المنشور

بصراحة: ( رجال دين ) مشاريع للفتنة والفرفة ؟

السؤال الأهم الذي يدور في تفكير أي إنسان عاقل  يعيش في القرن الواحد
والعشرين ، لمصلحة من أذكاء نار الطائفية في البحرين والبلدان العربية ،
ومحاولة العودة للماضي من خلال الإسقاطات التاريخية على الواقع الحالي من
قبل ( أصحاب مشاريع الفتنة والفرفة في بلداننا العربية  ) الهدف منها أشغال
الناس في قضايا مختلف عليها منذ ١٤ قرن لدى العديد من المذاهب والفرق 
الإسلامية ، حيث توجد  قراءات  واجتهادات متعددة لذلك التاريخ من قبل
مفكرين وأتباع تلك المذاهب الطائفية ومن قبل المهتمين بالتاريخ  والتراث في
الوطن العربي والعالم  ، أعتقد في  ظل الوضع الراهن  المتأزم على العقلاء و
الحكماء ومعهم المثقفين في البحرين والبلدان العربية ،   قراءة الواقع
المملوس  في بلدانهم والبحث عن حلول لتلك الأزمات والمشاكل التي تفاقمت
بعد  ( الربيع العربي ) وقيام الثورات والانتفاضات التي أسقطت أنظمة
دكتاتورية و استبدادية  بفضل ثورة الشباب  في البلدان العربية ولكنها سرقت
من قبل تيارات الإسلام السياسي  الذي يمارس اليوم  نفس أساليب تلك الأنطمة
المقبورة  وأكثر منها ، على صعيد بلدنا البحرين ، مطلوب   أخراج البلاد من
أزمتها الحالية  ،بالإصغاء لمطالب الشعب العادلة  ، وتحقيق الديمقراطية
الحقة بشقيها السياسي والاجتماعي وتعزيز الحريات العامة والخاصة وذلك نبذ
الطائفية والتمييز وإدانة العنف بكل أشكاله والتأكيد علي إعادة اللحمة
الوطنية ورفض دعوات الفرقة والكراهية من أي طرف كأن ، وبث روح التسامح
والمحبة والتعايش بين الناس ، بهذا الصدد كتب  د. حسن مدن ، قائلاً  ( فيما
نحن نفتقد التسامح حتى مع أنفسنا  ، و بين الآراء المختلفة في أوساطنا  ،
وتشيع ثقافة التكفير والتخوين  والإقصاء والنبذ ) .  قد تختلف الآراء
وتتعدد المواقف من القوي السياسية والمجتمعية في البلاد حول أجندة الحل
السياسي  للأزمة الحالية ولكنها ربما تتفق حول حقوق المواطن في ( التعليم
والعمل والسكن والخدمات الصحية ) ، المشاركةالسياسية ، حرية الرأي والتعبير
، تحترم آدميته كإنسان ، ان يعيش  حياة كريمة في وطنه ، بكلمات البحرين في
حاجة لكافة أبناءها ، وأعتقد أن  الدولة المدنية الديمقراطية القائمة على
التعدد والتنوع الفكري والسياسي ، والعدل والمساواة و سيادة القانون ، بحيث
الجميع امام القانون سواسية ، هي التي تؤمن وتصون حقوق المواطن ،    أن
الخطورة اليوم  تكمن في من يفترض بأنهم ( رجال دين ) سواء في البحرين أو
البلدان العربية ، أصبحوا  مشاريع للفتنة والفرفة ، هؤلاء يخدموا أطراف
عديدة، تهدف من  خلال مخططاتها ومشاريعها بأن لا تتطور البلدان العربية
والإسلامية ، تريد لهم بأن يغوصوا في بحيرات من الجهل والتخلف ويرجعوا
ببلدانهم قرون للخلف ، والكل يعتبر نفسه هو الفرفة الناجية ، والمصيبة
الكبري هناك قطاعات واسعة من شعوبنا  تسير خلف هؤلاء ( رجال الدين ) أو
بشكل أصح ( رجال الفتنة ) ، بوعي وبدون وعي ، من المفترض بأن يكونوا رجال
الإصلاح والتعايش  والمحبة  ، ليس دعاة للقتل والترهيب والفتن ، يجب أن
يكونوا دعاة  من أجل التوحيد والتسامح ، لا دعاة للفرقة وبث الكراهية في
المجتمع ، ان التاريخ و التراث العربي والإسلامي زاخر بالكتابات القيمة بما
في ذلك من مفكرين ورجال دين كبار من امثال عبدالرحمن ألكواكبي ومحمد عبده
وجمال الدين الأفغاني ، وأخرون في القرنين الماضيين ساهموا في تطوير
المفاهيم والمبادئ  الإسلامية بما يتعاطي مع واقع بلدانهم والتطورات التي
حدثت فيها ، بعكس ما يفعلوا  ( رجال الدين ) اليوم بشعوبنا وبلداننا 
بأشغالهم بالصراعات والفتن  الطائفية والمذهبية  .
اقرأ المزيد

بذرة الإرهاب



صُدم
البريطانيون بالجريمة الإرهابية التي ارتكبها اثنان من المتطرفين
الإسلاميين في رابعة النهار وعلى مرأى من الناس مستخدمين فيها أسلحة بيضاء
بدائية (سكين مطبخ وساطور)، في إزهاق روح الجندي البريطاني الشاب “درامر لي
ريغبي” ظهيرة يوم الأربعاء 22 مايو-أيار ،2013 ولم يبرح المهاجمان مكان
جريمتهما وإنما دعوا المارة إلى تصوير المشهد بكاميراتهم أو بالفيديو .


