المنشور

هنأ البحرين شعباً وقيادة بمناسبة العام الجديد – التقدمي في بيان له

نتطلع من سمو ولي العهد رئيس الوزراء أن يدشن عهداً يلامس تطلعات المواطنين
مطلوب انفراجات ملموسة ومواجهة كل أشكال الانقسام والتفرقة بين أبناء الوطن
مصلحة البحرين وشعبها أكبر وأهم من كل الاعتبارات من الأشخاص والمصالح الخاصة

بمناسبة العام الجديد 2021 يرفع المنبر التقدمي خالص التهنئة لشعب وقيادة مملكة البحرين، متطلعين أن تشهد البحرين في العام الجديد مبادرة يدشن عبرها صاحب السمو ولي العهد رئيس الوزراء عهده الجديد بخطوات تلامس نبض المواطنين وتطلعاتهم وتعزز مسيرتنا الوطنية، وتقطع الطريق بشكل حاسم ونهائي على من لا يريدون لنا سوى المراوحة وإبقاء الوضع على ما هو عليه.

لقد مررنا في العام المنصرم مع شعوب المنطقة بعدة أزمات، وفي المقدمة منها ما يتعلق بالأزمة الصحية الناجمة عن كورونا “كوفيد 19” وما أفرزته من تداعيات على كل الصعد، ورغم أن هذه الأزمة كشفت عن أوجه خلل وقصور، إلا أنها بالرغم من ذلك أبانت بالنسبة لنا عن مدى حرص المواطنين وتكاتفهم خلال الأزمة، ويسرنا أن ننوه مجدداً وبتقدير بالغ بالجهود الطيبة والمميزة للفريق الوطنى الطبي للتصدي لفيروس كورونا، كما أننا نقدر عالياً ما أبداه صاحب السمو الملكى ولي العهد رئيس الوزراء من جهد ومتابعة شخصية كانت ولا زالت داعمة لجهود ذلك الفريق مما ميّز البحرين في تعاملها مع مقتضيات مواجهة الجائحة.

كما نتطلع بشغف أن يدشن سموه في العام الجديد خطوات ومبادرات تلامس تطلعات المواطنين، وتنسجم مع نبض وأوجاع أهالى الموقوفين والمعتقلين لدواعي حرية الرأي أو النشاط السياسي، كما نتطلع إلى خطوات تعزز من مسيرة تجربتنا البرلمانية وتوسيع صلاحيات المجلس النيابي في التشريع والرقابة والمساءلة ومحاربة الفساد، ونتطلع كذلك أن يشهد العام الجديد خطوات فعلية وملموسة على طريق التعامل الأمثل والجدي مع تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية، ووضع المحاربة الفعلية للفساد وصون المال العام ضمن أهداف وأولويات العام 2021، مشددين على أهمية إيجاد المعالجات الصائبة لمواجهة البطالة في أوساط شباب البحرين، والنظر في كل ما ينهض بواقع التعليم في البحرين وربطه بسوق العمل.

إن الآمال معقودة من جهة أخرى إلى الرؤى والخطط والاجراءات الواضحة والمدروسة الواجب اتخاذها في مواجهة الأزمة المالية وتفاقم الدّين العام والعجز في الموازنة العامة مع التأكيد على أهمية تطوير أساليب إدارة الدّين العام والسيطرة على المديونية كهدف استراتيجي ونؤكد أن أي معالجات فى هذا الشأن يجب ألا تكون على حساب الطبقات الشعبية التي تئن حالياً من أعباء تثقل كاهلها، وأن برنامج عمل الحكومة بشقيه الاقتصادى والاجتماعي يجب أن يأخذ ذلك في الاعتبار .

ومن جهة أخرى يتطلع التقدمي في العام الجديد إلى العمل على نزع فتيل التوتر ودرء خطر اندلاع الحروب وسرعة حل النزاعات والخلافات بالطرق السلمية، وإبعاد كل القوى الأجنبية عن المنطقة ومياهها الإقليمية وفي طليعتها أسلحة الدمار الشامل والأسلحة التي تعمل بالطاقة النووية والتي أصبحت تجوب مياه الخليج بما تمثله من خطر على حياة شعوب المنطقة وما يمكن أن تخلفه من كوارث صحية وبيئية، كما يتمنى النجاح للقمة الخليجية المقرر عقدها في الرياض بعد أيام والخروج بما يحقق السلام والاستقرار والوئام فى المنطقة.

وأخيراً يجدد التقدمي ونحن فى مستهل العام الجديد على رفض وإدانة كل أشكال الفرقة والانقسام بين أبناء هذا الوطن، وأنه علينا التعاطي بمسؤولية ووعي وإدراك لدقة المرحلة التي نمر بها مع ضرورة المواجهة الجادة لكل من يسعى إلى ذلك، ولكل من يريد تحقيق أي هدف على حساب مصلحة الدولة والوطن والمواطن، مؤكدين أن مصلحة البحرين وشعبها هى أكبر وأهم من كل الاعتبارات والأشخاص والمصالح .

المنبر التقدمي – البحرين
31 ديسمبر 2020

اقرأ المزيد

أعرب عن اعتزازه بإطلاق الوثيقة الوطنية لمناهضة التطبيع ” التقدمي”: لا لتحميل المواطن رسوماً وأعباءً جديدة ولا للمساس بحقوق المتقاعدين دعوة إلى مبادرات تفتح آفاقاً جديدة تخدم تطلعات شعب البحرين فى المرحلة المقبلة

أعرب المنبر التقدمي عبر مكتبه السياسي عن اعتزازه بموقف شعب البحرين المساند لقضية الشعب الفلسطيني والمناهض للتطبيع مع الكيان الصهيوني والذي عبرت عنه حتى الآن (22) من الجمعيات السياسية ومنظمات ومؤسسات المجتمع المدني بكافة اتجاهاتها وتوجهاتها عبر الوثيقة الوطنية لمناهضة التطبيع التي اطلقتها يوم أمس، والتي لازال الانضمام للتوقيع عليها مفتوحاً أمام من يود من الجمعيات والمؤسسات الأهلية الأخرى. وفي هذه الوثيقة تم التأكيد على أن جميع مكونات وأطياف الشعب البحريني وأطيافه تتوحد على القضية الفلسطينية وتناصر الحقوق المشروعة والعادلة للشعب الفلسطيني الشقيق وتقف مع نضاله لدحر الاحتلال الصهيوني وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وأشاد التقدمي بثبات موقف شعب البحرين حيال القضية الفلسطينية.

وكان المكتب السياسي للمنبر التقدمي برئاسة خليل يوسف قد عقد اجتماعه الدورى يوم السبت الموافق 12 ديسمبر 2020 وقد استهله بالتنويه بما تحمله الوثيقة من معانٍ ودلالات للموقف الشعبي من القضية الفلسطينية ورفضه لكل أشكال ومستويات التطبيع مع الكيان المحتل، وإلى جانب ذلك دعا التقدمي إلى استثمار أجواء العيد الوطني وقرب حلول عام 2021 لتبني المبادرات التي تفتح آفاقاً جديدة تخدم تطلعات شعب البحرين وتعزز مسيرة العمل الوطني في المرحلة المقبلة.

وتابع المكتب السياسي ما يجري حالياً من مناقشات بين الحكومة والبرلمان لبحث قانون باعتماد الميزانية العامة للدولة للسنتين الماليتين 2021 – 2022، مع برنامج التوازن المالي وبرنامج عمل الحكومة بما يسهم في تحقيق التعافي الاقتصادي، وأكد التقدمي بأن تحقيق تلك الأهداف وتعزيز قدرة البلاد على بلوغ المعالجات الحصيفة للتغلب على التحديات التي لا مفر من مواجهتها، لا ينبغي بأي شكل من الأشكال أن تمس الفئات الفقيرة أو المحدودة الدخل عبر المزيد من الرسوم والأعباء المالية مما يسبب لهم وجعاً لا يطاق ويؤدي إلى المزيد من إفقارهم وخلخلة أوضاعهم.

وفي شأن مرسوم قانون صندوق التقاعد الذي أعلن بأنه سيخضع للبحث بين الحكومة والمجلس النيابي، سعياً لرؤية توافقية بين الطرفين، فإن التقدمي يجدد رفضه أي مساس بحقوق ومكاسب المتقاعدين وأصحاب المعاشات المحدودة، ويدعو إلى معاودة صرف الزيادة السنوية للمتقاعدين لاسيما بالنسبة لأصحاب المعاشات التقاعدية المنخفضة الذين يعانون من الوفاء بالحد الأدنى لاحتياجاتهم المعيشية .

ومن جهة أخرى تناول المكتب السياسي مسار التعاون والعمل المشترك في الفترة المقبلة بين الجمعيات السياسية عبر تنسيقية هذه الجمعيات، وأكد دعمه لهذا التعاون في كل الملفات التي تخدم مسيرة العمل الوطني المشترك، كما تابع آخر الترتيبات الجارية للمنتدى الفكري السنوي السابع للتقدمي الذي سيعقد فى شهر فبراير القادم تحت عنوان “التبعات الاجتماعية للخصخصة في بلدان الخليج – الصحة والتعليم مثالاً”.

وكان المكتب السياسي قد توقف عند ذكرى الشهيدين سعيد العويناتي ومحمد غلوم، ونوه بنضالاتهما وتضحياتهما في سبيل الوطن، و بالمباديء الوطنية التي من أجلها بذلا حياتهما في سبيلها، وطالب بالقصاص ممن قتلهما، وقال أن الجروح وراء مقتل هذين الشهيدين لم تندمل ما دام من تسبب في قتلهما لم ينل جزاءه المستحق. كما توقف المكتب السياسي بحزن وأسي لوفاة أحد أعضائه قبل أيام بعد اصابته بمرض كورونا وهو مهدي محمد مهدي، واستعرض بكل تقدير دوره ومشاركاته فى العمل الوطني ولاسيما في مجال العمل النقابي وتأسيس نقابة التأمين، وتقدم التقدمي بأحر التعازي والمواساة إلى عائلة الفقيد ورفاقه وأصدقائه .

