المنشور

هكذا تكلّم أحمد سند في الأول من مايو

احمد سند

كلمات قليلة، قليلة جداً، هي تلك التي قالها المناضل العمالي المخضرم أحمد سند البنكي، في حفل المنبر التقدمي بمناسبة الأول من مايو عيد العمال العالمي، بكل ما هو معروف عنه من عفوية وبساطة وصدق وإخلاص لوطنه وللطبقة العاملة البحرينية التي هو أحد المدافعين الصلبين عن حقوقها، وللشعب الذي من أجل حقه في حياة أفضل دخل أحمد السجون، وظلّ على خياره التقدمي، من خلال تنظيمه العريق: جبهة التحرير الوطني، في عقود العمل السري الطويلة الصعبة، وبعد ذاك من خلال منبره التقدمي الذي ظلّ متمسكاً به، مخلصاً لقضيته، حاضراً دائما في أنشطته وفعالياته، على كل ما عصف بالبلد والمجتمع من صعوبات، لم يسلم “التقدمي” نفسه من بعض ارتداداتها.
من صفوف القاعة التي غطاها الأحمر لوناً لقمصان الحاضرين، نساء ورجالاً، شباناً وكهولاً وشيوخاً، مصطحبين معهم الأطفال أيضاً، مشى أحمد سند الهوينى نحو منصة التقدمي، ليقول كلماته القليلات، المعبرات، الواضحات التي تغني عن خطب طويلة.
عبّر، وبمنتهى العفوية، عن بهجته المعتادة بحفل الأول من مايو، مؤكداً ما الذي يعنيه هذا اليوم لعمال البحرين، كما للعمال العرب والعمال في العالم، رمزاً للنضال والتضحية. متسائلاً: أكان بوسعنا أن نحتفل بهذا اليوم بصورة علنية، وأن يصبح عطلة رسمية في الوطن كله، لولا نضالاتنا وتضحياتنا، نحن العمال، في السنوات الصعبة، لولا الاضرابات التي خضناها من أجل ذلك، ولولا زنازين السجن التي قضينا فيها ليالي البرد والحر، سنوات، حتى ننال حقاً بديهياً من حقوق العمال في كل العالم؟
لم يكتفِ أحمد بهذا السؤال. طرح سؤالاً آخر، وبالبساطة نفسها: “والنقابات؟ أكان سيكون لدينا نقابات عمالية علنية، معترف بها، لولا النضال التراكمي الطويل الذي خضناه”؟
ومن يكون قلبه على الوحدة الوطنية لشعبه ومجتمعه أكثر من العمال، الذين لم تسأل المصانع وورش العمل وشركات المقاولات عن مذهبهم وأصلهم وفصلهم وهي تستغل عرق جبينهم، وتضطهدهم، فأصبحوا الطبقة الموحدة المتجاوزة للانتماءات المذهبية والعابرة للطوائف، ومن صفوفها بالذات ولد الوعي الطبقي – الوطني الجديد الذي يعود إليه الفضل في صنع مجتمع البحرين الحديث قبل أن تعصف به تيارات التقسيم؟
كانت تلك الرسالة التي ختم بها أحمد سند كلماته القليلات، المُوجزات، المُعبرات، قبل أن ينزل من المنصة عائداً إلى كرسيه وسط تصفيق الحضور: “أيجوز لنا، سأل أحمد، ونحن الذين كنا نهتف: “من مراكش للبحرين .. شعب واحد لا شعبين”، يوم كان طموحنا للوحدة بمساحة هذا الفضاء العربي الممتد، أن نتحول للتوقف، وفي المجتمع البحريني الصغير، عند ما إذا كان أحدنا سنياً أو شيعياً؟”.
اتحاد الحدس الفطري السوي، مع خبرة النضال الطويل، تتحول إلى اقوال، هي بمثابة حكمة، على أفواه رجال مثل النقي، الوفي، أحمد سند.

