المنشور

لماذا الإصلاح السياسي أولاً ؟!


كثيرا ما يدور الحديث عن الاختلالات التي تعتور اقتصادنا الوطني ونظامنا التعليمي والتركيبة السكانية لمجتمعنا وضرورة إصلاح مثل هذه الاختلالات… بينما يتم الحديث في المقابل على استحياء عن الخلل السياسي الأخطر الذي تعاني الكويت منه الأَمَرْين، وعما يفترض تحقيقه من إصلاح سياسي جدّيّ وجذري وشامل وناجز.
 
وأجزم هنا على نحو قاطع أنّه من الوهم الحديث عن إمكانية تحقيق أي إصلاح ذي معنى للاقتصاد أو التعليم أو التركيبة السكانية أو إصلاح غير ذلك من أوضاعنا المختلة في ظل السكوت عن الخلل الأسوأ على مستوى الإدارة السياسية للدولة… ذلك أنّه يستحيل تحقيق إصلاح هذا القطاع أو تصحيح هذا الجانب أو ذاك من جوانب حياتنا بمعزل عن تحقيق الإصلاح السياسي الذي هو المدخل الأساس لأي إصلاح أو تصحيح… فلا يمكن إنجاز مهمة إصلاح الاقتصاد الوطني والنهوض به، أو إصلاح التعليم وتطويره، أو تصحيح الاختلال في التركيبة السكانية تحت قيادة إدارة سياسية سيئة ومتخلفة ومفسدة وفاسدة، ناهيك عن افتقادها الكفاءة السياسية وقصورها الذاتي وعجزها عن القيام بأبسط واجباتها في إدارة الدولة.
 
ومن هنا؛ فإنّ الأولوية يجب أن تكون للإصلاح السياسي… وهذا ما يتطلب بداية تشخيص ما يعانيه واقعنا السياسي من تناقض وأوجه خلل يبرز في المقدمة منها التناقض الرئيسي غير المحسوم تاريخيا القائم بين النهج السلطوي وعقلية المشيخة من جهة وبين مشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة ومتطلبات التطور الديمقراطي لمجتمعنا من جهة أخرى، وما أدى إليه هذا التناقض من تعطيل لمشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة الذي انطلق مع الاستقلال في 1961 ثم تعرّض للإعاقة والعرقلة وأخيرا التعطيل… وما نجم عن هذا التناقض من تكريس لنهج الانفراد بالسلطة والقرار على نحو متعارض مع النظام الدستوري على قصوره؛ حيث تتجلى أبرز مظاهر هذا الانفراد بالسلطة في احتكار المناصب السيادية على مستوى السلطة التنفيذية؛ وتحويل مجلس الوزراء إلى جهاز إداري تابع يضم وزراء تنفيذيين لا سياسيين؛ لا حول بأيديهم ولا قوة؛ ولا مشاركة لهم ذات بال في الإدارة السياسية للدولة…
هذا بالإضافة إلى ما تعرّض له “دستور الحدّ الأدنى” من إفراغ سلطوي متعمّد ومتواصل لمضامينه الديمقراطية عبر سلسلة من القوانين والإجراءات المقيدة للحريات والمتجاوزة على الحقوق الديمقراطية للمواطنين… وكذلك ما تواصل من تدخلات سلطوية فاضحة وعبث مكشوف في العملية الانتخابية وإفساد مستمر للمؤسسة البرلمانية باستخدام المال السياسي والرشوة والخدمات والتسهيلات لشراء الغالبية النيابية “التابعة”، وما فضيحة الإيداعات المليونية في الحسابات المصرفية لعدد من النواب إلا إحدى تجلياتها التي انكشفت، وهناك كثير غيرها من ممارسات الإفساد السلطوي التي لما يُفضح أمرها بعد.
 
وبالتالي فإنّه من الطبيعي في ظل الخلل الأكبر الذي يعانيه واقعنا السياسي أن نشهد اختلالات بنيوية أخرى في مختلف مجالات الحياة، بل أنّ هذه الاختلالات عرضة لأن تتفاقم أكثر فأكثر ما دام هذا الواقع قائما لم يتغيّر، ومن ثَمَّ فإنّه من غير المجدي افتراض إمكانية إصلاح أيٍّ من هذه الاختلالات مع استمرار السكوت عن الخلل الأخطر على المستوى السياسي؛ أو الاكتفاء بالحديث عنه على استحياء… فهذا الخلل هو مصدر الاختلالات والعلل!
 
 
 
 عالم اليوم  16 أكتوبر 2011
 

اقرأ المزيد

لماذا محاولات تزوير تاريخ هيئة الاتحاد الوطني؟


لا أجد تفسيراً منطقياً لمهاجمة البعض – في هذا الوقت بالذات – هيئة الاتحاد الوطني التي تشكلت في خمسينيات القرن الماضي بعدما مرت البحرين بشقاق طائفي بغيض يشبه إلى حدٍّ بعيد ما تمر به البحرين اليوم إلا الخوف من تكرار تجربة الهيئة مرة أخرى.
 
لقد عاشت البحرين منذ مطلع العام 1953 ولغاية العام 1954 حالة من التشرذم الطائفي نتيجة حوادث يرى البعض أنها كانت عفوية، فيما يرى البعض الآخر أن المستعمر الإنجليزي استغل مثل هذه الأحداث ولعب دوراً فاعلاً في إشعالها وتغذيتها بعد تزايد الوعي القومي في المستعمرات البريطانية ومن ضمنها البحرين بعد ثورة الضباط الأحرار في مصر بقيادة جمال عبدالناصر العام 1952، وخوفها من انتشار هذا الوعي في جميع أرجاء الخليج العربي.
 
فالهيئة التي تم تأسيسها بعد سلسلة من الأحداث الدامية التي راح ضحيتها عدد من المواطنين برصاص المستعمر البريطاني خرجت من رحم الشعب بعد أن استشعر الجميع بأنه لا مجال للقضاء على الفتنة الطائفية إلا من خلال الوحدة الوطنية والمطالبة بالحرية للجميع. ولذلك تمت الدعوة لاجتماع عام عقد في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1954 في السنابس، حضره ممثلون عن جميع القرى والمدن في البحرين، وتم اختيار لجنة تنفيذية عليا من 120 شخصاً من الطائفتين، كما تم انتخاب 8 أعضاء، أربعة منهم من الطائفة الشيعية وأربعة من الطائفة السنية كلجنة تنفيذية.
 
لا يزعم أحدٌ بأن أعضاء الهيئة كانوا من الملائكة، ولا يفترض أحدٌ أن الهيئة أو رموزها لم يرتكبوا أخطاءً, ولكن ما قاموا به من عمل وطني جنّب الشعب البحريني المزيد من الشقاق الذي كان من الممكن أن يصل لحد الاقتتال, يجب أن يغفر لهم هذه الأخطاء.
 
من المفترض أن تكون فترة الهيئة التي أسستها مجموعة من المواطنين الشرفاء من الطائفتين، والتي استمرت لمدة عامين من أنصع فترات التاريخ البحريني, عندما توحَّد جميع المواطنين ضد الاستعمار البريطاني ورفعوا مطالب عامة من أجل تطوير الجهاز الإداري في الدولة والمشاركة في إدارة شئون البلاد، تتلخص في تأسيس مجلس تشريعي يمثل الأهالي تمثيلاً صحيحاً عن طريق الانتخابات الحرة، ووضع قانون عام للبلاد جنائي ومدني، والسماح بتشكيل النقابات العمالية وتأسيس محكمة عليا للنقض والإبرام.
 