المكتب السياسي للمنبر التقدمي – البحرين
13 ديسمبر 2020

اقرأ المزيد

أطلقتها الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني في البحرين الوثيقة الوطنية لمناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني

تتفق جميع مكونات الشعب البحريني وأطيافه وتتوحد على القضية الفلسطينية، ومناصرة الحقوق المشروعة والعادلة للشعب الفلسطيني الشقيق، وعلى الوقوف مع نضاله لدحر الاحتلال الصهيوني، وإقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وعودة اللاجئين الفلسطينين إلى أراضيهم، كما تتفق هذه المكونات جميعاً على رفض كافة صور التطبيع مع الكيان الصهيوني.

ومن هذا المنطلق فقد وقف البحرينيون بكافة اتجاهاتهم ضد أي شكل من العلاقات مع هذا الكيان، بدءاً من استضافة البحرين لورشة اقتصادية برعاية أمريكية ومشاركة “إسرائيلية” في يومي 25 و26 يونيو 2019، وما سبق ذلك من زيارة لوفد صهيوني تحت يافطة اقتصادية، وبرز هذا الموقف الشعبي البحريني، بشكل خاص، بعد توقيع البيان المشترك بين حكومتي البحرين والكيان الصهيوني بتاريخ 15 سبتمبر 2020 في البيت الأبيض في واشنطن برعاية أمريكية، وما تلاه من ابرام مذكرة التفاهم في المنامة بتاريخ 18 أكتوبر 2020.

ويعلم الجميع أن مآل هذه الخطوات هو التطبيع الدبلوماسي الكامل بما يحويه في مسار العلاقات الدولية من الاتفاقات الثنائية العسكرية والاقتصادية والثقافية التي تؤطر إلى ترسيخ واقع من المصالح الفردية والجماعية، وهو نهج يستهدف في غايته إلى تغييب عناصر الوعي الإنساني والقومي والديني المساند لحق العودة الفلسطيني.

وبما أن الجمعيات السياسية والاتحادات وكافة منظمات المجتمع المدني تناهض التطبيع مع الكيان الصهيوني، وأن قرار التطبيع تمّ بمعزل عن الإرادة الشعبية وفي إتجاه معاكس لها، فإن هذه الجمعيات والاتحادات والهيئات توافقت على التعبير عن إرادتها وترجمة موقفها الرافض للخطوات التي اتخذت في إتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني وتلك المعتزم اتخاذها في هذا الإتجاه، وارتات أن تعلن عن هذه الوثيقة الوطنية لمناهضة التطبيع، والتي تتضمن المواقف الواردة أدناه:

تلتزم الجمعيات والاتحادات ومنظمات المجتمع المدني الموقعة على هذه الوثيقة بمقاطعة أي شكل من أشكال التطبيع الاقتصادي أو الثقافي أو السياسي أو الاجتماعي أو السياحي أو الصحي مع الكيان الصهيوني وذلك في الآتي من الخطوات:
1- الامتناع عن شراء أي منتج “إسرائيلي” لغرض استخدام الجمعية في أنشطتها اليومية.
2- مقاطعة أية مؤسسة أهلية أو أي شخصية بحرينية كانت أو غير بحرينية تتعامل أو تتعاطى مع الكيان الصهيوني وتتعهد بعدم استضافتها في فعالياتها وأنشطتها المختلفة، ويستثنى منها المؤسسات والمنظمات الرسمية الدولية.
3- إلتزام الجمعيات الموقعة على هذه الوثيقة بتضمين أنظمتها ولوائحها الداخلية الإجراءات التأديبية ضد أي عضو منتسب للجمعية يقوم بأي فعل يُعدّ من الأفعال التطبيعية أو المساندة للتطبيع، تصل إلى الفصل من عضوية الجمعية.
4- مواصلة اقامة الفعاليات والبرامج المناهضة للتطبيع، وإبداء المواقف المساندة لنضال الشعب الفلسطيني في كافة المناسبات والمحافل المحلية وغير المحلية بقدر استطاعتها وما تتيحه لها امكانياتها المهنية والمادية.
5- مقاطعة الفعاليات الرسمية وغير الرسمية التي من شأنها بناء جسور التطبيع.
6- التصدي لمشاركة الوفود الصهيونية في اجتماعات المنظمات الدولية الرسمية والفعاليات ذات الطابع السياسي الدولي واتخاذ المواقف المناهضة لها.

الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني الموقعة على الوثيقة:
1- المنبر التقدمي
2- التجمع الوطني الديمقراطي الوحدوي
3- الوسط العربي الإسلامي
4- الصف الإسلامي
5- التجمع القومي الديمقراطي
6- تجمع الوحدة الوطنية
7- المنبر الوطني الإسلامي
8- جمعية الشبيبة البحرينية
9- جمعية مناصرة فلسطين
10- جمعية نهضة فتاة البحرين
11- جمعية الاجتماعيين البحرينية
12- رابطة شباب لأجل القدس البحرينية
13- جمعية الشباب الديمقراطي
14- جمعية المرأة البحرينية
15- الاتحاد النسائي البحريني
16- الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين
17- الجمعية البحرينية للشفافية
18- جمعية مدينة حمد النسائية
19- جمعية فتاة الريف
20- الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان
21- الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني
22- جمعية سترة للارتقاء بالمرأة

المنامة – البحرين
12 ديسمبر 2020

اقرأ المزيد

في ذكرى إطلاق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التقدمي يشدد على أهمية الالتزام بكل المقتضيات التي تفرضها منظومة حقوق الإنسان

يحتفل العالم اليوم العاشر من ديسمبر بيوم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يدخل هذه السنة عامه الثاني والسبعين، وهو اليوم الذي شهد إطلاق وثيقة تاريخية تبنت حقوقاً غير قابلة للتصرف للجميع فى مختلف دول العالم بغض النظر عن العرق أو اللون أو الدين أو المذهب أو الجنس أو اللغة أو غير ذلك، وهي الوثيقة التي جاءت استشعاراً للحاجة الماسة لها بعد الانتصار على النازية فى الحرب العالمية الثانية بما خلفته من ويلات ونكبات على البشرية، وانضم لهذا الإعلان في فترات لاحقة غالبية دول العالم بعد أن بات وثيقة إنسانية تتوافق على مبادئها ومقتضياتها البشرية من حرية وكرامة فردية وسلام وحقوق متساوية ونبذ الفرقة وكافة أشكال التمييز واحترام المعتقدات والأديان.

إن مما يؤسف له أنه منذ اثنين وسبعين عاماً من إطلاق هذا الإعلان لاتزال حقوق الإنسان منتهكة في بقاع كثيرة من العالم، ولاتزال الكثير من الشعوب تدفع أثماناً باهظة لنيل هذه الحقوق وفق المبادئ التي احتواها هذا الإعلان وتضمنتها المواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان، وفى طليعتها حق هذه الشعوب في الحصول على حياة كريمة ترتكز على ضمانات السلم الأهلي وحرية الفكر والتعبير والضمير والمعتقد، إلى جانب الحقوق الأخرى الأساسية من فرص عمل وأمن صحي وغذائي وتعليم وكرامة وكل ما يعمق المعاني والمفاهيم الإنسانية، ولابد هنا في هذا السياق بالتذكير بالانتهاكات الصارخة لحقوق الشعب الفلسطيني على يد سلطات الاحتلال الاسرائيلي، والتأكيد بأن القضية الفلسطينية لا زالت تمثل نموذجاً حياً وماثلاً أمام دول العالم على أعظم الانتهاكات المتصلة بحقوق الشعب الفلسطيني وما يتعرض له من جرائم ضد الإنسانية فى ظل صمت دولي تعرضت ولا زالت تتعرض له فلسطين وطناً وأرضاً وشعباً.

كما أن مناسبة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فرصة ليجدد التقدمي موقفه الثابت والمساند لكل القيّم والمبادئ المتصلة بحقوق الإنسان في البحرين والعالم، والرافض رفضاً قاطعا المساس بأي شكل من الأشكال بهذه الحقوق من قبل أي طرف أو جهة كانت، ويرى أن أي تقدم لأي بلد ليس تقدماً مظهرياً بتشييد المباني الشاهقة، والمصانع، وإنشاء الجسور وغير ذلك مما يعده البعض تقدماً وإنجازاً، إنما التقدم والإنجاز الحقيقي يجب أن يتصدرهما البعد والتقدم الإنساني، وإعلاء مكانة حقوق الإنسان فذلك هو الأساس الذي ينهض بالمجتمع ويمهد الطريق نحو المزيد من المنجزات والمكاسب.

وعليه يرى التقدمى أننا في البحرين لازلنا ومنذ سنوات نعيش مخاض صراع بين من يسعى إلى التطبيق الحقيقي والفعال لمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبين ممارسات وسلوكيات وقيود من قبل أجهزة الدولة التي تمس تلك المبادئ والأسس ومعبرة عن عدم الاستجابة المطلوبة والمستحقة لدواعي وموجبات ومقتضيات هذه الحقوق كما يجب، ومنها ما يتصل بحق حرية الرأي والتعبير وجر بعض المدونين ونشطاء الميديا إلى المحاكمات، وكأن ممارسة هذا الحق أصبح يشكل معضلة حقيقية، في حين يتوجب أن يكون هذا الحق هو الأساس الذي تتفرع منه مختلف الحريات والحقوق العامة، وكافة الحقوق المدنية والسياسية التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الخاص بالحقوق العمالية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ورفض تغييب أي من هذه الحقوق بصورتها وجوهرها.

