المنشور

مُريد الذي أرانا رام الله

تعرفتُ على مريد البرغوثي، أول مرة، أواخر سبعينيات، أومطالع ثمانينيات، القرن الماضي، حيث التقينا مرات في مؤتمرات وفعاليات اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي (WFDY)، الذي كان مريد عضواً في لجنته التنفيذية ممثلاً لفلسطين، وأذكر موقفه الداعم لاختيارمنظمتنا الشبابية يومها، اتحاد الشباب الديمقراطي البحراني، في إحدى الهيئات القيادية في الاتحاد العالمي المذكور.
توطدت صداقتنا لاحقاً في التسعينات، فترة عملي في الشارقة، ومن خلاله تعرفتُ على زوجته ورفيقة دربه الراحلة الأديبة والناقدة الكبيرة د. رضوى عاشور، حيث زارا الشارقة أكثر من مرة للمشاركة في أنشطة ثقافية، معاً او منفردين، أحدها كان معرض الشارقة الدولي للكتاب في إحدى دوراته، حيث أقام مريد أمسية شعرية، فيما قدّمت رضوى محاضرة قيّمة عن ثلاثيتها الشهيرة: “غرناطة، مريمة، الرحيل”، التي كانت، يومها، حديثة الصدور في طبعتها الأولى عن دار الهلال.
وبعد عودتي للوطن في مطالع الألفية الجديدة، التقيت بمريد في البحرين أكثر من مرة، وأذكر أني قدّمته في أمسية بمركز الشيخ إبراهيم آل خليفة عن كتابه النثري الثاني: “ولدتُ هناك.. ولدتُ هنا”، حيث قرأ منه أحد نصوصه، بعد أن تحدث عن فكرة الكتاب ومحتواه.
علاقتي بمريد الشاعر والأديب لا تقل عن علاقتي به كإنسان، أنا الذي أُخذتُ بنصوصه الشعرية، حتى أني اخترت مقطعاً من أحدها لأصدّر به كتابي: “ترميم الذاكرة”، وهو المقطع القائل: “أتعبتني يا دورة المفتاح/ في الباب الذي ما خلفه أحد”، تعبيراً عن وحشة المنفى، الذي كابده مريد، لأنه، شأنه شأن أجيال من الفلسطينيين، وجد نفسه محروماً من العودة إلى فلسطين، هو المولود في إحدى بلداتهأ، بلدة “ديرغسانة” بالضفة الغربية، ليس بعيداً عن رام الله، بعد احتلالها من الصهاينة في عدوان 1967، وكان يومها يدرس الأدب الإنجليزي في جامعة القاهرة.
ليست فلسطين وحدها من وجد مريد نفسه منفياً عنها، فقد أبعد من مصر التي أقام فيها رفقة زميلته في كلية الآداب، التي أصبحت زوجته وأم ابنهما الوحيد الشاعر تميم، رضوى، حيث عمل مريد، بعد تخرجه من الجامعة، في إذاعة فلسطين في القاهرة، ولكنه أبعد قسراً بعد زيارة السادات للكنيست، ليجد نفسه يتنقل بين المنافي، حتى أنه أحصى في كتابه “رأيت رام الله” عدد البيوت التي عاش فيها، فبلغ رقماً كبيراً تجاوز العشرين.
لا يكفي الحديث عن مريد الشاعر المتميز فقط، إذ لا بد من الوقوف مطولاً أمام كتابيه النثريين: “رأيت رام الله”، و”ولدتُ هناك .. ولدتُ هنا”، ويمكن النظر إلى الأول بصفته واحداً من أهم وأرق وأعمق كتب السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث، وكتبه بعد زيارته الأولى لرام الله ودير غسانة بعد غياب طويل دام ثلاثة عقود، لا ليحكي فيه سيرته وحده، وإنما سيرة التراجيديا والبطولة الفلسطينيتين عامة.
ولبلوغ هذه الفكرة لن أجد أبلغ من قول مريد نفسه: “أنا أكبر من إسرائيل بأربع سنوات (في إشارة إلى أنه ولد في العام 1944)، والمؤكد أني سأموت قبل تحرير بلدي من الاحتلال الإسرائيلي. عمري الذي عشت معظمه في المنافي تركني محملاً بغربة لا شفاء منها، وذاكرة لا يمكن أن يوقفها شيء. عندما سمح لي بزيارة فلسطين بعد ثلاثين سنة من العيش في أماكن الآخرين. لم أكن بحاجة لمعايشة أماكن الماضي، بل ماضي الأماكن”. وفي هذا يصف مريد شعور كل من وجدوا أنفسهم طويلاً خارج أوطانهم قسراً.
ومريد الذي كان يعرف أنه سيموت قبل أن تتحرر بلده من الاحتلال، كان على يقين أيضاً من أن الفلسطينيين لم يخسروا وطنهم “في مباراة للمنطق” بحيث يستردوها “بالبراهين”. المساجلة في هذا أمر عبثي، وربما هذا ما أراد مريد شرحه في “رأيت رام الله”، حين أوضح أنه “من السهل طمس الحقيقة بحيلة لغوية بسيطة: ابدأ حكايتك من “ثانيا”. وهو الأمر الذي يعني تجاهل ما حدث أولاً، فغالباً ما يكون أولاً هو المقدمة و”ثانياً” هو النتيجة، حين تلغي أولاً تصبح النتيجة سبباً وردة الفعل تصبح هي الفعل، وما أكثر التجليات لهذا الأمر في الحياة، كم من “الوقائع” تفبرك دون أن تكون قد حدثت أصلاً، وكم من الوقائع تُخرج من سياقها، وتُسقط بعض عناصرها، فتحمل من الدلالات نقيض ما كانت عليه في الأصل.
