المنشور

حسن مدن: مواقع الاستبداد وخبرته أفشلت “الربيع العربي”





حسن مدن: مواقع الاستبداد وخبرته أفشلت “الربيع العربي”

2016-03-28


| مقابلة أجراها – حكيم عنكر



يعتبر المفكر والكاتب البحريني الدكتور حسن مدن، من أهم وجوه
الثقافة البحرينية والخليجية، الأكثر نشاطا وحضورا في المشهدين الثقافي
والإعلامي. يكتب وجهة نظره في الصحافة البحرينية  والخليجية، ويعلق على
الأحداث السياسية والاجتماعية بعمق، يجعله يتحرك ضمن مشغل الفكر اليومي.

صدر له مؤخرا “الكتابة بحبر أسود”، وفي هذا الحوار يتحدث لـ
“العربي الجديد” عن أهم الإشكالات التي تسم اللحظة العربية الراهنة بكافة
تعقيداتها ودور المثقف العربي و”الربيع” ومآلاته والاستبداد ونهاياته.

منذ أكثر من
ثلاثين سنة، واسمك حاضر في الصحافة البحرينية والعربية، كتابة وإبداعا
وتفكيرا كأحد أهم الأسماء في الخليج العربي، كيف تقيم هذا المسار في ظل
المتغيرات التي حصلت في منطقة الخليج والعالم العربي؟

حين
أقارن بين وضعنا الراهن ومرحلة الشباب المليئة بالآمال والوعود التي
أسرتنا، أجد أن الأمور في تراجع، لا بالقياس لهاته الآمال وحدها، وإنما
بالقياس لما كان عليه الوضع يومها. لكن هذا لا يحملني، ولو لوهلة، على
الندم تجاه خياراتي الأساسية في الحياة، فكراً وسلوكاً. أعتقد أن ما دعونا
وندعو اليه وعملنا وما زلنا في سبيله، يظل هو خريطة الطريق الصحيحة التي
ستأخذ ببلداننا نحو أفق أفضل، أفق الحداثة والتقدم الإجتماعي والحرية
الفكرية والعقلية واحترام حقوق الإنسان وصونها، وبناء الدولة المدنية،
النقيضة في جوهرها مع سلطة القبيلة أو رجال الدين أو العسكر.

توصف
بأنك صوت ديمقراطي، نشاطك مشهود في البحرين، وفي كتابك “الكتابة بحبر
أسود” تجمع عصارة تجاربك وأفكارك، وقد أهديت آخر كتبك لجيل الشباب، لماذا
هذا الرهان على الشباب؟

رهاني على الجيل الجديد كبير. هذا
الجيل يمتلك، بفضل ما يشهده العالم اليوم من تطورات علمية ومعرفية، مهارات
لم تتيسر لنا، وطرقه إلى اكتساب المعرفة أيسر من تلك التي قطعناها نحن
عندما كنا في أعمار شبان وشابات اليوم، وعلينا أن نصغي برهافة إلى هواجس
وآمال وتطلعات هذا الجيل. ومع أن “الكتابة بحبرٍ أسود” هو كتاب عن القراءة
والكتابة، لكني وجدت أن الشريحة الأجدر بمخاطبتها عبره هي الشباب، ليقيني
أن القراءة والاطلاع والتأسيس الثقافي والفكري المتين كلها عوامل ستمكن هذا
الجيل من امتلاك المعرفة والبصيرة. في كلمات وجدت في الكتاب حصيلة خبرة
شخصية يمكن للشباب أن يستفيدوا من بعض أوجهها، مع يقيني بأنهم يتفوقون
علينا في أوجهٍ أخرى كما أشرت أعلاه.
نحن إزاء جيل مختلف، ينشأ في ظروف
جديدة مغايرة، ولا مدعاة لأن نصور أنفسنا بأننا كنا أبناء جيل أفضل أكثر
اهتماما بالقضايا الجادة من هذا الجيل. إن الظروف والمعطيات قد تغيرت بصورة
تكاد تكون جذرية، ويجد هذا الجيل نفسه على تماسٍ مع مؤثرات مختلفة عن تلك
التي عرفناها، ويخضع في تفكيره وفي سلوكه لعوامل لم تكن قائمة عندما كانت
أعمارنا في أعمار هؤلاء الشباب .
أكثر من ذلك فإن هذا الجيل يواجه في
العمق قضايا غير مسبوقة تتصل بالهوية الثقافية في زمن طغيان العولمة
الثقافية التي تقدم نموذجها الخاص في الثقافة. وليس بالوسع عزل هذا الجيل
أو فصله عن هذه المؤثرات، بل لعل ذلك ليس مطلوباً، فلكي نواجه قضايا هذا
العصر يجب أن نزج بأنفسنا في أتونه لا أن نهرب منه، بيد أن ذلك يتطلب
مقاربة شجاعة للتحديات التي يطرحها العصر على تفكير الجيل الجديد وسلوكه في
المقام الأول.

تركز في الكثير من
مقالاتك التي تمتح من معرفة سياسية وسوسيولوجية، وأثناء قراءتك للمجريات في
الخليج والعالم العربي، أن الخطر يأتي اليوم من استيقاظ الهويات المحلية
الصغيرة، ألا نعيش اليوم هذا الخطر؟

نعم، فلعل أبرز ملمح
للتطورات السياسية الجارية في عددٍ من البلدان العربية هو انفجار الهويات
الفرعية، وتشظي الدولة الوطنية العربية إلى مجموعات عرقية ومذهبية وطائفية،
بعد أن كان مشروع هذه الدولة بعد الاستقلال هو بناء هاته الدولة الوطنية
التي تدمج في نسيجها الواحد مجموعة هويات تتنازل عن بعض صور تضامنها لتغليب
الانتماء الوطني العام الذي يوحد الكل في بوتقة أو نسيج الوطن الواحد. 
بعض
ما يجري حاليا تعود مسؤوليته بدرجة أساسية إلى الدولة القطرية العربية
ذاتها التي لم تسعَ لإقامة التوازن بين الهويات الفرعية داخلها على قاعدة
المساواة في الحقوق والواجبات، وبلورة هوية وطنية واحدة تكون بمثابة المظلة
التي ينضوي تحتها الجميع، على العكس من ذلك فإن هذه الدولة كثيراً ما سعت
إلى تغليب منظومات من التضامن الفرعي، كبديل للتضامن الكلي أو الجمعي،
مؤسسة على الولاءات، وفي كثير من الحالات لا يدور الحديث عن بناء الوطن
الذي يتساوى أبناؤه في كل شيء، وإنما عن توزيع حصص التمثيل الطائفي
والسياسي، حتى لو تعارضت مع الطموحات الوطنية المشتركة أو العامة.
ما
نحن بصدده اليوم من انفجار مروع للهويات الفرعية، وتشظٍ للهويات الوطنية
الجامعة، يحملنا على إمعان النظر في الحدود الفاصلة بين الاعتراف بحق
الهويات الفرعية، من حيث هي مكونات ثقافية أو دينية أو لغوية، في الاعتراف
بها، وبين أن يؤدي هذا الاعتراف إلى تغول هذه الهويات على بعضها، أو تغول
إحداها، كبراها خاصة، على الهويات الصغرى.
في هذا السياق علينا أيضا ألا
نتجاهل فكرة الهويات الجريحة التي نجد أصحابها مندفعين في ما يشبه الثارات
لأنفسهم من ظلم أو إجحاف أو تمييز لحق بهم، في ردود فعل قد تبلغ حد العنف،
في مجتمعات لم تعتد أن تتعامل مع مكوناتها المختلفة بروح المساواة ومنطق
المواطنة المتكافئة التي تتخطى تفاصيل الانتماءات الفرعية. والتجربة
الإنسانية المديدة تدل على أن أية هوية يتعرض أصحابها للاضطهاد، تستنفر في
داخلها آليات مقاومة عنيدة، تحت ضغط غريزة البقاء. وإن بدا ظاهرياً، وتحت
تأثير القمع، أن هذه الهويات قد انكمشت على نفسها وربما تعرضت للذوبان، فإن
ذلك لن يعدو كونه وهما، فكل ما في الأمر أنها تتحين أقرب فرصة للتعبير عن
نفسها مجددا فتعود بقوة غير معهودة.