إن البحرين وهي على أعتاب العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين لازال فيها معتقلين على خلفية قضايا تتعلق بحرية الرأي والتعبير، كما أنها لا تزال تفرض بعض القيود على حراك مؤسسات المجتمع المدني، تمنع التجمعات والمسيرات السلمية وفي المقدمة منها المسيرة العمالية في الأول من مايو من كل عام، مؤكدين أن منظومة حقوق الإنسان وحدة متكاملة يكمل بعضها بعضاً وتتساند فيها المبادئ، كلٌ منها على الأخرى، وإذا ما غابت أو غيبت أصبح أداؤها منقوصاً ووظيفتها المجتمعية غير مكتملة وصداها أمام المجتمعات والأمم والهيئات والمنظمات الدولية ليس كما يجب.

إن التقدمى يقف اليوم مع كافة مكونات المجتمع ونشطاؤه من الجمعيات والأفراد، وكل التواقين لغد أجمل من أجل أن تتكلل مساعينا وحراكنا الحقيقي والسياسي بخارطة طريق يتوافق على مكوناتها الجميع بما فيها مؤسسات الدولة لإعادة نبض الحياة الحقوقية والسياسية إلى ما ننشده وبما يجعلنا نتجاوز جروح الزمن المعتم.

المنبر التقدمي – البحرين
10 ديسمبر 2020

اقرأ المزيد

المنبر التقدمي” في اليوم العالمي لمكافحة الفساد”

الفساد أضر بالوطن والمواطنين وتجفيف منابعه يجب أن يكون فى صدارة الأولويات
قضايا الفساد لا تسقط بالتقادم وأهمية إنشاء لجنة وطنية لمكافحة الفساد

يُحي العالم في هذا اليوم، التاسع من ديسمبر، مناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد، ويأتي هذا العام حاملاً شعار “التعافي تحت راية النزاهة”، وذلك من منطلق أن الفساد يزدهر في أوقات الأزمات وأن الوباء العالمي كوفيد 19 ليس استثناء مما يتطلب اتخاذ كل ما يلزم للحيلولة دون استغلال الظرف الراهن بفتح قنوات جديدة للفساد والإفساد.

وبهذه المناسبة يؤكد المنبر التقدمي على ضرورة اعتماد وتعزيز قيم ومبادئ النزاهة كأساس لمكافحة الفساد كي يمضي شعب البحرين قدماً بثقة نحو مستقبل أفضل ازدهاراً واستدامة، وفي الوقت الذي يرحب فيه التقدمي بما أشار إليه مجلس الوزراء وفقاً لما نشر يوم أمس الثلاثاء حول ذات المناسبة من أهمية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد من خلال تطوير الأجهزة الرقابية وسن وتحديث التشريعات بما يخدم التطلعات المنشودة الرامية إلى تعزيز نهج الشفافية والمحاسبة وتعزيز حقوق الإنسان، فإنه يشدد على أهمية تسريع الخطوات التي من شأنها توفير كل ما يقتضيه السير في هذا النهج بحزم وثقة ويرسم معالم نقطة الانطلاق المنشودة التي تكفل بالنهاية محاربة كفؤة وفاعلة في محاربة الفساد، وفي هذا السياق ندعو إلى إعادة النظر في الضوابط والاجراءات التي وردت في التعديلات الأخيرة على اللائحة التنفيذية لقانون ديوان الخدمة المدنية والتي منعت موظفي الحكومة من توجيه النقد لسياسة الحكومة وقراراتها بأي وسيلة من الوسائل في الوقت الذي نحتاج فيه إلى إرساء قيم ومباديء حرية الرأي والتعبير وتشجيع المواطنين في أي موقع كانوا على الكشف عن مواقع الخلل والفساد، وهذه مسؤولية الجميع ولابد أن تتضافر من أجله الحكومة وكل القوى والمؤسسات الأهلية الوطنية خاصة أننا أمام مرحلة تتعاظم وتتكاثر فيها التحديات خاصة بالنظر إلى تفاقم الدّين العام والعجز فى الموازنة العامة والمساس بحقوق وامتيازات المتقاعدين، وزيادة حجم البطالة، وغيرها من التحديات.

إن اليوم العالمي لمكافحة الفساد يأتي هذا العام في ظل ظروف وأوضاع غير مسبوقة أفرزتها جائحة كورونا كوفيد 19 على الصعيد العالمي، كما على الصعيد المحلي يأتي بعد فترة قصيرة من صدور التقرير السابع عشر لديوان الرقابة المالية والادارية والذي تستحضر مع صدوره كل المعاني الدّالة على مدى حاجتنا لتعزيز تلك القيم والمبادئ وتبني الأولويات والمبادرات التي تصب فى خدمة هدف مكافحة الفساد، ووضع استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، تقترن بإنشاء هيئة وطنية مستقلة ترسخ مبادئ النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد والتي هي أحد الالتزامات المترتبة على الانضمام إلى الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي وقعّت عليها البحرين في عام 2010.

إن هذه المناسبة تأتي بعد أسابيع قليلة من صدور التقرير السابع عشر لديوان الرقابة المالية والادارية الذى سلط مجدداً الضوء على قضايا جديدة من قضايا الفساد وهدر المال العام، وهذه مناسبة يجدد فيها التقدمي تأكيده على أهمية وضرورة التعاطي الأمثل واللازم والمنتظر تجاه كل المخالفات الواردة في هذا التقرير والتقارير الأخرى السابقة، آملين أن يكون أمر صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس الوزراء بإحالة 8 ملاحظات إلى النيابة العامة، و10 ملاحظات إلى لجان التحقيق، و215 ملاحظة للمتابعة الادارية مع الوزارات، انطلاقة مبّشرة لمواجهة جادة للفساد المستشرى في العديد من الوزارات والأجهزة الحكومية.

لا يفوتنا هنا من مطالبة النواب بدور فاعل وحاسم في التعامل مع هذا التقرير ومع كل الملفات التي تحمل شبهات الفساد والتجاوزات المالية والادارية، مطالبين النواب ببذل كل ما يمكن من أجل إنشاء الهيئة الوطنية المستقلة لمكافحة الفساد وتجاوز المراوحة حيال هذا الملف، والنظر بمنتهى الجدية في بقية الالتزامات التي تقتضيها الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، ووضع التشريعات التي تجرّم كل أشكال وأنواع ومستويات التلاعب بالمال العام وتحمي المبلغين عن الفساد، وإصدار تشريع يقضي بمنع تعارض المصالح وتفعيل قانون الذمة المالية، وتشكيل لجنة برلمانية دائمة لنزاهة العمل البرلماني، ومتابعة وقياس حجم التزام البحرين بالتشريعات والتعهدات التي أبرمتها لمكافحة الفساد.

إضافة إلى ذلك يدعو التقدمي النواب وكل الأطراف المعنية ببذل كل الجهود الكفيلة بإصلاح البنية التشريعية والمؤسساتية الموجهة لمكافحة الفساد، وتوسيع الصلاحيات التشريعية والرقابية للبرلمان، وخاصة الرقابة على أداء الحكومة ومساءلتها وتوسيع صلاحيات ديوان الرقابة بما يعزز دوره في الرقابة المسبقة على الإنفاق الحكومى، كما يدعو إلى الدفع بإتجاه إعداد تقارير وطنية مستقلة حول كافة قضايا الفساد، و تفعيل دور قوى المجتمع المدني ووسائل الاعلام والصحافة في مكافحة الفساد وإذكاء الوعي المجتمعي، بثقافة مكافحة الفساد.

إن المنبر التقدمي يؤكد أن قضايا الفساد والإضرار بالمال العام لا تسقط بالتقادم، وأنه لابد من تجاوز سياسة إفلات الفاسدين مما يستحقونه من مساءلة وعقاب، ويدعو إلى اتخاذ مواقف حازمة حيال التطبيق الفعلي لكل مقتضيات النزاهة والشفافية وفي هذا السياق نشدد على ضرورة المضي قدماً وبكل حسم وجدية لخنق الفساد ومكافحته وتجفيف منابعه وتطهير كافة المؤسسات والأجهزة من الفاسدين والعابثين بالمال العام بمختلف مستوياتهم الوظيفية ومحاسبة كل من تسببوا في تعطيل التنمية والتقدم وألحقوا الضرر بالوطن والمواطنين، وأخيراً يؤكد التقدمي على ضرورة وضع تلك المرامي والأهداف في قمة أولويات المرحلة الراهنة والمقبلة.

المنبر التقدمي – البحرين
9 ديسمبر 2020

اقرأ المزيد

توضيح الواضحات

تقرير الرقابة ومأزق نظام “التصريح المرن”

فلاح هاشم
ما جاء في تقرير ديوان الرقابة المالية الأخير 2019/2020 بخصوص تصريح العمل المرن وسياسات هيئة تنظيم سوق العمل يتوافق مع ما سبق وتوصلت إليه لجنة التحقيق البرلمانية في تقريرها المقر من مجلس النواب في جلسته السابعة عشر من الدور الثاني بتاريخ 4 فبراير 2020 خاصة في ما خلص إليه تقرير اللجنة النيابية في:
 مخالفة الهيئة للقانون الناظم لعملها في الفقرة (أ) من المادة (4) والتي تنص على وضع وتنفيذ خطة وطنية بشأن سوق العمل تحدد التوجهات الاستراتيجية والسياسات العامة لتشغيل العمالة الوطنية والاجنبية كل سنتين والتي تم تجاهل تنفيذها منذ يونيو 2012.
 مخالفة الهيئة للقانون بعدم تفعيل آلية الحوار الاجتماعي، والذي ينصّ عليه القانون في الفقرة (ب) من المادة الخامسة، التي تنص على أنه (في حالة عزم الهيئة إصدار أية أنظمة أو لوائح أو قرارات أو اتخاذ أية تدابير ذات تأثير ملموس على سوق العمل، فإنه يجب عليها أن تعقد مشاورات مع الجمهور والجهات المعنية لاستطلاع آرائهم قبل إصدار أي من تلك الأنظمة أو اللوائح أو القرارات أو اتخاذ تلك التدابير).