هذا ما حدث ويحدث مع القضية الفلسطينية؛ طمس البدايات، والبدء مما تلاها في صوغ سردية مزيفة عما جرى حقيقة، ومع أن مريد يؤكد على أنه “علينا أن نعترف بأننا مسؤولون أيضًا. جهلنا مسؤول. قصر نظرنا التاريخي مسؤول، وكذلك صراعاتنا الداخلية، وخذلان عمقنا العربي المكوّن من دول معجبة بمستعمريها حد الفضيحة”، لكنه يرى أن “تاريخنا ضبطَنا في لحظة كنا فيها في قاع الضعف. في قاع النعاس. بوسعنا الآن أن نقول لأطفالنا إن النعاس لن يظل نصيبهم إلى الأبد ولا إلى بعض الأبد”.
وفي النظر إلى الإنسان الفلسطيني، فإن مريد لا يختلف عن محمود درويش، في التأكيد على ضرورة كسر الصورة النمطية عن الفلسطيني المحصورة في “الضحية”، أو “البطل”، إنه كما محمود يؤكد على أننا “نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا”، ففي قصيدته “الشهوات”، يُعبّر مريد عن مجموعة رغبات، والتي على فرط بداهتها و”طبيعيتها” لم تعد متاحة للفلسطينيين، الذين كان قدر أجيال منهم أن تولد لتناضل من أجل استعادة الحق المغتصب، لا من أجل أن تعيش حياتها العادية بكل تفاصيلها.
من بين تلك الرغبات التي عبّرت عنها القصيدة: «شهوة لبلاد تطالب أبناءها/ بأقل من الموت جيلاً فجيلاً، وفيها من الوقت وقت نخصصه/ للخطايا الحميمة والغلط الآدمي البسيط/ وزحزحة الافتراض البطولي عنّا قليلا/ فمسكينةٌ أمة حين تحتاج كل البطولات من كل أبنائها/ وتعيش الحياة قتيلاً قتيلاً”.
من تلك الرغبات أيضاً، حسب الشاعر “شهوة أن تضايقنا فى المرايا ككل العباد/ التجاعيد حول الجفون”، في إشارة إلى الفتيان والشبان الذين يستشهدون مبكراً وهم في مقتبل الحياة، فما أن تتفتح زهرات أعمارهم حتى يخطفهم الموت، فلا يبلغون كهولتهم أو شيخوختهم، كي تضايقهم في المرايا تجاعيد الوجوه، ككل العباد، “شهوة أن نُعلق فى غرف النوم لوحاتنا الغامضاتِ/ وليس شريط السواد على صورة الغائبين”.
***
برحيل مريد خسر الشعر الفلسطيني، والعربي عامة، واحداً من أكثر وجوهه موهبة وتميزاً ورقة، كما خسرت الحركة الثقافية الفلسطينية واحداً من أكثر وجوها نقاء والتزاماً بالموقف الوطني الفلسطيني المبدئي، وهو الموقف الذي عبّر عنه، لا في نصوصه الشعرية والنثرية وحدها، وإنما في مجمل مواقفه المعلنة، مع ما جرّه عليه ذلك من تبعات، سواء كانت تلك المتصلة بالسياسة الرسمية الفلسطينية، خاصة بعد توقيع إتفاقيات “أوسلو”، أو تلك التي تتصل بالشأن العربي عامة.
قبل عشر أعوام، حين اندلعت الانتفاضات والاحتجاجات العربية من أجل الديمقراطية والحرية والخبز والكرامة الإنسانية، رفض مريد إطلاق مصطلح “الربيع العربي” كإشارة للثورة، مؤكداً أنه “مصطلح زراعي موسمي تافه، يغفل الدم المسفوك وجرائم القتلة ويطمس شرف السعي الدائم للكرامة”، مضيفاً: “أن الثورة لها اسم واحد هو”الثورة”، وأن الحاكم يسميها “مؤامرة” والراغبون في دخولها خريف الموت يسمونها “الربيع” والإعلام يتواطأ مع الطرفين “ضدها”.
قال مريد أيضاً: “إن الثورة هي أقصى درجات النقد الجماعي للدكتاتور، ولا تستمر إلا إذا واصلت نقدها لذاتها أثناء النضال وبعد نجاحها أيضاً. الثورة هي استمرار النقد”، وتابع قائلاً : “حتى الطغاة يمكن أن يكونوا مع”الربيع” فهذا لا يكلفهم شيئاً لكن العسير أن يكونوا مع “الثورة” لأنها تكلفهم عروشهم، واستطرد:”ما أتفه مصطلح الربيع العربي”.
أكانت تلك نبوءة شاعر مبدع؟ ربما، ولكن لمريد نبوءة أخرى لا تقلّ بلاغة، وردت في أحد دواينه الشعرية قبل احتجاجات 2011 بعقود، اختارها المفكر المصري الكبير نصر حامد أبو زيد ليستهل بها كتابه المهم: “التفكير في زمن التكفير”، وفيها يقول مريد: “قبائلنا تسترد مفاتنها/ في زمان إنقراض القبائل”. أليس ذلك توصيفاً أو ما يشابهه للحال التي نحن فيها من انفجار الهويات الفرعية، قبلية وطائفية ومذهبية وعشائرية؟.
أهل الاستبداد ماهرون في “ابتكار” سبل استمرار استبدادهم، حتى لا يكون هناك مكان للرأي الآخر، الرأي الرافض لاستبدادهم والساعي لاقتلاع جذوره. أليس هذا ما عناه مريد في قصيدته ” المرآة” عن والٍ حذّرته عرّافة من الموت إن هو لم يستشر الرعية في أمور الولاية، وخوفاً من الموت دعا الوالي وجهاء القوم للمشورة. وحين دخل عليهم وهم ينتظرونه أخرج مرآة من جيبه، وحدّق بإعجاب في صورته. سأل الصورة المشورة، ولما أجابت شكرها، ثم كسرها “مخافة أن يعوّدها على حق الكلام!”.

