المنشور

عيد العمّال عيد للعمل – سليم مصطفى بودبوس

يُحيي العالم، كلّ العالم، عيد العمّال، ولا يكاد يتخلّف بلد عن الاحتفاء بهذه المناسبة، بل لربّما هو العيد الوحيد الذي يوحّد شعوب الأرض قاطبة على مناسبة سواء.

إنّ الأوّل من مايو/ أيار أصبح رمزاً لوحدة العمّال، ويوماً يشعرون فيه بانتصاراتهم، ثمّ تطوّر الأمر فصار يوم عطلة رسميّة مدفوع الأجر.

وسواء كان الاحتفال به إحياءً لذكرى المجزرة التي ارتكبتها الشرطة الأميركية إبّان الملحمة التاريخية والنضالية لانتفاضة عمّال شيكاغو عام 1886، أو تتويجاً لنضالات العمّال التي دعت إليها الأمميّة الأولى في جنيف عام 1866 من أجل يوم عمل بمقدار 8 ساعات فقط، فإنّ معظم المنظمات العماليّة في العالم لا تترك هذه الفرصة تمرّ دون إحياء المناسبة بما تستحقّه من الفعاليات والمهرجانات وغير ذلك من الأنشطة التي لم تتخلّف عنها العديد من المؤسسات والمصانع والإدارات التي تحظى بإدارة تقدّر دور العمال فيها. وهو ما يؤكد كلمة لـ» أوجست سبايس»، أحد المحكوم عليهم بالإعدام في انتفاضة شيكاغو، أطلقها قبل تنفيذ حكم الإعدام فيه حيث قال: «سيأتي اليوم الذي يصبح فيه صمتنا في القبور أعلى من أصواتنا».

وبالفعل فقد أصبح الأوّل من مايو في كل عام بمثابة الصرخة المدوية لعمّال العالم. وفي عالمنا العربي، أخذت الحركة العمّالية منذ نشأتها شكلاً نضالياً مضاعفاً؛ فقد امتزج النضال النقابي بالنضال السياسيّ في عهد الاستعمار في أكثر من بلد عربيّ: فعلى سبيل المثال كان للطبقة العاملة دور كبير جداً في انتفاضة عام 1931 في العراق، حيث انتفض الشعب العراقي بقيادات عمّالية مطالباً بإلغاء معاهدة أو اتفاقية 1930 بين العراق وبريطانيا. وفي تونس، مثلاً آخر، لعبت الحركة النقابية على أيدي مؤسسيها، إبّان الاستعمار، الدور الأبرز في النضال ضدّ المستعمر الفرنسي، ولا تزال نضالات الزعيم الوطني السياسي والنقابي فرحات حشاد إحدى العلامات المضيئة في تاريخ النضال العماليّ في تونس قبل الاستقلال.

وهكذا كان التلازم بين النقابيّ والسياسيّ سمةً تميّز الحركة العمالية العربية بحكم الاستغلال الاستعماري والرأسمالي ذي الجذور الاستعمارية في ذلك الزمن، حيث كانت معظم الشركات والمصانع الكبرى تحت وصاية المستعمر إدارةً وتصرفاً.

ومهما كان الأمر تظل الشريحة العمّالية، بانية الحضارة، الفئة الأوسع انتشاراً في العالم. إنها بمثابة الجنديّ المجهول الذي يعمل بصمتٍ دون كللٍ أو مللٍ ليشيد أركان الوطن. ولمّا كان الأمر كذلك، فإنّه يمكن أن نعتبر الاحتفاء بعيد العمّال احتفاءً بقيمة العمل والبناء والعيش الكريم في الوقت نفسه، دونما إذلال للنفس البشريّة، ولمّا كان العمّال هم الفئة الأكثر عدداً في المجتمعات، فإنّ قيمة العمل التي يجسدونها تغدو الأوسع انتشاراً والأكثر رفعةً وإجلالاً بين القيم الأخرى، بل ربما هي القيمة الإنسانية الوحيدة المشتركة التي لا يختلف اثنان في أهميّتها وأولويّتها.

لكن، وللأسف، فإن هذا العيد وهذه العطلة السنوية الرسمية مدفوعة الأجر التي اكتسبتها الطبقة الشغيلة، نتيجة نضالاتها، يتمتّع بها أكثر ما يتمتّعون، عموم العاملين بالفكر قبل الساعد، فالموظّفون هم المستمتعون بهذه المناسبة لأنّ عدداً كبيراً من العمّال في العالم سيبقون يوم 1 مايو مرابطين في أماكن عملهم، إذ أنّ أعمالهم سببٌ لراحة الآخرين: على سبيل المثال عمّال المطابخ والمطاعم يجهزون الأكلات ويقدّمونها على طبق الراحة ليستمتع بها الآخرون في إجازتهم، وهؤلاء المنظفون والحمّالون يعملون ليل نهار حتى يوفّروا أسباب السلامة والصحة والراحة للمستمتعين بإجازتهم. وكذلك الباعة القارون والمتجوّلون و… أمّا عن العمال الذين هم في المصانع، يوم الأول من مايو، والمجبرين على العمل فحدّث ولا حرج! فأرباب العمل وبدعوى تجهيز طلبيّات مستعجلة، يضطرّونهم إلى العمل، ومن يتلكّأ من العمّال فمصيره معلوم نهاية الشهر.

إذن لا يزال الاحتفال بهذا اليوم في العالم في حاجةٍ إلى عنايةٍ أكبر ونظرٍ ثاقبٍ حتى يقع التكريم الفعليّ للعمّال، والاحتفاء الحقيقي بقيمة العمل؛ إذْ كيف نحتفي به وملايين الأطفال في العالم يُحرمون عنوةً من المدارس ويزجّ بهم، رغم صغر سنهم، في مصانع الإنتاج بلا رحمةٍ من أجل فوائد الربح لأرباب العمل؟ كيف نحتفي به ولا تزال في عقول أبنائنا، خصوصاً نحن العالم العربي، تعشش فكرة دونية تستنقص من قيمة العمل باليد ولا ترى جاهاً ولا وجاهةً إلا في العمل على كرسي دوار ومكتب وقلم بين الأصابع.