في الفترة الأخيرة تعمد البعض تشويه صورة الهيئة وقادتها عبر تزوير التاريخ، فهم يزعمون أن المعتمد البريطاني استطاع اختراق عدد من أعضاء الهيئة «وتلبية بعض مطالبهم الطائفية والفئوية»، ولذلك «إن بعض الأعضاء تسببوا في انحراف عمل ورسالة الهيئة، فتساقطت شيئاً فشيئاً حتى غابت عن المشهد مع أعضائها والمتعاطفين معها».
 
والصحيح أن الهيئة لم تغب عن المشهد السياسي بسبب انحراف عدد من أعضائها ولكن ما حدث هو التحالف في ذلك الوقت مع المستعمر البريطاني على ضرب الهيئة واعتقال قادتها وسجنهم ومن ثم نفيهم إلى جزيرة سيلان بهدف عدم تلبية مطالب الشعب، وهكذا تم القضاء على الحركة.
 
في كتابه «من البحرين إلى المنفى سانت هيلانه» والذي يؤرخ لهذه المرحلة المهمة من تاريخ الشعب البحريني في مقاومته للاحتلال الإنجليزي، يذكر الأمين العام لهيئة الاتحاد الوطني عبدالرحمن الباكر أن «الإنجليز وحسب التقارير الكاذبة التي يتلقونها كانوا يعتقدون بأن هناك مخططاً مدروساً خطط له في مصر وينفذه أعوان جمال عبدالناصر في البحرين»
 

صحيفة الوسط البحرينية     -     25 أكتوبر 2011م
 

اقرأ المزيد

الجدية.. والباقي تفاصيل…!


من بين أعز ما رجوناه أمس، ونرجوه اليوم وغدا، وبعد غد وكل يوم ان يكون للجدية الحضور الأوسع من قبل كل معني ومسؤول في ساحة الأداء العام ونحسب أنه لو توافرت الجدية بالقدر اللازم في كل مجريات أمورنا لكانت الأحوال غير الأحوال، ولكانت الحسابات التي تدور الآن في كل مجال شيئا آخر تماما. الجدية هو بيت القصيد.. وجدية العمل التي اشترطتها غرفة التجارة لمعالجة مشاكلنا الاقتصادية والتي وردت في دراستها الأخيرة حول اثر الأحداث المحلية وتداعياتها على الوضع الاقتصادي، هي حتما ليست الإشارة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تؤكد على مطلب الجدية لبلوغ حلول واقعية وعملية لمشاكلنا وما يؤرق مجتمعنا وواقعنا الراهن.
 
الجدية التي نعنيها وننشدها هي في أبسط تعريف تعني العمل بما نؤمن به، او تعني الإيمان بما نقول، وتعني تطابق الأفعال مع الأقوال، كما تعني الحسم والعزم وقطيعة مع ثقافة الكلام الكبير والفعل القليل ورفضا لذهنية إنكار العيوب والمشكلات. إذا اتفقنا على ذلك، وأرجو أن نتفق، فإننا بناء عليه نحسب ان خلاصة الكلام حول الجدية سيؤدي بنا إلى الإقرار بان الجدية تتجلى في:
 
عندما نعد ننفذ، وعندما نقرر نفعل، وعندما نؤمن بمبادئ نلتزم، وعندما ندعوا الى النقاوة لا ننحرف، وعندما نقيم صداقة لا نخون، وعندما ندعي الإرادة لا تزحزحنا الإغراءات وعندما نتمسك بالحق نثبت، وعندما نكتب نعي مسؤولية الكلمة، وعندما نعتلي المنبر ندرك قيمته، وعندما نطالب بسيادة القانون نلتزم به، وعندما نمارس السياسة لا نمارسها على حساب الوطن والشعب وعندما نتبنى المواقف لا نثير الهواجس والالتباسات، وعندما نخطئ نعترف ونتراجع بكل جرأة أدبية ومعنوية. وعندما نتناول أمور وهموم الناس لا نتناولها بكثير من السطحية أو الانتهازية، وعندما نتحدث عن الوطنية لا نسيء الى الوطن، وعندما ندعوا الى الوحدة الوطنية نتجنب ما يشق الصفوف ولا نخلق الأزمات التي تعكر صفو المجتمع، وعندما ندعوا الى الإصلاح لا نفتعل المعوقات، وعندما نطالب بمحاربة الفساد لا نمارس الفساد، وذلك قليل من كثير ليس الا..
 
اذا اتفقنا على ذلك، وارجو ان نتفق فاننا من هذه الزاوية نقول انه لا يكفي ان يعلن للناس ما يهمهم من خطط وبرامج ومشاريع يكتشفون في نهاية الأمر بانها لا تلامس أرضية الواقع، او لا تلبي الحد الادنى من تطلعاتهم، ولا يكفي ان يقوم وزير او من في حكمه بالكشف عن مخططات هنا او هناك، ومشاريع من النوع التي يفترض انها تدخل في صنع المستقبل وترفع المعنويات، ثم نتفاجأ بأنه لا بيان لكيفية تحقيقها، او لمساراتها وأكلاف تنفيذها وتمويلها ولا في ترتيباتها في أي سلم للأولويات.
 
كم مشروعا دق الأبواب قبل سنوات ولم يرَ النور، وكم التزاما من جهات رسمية أعلن عنه ولم يطبق الحد الأدنى منه، وبوسعنا ان نستخرج من أرشيف صحفنا المحلية كم من التصريحات والقرارات والوعود تتصل بمشاريع وبرامج وسياسات وتوجهات منها ما كان في غاية الأهمية، ومنها ما تناثرت حول الأفكار والإشادات، ومنها ما حظي بتهليل و” طنطنة ” إعلامية، الا ان الحصيلة والنتيجة لا شيء..!!
 
قلنا بوسعنا الرجوع الى ارشيف الصحف وان نأخذ راحتنا ونرصد قائمة مما قد يستوجب التذكير به والتي من بينها ما قد نكتشف بانه احيل الى لجان مختصة، وما أدراكم ما اللجان المختصة..!! ولكن ليس هذا بيت القصيد.. وانما وعلى وقع موضوع الجدية وما يكتنفها من معان وأبعاد أردنا ان نقول:
 
– ان الجدية تعني مزيدا من التنظيم، ومزيدا من الانضباط، ومزيدا من احترام القانون، ومزيدا من الإصرار على تخطي العقبات، ومزيدا من القدرة على فرز وطرح وتنفيذ الأولويات حتى لا تضيع البوصلة، ان كانت موجودة أصلا.
– الجدية تعني ان نوقف هذه المناخات الراهنة الضارة بالوطن وبالناس.. مناخات الشائعات والتشكيك والتخوين والتشهير والاساءات والعصبيات ودعوات المقاطعة والتنابذ، كما انها تعني مراجعة كل ما يحتاج الى تصويب وجعل اعتباراتها وموجباتها تتقدم على جميع الاعتبارات والموجبات في كل وقت وفي كل ظرف.
 
– الجدية ان نقول كفى للذين يصبون الزيت على النار، من قطيع الطارئين والانتهازيين وصيادي المناسبات ومستثمري الازمات الذين منهم وفيهم من يظهرون لنا في هيئة الناصحين، المخلصين، الراشدين، الوطنيين الذين قلبهم على الوطن، فيما تنمو على أيديهم هموم تتراكم وواقع أخضعوه من أبوابه العريضة والضيقة لأنواع شتى من الاستغلالية والبلبلة والتشويش والتجييش.
– الجدية عندما نغرس ثقافة نظم، لا ثقافة اشخاص، فالاولى مرتبطة بالانجاز والكفاءة وتحقيق النتائج والثانية تتنافى مع حركة علوم الادارة، وتفتح المجال على مصراعيه امام غير المتميزين وغير الموهوبين والانتهازيين وعديمي الكفاءة لكي يتبوأوا المواقع والمناصب مخترقين كل معايير ومغيبين كل مقاييس.
 