هذا
يجرنا إلى الحديث عن دور المثقف العربي في عالم متحول، هل تجد هذا الدور
متحققا، في وقت اختار المثقف العربي الهروب إلى الأمام وعدم مواجهة معضلات
واقع أوطانه المريرة؟

علينا أن نعترف أن المناخ الثقافي
العربي الراهن يشهد ردة إذا ما قورن الحال بما كان عليه في مراحل سابقة،
وتتغلغل في جنبات حياتنا كل مظاهر وقيم السلبية والتخاذل والاغتراب والشعور
العميق بالانكسار، مقابل صعود، لسنا هنا بصدد بحث طبيعته وأسبابه وآفاقه،
لرؤى ومواقف فكرية تغطي الفراغ الذي نشأ بسب الوهن الذي اعترى مشروع النهضة
العربية بروافده وتلاوينه. 
ولكن هذا الاعتراف شيء، والدعوة إلى
العبثية والعدمية واللاجدوى شيء آخر، حتى لو سلمنا بمشروعية القلق الذي
يحفز عليها، حين تُرمى كل الأفكار والأسماء بالفشل، وهذا قد يدفعنا للتساؤل
عن الموقف الواجب اتخاذه تجاه ميراثنا الفكري الذي سيكون من التعسف رميه
بالتحزب أو بالانتماء الأيديولوجي الضيق، فماذا سنفعل بتراث الطهطاوي
والكواكبي وطه حسين وسلامة موسى وغيرهم الكثير؟ 
ولا يمكن أن نغفل أن
بعض “المراجعات” العربية لدور المثقف ليست معزولة السياق عن الدعوات العامة
على صعيد كوني، تبشر بنهاية الثقافة الجادة في ظل سيطرة ثقافة المتعة
والاستهلاك . لكن حتى في الغرب تدعو الفعاليات الثقافية الحقيقية إلى تشكيل
ما تدعوه “جزرا” للثقافة وسط هذا المحيط الاستهلاكي الواسع.
يرى سارتر
أن المثقف هامشي على صعيد الانتاج، فهو ليس عاملاً يدوياً ولا رأسمالياً،
دائرة نفوذه هي “الوعي” الذي لا يعترف بأهميته أحد . وبهذا التوصيف يكون
سارتر قد حدد مواصفات هذا المثقف الذي لا يرتاح لما هو منجز ويضع المسلمات
موضع المساءلة والشك، ولا يقف عند حدود معرفته وتخصصه العلمي ويذهب إلى ما
هو أبعد منها. إنه ضمير لأنه مفعم بالمسؤولية وبالحس الإنساني العالي، وهو
شقي لأنه لا يركن لليقين، ويتميز بالعقل الناقد والقلق، حين تكون الحقيقة
لديه مفتوحة متجددة وليست وثوقيات نهائية.

البحرين،
بلد لإنتاج المعرفة والحركات الثقافية الطليعية في منطقة الخليج العربي،
مع عدد من أسمائها الكبيرة، أما يزال هذا الدور قائما؟

لا
أريد القول إن هذا الدور ضعف، إنما هناك تبدلات في المشهد الثقافي ناشئة
فيما أرى عن تبدل الظروف، فالبيئة التي أطلقت الأسماء الكبيرة في الإبداع
البحريني بين الستينيات والسبعينيات في القرن الماضي حلت معها بيئة أخرى،
مختلفة في الكثير من تفاصيلها وملابساتها وحساسياتها. لكن مسيرة الإبداع لم
تتوقف في البحرين، هناك وجوه وطاقات إبداعية مهمة تقدم منتوجا لافتاً.
وأنا واثق من أن وطننا معطاء، وأنه يختزن الكثير من المواهب والطاقات
الواعدة التي ينتظرها مجد إبداعي. كما أن تقاليد الحركة الثقافية
والإبداعية في البحرين هي من الرسوخ والقوة، بحيث تؤهل هذا الوطن لأن يقدم
عطاءات جديدة منتظرة في مجالات الإبداع المختلفة، خاصة مع ما يتوفر لدينا
من دينامية عالية لمؤسسات المجتمع المدني وحيوية النشاط السياسي الذي لا
تجد له نظيراً، بنفس الاتساع والدرجة، في بقية مناطق الخليج، مع أن الإنصاف
يقتضي القول إن بلدان الخليج العربي الأخرى تشهد تفتح مواهب مهمة في
مجالات الإبداع، لا تقل، إن لم يتفوق بعضها، على مثيلاتها في البحرين. 

انخرطت
بكل عمق في صياغة السؤال الثقافي في المنطقة، ويكاد القارئ يجد خيطا ناظما
في كل ما تكتب: الانتصار للحرية والديمقراطية ومهاجمة التعصب وذيول
التكفير، ما هو ثمن هذه المواقف عليك ككاتب ومثقف خليجي وعربي؟

تحدثتُ
بشيء من الإسهاب في كتابي “ترميم الذاكرة”، وهو بمثابة فصول من سيرتي
الذاتية عن الضريبة التي دفعتها لقاء مواقفي مذ كنت شاباً يافعاً، وهي
ضريبة دفعها كل أبناء وبنات جيلي، وكذلك الجيل الأسبق، ممن سلكوا الدرب
نفسه، بين السجون والمنافي، بل إن بعضهم فقد حياته تحت التعذيب.
في
ظروف اليوم نواجه، ما دعيته مرة في أحد مقالاتي بمحنة القوى المدنية
العربية، التي تجد نفسها أمام استقطاب جديد غير الذي اعتادته في عقود
سابقة، يوم كانت تتصدر النضال في مواجهة الاستبداد ومن أجل بناء مجتمعات
ديمقراطية خالية من الفساد، فإذا بها تجد نفسها قليلة الحيلة أمام استبداد
مزدوج، واحد يمسك بمفاصل السلطة ويذود عن بقائه فيها بكل ما له من مخالب،
ومعارضات تنطلق من مرجعيات مختلفة وببرامج اجتماعية غير عصرية، تهدد منجزات
التنوير العربي التي انتزعت بشق الأنفس.

تؤكد
على أن انحسار الفضاء العمومي يمكن أن تكون له آثار وخيمة في علاقة الدولة
بالمجتمع، لماذا يضيق هذا الفضاء في العالم العربي، وكيف تمكن استعادته
كفضاء للحوار البناء؟