اقرأ المزيد

بين زعامتين..ماكرون وميركل

فرنسا اليوم ليست فرنسا الكاريزمات الرئاسية ذات الحضور المميز في العلاقات الدولية، من وزن شارل ديجول وجورج بومبيدو، وحتى فرانسوا ميتران وجاك شيراك. فرنسا اليوم هي مخاض سنوات من تحولات بنيوية اقتصادية واجتماعية وثقافية، وترتيبة سياسية، ألقت بظلالها على مكانة فرنسا العالمية، وإن بقي الجيل الجديد من نخبتها السياسية يحاول جاهداً المحافظة على الإرث ما بعد الاستعماري الفرنسي، خصوصاً في القارة الإفريقية، والمكانة القيادية الرديفة (لألمانيا) في القارة الأوروبية، وخصوصاً داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
فرنسا اليوم تعاني اقتصادياً معاناة شديدة، فاقتصادها يؤدي بصورة أضعف من أداء منافسه اللدود الاقتصاد الألماني، وإن كان حقق نمواً لافتاً العام الماضي بنسبة 2% (رويترز) مقارنة بنسبة 1.2% في 2016. بيد أن البطالة تفوق 10%، 24% منها بين الشباب (من 15-24 سنة)، إضافة إلى وصول الدين العام إلى 97% من إجمالي الناتج المحلي في العام الماضي. صحيح أن فرنسا نجحت لأول مرة منذ عشر سنوات في عدم تجاوز عجز موازنتها لنسبة ال 3% من إجمالي الناتج المحلي (2.6% بحسب مكتب الإحصاءات الوطنية للحكومة الفرنسية في 26 مارس/آذار 2018)، إلا أننا إذا ما ترجمنا نسبة العجز هذه إلى أرقام، ستبدو مهولة، وهي 67.8 مليار يورو (82.99 مليار دولار)، وذلك بنجاح في خفض العجز لا يكاد يذكر، وهو 1.5 مليار يورو مقارنة بموازنة 2016.
ولذا ينظر كثير من الأوروبيين اليوم إلى الرئيس الفرنسي الشاب، إلى أنه، مدفوع بدهاقنة «المؤسسة» التي جهزته في مطبخها النيوليبرالي تجهيزاً تاماً، وأوصلته إلى سدة الرئاسة، وخصوصاً منهم العراب وكبير منظري الرأسمالية الفرنسية جاكس أتالي الذي يرأس «لجنة تحرير النمو» التي تضم ممثلين عن دويتشه بنك وشركة نستله السويسرية وآخرين – بأنه يلعب دوراً أكبر من حجمه وحجم فرنسا، وإنهم خدعوه حين قالوا له أنت نابليون، فراح يتحرك شرقاً وغرباً ويحاول أن يظهر كرئيس ند للزعماء الكبار في العالم، المستشارة الألمانية والرئيس الروسي بوتين والرئيس الأمريكي ترامب والرئيس الصيني شي جين بينج.
في حين أنه، بمبادراته الأوروبية التي يغلفها باسم «التضامن الأوروبي»، و«وحدة المصير الأوروبي»، إنما هو في حقيقة الأمر يريد أن يحصل على دعم مالي سخي من ألمانيا، ذات الاقتصاد الربحي الوفير في أوروبا. لكن ميركل تدرك مرامي الرئيس الفرنسي وال «استابليشمنت» الفرنسية الداعمة له من وراء الستار، فألمانيا ميركل لن تغير سياستها سواء تجاه الدول التي تشكل (من وجهة النظر الألمانية)، عبئاً على منطقة اليورو، مثل اليونان، أو الدول المعتلة مالياً واقتصادياً مثل إسبانيا أو البرتغال أو حتى إيطاليا، والآن فرنسا التي تتمنى أن تنال حظوة المستشارة الألمانية، وإن جرى ذلك بحلة علاقات عامة قشيبة. وهو سافر إلى الولايات المتحدة في زيارة دولة خلال الفترة من 23-26 أبريل/نيسان وتحدث هناك باسم الأوروبيين وتفاوض باسمهم في طلب إعفاء الاتحاد الأوروبي من رسوم الصلب والألمنيوم التي فرضها ترامب على واردات بلاده منها، فهل كان يملك تفويضاً بذلك؟ ثم إنه وقبل الزيارة بيوم واحد، اندفع لتقديم نفسه و«أوراق اعتماده» للرئيس الأمريكي عبر قناة ترامب المفضلة «فوكس نيوز». ولا أدري إن كان مستشاروه قد ذكّروه بخروج سلفه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي خالي الوفاض رغم الهدية الكبرى التي قدمها للأمريكيين، حين بادر في عام 2009 إلى دفن تركة ديجول، وأعاد بلاده إلى أحضان حلف شمال الأطلسي «الناتو»، من خلال إجراء تصويت في الجمعية الوطنية (البرلمان) على عودة فرنسا إلى القيادة العسكرية لحلف الناتو، بعد أربعة وأربعين عاماً من انسحابها. ومثلما لم تنطلِ على ميركل خدعة «التضامن الأوروبي»، كذلك لم يكن ترامب سخياً مع ماكرون في شأن تخفيف الخناق على الصادرات الأوروبية إلى أمريكا. ويبدو أن النخبة الفرنسية الحاكمة، سواء الرسمية أو الفعلية، منكبة على البحث عن أفضل وأسلم المخارج من مأزق نموذجها التنموي، فتحاول التحايل تارة باستخدام ما تبقى لها من رصيد قوة عسكرية ومن رصيد سياسي حصلت عليه في ظرف دولي خاص عقب الحرب العالمية الثانية دون استحقاق وهو عضوية مجلس الأمن الدولي، وتارة بابتزاز شراء الأسلحة والحصول على الاستثمارات مقابل الدعم السياسي.

صحيفة الخليج الاماراتية

11/05/2018
اقرأ المزيد

«الأمركة» إزاء العولمة

قليلون هم الذين توقعوا أن يأتي اليوم الذي تشتكي فيه الولايات المتحدة الأمريكية، لا غيرها، من العولمة. لو عدنا إلى الأخبار الغزيرة التي سالت من الأقلام وهي تصف العولمة بأنها مجرد تمويه لفظي على «أمركة» العالم، مطالبين بأن «تتعولم» العولمة، أي أن تكف عن كونها «أمركة»، لأصابنا الذهول. ومن المنطق أن يصيبنا الذهول اليوم، أيضاً، ونحن شهود على الموجة العالية من نقد العولمة داخل أمريكا، وهي الموجة التي أفلح دونالد ترامب في ركوبها ليبلغ شاطئ البيت الأبيض.
لم تكن الولايات المتحدة تكترث بالخطاب المناهض للعولمة من زاوية أنه «أمركة»، ولا بالمسيرات التي يحشدها مناهضو العولمة في سياتل أو غيرها من المدن الأمريكية، أو حتى الأوروبية، حين انعقاد القمم والمنتديات الاقتصادية العالمية، بل إنها لم تكن تخفي سعادتها بأن تكون العولمة هي «أمركة» بالفعل، لأنها رأت في ذلك المظهر الرئيسي لتفوق الاقتصاد الأمريكي وهيمنته عالمياً، وهو ما يدعوها للفخر.
في حملته الانتخابية هاجم دونالد ترامب، وهو يخاطب الناخبين، في مدينة بيتسبورج في ولاية بنسلفانيا، النخب السياسية التي تحكم أمريكا لأنها، وفق تعبيره، «فضّلت العولمة على الأمركة»، متعهداً بأنه، في حال فوزه، سيستخدم الفولاذ الأمريكي من أجل إعادة بناء البنى التحتية، قائلاً بالحرف: «كما بنى فولاذ بنسلفانيا ناطحة سحاب الإمباير ستيت، فإنه سيقوي الجسور الأمريكية المتداعية اليوم، ويرسل ناطحات سحابنا تحلق فوق الغيوم، وسيعود الفولاذ الأمريكي، كما كان، العمود الفقري لبلادنا».
هذا الخطاب جلب لترامب أصوات من بقي من العمال الصناعيين الأمريكان وأبنائهم، وهؤلاء بالذات هم من نقلوا إليه أصوات ولايات كان يفترض أنها مكتسبة، سلفاً، لمنافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون على ما يشير الصحفي الفرنسي سيلفان سيبيل.
شكوك كبيرة تحيط بقدرة ترامب، وقد أصبح رئيساً، على تحقيق ما وعد به، خاصة أن فكرة إعادة التصنيع هذه ليست جديدة، وكان سلفه، باراك أوباما، قد امتدح فضائل إعادة الإنتاج المُهجّر، والمصانع الأمريكية التي افتتحت في الخارج، بهدف خفض التكلفة، لكن، على خلاف ترامب، كان أوباما يرى أن إعادة تصنيع أمريكا يجب أن تقع في القطاعات التجديدية في التكنولوجيات الجديدة كالإلكترونيات والطاقات النظيفة، لا في الفولاذ والفحم، كما يرغب ترامب.
في هذا العام، أو العام التالي، سيكف الاقتصاد الأمريكي عن أن يكون الأول في العالم؛ حيث الغلبة ستكون لاقتصاد الصين، وفي هذا ينصح الدارسون بتجاوز التأويل المختزل لنجاحات الأداء الاقتصادي الصيني بعزوه إلى آليات الرأسمالية وحدها، وإغفال حقيقة أن استراتيجية الصين الاقتصادية تقودها دولة مصممة، تستفيد من أوجه تفوق الرأسمالية، لكن دون أن تفرط في مرجعيتها الاشتراكية، التي لا يزال يضبطها الحزب الشيوعي الحاكم، ما يُفند الزعم بأن هناك طريقاً أوحد للنمو والازدهار.