اقرأ المزيد

تهنئة لذكرى تأسيس جتوب

يصادف اليوم الذكرى 66 لتأسيس جبهة التحرير الوطني البحرينية (جتوب) الذكرى التي يمتد عمقها بعمق الحراك اليساري في البحرين، هذا التنظيم الذي تأسس من بين متاريس المصانع وخاض طريق صعب قارع فيه الاستعمار، قدم من أجله رفاقنا جل حياتهم وكان لهم بيوت أخرى غير بيوتهم هي أقبية السجون وزنازين المعتقلات، تركوا بصماتهم في كل المحطات في المعامل والمصانع في الأسواق وفي البيوت المعدمة والأهم من ذلك بصماتهم في قلوب الناس وآمال الفقراء.

ورغم كل ما كابده الرفاق ودفعوا له أثمان من حياتهم وقوت أطفالهم إلا أنهم باقون وصبرهم لا ينفذ، يتناقلون شعلة جتوب من جيل لآخر ومنها إلى المنبر التقدمي الذي شارف في مسيرته العقدين من الزمن، مصممين أن نمضي بلا كلل أو ملل نحو غد نؤمن أننا إليه سنصل ونغني معاً فيه جوقة الحرية والسلام.

لرفاقنا الذين رحلوا السكينة والسلام ولذكرى شهدائنا العطرة المجد والخلود.
عاشت الذكرى 66 لتأسيس جتوب.