انحسار الفضاء العمومي في العالم
العربي ناجم عن تضخيم دور الحكومات التي بما في أيديها من قوة تقوم باختراق
المجتمع المدني وتحويل مؤسساته إلى تنظيمات تضامنية تعمل كامتداد لأجهزة
الدولة، فيما المجتمع المدني في الأحوال الطبيعية يجب أن يكون مستقلاً
ونابعاً من الإرادة الحرة للأفراد المنخرطين في مؤسساته، ولدينا في البحرين
تجربة غنية في هذا المجال، فجمعيات الأطباء والمهندسين والمحامين وغيرهم
من الفئات، وكذلك المؤسسات المعبرة عن الأدباء والمسرحيين والتشكيليين،
وأيضاً التنظيمات النسائية، فضلاً عن الحركة النقابية إنما أتت أساساً من
قلب المجتمع، ولم تكن الدولة هي من شكلها أو حتى أوعز بتشكيلها، بل إن
بعضها واجهت، وما زالت، صعوبات في الحصول على الإشهار الرسمي، ويتعرض
الكثير منها، اليوم، لمحاولات التطويع ما يهدد طبيعتها المستقلة عن الدولة،
رغم أن الكثير منها بعيد عن الغائية الحزبية.
للتطور الصحي للمجتمعات
ولتنظيم العلاقة الصحية بين الدولة والمجتمع، نحتاج إلى توفر وتوسيع هذا
الفضاء العمومي الذي يشير إليه السؤال، لأنه الأقدر، بحكم استقلاليته، على
إثارة الأسئلة الكبرى وممارسة أدوار مهمة في قضايا التنمية والتحول
الاجتماعي والثقافي، وهو من هذا الموقع، لا يكون، بالضرورة، في موقع
الخصومة مع الدولة، بل إن دوره المستقل مفيد لها حين يكف يدها عن التدخل في
قضايا ليست من اختصاصها، ففي مثل هذا التدخل نزوع نحو الشمولية والإقصاء،
وتجاهل لما في المجتمع من تعددية وتنوع.
للأسف، نرى أنه يجري اليوم
توظيف وسائل الاتصال الحديثة لخدمة أغراض هي على النقيض تماما من الفكرة
التي يراد للفضاء العمومي الحديث أن يلعبها كوسيط بين الدولة وبين المجتمع
المدني، لتتحول إلى محرض على إثارة النزعات المذهبية والعرقية والطائفية،
لا بل وإشاعة منهج التكفير وتحبيذ الإرهاب والتطرف، وتمزيق المجتمعات
وتقويض بنية الدول بدلاً من دمقرطتها وإصلاح أحوالها. 
 في أكثر من مناسبة  تشير إلى أن الفرق بين الشعار والممارسة في العالم العربي شاسع جدا، هل هذا أحد أسباب تخلفنا وفشل مشاريعنا؟
عد
إلى شعارات: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وأنه لن يهدأ للعرب بال حتى
يحرروا فلسطين، وأن فلسطين قضيتنا المركزية، وأنظر ما بلغناه بعد عقود على
هذه الشعارات الرنانة. شبراً واحداً من فلسطين لم يتحرر، بل حتى المساحة
التي كانت متبقية من الأرض الفلسطينية كي تقام عليها الدولة المنشودة، تقضم
يومياً من قبل الاحتلال عبر زنار المستوطنات الزاحف، ما يجعل قيام مثل هذا
الكيان الفلسطيني، حتى ولو في صيغة أقل من الدولة، غير متاح فعلياً.
عد
إلى شعارات التنمية والتطور الاقتصادي، وانظر أين بلغنا من حالات الإفقار
الواسع للشعوب، واتساع الفجوة بين الثراء البذخي الفاحش الناجم عن المال
الحرام الذي تستحوذ عليه حفنة صغيرة من المتنفذين والماسكين بزمام الأمور،
وبين الفقر الذي يزداد اتساعاً ويطاول أوسع الفئات الشعبية، حيث تزداد
الفئات الوسطى تآكلاً واضمحلالا، وتتراجع أداور من يصنفون اليوم في خانتها،
عن الدور التنويري التقدمي الذي اضطلعت به في مراحل مختلفة، إلى الدور
المحافظ المعيق للتقدم.
عد إلى شعارات الحرية والديمقراطية، وانظر إلى
مستويات الاستبداد وتقييد الحريات، لا بل ومصادرتها تماماً في الكثير من
الحالات، حيث تتضخم ترسانة التشريعات الكابحة لها، وتزداد عنفاً وقسوة
التدابير والإجراءات التي يتعرض لها العاملون في مؤسسات المجتمع المدني.
أليست
كل هذه أمثلة على الفجوة الواسعة بين الشعار والممارسة، وهو أمر يطاول حتى
القوى المصنفة في خانة المعارضة أو البديل المفترض، التي ما أكثر ما
تتناقض ممارساتها مع ما تطرحه من شعارات.

لو
طلبت منك أن تحلم، في ظل هذه اللحظة الكابوسية، هل يسعنا أن نرى عالما
عربيا أفضل تتحقق فيه شروط المواطنة الحقة والكرامة والحرية؟

أنا
من المتمسكين بمقولة أنطونيو غرامشي: “تشاؤم العقل، وتفاؤل الإرادة” ،
فنظرة موضوعية على ما نراه اليوم تحملنا بالتأكيد على التشاؤم في أن نرى
مستقبلاً واعداً في الأفق المنظور في غياب المشروع الوطني الخاص بكل دولة
عربية، وغياب المشروع القومي العربي الجامع، وانهيار الدولة الوطنية ذاتها
في بلدان مفصلية، وتعمق الانقسام المذهبي في المجتمعات العربية الذي من
مصلحة اللاعبين الإقليميين تعميقه وتجييره لأهدافهم.
لم يعد أحد يتحدث
عن المشروع القومي العربي الذي تربت عليه أجيال منذ بواكير الفكر النهضوي
العربي، وغابت الروافع الاجتماعية والفكرية والهياكل الحزبية والتنظيمية
الحاملة لهذا المشروع أو توارت، فوجدت القوى السياسية الناشطة، وجُلها تمثل
الإسلام السياسي بكل تلاوينه، ضالتها في التعلق بمشاريع ليست مشاريعها
الخاصة وإنما هي مشاريع لدول أخرى، من مصلحتها أن يظل العالم العربي مجزأ،
ومفككاُ وفاقداً للإرادة السياسية.
والمؤمل أن يكون الظرف الموضوعي
الناشئ اليوم رافعة للقوى والتيارات المدنية والتقدمية التي تقاعست طويلاً
عن أداء دورها، لتذود عن برامجها الاجتماعية في الدفاع عن مصالح شعوبها،
والمعبرة عن شرائح المجتمعات كاملة، بديلاً لبرامج زعماء الطوائف، حيث ينشأ
اليوم جيل عربي جديد منفتح على المعرفة ووسائل الاتصال الحديثة، لكنه محبط
من انسداد الأفق أمامه، يرنو إلى دور هذه القوى المدنية لتأخذ به نحو
المستقبل.
لا يمكن للمنطقة العربية، والخليج العربي جزء منها، أن تبقى
خارج استحقاقات هذا العصر، حيث كل مناطق العالم تحولت نحو البناء
الديمقراطي ونبذ الشمولية، بشكل نبدو معه حالة شاذة في عالم اليوم، ولا مفر
أمامنا من ولوج الاستحقاق الديمقراطي الذي لن يحل مشاكلنا وحده دفعة
واحدة، ولكنه سيتيح الآليات والميكانيزمات الضرورية لمعالجة هذه المشاكل
والتغلب عليها.

مرجل الغضب

على
الرغم من التحفظات الوجيهة التي يمكن أن تثار حول مصطلح “الربيع العربي”،
فإني أرى في الطوفان الذي شهدناه قبل خمسة أعوام في كثير من البلدان
العربية تعبيراً عن توق الشعوب إلى إنهاء الاستبداد والاستغلال والظفر
بالديمقراطية والحرية. فعلياً ما من بلد عربي لم تطاوله موجات ونسائم ذلك
التحرك في بداياته، وكان ذلك رداً على ما بلغته الأوضاع في البلدان العربية
من تردٍ على غير صعيد. ليست مؤامرة أميركية أو صهيونية أو إيرانية أو
تركية هي من أخرجت الجماهير الغاضبة الناقمة على أوضاعها في كل هذه
البلدان، وإنما لأن مرجل الغضب بلغ حد الغليان، رغم أن مسار هذا “الربيع”
سرعان ما انتكس، وبرأيي أن هناك ثلاثة عوامل تضافرت ليحصل ما حصل. أولاً:
متانة مواقع الاستبداد في العالم العربي وخبرتها الطويلة، ثانياً: ضعف
مؤسسات المجتمع المدني الحديثة وضآلة دور القوى الوطنية والتقدمية وهامشية
دورها ما عنى غياب الحاضنة الديمقراطية القادرة على توجيه هذه التحركات في
وجهة وطنية جامعة، وتجنيبها الانزلاق نحو شعارات وممارسات فئوية، ما مكَّن
قوى الإسلام السياسي من الهيمنة على الشارع ومصادرة الانتفاضات، مع أن
القوى الإسلامية في الكثير من الحالات لم تلتحق بالتحركات إلا لاحقاً،
ثالثاً وأخيراً: الدور المشبوه الذي لعبه الغرب ودول الناتو من جهة، والقوى
الإقليميىة صاحبة المصلحة في عسكرة الانتفاضات والدفع بها نحو الحرب
الأهلية من جهة أخرى، سواء بالتوافق فيما بينها، أو بالتواطؤ الضمني.
باختصار:




يشكل
الدكتور حسن مدن مع مجموعة من الكتاب والأدباء رموز نهضة ثقافية في
البحرين، واستطاع مع جيله أن يبصم بقوة في المشهد الثقافي الخليجي والعربي.
……. 
صدر
له مؤخراً كتاب “الكتابة بحبر أسود” ويبسط من خلاله مجمل آرائه في الكتابة
والمجتمع والثقافة والفن والحياة، يعبر عن انخراط الكاتب في الدينامية
التي يعرفها المجتمع في البحرين وفي الخليج والعالم العربي. 
….. 
من
أهم كتبه، يمكن أن نذكر “الثقافة في الخليج، أسئلة برسم المستقبل”،
و”مزالق عالم يتغير” و”لا قمر في بغداد، قبل الحرب- بعد الحرب” و”تنور
الكتابة”، وغيرها من الكتب التي تعكس تنوع انشغالاته وأفقه المعرفي.