صحيفة  الخليج الاماراتية  11/05/2018

اقرأ المزيد

الرجل الخطأ في المكان

بدا شاذاً وجود رئيس وزراء «إسرائيل» بنيامين نتنياهو، في الحفل المهيب الذي أقيم، أمس، في الساحة الحمراء بموسكو، احتفاء بالذكرى الثالثة والسبعين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، التي قدّم فيها الاتحاد السوفييتي وحده، خمسة وعشرين مليون ضحية على الأقل، حتى تمكّن جيشه من دحر التقدم النازي نحو موسكو، وكسر الحصار الشهير حول مدينة لينينجراد، وسواها، الذي استمرّ سنوات، ليصبح بوسعه، بعدها، التقدم في شرقي أوروبا، متعقباً قوات هتلر، وصولاً إلى العاصمة الألمانية برلين، ليُسقط حكم هتلر.
هذا الحفل يقام كل سنة في المكان نفسه، محافظاً على كامل المهابة التي له منذ العهد السوفييتي، لا لتكريم التضحيات، وذكرى الضحايا فحسب، وإنما، أيضاً، لاستذكار همجية العدوان النازي، ووحشيته، كي تبقى الذكرى حاضرة في أذهان الأجيال المتعاقبة للعبرة.
ولذلك يمكن القول إن وجود نتنياهو في الحفل، ينطبق عليه ما يقوله مَثلٌ روسي مُعبر من أن «قطرة من العلقم تفسد برميلاً من العسل»، لأن هذا الحفل ليس المكان المناسب الذي يقف فيه رجل دولة معتدية، تغتصب أراضي الآخرين، وتُهجّرهم منها، وتقترف بحقهم أبشع أنواع القتل، والتنكيل، والاضطهاد، للدرجة التي حملت الأمم المتحدة، في زمنٍ آخر غير هذا، وبميزان دولي مختلف عن القائم اليوم، على أن تُصنّف الصهيونية كشكل من أشكال العنصرية.
لكن يبدو أن حضور نتنياهو يستجيب لرغبات في نفسه، كما في نفس مضيفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فنتنياهو قصد موسكو لغاية أخرى غير حضور حفل النصر في الساحة الحمراء، هي التباحث مع بوتين حول الوضع في سوريا، خاصة مع تكاثر النذر حول مواجهة عسكرية «إسرائيلية» إيرانية محتملة تكون الأراضي السورية منطلقها، أو ساحتها.
وليس بوسع نتنياهو تجاهل الكلمة الروسية بهذا الصدد، بل إنه يُعّول على دور ممكن لبوتين في احتواء حدة المواجهة، وممارسة ضغوط على طهران لتفادي التصعيد، منطلقاً من «تحالف الأمر الواقع» الروسي الإيراني في سوريا، على ما بين موسكو وطهران من اختلاف في الأجندات هناك، وفي المنطقة كلها.
هي الزيارة الثانية لنتنياهو لموسكو خلال نصف سنة، ووقّتها بصورة تضمن له أن يكون موجوداً على المنصة بجانب بوتين في احتفال التاسع من مايو/ أيار، ليلعب على الوتر إياه، بأن اليهود كانوا ضحايا النازية ومحرقتها، وأنه يملك، بالتالي الأهلية الرمزية ليكون حاضراً في احتفال يقام في ذكرى هزيمتها، إمعاناً في تمثيل دور الضحية، والتنصّل من صورة المعتدي، والغاصب.
ولبوتين حسابه الخاص به. إنه، وهو العارف بمتانة علاقة «إسرائيل» بالولايات المتحدة، والغرب عامة، يريد بإبرازه لضيفه إيصال رسالة لمن يهمهم الأمر في العواصم الغربية تعيد التأكيد على ما لم يعد بحاجة لتأكيد: حين يتصل الأمر بتطورات وأفق الوضع في سوريا، بالذات، لا يمكن لأحد أن يتجاهل كلمتنا.

صحيفة الخليج الاماراتية  10/05/2018

اقرأ المزيد

نسألكم الرحيلا..!!