إن مجتمع الغد يحتاج إلى مهارات العمل اليدوي والابتكار والإنتاج، ووسيلته في ذلك أبناء اليوم، فإذا لم نربّ فيهم توقير العامل واحترام العمل مهما كان نوعه، فكيف نطلب منهم غداً أفضل؟


 
اقرأ المزيد

متى ستعرفون قيمة الشعب البحريني؟ – عيسى سيّار

يحضرني حوار دار بيني وبين مسئول خليجي رفيع عندما كنت أعمل في منتصف الثمانينيات في إحدي المنظمات العربية الخليجية. كان الحوار حول أخلاقيات وقيم أهل الخليج العربي بشكل عام ونظرتهم للعمل وإنتاجيتهم بشكل خاص، حيث تحدّث قائلاً: «لدينا كل شئ ونعيش حياة رفاهية، ولكن كنت دائماً أتمني أن يكون لدينا شعب كأهل البحرين في أخلاقياتهم العالية وثقافتهم الواسعة وتواضعهم الجم الذي يخجلك، وعدم ازدرائهم للعمل أينما كان، ونظرتهم وقناعتهم المفرطة ونظرتهم المنفتحة للأجنبي».

وأضاف متسائلاً: أتعلم يا أخي؟ البحرين الدولة العربية الخليجية الوحيدة التي عندما أنزل في مطارها أشعر بالارتياح، لأن كل من يتعامل معك من خروجك من باب الطائرة إلى استلامك لحقائبك إلى «التاكسي» بحريني». حينها شعرت بالفخر والاعتزاز كوني بحرينياً أولاً، وثانيا لأن الشهادة لم تصدر من أهل البيت، ولكني شعرت في الوقت نفسه بحسرة بالغة وألم شديد يعتصر النفس، وقلت للمسئول الخليجي بعد أن شكرته علي مشاعره الطيبة تجاه أهل البحرين: يقول المثل الشعبي: «اللي ما يدري يقول حلبه واللي يدري متوحل به»، فردّ متسائلاً: ما قصدك؟ فقلت له: الموضوع يطول شرحه والوقت داهمنا… ولكنه كما أعتقد عرف ما أقصده من وراء المثل.

أتعلمون؟ ليس الخليجيون فحسب بل العالم بأسره ينظر هكذا لأهل البحرين، على إنهم أصحاب حضارة وتاريخ عريق وثقافة واسعة وأخلاق وقيم عالية في التواضع والتسامح، ويكفي أن تذهب للعمل في أية دولة مجاورة أو تحضر مؤتمراً لتجد التقدير العالي من الجميع، فقط لكونك بحرينياً. ولكني أكاد أجزم بأن أغلبية أهل البحرين ما عدا «الطبالة» يشعرون بالغبن والحسرة والظلم عندما يأتي التقدير للإنسان البحريني من الخارج، بينما يعاني البحريني في بلده من الذلّ والهوان وعدم التقدير وعدم العدالة من قبل حكومته في كافة مناحي الحياة، على الرغم من سعة صدره وصبره وشعوره بأنه أصبح «طوفة هبيطة» وشكوته «ضايعة» أمام تصلب المسئولين وإدارتهم لأجهزة الدولة كإقطاعيات خاصة بهم، فهذه الأجهزة ومن يعمل فيها وميزانياتها ملك خاص يفعلون بها ما يشاءون! بالله عليكم ماذا يخيفهم إذا أمنوا العقوبة؟ ألم تكشف تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية فساد عدد ليس بالقليل من المسئولين؟ هل رأينا أحداً من تكلمت عنهم التقارير الرسمية وراء القضبان بسبب فساده وسرقته للمال العام؟ أضف إلى ذلك موجات التجنيس السياسي التي فعلت مفاعيلها في تعميق الغبن والقهر لدى المواطن البحريني الأصيل، وأضاعت الكثير من حقوقه، حتى بدأ أهل البحرين يشعرون أنهم غرباء في وطنهم! وتزيد آلام البحرينيين الشرفاء والمخلصين الذين قدموا وضحوا من أجل الوطن وبصمت ودون بهرجة إعلامية خلال المناسبات الوطنية التي توزع فيها الأوسمة والشهادات حيث تمنح إلى من يتم ترشيحه من قبل الوزراء ومن لف لفهم على أساس قاعدة ذهبية وهي «هذا ولدنه يستاهل»، وهو بالطبع لا يستحق الوسام ولكن هو «ولدنه»، واللي ما يعجبه «يطق راسه في الطوفه»، وهذه معايير تقدير وتكريم أبناء الوطن المخلصين ولا ننسي طبعاً القاعدة الذهبية في التكريم في أن يكون الشخص من جماعة (الشور شورك يايبه) وأن لا يكون من الأشخاص الذين يعارضون سياسات الحكومة لأن عليه «يمش بوزه» من أي تكريم!

أما رحلة المذلة من أجل تأمين ضروريات الحياة فهي تبدأ بعد زواجك مباشرة عندما تقدم طلباً للاستفادة من الخدمات الإسكانية الحكومية، وهنا عليك أن تتجمل بصبر سيدنا أيوب (عليه السلام) على بلواه، لأنك سوف تنتظر على الأقل خمسة عشر عاماً، ثم تستمر مسيرة المذلة في حصولك على مكرمة الإيجار ومكرمة غلاء المعيشة والمساعدات التي لا تسمن ولا تغني من جوع التي تمنحها وزارة التنمية الاجتماعية للأسر المعوزة. هل تعلمون أن أكثر من 15 ألف أسرة بحرينية تعيش تحت خط الفقر والحكومة ترقيهم وتطلق عليهم مصطلح «الأسر محدودة الدخل» حتى ترفع من معنوياتهم من جهة، ومنعاً للإحراج أمام العالم بشكل عام والدول الخليجية بشكل خاص من جهة أخرى.