هذا بالاضافة الى ما اشار اليه التقرير الى العديد من المخالفات الاخرى منها: غياب الدراسات والمسوحات عن العمالة التي يحتاجها سوق العمل ولا تتعارض مع المهن المستهدفة، وعدم تقيد الهيئة بهذه الفئات، وما بيّنه التقرير من عدم تطابق الاشتراطات على حوالي 22 ألف تصريح عمل مرن حتى نهاية أغسطس 2019، ومخالفة صريحة للاشتراطات المنصوص عليها، تم منح تصاريح عمل مرن لأفراد أسر مقيمين في المملكة دون إقامة سارية، هذا عدا عن عدم متابعة إجراءات تجديد التصاريح وتحصيل مستحقات الهيئة من الرسوم التي تصل إلى حوالي 1.2 مليون دينار.
مما سبق يتضح جلياً المأزق الذي مرّ به نظام التصريح المرن الذي لا يقتصر على المخالفات التي سبقت إصداره أو ترافقت مع تنفيذه، وإنما هي، في رأينا، نتيجة لنهج السياسات التشغيلية وما نتج عنها من اختلالات جوهرية منذ عقود، خاصة في ما يعنى بالعمالة الوافدة وبالذات الرخيصة وبظروف عملها التي تنعدم فيها إمكانية حصولها على أرض الواقع على العديد من الحقوق بما تشمل الحد الادنى للأجور والذي يعتبر حجر الزاوية في تنظيم علاقات عمل لائقة وما يتبعها من الحق في التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية والحماية الاجتماعية، وما أنتجته هذه السياسات من تحدّيات وتبعات على العديد من الصعد، بدءاً من انعكاساتها على فرص العمل للعمالة الوطنية وتأثيرها على مستوى الأجور، وكذلك المستوى المعيشي للعمالة الوطنية والوافدة بصورة عامة وتبعاتها المجتمعية والتركيبة الديمغرافية للبلد.
لقد أدت هذه السياسات في التشغيل وإغراق البلد بالأيدي العاملة الوافدة الرخيصة لمصلحة أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين بدون أية ضوابط وما رافقها من الكثير من الممارسات، وعدا عن أنها غير قانونية فإنها تتعارض مع العديد من الأخلاقيات والمبادئ الانسانية بحيث أصبحت المتاجرة برخص العمل، والتي تعتبر إحدى اوجه المتاجرة بالبشر، مصدر إثراء للعديد ممن امتهنها لعقود طويلة أمام مراى ومسمع الجهات المعنية، مما يتطلب معالجة هذه الاختلالات بدراسة مسبباتها والظروف التي أدت الى نموها بحيث أصبحت تشكل مخاطر على المجتمع هذا بالاضافة لما له من تبعات تحتمها التزامات المملكة بحكم انضمامها إلى مؤسسات ذات شأن حقوقي وعمالي على المستوى الدولي.
لقد تمّ تشريع نظام التصريح المرن لمعالجة تبعات ونتائج هذه السياسات، من دون أن يعالج الأسباب الحقيقية لها، ولذلك لم يجن منه إلا الخيبات والفشل والذي تجلى في موقف جميع الشرائح المجتمعية الرافضة له، رغم كل الحملات الترويجية التي بذلت فيها الميزانيات الكبيرة. وفشل الهيئة في تحقيق ما أعلنت عنه عند بداية تطبيق هذا النظام، والذي حددته بـــتخفيض أعداد العمالة غير النظامية بـ 48 ألف عامل غير نظامي خلال عامين، حيث أكدّ التقرير أنها انخفضت بمقدار 18 ألف فقط خلال سنتين من تطبيق النظام، أي بمعدل أقل من 46% من العدد المنشود. بل أدى إلى تفاقم مشكلة العمالة غير النظامية بتحوّل أعداد كبيرة من منها إلى عمالة غير نظامية بدلاً من الحد منها.
آن الأوان لمغادرة هذه السياسات المدمّرة عبر حوار جاد مع جميع القوى المجتمعية المعنية بموضوع العمالة لوضع رؤية شاملة تأخذ في الحسبان مصالح البلد العليا وكافة شرائحه الاجتماعية وبالأخص قواه العاملة.

اقرأ المزيد

الإستراتيجية الأمريكية …مابعد الانتخابات ؟

كانت الانتخابات الأمريكية في الثالث من نوفمبر 2020 الماضي الحدث الأكثر جدلاً، فقد تابعها الملايين من الناس عبر العالم، وانشغلت بها معظم القنوات الفضائية والصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، فهي لم تكن انتخابات عادية كالتي تُجرى في هذه البلاد أو تلك، وكانت الآمال متناقضة حولها، فهناك دول ورؤساء وقادة وكتَّاب براهنون على فوز الرئيس ترامب المرشح عن الحزب الجمهوري، وآخرون بالعكس يراهنون على فوز جون بايدن المرشح الديمقراطي.

ولكل فريق حساباته ومصالحه في فوز هذا المرشح أو ذاك، ففي حين يشكل فوز الرئيس ترامب تعزيزاً لنفوذ القوى اليمينية والشعبوية في أوروبا وبعض البلدان حول العالم، وإعطاء شحنة معنوية لها، وطموح العديد منها الوصول للسلطة وأخرى الاستمرار فيها لتنفيذ أجندتها ومآربها، وفي بعض البلدان العربية كان قادة ورؤساء ومن حولهم يمنّون النفس أيضاً بوصوله، وكذلك الكيان الصهيوني الرابح الأكبر في عهد إدارة ترامب التي حققت له الكثير من أطماعه وتطلعاته، كنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ووقف الدعم المالي لوكالة الغوث “الأونروا” التي تُعنى بشؤون اللاجئين الفلسطينيين، للضغط على القيادة الفلسطينية لكي توافق على المشاريع التآمرية بما في ذلك “صفقة القرن” التي رفضتها كل الفصائل الفلسطينية، اتفاقيات التطبيع مع الإمارات والبحرين والسودان.

علماً بأن واشنطن لا يمكن أن تتخلى عن دعم إسرائيل، سواء وصل إلى البيت الأبيض جون بايدن أو بقي فيه ترامب، على حساب الشعب الفلسطيني الشقيق وقضيته العادلة، وحتى إنْ طُرحت حلول أو تسويات، فلن تغير واقع الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية المحتلة ولن تؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، فأولوية أي رئيس أمريكي هي عدم تمكين أي دولة من دول المنطقة من التفوق العسكري على الكيان الصهيوني.

أما في قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية هناك تجربة ماعُرف (الربيع العربي) الذي تحوّل إلى (خريف عربي) في عهد إدارة باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، حيث تمَّ تدمير العديد من البلدان العربية ودعم قوى التطرف والغلو في المنطقة لتحقيق مآربها، فليس من مصلحة الإمبريالية الأمريكية ترسيخ الديمقراطية والحريات العامة في البلدان العربية، وبالأخص التي تصنفها ب (الصديقة) أو (الحليفة)، فالمهم بالنسبة لواشنطن ألا تتضرر مصالحها في المنطقة الحيوية في العالم والتي تحتوي أراضيها وبحارها على مخزون كبير من الطاقة يشكل أكثر من ثلثَي مخزون العالم.

واهم من يعتقد أن مجيء جون بايدن سوف يغير الوضع، هناك دوائر ومؤسسات تضع الإستيراتيجيات السياسية لا يمكن لأي رئيس أمريكي أن يخرج عنها، عليه تحقيق الأهداف والتخطيط الاستراتيجي الموضوع له سواء مع الحلفاء أو الأعداء .

ينسب للرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون، قوله إنهم ( اي الأمريكان) لا يذهبون إلى خارج الولايات المتحدة دفاعاً عن الديمقراطية أو الشرعية الدولية أو لمحاربة الدكتاتورية، بل “نذهب إلى هناك لأننا لن نسمح بأن تمس مصالحنا الحيوية”، وأهم المصالح الاستراتيجية للإمبريالية الأمريكية هي حماية آبار النفط، والحفاظ على الكيان الصهيوني.

وعلى صلة بهذا فإن (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) أصدر تقريراً عن الاستراتيجية الأمريكية عن الشرق الأوسط وضعته مجموعة من كلا الحزبين الأمريكيين – الجمهوري والديمقراطي – وتضم خمسة أشخاص من بينهم اثنين من مستشاري الأمن القومي السابقين، صمويل بيرغر وستيفن هادلي؛ والسفير الأمريكي السابق في العراق وتركيا جيمس جيفري؛ ومسؤول سابق في إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ومبعوثاً للسلام في الشرق الأوسط لفترة طويلة دينيس روس؛ والمدير التنفيذي لمعهد واشنطن روبرت ساتلوف.