ويوم
السبت 25 مايو/أيار ،2013 أي بعد يومين من تلك الحادثة، أقدم مجهول على
طعن الجندي الفرنسي سيدريك كو غديي بسكين في رقبته في حي “لادفنس” التجاري
في غربي باريس ولاذ بالفرار، ليسارع، بصورة لافتة، الرئيس الفرنسي فرنسوا
هولاند إلى القول، تعليقاً على الحادث، إنه “لا يظن أن هناك صلة بين حادثة
قتل الجندي البريطاني في لندن وهذه الحادثة”!  .
. . مع أن فرنسا فرضت حالة تأهب قصوى في المناطق الحساسة لباريس والمدن
الفرنسية الرئيسة في أعقاب تهديد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي
بضرب المصالح الفرنسية بسبب تدخل فرنسا العسكري في مالي . بمعنى أن محاولة
الرئيس الفرنسي التقليل من شأن هذه الحادثة ونوعيتها وطريقة تنفيذها،
وتخصيصاً الذبح باستخدام الأسلحة البيضاء، لم تخفف من الصدمة النفسية
للحادثة عليه كإنسان قبل أن يكون رئيساً وعلى قطاعات الشعب الفرنسي التي
أحيطت علماً بالحادثة .


في
السياق ذاته، الذي سيبدو غريباً بعض الشيء، ولكن لأول وهلة وحسب، سنجد أن
بعض أحياء المدن البريطانية ومنها لندن العاصمة، قد تحولت إلى غيتوات
طالبانية (آسيوية أساساً)، فترى شبان هذه الأحياء وهم يتوجهون إلى كلياتهم
بكامل لباس وهيئة طالبان . وهذا ينطبق بنفس القدر تقريباً على مدن أوروبية
وأمريكية كبرى مع تغاير بعض التفاصيل الصغيرة . وقد أرسلت “بيئة” هذه
الأحياء المئات من “أبنائها” إلى جبهات القتال في مالي والنيجر وسوريا،
منهم من قُتل وفُجعت بموتهم عائلاتهم، تماماً كما حدث في أفغانستان
وباكستان .


هي
إذاً، بذرة الإرهاب التي بذرها، بحسب “ليندا هيرد” في صحيفة “أراب نيوز”
السعودية (الثلاثاء 28 مايو- أيار 2013) وكُتاب وباحثين غربيين آخرين، كل
من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “سي . آي . إيه” والمخابرات
البريطانية “أم .آي6”، اللتين عملتا معاً مع الإسلاميين الحركيين
والجهاديين منذ خمسينات القرن الماضي، معتبرتين أن إرهابيي هذه الجماعات
“سيكونون أخياراً ماداموا تابعين لنا” . في مذكراته “لعبة الأمم: لا
أخلاقية سياسات القوة”، يصف الموظف العريق في المخابرات الأمريكية
الكولونيل والتر باتريك لانغ كيف عمل عميل المخابرات الأمريكية في القاهرة
مايلز كوبلاند، على التعاون والتنسيق مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر
لتقويض حكم الرئيس جمال عبدالناصر من أجل وقف تأثيرات الروح القومية التي
استنهضها في الأمة العربية . وإبان الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، كانت
الولايات المتحدة وراء إنشاء معسكر التدريب الرئيس للقاعدة “بيت الأنصار”،
وذلك تحت إشراف مسؤول ال “سي .آي .إيه” في بيشاور في ذلك الوقت . كما عملت
على جذب وتشجيع تعليم الأطفال في المدارس الدينية، على الجهاد واستخدام
أساليب العنف من أجل تسهيل الزج بهم في صراعها المصيري ضد الاتحاد
السوفييتي . وبحسب البروفيسور والكاتب الكندي مايكل تشوسودوفسكي، فإن
إعلانات كانت تُنشر في الصحف ونشرات الأخبار حول العالم، وتدفع قيمتها من
قبل ال “سي .آي .إيه”، كانت تحض على الجهاد في أفغانستان . وكان كبار
المسؤولين الأمريكيين بمن فيهم الرئيس الراحل رونالد ريغان يسمون هؤلاء
المتطوعين ب”المقاتلين من أجل الحرية” قبل أن يعودوا ويصمونهم بالإرهابيين .
وفي كتابها  (Classified Woman المرأة
المحظورة) كشفت المترجمة السابقة في مكتب التحقيقات الفيدرالي سيبل
إدموندز، النقاب عن أن مسؤولين حكوميين أمريكيين كانوا يتعاونون مع
القاعدة، وأن الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري كان يلتقي
بانتظام مع مسؤولي المخابرات الأمريكية خلال الفترة من 1997 إلى 2001 .


فلا
غرو، والحال هذه، أن ترتفع بعض الأصوات في الغرب مثل ليندا هيرد والصحافي
الأمريكي المرموق سيمور هيرش وغيرهما لتوجه الاتهام إلى ال”سي .آي .إيه”
وال “إم .آي6”أي المخابرات البريطانية الخارجية، بخلق ما يسمونه بالغول
الفرانكشتايني من أجل تحقيق أهدافهما ومصالحهما الأنانية .


فهل
هذان الجهازان اللذان يشهد لهما تاريخهما وأفعالهما الفظيعة، بعيدان عما
يحدث اليوم في عموم ساحاتنا العربية من “نفخ” سياسي وإعلامي محموم ومُرَكز
في كِير الحساسيات والنعرات الطائفية والمذهبية، وهما اللذان ماانفكا
يعودان لاستعمال أسلحتهما القديمة، ومنها سلاح ما يسمى ب “براعة الخداع
الاستراتيجي” في استخدام سياسة “فرق تسد” .