– الجدية عندما نتعامل من دون تردد او تلكؤ مع مخالفات صارخة في الوزارات والمؤسسات والشركات والمجالس البلدية، ومع التجاوزات المالية والادارية الواردة في تقارير ديوان الرقابة المالية والادارية، والجدية تعني ايضا  ألا نعطي وهما بالانجاز، أو لا نحقق انجازا ذي قيمة و”نطنطن” له وننظم له حفلات استقبال وصور وبهرجة اعلامية بتكاليف لا يعلمها الا الله، توثيق الحدث وابراز الذين يتكلمون كثيرا ولا ينجزون انطباعا بانهم يتحركون وينجزون عابثين بمفردات وعناوين ومقومات الانجاز.
 
– الجدية هو ان يتوقف هذا العبث الذي يمارسه البعض هنا وهناك وهنالك من اصحاب العصبيات الطائفية والذين دائما يسعون إلى إظهار كل أمر على انه نزاع باسم طائفة ضد أخرى تدعي الى ساح الوغى بقضها وقضيضها للمنافحة عن مصلحة تخصها في وجه الطائفة الاخرى، وان نهتدي لأي حلول ومخارج تتصف بالحكمة والدراية وبعد النظر والوطنية الحقة.
 
– الجدية ألا تتعطل كل أشكال المساءلة والمحاسبة الشعبية والنيابية وان لا يظل دور المجلس النيابي عاجزا عن القيام بدوره الرقابي تجاه السلطة التنفيذية.
 
– الجدية ان نضع الضوابط التي تمنع تسخير المواقع الرسمية لاغراض خاصة، وان نضع يدنا على العلل حتى وان آلمنا مسها.
 
– الجدية ان يدرك كل مسؤول في موقعه بأنه خادم للشعب وليس متسلطا عليه وان لا نجعل عملية الإصلاح في حالة تكرار وإعادة إنتاج قاتلة للقضايا ذاتها وجعلها غير واضحة المعالم والأهداف.
 
– الجدية ان لا نجهل المخاطر المحيطة والمحدقة بنا في الداخل والخارج، ولا نغض الطرف او نقفز فوق استحقاقات ننتظرها كتلك التي نعدها من ثمار حوار التوافق الوطني.
 
ذلك قليل من كثير مما يمكن ان يقال عن الجدية، والذين يذكروننا على الدوام بانهم يحبون البحرين أقول، حبوها بجدية وفي هذا الوضع العصيب الراهن حبوها بجدية اكبر.. جدية غير مسبوقة.. جدية تجعل واقعنا يدار بشكل افضل في كل شيء، وتستدعي المشترك في الضمير العام .. وعليه من الآن فصاعدا ستحتاج كل المشاريع والبرامج والتوجهات والرهانات والتحركات والمواقف والخيارات والسياسات والأولويات  إلى الجدية.. انتهت أهم الدروس وتبقى الجدية أولا، والباقي تفاصيل، وبالجدية نخلق فسحة أمل.. ويا ترى كم فسحة أمل نريد؟!!
 
 
صحيفة الأيام   31  أكتوبر 2011

اقرأ المزيد

“البلدوزر” ماكين والفيتو الصيني الروسي المزدوج

يوم الخميس 29 سبتمبر/أيلول 2011 أطلق النائب عن الحزب الجمهوري والمرشح الخاسر أمام الرئيس باراك أوباما في انتخابات الرئاسة الامريكية الاخيرة جون ماكين تصريحا من العيار الثقيل مفاده “ان سقوط نظام القذافي في ليبيا سوف يحفز الشعبين الصيني والروسي على الثورة ضد نظامي الحكم في الصين وروسيا”.
 
صاحب هذا التصريح الذي يمكن أن يصنف في اللغة الدبلوماسية بالكلام الفاقد للكياسة واللياقة الدبلوماسية، وقد يصفه بعض الساسة بالحديث الأخرق أو الأحمق – نقول ان صاحب هذا التصريح ليس مسئولا أمريكيا عاديا وانما هو قطب كبير من أقطاب المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة وأحد الوجوه البارزة في صفوف زعامات الحزب الجمهوري المتمتع بأغلبية مجلس النواب.
 
فما الذي يقرأه المرء في بواعث هذا التصريح المستفز الذي يعيد الى الأذهان مرحلة الحرب الباردة بين الغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والشرق الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق، حيث كانت لغة التنابذ والتحريض هي لغة التخاطب السائدة بين الكتلتين بحكم العداء الايديولوجي المستحكم بينهما منذ قيام الثورة البلشفية في روسيا التي أطاحت بالحكم القيصري في عام 1917 ثم راحت تتمدد وتتوغل داخل وخارج الحدود الجغرافية لروسيا القيصرية؟
 
ربما اكتفى البعض بالتأويل المبني على شخصية ماكين ” البلدوزرية” الفظة التي لا تتقيد عادة بقواعد البروتوكول وأصول اللياقة الدبلوماسية. فضلا عن مثالية الظروف الاقتصادية الصعبة التي تشكل في الغالب مطمعا وبيئة مناسبة لصعود نجم أمثال هؤلاء الشعبويين.
 
هذا تأويل معقول جدا لولا أن جون ماكين ليس “البلدوزر” الوحيد الصاعد نجمه في الحزب الجمهوري والمتحفز لشغل منصب متقدم في البيت الأبيض حين يكون الفوز من نصيبهم، كما يأملون، في انتخابات الرئاسة القادمة (نوفمبر من العام المقبل). ومع ذلك فان أحدا لم يسمع من أمثال هؤلاء (سارة بالين المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس الأمريكي التي اختارها بالمناسبة جون ماكين لتكون نائبته في حال فاز على أوباما في الانتخابات السابقة، وحاكم ولاية ماساتشوستس “ميت رومني” الذي يتصدر حاليا لائحة المرشحين الجمهوريين لمنصب الرئاسة القادمة – على سبيل المثال لا الحصر) – لم نسمع من أمثال هؤلاء تصريحا منطاولا بهذا الاستهداف الصريح المتواقح بحق كل من الصين وروسيا.
 
واذا كان لهذا من تفسير فهو انه اذا كانت مثل هذه التطاولات الصريحة غائبة في الخطاب السياسي الامريكي في الفترة السابقة فهو لا يعني عدم وجود نوايا وخطط مضمرة ضد هذين البلدين اللذين لازالت واشنطن تنظر اليهما على انهما المنافسين الجديين اللذين يشكلان التهديد الأكبر لطموحاتها القيادية والسيادية والاستحواذية الكونية.
 
ومن يتابع أجهزة الميديا الأمريكية ونفوذ الطبقة السياسية الامريكية المتطاول في الميديا الأوروبية سوف يجد أن اسمي الصين وروسيا لا يكادان يختفيان، ولو لأسبوع واحد، من تناولاتها لمشاكل البلدين بنفَس ينضح عداءً وتحريضا وتسقيطا يروم مراكمة وتشكيل وعي جمعي سالب تجاه هاتين الدولتين.
 