 

ـ1ـ

أحترم – بالطبع – الرغبة التي أعلن عنها قبل أيّام 16 نائباً حتى الآن في إعادة ترشيح أنفسهم في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وأحترم 12 نائباً أعلنوا عدم حسم موقفهم من الترشح حتى الآن، وأحترم امتناع 7 نواب عن الإفصاح عن موقفهم من إعادة الترشح، بقي اثنان، اثنان فقط أحترم إعلان قرارهما بعدم خوض غمار الترشح..!

أحترم رغبة الجميع، وإن كنت أرى – بل أثق – ان استسهال فكرة عودة أي من الطاقم النيابي الحالي من جديد، ليست مستساغة، وأحسب انها مرفوضة من قبل قطاع واسع من الناخبين، وأحسب ان هؤلاء وأنا واحد منهم يتساءلون كيف ساورت هؤلاء أنفسهم فكرة العودة مجدداً الى الساحة البرلمانية، على أي أساس يتعشم هؤلاء العودة وهم أدرى من غيرهم بخيبة ناخبيهم فيهم ونظرتهم اليهم، هؤلاء يعلمون كيف عمل بعض النواب، بل كثير من النواب على إضعاف الأسس التى يقوم عليها العمل البرلماني المعتبر، هناك مشاهد ووقائع ومواقف لا تنسى، يمكن التذكير بها لكل من يريد، كلها مسجلة ومنشورة وموثقة ويمكن الرجوع اليها في أي وقت، نواب جعلوا العمل البرلماني مقطَّع الأوصال، خلقوا مناخات من الإحباط، يكفي القول إنهم جعلوا كثيراً من الناس يتمنون لو لم يكن لدينا مجلس نيابي، وهنا لا نرانا في حاجة الى الاستفاضة في الحديث عن ممارسات برلمانية ذات طابع مسرحي كوميدي، ممارسات تفضح نفسها بنفسها ..!!

يحضرنا الآن مثل يقول «المجرب لا يجرب»، لأنه سيسير بنا الى نفس الطريق، الى نفس النتيجة، الى المزيد من الإخفاقات وخيبات الأمل، والمناوشات ذات الطابع الكاريكاتوري، وسيكون مملاً أن نستعرض الشوائب التي رافقت مسيرة وأداء النواب، ولكن يمكن القول إن حصيلتهم إجمالاً لا تتيح لنا ان نحلم بواقع برلماني أفضل، ولا بتجربة يفترض انها ديمقراطية، لذلك لا يسع المواطن، وقد نفدت قدرته على الاستغراب إلا ان يشعر بالأسى وهو يقرأ ما يفيد بأن معظم النواب قرروا إعادة ترشيح أنفسهم من جديد، ربما ظنوا ان وجودهم تحت قبة البرلمان طيلة السنوات التي مضت، وأداءهم الذي وجدنا منهم من يشيد به في أكثر من مناسبة يكسبهم الحق في إعادة الترشح، وكأننا شعب لا يجيد استخلاص العبر والدروس، ولا يعرف كيف يتفادى تكرار الأخطاء والوقوع فيه، ولا مانع لديه اذا كان المشهد البرلماني عبثياً ان يأتي بمن يواصل هذا العبث، ويجعله أكثر عبثية، لم لا مادام بعض النواب وكأننا في مسرحية هزلية رديئة يصرون على تمجيد إخفاقاتهم باعتبارها إنجازات ..!!

هل هذا مقبول ومعقول ..؟ صحيح انه لم ولن تُمحَ من الذهن، ولا من الذاكرة كيف كان أداء النواب الذين تشارف صلاحيتهم على الانتهاء، والذين لا يسعفهم الوقت لأن يتجملوا، خاصة بعد ان جعلوا سلطة المحاسبة مشلولة عملياً، غدت حبراً على ورق، بعد القيود التي فرضها النواب في مشاهد لا تنسى، ولكن الصحيح ايضاً انه لا ينبغي الاكتفاء بنقد النواب، اذ لابد من باب الموضوعية الانتقال الى نقد الناخبين، هؤلاء لابد ان يتحملوا حصتهم من مسؤولية خياراتهم، وهي الخيارات التي أوصلت وللأسف نواباً تعامل معظمهم مع الناس وكأنهم لم يبلغوا سن الرشد السياسي ..!!

ليترشح من يترشح من النواب الحاليين وغيرهم، المهم ان يتعظ الناخب، ان يكون أكثر وعياً، وأكثر تحسباً لحظة الفرز، لأننا اليوم بحاجة الى من يكلفهم الشعب بصناعة الديمقراطية، وليس من يتسابقون على سد كل الطرق اليها، او يجعلون الديمقراطية بمثابة الحق الذي يراد به باطل..!! او الديمقراطية هي كذلك حرية التعلم من الأخطاء، فلا ترتكب مرتين، أخيراً نقول الى نواب الأمر الواقع الراهن ما قاله الشاعر أحمد مطر، نسألكم الرحيلا، لن ننسى لكم هذا الجميلا.. !.

ـ2ـ

سؤال بريء..

لماذا لم نجد نائباً، نائباً واحداً لا أكثر يمكن اعتباره مفكراً، وميزان المجلس النيابي، اذا تكلم أنصت له الجميع من داخل وخارج الجميع، فقط لأنه يقول شيئاً له قيمة، شيئاً معتبراً ومعبراً عن تطلعات الناس ومصالحهم، يحرك مشاعرهم وضمائرهم..؟.

نائب اذا تكلم لا يقال عنه إنه صاحب غرض، او غاية، او مصلحة خاصة، ولا يقال بأنه حكومي أكثر من الحكومة، ولا يقال بأنه نائب خدمات، او يقال بأنه نائب بمستوى موظف علاقات عامة لدى هذه الجهة او تلك، لا همَّ له إلا إصدار بيانات الإشادة بكل ما تقوم به الحكومة..!! باختصار نائب لا يكون سبباً من أسباب السخط وهي كثيرة في بلادنا وللأسف..!!

ـ3ـ

لا مانع من سؤال بريء آخر..

هل لو كان العمل البرلماني مهمة وطنية تطوعية، لا رواتب ولا امتيازات، ولا معاش تقاعدي، هل سنرى إقبال المترشحين بالكثافة ذاتها التي نشهدها في كل انتخابات..!!