فقط ما على القارئ الحصيف للأحداث سوى المتابعة والتدقيق في تداعياتها وترابطها .
اقرأ المزيد

اتركوا البرلمان للسلطة! – د.فواز فرحان

الأنظمة السياسية في العالم إما أن تكون دكتاتورية أو أنها ذات طابع ديمقراطي دستوري… ولن أتطرق للأنظمة الدكتاتورية لأن مستقبلها أسود كأفعال رموزها؛ ومصيرها آيل للسقوط على أيدي شعوبها… فالحديث هنا عن الأنظمة ذات الطابع الديمقراطي الدستوري والتي تنقسم إلى أنظمة أقرب لأن تكون مكتملة الديمقراطية وأنظمة شبه ديمقراطية، ففي ظل الأنظمة الأقرب لأن تكون مكتملة الديمقراطية (والتي تكون إما رئاسية كأميركا، أو برلمانية كبريطانيا، أو تجمع بين الإثنين معاً كفرنسا) تكاد آليات الإصلاح والتغيير أن تنحصر في تشكيل رأي عام حول القضايا التي تهم المجتمع لينعكس ذلك على تشكيلة البرلمان من خلال انتخابات حرة ونزيهة، بينما في ظل الأنظمة شبه الديمقراطية فقد تكون آليات الإصلاح والتغيير من خلال الانتخابات والبرلمان في حال قابلية هذه الأنظمة لتطوير نفسها باتجاه استكمال الديمقراطية في ظل توازنات القوى المؤثرة في الساحة السياسية وقد تكون كذلك من خلال الشارع والنضال الجماهيري إذا كانت توازنات القوى السياسية معرقلة للتطور الديمقراطي.


في الكويت نظامنا السياسي نظام شبه ديمقراطي يتأرجح النظام الدستوري فيه بين النظامين الرئاسي والبرلماني، فلا هو حَسَم الاتجاه نحو أحدهما ولا هو جمع بينهما كما في بعض الدول الأقرب لأن تكون مكتملة الديمقراطية، وفي ظل وجود أسرة لها إمارة الدولة بشكل وراثي فإن خط تطورنا الديمقراطي الطبيعي من المفترض أن يسير باتجاه النظام البرلماني في ظل الإمارة الدستورية، وعندما وضع (دستور الحد الأدنى) كنتيجة طبيعية لنضالات شعبنا التي قادتها قوى وطنية مستنيرة وظروف محلية وإقليمية ودولية كان من الطبيعي استخدامه من قبل هذه القوى الوطنية كخط بداية لمسيرة الإصلاح والتغيير، وظلت هذه القوى الوطنية تناضل في ظل الهامش الديمقراطي المتاح والمحدود على أمل تطوير الدستور ليتطور معه نظامنا ديمقراطياً، إلا أن هذه النضالات اصطدمت بعبث السلطة بهذا الدستور من خلال تزوير انتخابات عام ١٩٦٧، والإنقلاب الأول على الدستور في عام ١٩٧٦، وتقسيم الدوائر تقسيماً فئوياً وطائفياً وقبلياً ومناطقياً في عام ١٩٨٠، والإنقلاب الثاني على الدستور في عام ١٩٨٦ وابتداع ما يسمى بالمجلس الوطني في عام ١٩٩٠، وكذلك من خلال الفساد والإفساد السياسي (مادياً ومعنوياً) واعتماد الواسطة والمحسوبية ودوس السلطة على القوانين ضاربة بعرض الحائط مباديء سيادة القانون والعدالة الاجتماعية، فبدأت تتشكل شيئاً فشيئاً القناعة بعدم جدوى الإصلاح والتغيير من خلال هذا الوضع الدستوري المشوّه والاستسلام لقواعد وشروط السلطة لتحقيق الإصلاح والتغيير المنشودين.


وفي السنوات الأربع الأخيرة اتجه الحراك الشعبي للنضال من خلال الشارع ونجح في الوصول إلى بعض مطالباته وفشل في الوصول إلى أخرى، في ظل قناعة تتزايد يوماً بعد يوم وسنة تلو أخرى بأن العمل من خلال الوضع الدستوري المشوّه ليس إلا مجاراةً لعبث السلطة إن لم يكن مشاركة لها فيه… وبعد حكم المحكمة الدستورية الأخير ارتفعت الأصوات مناديةً بمقاطعة (مسرحية الانتخابات والبرلمان) لأنها ليست إلا تعطيلاً للتطور الديمقراطي الحقيقي والمستحق.


ولئن كانت السلطة دائماً ما تحمّل نواب الأمة المعارضين أسباب عرقلة تنمية البلد وتطوره واتجاه الأوضاع إلى انهيار مؤسسات الدولة، فإنه في ظل كل هذه المعطيات بات مستحقاً ترك السلطة (تشبع) بمقاعد البرلمان حتى يصفو لها الجو لتحقيق التنمية والتطوير، فالمؤزمون الآن خارج البرلمان ولا عذر (نظري) للسلطة إن لم تنم البلد وتطوّره، وهذا الخيار (أتوقع) سيكون المسمار الأخير في نعش عبث السلطة لأن الناس وخصوصاً المشاركين منهم في الانتخابات القادمة ستتعرى أمامهم السلطة وتنكشف ليروا بأم أعينهم مكمن الخلل ومصدر الأزمات وسيصلون حتماً إلى القناعة التي وصلنا لها منذ سنوات والتي تحمّل السلطة كل ما نحن فيه من تراجع وتدهور وفساد وسوء إدارة، فاتركوا السلطة تنفرد في إحكام قبضتها على المؤسسة البرلمانية لتروا كيف ستتصاعد موجة الرفض الشعبي لكل ما يحدث ولتشهدوا نزول فئات شعبية أخرى إلى الشارع لم تشارك أصلاً في الحراك الشعبي الحالي… بعد أن يزول الوهم وتتضح حقيقة الأمر.


——-
*عضو التيار التقدمي الكويتي.
اقرأ المزيد

أين أصوات الإعتدال الديني؟

بات الواحد منا خلال ساعات اليوم الأربع والعشرين عرضة لجرعات فوق طاقته على التحمل من الغلواء المذهبية، ودعوات التحريض والتكفير والفرقة وبث الكراهية والبغضاء التي تأتيه من مصادر شتى وعبر جميع وسائل الاتصال المتاحة.


