المنشور

كيف يموت العصفور؟

1.
إن كانت الأرواح لا تفنى، وإن كان الكون لا يضيع ذرة واحدة، وإن كان الـ DNA، هو شريط ذاكرة فوق الوعي للكائنات، فإني أظن التناسخ هو الحقيقة، وهو يأتي بمعنى الارتقاء، فكل روح تفنى، تعود لتعطي رأيا في الحياة، لتصنع الحياة على إثر مليارات التقارير جينات جديدة، مختلفة بدرجات شديدة البساطة في الأجيال اللاحقة، التناسخ إذن هو طفرة معرفية، سبق لها اختبار الحياة وتكوين فكرة عن نواقصها، لكن ليس بالشكل العقلي الواعي، إنما بالشكل الجيني المتكون في شفرات الـ DNA، تناسخ يحدث في أجيال، وأجيال، آلاف وملايين السنوات، لكي يحدث تغييرا بسيطا، وهذا يعني أن فهمي للحياة، وتجاربي، وخبراتي، سيتم اختزالها بشكل لا أفهمه، وكأنه تقرير مشفر، ليستفيد منه الكون في صنع كائنات أفضل، أو حياة أفضل، لا يهم إن حدث هذا بعد ملايين السنوات، لكن، هذا يعني أن حياتي لها فائدة! إنني هنا لأرسل تقريرا للكون عن كيفية العيش؟ إنني بشكل ما مبعوث السماء؟ رسول أو نبي؟ كائن فضائي إنما من الأرض، وللأرض؟ والستون عاما التي سأقضيها هنا، لها معنى! علي إذن أن أجتهد لأفهم الحياة جيدا، ولأعرف بشكل جزئي ما الذي ينقصنا نحن البشر لنكون كائنات أفضل، ولأرسل بعد أن أموت تقريرا مميزا، عن حياتي على الأرض.
المشكلة فقط، أني لا أظن أن تقريري سيلقى صدى، فأنا مؤمن أننا الأجيال الأخيرة على الأرض، وبالتالي لا مجال للاستفادة من تقاريرنا في تطوير نوعنا، لكن ربما يكون هذا هو تقريري.. (أنصحك أيها الكون بإفناء البشرية، واستبدالها بكائنات أحادية الخلية)، ربما نكون الأجيال الأخيرة التي ترسل مثل هذا التقرير، وبالتالي سيقترب موعد التحول القادم.
ياه.. كم أشتاق للحياة في أرض ليس فيها بشر، أرض خالية من هذا الكائن، تعيش فيها خلاياي بذاكرة أخرى وهوية أخرى، فما أنا متيقن منه، أن الارواح لا تفنى، والكون لا يضيع ذرة واحدة، والتقارير التي نرسلها بعد موتنا، هي ديمقراطية الكون.

2.
مثل الجسد، تتشتت الروح باعتبارها طاقة في أرواح أخرى، تذوب فيما سواها بعد أن تنتقل من جسدها في الذي ندعوه اليوم (الموت)، وهي ليست متحكمة ولا واعية في ذاتها، إنما حكمها ووعيها مرهونان بالجسد الذي تملأ، وبصفاته، أي بالخلايا التي تتحد معها، وتشّكل معها الكائن في وقت ما محدد، ونحن باعتبارنا بشراً متكونين، لا نملك الخيار إلا في ظل التكوّن الذي نحن عليه الآن، لكن حين نموت، حين نقدّم تقاريرنا، فإن كل جزء منا خلية أو ذرة أو شيفرة، تكون له حياة أخرى يعيشها، حياة ليست لها صلة بالحياة والذاكرة والتجربة المعاشة سابقاً، لكن مع ذلك، فإنما تكون مبنية على كل هذا، هي جزء منه، ونتيجة له.
إنما الكلام الذي نقوله اليوم، في جزء كبير منه، تجارب لخلايا عاشت قبلنا، عاشت قبل مليارات أو ملايين السنين، جزء منه هو شعورها بالثقل الوجودي، وجزء منه توقها لما هو أفضل، كأنما الكون كله، ليس إلا مجموعة من الأحلام والرغبات والأفكار غير الواعية، تنتقل عبر ملايين السنين، تتضافر، تجتمع، تلتئم حتى تشكل فكرة في رغبة، أو جزءاً بسيطاً من رغبة أو أمنية.
فلنتخيل لو الإنسان كنوع، ظل كل فرد منه، يحلم بالطيران، لملايين من السنوات، فإن هذه الرغبات والأحلام ستجتمع، حتى تشكّل خلية، أو مجموعة خلايا، لتلتئم هي الأخرى، وتكون وقتها قادرة على صنع جناحين للإنسان بعد كل هذا، ولأجل ذلك فإن الأحلام مهمة، ولأجل ذلك فإن المقاومة مهمة، ولأجل ذلك فإن الأفكار مهمة، لأنها ليست أحلامك وحدك، ولا مقاومتك وحدك، ولا أفكارك وحدك، إنما أنت تحمل عبء مئات الآلاف، ملايين الأجيال، من الخلايا، ومن البشر.