المنبر التقدمي – البحرين
15 فبراير 2021

اقرأ المزيد

الآمال معقودة على سمو ولي العهد رئيس الوزراء – اللجنة المركزية للتقدمي لابد من مرحلة جديدة من العمل الوطني والتوافق السياسي وإصلاحات على أكثر من صعيد محاربة الفساد وملف المتقاعدين وقطع الطريق على من لا يريدون لنا إلا المراوحة إشادة بموقف شعب البحرين الرافض لكل أوجه التطبيع مع الكيان الصهيوني

أكد المنبر التقدمي عبر لجنته المركزية في ختام اجتماع لها عقد مؤخراً على أهمية مرحلة العمل الوطني في المرحلة المقبلة ومواجهة تحدياتها ومتطلباتها، وشدد على أهمية التوافق السياسي وانفتاح أكثر رحابة مع مختلف القوى السياسية، وشدد على ضرورة إنهاء المراوحة حيال العديد من الملفات وغيرها للوصول إلى ما يلامس تطلعات المواطنين وقطع الطريق على من لا يريدون المصلحة لشعب البحرين.

إن اللجنة المركزية للمنبر التقدمي في اجتماعها الدوري السادس المنعقد مؤخراً نظرت في العديد من القضايا المطروحة على جدول أعمالها والمرفوعة إليها من المكتب السياسي، وفي هذا الإطار ناقشت الشأن التنظيمي ونشاط لجان وقطاعات التقدمي وخطط عملها في الفترة المقبلة، وأحيطت اللجنة المركزية بمدى تأثير تداعيات جائحة كورونا على النشاط العام للتقدمي كما هو الحال بالنسبة لبقية الجمعيات والمؤسسات، ونوهت بالجهود المبذولة من جانب التقدمي وسعيه الدوؤب لاستمرارية أنشطته قدر الإمكان في ظل الظروف والأوضاع الاحترازية التي فرضتها الجائحة وخاصة عبر استخدام الوسائل الافتراضية وبحثت في كل ما يعزز مسيرة التقدمي ويستنهض إمكانياته في الفترة القادمة.

وأبدت اللجنة المركزية دعمها لمسيرة العمل المشترك بين الجمعيات السياسية في مختلف القضايا والملفات الوطنية ذات الاهتمام المشترك، ومن جهة أخرى شددت على أهمية تعزيز أوضاع الجمعيات السياسية في الفترة القادمة ومعالجة العقبات التي تواجه العديد منها خاصة بعد توقف الدعم المالي لها وتراكم الأعباء المالية عليها مما أدى إلى إغلاق مقار بعضها، ودعت إلى بحث ومعالجة هذه الأوضاع وإعادة الدعم المالي لها لكى تقوم الجمعيات السياسية بدورها بالشكل المطلوب في الفترة القادمة .

وفي الشأن السياسي ناقشت اللجنة المركزية التقرير السياسي المرفوع إليها من المكتب السياسي وتم التوقف أمام ما يلي:

أولاً: أكدت اللجنة المركزية على أهمية مسيرة العمل الوطني في المرحلة المقبلة، وترى أن الآمال معقودة على سمو ولي العهد رئيس الوزراء في تدشين مرحلة من التوافق السياسي وانفتاح أكثر على مختلف قوى المجتمع بما فيها القوى السياسية المعارضة وإجراء إصلاحات ملحة على أكثر من صعيد سواء فيما يتعلق بتوسيع صلاحيات المجلس النيابي في الرقابة والمساءلة والتشريع، والتعاطي الأمثل والموزون مع ملف التقاعد والمتقاعدين الذي بات يؤرق الكثير من المواطنين، ونوهت إلى أهمية ما تبناه سموه من استحقاقات المرحلة المقبلة والتي أعلن عنها مؤخراً خلال ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء ومنها ما يتصل بـ “تعميق دولة المؤسسات وحكم القانون، وترجمة الأمانة الوطنية التي ترتكز على شرعة حقوق الإنسان، والحريات العامة، والشفافية والمحاسبة والبناء الديمقراطي”.

وأكدت اللجنة المركزية أن التقدمي سيظل داعماً لتلك التوجهات التي لابد أن تمضي مقرونة بالإرادة اللازمة وإلى القوى الداعمة لتحقيقها وإلى وعي كامل لآلية تحقيق ذلك بالحكمة والتبصر وبالفكر المستنير والرأي الرشيد .
ثانياً: إن الملف الاقتصادي من أهم الملفات التي يجب أن تحظى باهتمام استثنائي من قبل الحكومة والمجلس النيابي وكل القوى لضمان حسن معاينة الوضع المالي والاقتصادي والخروج بنتائج لا تؤدي إلى المساس بحقوق ومكتسبات المواطنين، وتعالج بمنتهى الجدية القضايا والملفات التي تهم المواطن، وتشدد اللجنة المركزية على ضرورة تكثيف الجهود ورسم الخطط المدروسة التي من شأنها رفع أداء العديد من القطاعات وفي المقدمة منها التعليم، والصحة، وسوق العمل، والسكن، والعقارات، وبحث كل ما يولّد فرص عمل حقيقية للمواطنين، ويجعل المواطن البحريني فعلياً الخيار الأول للتوظيف، ويقيم منظومة شاملة ومتكاملة للضمان الاجتماعي ضد البطالة وكل أشكال ومظاهر الفقر والعوّز، ويكفل للمواطن العمل والسكن والأمن المستدام في الصحة والتعليم والطاقة.

