفاكِ
وبقينا نركبُ الزّورق المثقوبَ
لكي ننجوا من سلاطين السماءِ
وسُرّاق الضمائر
وفَسادُ الحالمينَ الطامعين
ليَ الحاضرُ
ولي أنتِ
وكلامُ الله
عندما أوقفني
وقال:
عِش وسالِم كل مَخلوقٍ وخالِق
ولا تقتُل بأسمائيَ أسماءً
ولا تتبع النُّساكَ
وتَقليدَ الرِّجالِ
ولا هَديَ الدَّوائر

سيدي
كُلَّ ما شِئت هنا
لا كما أَخبرتني
فهل اخترت رِجالك؟
أم تُراك
عندما قَررت خلقي اخترتني؟
ثُمَّ صار العَقلُ مخلوقًا وخالِق!
أم تُراكَ اخترتَ
أن ترقُدَ في صمتٍ؟
وأصبحنا مِثلَ ذرّاتِ الهواءِ
تتهادى نحو مائك
سيدي!
قُلتَ لي:
لا تَقُل لي سيدي
فالحَبيبُ النِّدُ لا الضِّدُ
والعَبدُ والسَيِّدُ ضِدانِ
وإنّي مُتّحد
مثلما أنتَ تراني
هاأنا صِرتُ أراك
فإذا حِدتَ أَحِد
فاتَّحِد بي
لترى مائي هواءً
وترى الأرضَ سماءً
وأنا… بينهما

اقرأ المزيد

دع مئة زهرة تتفتح! [مقتطفات]

ماو تسه تونغ

ترجمة وإعداد: هشام عقيل

1-

بالنسبة إلى موقف 5 مليون مثقف من الماركسية سأقول بأن أكثر من 10% منهم، وهم الشيوعيون والمتعاطفون مع الشيوعية، مدركين نسبياً بماهية الماركسية ويقفون بجانبها بصلابة، ايّ يتخذون موقع البروليتاريا. من بين هؤلاء 5 ملايين مثقف. إنهم لا يشكلون سوى أقلية، ولكنهم يشكلون نواة ما وقوة حقيقية.
في مثل الوقت، ترغب الأغلبية في دراسة الماركسية وهي بالفعل تعلمت شيئاً أو آخر عنها، ولكنها لا تزال غير مدركة بماهيتها. للبعض شكوكه تجاه الماركسية، ايّ موقفه ليس ثابتاً بعد، وبالتالي سيكون له موقعاً متذبذباً في أوقات الشدة. هذا القسم من المثقفين، وهم يشكلون الغالبية، مكانهم مكاناً وسطياً. بعضهم يعارض الماركسية ولكنه لا يجهر بذلك صراحة وسيبقى هكذا لفترة طويلة؛ لذا سيكون علينا أن نسمح لهم بمعارضتنا. خذوا بعضاً من أتباع المذهب المثالي على سبيل المثال: من الممكن تجدهم يدعمون الاشتراكية كنظام سياسي واقتصادي ولكنهم يعارضون الماركسية بحد ذاتها؛ هذا ينطبق كذلك على بعض الجماعات الدينية الوطنية، ولكن لا يمكننا أن نفرض عليهم نظرتنا الماركسية.

بإمكاننا اختصار موقف المثقفين من الماركسية كالتالي: هناك من يدعم الماركسية وهو مدرك بشكل نسبي بماهيتها (الأقلية)، وهناك من يعارضها اطلاقاً (ايضاً الأقلية)، وهناك من يدعم الماركسية لكنه غير مدرك بماهيتها، وبالتالي يدعمها بدرجات متفاوتة (الأغلبية). إذن، نحن أمام ثلاث مواقف مختلفة: موقف صلب، ومتذبذب، ومعارض. علينا أن ندرك بأن هذه الحالة ستستمر لمدة طويلة جداً، وإن لم ندرك ذلك سنكون قد فرضنا مطالب هائلة على الآخرين وفي مثل الوقت نكون قد تغافلنا عن مهامنا. على رفاقنا في العمل الدعائي نشر الماركسية.. لا يمكننا أن نجبر الناس على القبول بالماركسية، كل ما يمكننا فعله هو أن نحاول حثّهم على ذلك.