ويستمر مشوار الذل في محاولتك الحصول على وظيفة بعد التخرج سواء كنت من حملة الثانوية العامة أو الشهادة الجامعية. ففي الوقت الذي تصرح فيه وزارة العمل بوجود آلاف الشواغر (خلوا بالكم آلاف وليس مئات) نجد أن عدد العاطلين عن العمل يتجاوز العشرة آلاف بحريني، يضاف إليهم سنوياً ما يقارب السبعة آلاف من خريجي التعليم الأساسي والعالي. وفي الوقت نفسه نجد إن عدد الأجانب في ازدياد، حيث وصلت نسبة العمالة الأجنبية بالقطاع الخاص ما يقارب 80% بعدما كانت في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي ما يقارب الـ 70%، وهذا يعني أن الأجانب والمجنّسين سياسياً هم من يحصلون على الوظائف، والمواطن البحريني عليه أن يشرب من ماء البحر. ألم أقل لكم من قبل «خيرنه لغيرنه ما صدقتوني»، وإذا رفض البحريني الوظيفة بسبب ضعف الراتب أو التحقير الذي يمارسه عليه المسئول الأجنبي، يُتهم بأقسى الاتهامات ومنها عدم الرغبة في العمل والكسل وعدم المسئولية. ألم يسأل المسئولون في وزارتي التربية والتعليم والعمل أنفسهم قط بأن سبب معاناة البحريني في سوق العمل هي سياساتهم الارتجالية والمتخبطة، وفشلها المزمن في المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل!

ورحلة شقاء المواطن البحريني ذي الدخل المحدود لا تنتهي حتى يوضع في قبره، عندها سوف يشعر بالراحة لأن الله سبحانه وتعالى وضع حداً لشقائه حيث كان ينتظر بأمل الأيام الجميلة التي لم يعشها.

يا من يعنيه الأمر -إن كان يعنيه حقاً- المواطن البحريني لم ولن يكون «طوفة هبيطة»، وأقولها ناصحاً: لا تستغلوا صبر البحريني وطيبته من خلال تخديره بالوعود الجوفاء المعسولة بالعيش الكريم، ولا تتلاعبوا بمشاعره الوطنية من خلال اللعب على وتر الطائفية البغيضة ولا تختبروا إرادته من خلال قمعه. حذار من صمت المواطنين الشرفاء الطيبين المتعففين لأنهم إن خرجوا مجتمعين للمطالبة بحقوقهم كما حصل في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات فلن توقفهم أية قوة على الأرض، وما جرى في مصر وتونس وليبيا واليمن وسورية خير دليل، فإرادة الشعب إن أراد الحياة فلا بد أن يستجيب لها القدر. وأملنا أن يصحوا الجميع ويقدروا هذا الشعب البحريني الأبي حقّ قدره قبل خراب البصرة… فمن يرفع الشراع؟

اقرأ المزيد

استمرار آلة التعذيب

مهما توالى نفي استخدام عناصر الأمن أسلوب التعذيب أثناء التحقيق مع المتهمين لانتزاع اعترافات معينة منهم، فإن ذلك لا يعني أن آلة التعذيب قد توقفت تماماً، حتى مع الإعلان عن وضع كاميرات للمراقبة في غرف التحقيق في مراكز الشرطة.

فأساليب التعذيب «كتعصيب العينين، وتكبيل اليدين، والإجبار على الوقوف لفترات طويلة، والضرب المبرّح، واللكم، والضرب بخراطيم مطاطية وأسلاك كهربائية على القدمين، والضرب بالسياط وقضبان معدنية وخشبية وأشياء أخرى، والصعق بالكهرباء، والحرمان من النوم، والتعريض لدرجات حرارة شديدة، والاعتداءات اللفظية، والتهديد بالاغتصاب، وإهانة الطائفة الدينية للموقوفين» كما وصفها رئيس اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق البروفيسور محمود شريف بسيوني خلال تقديمه لتقرير اللجنة في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2011 لم تتوقف، وهي مازالت مستمرة حتى اليوم.

ولذلك يمكن تفسير موقف الحكومة من تأجيل زيارة مقرّر الأمم المتحدة الخاص بالتعذيب خوان منديز التي كان من المفترض أن يقوم بها في الفترة من 8-15 مايو/ أيار المقبل لأجل غير مسمى.

منديز نفى في تصريحات له أن يكون هو من طلب التأجيل كما أشارت بعض المصادر الرسمية لدينا، وأكد أن هذا قرار أحادي الجانب من جانب السلطات، وقال: «للأسف هذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها الحكومة التهرّب من المسئولية عن تأجيل زيارتي، التي كان من المفترض أن تجرى في بادئ الأمر قبل أكثر من عام».

مقرّر الأمم المتحدة الخاص بالتعذيب والذي يمتلك صلاحيات استثنائية في تخطي جميع الإجراءات في التحقيق الكامل لعدم وجود تعذيب، كما له متابعة قضايا التعذيب حتى لـ 30 سنة سابقة وله الحق بتلقي الشكاوى والقيام بالزيارات الميدانية لتقديم تقريره لمجلس حقوق الإنسان، لا يحتاج لكل هذه المدة – أي العودة لـ 30 سنة للوراء- وإنما يمكنه البدء من حيث انتهى تقرير بسيوني، ليتأكد أن آلة التعذيب في مختلف مراكز الشرطة في البحرين لا تزال تعمل بكامل طاقتها، وأن ما اتخذته وزارة الداخلية من إجراءات للمحافظة على حقوق الإنسان أثناء عملية التحقيق لم تكن بالجدية المطلوبة لوقف ولو جزء بسيط مما يتعرّض له المتهمون، خصوصاً في القضايا السياسية.

قبل أسبوع واحد فقط تم القبض على أحد الأصدقاء، عندما ذهب للإبلاغ عن حادث مرور بسيط، ودون إبراز أمر القبض من النيابة العامة.

الصديق الذي تم احتجازه لمدة 48 ساعة قبل عرضه على النيابة العامة قضى 7 ساعات، منذ الثانية ظهراً وحتى التاسعة مساءً، تحت التعذيب، حيث قُيّدت يداه بالقيد الحديد (الأفكري) وعصبت عيناه، وأجبر على الوقوف طوال هذه المدة، وتعرّض للضرب، والشتم، والتهديد بالقتل من قبل المحققين، قبل أن يتم إعلامه بالتهمة الموجّهة إليه.