ثالثاً: تؤكد اللجنة المركزية على أهمية إعادة النظر في سياسة خصخصة القطاعات وتخلي الدولة عن دورها في الاقتصاد والخدمات وتوفير الأمن الاجتماعي، وتحذر من تبعات ذلك على حاضر ومستقبل المواطن، وأعربت عن خيبة الأمل من التعديلات التي طالت قانون التقاعد ونالت من مكتسبات المتقاعدين وأفرزت في أوساطهم الكثير من عوامل التوجس والقلق، وجددت اللجنة المركزية موقف التقدمي الثابت والرافض لأي مساس بحقوق وامتيازات المتقاعدين، ودعت النواب إلى اتخاذ موقف ثابت حيال هذا الملف وطرح المشاريع البديلة لمواجهة بواطن الخلل والفساد وكل المسببات التي أفضت إلى هذه النتيجة المؤسفة في إدارة هذا الملف طيلة السنوات التي مضت.

رابعاً: حيال الموقف من التطبيع مع الكيان الصهيوني، جددت اللجنة المركزية موقف التقدمي الثابت من كل أوجه التطبيع مع هذا الكيان، وشددت على أنه موقف مستمد من الموقف الشعبي المشّرف والرافض لهذا التطبيع، وأكدت بأن هذا الشعب سيظل داعماً ومسانداً للشعب الفلسطيني في تقرير مصيره في دولته المستقلة على ترابه وفق ما نصت عليه القرارات والمواثيق الدولية.

خامساً: إن اللجنة المركزية ترى أن التطورات السياسية على الساحة الدولية تحتم على القوى الوطنية مزيداً من المهام وفي طليعتها التصدي بحزم إلى دور القوى الرأسمالية في استفحال الأزمة الاقتصادية وتحميل الفقراء ثمن وتبعات هذه الأزمة التي طالت شعوب الدول الفقيرة والنامية، ونوهت في السياق بالقوى التقدمية في الهند التي وقفت بصلابة في مواجهة المخططات النيوليبرالية التي تهدف إلى تعاظم الرأسمال القومي في أيدى ثلة من الطبقة البرجوازية المهيمنة على وسائل الانتاج وكان آخرها خصخصة القطاع الزراعي مما أعطى الطبقة البرجوازية احتكار سوق المنتجات الزراعية وهي السياسة التي قوبلت باحتجاجات واسعة في العديد من أرجاء الهند، وكان موقف الحزب الشيوعي الماركسي من هذا القانون أحد الدوافع لانتصار الحزب الماركسي في ولاية كيرلا الذي وقف مناهضاً لخصخصة قطاع الزراعة، وعبر عن طموح ملايين الفقراء والمعدمين في الهند، وبهذه المناسبة أشادت اللجنة المركزية بما حققته القوى التقدمية الهندية على هذا الإنجاز، وتمنت لها المزيد من الانتصارات.

سادساً: أبدت اللجنة المركزية تضامن التقدمي مع جمهورية كوبا ضد القرار الأمريكي الجائر الذي صنفها من الدول الراعية والداعمة للإرهاب، وترى أن هذا القرار يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأمريكية ضد كوبا على مدى عشرات السنين وبالرغم من ذلك ظلت كوبا صامدة وشامخة في وجه مخططات الإمبريالية العالمية التي سعت بكل الوسائل لتركيع كوبا وحرفها عن نهجها الداعم لحركات التحرر، وفي ذات السياق استنكرت اللجنة المركزية التدخلات الأوروأمريكية في الشئون الداخلية لفنزويلا، وأبدت اللجنة المركزية دعمها وتضامنها للحكومة الشرعية بقيادة الحزب الاشتراكي الموحد .