ارتبط
حسن مدن بهموم مجتمعه الخليجي والعربي(أنس عوض) – See more at:
http://www.alaraby.co.uk/supplementculture/2016/3/28/%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D9%85%D8%AF%D9%86-%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%AE%D8%A8%D8%B1%D8%AA%D9%87-%D8%A3%D9%81%D8%B4%D9%84%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A#sthash.4FuefEpr.dpuf
اقرأ المزيد

حقيبة كيري



ليس من عادة كبار الشخصيات، كرؤساء الدول ووزراء الخارجية فيها، أن يحملوا حقائبهم التي تحوي أوراقهم أو وثائقهم في أياديهم عند السفر في مهماتهم الرسمية. ومن النادر أن نرى حقيبة في يد أحد هؤلاء وهو يصعد سلم الطائرة أو يهبط منها، ففي الغالب يكون ضمن الوفد المرافق من يتعهد بمثل هذه المهمة من موظفي العلاقات العامة أو من سكرتارية المسؤول المعني.


مع ذلك حدث أن رأينا وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يحمل في بعض سفراته حقيبة يد، وبدا المشهد مألوفاً إلى حد ما، لكن ما لم يكن مألوفاً هو أن كيري حمل، وهو يهبط سلم الطائرة لحظة وصوله الأخير إلى موسكو، حقيبتين لا واحدة، ما أثار فضول مضيفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي مازحه عند لقائه عما يحمله في الحقيبتين، بالقول: هل هي ملأى بالنقود كي تحسن شروط التفاوض معنا؟ ولم يكن رد الوزير الأمريكي بأقل دلالة حين قال: سأطلعك على ما فيها وسيعجبك.


كل منهما كان يعني ما يقول، فلا نقود في حقيبة كيري، إنما أوراق تحمل أفكاراً وتصورات للتفاوض حولها مع الغريم الروسي، الذي لا مفر من التفاهم معه حول ملفات معينة، في مقدمتها الملف السوري، بعد أن نجح بوتين في إعادة فرض روسيا كطرف لا يمكن تخطيه في الترتيبات المحتملة حول هذا الملف، وسواه من ملفات ذات علاقة.


أيكون بوتين بادر كيري حين تواجها على طاولة واحدة بالقول: هات ما في جعبتك، وعينهُ على حقيبة الوزير الأمريكي، وفي القواميس العربية وقعتُ على الشروحات التالية لمفردة الجعبة، فيقال عن أحدهم: أَفرغَ ما في جَعْبَتِه، والقصد أنه باح بسره، ويطلق على الشخص الذي يعرف أشياء كثيرة أو يتذكرها، ويكون دائم الاستعداد لاطلاع الآخرين عليها، جَعْبَة معلومات، وبالعكس يقال عن الشخص الذي ليست عنده أخبار: ليس في جَعْبَته شيء.


ولا ينطبق على كيري في زيارته الأخيرة إلى موسكو القول الأخير، ففي جعبته الكثير مما وعد بوتين بإطلاعه عليه، وهو يشير إلى الحقيبة إياها، كأنه يخشى أن تضيع.


لن يعلم أحد، خارج مَن تَحلق حول الطاولة في الكرملين، بما في تلك الجعبة، لكن حكماً من الجو الودود الذي بدت آثاره في ملامح المجتمعين وفي تصريحاتهم لوسائل الإعلام، يمكن القول إن فصلاً جديداً، لعله الأكثر أهمية وحسماً في الأزمة السورية، قد بدأ، أو أنه على وشك أن يبدأ. 
اقرأ المزيد

شركات الطاقة وصدمة أسعار النفط

لجأت شركات
الطاقة العالمية إبّان فترة انهيار أسعار النفط في 2008 والربع الأول من
عام 2009، إلى إبرام صفقات اندماج لتقليل نفقاتها. في الصدمة الارتدادية
الأخيرة لأسعار النفط، بدت صفقات الدمج أقل اندفاعاً، ولكن خياراً آخر فضلت
سلوكه هذه الشركات، وهو بيع بعض أصولها المنتمية لخط الإنتاج الوسيط
(Midstream) وليس خطي الإنتاج الرأسي (Upstream) والأفقي (Downstream). فقد
اضطر بعض شركات النفط العالمية لعقد صفقات بيع جزء من أصولها: شبكات خطوط
أنابيب نقل النفط والغاز، ومرافق تخزينها ومنصات تحميلها للحصول على
الأموال لتعويض خسائرها. وقد بلغت صفقات بيع مثل هذه الأصول خلال العامين
الماضيين بحسب مؤسسة البيانات الإحصائية «IDerrick»، أكثر من 318 مليار
دولار، وهو ما يزيد بمقدار 100 مليار دولار عن صفقات البيع المماثلة
المبرمة على مدار السنوات الثلاث السابقة لها. 


وقد فضلت شركات النفط
التخلص من هذه الأصول التي تنتمي إلى خط الإنتاج الوسيط (Midstream) في
الصناعة النفطية، بسبب طبيعته الإنفاقية التي تفوق مخصصات الإنفاق على
الحقول والمصافي. ومن بين الشركات العالمية التي باعت مثل هذه الأصول في
الآونة الأخيرة شركة «بريتش بتروليوم» البريطانية، وشركة «توتال» الفرنسية
ومجموعة «بريتش غاز». أما المشترون فكانوا صناديق الادخار التقاعدية وشركات
الاستثمار والمضاربة في الأوراق المالية التي لم تعد السندات تغريها بسبب
فوائدها المنخفضة. 


بدأت حملة البيع (فهو سوق بائعين)، في الولايات
المتحدة وكندا في العام الماضي، حيث باعت شركة الغاز الكندية «Encana Corp»
شبكة أنابيب ومنشآت غازية إلى شركة أوراق مالية أمريكية خاصة هي شركة «KKR
& Co». وشركة الطاقة الكندية «Veresen Inc» بقيمة 340 مليون دولار
أمريكي. كما باعت شركة «بريتش غاز» شبكة أنابيب تربط حقول الغاز في
أستراليا إلى شركة مرافق تصدير على الساحل الأسترالي هي شركة «APA Group»
بقيمة 4.6 مليار. وباعت «بريتش بتروليوم» مرافق تخزينها في روتردام، وباعت
«توتال» بعض مرافقها الإنتاجية في سكوتلندا بقيمة 881.7 مليون دولار.
وستبيع شركة «National Grid PLC» البريطانية التي تشغل شبكة غاز وطاقة،
الحصة الغالبة في شبكتها البريطانية للغاز التي تقدر بنحو 11 مليار جنيه
إسترليني. كما اشترت شركة الأوراق المالية الفرنسية الخاصة «Ardian» في
العام المنصرم من شركة «ريبسول» الإسبانية حصة 10% من كبرى الشركات
الإسبانية المشغلة لشبكة أنابيب نقل النفط وتخزينه (CHL Group)، التي تملك
شبكة أنابيب تبلغ أطوالها أكثر من 4 آلاف كم في إسبانيا وما نسبته 50% من
شبكة أنابيب نقل النفط في بريطانيا (نحو 2000 كم) بقيمة 355.5 مليون دولار.
أما شركة «توتال» الفرنسية فقد باعت في شهر سبتمبر/‏أيلول الماضي 50% من
حصتها في منشأة «Geosel» للتخزين في فرنسا إلى شركة «Adrian» المشار اليها
سلفاً، وصندوق الاستثمار «EDF Invest» بقيمة 265 مليون جنيه إسترليني.