جميع هذه الأمور تم توثيقها لدى وحدة التحقيق الخاصة بشكاوى التعذيب التابعة للنيابة العامة.

هذه حالة واحدة من مئات الحالات التي تحدث يومياً، ما يؤكد أن آلة التعذيب لا تزال تعمل ولم تتوقف أو تفكّك بعد.


اقرأ المزيد

المرحوم محمد جابر سيادي – عبدالرحمن راشد القصاب

لقد عرفته إنساناً وطنياً شريفاً، له خصال حميدة، حين يقابله أي إنسان
لا يسبقه إلا بتحية الإسلام المباركة. وبابتسامته الخفيفة الدالة على الصدق
وحسن النية. يده الكريمة لا تمل من حمل أي كتاب. أديب ومثقف، وكان له
الكثير من المقالات في بعض الصحف اليومية، صادقٌ في أقواله ودقيق في
مواعيده وبتنظيم سياسي دقيق.

رأيناك وأنت القيادي الفذ في حركة القوميين العرب، حقاً يا ابن الشيخ المرحوم جابر صباح سيادي.

في العام 1973 حيث اكتسحت دائرتك بتفوق ممتاز، ومعك إخوان لك هم ثوارٌ
ومناضلون، منهم جاسم محمد مراد وعلي جاسم ربيعة والمرحوم عبدالله علي
المعاودة، حيث حصل كل واحد منهم على مقعد داخل المجلس الوطني، وشاهدناهم
حيث لم نسمع أي منفذ من المنافذ التي ابتدعت في الأعوام 2002 – 2006 –
2010. ولا أدري لماذا حُلّ ذاك المجلس الذي ضمّ نخباً ووجوهاً رائعة، أصحاب
مبادئ وأخلاق، يحملون شرف الأمانة والصدق العظيم، وأنت معهم يا صاحب
الأخلاق الذي لم تضع يدك على المال العام، في يومٍ من الأيام.

فالعمل الجاد والنظيف والإنصاف والتوزيع العادل للثروة على الجميع،
ومحاربة المنافقين والدجالين الذين لا يخافون الله ورسوله، بجعل الأبيض
أسود أو بالعكس، يا من تتربعون في مجلسكم وهو بيت الشعب، هل توافقون على
رائحة الفساد. من داخله؟ هل أنتم أيها النواب جادون بالكشف عن قضايا
الفساد؟ أومازلتم في صمت؟ تذكّروا أداء اليمين حين لامست أياديكم أشرف كتاب
منزل من السماء.

اقرأ المزيد

متسلقو السياسة!



حين تُهاجم المعارضة الطائفية غير العقلانية غير
الوطنية أو تُمدح الموالاة فنحن بحاجةٍ من المنتقدين والمادحين إلى تماسك
فكري سياسي لا ردحاً وفتح حسابات خاصة!










حين يحرق مشاغبون مدرسةً فلابد أن تقف ضدهم وتحرض الأهالي لمنعهم، وتخلق ثقافة وطنية مدافعة عن كل حجر وسبورة في هذا البلد!


هذا واجبك، مثل أن ترى موظفاً يكتب في جريدة ويقوم بمدح الوزارة التي
يعملُ فيها! والوزارة تسكت عنه بل وترقيه! فهذا نفاقٌ وتزلفٌ ومحاولة لركوب
المواسير السياسية، وخاصة أن مسئولي الوزارة يتركون الموظف يستمر في
أماديحه بدلاً من أن يفتحوا تحقيقاً معه، ويمنعوه لأنه يجعلهم شبهة أمام
الرأي العام الذي يشم بقوة كلَ الرياح الملوثة!






إذا كان نقد المعارضة
أو محاباة ونفاق الموالاة الطائفية غير الوطنية وغير العقلانية واجباً
نضالياً فيفترضُ أمام الناقد أن يطرح البديل، وأن يبحث عن الأخطاء في
الواقع والوزارات، فليس الخطأ كله في تلك المعارضة وليس النور كله في
الموالاة فهي لا تنمو إلا من وجود المنافقين من أمثاله، والذاتيين
المتضخمين الذين يبتعدون تمام البعد عن أي نقد للوزارات وكشف مشكلات
الجمهور والعمل لرفع معيشته وحقوقه، أما أن تتحول الكتابة إلى هجوم ناري في
جهة وتطبيل من جهة أخرى، فهي عملية غير موضوعية، تزيد المعارضين الطائفيين
قوة، وتغدو مثل هذه الكتابات إعلانات صريحة بالفساد لا محاربة الفساد!






خاصة أنها تتكرر بنسخ كربونية لا يتبدل فيها شيءٌ سوى التواريخ وبعض الجمل
والعناوين، ولكن ثلاثة أرباع المقالة هي نفسها، كل عدة أيام تتم قراءة
النسخة الكربونية إياها، كأن الكاتبَ في حالة شلل عقلي، وموت سريري إعلامي،
فهو بهذا الغباء يغدو مادةً مفيدة لتلك الجهات التي يهاجمها، فهم يأخذون
تلك الكلمات للجمهور البسيط ويعرضونها ويؤدلجونها، ويوسعون الاستنتاجاتَ
حولها، ويخلطون بين الشرفاءِ والمناضلين في الصحافة وبين المنافقين
والباحثين عن مصالحهم الخاصة!






لكن عندما يكون الكاتبُ موضوعياً وينتقدُ
كافةَ الظاهرات السلبية ويبرزُ الظاهرات الإيجابية في أي جانب من الواقع،
ويغدو همه حقيقياً باحثاً دارساً للجوانب المختلفة من المجتمع، يبحث عن
خيوط الضوء في أي مكان، وجوانب التأزم في أي موقع، فهو يغدو مفيداً مضيئاً
للكل، بما فيها قوى المعارضة الطائفية التي سترى نضالاً وطنياً مخلصاً في
أمكنة كثيرة يكسر نظاراتها الرمادية، ودفاعاً عن الناس في كل الطبقات يحبط
شبكاتها العنكبوتية، وإعلاماً ينسج الصلات بين المهمومين والعاملين
والمكافحين في كل الجهات.