المنبر التقدمي – البحرين
4 فبراير 2021

اقرأ المزيد

بمناسبة اليوم العالمي للأخوة الإنسانية “التقدمي” يشدد على رفض التمييز والعنصرية والتطرف وخطابات الكراهية أهمية التمسك بالقيم الإنسانية ونبذ الانقسامات وإدانة كل مساس بنسيجنا المجتمعي

بمناسبة اليوم العالمي للأخوة الإنسانية الذي يحتفل به العالم لأول مرة اعتباراً من اليوم، الرابع من فبراير 2021 بهدف إيقاظ الحس الإنساني بنشر قيم التسامح والتعايش ورفض التمييز ونبذ الكراهية وكل أشكال التعصب والعنصرية وتعزيز الحوار البنّاء بين الأديان واحترام الثقافات وجعل العالم أكثر سلاماً وتسامحاً وأكثر تقبلاً لمعاني الأخوة الإنسانية.

فإن المنبر التقدمي وهو يُحي هذه المناسبة التي اعتمدتها الأمم المتحدة يساند ويدفع بكل خطوة أو مشروع أو جهد يدفع إلى زيادة الوعي بكل القيم الإنسانية والترويج لثقافة السلام وتعزيز الحوار البناء بين الأديان واحترام الثقافات والمعتقدات وكل ما يؤسس لقيم إنسانية في التضامن بين البشر، ويرى بأن هذه المناسبة التي جاءت بناء على مبادرة كانت مملكة البحرين من ضمن ثلاث دول عربية قدمتها من أجل بلوغ تلك الأهداف على كافة الأصعدة المحلية والإقليمية والعالمية، هي فرصة للتشديد على رفض كل ما يمس أو يسئ إلى المعاني والقيم الإنسانية ويفاقم من صور الفقر والبؤس والحرمان، والإقصاء والتمييز، والتهميش، والاضطهاد والظلم وسلب حقوق الإنسان، ويشاطر التقدمي الداعين إلى العمل على نشر ثقافة التسامح والتعايش والسلام، والتدخل فوراً لإيقاف سيل الدماء البريئة في العديد من بلدان العالم جراء حروب وصراعات أثمرت مآسٍ وكوارث خلفت قتلى وأرامل وثكالى وأيتام، وعالم تسيطر عليه الضبابية والمصالح المادية الضيقة والخوف من المستقبل.

كما يرى التقدمي أن استخدام الدين في تأجيج الكراهية والتطرف والتعصب الأعمى والإتيان بما لا علاقة له بالدين، والمساس بنسيجنا الوطني بأي شكل من الأشكال، من أجل تحقيق أهداف سياسية وطائفية وانتهازية وغيرها من الأهداف التي لم تحقق سوى كوارث مفجعة هناك من يذكيها ويستفيد منها متجاهلين أن اختلافاتنا الفكرية والسياسية والطائفية لا تبرر القنوط والسلبية بل أن هذه الاختلافات لابد أن تكون مصدر قوة وتماسك والتحرر من قيود الأنانيات والولاءات الضيقة ودافع لعجلة التغيير دون عوائق، كما هو دافع للتذكير بضرورة التزام الحكومات بالاتفاقيات الدولية وخاصة المتعلقة بمحاربة الفساد وتعزيز التضامن لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية بما في ذلك القضاء على الفقر.

وأخيراً يؤكد التقدمي بأن الكيان الصهيوني وما يرتكبه من جرائم تطهير عرقي في فلسطين المحتلة،
وما ارتكبه ولا زال يرتكبه من ممارسات عنصرية تروّع النفوس وتفتك بأرواح الفلسطينيين وفي البنى الأخلاقية للإنسانية، يظل هو أحد أهم وأخطر الممارسات وأكثرها شراسة والتي تضرب كل المعاني والقيم الإنسانية من جانب دولة الاحتلال الصهيونى ومنها حزمة القوانين والتشريعات والقرارات التي تستهدف الشعب الفلسطيني، وفي المقدمة منها “قانون القومية” الصهيوني العنصري التهويدي، داعياً مختلف دول العالم إلى وقفة حازمة ضد كل الانتهاكات التي ترتكبها الصهيونية بحق الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

المنبر التقدمي – البحرين
4 فبراير 2021

اقرأ المزيد

خمس عشرة مرآة.. ولا أرى وجهي

مرآة الرواق

حين لم تعد مؤمناً.. ولم يعد يعنيك شيء، صارت الأشياء كلها ملساء لا وجه لها، وصرتَ تقرض أظافركَ أمام الدخان، وتتعثر بالكلمات التي لم تعد تثق بقوتها. تندسّ في حضنٍ من رماد، وعيناكَ تدمعان صدأَ خوفك..
حين لم تعد مؤمناً، وبأصابعك الملفوفة تحكُّ ملامحنا الواضحة تطلق علينا رصاصات العمى من مسدّس إغماض.. تفتلُ شاربي هلعك أمامنا بتجاهلٍ يشبه النسيان.