فيما يتعلق بالصين فان الولايات المتحدة تتبنى علنا وعلى أعلى المستويات الحركات الانفصالية للأقليات وخاصة سكان التبت والأقلية المسلمة، ويتم استقبال الدلاي لاما زعيم التبت من قبل الرؤساء الامريكيين في البيت الابيض كأي رئيس دولة بكل حفاوة الاستقبال المعهودة في مثل هذه المناسبات، ويجري تقديم الدعم الاعلامي والسياسي والمادي السخي له ولأنصاره لتشجيعهم على القيام بمزيد من الفعاليات التي تكرس الوضع المتوتر في منطقة التبت لتشكل أحد مصادر الاستنزاف الدائم للطاقة والموارد الصينية بهدف كبح جماح الاتجاه الاقتصادي الصعودي للمارد الصيني المهدِّد لعرش “الامبراطورية” الامريكية الكونية.
 
ويدرك الامريكيون انهم فقدوا مزاياهم التنافسية، الأمر الذي يعكس نفسه في تضاؤل الفجوة يوما بعد يوم بين الحجم الكلي للناتج المحلي الامريكي ومثيله الصيني، وان ضغطها على الصين لاجبارها على رفع سعر صرف عملتها الوطنية من أجل استعادة بعض تنافسيتها المتآكلة، لن يجدي نفعا وهو ما سيؤدي الى ازاحة الصين للولايات المتحدة من زعامة العرش الاقتصادي العالمي كما أزاحت اعتبارا من العام الماضي اليابان من مركزها الثاني وأخذت مكانها. كما تستخدم واشنطن ورقة تايوان للتنغيص والتشويش على الانهماك الصيني في التنمية المتسارعة، فيما ترد الصين بتوظيف ورقة كوريا الشمالية لاقلاق النفوذ الامريكي في شبه الجزيرة الكورية وفي منطقة الباسيفيكي.
 
وأما فيما يتعلق بروسيا فان واشنطن لا تنظر بارتياح الى قرار الحزب الحاكم في روسيا (حزب روسيا الموحدة) باعادة ترشيح فلاديمير بوتين لانتخابات الرئاسة العام لمقبل، فهذا الرجل هو من أعاد بناء القدرات والطاقات الانتاجية الروسية في ظرف زمني قصير والتي كانت واشنطن وحلفاؤها الاوروبيون قد انفقوا المال والجهد في سبيل اضعافها وتحويل روسيا التي ورثت الاتحاد السوفييتي المنهار الى دولة معطوبة وذلك بتسهيل من المجموعة الفاسدة بقيادة الرئيس الراحل بوريس يلتسن التي قصفت مبنى الدوما (مبنى البرلمان الروسي) بالدبابات والتي رعتها واشنطن وحلفاؤها. صحيح ان بوتين استثمر ،بدهاء، المشاعر القومية الروسية لاستثارة همم الأمة الروسية وكبريائها المجروح، واعتمد المقاربة الشمولية في اعادة هيبة الدولة الروسية، الا انه نجح في مخططه، وبات يطرح روسيا من جديد كلاعب أساسي منافس لواشنطن وأوروبا “القديمة” على المسرح الدولي.
 
فهل عرفتم الآن لماذا ضربت روسيا والصين بالفيتو المزدوج في جلسة مجلس الأمن الدولي فجر الثلاثاء-الأربعاء لوأد مشروع قرار أوروبي شكلا وأمريكي واقعا ضد سوريا وتوجيه لطمة قوية لواشنطن أفقدتها توازنها واضطرتها عصبيتها لفضح أمريكية القرار الذي استخدمت واشنطن لأجله الدول الأوروبية ساترا لها كما فعلت في الحالة الليبية؟
 مما لاشك فيه ان تصريحات “البلدوزر” جون ماكين التي ارتقت الى مرتبة التهديد باستهداف استقرار البلدين الكبيرين، كان لها قسطها في اثارة الغضبة الصينية الروسية “المزدوجة”، من دون أن نسقط تنبه الدولتين الصين وروسيا الى استمراء واشنطن وحلفائها الأوروبيين تحويل مجلس الأمن الى أداة لشرعنة حروب الناتو بعد نجاحهم في “الملعب” الليبي، فلا تريد الدولتان، والحال هذه، أن تكونا مجرد بصَّامتان على القرارات الحربية لهذا المجلس.


 
حرر في 28 اكتوبر 2011

اقرأ المزيد

” بـلا مـواعيـد .. بــلا عـنــوان ”







 





 





 





 





 





 


” بـلا مـواعيـد .. بــلا عـنــوان “ 




إلى من سرق أفكاري إلى عـالم الجـنون ،
إلى من اعـبر بـحور السـعادة على ذكـراه ،
إلى صـاحب شريط الصـور الذي يمر أمام عيناي ،
يا من خطفني بدون أن اعـلم إلى أين 

يجب أن تـعـلم ..
لا أطـيقُ الرحـيل .. واكره لحـظات الوداع
فارقتني دون تـلك اللحظات .. ذهبت بعيداً وبقيت أنا في عالم الخيال
تائهةٌ أنا في كهف مخيف … بين مئات الذئاب
لـن اعـجز الانتـظار .. أرى بصيص النور في ثغرة
في تلك العيون المليئة بالدمـوع .. التي ترى تمزق الأوطان
عـلمتني أن ليس للعشق مـكان .. هو ذاتهُ الأمواج
هـو كل الأوقات .. يتحدث جميع اللغات
” وطـني” اسـتقبِلُك بالأحضـان .. لنتمايل مع الألحان
” وطـني ” عشـقك ليس حـرام .. ” وطـني” أنت بـطل الأبطال
أين أنت الآن ؟  .. لم تُعـلمني أنت البـكاء
أجيد فـن الاسـتماع .. أغانيك أحلى الأغنيات
رسـمت لأجدادي أحلى اللوحات .. بأرقى و أزهى الألـوان
ريشـتُك رَسَــمت أروع النضـالات .. معرضٌ يـدور في كل الأذهان
ننتظر تلك الطيـور كالأسراب .. ننتظر الحـب والود لا سـراب
لا نـُريد أن نـرى الوطن في احتضار .. الوحدة احترامٍ وأعمال
الوحدة ليس بكومةِ أحلام .. الوحدة شماعة نعـلق عليـها آمال
كُلـنا أُناسٍ ولسنا أصـنام .. نعـشق الوطن و نبني الحياة
” شعـبي ” تـبادلوا الحـب و الوفاء .. الطيب لا يـرى إلا الابتسـامة في مثواه
فلينخر حبنا الأجـساد .. يسلب ويحطم الحقد و البغضاء
مجتمع راقٍ ، مجتمع يشتاق ..   مجتمع لا يـتحول إلى رماد
ننشر فيه عطـور الأنفاس .. ونسترجع بـهـا الذكريات
نُخـيط النسيـج الجـبار .. بـجانبـه جـبل من الفـخار
نحـافـظ على آثار .. دلـمون و تايلوس وأُوال
ما سبب التأمل والاستغراب ؟ .. نحن في وطن واحد تحت صفاء السـماء
وطننا هـو فارس الأحلام .. وطننا هـو شابٌ يخـتال
سأظل أنا في الانتظار .. في ذات المكـان
حيث رحلت عني بلا وداع .. انتظرك حتى تلون حياتي بألوان الحنين
بالحان الهـيام .. بأحضان العـشاق
بمدامع الغـرام ..  
انتظر في ذات المكان .. بـلا مواعيـد .. وبلا عـنوان
 
 
 
 
بقـلم: شيماء عبد الله .. مهداة إلى روح الشهيدة ” الوحدة الوطنيـة ” ، التي نـاضـلت من اجـل البقـاء  ومن اجل بث روح المحبة والصفاء في صفوف المجتمع ..