أما حين يرقد الكاتب على مخدة النوم
الاجتماعي، وينتقد انتقادات تافهة الوزارة التي يعمل فيها، أو التي يعمل
فيها بعضٌ من له علاقة وثيقة به، ويسهبُ في تعداد منجزات وهمية، ويتفضل
القسمُ الإعلامي بالرد على هذا النقد (الهام) مادحاً الكاتب ومقيماً شهرة
دعائية له بأنه كاتب قدير بدلاً من أن يتجاهله وليس مثلما يتجاهل هذا
القسمُ الإعلامي نفسه الانتقادات الحقيقية من كتاب مهمين فعلاً، فإن هذا
الكاتب داخل الوزارة وخارجها، الكاتب المزودج، فإنه يسد روافد النهر
السياسي التحولي المتعقل بكتلٍ من الحجارة الثقيلة، ولا يختلفُ عن ملقي
الزيت المشتعل في الطرق العادية للسائرين!






بل كان الحق والصواب البحث
عن السلبيات التي تعيق التطور وتقديم الحلول لها، وإذا حدثت ردودٌ فهي
توسعٌ للتحليل والبحث تكونُ فيها بوصلة الكاتب خارج وداخل الوزارة متجهة
للعراقيل المانعة للحراك المفيد.






بماذا يختلف متسلق المواسير الحكومية
عن متسلق الجماعات السياسية الانتهازية غير القادرة على اتخاذ موقف وطني
ديمقراطي علماني شجاع؟ هذا يريد الصعود فوق اكراميات الوزارة وترفيعاتها
ووظائفها غير المعطاة بحق، وذاك يريدُ التسلقَ فوق جراح الشعب وفساد
السياسيين واستغلال انقسام الجماهير لكي يحتلَ موقعاً في مكانة سياسية
تظهرُ له مستقبلاً وهو يقامر بين موجات التحول التي يظنلا أنها تعطيه يوماً
ما كرسياً كما أنه يعمل على أخذ موقع في قلوب الناس البسطاء غير المدركين
لتعقيد السياسة، ولا يعرفون الفروقَ بين الحية والزهرة، وأن المعارضَ هذا
لا يخدمهم بقدر ما هو قوة سلبية لتعطيل وعيهم وبقائهم في الفقر!






الكلمة
التي واجبها تطوير العمل الوطني والتي تدافع عن أجور العاملين تتلوث هي
الأخرى بالفساد السياسي، من داخل الأجهزة الحكومية ومن داخل الجماعات
(النضالية)، ومهمتها شاقة وعسيرة على الجانبين، فتغدو مهمتها تصعيد أجور
ومكافآت وسفرات ومناصب ثللٍ تغلغلتْ في النضال الوطني سابقاً وتسلقتْ
مواسيرَه الطائفية الخربة النخرة، وتشوهت ضمائرها بدلاً من أن تعمل وتتوهج
في مثل هذا الزمن المنفتح لتغيير حال الناس من معيشة متعسرة لمستوى راق
ومتقدم، وحيث العمل الشريف واسع كذلك!







اقرأ المزيد

عشر سنوات من الإحباط

كلما مر الوقت أصبح الحديث عن الأسباب أقل والحديث عن النتائج أكثر فأكثر، بحيث يصر البعض في الوقت الحالي على إغفال وتجاهل ما أدى إلى تدهور الأوضاع، وبشكل متعمد لكي يصبح الحديث حول ما تشهده الساحة من احتقان أمني، وصراع طائفي.

عندما بدأ الحراك الشعبي في البحرين لم يكن أحدٌ ليتوقع أن يحظى بكل هذا التأييد من مختلف الشرائح والطوائف والفئات في المجتمع، وما كان يمكن لامتداد موجة الربيع العربي أن تفسّر كل هذا الإحباط والتذمر لدى غالبية الشعب البحريني، لو لم تكن هناك أسبابٌ حقيقيةٌ تراكمت على مدى السنوات العشر بعد التوقيع على ميثاق العمل الوطني، الذي استبشر الناس به خيراً.

حالة الإحباط والغضب التي كانت لدى الشارع لم تقتصر على السلطة إنما شملت الجميع، بما في ذلك الجمعيات السياسية المعارضة التي لم تستطع أن تحتوي وتسيطر على حالة التململ وعدم الرضا عن الأوضاع السياسية والمعيشية، والتي تراكمت على مدى السنوات.

بدأ الناس بالتأكد من أن ما حصلوا عليه لا يقاس بما فقدوه وإلى الأبد.

لقد حصل الناس على الحرية، وتم إلغاء قانون «أمن الدولة» الذي جثم على صدر الشعب البحريني لما يقارب الثلاثة عقود، وتم الإفراج عن المعتقلين السياسيين، وعودة المنفيين إلى أرض الوطن، وأرجع البرلمان، وأصبح باستطاعة الناس التعبير بحرية عن أفكارهم، وتم السماح بتشكيل الجمعيات السياسية، وكل هذه الأمور دفع الناس ثمنها مقدّماً، سواءً خلال فترة التسعينيات أو قبل ذلك.

كما أن جميع هذه الأمور من طبيعة الأشياء وليس العكس، فمن الطبيعي أن يحظى المواطن، أي مواطن في أية دولة، بالحرية والكرامة، ومن الطبيعي أن لا يكون هناك معتقلون سياسيون كل جرمهم أنهم يطالبون بالديمقراطية والعدل والمساواة. ومن الطبيعي أن يسود العدل، لا أن يُعتقل أي مشتبه به ويرمى في السجن لمدة ثلاث سنوات دون أن توجّه له تهمة، ثم يمدّد له السجن مرةً بعد أخرى لمدة تسع سنوات. ومن الطبيعي أن يوجد برلمان منتخب من قبل الشعب لمراقبة السلطة التنفيذية وسن القوانين والتشريع، وليس من الطبيعي أن لا يتمتع أي مجتمع في القرن الواحد والعشرين بكل ذلك.