3
هل تظن أيها الإنسان أنك وحدك الذي تسجّل لتتعلم؟ باكتشافك الكتابة، والتدوين، حللت جزءاً من اللغز، لكن انظر، ها هو الكون يسجّل فيك منذ ملايين السنوات، أنا جزء من دفتر الكون، أنا كتابة قديمة لا تهمل، في روحي أجزاء من أرواح لم أعرفها، في هذا الجسد بالذات الذي يحملني، هنالك ملايين البشر، الذين عاشوا سابقاً، ملايين الحيوانات والنباتات والأحجار والطين والطمي والماء والتراب والكائنات متناهية الصغر، في رأسي هذا أفكار وأسئلة وأحلام ملايين الناس، ماذا لو تكلم كل ما يشكّلني؟ إنني كلام الآخرين.. لستُ إلا ذلك.. ومع هذا فأنا نفسي فقط، ولا أحد غيري.
***
قرأت اليوم نصاً عن بطريق يتحسر على الطيران، وقلت للشاعر في نفسي: من قال لك أيها الشاعر إن البطريق يرغب في الطيران؟ لماذا تسقط عليه رغباتك؟ أعتقد أن البطريق كان طائراً وتخلّى عن الطيران، ولأنه تخلّى عن ذلك فقد تقلّص جناحه، وتحوّل ريشه إلى مادة شبه دهنية، لقد أعجب البطريق بحياة الجليد، إني أتخيّل أن مجموعة من الطيور حطّت في تلك البقعة، بعضها رغب في البقاء هناك، ولملايين السنوات، أخذت أجسادها تتحوّل، لهذا فإن البطريق إن شاء الطيران مرة أخرى، فما عليه إلا المحاولة، لملايين السنوات الأخرى، وبالتأكيد سيتمكن من ذلك.
***
في الموروث الديني والشعبي، يقال إن الله جمعنا قبل أن يخلق العالم المادي، وخيّرنا في طريقة حياتنا، وأن كل واحد منا قد اختار فعلاً ما يريد أن يكون عليه، فالطائر اختار أن يكون طائراً، والحشرة اختارت أن تكون حشرة، والإنسان اختار أن يكون إنساناً، بل أكثر من ذلك، ذلك الطائر اختار كيف سيعيش، وكيف سيموت، وتلك الحشرة كذلك، الإنسان أيضاً، كل ما حدث ويحدث في الكون يحدث بمحض إرادة هذه الكائنات، ولا إجبار لأي كائن على أي شيء.
أظن أن هذه طريقة رمزية للقول بفكرة التناسخ/ التطوّر والارتقاء.. إننا نحيا ما اختارته لنا خلايانا، وذراتنا، وأجزاء أرواحنا المتعددة، إنه قانون ديمقراطي لكنه مختلف قليلاً، المسألة هنا لا تتعلق بجيل، بل بأجيال، ملايين الأجيال، من الخلايا والذرات، تختار لشكلها اللاحق كيف سيكون، كيف سيعيش، وكيف سيموت.
***
ماذا لو كانت هنالك ديمقراطية تحترم خيارات الموتى؟ توضع مشاريع القوانين وتصوّت عليها الأجيال، أعوام بعد أعوام، وتحتفظ بهذه الأصوات، أصوات الأجيال الميتة. هكذا انتخاب طبيعي، لطريقة الحياة. ديمقراطية ليست للأحياء فقط، إنما للموتى كذلك. ربما يكون في الكتابة شيء من تلك الديمقراطية!