اقرأ المزيد

تعزية المنبر التقدمي لحزب التجمع الوطني التقدمي المصري بوفاة الزعيم الوطني الكبير خالد محيي الدين

 

 

الرفيق العزيز سيد عبد العال                المحترم  

الأمين العام لحزب التجمع الوطني التقدمي

جمهورية مصر العربية                

 

 

ببالغ الأسى والحزن تلقينا خبر وفاة الزعيم الوطني الكبير خالد محيي الدين، أحد القادة البارزين في ثورة يوليو 1952 في مصر ومؤسس حزبكم المناضل والشخصية العربية والأممية المعروفة. بوفاته خسرت القوى اليسارية والتقدمية وكل الوطنيين في مصر والعالم العربي، فارساً من الفرسان الشجعان، الذي طالب، ومنذ وقت مبكر، بإشاعة الديمقراطية وتشكيل الأحزاب السياسية وإعادة الحياة النيابية وعودة الجيش إلى الثكنات في مصر.

بهذا المصاب الجلل نتقدم إليكم، وعبركم، إلى الرفاق والاصدقاء وذوي الفقيد الغالي بخالص التعازي القلبية، راجين للعلاقات الرفاقية بين تنظيمينا ان تزداد قوة ومتانة.

 

 

خليل يوسف رضي

الأمين العام

المنبر التقدمي

اقرأ المزيد

سجين الغرفة 101

ربما يكون الكاتب البريطاني جورج أورويل من اوائل الكتاب الذين تنبأوا في أعمالهم بالمصير الذي سيؤولإاليه عالمنا المنكوب بالاستبداد والقمع وسيطرة الاحزاب الحاكمة والنظم الشمولية والقلة المسيطرة  وتدخل أجهزة الاستخبارات في جميع أنشطة الانسان وقولبة فكره ومسخه وتحويله الى كيان آخر، منزوع الاستقلالية، ومسلوب الإرادة ويساوي صفراً، أو ممسوخا ومغسول الذهن ومجيّر في الغالب لصالح النظام وفرد تابع وخاضع له، وكلما عرف العالم كارثة انسانية جديدة من صنع بني البشر كالكوارث المالية والصحية والمناخية الانقلابات والابادات الجماعية وحروب الفقر والتجويع والكذب والتضليل، وكل الحوادث التي تبدو في ظاهرها طبيعية وتحدث من تلقاءها، ثم يتبين لاحقاً أنها مصطنعة وتخفي التآمر والخديعة، أقول: كلما جرى ذلك كلما تذكّر القراء روايات أورويل “مزرعة الحيوانات” ورواية “1984” المعبرتين عن شقاء ومحنة الانسان الواعي والعارف أو الفالت من أسر التبعية وتيار القطيع والاعلام الموجه الذي خسر سيطرته راهناً امام المد الجارف والكاسح للأعلام  الالكتروني .

بطل رواية 1984 موظف يعيش في العام 1949 لكنه تخيّل عالم الثمانينات وما بعده ورسم صورته بدقة ونتبأ فيه بسيادة الفكر الاستبدادي وأساليبه المتطورة، هذا النظام الذي اذا اعتراه خلل او صادفته مصيبة، فإنه لا ينقلب على ذاته ولا يغير مجراه، انما هو فقط يتخلص من نقاط ضعفه ويعزز دعائم قوته ويكسب أعضاءً جدداً، ويبتكر أساليب جديدة يسيطر بها على العامة وعلى كل احتمال بالتغيير أو الثورارت أوالانقلابات التي قد تحدث مستقبلا.

يصف ونستن سميث بطل الرواية البلد التي يعيش فيها والتي يسميها “أوشانيا” كناية عن بريطانيا، بأنها محكومة من أربع وزارات، وزارة الحقيقة، وزارة السلام، وزارة الحب ووزارة الوفرة. ولاحقاً يكتشف القارئ أن الأولى هي وزارة الإعلام والثانية وزارة الدفاع والثالثة وزارة الداخلية والرابعة وزارة المال، وأما وزارة الحقيقة التي يعمل فيها البطل، فمهمتها مراقبة الشعب ونشر الأخبار الملفقة والتصنت على المواطنين وتحطيم العلاقات الأسرية وافناء كل ولاء غير موجه للحزب، ووسيلة هذه الوزارة تقوم على السيطرة على اللغة (التربية والإعلام والدين) واقناع العامة والسيطرة على العقول وتدميرها وإعادة تركيب الكلمات والمصطلحات المتداولة، بل وصنع لغة جديدة، ونستون يرى بعد فترة أن وزارته تقوم بين الحين والآخر بمراجعة التاريخ وحرق وحذف وتغيير وتعديل ما لا يناسبها وما لا يتوافق مع المعتقدات والحقائق التي تريدها وتتفق مع سياساتها .

يبدأ البطل بتدوين مشاهداته وأفكاره فيصير تحت مراقبة شرطة الفكر منذ تلك اللحظة، يقع في الحب بعد فترة مع فتاة اسمها جوليا، ولأنه مراقب ومكشوف بسبب اجهزة التصنت وشاشات المراقبة بحكم معارضته وشكوكه في عقيدة الحزب وانتماءه لجماعات مناوئة، تقبض عليه شرطة الفكر ويقتاد إلى وزارة الحب حيث يجري استجوابه وتعذيبه ومعالجته من كراهية الحزب، وفي إحدى الجلسات يتضح له أن تعذيبه ليس بغرض الحصول على المعلومات أو الاعترافات ولكن بهدف تغيير طريقة تفكيره، يؤخذ الى الغرفة 101 والتي تعد الغرفة الأكثر رعبا  حيث يسلط على السجين أكثر شئ يخافه كي تتحطم قدرته على الصمود والمقاومة، وتقوم فكرة الرقم 101على أن الفرد يدخل وهو يشكل رقم واحد ثم يُصيرونه صفراً، ثم يعاد خلقه من جديد ليصبح واحداً جديداً  لكنه واحد نافع وغير مضر للحزب بل ومؤيد له، وفي حالة ونستون يسلطون عليه الفئران التي يخشاها، وهنا يصرخ البطل “لاتفعلوا ذلك بي افعلوه بجوليا”، فيدركون أنه انتهى وأوصلوه إلى مرحلة تحطيم اعماق القلب والوجدان، عندها يتوقفون عن تعذيبه ويخرج من السجن، يعود مرة ثانية إلى المجتمع انساناً جديدا معافى من ذلك الرجل الذي كانه في السابق، مغسول الدماغ ومعادة تربيته ومعتقداته ونظرته إلى الحزب .