وفي المقابل، فإن ما خسره المواطنون لا يمكن استرجاعه، فلقد تم الاستيلاء على جميع الشواطئ في أرخبيل من 33 جزيرة، وأصبح المواطن لا يملك ولو شاطئاً بسيطاً ليستمتع به. كما تم الاستيلاء على 93 في المئة من الأراضي المملوكة للدولة في مقابل وجود 53 ألف عائلة بحرينية تنتظر لأكثر من 15 عاماً، وأحياناً 20 عاماً، منزلاً إسكانياً بسيطاً. كما تم التلاعب بالتركيبة السكانية بهدف خلخلة التركيبة الديمغرافية في البلد وتغليب فئةٍ على أخرى، وأصبحت الحياة المعيشية للغالبية العظمى من الناس تنحدر من سيئ إلى الأسوأ.

اقرأ المزيد

وطنية «الاحتفال باليوم العالمي للعمال» – زكي أبو السعود

حينما
يبزغ فجر الأربعاء المقبل لن نجد مداخن المصانع في كثير من البلدان تنفث
دخانها كما اعتادت في أيام العمل، ولن يشعر أحد بلهيب أفرانها، ولن يسمع
أحد صرير أتراس ماكيناتها، وستكون أدرع الروبوتات ساكنة في مكانها مسلوبة
الحركة، وأنابيب مختبرات المعامل جافة خاوية من مساحيقها ومركباتها
الكيميائية المتعددة الألوان ومن روائحها التي تزكم الأنوف، وأنظمة الأمن
في المصارف والشركات المالية قد بُرمجت ليمتدد مفعولها 36 ساعة
بدلاً من 12 ساعة.


وعلى
أبواب المباني الحكومية ثبتت لوحات «مغلق»، وحتى المدارس والجامعات أقفلت
فصولها وقاعاتها وخلت مقاصفها من الطلبة والمدرسين. وابتدأت الحدائق
والمتنزهات والمراكز الثقافية والفنية تهيئ نفسها لاستقبال زوارها في هذا
اليوم الربيعي. فالجميع في عطلة رسمية بمناسبة الأول من مايو.. عيد العمال
العالمي، الذي لم يعد حكراً على العمال الصناعيين وحدهم حينما انبثقت
فكرته، بل أصبح عيداً لشغيلة اليد والفكر أجمعين. فكل من يساهم في
إنتاج الخيرات المادية وتقديم الخدمات التي يحتاجها الإنسان في عصرنا
الراهن يدخل ضمن هذا التصنيف، وهم بطبيعة الحال يمثلون أغلبية أفراد
المجتمع.


وكما
هي بقية الإجازات الرسمية فهذه الإجازة لا تقتصر على فئة محدودة، بل هي
إجازة للجميع، مما يضفي على الاحتفال بهذا اليوم سمات «الوطنية «، باعتباره
يوم إجازة للوطن كله، وهو في الوقت نفسه تجسيد لما يُكن لهذه الفئة
المنتجة من عرفان وامتنان لمساهمتها في تقدم ورفاه أوطانها.


ومن
جهة أخرى يعتبر الأول من مايو في البلدان ذات النظم الديمقراطية التي تسمح
بحرية العمل النقابي والمدني، محطة تتوقف أمامها الحركات النقابية المحلية
وبعض منظمات المجتمع المدني لتقييم الأوضاع الاقتصادية والقانونية
والتوجهات السياسية التي ترتبط أو تؤثر بهذا الشكل أو ذاك بالواقع المعاشي
لهذه الفئات العاملة، مثل: البطالة، التضخم المالي وغلاء المعيشة، الكفاية
المالية لرواتب التقاعد، الحد الأدنى للأجور، استقلالية
العمل النقابي والمجتمعي، وما غير ذلك من قضايا سياسية وتشريعية تقع ضمن
اهتمامات الأغلبية الساحقة من السكان.


لذا
إن قُصر عمل النقابات بالقضايا المعاشية «في المعنى الضيق للكلمة» ودون أن
يكون لها رأيها وصوتها المسموع في مجمل الحالة الاقتصادية للبلاد بصفة
عامة، يجعلها كسيحة عاجزة عن حماية مصالح أعضائها الذين تؤثر عليهم مجمل
السياسات والتشريعات الاقتصادية، إضافة لسلبها الدور الاجتماعي الذي تلعبه
بصفتها مؤسسة مهمة ضمن مؤسسات المجتمع المدني.


التي
لا يستقيم أي مجتمع عصري دون حرية قيامها وعملها. وبالتالي فإن وجود «لجان
عمالية» لا تسهم في النشاط المجتمعي المدني وليس لها رأي فيما يجري من
حولها من تغييرات اجتماعية واقتصادية يجعلها محدودة التأثير والوجود، وحتى
باندماجها في «اتحاد عمالي» فلن يكسبها ذلك المعنى الحقيقي للنقابة، ولن
يجعلها تؤدي دورها كمنظمة مجتمع مدني فاعلة وقوية لها وزنها الاجتماعي
وصوتها المسموع الذي يعتد به، ويمنحها الشجاعة للمطالبة بالأول
من مايو كعطلة وطنية.


اقرأ المزيد

رحيل مناضل شجاع من وطني الرفيق محمد جابر صباح سيادي



واحداً تلو الآخر يرحلون عنا مناضلونا الشجعان الذين سطروا أروع الصفحات وبحروف
من ذهب في النضال الوطني ضد الاستعمار البريطاني والرجعية، دون أن يكتب العديد منهم
مذكراتهم أو جزء يسيراً من سيرتهم النضالية الممتدة في معترك الحراك السياسي والمطلبي،
لكي يستفيد منها هذا الجيل والأجيال القادمة في قراءة تاريخنا الوطني في سيرة هؤلاء
المناضلين البحرينيين الذين لم يتلوثوا بلوثة الطائفية البغيضة أو العنصرية، وإنما
أسسوا لتقاليد عريقة في تاريخ الحركة الوطنية البحرينية، وبفضل أفكارهم ومبادئهم الإنسانية
والتقدمية، نشروا الوعي الوطني والثقافة التقدمية في ربوع البحرين الغالية، في ظروف
العمل السري والصعوبات التي واجهتهم خلالها. 