… صحفنا تثقف الشعب بشكل يومي؛ كتابنا، وفنانونا، وعلمائنا، ومهندسونا، ومدرسونا يعملون على تعليم الطلبة والشعب. ولكن لأنهم معلمون ومدرسون سيكون عليهم أن يثقفوا أنفسهم أولاً. … بعضهم قد قرأ كتاباً أو كتابين من الكتب الماركسية، فظنّ بأنه قد تثقف بشكل كلي بالماركسية، بينما في حقيقة الأمر لم يستوعب ما قرأه بعد ولم يترسخ في ذهنه ما قام بقراءته؛ وبالتالي لا يعلم كيفية استعمال الماركسية، وهكذا تبقى مشاعره الطبقية ثابتة. أما بعضهم الآخر فقد اكتسحه الغرور: بكم كلمة مزخرفة هنا وهناك اعتقد بأنه يقول اشياء مذهلة؛ لكن في أوقات الشدة تجده يأخذ موقعاً مختلفاً ومغايراً عن موقع البروليتاريا وغالبية الفلاحين. إنه يتذبذب بينما الجماهير تبقى ثابتة.

… على رفاقنا أن يعوا بأن إعادة التشكيل الأيديولوجي للمثقفين عملية طويلة تستغرق وقتاً طويلاً. على رفاقنا أن يفهموا بأن إعادة التشكيل هذه تتضمن عملاً طويل الأمد، وصبراً حقيقياً لا كلل فيه ولا ملل؛ عليهم ألا يحاولوا اطلاقاً تغيير الموقع الأيديولوجي لأي شخص عبر محاضرات هنا وهناك، إذ أن هذا الموقع قد ترسخ على مدى عقود من الزمن. إن الطريقة الوحيدة لإكتساب الناس هو الحث لا الإجبار؛ الإجبار وسيلة تفشل في كسب الناس. هذه الوسيلة مسموحة فقط حين نتعامل مع الأعداء، ولكنها غير مسموحة اطلاقاً حين نتعامل مع اصدقائنا ورفاقنا. ماذا سيحصل إذا لم نعرف كيفية حث الناس؟ حينها سيكون علينا أن نتعلم. علينا أن نتعلم كيفية السيطرة على الأفكار الخاطئة عبر المناقشة وتبادل الآراء.

(كلمة ماو تسه تونغ في المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني حول العمل الدعائي، 1957).

2-

جميعنا يغسل وجهه بشكل يومي، وبعضنا يقوم بذلك أكثر من الآخر، كما أن جميعنا يتفقد وجهه بعد غسله كما لو كان “يتقصى ويبحث”، كي يتأكد بأن ليس ثمة شيء يلطخ وجهه. يا له من حس عالٍ بالمسؤولية! حبذا لو كتبنا مقالاتنا وألقينا خطبنا بمثل هذا الحس بالمسؤولية؛ لو قمنا بذلك لكنا قد قدمنا عملاً جيداً. لا تعرضوا شيئاً لا يستحق العرض؛ وضعوا دائماً في البال بأنكم تؤثرون على الآخرين. إذا حصل بأن أحد منا نسي أن يغسل وجهه ليوم أو يومين هذا بلا شك أمر سيء، ولكنه إذا تدارك ذلك وقام على الفور بغسل وجهه فإن هذا ليس بأمر خطير؛ على الرغم من أن وجهه لا يزال ملطخاً بعض الشيء. تختلف المسألة عند الكتابة أو القاء الخطب، إذ أن غايتها هو التأثير على الآخرين. … الكثير منا يكتب ويلقي خطباً من دون أي دراسة مسبقة ولا تحضير، وبعد الانتهاء من كتابة مقالة ما تجده لا يشغل نفسه بمراجعتها عدة مرات بالطريقة التي يراجع فيها وجهه بعد غسله؛ على العكس يرسلها فوراً للنشر.

(عارضوا الكتابة الحزبية النمطية!، 1942).

3 –

بالنسبة للبعض الذي يفتعل الفوضى سأقول بأننا لا نشجع على ذلك، ولكن إذا كان هؤلاء الناس مصرين على إحداث الفوضى إذن دعوهم. إن حرية التعبير والاحتجاج مكفولة من قِبل دستورنا، وعلى الرغم من أن حرية الإضراب غير مذكورة في الدستور إلا إنها غير ممنوعة في ذات الوقت؛ بهذا المعنى الإضراب لا يعارض الدستور.
إذا منعتم الناس من الإضراب أو كتابة عريضة ما، سيكون هذا أمراً سيئاً للغاية. برأيي، إذا كان بعض الناس يريدون افتعال الفوضى دعوهم لأطول مدة ممكنة، وإن لم يكن شهراً كافياً إذن ليكن شهرين؛ بإختصار على المسألة ألا تنتهي إلا في حال شعر هؤلاء الناس بأنهم نالوا كفايتهم. أما إذا حاولتم تأجيج الأمور، إذن حينها سيحدث نفس الناس نفس الفوضى مرة أخرى. إذا هناك طلبة يريدون المشاكل لا تغلقوا المدرسة، بل صارعوهم على طريقة معركة تشيبي قديماً. ما فائدة هذا كله؟ سيفيدنا ذلك في كشف المشاكل بشكل كلي والتفرقة ما بين الصواب والخطأ كي يتم تهدئة الجميع، أما الذين لا يعملون بعقلانية، وهذا النوع من الناس هو الأسوأ، حتماً سيهزمون.