 في المشهد الأخير من الرواية يلتقي ونستون بحبيته بالمصادفة، يتحدثان ببرود ، يصف كلاهما  احاسيسهما  القديمة السابقة “بالسيئة” ، يقر كلاهما بخيانة الآخر، يفترقان بلا مبالاة، ويعود الصحفي إلى حياته السابقة بدخل أكبر ووضع مهني أفضل وبمصالحة مع الحزب وباتفاق على الاستمرار في عمله كصحفي مزَور للحقائق حفاظا على لقمة عيشه وتلافيا لتهديدات الحزب له بإعدامه .

الرواية التي تحولت إلى فيلم سينمائي شهير اختارتها مجلة “التايمز” قبل عدة سنوات كواحدة من أفضل 100 رواية كتبت بالإنجليزية، وترجمت إلى 60 لغة، وكانت تعد رواية خطرة ومنعت من التداول في الكثير من الدول، ولكن بقيت المصطلحات الواردة فيها  ك”الأخ الأكبر”، “لا تفعلوا ذلك بي افعلوه بجوليا”، “والغرفة 101″ و”وزارة الحب”- التي تحّول السجين من انسان كاره للحزب أو السلطة إلى انسان محب ومتصالح معهما – تحولت الى مفردات سياسية عامة ومتداولة في الشارع السياسي.

لقد أراد اورويل في أعماله استعراض رؤيته وتنبؤاته لمستقبل عالمنا قبل رحيله ملخصا أساليب النظم الاستبدادية التي كرهها، وأتيح له اثناء عمله كمراسل صحفي وموظف في الشرطة الاستعمارية أن يكشفها عن قرب، فيقوم بفضحها وتحليل غاياتها والتنبؤ بمصائر البشر الواقعين تحت قبضتها .

العودة إلى روايتي “مزرعة الحيوانات” و1984″ تعطي اجابة وافية على بعض مجريات الأحداث في ايامنا الراهنة. إن كاميرات المراقبة التي تجتاح العالم اليوم أمر تنبأت به الرواية قبل 60 عاما .

نشرة التقدمي  العدد 126 مايو 2018

اقرأ المزيد

هل نضب ماء دمشق؟

استيقظنا ذات صباح على شعر نزار قباني و هو يتغنى بمدينة الياسمين قائلاً: ” كتب الله أن تكوني دمشقاً .. بك يبدأ وينتهي التكوين … علمينا فقه العروبة يا شام، فأنت البيان والتبيين… إن نهر التاريخ ينبع في الشام… أيلغي التاريخ طرحٌ عجين؟”

تربعت مدينة دمشق عبر تاريخها عرش الصدارة في جمالها وعروبتها، إذ ابتغى لها أن تكون أرض الله المسقية. زارها معظمنا وشعر بأنه في الجنة، أو أنه في منتصف الطريق اليها، يحاور أولئك الذين سبقوه من عظماء وربما أيضاً أولئك الذين سيأتون.

دمشق هي أرض الفن، مائها هو فنها، وفنها هو ساكنوها. الشاميون هم الأرض المسقية، هم ماء دمشق ودمها. لولا أهلها، لما أعطينا للعروبة أهميتها، لولا نزار والكواكبي والمعري وطرابيشي وغادة وأدونيس وسعد الله ونوس وحنا مينه وغيرهم الكثير، لما كان الأدب العربي ما هو عليه الْيَوْمَ. لولا الموهبة في كتابة النصوص المسرحية والدرامية لدى السوريين، لما ارتقينا بالفن المسرحي، لولا ابتكارهم في الرسم والفن التشكيلي، لما عرفنا فن الوقوف أمام عمل والتحديق به طويلاً من كثرة الإعجاب.

ما زلت أستذكر آخر مرة حدقت فيها فترة طويلة أمام لوحة فنانة سورية عزيزة جداً على القلب، وكيف أغوتني المرأة التي على صدر اللوحة بنظراتها الهادئة التي إن حكت روح مشاهدها، قالت له بأنها تفتقد الحب وتترقب بفارغ الصبر السلام في مسقط رأسها. تعتلي هذه المرأة عرش اللوحة ونظراتها بواحة بحقائق كثيرة، تتلاقى نظراتنا وأشعر بها تقول لي بأن الحياة ليست هنا، ليست فوق طاولة الصالون الكائنة في شقة في حي فرنسي، وإنما في مكان آخر، في موضعها الأصلي بجانب شرفة تطل على شمس الشام، التي تسقيها حباً ونور. ما زلت أستذكر باقي اللوحات التي استعرضتها هذه الفنانة أمامي، ورسمها أكثر من مرة للجامع الأموي، ما زلت أتذكر شغفها بشرح تفاصيل اللوحة وتغنيها بهذا المعلم التاريخي الذي تهفو اليه الأفئدة، ورغبتها بالعودة.

إن الحرب شيء فظيع. لقد أهلكت الحرب مجمع السوريين وأبعدتهم عن أرضهم المسقية. لقد كان منهم من أنتج ومن أبدع، ثم أضحى فجأة فرداً غير مرئي، يسير بين جمع هائل من البشر في الشوارع الأوربية.  هل أصبح الفن مجرد هواية تمارسها صديقتي الفنانة في أوقات الفراغ؟ وغدت الحرب الصناعة الحقيقية للبشر؟ حرب على من؟ ضد من، ولماذا؟ لا يهم كل ذلك. لقد قتل من قتل وشرد من شرد، وما زالت المرأة التي على صدر اللوحة تترقب لحظة الرجوع.