هذا
الإقبال من جانب شركات القطاع وصناديق الاستثمار على شراء أصول خط الإنتاج
الوسيط (Midstream) في صناعة النفط والغاز، رغم المخاطر المالية المحفوفة
بسبب خضوع مرافق هذا القطاع لقرارات الإدارة الحكومية من قبيل تحديد وتغيير
رسوم النقل الكهربائي في شبكات نقل الطاقة، ورسوم مواقع هبوط الطائرات في
المطارات، وخضوع معظم العائد على الاستثمار في هذه الأصول لتقلبات أسعار
الطاقة، يظهر أن المنفعة الحدية باتت متوفرة بين البائعين والمشترين في ظل
الظروف الاستثنائية التي تجتازها شركات الطاقة العالمية.


وإذا كان بعض
شركات الطاقة العالمية اختار، اضطراراً، التخفف من أعباء نفقاته وجمع
الأموال (Raise money) لتعويض خسائرها، فإن بعض الدول المصدرة للبترول قد
حذت حذوها ولكن بطريقتها. فقد اختارت نيجيريا، مضطرة أيضاً، ترشيد نفقاتها
بصورة جذرية بعد أن أصبح نصف عدد ولاياتها (18 ولاية من أصل 36 ولاية)،
عاجزة عن دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية، حتى إن عدداً من أعضاء مجلس
الشيوخ النيجيري البالغ إجماليهم 109، تطوعوا لتقليص مرتباتهم. أما الجزائر
التي تحتاج لسعر 111 دولار لبرميلها من النفط للوصول إلى نقطة التعادل بين
المصروفات والإيرادات في موازنتها العامة، فقد كانت عازمة على فرض ضرائب
وتجميد التوظيف الحكومي لولا أن اندلعت فيها احتجاجات شعبية ضد هذا التوجه
الاضطراري. أما إيران فقد اختارت تعويض الفاقد من خلال زيادة حصة إيرادات
صادراتها النفطية الموجهة للميزانية بدلاً من توجيهها لحساب الاحتياطيات.


بهذا
المعنى فإن الشركات كما الحكومات، هي اليوم في حالة تموضع طبيعية، استجابة
لنداء التكيف والتأقلم مع ظروف السوق الهابطة (Bear market). وهذا الذي
يعد بمثابة الانسحاب التكتيكي المنظم، أو إعادة التموضع، من شأنه أن يجنب
الاقتصادات الوطنية، وعبرها الاقتصاد العالمي، الوقوع في دورة ركود متحينة،
وإعادة التأهيل واستجماع القوى استعداداً لدورة انتعاشية مقبلة تتغلب فيها
السوق الصاعدة 

(Bullish market) على السوق الهابطة (Bear market).
فلسوف تنتظر الاقتصادات الوطنية والاقتصاد العالمي، بقليل من التضحيات،
ريثما تستوعب وحداته صدمة التراجع، لإعادة التحليق ثانية. 
اقرأ المزيد

دماء في بروكسل

إراقة دماء البشر، خاصة حين يكونون مدنيين أبرياء، جريمة بالمعايير الإنسانية والأخلاقية والدينية وما إليها، بصرف النظر عن جنسية وقومية ودين الضحايا الذين يتحولون في ومضة عين إلى أشلاء ممزقة بفعل تفجير إجرامي يقدم عليه انتحاري موتور جرى إيهامه بأن جريمته تلك ستأخذه إلى أحضان الحور العين.


ومن حيث الغاية والجوهر لا يختلف تفجير انتحاري في مطار أو محطة قطار في أية عاصمة أوروبية، كما حصل مؤخراً في بروكسل وقبلها في إسطنبول وباريس، عن أي تفجير مماثل وسط أسواق أو مساجد بغداد أو حلب أو غيرهما.


المنهج واحد، والأسلوب واحد، والغاية واحدة، لكن ثمة فارقاً في مستويات الإرهاب، فما جرى في عواصم ومدن أوروبية، على فظاعته، وعلى إدانتنا القاطعة له، لا يقارن بما تشهده بلدان عربية مثل العراق وسوريا وليبيا وسواها من ممارسات إرهابية أسقطت دولاً وخربت مدناً وبلدات، وشردت الملايين، وقتلت مئات آلاف القتلى، وأضعافهم من المصابين والجرحى والمشردين بلا مأوى.


بشيء من الحذر، نقول إن الغرب، في أمريكا وأوروبا، حكمته نظرة لا مبالاة بما يجتاح بلداناً عربية مفصلية من دمار وقتل وفوضى، لا بل إنه كان، وفي حالات كثيرة، سبباً رئيسياً فيما يجري. 


كيف لنا إزاء المشهد الدامي في العراق اليوم أن ننسى أن بداية الفوضى العارمة كانت في الاحتلال الأمريكي – الأطلسي لأراضيه، وحل جيشه الوطني، وتفكيك مؤسسات الدولة، ليتحول البلد إلى غابات تصول وتجول فيها الميليشيات المذهبية على تلاوينها؟


وكيف لنا أن ننسى أن «سيناريو» مشابهاً جرى في ليبيا حين دكت القاذفات الأطلسية طرابلس والمدن الليبية الأخرى، وأسقطت السلطة المركزية في البلد، ليتحول، هو الآخر، إلى غابة صراعات دامية بين زعماء القبائل والجهات.


وشيء مثل هذا، مع اختلاف في التفاصيل، يمكن أن يقال عن سوريا، ما شكل البيئة المثالية لاستشراء نفوذ الجماعات التكفيرية، التي سيكشف الزمن، آجلاً أم عاجلاً، بالأدلة والوثائق، دور أجهزة الاستخبارات الخارجية في تمكينها، إن لم يكن في صنعها.


ظنَ صناع الإرهاب أو المحكومون بنظرة اللامبالاة تجاهه، أنه ظاهرة محض عربية – إسلامية محصورة في فعلها ونتائجها في الجغرافيا البعيدة عنهم، لكن لعبة بهذا الحجم، هي أشبه ما تكون بإخراج ساحر من قمقمه، فلا يعود بالوسع إعادته إليه ثانية، ولا احتواء ما يفعله.


دماء بروكسل برهان جديد، وليس الوحيد، على أن ما من أحد بمنجاة من هذا الجنون، إلا بقطع رأس الأفعى، لا الاكتفاء بذيلها، الذي يعود للنمو كلما قُطع. 
اقرأ المزيد

انفجار وانفلاش «داعش»

لم يكد
الأردن يعلن يوم الأربعاء 2 مارس/ آذار 2016 عن إحباط مخطط إرهابي كبير
حاولت خلايا نائمة تابعة لتنظيم «داعش» الإرهابي، تنفيذه في عدد من المواقع
المدنية والعسكرية المختارة، حيث نجحت أجهزة الأمن الأردنية في تنفيذ أكبر
عملية أمنية منذ سنوات استمرت من مساء يوم الثلاثاء حتى فجر الأربعاء في
مدينة إربد بشمال البلاد المحاذية للحدود السورية، تمكنت خلالها من قتل 7
من أفراد الخلية ومصادرة كمية من الأسلحة والمتفجرات والأحزمة الناسفة كانت
معدة للاستخدام – حتى أعلنت الحكومة التونسية عن قيام تنظيم «داعش» بعملية
غزو إرهابية كبرى في مدينة بن قردان الواقعة في أقصى الجنوب الشرقي
المحاذي لليبيا، حاولت عناصره التي اقتحمت المدينة بسيارات رباعية الدفع
وبكامل عتادها واستعراضاتها الإرهابية المعروفة، فجر يوم الاثنين 7
مارس/آذار الجاري، احتلال مقار حكومية وأمنية وعسكرية بينها قاعدة للجيش
التونسي ومركز الشرطة في المدينة. وقد منيت العملية بالفشل الذريع، حيث
نجحت قوات الجيش والأمن التونسية في القضاء على جميع الإرهابيين ومطاردة
الفارين منهم على مدار الأيام التي تلت العملية، حتى ارتفع عدد القتلى في
صفوفهم حتى اليوم الثالث من العملية إلى 46 إرهابياً، والعدد آخذ في
الارتفاع مع تقدم عملية التمشيط والملاحقة لفلولهم.