رفيقنا المناضل النائب السابق في المجلس الوطني في أعوام 73 – 1975محمد جابر
صباح سيادي واحد من هؤلاء المناضلين الشجعان الذين كان لهم مواقف مبدئية في ساحة النضال
الوطني في البحرين، ، هذا المناضل البارز الذي بقي حتى الرمق الأخير من عمره البالغ
أثنين وثمانين عاماً، وفياً ومخلصاً لأفكاره ومبادئه التقدمية، لم يتزحزح قيد أنملة
عن النضال من أجل الحقوق المشروعة لشعبه بأن يتمتع بالديمقراطية والمساواة والعدالة
الاجتماعية، وعلى الرغم من اشتداد المرض عليه خلال السنوات الأخيرة الذي أخذ منه صحته
وقوته، كان ينشط من خلال المجلس الأسبوعي في بيته في المحرق أو في حضوره الدائم في
الندوات والمسيرات، ومنها مسيرة الأول من مايو في كل عام، منذ أن تم إقرار الأول من
مايو عطلة رسمية في الدولة في سبتمبر 2002م، حيث جرت العادة بأن تخرج مسيرة عمالية،
يشارك فيها المنبر الديمقراطي التقدمي بكثافة ويحشد لها، فيها ترفع المطالب العمالية
والنقابية والمعيشية وترفرف الرايات الحمراء، راية الطبقة العاملة والكادحين في بلادنا
وسائر بلدان العالم، حيث كان يحرص على المشاركة فيها وهو على كرسيه المتحرك. 


وظل محمد جابر الصباح قابضا على الجمر حتى في أشد وأحلك الظروف التي عاشتها
البحرين، وتحديداً بعد تفجر أحداث 14 فبراير 2011، وما تلا ذلك من إعلان لحالة السلامة
الوطنية، والأجواء السيئة التي سادت في البلاد بصعود النزاعات والعصبيات العرقية والطائفية،
عندما تفكك الوطن وتمزق النسيج الوطني والاجتماعي، استمر مخلصاً وفياً لمبادئه التي
عرف بها منذ شبابه. 


يقول عنه، رفاقه: منذ عرفناه كان مناضلاً صلباً وصاحب رأي وموقف لا يتراجع عنه
ويدافع عنه بكل وضوح وشجاعة، عن ذلك، ومشاركاً في كافة المحطات النضالية  التي عرفها شعب البحرين ومناضلوه منذ انتفاضة مارس
1965 المجيدة، منظماً وقائداً وفي المجلس الوطني في اعوام 73- 1975، ثم بعد حل المجلس
الوطني في 26 أغسطس 1975، حيث إعتقل أبو جابر، في عام 1976 مع العديد من مناضلي الحركة
الوطنية البحرينية وبقي صامداً متمسكاً بمواقفه في السجن، وبعد إطلاق سراحه في نهاية
السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي، واصل نضاله في صفوف جبهة التحرير الوطني
البحرانية، الذي أصبح عضواً فيها بعد رحلة طويلة في التنظيمات القومية واليسارية الصغيرة. 


وقد فتح مجلسه في المحرق، ليؤسس لمرحلة جديدة من النضال الوطني المطلبي، بمعية
كوكبة من المناضلين والمطالبين بعودة الحياة النيابية وإطلاق سراح المعتقلين والسجناء
السياسيين وعودة المنفيين ومشاركة المرأة في العمل السياسي، وبإشاعة الديمقراطية والحريات
العامة في البحرين، حيث تمَّ إصدار العريضة النخبوية في عام 1992، وفي مرحلة لاحقة
جرى إصدار العريضة الشعبية في عام 1994، وكان دور الفقيد بارزاً في إصدار العريضتين،
وفي تجميع التواقيع عليهما، والاحتفاظ بتلك العرائض الموقعة من قبل أكثر 25 ألف مواطن،
مما يدل على شجاعته وتفانيه وإخلاصه. 


  
بعد الانفراج السياسي في فبراير 2001، شارك رفيقنا ابو جابر مع العديد من رفاقنا
ورفيقاتنا في تأسيس المنبر الديمقراطي التقدمي، في 13 يوليو 2001، وكان حريصاً على
المشاركة في فعاليات وأنشطة “التقدمي” بالرغم من الظروف الصحية التي يعاني
منها، وشارك تقريباً في كل مؤتمرات “التقدمي” التي انعقدت، وكانت له ملاحظاته
وتوجيهاته لتحسين أداء التقدمي وللارتقاء بنشاطه الحزبي والجماهيري نحو الأفضل. 


 وقد تأثر كثيراً لما نتج عن المؤتمر
العام السادس الذي انعقد في 27 ابريل 2012، من تباين واختلاف بين الرفاق ، تأثر كثيراً
لذلك الوضع المؤسف، وهو طريح الفراش في المستشفى، عند زيارات الرفاق والأصدقاء والأهل
له، كان دائم السؤال والحديث عن التقدمي، كان يردد علينا يجب الإسراع في توحيد وجهات
النظر المختلفة، وقد تحدث معي عن الموضوع أكثر من مرة فكنت أطمأنه وأواسيه بالقول أن
الأهم  الآن يا أبا جابر هو صحتك، ولكنه ظل
قلقاً على وحدة تنظيمه، وأخبرني الأستاذ علي ربيعة، عضو المجلس الوطني “السابق”
ورفيق دربه منذ منتصف الخمسينات من القرن الماضي، بأن لديه رسالة يريد توصيلها للرفاق
المختلفين، تؤكد على أهمية وحدة “التقدمي” وتعزيز دوره في المجتمع، وانه
قال بأنه عندما يخرج من المستشفى سوف يقوم بتلك المبادرة، فهل نحقق له أمنيته وهو الذي
يرقد بسلام في قبره في المحرق، مدينته التي عشقها، ونوحد الصفوف ونقوي تنظيمنا لكي
تقوى وتتعزز الحركة الديمقراطية التقدمية في البحرين. 
  
اقرأ المزيد

تكرار ببغائي لمقولات شاخت



منذ ثلاثة عقود، حين بدا أن الأمر قد استتب لأحادية القطب في العلاقات الدولية، راجت الكتب والنظريات والفلسفات التي تروّج لنهاية التاريخ بالانتصار المبين لليبرالية الغربية التي قيل يومها إنها قد هزمت الأنظمة الشمولية .