مرآة الحقيبة

الآن أنتِ فقط صفعة مفاجئة على الزجاج
وعَرَقٌ خفيف من أصابع طرية، يترك بصمة حقاً
لكن الغبار كفيل بمحوها
الآن، أنا فقط تهشّم الزجاج إثر الصفعة
لم يتفتت، بقي متماسكاً،
والغبار، الذي سيمحو البصمة
سيشكل على خطوط الزجاج المتقاطعة
بصمة أخرى
كأنما بصمة الزمن.

مرايا واجهات البنايات

أول اليأس يسحبك كالغريق إلى القعر
بعد أن تترك نفسك له، بعد أن تيأس من اليأس؛
سترى أنك ثابت، كأنك شجرة ميتة، أو حجر مهمل

لا تخش بعد، لليأس حيلة أخرى
في مرحلته الثالثة، يعطيك اليأس خفة غريبة
كأنك تسبح في ماء، أو تتحرك في اللاجاذبية
إنك السمكة في حوض صغير وضيّق
لا تحتاج أكثر منه.

مرآة الحلاق

هذا حزن خفيف يقشر الروح ولا يحفرها، كحجل يرف قرب الأرض لا يثقب سماءه ولا يكاد التراب يشعر بقدميه، حزنُ ما انتهى ونُسي ولم يبق منه إلا خاطر مموه،
حزن تناديه ليحط على كتفك وأنت ماض في هدوء الذاكرة، تستطيع التفاهم معه بعينين لا تطرفان، أو تنهيدة لا تحس، حزن خفيف كالتفاتة لخلف خائف.

مرآة فيلم

لا أحد يشبهك
تأخذ بيدي كل ليلة
تضغط على رقبتي
ولا تترك قبلا
كمنوم مغناطي تتركني أغمض عيني
تدخلني عوالمك، تتغول في عوالمي
تصف لي الحياة، وتنصفني منها
أنت، بميلان خدك الداكن
وصوتك الحاد كقطرة مطر على الزجاج
يا خوفي، يا خوفي
لا أحد يشبهك
حين تضع رأسي في حجرك
وتبدأ في الفحيح.

مرآة المحمول

ثمة من يحاول أيها العدم..
يحفرك من الجهة الأخرى
لا، ليس النجاة التافهة
إنما الصدمة بك
رفع القماشة الأخيرة عن وجهك
والقول بكل يأس
كم أنت جميل
كم أنت جميل أيها العدم
كأنك اللست شيئا
تلتمع عيناه
في ضوء شبحي
آت من مشكاة بعيدة
هي الحياة
هي الحياة
لا علاقة لنا بها..

مرآة في غرفة الطبيب

إني أتنفس
إني حيّ
وبالرغم من هذا، ثمة من يجري لي تنفساً اصطناعيا
يضغط على صدري
يقبلني قبلة الحياة
بين حين وحين
في يوم أو آخر
ومهما قلت له، إني اتنفس
لا يسمعني
إني حي
لا يلتفت لي
يضغط أكثر
وينفخ في فمي
كل الهواء..
الهواء الذي أختنق به
ولا أموت

مرآة المصعد

سيكون لانهياري صوت القهقهة
سيظنون أني أضحك
وحين ينتبهون
لن يروا سوى غباري
يغطي وجوههم المتفاجئة
سيضحك واحدهم على الآخر
سيقهقهون كذلك..
وعندها فقط
سيكون لانهياري معنى.

مرآة البار

أعمى، ولكن لا يرى عماه
وكلما اصطدم بحائط
تخيل حضناً

مرآتكِ أنتِ

كالسكين
ابتسامة الهزيمة
التي تقطع وجهي الآن
..
كالسكين
خروجك السلس
من الحكاية
..
كالسكين
حاد ولا يسع خطوتي
طريق الرجوع هذا..

انعكاس الصورة، على كأس متسخ

أمد أذرعي في زوايا العالم
هل أنا عنكبوت؟
لا خيوط عندي
عندي انتظار الوقوع
عندي وهن المصيدة
أمد أذرعي لا كالمصلوب
ولا كالرجل الفيتروفي
لا أحصل على شيء
لا أحصل على شيء
قبضتي جمرات
بيتي يحترق
قصيدتي الكرة المجوفة،
أنا فأر السيرك
قولي للقدر يمد يده
ليقع العنكبوت

ليرى البعيد يرحل
ليرى التائه يصل
ليرى المهتز يتوقف عن الاهتزاز
أمد يدي في زوايا العالم
أعمى يتحسس الفراغ
لقد طردتني الريح،
ها أتقلب في ضحكة
تمضي نحو كهف من الأسئلة.