4
يوصف الإنسان الذي لا يستطيع كبح شهواته بأنه بلا إرادة، لكن هذا يثير ارتباكي، ففي حين أن الإنسان الموصوف بالإرادة هو نفسه الذي يكبح شهواته ورغباته المتمثلة في هذه الإرادة، إنه حين يشتهي يشتهي بملء إرادته، وحين يمتنع عن اتباع رغبة أو شهوة ما، فإنه يغالب إرادته هذه، يقمعها، ويسجنها، ليستطيع التوقف عما يريده حقا، علينا أن نصفه إذن بأنه من ليست لديه سلطة على إرادته، أو بأنه صاحب الإرادة الحرة، هذا لا يعني طبعا أن كل من لا يرغب، هو صاحب إرادة خاضعة، الأمر عائد لما يريد كل فرد حقا، وما يرغب في فعله، وما يعيقه عن فعل ما يريد.

5
إنني لا أعرف كيف يموت العصفور، هل يشيخ، يعجز عن الطيران، ثم يموت جوعاً بسبب ذلك؟ لكني أعرف أننا ككائنات بشرية ذات إرادة كما نصف أنفسنا، أطول أعمارا منه ومن كثير من الكائنات، ليس بسبب إرادتنا، وانعدام الإرادة لدى تلك الأخرى، إنما لأننا ببساطة نخضع لإرادة الطبيعة، فيما الكائنات الأخرى، لا تخضع سوى لإرادتها الحرة، طالما لا يعيق هذه الإرادة عائق مادي..
إنني الآن أريد الخروج من العمل، لكن يمنعني خوفي من المستقبل، أن أطرد منه، أن تخصم عليّ يوميتي، هل هذه إرادة حرة؟ أم خضوع لإرادة أعلى! فيما الطائر ذو العمر القصير، يتبع إرادته، ولا يهمه أنها ستقصر من عمره، أو حتى تترك جنسه عرضة للانقراض!
الغريب أننا كجنس عرضة للانقراض، ليس بسبب ما يفعل أغلبنا، إنما بسبب ما تفعله أقلية ثرية، تلوث الكوكب، وتنقص مناعته، وتجعله مريضا.. إننا نبيع حريتنا وإرادتنا بأثمان بخسة، ثم ما نلبث أن نكتشف أننا نحن فقط من ندفع ثمن ما نبيع، يحصل المشتري على المال وعلى البضاعة، وعلى إرادتنا وحريتنا، ونحصل نحن على وهم الطمأنينة!
أعطونا زمنا طويلا بائسا ثابتا في بؤسه، نعطكم لحظات حبنا وسعادتنا وطيشنا ومتعتنا ومغامرتنا، وانعتاقنا.. ماذا نفعل بأنفسنا؟!
قيدونا بالأمان، إننا نقايض العيش بالزمن، الله يعدنا بحياة خالدة، آمنة من النار، في المستقبل، شرط أن نتخلى له عن ذواتنا اليوم، الحبيب يعد حبيبته بالاستقرار، شرط أن تتخلى له عن حريتها، صاحب العمل يعد الموظف بمرتب ثابت آخر كل شهر، شرط تخليه عن أحلامه، الدولة تعد المواطن بالأمان، شرط تخليه عن هويته، من يضمن استمرار الأشياء، ما نحبه اليوم، نعتاده غدا، ونمله بعد غد، الأمان الحقيقي هو أن تكون أنت، مقتنعاً بما تفعل، غير راجٍ منه إلا لذته الآنية، تعبد الله لأن للعبادة لذة الشعور بالذوبان في الكلي، تعشق حبيبتك لأنك الآن تشعر بالسعادة وأنت معها، تعمل لأنك تستمتع بالعمل، تلتزم لأنك مقتنع، لا من أجل شيء وهمي كالزمن، شيء كلما فكرت فيه رأيته حلماً، وكلما أغمضت عينك عنه، صار ماضياً.