النابهون من الناس وبعيدو البصر والبصيرة أدركوا، منذ ذلك الحين، أن هذه الأطروحات إنما كانت تؤسس لشمولية جديدة أشد خطورة، شمولية كونية، تجعل الشعوب كلها أمام خيار أوحد، لا ثاني أو ثالث له .


هؤلاء النابهون قالوا أيضاً إن هذه حال مؤقتة، لأن الأحادية هي نقيض لمنطق الأشياء وللطبيعة السويّة . كل شيء في الحياة، بما في ذلك أصغر الظواهر وأكثرها بساطة، قائمة على التنوع والتعدد، فما بالنا بالمجتمع البشري الذي يعج بالتناقضات على مختلف المستويات؟


حينها ساد ما يشبه الموضة التي تتحدث عن “موت” الأشياء أو فقدانها، لذلك سمعنا مصطلحات من نوع: موت الموضوع، موت الشعر، موت الفلسفة، موت المؤلف، نهاية الأيديولوجيا، لا بل وموت الإنسان نفسه .


لكن النابهين من الناس نبّهوا، في حينه أيضاً، إلى أن الموضة الجديدة، أياً تكن، هي محاكاة لموضة قديمة سادت في وقت آخر، ثم نسيها الناس أو أهملوها بعض الوقت، ليخرج من يعيدها إلى الواجهة مرة أخرى .


اليوم، بعد عقود على ذروة الرواج التالي لهذه الأطروحات، يظهر جلياً أنه لا الإنسان من حيث هو موضوع للعلم قد مات أو تلاشى، ولا التاريخ انتهى أو توقف عند محطة أخيرة، فهو يستمر بضجيج أكبر وبحشد لم يسبق له مثيل من المآسي والحروب والنهب والاضطهاد، ولا حتى الأيديولوجيا، هذه المفردة التي أصبحت بغيضة لكثرة ما ابتذلت وأزيل عنها طابعها العلمي، قد تلاشت أو انحسر مجال تأثيرها .


وإذا كان رواج هذه النظريات في الغرب مفهوماً، حيث أنجزت الحداثة، ولم يعد الحديث يدور عما بعد الحداثة، وإنما أيضاً عن “ما بعد ما بعد الحداثة”، في ما يشبه رد الاعتبار لقيم جرى التنازل عنها، فإن التكرار الببغائي لهذه المقولات في عالمنا العربي يبدو أشبه بالأضحوكة، في أوطان مازالت نسبة الأمية تصل في بعض المناطق فيها إلى نسبة ثمانين في المئة، ومازالت أجزاء من أراضيها تحت الاحتلال، فيما الفكر العربي يتراجع بشكل مروّع عن أطروحات رواد الفكر النهضوي العرب الذين آلفوا بين الإسلام والحداثة .
اقرأ المزيد

العنف المسكوت عنه

فيما يطالبون القوى السياسية بإدانة العنف ويتهمون الجمعيات السياسية المعارضة الممثلة في الحوار بتشجيع عنف الشارع، يتنافس مجهولون على الاقدام على العنف غير المبرر من دون أن يتم توثيق اعتداءاتهم من الجهات الرسمية.

أحد الأصدقاء روى لي قصة حدثت له يوم الثلثاء الماضي، وبدورنا نوصلها إلى الجهات المعنية.

يقول صديقي: «كنت في إحدى البرادات بمنطقة بني جمرة قبيل الغروب بدقائق وكان معي ابنتاي الطفلتان نشتري بعض الحاجات، وإذا بقوات الأمن تقوم بإطلاق قنابل مسيل الدموع باتجاه البرادة فاضطر موظفو البرادة إلى غلق الأبواب لكي لا تتسرب الغازات إلى الداخل واضطررنا إلى الانتظار داخل البرادة حتى تهدأ الأمور وخصوصاً أن معنا أطفالاً صغاراً.

كانت بجنبي عائلة من الجالية الأوروبية، أم مع ابنتها، وعائلة من الطائفة الأخرى الكريمة وهم زوج وزوجته، وبعد أن هدأت الأمور فتح الموظفون بوابات البرادة وفي هذه الأثناء انقض أحدهم من الطرف الغربي بزجاجة مولوتوف فرمى بها داخل البرادة وكادت تشتعل النار في ثيابي وعند محاولتي تفادي الحريق الذي شب داخل البرادة؛ اصطدمت بأطفالي فارتعب الجميع من منظر الحريق والدخان الكثيف، ولجأت مع الآخرين إلى الطابق الثاني من البرادة وكان من ضمنهم العائلة الأوروبية والبحرينية وقد أصاب الجميع الخوف والهلع من منظر الحريق.

سيطرنا على الحريق وخرجت لأرى ما يحدث في الخارج وإذا بمجموعة من الأشخاص ومن بينهم من قام برمي زجاجة المولوتوف داخل البرادة يقفون دون أية مبالاة ويتفرجون على ما يحصل داخل البرادة.

ويقول صديقي «هذا الوضع جعلني لا أفكر في تقديم شكوى في مركز الشرطة؛ إذ إنها لم تكن المرة الأولى التي يتم فيها الاعتداء على هذه البرادة بالذات، كما أنني قمت سابقا ًبتقديم شكويين عن اعتداءات مماثلة لدى الجهات الأمنية ولم يتخذ أي إجراء حتى الآن!».

حديث صديقي ذكرني بمشهد إحدى الغزوات لبرادات معينة، وكيف فضحت آلة التصوير في المحل أحد رجال الأمن وهو يطلب من السارقين الابتعاد عن مجال التصوير لكي لا تلتقط وجوههم الكاميرات المثبتة في المحل، وبالطبع، فإن وزارة الداخلية لم تصدر بياناً بهذا الأمر توضح فيه لماذا لم يقم رجال الأمن بواجبهم لمنع الاعتداء على المحل التجاري، كما أن هذه الحادثة وغيرها من الغزوات التي وصلت إلى أكثر من 54 حالة اعتداء لم يذكر أي منها في وسائل الإعلام لدينا.

بالطبع، نحن ندين أعمال العنف من أي جانب، وذلك ما جاء في وثيقة إدانة العنف، فهل لدى الطرف المقابل الشجاعة الكافية ليتخذ موقفاً مماثلاً؟


اقرأ المزيد