اقرأ المزيد

اليمن ودرب الآلام الطويل


على منوال الثورتين الشعبيتين التونسية والمصرية، نسج الشباب اليمني وأطلقوا تحركهم الشعبي السلمي الباغي إنشاء حياة سياسية جديدة في بلادهم التي أفقرها الاستبداد وفساد الحكم المتطاول لأكثر من ثلاثة عقود متصلة.
 
وعلى ذلك كان اليمنيون، شبابا ونساءً على حد سواء، أول من التقط من الشعوب العربية خيط ما صار يُطلق عليه بالربيع العربي ومبتغاه التغييري، حيث تلقفوه بلهفة وأمل كبيرين وتطلع لغد أفضل يقطع مع الراهن البائس الجاثم كابوسا على الصدور.
 
وعندما قرر اليمنيون النزول للشارع لمواكبة النهوض الشعبي العربي في فبراير الماضي، لم يكونوا ليتصوروا بالتأكيد انهم سيعانون كل هذه المعاناة الممتدة للمجهول قياسا لما قيضته الظروف والمصادفة التاريخية لأشقائهم في مصر وتونس.
 
فلقد بقي اليمنيون يتعذبون طوال هذه المدة الطويلة.. منذ مطلع العام الجاري وحتى اليوم، من دون أن تلوح لهم بارقة أمل في قرب انتهاء محنتهم الموشكة للتحول بين فينة وأخرى الى كابوس بدأ يطل برأسه متمثلا في اندلاع اشتباكات عنيفة بين القوات العسكرية والامنية التابعة للنظام وبين القوات المنشقة عليه وأفراد القبائل التي انضمت الى المحتجين والمعتصمين في صنعاء وتعز وبقية المدن اليمنية. وما بدأ اشتباكات متقطعة بالاسلحة الخفيفة سرعان ما تطور الى حروب صغيرة تستخدم فيها راجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة، ناهيك عن تزايد عمليات الاغتيال للشخصيات المحسوبة على الطرفين.
 
فما الذي جعل معاناة اليمنيين تطول وتستمر على مدى كل هذه الأيام والليالي الطوال رغم ضخامة الحدث التاريخي غير المسبوق الذي انشأوه ورغم جسامة التضحيات التي قدموها حتى الآن في سبيل الحرية والحكم المسئول؟ 
 
نزعم أن أكبر معوق أمام الولادة المتعسرة لليمن السعيد الجديد، يتمثل في كثرة عدد “اللاعبين” في الساحة اليمنية وتخصيصا في مخاض التحول العسير الذي يضم “كوكتيلا” من الأحزاب والحركات المختلفة والمتباينة الرؤى. فهناك القبائل ذات الأهداف المختلفة من التحول المأمول، وهناك اللقاء المشترك الذي وان بدا في العلن إطارا موحدا لأحزاب المعارضة اليمنية الكلاسيكية، فانه هو الآخر لا يخلو من تربصات وتباينات علنية وتناقضات مضمرة. وهناك المرأة اليمنية التي فرضت نفسها رقما صعبا في المعادلة السياسية الجديدة أو بالأحرى قيد التشكيل. في الجهة المقابلة هناك لوبي المصالح المرتبط مصيره بمصير الرئيس وبالبطانة المحيطة به، والذي لن يفرط فيها بسهولة، كما هو حال “رجال” مبارك في مصر اليوم. ولا ننس الحراك الجنوبي في الشطر الجنوبي من اليمن الذي تسيطر عليه نزعة الانفصال واعادة إحياء دولة الجنوب التي ابتلعها الشمال في صفقة سياسية اتضح للجنوبيين فيما بعد انها اذعانية. وهناك الحوثيون في الشمال الذين خاضوا حروبا ضروسا ضد الحكومة المركزية في صنعاء. وهناك تنظيم القاعدة الذي حوَّل بنادقه وقنابله البشرية باتجاه النظام عندما شعرت عناصره بتخلي النظام عنها والانقلاب عليها بعدما كان استخدمها في حرب 1994 بين الشمال والجنوب. ثم هناك أولا وأخيرا اللاعب الأساسي ليس في الحدث اليمني الكبير وحسب وانما في الحوصلة الاشكالية “للربيع العربي” بكليته، وهو هنا الولايات المتحدة التي صار لها كلمة فاصلة في انطلاقات وتداعيات الهبات الشعبية التي تجتاح العالم العربي منذ مطلع العام الجاري.
 
أمريكا تقول لـ “س” من الرؤساء “ارحل”، فيرحل، وتقول لآخر عليك ان تقوم بترتيبات انتقال السلطة، فيعرف “الآخر” الشفرة الخاصة بهذا الطلب أو الأمر، فهذه الشفرة تعطيه بعض الوقت لترتيب أوضاعه وأوضاع خلافته، بالتنسيق طبعا مع السفير الأمريكي والمبعوث الأمريكي الذي صارت معروفة وظيفته.
 
… أمريكا، على سبيل المثال، تطالب المجلس العسكري الذي تسلم زمام السلطة في مصر بعد أن أطاحت الثورة المصرية بالرئيس مبارك، بأن يتحرك “لاقناع” (كلمة في العرف الدبلوماسي تعني الضغط) قادة السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيسها محمود عباس لوقف اجراءات طلب العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتحدة التي كانوا باشروها فعلا، والعودة بدلا من ذلك الى طاولة المفاوضات المباشرة مع اسرائيل، فيسارع الحكام الجدد في القاهرة لمناشدة الفلسطينيين لاستئناف المفاوضات المباشرة مع اسرائيل!
 
وعلى ذلك، فانه وبما ان الولايات المتحدة لازالت تعمل على تحليل حسابات الربح والخسارة في “صفقة” التغيير السياسي الجذري قيد التحقيق على الأرض من قبل صناع الحدث اليمني الأساسيين، فهي لا تريد الإقدام على خطوة نوعية كهذه قبل التثبت من أن النظام القادم أو من سيقوده سيواصل تأمين المصالح الأمنية والجيوسياسية الأمريكية في اليمن وفي منطقة البحر الأحمر. 
  
وعلى ما يبدو من ظاهر الأمور، وليس من كواليسها التي تفوق أضعاف أضعاف ظواهرها, فان الراجح أن لا تكون الساحة اليمنية على موعد قريب لإنهاء معاناة اليمنيين، طالما كان عامل الوقت الذي أصبح يراهن عليه بعض كبار اللاعبين (الأساسيين) في  ترجيح كفته – هو العنصر المرجح في مقاربة التغيير المنتظرة.

اقرأ المزيد

نحتاج خطوات إيجابية لمستقبل أكثر تفاؤلاً


تناقلت الأنباء أمس ما ذكره تقرير صادر عن المجموعة الاستشارية Geopolicity من أن الانتفاضات الشعبية التي اجتاحت المنطقة العربية هذا العام كلفت البلدان الأشد تضرراً أكثر من 55 مليار دولار، ولكن الدول المنتجة للنفط استفادت من ارتفاع أسعار الخام بسبب الاضطرابات. وكانت أسعار النفط قد قفزت من نحو 90 دولاراً للبرميل في مطلع العام 2011 إلى نحو 130 دولاراً في مايو/ أيار ثم تراجعت إلى نحو 113 دولاراً في الوقت الراهن. وقد ارتفعت إيرادات السعودية بنسبة 25 قي المئة، بينما ارتفعت إيرادات الإمارات بنسبة 31 في المئة.
 