يرى واضعو التقرير أن “الهيكلية الكاملة لنظام الدولة في الشرق الأوسط معرضة للخطر”، ويقدّمون عناصر لقيام استراتيجية جديدة لمواجهة “هذا التهديد العميق للمصالح الأمريكية، تنطلق كالعادة من التأكيد على أن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل “مهمة للغاية بالنسبة لكل طرف وهي بمثابة دليل ريادي على الالتزام الأمريكي تجاه حلفاء واشنطن في المنطقة، لدرجة أنه لا يجب السماح بتدهورها أكثر مما هي عليه الآن.

وتطرق التقرير للأوضاع في سوريا والعراق وبعض البلدان العربية، مشيراً إلى القوى التي على الولايات دعمها أو تمكينها من الوصول إلى السلطة وامتلاك النفوذ والقوة، مما يشير إلى أن استراتيجية وخطط وأهداف الإمبريالية الأمريكية في المنطقة واضحة، لن تتغير بمجيء الرئيس الجديد، فهناك قوى مالية وصناعية احتكارية من خلال معاهد ومؤسسات ترسم وتخطط وتأمر بالتنفيذ لتلك السياسات الخارجية والداخلية ولا يمكن لأي رئيس أمريكي الخروج عن مسارها .

وسيظل العرب خاسرين دائماً، خاصة فيما يتصل بالقضية الفلسطينية، طالما بقيت هذه استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية، ما يحتم علىينا البحث عن شركاء وأصدقاء يدعمون القضايا العربية، وتعزيز المشاركة الشعبية في القرار السياسي بترسيخ الديمقراطية في المجتمع العربي والتوقف عن انتهاكات حقوق الإنسان وممارسات التمييز والكراهية ضد الآخر والتصدي للفساد واحترام حقوق الأقليات القومية والمرأة وغيرها من الحقوق المشروعة.

اقرأ المزيد

تبقى .. كأنك لم تمت

للوهلة الأولى .. فكرت بأنه حصد بلا شك جائزة جديدة . “بسرعة ، سأرسل تهنئة”، قلت. ثم فجأة بدأت حروف النعي تصفع عيني بقسوة. وعقلي لا يصدق. فطوال سنوات كان يعارك المرض. وينهض. يتوعك. ويفوز . ماذا استجد الآن ليخسر المعركة؟.
“قولوا إنني أحلم”. قولوا إننا جميعا نحلم، سألت بعضاً من أصدقاءنا المشتركين. كان عندي بصيص أمل بأن يجيب أحدهم بأن الخبر كاذب. لقد “أخطأوا” . أو “تسرعوا”. إنه خبر بشع كاذب وسيحاسب من تعمد إطلاقه ليحزننا. لكن أحدا لم يرفق بي وينكر الخبر.
هل يكفي ذلك ليجعل من رحيلك حقيقة بالنسبة لي ؟؟
الحقيقة .. الحقيقة هي أنني كنت أشق الطريق وحدي لسنوات، ثم منّ الله عليّ بمعرفتك. شاءت الظروف أن نلتقي في منعطف الطريق، فكنت أول من اهتم بي ومدّ لي يد العون. ولست أنسى أبداً المرة الأولى التي هاتفتك فيها لأطلب منك – على استحياء – مساعدتي، لما عرفه عنك الجميع من تقديم الدعم لـ (الشباب) الذين كنت في ذلك العمر “أحسب” في عدادهم. ومن يومها، وأنا أرسل إليك أفكاري العادية فتحوّلها إلى قطع من ذهب. تعالج كل نص بشكل خارق، وبطريقة لا تخطر على بال أحد سواك. لم تقل يومابأن “لا وقت لديك” للوقوف إلى جانبنا. ولم تشتك يوما بأن تلقيك العلاج يحول دون ” معالجتك ” نصوصنا .
أنت أول من دلني على الطريق. ووضعني على أول السلم. بفضلك، حققت أشياء كانت فيما سبق من أيام تبدو حلما مستحيل الحدوث لمن هو مثلي . وحين كنت تقدمني للآخرين، كُنتَ تلمع صورتي وتقول عني كلاما أكبر مما أستحق. فأخجل من تواضعك ، ومن مساندتك ، ومن لطفك الذي قلما يجد مثله أحدنا في هذا العالم . ثم فجأة، أشعر بالرغبة في الاختباء. أنزوي على نفسي لأنني أخاف أن لا أكون جيدة حقا كما تتصورني وتصور عني للآخرين. أخاف أن يأتي يوم أخذلك فيه وأخيب ظنك.
بصفتي ممرضة، كنت تسألني أحيانا عما نراه من أنواع المعاناة البشرية المختلفة. كيف يتقبل الناس نصيبهم من الحياة؟. وبصفتي “كاتبة “، كنت تسألني إن كنت أفضل الكتابة بالليل أم بالنهار. وما هي طقوسي قبل أن أكتب. ما الكتب التي أقرأها؟ وماذا يجب عليّ أن أقرأ. كيف أطور “أدواتي”. تعاملني، أنا المجهولة، وكأنني أنا “المهمة هنا”! . كأنني أهم منك!.
نصائحك .. ربما فشلت في اتباعها كلها. فلم أصبح بعد أقلّ خجلا كما يلزمني. ولا أكثر شجاعة. أترى … ما زلت في حاجة للكثير من الدعم . فانهض.. من أجلي. ومن أجل كل من أحبوك هنا في هذا العالم الذي لم يستحق يوما وجود ملاك مثلك على أرضه. انهض .. ما زلت بحاجة للكثير من النصح والإرشاد، والمحبة التي تغدق بها على الجميع. أيأست مني لهذا الحد ولن تعود لتمد لي يديك؟. هل فشلتُ كثيرا إلى حد أن غضبتَ مني ورحلت؟؟ .
ألن يصادف أن ألتقيك مرة أخرى، في ندوة ما؟ . أحقا .. لن نتجول معا من جديد في معرض الكتاب؟ ولن نلتقي مجددا في أي مهرجان سينما؟ في نادي السينما؟.. أو في مشاريع كتابة مشتركة تحدثنا عنها مطولاً من قبل ثم ألهتني الحياة، وشغلك المرض فتأخرنا عنها؟. ألن تعدني مجدداً، بأن تحضر لي في المرة القادمة كتاباً مهماً عن السينما يجب أن لا أفوت قراءته. أو تسمي لي فيلماً جديداً لا بد أن أشاهده ؟
يا صاحب الأفضال عليّ، كيف تركتني في منتصف الطريق؟. خدعتني بابتساماتك حين تحكي عن مرضك، فصدقت أنني برغم ما تقول لن يأتي علي يوم أسمع فيه خبر موتك. خدعتني .. إلى حدّ أن تجرأت مراراً وشكوت لك بعض همي وكأنك لست أكثر تعباً في الحياة مني. فكم أنا خجلة الآن من نفسي.
أتساءل الآن إن كنت قلت لك ما يكفي من المرات قبل أن ترحل، كم أنا ممتنة لكل ما قدّمته من أجلي. هل شكرتك بما يكفي؟. هل علمتَ، قبل أن تغادر هذا العالم، كم أدين لك بالعرفان؟ إن كنت لم تعلم فعد إلى هنا لدقيقة أخيرة. أو لنصف ساعة، لن تكفيني لشكرك على كل ما فعلت. ولكنني على الأقل سأعرف أنها فرصتي الأخيرة لأفعل، ولهذا فلست أنوي عتابك على رحيلك المفاجئ، لا تقلق.
بدل العتاب، سأطمئنك ..
هل قلت لي مرات من قبل بأنك تحب محمود درويش؟ . وهل قال درويش ذات قصيدة “تنسى كأنك لم تكن” ؟… حسناً، فأنا أقول بأنك “تبقى … كأنك لم تمت. نعم، فالشعراء يخطئون أحياناً. وأحيانا يكذبون !.
أما الحقيقة..الحقيقة التي سأطمئنك إليها فهي أننا وإن ظلت الحسرة في القلوب، فإن لك في الذاكرة من نبل المواقف ما لا يمكن للزمن أن يمحوه. وفي الروح، لنا منك عطر أخير.
عطر لقاءات لن تكون . ولن يبدد الوقت عطرها.