في نفس الفترة
تقريبا، يوم 7 مارس تحديداً، كان جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي، يوجه
كلامه لمئات الجنود الأمريكيين الذين التقاهم خلال زيارته للمنطقة، قائلاً:
«علينا أن نسحق «داعش» في العراق وسوريا، لئلا يتمكن (التنظيم) من
الاستمرار في بث سمومه في المنطقة والعالم، القتال سيستغرق وقتاً، إلا أننا
ملتزمون بإتمامه حتى نقضي على هذا الشر، وسنقضي على هذا الشر».


هذه
وتلك من العمليات الكبرى التي بدأها تنظيم «داعش» منذ أعلن عن نفسه في عام
2014 حين دشن أُولى «غزواته» الكاسحة، الرامية لإقامة ما أسماه بدولة
الخلافة، والتي فاقت في طموحاتها طموحات «شقيقه» قبل الانفصال، تنظيم
القاعدة، والتي لم تتعد الفوز بحيز من الأرض في بعض مجاهل أفغانستان
وباكستان وبعض «الغزوات» العدمية التدميرية، وأشهرها «غزوة واشنطن
ونيويورك» – وذلك باحتلال ميليشيات «داعش» لمحافظات ومدن بأكملها في
العراق، وصولا إلى تهديد العاصمة بغداد نفسها، والتمدد والزحف، توازياً،
داخل سوريا المجاورة واحتلال مدينة الرقة بكاملها واتخاذها مركزاً رئيسياً
له معادلاً لمركزه الرئيسي في مدينة الموصل بشمال العراق، إلى جانب سيطرته
على أجزاء واسعة من الأراضي السورية تشمل مدناً رئيسية مثل حلب وإدلب ودير
الزور. 


ولذلك فإن تنظيم «داعش» ب«غزوتيه» المحبطتين (بفتح الباء) في
كل من إربد الأردنية وبن قردان التونسية، يكون قد انقلب على استراتيجيته في
احتلال المواقع المستهدفة، من التمهيد للاستيلاء على المدن بإنشاء مراكز
سرية تبشيرية، أولا، لإلقاء المحاضرات على الجمهور حول الإسلام وتقاليده
وإخفاء هدفه في إقامة «دولة الخلافة»، كما هي مدونة في توجيهات مؤسس
التنظيم سمير عبد محمد الخليفاوي، العقيد السابق في مخابرات سلاح الجو
العراقي في عهد صدام حسين، والمعروف باسم «الحاج بكر» (مجلة دير شبيغل
الألمانية الأحد 19 أبريل/ نيسان 2014) – إلى التوجه مباشرة للاستيلاء
عليها من دون المرور بمرحلة التمهيد. 


فما الذي دفع التنظيم للقيام
بهذه النقلة في عملياته التي تتخذ طابعاً دراماتيكياً، واستعراضياً، بل
وانتحارياً، على طريقته الأثيرة في الانتحار الفردي، إنما هذه المرة،
الانتحار جماعياً؟


واقع الحال يقول بأن «داعش» واقع تحت الضغط، فهو لم
يعد يحظى بامتياز استخدامه، من قبل القوى المشغلة له، كورقة ضغط رئيسية
وفاعلة في تغيير موازين القوى على الأرض، باعتباره سلاحاً فتاكاً يندرج ضمن
أسلحة الدمار الشامل غير المتوجة رسمياً، وذلك بعد أن تحولت بوصلة التركيز
العالمي في محاربة الإرهاب، عليه، وبدرجة أقل على نسختيه الأخريين الأقل
شأنا، النصرة وشقيقتها الكبرى القاعدة، وأجبرت هذه القوى بقية المنظومة
العالمية على الحذو حذوها للعمل على إنهاء ظاهرة «داعش».


فهل هي زفرة
المذبوح، باعتبارها رداً فورياً مرتجلاً ومرتبكاً، على توافق القوى العظمى
لشطبه من معادلة ميزان القوى، وتفرغها كليا لهذه «المهمة الخاصة»، والتي من
تمظهراتها اليائسة والمجنونة، قيامه في الأسبوع الأول من مارس الجاري بقصف
بلدة تازة بمحافظة كركوك بالقذائف الصاروخية المحملة بغاز الخردل المحرم
دولياً انطلاقاً من قرية بشير الواقعة على بعد خمسة كيلومترات من البلدة؟ 


الثابت، على نحو ما هو بائن، أن التنظيم مضغوط حاليا بالقصف الجوي
الأمريكي غير المنتظم ولكن المفاجئ على المواقع التي يحتلها في العراق. وهو
بات الآن هدفاً حصرياً تقريباً للهجمات الجوية الروسية والأمريكية على
مواقع تواجده في سوريا. ويدرك قادة التنظيم أن أياماً صعبة تنتظرهم،
فالتنظيم سوف يخسر ملاذاته المتبقية في العراق وسوريا. فلابد، والحال هذه،
أن يكونوا قد فكروا في البحث عن ملاذ أقل استهدافاً في ليبيا وتونس مثلا،
وربما في مناطق إفريقية أخرى صحراوية صعبة الاستهداف، كما فعل القاعدة حين
حوصر في ملاذاته في أفغانستان ووزيرستان بباكستان. ولن يكون مفاجئاً إذا ما
عاد التنظيم للتركيز على العمليات الفردية الانتحارية في مناطق حساسة
لإحداث الدوي الإعلامي المطلوب للتخفيف من وطأة انكساراته على معنويات
ونفسيات أنصاره ومريديه.. تماماً كما حدث في بروكسل مؤخراً. 
اقرأ المزيد

لوران فابيوس..صفحة طُويت!