اقرأ المزيد

اللغة بوصفها موضوعاً مفكراً فيه

أسماء متحورات كورونا نموذجاً

مدخل:
لطالما شُغل البشر بسؤال ما إذا كانت اللغة معطى أم موضوعاً مفكراً فيه. ذلك السؤال الذي قسم الباحثين في اللغة إلى فريقين، على الأقل، منذ عصر سُقراط وتلميذه أفلاطون إن لم يكن قبل ذلك، وهو هل اللغة ظاهرة طبيعية وأن الكلمات وأصواتها جزء لا يتجزأ من المعنى (أفلاطون، 427-347 ق.م)؟، أم أنها ظاهرة اجتماعية وأن أصواتها رموز اصطلاحية لا علاقة طبيعية أو مباشرة لها بالمعاني (أرسطو، 384-322 ق.م)؟
وفد سُميت النظرية الأولى بالنظرية التوقيفية، أي أن الألفاظ موقوفة على معانيها وهي منحة من الإله أو من الطبيعة. وسُميت النظرية الثانية بالنظرية الاصطلاحية أو التواضعية أو التوافقية وتعني أن المسميات نتيجة التوافق بين جماعات البشر أنفسهم. أي أنهم يتواضعون أو يتوافقون على معنى ما لملفوظٍ ما، وأن هذا التوافق اعتباطي، أي لا يلزم أن يكون ثمة رابط بين أصل اللفظ وبين المعنى.
وثمة من اتخذّ رأيا وسطا وهو أن منشأ الكلمات كان طبيعياً لكنها تغيرت فيما بعد بسبب الأعراف وتوافق البشر. (نشوء وتطور اللغة والللهجات العربية – فاروق أمين، 2019)
لقد شغل هذا السؤال جميع الأمم. ولدى العرب مثلاً نجد عالما مثل (ابن جني،941–1002)، يتمسك برأي جماعته المعتزلة في أن أصل اللغة مواضعة واصطلاح من صنع البشر، لا وحيٌ وتوقيف. ومن جهة أخرى نجد فريقاً ثانياً تمسّك بأن اللغة توقيفية، وعلى رأسهم أستاذ ابن جني وهو (أبو علي الفارسي، 900-987) مستنداً إلى آية “وعلم آدم الأسماء كلها – البقرة 31”. ولكن تلميذه ابن جني يردّ على ذلك بالقول إن تأويله هو أن الله منحَ الإنسان أي (آدم) القدرة على وضعها، فليست اللغة إلا مبنية على مواضعات واختراعات الصناع لصنائعهم، النجار لنجارته والتاجر لتجارته وكذا الصائغ والحائك والبناء والملاح وغيرهم. (الخصائص – ابن جني).
كان ابن جني عبقرياً ولو قُدرله أن يعود إلى زمن سُقراط، أي القرن السادس قبل الميلاد لكان من الفريق الخصم لسقراط في محاوراته حول اللغة وأصل التسمية.
أما من أبرز ممثلي الرأيين من اللغويين المعاصرين الفرنسي (دي سوسير، 1857–1913) الذي رفض توقيفية اللغة ورأى أن العلامة اللغوية تتصف بالاعتباطية المتواضع عليها بين أعضاء الجماعة البشرية في زمن ما، واللغة عند دي سوسير تقليد، والإشارة يتفق عليها المجتمع اتفاقا اعتباطيا غير مرتبط بمبرر ضروري للعلاقة بين المبنى والمعنى. (علم اللغة العام، فرديناند دي سوسير).
ويقابله الأميركي (ناعوم تشومسكي، 1928-….) الذي يرى أن شخصاً يتكلم لغةً ما، قد ثُـُقف بنظام معرفي معين، وأن اللغة خاصية فريدة للنوع الإنساني الذي يختلف بحسب تشومسكي عن أي شيء آخر في العالم المادي. (اللغة ومشكلات المعرفة، ناعوم تشومسكي).