اقرأ المزيد

شرط الرأسمالية المُسيّسة اغراق الإنسان في التفاهة

الموت و”ما بعد” يحاصران العالم ( 3 – 3)
عبدالله السعداوي

طرح دريدا مفاهيم مثل الاختلاف والتأجيل والإرجاء بدلاً من المفاهيم البنيوية المتعلقة بالثبات والاستقرار والتكرار اللانهائي للنمط، مؤكداً على وجود لا – نهائية، ولا- تحديد في موروث المعنى، إن المعنى اللغوي هو ظاهرة غير مستقرة في جميع الأوقات والسياقات ويظهر ذلك من خلال دراسة الخطابات التي توظف اللعب اللغوي للكلمات والتورية. هكذا تكتسب اللغة كما يقول دريدا طاقات لانهائية لتوليد المعاني الجديدة للإبداع، ويتلاشى المعنى المحدد والمستقر في اللحظة التي يتمّ فيها انتاج جديد.
ينتقد دريدا الفلسفة الغربية باعتقادها بامكانية حضور المعنى كاملاً ونهائياً لعقل المتكلم، وأن هذا المعنى ينتقل ليستقر فيه الخطاب وينتقل كما هو إلى المتلقي، وهذا ما يدعوه ب (ميتافيزيقيا الحضور)، ويذهب إلى انكار وجود نوع من الإزاحة في المعنى الذي يفترض ان يكون حاضراً دائماً كما هو في ذهن المتكلم ،ومن ثم ينتقل إلى الخطاب كما هو أيضاً دون تغيير أو إزاحة – محض وهم ٍنميل إلى الأخذ به بتأثير الثقافة الإنسانية.
ذلك أن الاختلاف والتأخير دائماً ما يقع للمعنى ويعطل الحضور الكلي، وبذلك أصبح التأكيد على الاختلاف والتأجيل والمعنى غير القابل للتحديد والاكتمال داخل النظام من المبادئ الأساسية. وكان نيتشه يرى بأن أي ارتباط دنيوي – بجنس أو عرق أو أثنية أو تاريخ – ليس إلا سراباً أو بناءاً يراد الاعتقاد به بعد اقامته على نوع من أنواع الايمان المصمم لجعلنا معلقين عالياً بحبل المعنى الواهي فوق هوة الحقيقة غير المريحة، وقد كان مقتنعاً بأن هذه الأبنية كلها محكومة في أخر المطاف بالتنازع فيما بينها، ومحكومة بأن تسبب العنف أكثر من ما تحله.
وبذلك فتح الباب لفلسفة مابعد الحداثة التي أظهرت الفيلسوف دريدا التفكيكي الذي اعتمد التشكيك الجذري في دلالات النصوص مقوضاً تماماً فكرة استقرار المعنى. نظرة دقيقة للتفكيك توضح ان أي بنية سياسية، اقتصادية وغيرها تسن ويحافظ عليها بأفعال استبعادية بمعنى أنه أثناء خلق شيء ما ستستبعد لامحالة مالا يتفق معه. تصبح هذه البنى الاستثنائية قمعية. كما أن القمع يصبح أحد النتائج المترتبة عليه.
يصرّ دريدا على أن ما يتم طمسه وقمعه يعود مرة أخرى لزعزعة البناء مهما بدأ البناء في مأمن، ومن هنا يصدر الفيلسوف ريتشارد رورتي متأثراً بمقولات دريدا التفكيكية في طرح تصوره للنشاط التأويلي الذي يمارسه المتلقي على النصوص، فعلى العكس من مقولات الفيلسوف السيميائي أمبرتو ايكو المتعلقة بوجود ضوابط جمالية وتأويلية يفرضها النص على المؤول، يأخذ رورتي بالفلسفة التفكيكية والتي تقوم بتفكيك المعنى وتقول للمعنى المرجع. ويطل علينا المفكر (ايشلمان) ليقول لنا ان السنوات الخمس عشرة الأخيرة شهد نشوء حالة في العلوم الانسانية تسمى (مابعد النظرية) ومن هنا ينطلق ليعلن ايشلمان (بموت مابعد الحداثة) ويبدأ بصياغة مصطلح (مابعد مابعد الحداثة) فكل النظريات مابعد البنيوية التي ظهرت في مرحلة مابعد الاستعمار لم تستطع أن تواكب الحداثة المتغيرة والتي يجري الاشارة لها بلفظ العولمة. في كتاب ايشلمان: (نهاية مابعد الحداثة)
هناك جملة تغيرات طرأت على الأدب والعمارة والسينما والفن والسياسة توضح مما لا يدع مجالاً للشك أننا غادرنا حقبة مابعد الحداثة، ويطلق على هذا العصر الجديد عصر (الأدائية) حيث تأخذ نماذج الفلسفة والفن والسينما والأدب منحنى سمو وتعالي يتجاوز الواقع المادي ويعود بالفلسفة نحو الواحدية بعيداً عن التضخم والتشظي الكامن في نموذج مابعد الحداثة.
وفي نفس الطريق يمشي استاذ الأدب آلان كيربي في مقاله المهم (مابعد موت مابعد الحداثة)، قائلاً: (إن مابعد الحداثة ماتت وتم دفنها، وأتى في مكانها نموذج جديد للسلطة وللمعرفة تشكل تحت ضغط تكنولوجيا جديدة وقوى اجتماعية معاصرة)
يتحدث في مقاله المثير عن نهاية مابعد الحداثة وظهور تطبيقات أدبية وفنية وسياسية تأسست في واقع مغاير وعلى نماذج فكرية مختلفة، ويطالب القراء أن يلقوا نظرة على سوق المنتجات الثقافية، أين الانتاج الثقافي مابعد الحداثي؟ هل لا زالت أي من نظريات دريدا، فوكو، جان بودريار تشغل الساحة الفكرية الآن؟ كل هذه النظريات توقفت ولا تشغل إلا الأكاديميين، كذلك تخلى منتجوا المواد الثقافية المقروءة، المرئية والمسموعة عن انتاج مواد تتعلق بما بعد الحداثة. ويرى كيربي ان الشعور بلا جدوى النظريات أدى إلى موتها.
لقد أصبحت مسرحية مثل في (انتظار جودو) أو رواية (1984) لأورويل قديمة جداً بل وظهرت في واقع مغاير وسط نمط ثقافي مختلف. أما الآن مع ما بعد مابعد الحداثة فإنها تدفع القارئ لاتخاذ مواقف متعالية على الواقع المادي، بحيث يعتقد القارئ أن عليه الوصول لدرجة من البطولة والتعالي والتجاوز يهزم بها الواقع المادي المكبل لروحه. تقدم هذه الاستراتيجية السردية التعالي أو تجاوز الواقع المادي على انه السبيل للوصول للحقيقة، على عكس التشظي الذي يسود عالم مابعد الحداثة والذي اتفق فيه الجميع على ان لا حقيقة اساساً بل محض تأويلات متأثرة بالسياق التاريخي والمحلي المصاحب لها.
يقول آلان كيربي: إن “مابعد مابعد الحداثة” على عكس “مابعد الحداثة” تضفي على المتلقي، وليس الكاتب أهمية، وكأنه شارك في كتابه أو هو من كتب العمل برمته. يرى المتفاءلون أن هذه هي (دمقرطة الثقافة)، لكن المتشائمين يرون أنها دليل على أن المنتجات الثقافية المعاصرة تافهة وضحلة ومن هنا يقول كيربي: (أعتقد أن ما يحدث أكثر من مجرد تغيير في النمط الثقافي، مفهومنا للسلطة، للمعرفة، للأنا، للواقع وللزمن قد تغير فجأة وإلى الأبد؛ هناك فجوة بين المحاضرين والطلبة، تلك الفجوة التي ظهرت في أواخر 1960 لكن الأسباب مختلفة. فالتحول من الحداثة إلى مابعد الحداثة لم ينبع من اعادة صياغة عميقة للعلاقة بين العرض والطلب في الثقافة، بل حدث بسبب لهجة خطابية مبالغ فيها، لكن في أواخر التسعينات وأوائل الألفية الجديدة، أعادت التكنولوجيا الحديثة هيكلة طبيعة الكاتب والقارئ والنص والعلاقة بينهم بعنف وإلى الأبد)
تُصوّر الثقافة المعاصرة مابعد الحداثة في مشهد يجلس فيه الفرد عاجزاً، يطرح أسئلة عن الحقيقة كأشكاليات، لذلك ارتبط الفرد ارتباطاً وثيقاً بشاشات السينما والتلفزيون. ظهر بعد ذلك نوع من الحداثة الزائفة، حيث أصبحت مشاركة المتلقي جزءاً من الناتج الثقافي، يظهر ذلك في كل برنامج تلفزيوني أو إذاعي، وفي النصوص التي توجهها وتحرك مسارها مشاركات المشاهد أو المستمع – تكون فيه الاتصالات الواردة للبرامج حقيقية برعاية الأخ الأكبر لذلك أسميها (حداثة زائفة)، فالمتصل ليس فعلاً المشاهد أو المستمع المستهدف المطلوب رأيه. تشمل الحداثة الزائفة كذلك ألعاب الكومبيوتر التي تضع الفرد في سياق خلق المحتوى الثقافي، ضمن حدود مرسومة مسبقاً، فيتعدد محتوى اللعبة بتعدد شخصيات اللاعبين.
أكثر الظواهر الثقافية الدالة على الحداثة الزائفة هو (الانترنت) فكرة أن الفرد بمجرد نقر الفأرة يتحرك بين عدد لانهائي من الصفحات، يخلق فضاء لمنتجات ثقافية وجدت لتوها ولن توجد مرة أخرى. ينخرط بعدها الفرد بشكل كثيف في عمليات ثقافية تعطيه احساساً زائفاً بأنه يتحكم ويدير ويخلق بيئته الثقافية الخاصة بمنتجاتها فصفحات الانترنت ليست مؤلفة، بمعنى أن لا أحد يهتم من كتبها. على الأغلب تعمل الصفحات اعتماداً على اضافات العوام مثل ويكيبيديا، أو عن طريق ردود الفعل في التعليقات مثل مواقع التواصل، ما يتميز به الانترنت بشكل جوهري هو ان أي شخص يستطيع اضافة أي صفحة ( كالمدونات) في مابعد الحداثة، الشخص يقرأ، يستمع، يشاهد كالمعتاد. لكن في الحداثة الزائفة الشخص يتصل، ينقر، يطبع، يتصفح، يختار. هنا تكمن الفجوة الجيلية، والتي تفرق بشدة بين الناس الذين ولدوا قبل 1980 وبعده.
يرى من ولدوا بعد 1980 انهم وأقرانهم أحرار مستقلين، مبتكرين، فعالين، مسيطرين صوتهم مميز عالي ومسموع. مابعد الحداثة وماقبلها على العكس من ذلك تبدو نخبوية مملة، كمشهد متكرر يضطهدهم ويسد الأفق أمامهم، أولئك الذين ولدوا قبل 1980 يرون، المقصود هنا ليس الناس، المحتوى والمشاهد والوسائل التي تتسم بالعنف، بالإباحية، بغير الواقعية، مبتذلة، مملة استهلاكية، بلا معنى وبلهاء ويكون عصر ماقبل الحداثة الزائفة بالنسبة لهم هو العصر الذهبي للذكاء، والإبداع، والتمرد، والأصالة. ومن هنا جاء أسم (الحداثة الزائفة) الذي ينطوي ضمنياً على توتر بين التطور الذي تقدمه التكنولوجيا، وتفاهة وجهل محتواها في نفس الوقت.