  فجأة وعلى
حين غرة، لم يعد رجل الدبلوماسية الأول في فرنسا، لوران فابيوس، موجودا في “كاي
دورسي” مقر وزارة الخارجية الفرنسية. “سوف أترك رولز رويس”، بهذه
العبارة أجاب “الفيل الاشتراكي” (الوصف الذي خلعته عليه الصحافة
الفرنسية لدى تعيينه من قبل الرئيس فرانسوا هولاند لتولي حقيبة الخارجية في عام
2012 بعد فوز الأول في الانتخابات الرئاسية أمام منافسه الرئيس السابق
ساركوزي، بوصفه الرجل المخضرم صاحب الخبرة الذي تحتاجه الدبلوماسية الفرنسية في
هذه المرحلة التي تشهد تحديات أوروبية وعالمية) – أجاب على استفسار الصحافة اثناء
احد لقاءاته الاخيرة في مقر وزارة الخارجية الأربعاء 10 فبراير 2016. وقالت وكالة
الصحافة الفرنسية إن فابيوس أعلن مغادرته الحكومة خلال مجلس وزاري أسبوعي، في
أعقاب قرار الرئيس فرانسوا هولند، وحزبه الاشتراكي الحاكم على ما يبدو، لإجراء تعديل
على تشكيلة حكومة مانويل فالس بغية توسيع دائرة أنصاره قبل أكثر من عام على اجراء
الانتخابات الرئاسية عام 2017، خرج منها الى جانب لوران فابيوس ثلاثة وزراء آخرين
بينهم وزيرة الثقافة فلور بيليرين. وقد خلف لوران فابيوس في منصب وزير الخارجية
جون مارك ارو رئيس الحكومة السابق، فيما أُعلن عن تعيين فابيوس رئيسا للمجلس
الدستوري، وهو أعلى محكمة دستورية في فرنسا، لتسع سنوات.
     شاغل منصب
لوران فابيوس في منصب وزير الخارجية،  وهو
جان مارك أيرولت أو جان مارك إروه، كان قد شغل منصب رئيس الحكومة الفرنسية بين 15 مايو2012و 31 مارس2014  وذلك بعد أن عينه الرئيس فرانسوا هولاند في المنصب. لوران فابيوس أيضا كان
رئيسا للوزراء خلال 1984-1986 إبان ولاية الرئيس الراحل فرانسوا ميتران، مع فارق
أن فابيوس يتمتع بسجل حافل من المناصب الحكومية الرفيعة التي شغلها على مدار أكثر
من ثلاثين عاما. فقد انضم فابيوس إلى الحزب الاشتراكي منتصف سبعينيات القرن
العشرين، وترأس بلديات وتجمعات مدن منذ 1977، وانتخب لأول مرة نائبا في
البرلمان عام 1978 بمنطقة السين البحرية (السين ماريتيم) شمالي البلاد. وقد عُيِّن  رئيسا لديوان زعيم الحزب الاشتراكي فرانسوا
ميتران
حتى انتخاب الأخير رئيسا للجمهورية عام 1981. واعترافا بوفائه
وكفاءته، عينه ميتران في وزارتي الموازنة (1981-1983) والصناعة (1983-1984)، ثم
رئيسا للحكومة خلال
1984-1986 وكان عمره 37 عاما، ليصبح يومها أصغر رئيس حكومة في تاريخ الجمهورية
الخامسة. كما اختير عضوا في اللجنة القيادية وفي المكتب الوطني للحزب
الاشتراكي، وشغل منصب رئيس نقابة البلديات المتعددة الأغراض (سيفوم) لمدينة
روان وضواحيها خلال 1989-2000، واختير أمينا عاما للحزب عام 1992-1993. وترأس الجمعية
الوطنية (الغرفة السفلى في البرلمان) مرتين: الأولى عام 1988-1992،
والثانية خلال 1997-2000، ثم أسندت إليه وزارة الاقتصاد والمالية (2000-2002).
بل إنه حاول خوض غمار انتخابات الرئاسة الفرنسية في عام عام 2007 مرشحا عن الحزب
الاشتراكي، لكنه أخفق وقتها في انتخابات الحزب أمام القيادية سيغولين رويال التي
فشلت بدورها في السباق أمام المرشح اليميني نيكولا
ساركوزي
. أما سيرة خليفته في المنصب جان مارك إروه، فهي تبدو متواضعة
أمام السيرة الذاتية الحافلة لرولان فابيوس، فهو لم يتول مناصب وزارية، وإنما شغل
منصب عمدة لمدينة سانت أوريلا خلال الفترة من 14 مارس1977 إلى 20 مارس1989، ثم عمودية
مدينة نانت التي شغلها من 20 مارس1989 حتى تاريخ
تعيينه رئيسًا للحكومة، إضافة الى خبرة عمل نائب في البرلمان الفرنسي. وهي خبرة
متواضعة نسبيا كانت قد حذرت من مغبتها على الدبلوماسية الفرنسية، قوى المعارضة
اليمينية بعيد تسليمه حقيبة الخارجية.
     ومن خلال أدائه طوال السنوات الأربع التي
قضّاها في منصبه كوزير خارجية لبلاده، فإن لوران فابيوس يمكن وضعه في عداد الصف الثاني
بين كبار صانعي السياسة الدولية، إذ يأتي مباشرةً بعد الصف الأول الذي يضم في مقدمته
جون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية وسيرغي لافروف وزير خارجية روسيا
الاتحادية. وقد اشتُهر فابيوس بمواقفه التي اتسمت بالشراسة خصوصا في الملف السوري
والملف الإيراني. ما ذكر بمواقف صقور المحافظين الجدد للحزب الجمهوري إبان ولاية
الرئيس جورج دبليو بوش، خصوصا فيما خص ملف ما أسمته واشنطن بالحرب على الارهاب
وعلاقات الولايات المتحدة مع الدول التي وضعتها في خانة الأعداء. لكنه في الشهور
الستة الأخيرة تحول بصورة لافتة للغاية الى ناصية الاعتدال الواضح في مواقفه
الخاصة بالملفين خصوصا بعد أن عاد الارهاب ليضرب فرنسا من جديد بقوة صاعقة في شهر
نوفمبر الماضي. ومن شارك في قمة تغير المناخ التي عقدت على مدار اسبوعين في باريس
نهاية الشهر نفسه، لابد وأن يكون قد لاحظ الفارق بين شخصية الصقر التي غلفت أداء
رئيس الدبلوماسية الفرنسية في إدارته الملفين السوري والنووي الإيراني من الوجهة
الفرنسية في السنوات الثلاث ونيف الأخيرة، وبين شخصيته الوديعة الهادئة التي ظهر
بها إبان رئاسته وإدارته لأعمال مؤتمر الأطراف الحادي والعشرين لتغير المناخ في
باريس. فقد ظهر فابيوس بكامل هيبته وتواصله السلس ودبلوماسيته التي استوعب بها مواقف
متعارضة لوفود 193 دولة بلغ تعدادهم 43 ألفا بينهم 150 من رؤساء الدول والحكومات،
وهو ينتقل من مسار تفاوضي تعددي الى ثنائي الى كواليسي، دون كلل أو ملل، ومن دون
أن تظهر عليه علامات التعب والارهاق رغم تحول مكتبه في مقر المؤتمر الى خلية نحل
تصل الليل بالنهار.
     وأمام هذا الأداء الدبلوماسي المدهش، الذي أراح
جميع الوفود وتكتلاتها التفاوضية، والذي سرق الأضواء حتى من الرئيس الفرنسي هولاند
نفسه، خصوصا لحظة تتويج هذا الجهد باتفاق تاريخي لطالما بدا بعيد المنال الى ما
قبل انعقاد المؤتمر – لم يكن أحد ليتصور أن تكون تلك نهاية المطاف بالنسبة للوزير
فابيوس، خصوصا وانه سوف يستمر في ممارسة مهامه كرئيس لمؤتمر الأطراف الحادي
والعشرين حتى انعقاد مؤتمر الأطراف القادم في مراكش في شهر نوفمبر القادم!
     البعض أشاع انه استقال والبعض الآخر قال انه
جرى ابعاده عن المسرح في لحظة لم ترق فيها انعطافته السياسية والدبلوماسية
المفاجئة في بعض الملفات العالمية الساخنة، لحكام قصر الأليزيه، فتقرر استبداله
بآخر “ملتزم بضوابط القصر”، وترضيته بمنصب شرفي هو منصب رئيس المجلس
الدستوري. علماً بأن العلاقة بين الرجلين فابيوس وهولاند، كانت قد تعرضت لنكسات خطيرة،
كانت إحداها عندما صوت لوران فابيوس بـ”لا” في استفتاء 2005 حول الدستور
الاوروبي، في تعارض تام مع الخط الذي حدده الحزب الاشتراكي، ما ادى الى ابعاده من
الامانة الوطنية للحزب واشتداد حدة الخلاف بينه وبين فرنسوا هولاند الذي كان حينها رئيسا للحزب الاشتراكي ومن بعد رئيسا للجمهورية. واستمر الجفاء بين الرجلين
لسنوات قبل أن يخفف من حدته وصول هولاند لمنصب رئاسة الجمهورية، الذي لم يستطع
تجاهل قيادات الحزب وخبراتها وعلى رأسها لوران فابيوس.
     هو طبعا قامة كبيرة في الدبلوماسية
العالمية. ومن الصعب تخيل امكانية تعويضه على المسرح الدولي في هذا الظرف الدقيق
الذي تمر به العلاقات الدولية والدور المميز الذي تضطلع فيها الجمهورية الفرنسية.
   