فإن نجوت بنفسك من مشاهدة محطة فضائية تحرض على الفتنة، وتحث على الاقتتال بين المسلمين، وتنال من الناس في أشخاصهم وأعراضهم بما لايقبله ذوق سليم ولا فطرة سوية ولا تشريع ينظم العلاقات بين الأفراد والمجموعات، وإن تحاشيت، متعمداً واعياً، قراءة مقالات تشي عناوينها وأسماء من يُسود سطورها، بأنها تصب في طاحونة الشحن البغيض، ستداهمك رسائل التحريض ذاتها عبر «برود كاست»، من هنا أو هناك، على هاتفك النقال، أو تغريدات مسمومة على «توتير» أو سواها من وسائط، للدرجة التي تجعلك، في لحظات غضبك من هذا كله، أن تلعن هذه الوسائط ، لا لعلة فيها، وإنما في الأشرار الذين حولوها أدوات لتحريض أبناء أمة الاسلام على أن يكرهوا بعضهم بعضاً، ويشدوا الأصابع على الزناد تمهيداً لأن يجهز الواحد منهم على الآخر، اخيه في الدين واللغة والثقافة والتاريخ والأرض الواحدة.


وأعرف أشخاصاً ممن فقدوا صبرهم على تحمل تلقي هذا النوع من الرسائل، فأعلنوا عن انسحابهم من مجموعات اليكترونية، تصلهم عبرها مثل هذه الخطابات على نحو ما فعلت رئيسة جمعية الاجتماعيين الدكتورة هدى المحمود التي أعلنت انسحابها من إحدى المجموعات التي تضم نخبة من السياسيين والنواب وقادة الجمعيات السياسية والكتاب، ممن يفترض فيهم الترفع عن خوض سجالات تفوح منها الرائحة المذهبية، لكنهم، رغم ذلك، لم ينجوا من هذا الوباء المدمر الذي يجتاح مجتمعنا الصغير كما يجتاح عالمنا العربي والإسلامي كله. 


قرأت لأستاذ تونسي، هو رئيس الرابطة التونسية للتسامح صلاح الدين المصري؛ قولاً في ندوة نظمت في تونس منذ نحو عام يصف فيها التسامح مدخلا أساسيا لترسيخ حالة الحوار والنقد وتبادل الاعتراف بين الجميع ونشر ثقافة الاختلاف كما أننا نستلهم قيمة التسامح من التراث الإنساني والبشري ومن تراث الحضارة الإسلامية التي تجسد التسامح مع روح العفو والاعتراف بالآخر في سيرة الرسول، محذراَ من تحول الانتماءات الفرعية إلى انتماء أصلي يطغى على الانتماء الوطني وحتى يكون الانتماء منفتحا معتدلا وليس منغلقا متشددا. 


في مثل هذا الجو المحتقن، المسموم، الموبوء، المعبأ بالهواء الفاسد، والخالي من «اوكسجين» التسامح، يبرز سؤال موجع عن دور ومكانة دعاة هذا التسامح والإعتدال الديني ممن حباهم الله حسن البصيرة وبعد النظر ورجاحة العقل. أين هؤلاء؟، أين ذهبوا؟، أين تواروا؟، كيف سمحوا لأقزام الفتنة أن تطغى على قاماتهم التي عرفت بأنها رموز للاعتدال والحكمة والغيرة على مصالح البلاد والعباد؟


كيف حدث أن أخليت المنابر الدينية، وغير الدينية، لأشباه الفقهاء وأنصاف المتعلمين والجهلة الغرباء عن تاريخ وحاضر دينهم وثقافة مجتمعاتهم بأن يتصدروا المشهد، ويملأوا الفضاء بفحيح وسموم الأفاعي القاتلة التي تدفع الشبان نحو التهلكة ومصائر الأوطان نحو الفتنة والخراب؟ وأين أولي الأمر من هؤلاء، أيرضيهم أن تنزلق الأمور هذا المنزلق الخطر الذي ليس بعده، سوى السديم.


اقرأ المزيد

الإبداع الفلسطيني



في الأسطورة القديمة فإن “يولسيس” الذي شغف بالإبحار والتجوال، كان يهرب دائماً إلى المكان الذي يستطيع أن يغرز فيه قدميه، ويقول، هذا ترابي، وحين كان في أمسّ الحاجة إلى الراحة من عناء البحر ومشقات السفر خيرته الفاتنة “كاليسو” بالبقاء في جزيرة الخلود حيث تقيم، خالداً كالآلهة، وبين العودة بشراً فانياً على أرضه التي انطلق منها أول مرة، فاختار العودة إلى أرضه رافضاً الخلود .


ثمة أسطورة أخرى، حية من لحم ودم ودموع، هي أسطورة الشعب الفلسطيني الذي لم يبحر على طريقة “يولسيس” بإرادته، إنما اقتلع من “أرض رباها باليدين”، ليفرض عليه أن يهيم في أراضي الدنيا، ولكنه في واحدة من مآثر العصر برهن على تمسكه بأرضه، فجعل من حجارتها سلاح مقاومة للغاصب في سابقة لم يعرف لها التاريخ، فوهب الحجر السر والسحر والقوة وعبّأه بالنشيد .


بالرغم من هول المأساة الفلسطينية وتهجير الجزء الأكبر من الفلسطينيين عن أراضيهم، فقد اجترح هذا الشعب ملاحم عدة: ملحمة التمسك بالأرض والبقاء عليها رغم عسف المحتل، سواء كان ذلك في أراضي 1948 أو ،1967 أو في التصميم على العودة والنضال في سبيلها لمن رحلوا عن أرضهم، وفي الإبقاء على قضيتهم حاضرة ومؤرقة للضمير الإنساني طوال عقود، وفي هذا انخرطت أجيال ممن ولدوا في الشتات ولم يروا من فلسطين حتى شبراً، ثم هناك ملحمة الإبداع الفلسطيني في الأدب والشعر والفكر الذي قدم للعرب وللعالم قامات كبرى لن تنسى .