التحليل أظهر أن البلدان التي شهدت المواجهات الأكثر دموية وهي ليبيا وسورية تحملت العبء الاقتصادي الأكبر، تليها مصر وتونس والبحرين واليمن. وقد خسرت هذه الدول 20.6 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي.
 
البحرين لوحدها فقدت أكثر من مليار دولار بسبب الاضطرابات، ولكن سعر النفط المرتفع ساعد على تخفيف الأثر الاقتصادي، وقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.77 في المئة، في حين ارتفعت النفقات العامة بنحو 2.1 مليار دولار.
 
التقرير أشار إلى أن عدداً من الدول النفطية سارعت إلى إنفاق مليارات الدولارات من أجل منع امتداد آثار الانتفاضات إليها، ولكن التقرير يشير إلى أن هذا لا يُعتبر حلاً ناجحاً، وطرح أفكاراً للأمم المتحدة، ولمجموعة الدول الـ 20 وللجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي لكيفية التعامل مع فترة تشهد اضطرابات إقليمية هي الأكبر منذ خمسينات القرن الماضي، مشيراً إلى أن المَخرَج يكمن في دفع عملية الإصلاح في داخل الدول التي شهدت انتفاضات، كما ينبغي الإسراع في إصلاحات في الدول الأخرى التي تعتبر أوضاعها مؤهلة للالتحاق بالربيع العربي، وأن كل ذلك يحتاج إلى تنسيق مع الجهات الدولية التي يلزمها أن تساند الإصلاحات.
 
الإصلاحات المطلوبة في أي بلد لا تتوقف عند إطلاق سراح السجناء السياسيين، وإرجاع المفصولين وإفساح المجال لعودة المنفيين وإيقاف العمل بإجراءات الطوارئ (بمختلف مسمياتها المبتكرة)، وإنما أيضاً تتطلب مضاعفة الجهود للسير نحو ديمقراطية حقيقية لا رجعة عنها، وهذا هو الذي يؤهل البلدان للتصدي للتحديات الخطيرة التي تواجهها على المديين المتوسط والبعيد.
 
إن من الواضح أن استخدام القوة يحقق الأمن على المدى القريب، ولكن تحقيق الاستقرار السياسي لا يتم إلا عبر الحل السياسي المعتمد على ضمان الحقوق الأساسية وسيادة القانون العادل على الجميع.
 
إننا نمُرُّ بفترة حاسمة من تاريخنا، وهناك فرص حقيقية لإحداث تطورات إيجابية وذات مغزى لتعميق مسيرة الانتقال نحو الديمقراطية، والصعود بحالة حقوق الإنسان على أرض الواقع، وليس فقط من خلال البيانات والتصريحات.
 
ومن دون شك، فإن كل هذه الخطوات المطلوبة تحتاج إلى حوار فاعل ومنتج بين الأطراف التي تبحث عن حل حقيقي بعيداً عن المزايدة والمراوغة، وتحقيق المصالحة السياسية مع الفئات المتضررة من استمرار الأوضاع بشكل ينافي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. فكم هو جميل لو تحولت أخبارنا من تلك التي تتحدث عن مواجهات وسقوط قتلى واحتمال وفاة أشخاص داخل السجن، إلى أخبار إيجابية تزيل القلق وتبعث التفاؤل بمستقبل أفضل
 

صحيفة الوسط البحرينية – 15 أكتوبر 2011م
 

اقرأ المزيد

ليست فوضى وإنما هي نضج ..!


من الاستياء الواسع والتململ تسود المجتمع الكويتي ناجمة بالأساس عن النهج السلطوي للإدارة السياسية للدولة الذي يرعى الفساد؛ ويقود التخريب المتعمّد للنظام الدستوري ومؤسساته، ويقوم على التمييز ويفتقد العدالة؛ وينحاز إلى مصالح أصحاب النفوذ ويهمّش في المقابل الفئات الشعبية الواسعة من المواطنين ويتجاهل مصالحها وحقوقها ويهمل تلبية مطالبها.
 
وعندما أشير هنا إلى الجذر العميق للتقاطع الذي نلحظه بين الحراك السياسي والحركة المطلبية والإضرابات والاعتصامات العمالية والطلابية المتزامنة، فإنّ هذا لا يعني بالضرورة أنّ جموع المحتجين وجماعات المعتصمين والمضربين تمتلك الوعي السياسي الكافي لإدراك ذلك، إذ لا تزال العفوية هي الطابع العام الغالب على حالة الاستياء وعلى أشكال الاحتجاجات والتحركات.
 
ولعلّه يمكن رصد اتجاهين رئيسيين متعارضين في النظر إلى ما تشهده الكويت في الآونة الأخيرة من تجمعات ذات طابع سياسي وحركات مطلبية وإضرابات واعتصامات عمالية وأخيرا طلابية… حيث الاتجاه الأول هو الاتجاه المتخوّف منها والرافض لها، الذي يراها فوضى و”فلتانا” وممارسات خارجة على القانون، وهذا الاتجاه هو اتجاه الأطراف السلطوية وأصحاب المصالح والنفوذ الذين يخشون من تنامي الحركة الشعبية ويعملون جاهدين على تقييدها… أما الاتجاه الآخر الذي يمثّل قوى الإصلاح والتغيير في المجتمع الكويتي فإنّه يرى في هذه التجمعات الشعبية والحركات المطلبية وأشكال الاحتجاج ليس مجرد مؤشر على اتساع حالة الاستياء فحسب، وإنما هي مؤشر على تطوّر أولي في الوعي السياسي للمواطن الكويتي وبداية نضجه… فبعد أن كان المواطن الكويتي يكتفي بالشكوى الذاتية هاهو ينتقل إلى التعبير الجماعي عن استيائه، وكذلك فإنّه بعد أن كان المواطن يسعى إلى التوصّل إلى حلول فردية لما يواجهه من مشكلات وما يريده من مطالبات عبر الوساطة والمحسوبية؛ هاهو المواطن ذاته يشارك في أشكال جماعية من المطالبات تقوم على التضامن… وكذلك فإنّه بعد أن كان المواطن الكويتي، من هذا الانتماء المناطقي أو الفئوي أو ذاك، يرى واهما أنّ تلك الفئة الأخرى من المواطنين التي لا ينتمي إليها هي سبب معاناته وعلّة تراجع أحواله، ها هم المواطنون الكويتيون من مختلف الانتماءات المناطقية والفئوية أصبحوا يدركون شيئا فشيئا مَنْ هو المتسبب الحقيقي المسؤول عن سوء الإدارة؛ وعن الإفساد والفساد؛ وعن تردي الأوضاع؛ وعن التمييز وافتقاد العدالة… وبالطبع فإنّ مثل هذه النقلات هي مؤشرات ذات دلالة توضح أنّ هناك بدايات حدوث نضج وتطوّر في وعي المواطن الكويتي ونظرته إلى مشكلاته وأسلوب مطالباته وأشكال تحرّكه.
 
والأمل أن يتراكم مثل هذا الوعي وينتقل من مستواه العفوي الحالي إلى مستوى الوعي السياسي الاجتماعي، وحينذاك سيصبح الرأي العام الشعبي قوة فاعلة ضاغطة ذات شأن وتأثير لا يمكن لأحد أن يتجاهلها في إحداث الإصلاح وتحقيق التغيير الديمقراطي.
 