عليكم أن تتعلموا هذا الفن في القيادة، ولا تحاولوا أن تسيطروا على كل شيء. فكلما قال أحدهم شيئاً شاذاً، أو شن حملات اضرابية أو كتب عريضة ما، أجدكم تتسارعون في ضربهم وقمعهم بشكل شرس؛ إنكم تعتقدون بأن كل هذه الأمور يجب أن تقمع لأنه لا يتوجب عليها أن تحصل هنا. حسناً، إذا كان لا يتوجب على هذه الأمور أن تحصل إذن لماذا – مع ذلك – نجدها تحصل؟! هذه الحقيقة بحد ذاتها تعني بأن عليها أن تحصل! إنكم تمنعون الناس عن الإضراب ومعارضتكم، وتلجأون فوراً إلى القمع؛ وهكذا إلى أن تتحولوا إلى راكوسي في أحد الأيام. … على التناقضات أن تكشف وتحل.

…أنا على يقين بأن في كل مكان تجد أن الناس في الوسط هم الغالبية بينما الناس الذين يقعون في اقصى الطرفين هم الأقلية. علينا أن نحاول كسب الشرائح الوسطية هذه خطوة بخطوة ومن بعد ذلك ستكون لنا الغلبة. علينا أن نحلل كيف يتحرك قادة حركات الشغب، فإن الكثير منهم من الممكن أن يكونوا مفيدين للناس. أما بالنسبة للسيئين منهم فلا حاجة بنا أن نعتقلهم أو نزجهم في السجون، بإستثناء هؤلاء الذين اثبت بأنهم اقترفوا اسوأ الجرائم. … في الاتحاد السوفيتي، حين يفتعل كم طالب جامعي المشاكل يتم قمعهم فوراً عبر طرد بعض القادة من مفتعلي المشاكل، ولكنهم لا يدركون بأن الأشياء السيئة هي مادة تعليمية. بلا شك، علينا أن نمارس الدكتاتورية على القلة الذين يقودون حركات تمردية تشكل ثورة مضادة، مثلما حصل في المجر.

علينا أن نسمح للشخصيات الديموقراطية معارضتنا بآراء مختلفة ومغايرة تماماً، وهذا عبر توفير الحرية الكاملة في النقد.

(كلمة ماو تسه تونغ في مؤتمر أمناء اللجان الحزبية للمحافظات، والمقاطعات، ومناطق الحكم الذاتي، 1957).

اقرأ المزيد

لا البداية لا الهاوية

هل نظن الصدى صوتنا؟
نتوهمه، فنصدقه، ونفكر فيه كما يشتهي
هل سنحزن إما خسرناه؟
نبكي عليه، ونصمت..
معتقدين بأنا خرسنا، وننسى الذي
كان لابد من قوله.
****
هل نعاند حشرجة الكلمات
تفزّ من الصدر؟
هل نتعوّد خيط الرياح
يلطخ اعيننا بالغبار المبلل؟
نغمض عما نرى
ونقول، الحرارة في صوتنا خفتت
****
يا صدى غيرنا، قل لنا
ربما نتذكر من نحن
أو ربما نتوهمنا، فنعيش
حياة مقدرة
عاش منها سوانا
ولم ينتبه أنها
ربما لم تكن غير صوت
وقوع ثمار الفراغ على الأرض
مرّ في خيزران الخيال هواءً
فأخرج من جهة ثانية
كلمةً أو حياةً، صدى أو صراخاً
تكسرّ ما بين ارواحنا
ومخاوفنا أن نعيش..
****
لا صدى غير أصواتنا البالية
تتكرر في سأم، هزةً هزةً
إنها ليست البدء، لكنها ليست الهاوية.