هل يمكن تخيل خريطة الرواية العربية الحديثة من دون “سداسية الأيام الستة” و”الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل” لإميل حبيبي، أو من دون “رجال في الشمس” و”عائد إلى حيفا” لغسان كنفاني، أو تصور المنجز الشعري العربي الحديث من دون قصائد أبي سلمى وفدوى طوقان ومحمود درويش وسميح القاسم؟ أو هل يستقيم الحديث عن الفكر العربي الراهن من دون الوقوف على “استشراق” إدوارد سعيد و”البنية البطركية” لهشام شرابي؟


ليست مجرد بصمة هي ما تركه ويتركه المبدعون الفلسطينيون في المنجز الإبداعي العربي . إن مساهماتهم تعد وتداً أساسياً من أوتاد خيمة هذا الإبداع، من دونه لا تستقيم، وهذه مجرد تداعيات خطرت في البال من وحي تألق الموهبة الغنائية الفلسطينية الشابة والمبهرة محمد عساف في برنامج “آراب أيدول” وتؤكد موهبته، من جديد، أن الشعب الفلسطيني، رغم المحنة، متمسك بحب الحياة .
اقرأ المزيد

بصراحة: الطائفية عدو الشعوب

بعد اخراج المقاتلين من مدينة القصير في سوريا ، ازداد الشحن الطائفي في
البلدان العربية عما كان عليه في السابق ، وأصدر العديد من ( رجال الدين )
العرب فتاوي تدعو للجهاد في سوريا لإراقة مزيد من الدماء فيها ، ليقتل
الشعب السوري وتحترق سوريا اولاً ، وبعدها بلدانهم بنيران الفتن الطائفية
والمذهبية والعرقية ، هؤلاء ( رجال الدين ) الذين أغلبهم صمتوا  دهراً
ونطقوا كفراً. فيما يخص شعوبهم وبلدانهم من قضايا ومطالب،  وعن انتهاكات
الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني الشقيق المستمرة منذ 65 عاماً  ،عندما
نؤكد على حق الشعب السوري في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وهو الذي
يرفض سياسة الاستبداد والدكتاتورية من قبل النظام ، بالتأكيد يدين الأفعال
البشعة بدبح ونحر السوريين من قبل المقاتلين سواء من المعارضة السورية أو
المقاتلين الاجانب الذين قدموا إلى سوريا من كل أصقاع العالم ليؤججوا
الصراع القائم والقتال الدائر  في سوريا بارتكاب أشنع الجرائم والفضائع
المروعة بحق الشعب السوري ، من المخزي بأن تساهم بعض دول الخليج في إراقة
الدماء السورية من خلال تدفق الأموال الطائلة لتلك المجموعات المذهبية
لتعمق من معاناة الشعب السوري  و اًذكاء نيران الطائفية  البغيضة فيها، بدل
من تساهم في إيجاد الحل السلمي للأزمة والذي هو الخيار الأمثل للتسوية
السياسية في سوريا ومن أجل حقن الدم السوري وإنهاء معاناة الشعب وإعادة
بناء سوريا الحديثة الديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والفكرية في
ظل أجواء من الحريات العامة والخاصة ، حرية الرأي والتعبير واحترام حقوق
الإنسان والأقليات والأديان والمذاهب ، وتشكيل الاحزاب السياسية والنقابات
المهنية والعمالية ومنظمات المجتمع المدني بعيداً عن هيمنة الدولة وأجهزتها
. أن المهمة الماثلة إمام معشر الكتاب والمثقفين الديمقراطيين والتقدميين
في البلدان العربية  كبيرة ، تتمثل في الدفاع عن القيم الحضارية والإنسانية
والحفاظ على المكاسب الديمقراطية والاجتماعية والثقافية التي تحققت في
البدان العربية منذ عقود من السنين بفضل الرواد الأوائل من المفكرين
والمبدعين ، والوقوف بقوة وشجاعة إمام الارتداد والهجمة الشرسة التي تشن من
قبل أطراف دينية متشددة عديدة في أكثر من بلد عربي ضد الإنسان والعقل
والثقافة والفكر ، تريد تلك القوى تكريس الجهل والتخلف والفرفة والطائفية 
في مجتمعاتنا ، وحرف الصراع الطبقي والسياسي عن مجراه الصحيح بين المعارضة
والسلطة ، إلى صراع بين الطوائف والمذاهب هذا ما تريده  الأنظمة
الاستبدادية والرجعية في الخليج والبلدان العربية ، يتناغم هذا مع
الاستراتيجية الامريكية وخططها ومصالحها في المنطقة ، لا يهمها قيام 
الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان في
البلدان الخليجية والعربية ، طالما مصالحها لم تتعرض للخطر ، فهي تحافظ على
التحالف الاستراتيجي مع الأنظمة الخليجية الحاكمة .
اقرأ المزيد

صناع التغيير صاروا ضحاياه



انطلق الرهان على الجيل العربي الشاب كرافعة للتغيير المنشود من الميزات المتاحة لهذا الجيل بفضل القفزة الهائلة في وسائل الاتصال وانسيابية المعلومات، بالمقارنة بما كانت عليه حال الأجيال السابقة .


وعبر مدونات الشباب ومواقعهم الحوارية غدت الإنترنت وسيلة لتشكيل رأيٍ عام حول القضايا الساخنة في المجتمع، لا مجرد شاشة لتبادل الخواطر الوجدانية التي يُنفس من خلالها الشباب عما يتعرضون له من كبت مُحبط . تلك المدونات تُظهر الأشكال الجديدة للتعبير للشبان والشابات، وتُرينا أن الحياة تدب في مسارات أخرى غير مألوفة وغير مطروقة بالنسبة لأبناء الأجيال الأكبر .