إنما يحدث ليس مجرد تغيير في نمط الثقافي مابعد الحداثي بل بالأحرى ولادة مفاهيم جديدة للسلطة، للمعرفة، للأنا، للواقع، للزمن، مفاهيم جديدة تعيد تعريف العلاقة بين القارئ والنص بعنف وللأبد، ففي حين أن بعد الحداثة كانت تطرح اشكاليات كالواقع والحقيقة كأسئلة استفهامية ووجودية، تتناول الحداثة الزائفة الحقيقة على انها (أنا)، أنا المتعالي المتجاوز للواقع المادي، (أنا) الخالق للحدث بالتفاعل الحي مع الأحداث وتصويرها بالكاميرات ونشرها في مقاطع الانترنت، أنا من يخلق الحقيقة نتيجة لذلك، يحل الجهل والتعصب الناجم عن تضخم الأنا محل الروح الساخرة الناتجة عن القلق الوجودي والعدمية المصاحبة لما بعد الحداثة.
الآن تفتح بوابة مابعد الإنسانية وهذا المصطلح تم تداوله على نحو متزايد من قبل عديد من المفكرين والفلاسفة. اعتمد الفيلسوف بيتر سلوترديك عام 1999 مصطلح مابعد الإنسانية قاصداً أننا ننتقل من (العابر للانسانية (الترانس هيومانيسم) إلى (البُست هيومانيسم)، وهو زمن سيختفي فيه الإنسان الذي عرفناه واحتفينا به طيلة آلاف السنين. سيصبح الإنسان من الغابرين من تلك الكائنات التي كانت ثم زالت. لم يبقَ من الإنسانية التي عرفتها شيئاً مذكوراً. ستصبح القيم التي قامت عليها حياتها هباءً منثوراً، وتنهار المبادئ التي بنى الإنسان عليها تاريخه في الأرض ومعارفنا ستذروها رياح هوجاء لا تبقي ولا تذر. وكثير من المفكرين يرون بأنها النهاية وحقائق العلوم تقول بذلك وتؤكدها يوماً بعد يوم: التكنولوجيا الاصطناعية، تكنولوجيا الضئيل، جامعة التمايز، طب الاصلاح التقليدي، النانو تكنولوجيا، جامعة الفوارق، طب الإضافة، الإنسان الآلي، العقل الافتراضي، علوم الاعصاب.
فها نحن ذاهبون إلى أزمان سيكون فيها اللامنتظر، المفاجئ من القواعد الاساسية التي تحكم العالم ونرى الإنسان النصف آلي والنصف حيواني والنصف بيولوجي شبه جاهز. فالعبور هو المقدمة للوصول إلى القطيعة. يقرر كروزويل دون أي شك أنه سيصار إلى تدعيم الإنسان برقاقات تكنولوجية إضافة إلى قطع غيار أخرى، التي تستهدف تجاوز الحدود الطبيعية التي تحكم الإنسان، لتجاوز قدراته البيولوجية والعقلية بواسطة تكنولوجيا متقدمة، وخصوصاً في حقل الذكاء الاصطناعي وإيجاد المبررات الفلسفية الداعمة في هذا التجاوز وتشريعه عقلياً وأخلاقياً والتأهيل المسبق بقبوله عبر مختلف الوسائط الفنية والثقافية والتربوية.
وما بعد الإنسانية تحتوي على سبع تعريفات على الأقل، وفقاً للفيلسوف فرانشيسكا فيرناندو معادية للانسانية. أي نظرية تنتقد الإنسانية التقليدية والأفكار التقليدية حول الإنسانية والظروف الإنسانية. ثقافة مابعد الإنسانية فرع من نظرية ثقافية ناقدة للافتراضات التأسيسية للإنسانية وإرثها الذي يفحص ويشكك في المفاهيم التاريخية الإنسانية والطبيعة الإنسانية.
يقترح الفيلسوف تيدساتزكي وجود نوعين من “ما بعد الإنسانية” من النوع الفلسفي، وهناك نوع ثالث من “ما بعد الانسانية” يرعاها الفيلسوف هيرمان دوويورد على الرغم من أنه لم يصفها بأنها (مابعد الإنسانية) إلا انه قام بنقد جوهري وانتقائي كبير للإنسانية، ثم قام ببناء فلسفة لا تفترض فكراً انسانياً ولا سكولاستياً أو يونانياً.
وقد قال ايهاب حسن: قد تنتهي النزعة الإنسانية، لأن الانسانية تحوّل نفسها إلى شيء يجب على المرء أن يدعوه بلا حيلة بعد البشرية. ومن المنظرين الذين يكملون ويتبادلون جوديث بتلر، وعلماء سيبرونيون مثل غريغوري بيتسون، وارن ماكولوتش، ونوربرت وينر، وبرونولاتور، وكاري وولف، والين غراهام، وناترين كايلز، دونا هاراواي، بيتر سلوترديك، وستيفان لورنز سورجنر، وهناك الفيلسوف روبرت بييريل الذي كتب عن حالة مابعد البشرية والتي غالباً ما يتم استبدالها بما بعد الانسانية.
آمن الفلاسفة السياسيون في هذا العصر أمثال بينجامين فرانكلين، ووليام جودوين، ونيك بوستروم الفيلسوف السويدي أن عدم المساواة والظلم وكذلك الموت يمكن القضاء عليه بواسطة التقدم العلمي، ولذلك كان ينظر إلى العلوم على انها امتداد للعقل، وأنها واحدة من أبرز المدارس الفكرية وتطبيقاته. وغالبا ما يستشهد بملحمة جلجامش غالباً على أنها أول الأعمال الأدبية الناجية، والتي تحتوي على ما قد يطلق عليه أول رواية مكتوبة، لشخص يسعى إلى تدخل مؤيد لما بعد الإنسانية، وهو بطل رواية ملك مدينة “أوروك” الذي ظلّ يبحث عن الخلود كما أنه غالباً ما يستشهد بالبحث عن الخلود باعتباره واحداً من غايات حركة مابعد الانسانية.
ومن بعيد عبر مجاهل القرون نسمع صوت المرأة وهي تقول: إلى أين تمضي يا جلجامش؟. إنّ الآلة كتبت الموت على الإنسان واحتفظت بالخلود، سيطرت كلمة الموت على الفلسفة ثم الأدب والفن: موت المؤلف، موت الشخصية، موت الناقد، وظهر مصطلح مابعد الدراما، مابعد التمثيل (في السياسة) مابعد فورد في (الاقتصاد)، مابعد الهوية (في علم الاجتماع) وكل هذا بسبب العولمة وازدياد موجات الهجرة ونهاية الدول القومية، فضلاً عن الثورة في تكنولوجيا الاتصالات التي كان لها أكبر الأثر في تفتيت ما هو جمعي، وفصل الفرد عن محيطه الطبقي والاجتماعي.
سلطة التفاهة (الميديوقراطية) هو كتاب للفيلسوف الكندي (آلان دونو)، والذي يرصد فيه التفاهة كنسق متغلغل ضمن تفاصيل الأوضاع السياسية والاجتماعية، تصنعه وتدعمه قوى عولمية وامبراطورية عابرة للدول والمجتمعات، وبخاصة الرأسمالية وقواها المتوحشة إذ تحكم أسواقها وصراعاتها بعرض التفاهات كبضائع رائجة وغدت هي المادة الراكدة على المقاهي ومنصات الاعلام وعبر البورصات وأقبية السياسة الدولية. ورغم ذلك لا يعد الأمر بهذه السذاجة المريحة لأن عبارة نظام التفاهة تفترض وجود إرادة تفاهة، وليس هذا منطقياً ولا سيما بالنسبة للجانب الأخلاقي، فلا يوجد هناك من يستطيع الانتهاك العام لقيم قد تلحق به الأذى المعنوي أيضاً يحتاج النظام إذا افترضنا اقترانه بالتفاهة وعياً مفارقاً بما يؤديه من نتائج وآثار وعلى المنوال ذاته يحكم النظام سلوك الأفراد والجماعات استناداً إلى انه لا يجري نظام بلا سلطة.
بالفعل يرى دونو أن البلاهة غدت تقنية من تقنيات الأنظمة السياسية، وهي لا تأتي دون أقطاب يحملون منظومات وأفكاراً وخططاً قابلة للتطبيق الفارق، إنه إذا كان البلهاء تافهين حتى النخاع، فالسلطة تعطيهم نظاماً خاصاً لإضفاء الجدية والمشروعية على أفعالهم، أي أن السلطة مصفاة لا تستثني البلهاء، بل تعطيهم قدرات صارمة وفاعلة على المستوى الجمعي، فالسلطة لا تخدع فحسب، إنما تشرعن الخداع طوال الوقت مادامت هي التي تغلف وجوده. إنها صدفة لامعة تحوي داخلها يرقات وطحالب التفاهة التي تتناسل بجوف السياسات المهيمنة.
كل سياسة من هذا الصنف هي الحاضنة التي توفر شروطاً لنمو الطحالب التافهة. وللدقة فإن السلطة قد تفرز مايخادع جمهورها العريض إلا ان التافهين يتعاملون معها سياسياً بشكل متواطئ وهنا يأتي مفهوم الكتلة من التفاهة المهيمنة الآخذة في الانتشار.
الحاكم التافه يتعامل مع السياسة بمنطق الكتلة لدرجة أن نظامه السياسي يسير وفقاً لفيزياء خاصة، يحرص على اشاعة روح البلاهة عن طريق شبكة كبيرة من الموالين والأنصار والحلفاء وأصحاب المصالح شريطة أن يكونوا على ذات المستوى من التفاهة، وأن يكون التسابق لا لصالح الدولة إنما لترسيخ السلطة وسطوتها بشكل أفقي عام، بواسطة العلاقات بين التافهين تتكون شبكة التفاهة تلتهم النظام السياسي، وتستبقه معبرة عن مصالحها. التافهون كالجراد البري لدى الأنظمة السياسية العربية، ينتشرون في كل مكان، يتراقصون على كافة المسارح، يلتصقون بالكراسي التصاق الديكتاتور بحذاء السلطة وزيّها الرسمي. لقد بلغ التافهون المدى في التعليم والثقافة والسياسة والفن والإعلام والواقع الافتراضي، أصبح الواقع مغطى بكمٍّ مهول من لعاب التافهين.
فالرأسمالية لا ترتبط بحروب لنهب ثروات العالمية والسيطرة على الشعوب ومركزية السوق والاستهلاك، بل لن يتم كل ذلك إلا إذا جعلت الانسان نفسه أحد السلع التافهة. شرط الرأسمالية المسيسة أن تغرق الانسان في أوحال التفاهة. إن السوق الحقيقي في السياسة هي سوق التفاهات.