إذا كان تاريخ الانسانية لا يتعلق بالإنسان ويبني نفسه على أساس عدد الحروب التي خاضها، وإذا كان قد فرض على الفرد بوصفه قوة غريبة ليس له عليها أي تأثير، فإن تاريخ الفن (الرسم والموسيقى والأدب والمسرح) ولد من حرية الإنسان، من إبداعاته الشخصية الكاملة، من خياراته. لقد قالها ميلان كونديرا في الوصايا المغدورة: “تاريخ الفن هو انتقام الانسان من لا شخصانية التاريخ الإنساني”.

لقد حكموا وما زالوا يحكمون على السوريين بالموت، وقد يكون من العبث الحديث عن الفن في وسط وضع لا تريد فيه الدول الكبرى لسوريا أن ترتاح، ولكنه في الحقيقة ليس عبثاً، لأنه بالفن فقط، نستطيع أن نصل إلى الحافة التي تفصل الحلم عن الحقيقة وتحويل الأماني الى واقع. الشر الموجود في العالم، لا سبب له غير الجهل وطريق الخلاص منه هو الاجتهاد بالفن، بالكتابة، بالرسم، بالتمثيل، بالغناء، بالرقص.

 لم ينضب ماء دمشق ولن ينضب أبداً، ما دامت فسحة الأمل تحيا بالفن. أرى الشاميين في كل ما أقرأ وأرى وأسمع، اذ ليس بالإمكان استرجاع فقه العروبة من دونهم، وحربهم هي حرب العروبة أجمع، ومثلما قال محمد الماغوط في كتاب سأخون وطني: “لم تعد الشعوب بحاجة الى أسئلة وأجوبة، فكل شيء بات واضحاً أمامها الآن، ولا عدو لها سوى أمريكا وحلفائها في العالم أجمع والى اللقاء على أشلائهم جميعاً”.

نشرة التقدمي  العدد 126 مايو 2018

اقرأ المزيد

في الأول من مايو: ضرورة الوعي العمالي

 

منذ نشوء الطبقة العاملة من رحم الثورة الصناعية في أوروبا حتى يومنا هذا وجماهير الشغيلة تناضل ضد قوى الاستغلال الفكري والجسدي المهيمنة على رقاب الملايين من الكادحين في العالم، وبالمقابل فإنه لا يمكن ان يجري تجاهل دور الطبقة العاملة وسائر الشغيلة اليدوية والفكرية خصوصاً إذا انطلق نضالها من الوعي الحقيقي الذي من خلاله تستطيع معرفة طبيعة الاستغلال الذي تتعرض له من الرأسمالية الاحتكارية التي تجعل من الكادحين لها عبيداً لرأس المال في سبيل جني الأرباح الطائلة في خزائن حفنة قليلة، وافقار الملايين من الكادحين مع انتشار البطالة والفقر والتشرد حتى في عقر دار أكبر الدول الرأسمالية مثل أمريكا وأوروبا.

 الوعي الحقيقي في صفوف الحركة العمالية وقياداتها وكوادرها هو الذي من خلاله تدرك الجماهير الكادحة ضرورة العمل المنظم الذي تتضافر فيه جهود الكادحين على المستوى الأممي، والذي على أساسه صيغ الشعار الملهم: يا عمال العالم اتحدوا ولن تخسروا إلا القيود.

أيضاً تزداد الفرص امام الحركة العمالية كلما وعت وناضلت في سبيل ان تتحرر من القيود السياسية القمعية والأفكار الرجعية وتعلم بناء المجتمعات الحرة الديمقراطية،  الخالية من صنوف القهر والاستبداد والظلم بجميع أشكاله الجسدية والفكرية، والتمييز العرقي والطائفي والمذهبي، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة والمواطنة الكاملة.

إن القوى المعادية للحركة العمالية والنقابية تعمل باستمرار للحيلولة دون وحدة هذه الحركة،  وتبث سموم الاستعمار القديم – الجديد وتدس الانتهازية في صفوف الحركة العمالية والنقابية حتى تصل لدرجة الانقسام والتشرذم والاضعاف دورها وهذا ما يحصل اليوم في ربوع الوطن العربي.

تاريخياً لعبت الحركة العمالية واليسارية أدوار بطولية في توحيد الحركة العمالية والنقابية هذا منذ اصدار البيان الشيوعي عام 1848 وايضاً من خلال تجربة كومونة باريس وبعدها قيام الثورة الاشتراكية العظمى في روسيا عام 1917 التي ساهمت في النهوض بالحركة الاشتراكية العالمية وعززت دور الحركة العمالية على مستوى العالم، إلا أن الانهيار المدوي للاتحاد والسوفياتي قد ساهم في تراجع الحركة العمالية نتيجة لتراجع الحركة اليسارية.

لا يجب أن يعني هذا توقف النضال اليومي للعمال بل ان ذكرى الأول من مايو ايار المجيد من كل عام حافز لمواصلته في سبيل الحفاظ على ما تحقق لها من مكاسب تاريخية، ومن أجل وقف صنوف الاضطهاد والاستغلال البشع في كل مكان، وهي المهمة المناطة بالقوى التقدمية واليسارية.