وجه غريب، يعادل مرآة

اليوم رأيت الحزن، كان طويلاً وبلا ظل. لم تثر فيّ رؤيته عاطفة ما، كأني رأيت غريباً ولم أنتبه. لم يبد هو الآخر أن شيئاً أثير فيه، فرك لحيته وهو يحدق في وجهي؛ ليس كمن يتذكر، إنما كالذي يفكر في أمر بعيد ثم مضى..
بعد أن اختفى تماماً تذكرت، ليس الحزن، وليست العاطفة، تذكرت الشحاذ العجوز الذي حين كان يأتي إلى قريتنا، يطرق الأبواب كلها، أما بيتنا فيدخله دون اسئذان، يجلس مطولاً مع والدي ويتسارران، ويخرج دون أن يأخذ شيئاً.
كان حينها هو أيضاً يلتفت لي، ويفرك لحيته ويفكر، مثله تماماً.. أما أنا فأسأل نفسي، دائماً: لماذا هذا العجوز من دون ظل؟

مرآة حمام البيت

اليوم هو اختبارك، ليس الأمس أو الماضي،
حيث التفاتة حنين، أو زفرة راحة،
ليس الغد أو المستقبل، وما فيهما إلا فراغ كأس
يملؤه القدر أو التذكر
اليوم اختبارك،
اليد الرطبة قابضة على الساعة،
اليوم حيث لا تفاصيل، ولا هلاوس،
اليوم حيث ما يكون فيه يختصر في طرفة عين،
اليوم عليك أن تعيشه
وما إن ينقضي، وتعرف أنك لم تفلت من قبضته،
لم تنفرج قضبانه عن ضوء؛ حتى تتركه خلفك،
أثراً يرشد الذاكرة إلى الوهم،
فتاتاً تستدل به عجلات الزمن الذاهبة في المجهول.
اليوم حيث لا شيء يحدث،
لا الزمن حبل مشنقة يصير،
ولا المكان ورقة تلوكها الريح التي مضت
آخذةً صورتك.
اليوم
أيها الوحيد كتمثال أبيض،
لم يتحرك فوقه ظل.

وحل

الحقيقة أني هربت، من يغمض عينيه بدلاً مني؟ من يقترح على الحياة قسوة مغايرة؟ لو التقينا، أنا وأنتَ وكل العابرين في نفق هروبنا هذا، لو التقينا مرة صدفة، في بياض مفتوح مثل لطمة مفاجئة، لاعترف أحدنا للآخر، لا أخطاء لنندم عليها، ولا مرايا لنحرفها عن الضوء، أيدينا المتعرقة في أيدي بعض، وليس علينا أن نخمن، أنا وأنتم، طابور طويل من السكاكين والخناجر، وسلسلة طعنات لا تحصى، لذا لو التقينا صدفة، في مصعد كبير مثل حلم، لصمتنا جميعاً، ونحن نحدق للأعلى، حينما الأسرار تنتقل من أحدنا للآخر بالعدوى، يقول أحدنا في سرّه: ليتني خرجت من الغبار. آخر: كان الدم مستورداً وكنت أنت الضحية. آخر: جواز سفري مزور. آخر: الحلم ضيق، وأصابعي حادة. آخر: على الموت أن يلتفت للخلف الآن. آخر هو أنت: الحقيقة أني هربت.

مرآة، زجاج، عيون

أمام البحر
وفي هذا الجو الرطب والبارد
سأفتح يدي كنبي
أو ممثل يؤدي دور نبي
كذلك فمي سأبقيه مفتوحاً
حتى يملأ صدري الهواء الرطب
وأصاب بالبرد
وسأسعل مثل موجة
حتى تطنّ في أذني نحلة ساخنة
ومن يدي المفتوحة
ستخرج القبل كلها
التي ظننت أني تركتها على شفتيك
ومن فمي المفتوح
لن يخرج قليل من الهواء
سأحاول أكثر، ولن أستطيع
أختنق ولا أستطيع، لن يخرج هواء
سيحمر وجهي
وأسقط على الرمل المبلل
ولن يخرج من فمي هواء

وحين سيجدونني، ستكون علامة الاستفهام الكبيرة
تسد فمي، والقبل التي ظننت أني تركتها على شفتيك
تروح وتجيء، مع الموج البارد، أمام البحر.

اقرأ المزيد