وإذا ما أخذنا في الحسبان حقيقة أن التركيبة السكانية في بلداننا هي في أغلبها تركيبة شابة، من حيث غلبة الشبان على سواهم ممن هم في المراحل العمرية الأخرى، وبسبب التطورات المذهلة في المعارف والعلوم وتأثيرات وسائل الإعلام والاتصال، وجدنا الشباب هم من أطلق موجة التغييرات العاصفة في العالم العربي، ورأينا أن الاحتفاء بهذه التغييرات مال إلى تمجيد الشباب، بوصفهم القوة المحركة الرئيسة للأحداث لحظة اندلاعها .


لكن ما إن انجلت العاصفة التي أسقطت أنظمة وبدّلت زعماء بآخرين، حتى اتضح أن ثمرة التغييرات قطفها الكبار من القوى السياسية الأفضل تنظيماً وجاهزية التي تملك من وسائل التأثير والتجيير ما لا تملكه الحركات الشبابية الغضة التي تحلّقت حول مواقع “فيس بوك” و”تويتر” وسواهما، تُرسل منها رسائل الاحتجاج والغضب، بأسماء معروفة حيناً، وأسماء مُستعارة مبهمة في أغلب الأحيان، وحين جرت إعادة ترتيب وتأثيث المشهد السياسي، اكتشف هؤلاء الشبان أن لا مكان فعلياً لهم في هذا الترتيب، فبدوا كما كانوا قبل التغييرات مجرد قوة افتراضية .


“فيس بوك” و”تويتر” وسواهما من وسائل الاتصال الجماهيرية واسعة الانتشار لا يمكن أن تخلق ثورة لم تنضج ظروفها الاجتماعية بعد، ولا يتوافر لها ميزان قوى مجتمعي قادر على إنجاحها، كما أن دعوات التغيير ووسائله لا تنبت، ولم تنبت في صحراء جرداء، وإنما في مجتمعات تملك تقاليد سياسية ونضالية، منها انطلق أبناء اليوم وعليها بنوا .


ويبدو باعثاً على الخيبة أن الشباب ممن كانوا وقود التغيير، وحتى قادته، باتوا ضحاياه عندما آل الأمر إلى قوى لا تمتلك لا رؤية ولا برنامجاً للتنمية التي تستوعب طاقاتهم، وتحقق لهم الأهداف التي من أجلها ثاروا .
اقرأ المزيد

لا خير فينا إن لم نقلها… – د. حمد الأنصاري



لقد هُزِمنا .. نعم هُزِمنا .. ومَنْ لا يعترف بالهزيمة لا يمكن أن يحقق النجاح، فرغم المكاسب الكثيرة التي حققها الحراك والمتمثلة بإقالة رئيس الوزراء السابق وارتفاع نسبة الوعي لدى الجماهير إلا أننا لم نتمكن من تحقيق أي مطلب من مطالبنا … فلم تتم محاسبة الفاسد ولا المفسد ولم نتمكن من إقرار قوانين الإصلاح السياسي، وجاءت اكبر هزائمنا برفض المحكمة الدستورية للطعن المقدم ضد مرسوم قانون الصوت الواحد!
أسباب الهزيمة كثيرة ولكن أهمها هي الأسباب “الذاتية” والتي يمكن إصلاحها عادة ومن اجل إصلاحها علينا أولا أن نعترف بها.


لقد استؤنف الحراك الجماهيري بعد الغزو في العام 2006 بحركة “نبيها خمس” والتي لم تطالب بأكثر من تعديل الدوائر الانتخابية من أجل الإصلاح، ورغم قناعتي بأنّ الإصلاح لا يمكن أن يتم بتعديل الدوائر “فقط”  إلا أن الحركة لاقت إقبالاً كبيراً وحققت مطلبها الوحيد فكانت نتيجتها الحد من ظاهرة شراء الأصوات ولكنها زادت الاصطفاف القبلي والطائفي، فتلك الدائرة محسومة للطائفة الفلانية وهذه حسمتها الفرعية للقبيلة الفلانية … فلا طبنا ولا غدا الشر!


وجاءت بعدها حركة “ارحل نستحق الأفضل” من أجل الإصلاح وهنا ازداد الحراك جماهيرية وخصوصاً بعد فضيحة الإيداعات والتحويلات المليونية ولكني أيضاً لم أكن مقتنعا بأنّ الإصلاح سيأتي بمجرد تغيير الأشخاص، فالعلة ليست شخصاً… إنها نهج وعقلية وأطراف تريد السيطرة على جميع السلطات بالبلد والاستئثار بثرواته لها وحدها فقط دون حسيب أو رقيب … ورغم هذه القناعة جاملنا وجامل الكثيرون من أجل وحدة الصف ومحاسبة الفاسد ولقناعة بأنّ التراكم الكمي سيؤدي في النهاية إلى تغيير نوعي.


لقد وضعنا أيدينا بأيدي مَنْ يخالفنا فكراً وتعاونّا من أجل القضية الأكبر وحقق الحراك وقتها مكسبه الوحيد بإقالة رئيس الحكومة وتغييره وحل مجلس القبيضة!