نشرة التقدمي  العدد 126 مايو 2018

 

اقرأ المزيد

طائر الفينيق حين يهاجر

     “بلدكم دي بتكسب دهب” هذه جملة ألقاها عليَّ أحد الأصدقاء المصريين أثناء تواجدي في القاهرة، نقلاً عن أحد الوافدين السوريين الذي افتتح أكثر من مشروع تجاري ناجح في مصر. وقبل الحديث عن النموذج الناجح للإنسان السوري (اللاجئ)، فإن الشعب المصري (المضياف) يستحق تقديرا استثنائيا على سعة القلب القومي الذي لا ينافسه فيه شعب عربي آخر، فالمصريون استقبلوا بكرم اللاجئين الفلسطينيين واستوعبوهم ضمن النسيج المصري، ثم استوعبوا موجات الهجرة للعراقيين بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، وفي موجات ما سمي بالربيع العربي استضافوا الليبيين ثم السوريين ثم اليمنيين، دون أن تسمع من أي فئة كانت وفي كل الظروف الصعبة التي تمر بها مصر أي تذمر أو تأفف من زيادة الضغط السكاني، أو  قلق من منافسة هذه الجموع الغفيرة من الوافدين للمصريين في لقمة العيش الصغيرة أصلا.

أما اللاجئون أو المهاجرون السوريون إلى مختلف أصقاع العالم، وخصوصا الأصقاع العربية، فقد ضربوا نموذجا فريدا للإنسان العربي المنتج يستحق تسليط الضوء عليه والتعلم منه. ففي دولة كبيرة مكتظة بالسكان مثل مصر، لم يجلس السوريون في منازلهم المستأجرة ينتظرون الفرج ويعيشون على الشحاتة أو غيرها من المهن المذلة لكسب العيش. نقل (الشغيل) السوري حرفته معه، ففتح الورش البسيطة بما ادخره أو بشراكة مع مواطن مصري، ثم تطورت الورش إلى محلات ومصانع تنتج الملابس والأثاث والأواني المعدنية والأكسسوارات وغيرها. والمناطق المصرية الراقية مثل منطقة 6 اكتوبر صارت مليئة بالمطاعم السورية الفاخرة والمرتبة والنظيفة. حتى النسوة السوريات الفقيرات.. بدأ بعضهن ببيع البقلاوة والبسبوسة والمخللات على الطريقة السورية في الشوارع، ثم تطورن وصرن يعددن الطعام في المنزل ويبعنه للراغبين فيه، ثم أسسّن حسابات انستغرام ووفّرن سيارة للتوصيل، واحترفن إعداد وجبات الطعام الرئيسية والحلويات ووجبات كاملة للحفلات.

  هذا الوضع ليس في مصر وحدها، ففي تونس وبلاد المغرب أخذ السوريون يؤسسون مشروعاتهم الصغيرة القائمة على إعداد الأطعمة والصناعات الخفيفة ولاقت رواجا كبيرا. وعلى قناة مونتي كارلو صباحا استمعت لفقرة تتحدث عن النشاط التجاري المميز للقادمين السوريين إلى (السودان)، وكيف أنهم استقروا وافتتحوا المحلات والورش والمطاعم الصغيرة وأذهلوا السودانيين بمهارتهم ونشاطهم وبشاشتهم. ولا داعي للتأكيد بأن المجاميع السورية التي هاجرت إلى أوروبا هي في أغلبها من النخب الفكرية العاملة في الوظائف الإدارية والفنية المتوسطة والمتقدمة في مجال التعليم والطب والهندسة والمحاسبة. وقد فتحت لهم أوروبا أذرعها، وخصوصا ألمانيا، مستبشرة بمواطني المستقبل الذين سيحسنون من الهرم السكاني ويعيدون ضبط تركيبية المهاجرين بتركيبة نوعية كبيرة من المواطنين الصالحين المنظمين والمنضبطين والمنتجين.

  نموذج الإنسان السوري العصامي والمنتج، علّمت الكثيرين أن على المرء أن يكون صاحب حرفة وتخصص، أياً كان المستوى والحرفة، فليست الشهادات الأكاديمية هي وحدها التي تخدم الإنسان، بل إن الكفاءة الحرفية، تنقذ الإنسان من تقلب الزمان وتردي الأحوال. والإنسان  والسوري تحديدا، أدرك هذه القاعدة على مرّ تاريخه الطويل المليء بالنزاعات والانكسارات والانهيارات، لذلك كان ينهض بعد كل عثرة ويثب بعد كل سقوط مستعينا بقواه، ويعيد بناء دولته مكتفيا بمهاراته، مستلهما الإبداع من روحه الخلاقة.

    في الحروب الحديثة التي تشن على المنطقة العربية، تم استخدام تقنيات حديثة أنتجت أساليب متخلفة في تدمير إنسانية المواطن العربي. فعادت العبودية، وعاد آكلوا أكباد البشر، وعادت الكوليرا والتيفود، وترك الأطفال مدارسهم وانخرطوا في الشغل، وعمت المجاعات، وبيع البشر بالجملة أو بالأعضاء. إنها حروب تريد إنتاج قطعان بشرية من الهمج ومن الكائنات المتوحشة التي ذكرتها أساطير الخلق الأول. لكن المهاجر أو اللاجئ السوري أثبت أنه ادخر عبر هذه القرون إنسانيته ورقيه وروحه الممزوجة بزهر الليمون وعبق الجبال ونسائم البحر، وفاح بها في كل مكان يحل فيه.

   أسطورة طائر الفينيق الذي يحترق ثم يبعث من رماده طائرا أقوى، لم تكن خيالا. كانت تصورا سوريا عن الذات، وبناء مستقبليا لما يجب أن يكون عليه السوري، وكيف يجب أن تبقى سوريا أبدا. يجب أن تنهض سوريا وأن يكون السوري مستعدا دائما ومسلحا بالعمل والكفاءة والإنسانية والروح العالية التّواقة إلى السماء. نموذج الإنسان السوري المنبعث من تحت الرماد تعلم العربي أن يكون إنسانا ورقما في هذه الحياة. وليس عالة على الحياة يتحول إلى منكوب تهب الشعوب والمنظمات لإنقاذه والمتاجرة بصور بؤسه. نموذج السوري الفينيقي تعطينا الأمل بأن الإنسان العربي يمكن أن ينهض من جديد، وأن ينبت كشجرة عملاقة معطاءة في أي أرض تلقيها الريح فيها.

نشرة التقدمي  العدد 126 مايو 2018

اقرأ المزيد