اقرأ المزيد

الترامبيِّة

مثلما ارتبطت حقبة أمريكية حالكة (1947-1957) بجوزيف مكارثي النائب الجمهوري في الكونجرس الأمريكي واكتسبت مسمى “المكارثيِّة” (توجيه اتهامات بالتآمر والخيانة جزافاً دون الأخذ بالأدلَّة)، كذلك سترتبط بدونالد ترامب الرئيس الأمريكي الخامس والأربعين حقبته الكارثيَّة وستكتسب مسمى “الترامبيِّة”(اتخاذ قرارات ومواقف سريعة وفق مزاجية وأهواء فردية دون اعتبار لانعكاساتها السلبية على المجتمع الأمريكي وعلى العالم أجمع).
وإذا كان الضرر الذي خلفته “المكارثيِّة” كفكر وسياسة نائب واحد في الكونجرس قد انعكست حلكتها على الداخل الأمريكي فحسب، فإن “الترامبيِّة” كأداء وسياسات رئيس دولة هي القطب الأوحد عالمياً في المرحلة الراهنة، قد انعكست كارثيَّتها على المجتمع الأمريكي ودول العالم وذاق ويلاتها المجتمع الدولي برمته.
لم يأت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من خلفية سياسية، ولم يمر بتجربة عمل سياسي ذي قيمة تؤهله مثل سابقيه من الرؤساء الأمريكيين لتبوُّء المنصب السياسي الأول والأخطر والأكثر حساسية على مستوى العالم. جاء ترامب بخلفية رجل الأعمال الملياردير متنوع الاستثمارات من تشييد الأبراج ناطحة السحاب إلى نوادي القمار إلى الاستثمار في برامج الواقع التلفزيونية، فهو شخصية تلفزيونية شهيرة عالمياً أنتج وقدَّم برامج تلفزيونية عديدة ربح منها مئات الملايين من الدولارات. وفي كل ذلك هو المستثمر الذي يضع في أولوياته حسابات الربح لا الخسارة، ولا بأس لبلوغ ذلك من توظيف أكثر السبل التواء وتهرباً من الالتزامات.
يفصح المنتج الوثائقي بالإضافة لعديد التحليلات النفسية عن سمات شخصية الرئيس ترامب وماهيَّة أدائه كرجل البيت الأبيض ذي المنصب العالمي الأكثر حساسية وتأثيراً. شخصية حيوية، استعراضية محبة للظهور، طموحة يشغلها تحقيق النجاحات وبلوغ القمم فيها، وهي في ذلك تملك جلداً على امتصاص الانتقادات وتجاوز الإخفاقات بسبل شتى وطرق ملتوية. شخصية منفردة بالرأي، سريعة في اتخاذ القرار، نرجسية منتقمة غير متسامحة تجاه من لا يروق لها أو يختلف معها من قادة الدول والمسئولين. شخصية متكبرة تنظر للآخر باستعلاء ظاهر، لا تتورع عن الافتراء وتشويه السمعة والسخرية والتفوه بالكلام النابي. شخصية عنصرية تجاه المجموعات الاثنية والملونين وحتى ذوي الاحتياجات الخاصة.
رفع ترامب شعار “أمريكا أولاً” وأدار معاركه مع دول العالم مستلهماً الشعار، بيد أننا سنجد أن المجتمع الأمريكي كان هو الخاسر الأكبر خلال ولايته. ردَّد ترامب دوماً أن سياساته قد أسهمت في نمو الاقتصاد الأمريكي وفي توفير فرص عمل وفي ارتفاع الدخل العام للولايات المتحدة الأمريكية. على عكس ذلك يعلن الخبراء والمحللون الاقتصاديون المختصون أن سياسات الرئيس ترامب أفرزت مشاكل اقتصادية عديدة وقع الاقتصاد الأمريكي في براثنها على غير صعيد.
خاض ترامب حرباً تجارية واسعة ومتعددة الأوجه مع الصين التي تمكنت وبقدرات فذة مبهرة من تجاوز كل الإشكالات الاقتصادية والتجارية التي تسبب ترامب في بروزها. خاض أيضاَ حرباً تجارية حول الألمنيوم مع كندا وثالثة مع المكسيك. ووفقاً لمعطيات التحليلات المختصة أضعفت تلك الحروب الأسواق الأمريكية وخلّفت عجزاً تجارياً اجمالياً ودفعت بالبنك المركزي الأمريكي لخفض أسعار الفائدة، كما ارتفعت الرسوم الجمركية ونسب إفلاس المزارعين.
اتبع ترامب سياسة عدم الاهتمام بحرب أسعار النفط الدائرة عالمياً بما فيها استئجار الناقلات فأفلس جراء ذلك ما يربو على الخمسين شركة أمريكية. انكمشت صناعات أخرى وتناقصت شيئاً فشيئاً نسبة إسهام قطاع الصناعة في الناتج الداخلي الأمريكي. أخذ الاقتصاد الأمريكي يتراجع وارتفعت الأسعار وانخفض معدل الأجور وتزايد عدد العاطلين.
اتَّبع ترامب سياسة اللامبالاة وعدم الاهتمام بمواجهة جائحة كورونا وقلَّل من خطرها ولم يلتزم شخصياً بالاحترازات الوقائية، بل ودعا حشود مناصريه إلى عدم الالتزام. كانت سياسته تلك وبالاً على المجتمع والاقتصاد الأمريكي. أصبحت أمريكا رائدة التطور الاقتصادي والعلمي والتقني عبر العالم ضمن أسوأ البلدان في إجراءات مواجهة الجائحة، والأعلى نسبة عالمية في عدد الاصابات بالفيروس وعدد الوفيات جرائه.
لقد ضربت جائحة كورونا الاقتصاد الأمريكي ضربة قاصمة فاتجه للمزيد من التراجع والانكماش ودخلت أمريكا ركوداً اقتصادياً فاق ركود 2008. تزايد ارتفاع الأسعار وفقد أكثر من عشرين مليون مواطن أمريكي وظائفهم، وبلغ عجز الموازنة 3.1 تريليون، وغدا الدين الفيدرالي أكبر من الناتج المحلي وذلك لم يحدث في الولايات المتحدة إلا إبان الحرب العالمية الثانية. اليوم يقدِّر المختصون الحاجة إلى 1.8 تريليون لإنعاش الاقتصاد الأمريكي من جديد.
على الصعيد المجتمعي أذكى ترامب وغذَّى انقسام المجتمع الأمريكي سواءً في حملاته الانتخابية أو لقاءاته الجماهيرية بتوظيف نزعته العنصرية الشعبوية وتحريضه على العنف. استجابت له مجاميع الأمريكيين البيض من الفئات المجتمعية المعوزة ذات المستوى التعليمي المتوسط خاصة فئات الشباب من الجنسين وجمهور برامجه التلفزيونية ممن يحلمون بمستقبل أفضل ويتمثلون الشهرة والثروة والنجومية التي يجسدها ترامب. وفي أوساط شعب يحمل الكثير من أفراده السلاح أذكت سياسات ترامب العنصرية توجهات العنف ضد الآخر والقتل التي ارتفعت بمستويات عالية لم يعرفها المجتمع الأمريكي على مدى عقد سابق لولايته. اليوم تنبئ غالب توقعات المراقبين بأن الولايات المتحدة الأمريكية مقدمة على المزيد من الصراعات ومن العنف.
على الصعيد العالمي خلق ترامب عداوات مع دول تحالف “بريكس”، وسوء علاقة مع دول المجموعة الأوربية وغيرهما. في الشرق الأوسط أذكت سياسات ترامب الصراعات والحروب في اليمن، سوريا، ليبيا، العراق، لبنان، إيران وغيرها ونهبت أموال وخيرات دول المنطقة العربية. والأدهى من كل ذلك أن سياساته ومشاريعه أضرَّت أيّما ضرر بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني بمستوى لم يسبق له مثيل منذ اغتصاب فلسطين 1948. إسرائيل هي الرابح الأكبر من ولاية ترامب، ولم تحلم بما قدّمه لها على طبق من ذهب في حزمة ما كُشف عنه ونُفِّذ من صفقة القرن، والخشية كل الخشية مما سيسفر عنه باقي بنودها.
سيظل العالم يتذكر لعقود طويلة أي ويلات كارثيَّة جلبتها “الترامبيِّة” على المجتمع الأمريكي وعلى العالم أجمع.

اقرأ المزيد