واستمرت جهود الشباب الصادق فانتخبوا أغلبية تاريخية في مجلس فبراير 2012 وأملنا فيهم خيراً بتحقيق مطالب الإصلاح “النوعية” بعد أن تم تحقيق المطلب المرحلي بإقالة رئيس الحكومة، ولكن الأغلبية النيابية كانت أغلبية هلامية مفككة بلا لون ولا طعم ولا رائحة .,. تلك الأغلبية كان بإمكانها أن تحقق مكاسب تاريخية للشعب الكويتي لو أنها “ركزت” على مطالب الإصلاح السياسي،  ولكنها فشلت منذ أول يوم بعد إعلان النتائج وشتت جهودها، وأضاعت طريقها بتبنيها مطالب لم تكن ضمن برنامج  الإصلاح المنشود، فبدأ أعضاء الأغلبية فيما بينهم بالمساومة من أجل تنقيح المادة الثانية من الدستور ثم جاءت الاقتراحات السخيفة والمتهورة مثل هدم الكنائس أو الإلزام بارتداء الزي المحتشم والحجاب، وأخيراً اقتراح تنقيح المادة 79 من الدستور في شأن توافق القوانين مع الشريعة، ورغم وجود أقلية “ضمن الأغلبية” صادقة في تبينها مطالب الإصلاح قدمت مقترحات الإصلاح السياسي مثل قانون إشهار الهيئات السياسية وغيره إلا أن أكثرية “الأغلبية” كانت تغرد خارج السرب!


ورغم تصدي بعض القوى الوطنية وبعض الحركات الشبابية لتلك الاقتراحات الدخيلة على مطالب الحراك إلا أن هؤلاء النواب استمروا في غيّهم  ولم يعيروا مطالب الإصلاح أي أهمية!


وبعد إبطال مجلس فبراير 2012 تداعت القوى الشبابية و السياسية المعارضة مرة أخرى موحدة جهودها متناسية رعونة بعض نواب الأغلبية فجاءت حركة مسيرة “كرامة وطن” الرائعة والتاريخية الرافضة لمرسوم الصوت الواحد وأعقبتها المقاطعة التاريخية لانتخابات ديسمبر 2012 التي أبرزت حجم الرفض الشعبي لمجلس الصوت الواحد… ولكن ماذا بعد المقاطعة؟


بدأت الغيرة تشتعل في أفئدة بعض النواب السابقين الذين تعودوا أن يكونوا في الواجهة فحسبتهم انتخابية بحته وآخر همهم مطالب الإصلاح السياسي … والدليل اقتراحاتهم في مجلس “الأغلبية” وتضييعهم لجهود الشباب وبقية القوى السياسية، فبدأ الحراك يتفكك، وبدأت نسبة المشاركة في المسيرات تقل الواحدة تلو الأخرى، وبدأنا نرى أكثر من جبهة معارضة داخل الحراك، وكل جبهة لها مؤيدوها المعارضون للجبهة الأخرى وضاعت الحسبة!


وكان الأمل الأخير هو أن تحكم المحكمة الدستورية ببطلان مرسوم قانون الصوت الواحد فبدأ بعضهم فعلاً بالتجهيز لخوض الانتخابات ووضع الخطط لجذب الناخبين نحوه ,.. ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه…


ورغم احترامنا لقرار المحكمة الدستورية إلا أن موقفنا من المرسوم بقانون هو موقف سياسي وليس قانونياً، فلو قبلنا بمرسوم قانون الصوت الواحد “فقط” لأنّ المحكمة أعطته الصفة القانونية فمن باب أولى أن نقبل بسجن الشباب المغردين و الحكم الأولي على النائب السابق مسلم البراك وغيره من النواب والشباب!


خلال الفترة السابقة  تحملنا وجاملنا كثيراً من أجل وحدة الصف وأملاً بتحقيق مطالب الإصلاح السياسي وحتى لا نكون سبباً في تشتيت الجهد، أما الآن وبعد حكم المحكمة الدستورية برفض الطعن بمرسوم قانون الصوت الواحد فلا مجال للمجاملة ولا مجال للتهاون مع المتسلقين والمتكسبين… فالهزيمة كانت ثقيلة.


الآن وبعد أن تأكد للجميع أنّ الأفق البرلماني مسدود، ولا مجال للإصلاح عن طريقه، فأنه لا يوجد أمامنا غير طريق الحراك الجماهيري أو كما أفضل أن أسميه طريق “النضال الجماهيري”، وحتى ينجح هذا الحراك علينا أولاً إن نعرف ماذا نريد؟… فنكتب مطالبنا بكل وضوح وبأدق التفاصيل حتى لا يكون هناك أي شك أو لبس عند أي طرف … ثم علينا بعد ذلك وضع خريطة طريق للوصول لتلك المطالب تتفق عليها جميع الأطراف والقوى السياسية المعنية بالإصلاح الديمقراطي… أما مَنْ لديه موقف رمادي فلسنا بحاجته و”ما يشوف شر” وبكل تأكيد سيأتي مَنْ يشغل الفراغ الذي سيتركه بعد رحيله، فمن غير المعقول أن يأتي طرف بعد كل ما عانيناه في الفترة السابقة وبعد الهزيمة الكبيرة والإحباط الشديد لدى الشباب ليتكسب باسم الدين ويشتت القوى أكثر ما هي مشتتة فيقول نريد دستوراً جديداً بشرعية إسلامية، بينما الشعب يتطلع إلى الإصلاح الديمقراطي من أجل الحرية والكرامة ومحاربة قوى الفساد والاستبداد والنهوض بالبلاد.
________________
* عضو التيار التقدمي الكويتي.
اقرأ المزيد

الزمن الطائفي



مَن كان يُصدق أن تندفع مجتمعات قطعت هذا الشوط من التمدن والتحضر والتثقف، هذا الاندفاع العبثي المجنون نحو التخندق الطائفي، الذي أصبح فتنة تعاش وتمارس في غير بلد عربي، وحمى الله بقية الأوطان من شرورها التي لن تبقي ولن تذر؟