اقرأ المزيد

بصراحة | آراء و مواقف









أولا: الوضع المعيشي للمواطنين نحو الأسوأ

هيئة
الكهرباء والماء الموقرة ، في منتصف شهر فبراير الماضي إرسلت للمواطنين
خطاب يحتوي على ( تعرفة الكهرباء والماء  2016) الجديدة ، تشرح فيها ( أسس
الإبقاء على التعرفة السارية قبل العمل بقرار تعديل التعرفة للمشترك
البحريني لحساب سكني واحد فقط . ) وفق ما جاء  في الخطاب المرسل للمواطنين
،التساؤل هنا ،  إذا وجد  لديه حسابات أخري ( عناوين منازل) سوف يطبق عليه
التعديل الجديد ، باعتبار يمتلك أكثر من منزل ، ماذا يفعل المواطن الذي
 مسجل عنوان  منزل والده باسمه ليدفع فواتير الكهرباء والماء عن والدته أو
أشقاءه ، هل سوف يحسب عليه منزل أخر ، وهل التعرفة الحالية فقط لعام 2016،
 وبعده سوف تطبق عليه الزيادة التي في جداول الخطاب المرسل ، مثلما هو
مكتوب تدريجيا سوف ترتفع التعرفة بالنسبة للذين  لديهم أكثر من حساب كل عام
، تبدأ من هذا العام 2016 حتى 2019 ، ارتفاع سنوي للتعرفة ، هذا غير واضح
بالنسبة للذي يمتلك حساب وأحد  ( منزل وأحد )  ، لا توجد شفافية ، ربما لا
يريدون أن يصاب المواطن بالصدمات دفعة وأحدة ، أرتفاع التعرفة قادم حتى
بالنسبة لصاحب المنزل الواحد ، سياسات خاطئة يدفع ثمنها المواطنون  وهم غير
مسئولون عنها ، والأكثر من هذا وذاك  المواطنون غير شركاء في  الثروة و
 في القرار السياسي ( مجلس النواب ) ضعيف وأداءه من سيئا إلى أسوأ، أضف
لذلك لا وجود لحل سياسي شامل في البلاد حتى كتابة هذه السطور ، وتأتي
الأزمة الاقتصادية ( سياسة التقشف ) لتضيف أعباء أخرى على كاهل المواطنين .
 


ثانيا: ثقافة التعدد والاختلاف 

كتبنا
أكثر من مرة عن ( ثقافة التعدد والاختلاف ) في الصحافة المحلية ووسائل
التواصل الاجتماعي ، وقلنا بأنها  لم تترسخ في مجتمعنا والبلدان العربية ،
وخلال الخمس السنوات الماضية أنتشر خطاب الكراهية و الفتنة ( الطائفية
والعرقية ) بشكل واسع في مجتمعاتنا العربية  ، لا وجود لتعدد الآراء
والأفكار بمعني تقبل الرأي والرأي الآخر، و اليوم أتسعت  رقعة الأفكار
المتطرفة والإرهابية في صفوف فئات متعددة ، وأصبح الرأي السياسي الواحد هو
السائد في أغلبية البلدان العربية ، بمناسبة كتابة هذه السطور ، ما طرح من
رؤى وتصورات أولية  من قبل بعض النشطاء السياسيين حول الأزمة السياسية في
البحرين  وكيفية الخروج منها في الذكرى الخامسة لأحداث فبراير 2011 ، أو
بالأحرى البحث عن ( حلول  توافقية ) مابين السلطة والمعارضة أن صح التعبير ،
المهم هي اجتهادات طرحت من قبل أصحابها ولا تلزم المعارضة بالاتفاق معها ،
الموضوع الذي نناقشه هنا ليس تلك الرؤى السياسية ومن كتبها ، نحن نناقش ما
أثار من جدل واسع  حولها في وسائل التواصل الاجتماعي و المجالس والمنتديات
و الصحافة ، كان الجدل أو السجال الذى دار بعيدا عن ثقافة التعدد
والاختلاف وتقبل الآراء المختلفة ، ماجرى في الأسابيع الماضية  باعثا على
القلق والريبة لدى قطاعات واسعة في المجتمع وايضا السياسيين والمثقفين  ،
وهو جرس أنذار( جديد / قديم )  بفرض الوصايا والآراء على المختلفين بلغة (
التسقيط والتخوين  ) و ينذر بهيمة أفكار التسلط والإلغاء وأقصاء الأخر و
الخروج من ( الملة ) ، بمعني أدق ممارسة سياسة  تكميم الأفواه للأصوات
المعبرة عن أراءها وقناعاتها و عن طبيعة الحل السياسي للأزمة لهذا الوطن ،
ولكن البعض يرى بأنها خرجت  عن ماهو سائد  من ( آراء و أفكار ) في صفوف بعض
الجماعات المحسوبة على المعارضة ( تخالف  شعاراتها) ، وتعتقد  بأنها تقدم
تنازلات للسلطة على حساب تضحيات الشعب ، قيل مثل هذا الكلام في وسائل
التواصل الاجتماعي ، وأكثر من ذلك .
ليس
بالضرورة بأن يتفق المرء مع تلك الرؤى السياسية المطروحة من قبل النشطاء
السياسيين للحل السياسي في البلاد  ، ولكن إذا كان الإنسان يؤمن بمبدأ حرية
الرأي والتعبير كحق من حقوق الإنسان تقره المواثيق و التعهدات الدولية ،
أضافة إلى العديد من الدساتير في معظم بلدان العالم بما فيها دستور مملكة
البحرين ، فهل يحق للمعارضين لتلك المبادرات السياسية ( الاجتهادات الشخصية
) أن يحجروا  أو يصادروا  آراءهم  تحت أي مبرر من المبررات لعدم أتفاقهم
مع تلك الآراء  ، إذا كانت قوى معارضة  أو أفراد مسحوبين على المعارضة هذه
مواقفهم من  المختلفين معهم  ، نتساءل لماذا  يقعموا أصحاب ذلك الرأي
المغاير ، نعتقد الخطورة تكمن بأن الذي يقمع أو يصادر الرأي الأخر وهو ليس
في السلطة ( معارضة ) يمارس لغة القمع السياسي والفكري   ، فكيف الحال
عندما يكون في موقع السلطة ، هل سينصب  لأصحاب الآراء المختلفة المشانق ،
السؤال هنا : إذا كنا
 نعيب على السلطات الحاكمة مصادرة حرية الرأي والتعبير ونعتبره منافي
للقوانين  والأعراف الدولية و مبادئ حقوق الإنسان ، فلماذا يصادر  هذا الحق
من  جهات أو أفراد لا تتفق معهم في الرأي ؟
 


ثالثا: إنتفاضة مارس 1965 المجيدة ، الدرس الأهم والأبلغ ( الوحدة الوطنية ) 

 تمر
في هذه الأيام الذكرى ال 51 لإنتفاضة  مارس 65 المجيدة ، الإنتفاضة التي
كان سبب اندلاعها تسريح 1500 عامل من قبل شركة بابكو على دفعات ، كانت
الشرارة الأولى خروج طلبة مدرسة المنامة الثانوية في 8 مارس تضامناً مع
العمال المسرحين ( المفصولين ) بعدها انتشرت في مدن وقرى البحرين ، شاركت
فيها الحركة الوطنية البحرينية ونظمت وقادت العديد من التظاهرات  والمسيرات
، استمرت الإنتفاصة لأكثر من شهرين  ، ولكنها قمعت بوحشية من قبل المستعمر
البريطاني وأعوانه ، وسالت دماء الشباب  الزكية في شوارع وأزقة المحرق
والمنامة و النويدرات ، وزج بالعديد من القادة والنشطاء في المعتقلات
والسجون  ، وخرج أخرون للمنافي غير الجرحى من الشوزن  ، الدرس المستفاد من
إنتفاضة  مارس عام 1965م ، الوحدة الوطنية وهي التي تجسدت بين أبناء شعبنا
كانت الدرس الأهم والأبلغ  في الإنتفاصة  ، ماأحوجنا اليوم لهذه الوحدة
الوطنية ، في ذكرى إنتفاضة مارس 65 المجيدة ، المجد والخلود لشهداءها
وشهداء شعبنا.
 
فاضل الحلبيي 
اقرأ المزيد