بغض النظر عن الأسباب المباشرة لكل تجمّع احتجاجي أو إضراب أو اعتصام، فإنّه لا يمكن تجاهل هذا التزامن اللافت بين الحراك السياسي الشعبي الذي تشهده الكويت من جهة، وبين اتساع نطاق الحركة المطلبية والإضرابات العمالية من جهة أخرى، بالإضافة إلى الاعتصام الطلابي الأخير… ولا يعني هذا التزامن بين هذه التحركات أنّها تندرج في إطار حركي واحد؛ أو أنّ هناك تنسيقا يشملها وقيادة مركزية تحرّكها، بقدر ما يؤكد التقاطع الزمني لهذه التحركات أنّ هناك حالة عامة.
 
 جريدة عالم اليوم  9 اكتوبر 2011

اقرأ المزيد

تبادل المقاطعة أو تبادل الانتحار


أن يتحدث سمو ولي العهد أمام جمع من التجار وأصحاب الأعمال عن كراهة المقاطعة الحاصلة في البحرين بين أبناء الشعب الواحد تجاه بعضهم البعض؛ فهذا يعني أن الأمر تعدى مسألة السكوت على أمل أن يثوب الناس إلى رشدهم… الأمر تعدى كل الحدود بالفعل حتى بات في أقصى درجات القبح على كافة الأصعدة.

فمنذ أشهر ودعوات المقاطعة وقوائم المحلات تدور بين الناس، للحث عن عدم الشراء والتعامل مع من لا يتفقون معهم في التعبير أو الرأي السياسي المرتبط – في الغالب – بشكل طائفي، وذلك بقصد فرض طوق من الحصار الاقتصادي على المحلات التجارية والمصالح المختلفة التي يديرها الفريق الآخر، بحسب موقع الفرد من أيٍّ من الضفتين. وفي النهاية إزاحة الطرف المتضرر من السوق، وهذا هو – بحسبهم – النصر المبين.

وربما يدري، أو لا يدري أن من يُعدّ قائمة بأسماء الأشخاص والمحلات والخدمات التجارية والصحية والتعليمية والتدريبية والتجارية بشكل عام، ويعد أيضاً قائمة يدعو فيها إلى التركيز على من يقابلهم من طائفته التي هي في الغالب من أهل رأيه السياسي، وإكثار الشراء منهم حتى يقوى عودهم في الوقت الذي تلين فيه شوكة “الألدّاء”؛ أنه بذلك يعد القائمة للطرف الآخر الذي يجدد بها قائمته المعاكسة للمقاطعة والممالأة، فكلٌّ يغذي الآخر بالجنون والتمادي والعمه في هذا الضلال.

منذ أيام كتب أحدهم على صفحته في فيس بوك نقلاً عن رجل معتبَر يتحدث عن تاجر أنه يفاخر بأنه دعم أحد التوجهين بقوة، وأنه لن يتراجع في دعمه حتى لو أتى ذلك على تجارته وماله وكل ما يملك. ومع كل التحفظات على العنتريات أياً كان مصدرها، فقد سألته: وما اسم هذا التاجر؟ لماذا لم يصرح به الناقل؟ لأنه من أسهل الأمور أن يُنسب الخبر إلى مجهول، كما اعتاد المتحمسون في السنوات الأخيرة على القول “أثبت الطب الحديث..” أو “جاء في آخر الاكتشافات…”، ولا أحد في الغالب يسأل عن المصدر إن كان صحيحاً وموثوقاً أم لا. ففي حالة هذا الرجل الناقل، كان حرياً أن يتحلى بالجرأة والصراحة ليقول لمستمعيه اسم التاجر الذي قال ما قال لأنه في النهاية لم يقل سراً، بل صرح به على الملأ، وهذا ما جعل جانباً من الناس يأخذون منه موقفاً، ويصدون عنه صدوداً، وينفضّ بعضهم عنه وعما يتاجر به، إما نفوراً والتزاماً مبدئياً بالمقاطعة، وإما حياءً من الآخرين واتقاء للقيل والقال ودرءاً لأية شبهة كانت. فكان إطلاق هذا الخبر على عواهنه واحدا من الكثير من الطلقات التي لا تتوقف في التبادل.

كما كتبت إحدى الزميلات قبل أيام أيضاً، وعلى الموقع نفسه، تحث على مقاطعة “الخونة” لإضعافهم وخنقهم، وكان حرياً طرح السؤال: إن كانوا هؤلاء التجار البحرينيين خونة، فلم لا يحاسبهم القانون؟ لماذا هم إلى الآن طلقاء؟ هل هذا قصور في القانون إذ لم يشملهم، أم ضعف في التطبيق الذي لم يطلهم؟ ذلك لأن مثل هذه الألفاظ، وهي أيضاً كثيرة، كمرتزقة، وخونة، وصفويين، و بلطجية، وغيرها كثير مما يعاب قوله، ولا يسمح قانون المطبوعات بسرده، بل ويترفع الإنسان السوي عن النطق به؛ طغى ترديدها في الشهور الأخيرة، وباتت من المفردات اليومية خصوصاً لدى الذين تحمسوا فوق المعتاد والطاقة. والمعروف أن كل شيء يتكرر ويكثر تردده وترديده، يفقد قيمته ومعناه، فيمكن تسميته هنا بـ “ابتذال اللفظ” حتى يغادر المصطلح مجاله ويتحول إلى مسخ لفظي ولا يعود له وجه.

ربما جهلاً مني أو قلة اطلاع عندما أقول بأنني قرأت عن أشكال كثيرة من المقاطعة، يقوم بعضها على أساس دولي، كمقاطعة الكثير جداً من دول العالم النظام العنصري السابق في جنوب إفريقيا، أو لأساس قومي سياسي كمقاطعة الدول العربية (سابقاً) للكيان الصهيوني، أو كما يحدث في مواسم أن تقاطع الولايات المتحدة إن طفح الكيل وزاد الماء على الطحين في العربدة الصهيونية وحماية البيت الأبيض لها، أو المقاطعة الاقتصادية كما حدث في اليابان شعبياً مع المنتجات غير اليابانية لتشجيع الصناعات المحلية، ولكن أن يقاطع شعب نفسه وبهذا الشكل الواسع والممنهج، فهذا لعمري أسمعه لأول مرة في حياتي، وإنه لمن الصاعق حقاً إلى حد الشلل أن يشهد المرء المجاهرة بالمقاطعة البينية، وتبريرها، والترويج لها بخفة ورعونة ما سبقتنا إليها أي من الأمم، وإن سبقتنا إحداهن، فليس من الحصافة والنضج تقليد السيء والمنحرف من النماذج والتجارب والأفكار.

لنمضي شوطاً في الجنون الأعمى الذي يقود البعض، ونأتي إلى ما بعد “النجاح” المفترض لهذه المقاطعة، ولنقل أن إحدى الطائفتين (لا قدّر الله) انتصرت وأفقرت الأخرى، ما الذي ينتظره المجتمع؟ أن تعيل الطائفة المنتصرة الأخرى المندحرة؟ أن تجر طائفة الأخرى إلى القاع معها وتعطلها، بمعنى أن تعطل البلاد كلها عن النمو والازدهار والتقدم الذي نعد أنفسنا به؟ هل تنتظر الطائفة المنتصرة من المُفقر إلا أن يثور عليها، وأن تتجاوز ردود فعله الدمدمة والهمهمة و”التحلطم” إلى العنف الحقيقي، والسرقات والنهب والازدراء وبث الخوف والرعب في القلوب؟ هبْ أن نصف البحرينيين أصبحوا فقراء، فهل سيُسعد هذا تجار النصف الآخر حينما يفقدوا نصف سوقهم المتوقعة؟ هل كتب علينا أن نعيش تجارب الأمم التي سبق لها أن تجاوزتها منذ عقود، وأسمتها اليوم بالأفكار القديمة البالية، تلك التي تريد أن تأخذ كل شيء ولا تترك للآخرين شيئاً لأن ذلك سلاح يرتد على صاحبه؟ إذ كانت الدول الاستعمارية في سالف القرون تنهب خيرات الدول المستعمرة وتكدسها في عواصمها الثرية، حتى أتخمت الدول الغنية ولكن الأموال لا تدور إذ لا أسواق تدور فيها، فعادت بعد قرون إلى تحسين معيشة الدول الأقل غنى وثراء، وتحاول أن ترفع من قدراتهم في كل المجالات ليصبحوا في النهاية قادرين على أن يمتلكوا ما وراء قوت يومهم ليشتروا من تدور من أجله المصانع بمختلف أشكالها، من الصناعات الأساسية إلى سلع الترفيه المتنوعة.