اقرأ المزيد

“في الوقت المحدّد” يعرّي الرأسمالية المتوحشة

من بين الأفلام المدهشة التي انتجتها هوليوود والتي فضحت الرأسمالية الجشعة على مدى عقود يبرز فيلم “في الوقت المحدد” (in time ) الذي انتج في عام 2011.
لا يكتفي الفيلم باتهام الرأسمالية بالجشع والنهب واستغلال الفقراء، بل أن من يتعمق في موضوع الفيلم يجد إعلانا صريحاً بالحرب على موجة الرأسمالية المتوحشة، وكأنّه يقول” إن على المنهوبين أن يردوا على السرقة بسرقة مضادة “. المعروف لدى الجميع انّ الرأسمالية نظام بلا أخلاق وبلا روح أو هدف. هذا ما أكدّ عليه أغلبية الفلاسفة والمنظرين.
ويضرب أحد الباحثين في الرأسمالية مثلاً في هذا الصدد بأنّه عندما يختلف احد العاملين في منشأة رأسمالية مع ربّ عمله ويتصاعد الموقف فيقول له رب العمل وقد أعيته حيلة الإقناع: “ما أقوله هو الصواب. أنا رب العمل”، فيجيبه الخبير: “يا سيدي أنا لا اعترض على كونك رب العمل بأي شكل من الأشكال. نعم انت ربّ العمل ولن أفعل أنا إلاّ ما تقرره أنت. أنا ملزم بطاعتك ما دمت مستمراً في العمل معك، لكن ان تلزمني بالإقرار بصواب رأيك وانا مقتنع بأنّك على خطأ هذا ما يتجاوز حقوقك وامكاناتك إن أبقيتني في منشأتك لكنيّ سأبقي على قناعتي بأنّك مخطئ” .
الخلاصة من هذا الموقف أنّ الرأسمالية بكونها مذهباً غير اخلاقيّ فإنها لا تسمح للآخر بأبداء وجهة نظره مهما كانت صائبة وهو دائماً على خطأ ومن حق الرأسمالي أن يسحقه.
المرعب في فكرة الفيلم هو استعمال العمر في التعاملات المادية بدلا من المال بمعني انهم عندما يريدون الحصول على متطلبات الحياة اليومية يقومون بالسداد عن طريق الوقت المتبقي من أعمارهم الموجود علي ذراعهم.
يتخيّل فيلم “في الوقت المحدّد” أنّ الانسان ينتهي عمره في الخامسة والعشرين، فإذا رغب أن يعيش فوق هذا العمر عليه، أن يشتري عمراً ووقتاً اضافياً بالدقائق والساعات والأيام والشهور والسنوات والقرون لو استطاع!
إنّ فكرة الفيلم تندرج في إطار الخيال العلميّ، اذ يتصور المؤلف اّنّ الصراع بين بني البشر بدلاً أن يكون حول ثروة المال كما يحصل الآن، إلى الصراع على الوقت ويصبح الشعار الرأسمالي إلى: الوقت يساوي المال. وطبقا لهذا فإنّ الرأسمالية لن تسرق أقوات الفقراء وتمتص دمهم حتى آخر قطرة، بل تتحول الى وضع حدٍ لأعمارهم بحيث لا تتعدى ال 25 فقط .
الفيلم يصوّر الفوارق بين طبقتي الأثرياء والفقراء على الشكل التالي. انّ الاثرياء هم من يمتلكون أعماراً تقدّر بالآلاف من السنين، أما ابناء الطبقات الفقيرة فإنّ اعمارهم لا يتجاوز الخمس والعشرين ومن هنا ينشأ الصراع للحصول على سنوات اضافية. المعنى الأعمق الذي ينبه إليه موضوع الفيلم هو انّ الاثرياء انّما حصلوا على هذه السنوات بسرقة الفقراء كما تتم سرقة جهدهم وعرقهم واجورهم.
وفجأةً يظهر البطل “ويل” الذي يحاول أن يعيد للفقراء شيئاً من حقوقهم المسروقة. وبالمصادفة يلتقي احد الأثرياء المتخمين من (ثروة الوقت) الذّي يهب كل (ثروته من الوقت) إلى هذا الشاب المناضل ويقرر الرجل الثري الانتحار، ويرفع الشاب المناضل شعار انّ سرقة الشيئي المسروق ليس بسرقة. ويعلّق أحد النقاد السينمائيين بالقول لو قدم هذا الفيلم في بداية الخمسينيات من القرن العشرين في عز سطوة المكارثية لأتهم مخرجه صراحة بالشيوعية وكان سيجلس في منزله جرّاء هذا الاتهام.

اقرأ المزيد