كيف حدث في وهلة أن تنكرنا لميراث العيش المشترك والأفكار الجامعة الموحدة، ليعود الناس، إلى ما كانوا عليه، قبل ذلك، مجموعات مذهبية منغلقة على نفسها، ترى في المجموعات الأخرى التي تشاطرها الأرض والتاريخ والعيش خصماً لدوداً؟ وكيف أفلحت قوى الشر، في الداخل والخارج، في تحويل مشاريع التغيير التي نذرت أجيال من أبناء هذه الأمة حياتها من أجله، إلى مشاريع للتعصب والكراهية، واستعادة صراعات وخلافات موغلة في القدم، مضت عليها قرون مديدة لتصبح راية للخلافات الراهنة، وليضيع مشروع المستقبل، ويصبح سجالنا في الماضي، الذي قررنا العودة إليه القهقرى؟


حتى حين من الزمن كانت القوى التي أفرزها المجتمع الحديث، من طبقة عاملة صناعية واعية لارتباطها بأكثر وسائل الإنتاج الحديث، ومن طبقة وسطى مدينية متعلمة متشربة بقيم التنوير والتقدم هي وازن المجتمعات العربية في النأي عن الاستقطابات المذهبية وغيرها من ضروب الاصطفاف القديم، لكن الصناعة خربت بتدمير القطاع العام وبيعه وتفكيكه عبر الخصخصة وسواها، وتحولت البلدان إلى “سوبر ماركت” كبير، فيما جرى تشتيت الطبقة الوسطى، بانحدار قطاعات واسعة منها نحو الإفقار، وصعود شريحة محدودة، هي الأكثر طفيلية ودهاء، إلى ذرى الثراء .


وكان المؤمل أن تحتفظ طلائع هذه القوى المنظمة، من أحزاب سياسية ونقابات عمالية ومهنية ومؤسسات للمجتمع المدني، بطابعها العابر للطوائف والمذاهب، فإذا بها، هي الأخرى، تنقسم على نفسها، تبعاً للولاءات التقليدية، وليغدو الفكر الحديث أداة لتبرير الانحيازات الطائفية والمذهبية والعرقية وتسويغها، بدلاً من إعمال منهج النقد والتحليل العلمي لتشخيص الأخطاء وبما يعيد لهذه القوى دورها الوازن .


ما يجري اليوم من تردٍ في الوعي، ومن انفلات للغرائز المذهبية والطائفية، على غير صعيد، يجعل مهمة اولئك الذين ما زالت حية، في قلوبهم وأدمغتهم وضمائرهم، جذوة الوعي التقدمي والوطني مهمة في غاية التعقيد والصعوبة، ومع ذلك فإن الأنظار لا يمكن إلا أن تتوجه نحوهم، علهم يقتدون بأسلافهم ممن امتلكوا الشجاعة في إضاءة شمعة وسط ظلام حالك، في أزمنة
اقرأ المزيد

“الاستثناء” أكد القاعدة



حتى حين، ليس ببعيد، جرى النظر إلى تجربة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، بوصفها نموذجاً مختلفاً عن تطور “الحالات” الإسلامية في البلدان الأخرى، ليس فقط لأن القائمين على هذه التجربة  أظهروا مرونة في التكيف مع المستجدات الدولية والإقليمية، ومع خصائص وسمات الوضع الداخلي التركي الذي عبر مساراً معقداً من دولة الخلافة الإسلامية إلى علمانية أتاتورك التي تمحورت حول دور مركزي للدولة ظل منفصلاً في بعض حالاته عن حراك المجتمع المدني وفاعليته، رغم أن النموذج التركي في تحولات “الحالة الإسلامية” مازال في حالة صيرورة حتى يستقر على حال من الثبات النسبي تجعله صالحاً للقياس .


أريد لهذا النموذج أن يقدم سعياً لاجتراح حداثة بديلة، كما يعبر عن ذلك محرر كتاب “عولمات كثيرة” بيرغر وهو يقيم مقارنات بين انعكاسات آليات العولمة أو أشكال تجليها المتناقضة أحياناً، بين بلد وآخر، فلم يرفض الإسلاميون الأتراك الحداثة كما تفعل حركة “طالبان” أو على نحو ما يدعو إليه بعض غلاة المحافظين في الجمهورية الإسلامية في إيران .


صدّر الإسلاميون الأتراك خطاباً بدا مقنعاً للكثيرين، يعكس حاجات تركيا لا في علاقتها مع محيطها: أوروبا من جهة والعالم الإسلامي من جهة أخرى، وإنما عبر التصالح مع التاريخ التركي  بكامله، في خلفيته الإسلامية الراسخة وفي برنامج التحديث الذي قاده أتاتورك، فلم يتحدثوا عن الأتاتوركية كعنصر دخيل أو منبتّ الصلة عن جذور تركيا وحاجاتها في تاريخها القريب وفي راهنها أيضاً .


“الاستثناء” التركي عاد فأكد القاعدة، وأظهر أن الطبع يغلب التطبع في اللحظة الفارقة الحاسمة، ففي بلد يحتكم إلى الآليات الديمقراطية، وتحكمه حكومة منتخبة، كانت أمام رجب طيب أردوغان خيارات مختلفة في التعاطي مع الأزمة الأخيرة، غير إرسال قوات الأمن لتفريق المحتجين في ساحة “تقسيم” بالقوة، وأكثر من مرة، وبالإصرار على المضي في مشروع إزالة حديقة وإقامة مشروع تجاري محلها، وهو من حيث الطبيعة، مشروع بلدي يجب أن تتكفل به بلدية اسطنبول، لا أن يعتبره رئيس الحكومة قضية مصيرية بالنسبة له، مهدداً ومتوعداً المحتجين بالويل والثبور .


ربما “ينجح” أردوغان في كبح الحراك الشعبي واحتوائه، لكنه بالتأكيد فشل في الأمر الأساسي موضع الرهان، وهو البرهنة على قدرة حزبه على احترام الآليات الديمقراطية في الحكم، وقبول التعددية الاجتماعية والثقافية والسياسية في المجتمع .
اقرأ المزيد