جلست قبل أسابيع قليلة إلى ناشط سياسي معروف بحراكه وحدته في المواقف، فزفر قائلاً “كنت أتمنى لو أن الله أخذ أمانته قبل أكثر من ثلاثين سنة لكي لا أعيش هذا الواقع”… اليوم عندما نرى ما نحن عليه نتذكر أن قرار مقاطعة “إسرائيل” كان قرار الدول العربية. وفي 1982 كانت هناك دعوة للمقاطعة على المستوى الشعبي للبضائع الأميركية إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان، عاد العرب للمقاطعة في الانتفاضات المتلاحقة، ولو لبضعة أيام أو أسابيع، قاطعوا المنتجات الدانمركية بعد الرسوم المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم واليوم البحرينيون يقاطعون بعضهم لانقسامهم السياطائفي، أو بالأصح: “الطائياسي”…ما أبعد الله عن البارحة… ما أتعسنا. 
 

جريدة البلاد 13 أكتوبر 2011

اقرأ المزيد

السيناريوهات الستة..!


هناك أكثر من سيناريو متوقع للمسارات التي يمكن أن تتجّه نحوها الأوضاع السياسية في ظل تفاقم أزمة النهج السلطوي في إدارة البلاد، خصوصا بعد انكشاف أمر فضيحة الإفساد الأخيرة، التي أدّت وستؤدي إلى تداعيات قد يصعب التحكّم فيها.
 
ولعل السيناريو الأول الذي يبدو منطقيا في ظل اشتداد الضغوط الشعبية والمواقف المعلنة للقوى السياسية والحركات الشبابية والكتل النيابية، هو سيناريو استقالة الحكومة… ولكن من الواضح أنّ هناك ممانعة سلطوية لمثل هذا السيناريو تنطلق من عدم تسجيل سابقة الخضوع للضغوط، بالإضافة إلى ما سبق أن تكرر إعلانه حول صعوبة اختيار بدائل مناسبة لرئاسة مجلس الوزراء، وهناك أيضا قوى نفوذ تريد إبقاء الوضع على ما هو عليه بما يخدم مصالحها الخاصة ويبقي على نفوذها المؤثر على مركز القرار في الدولة؛ ولذلك فإنّ قوى النفوذ تحاول بكل ما أوتيت من قوة أن تدعم هذه الممانعة وتغذيها بالحجج والمبررات؛ وتسفّه في المقابل المطالبات المطروحة لرحيل الحكومة، وتهوّن الأمر الذي لم يعد هينا..!
 
أما السيناريو الآخر فهو سيناريو حلّ مجلس الأمة وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، خصوصا مع افتضاح أمر النواب المرتشين، بحيث تزايدت الأصوات الداعية إلى حلّ المجلس، التي تضم من بين مَنْ تضم نواب مستعدين لفقد مقاعدهم… ومن شأن تحقق مثل هذا السيناريو تشتيت الحراك الشعبي وإيقاف اندفاعته وتوجيه الاهتمام نحو المعركة الانتخابية بما تحمله من استقطابات، ولكن مع ذلك فإنّ المعركة الانتخابية لن تكون معركة عادية، وإنما ستتأثر في الغالب بما هو مطروح الآن من مطالبات وما هو معلن من مواقف، وسيتركز الهجوم على رئيس مجلس الوزراء وتتكرر الدعوات لعدم تكليفه… إلا أنّ ما يحول دون حدوث هذا السيناريو هي تلك الحسابات السلطوية ومعها حسابات قوى النفوذ المقرّبة من السلطة، التي تحرص على استمرار مثل هذا المجلس الطيّع؛ وتخشى حدوث تغيير في اللوحة النيابية للمجلس المقبل بخسارة عدد من النواب المحسوبين على السلطة لمقاعدهم الحالية في حال خوضهم الانتخابات.
 
السيناريو الثالث هو سيناريو إسقاط الحكومة عبر الاستجواب الموعود حول فضيحة الإيداعات المليونية في الحسابات المصرفية لبعض النواب، وذلك استنادا إلى ما يتوقع أن ينطوي عليه مثل هذا الاستجواب من إحراج، وما يحظى به من دعم شعبي واسع واصطفاف سياسي ونيابي مؤيد، بالإضافة إلى ما سبق أن كان يُشار إليه حول التنامي المطّرد لعدد النواب المؤيدين لطلبات عدم التعاون السابقة طلبا بعد آخر… وقد يكون هذا السيناريو مرجح الحدوث، ولكن علينا في المقابل عدم تجاهل تأثيرات الفعل السلطوي، الذي قد يرى في هذا الاستجواب “معركة كسر عظم”!
 
السيناريو الرابع هو سيناريو تجاوز رئيس مجلس الوزراء للاستجواب الموعود بالاستفادة من الأدوات والوسائل المعتادة؛ وربما باللجوء إلى وسائل غير مسبوقة… وهذا ما سيؤدي إلى ردود فعل قوية واحتدام الأزمة أكثر مما هي محتدمة في ظل فقدان الثقة في صدقية الأدوات البرلمانية ونتائج التصويت بعد فضيحة الإفساد السلطوي لمجلس الأمة.
 
وهذا ما سيقود في الغالب إلى طرح السيناريو الخامس المتمثّل في إسقاط الحكومة عبر الحراك الشعبي في الشارع، وهو سيناريو قائم حتى قبل بدء دور الانعقاد وقبل أن يتم تقديم أي استجواب جديد لرئيس مجلس الوزراء، في ظل ازدياد حالة الاستياء التي لا يستطيع أحد تجاهلها… ويرتبط هذا السيناريو بقوة واتساع حجم الحراك الشعبي وتصاعد وتيرته.
 
وقد يكون هناك سيناريو سادس يتمثّل في استمرار الوضع المأزوم على ما هو عليه من دون حدوث تغيير محدد لفترة من الوقت، وهو ما سيبقي البلاد متلظية فوق سطح صفيح ساخن لأسابيع أو أشهر، مثلما كانت عليه الحالة اللبنانية المعلقة في السنوات الأخيرة، وهذا ما سيوجد وضعا هشّا في البلد قد يتصدع وعلى نحو غير منتظر بما يفتح الباب أمام احتمالات وتداعيات غير محسوبة قد تتجاوز ما هو مطروح من سيناريوهات… فالأزمة السياسية الممتدة تشبه المرض المزمن الذي لا ينتظر شفاؤه ويكون المريض فيه عرضة للانتكاس، إلى أن يقضي الله أمره..!
 
 
جريدة  عالم اليوم 
 29 سبتمبر 2011
 

اقرأ المزيد