لكننا لسنا هنا بصدد تجديد خوض هذا السجال المبدئي القديم الذي خاضه (سُقراط، 470-399 ق.م) مع خصومه في محاورات مطولة دونها تلميذه أفلاطون حول اعتباطية الأسماء أو كونها طيبيعة وذات دلالة مطابقة والذي استمرّ إلى اليوم مروراً بكل من سوسير وتشومسكي وتلاميذهما. وأياً يكن الفريق الذي نختاره، فلا مناص أبداً من الإقرار أننا اليوم تجاوزنا أصل هذا السؤال، فنحن نعيش أكثر عصور اللغة إرادية، بمعنى تحكم البشر في لغتهم.
ها إنّا ننام ونصحو على مصطلحات جديدة أو استعادة ما هو قديم بحسب الحاجة وبحسب ما تمليه مصلحة المرجعيات الثفافية الاجتماعية المتصارعة في عالمٍ لا يرحم، فسواء قال أرسطو مخالفاً أفلاطون أم لم يقل، فاللغة هي فعلاً ظاهرة اجتماعية وهي تزداد اجتماعية وتصنيعا كلما تقدّم بنا الزمن، وخاصةً مع دخولنا عصر الامبريالية الإعلامية والذكاء الاصطناعي.
نعيش اليوم إذا شئنا استخدام مصطلح (اعتباطية) لكن – ويا للمفارقة – بمعنى معاكس تماما وهو (اختيارية) و(إرادية)، حيث هذا العالم وأعني عالم القرن الواحد والعشرين، هو عالمٌ يُصنِّع لغته في المختبر اللغوي بوعي كامل لا ارتجال فيه وبتصميم مبالغ فيه، إلى درجة قد تصل إلى تسمية الأشياء قصداً بعكسها إذا لزم الأمر!!.
في روايته العبقرية (1984) ألمح جورج أورويل (1903 – 1950) إلى اللغة الجديدة في تلك الدولة المرعبة المتخيلة التي تحكمها سلطة شمولية فاشية وسمّى أورويل هذه اللغة في تلك الدولة بـ Newspeak والتي تقوم أساسا على تسمية المفاهيم بنقيضها: السلام = الحرب، الحرية = العبودية، المعرفة = الجهل.
أعلم أن هذا مثير للرعب، فهناك فعلاً ما ينبيء بالخطر كلما تخيلنا أنفسنا في عالم يصنعُ لغته بالماكنة كما يشاء، دون مرجعية من لغةٍ (قبْلية)، – بتسكين الباء – ملزمة. بل وها نحن نرى عياناً كيف تُستخدمُ الألفاظ نفسها، لمعانٍ متعاكسة في محطتين فضائيتين متنافستين سياسياً وإعلامياً في منطقة إقليمية واحدة، حيث يصبح ما هو حق هنا إرهاباً هناك وبالعكس!.
لكن عليَّ أن أسارع إلى القول ثمة إيجابية عظيمة، إذا قبلنا هذا العالم اللغوي الذي نحن فيه كما هو لكي نغيّره، ذلك أن القبول هو أول خطوات التغيير، فالقاعدة ببساطة هي: إنك لا يمكنك أبدا أن تغير وضعاً لا تعترفُ بوجوده.
هنا بالضبط وفي هذه المقدرة على صناعة لغتنا عبر المواضعة أو التوافق تكمنُ نعمة أيضاً وليست نقمة فقط، أو على حد تعبير ابن عربي “في كل محنة منحة”. إنها فرصة لنا لكي نصنع لغتنا أيضاً. إن كون صناعة اللغة حقل صراع بشري تتحكم فيه إرادات القائلين قد يكون أفضل من عالمٍ ينظر إلى اللغة كوحي مقدس أُلهم به الإنسان ولا فكاك له أبدا من سلطته.
صحيحٌ إن كون اللغة دنيوية صعبٌ ومخيفٌ حقا لأنه مسؤولية، ولكنه أيضا مؤشر على الحرية، ولا حرية بلا مسؤولية. وعلينا إذن أن نأخذ كأحرار قسطنا من هذه المعركة عن طريق سك مفاهيم ودلالات جديدة، وتصحيح مفاهيم ودلالات خاطئة.
أسماء فيروس كورونا المتحور نموذجا:
في هذا الشهر يونيو الجاري، أصدرت منظمة الصحة العالمية قرارا بتسمية أو إعادة تسمية متحورات فيروس كوفيد-19 المسبب لمرض كورونا بحسب الجدول التالي:
تسمية المنظمة التسمية المتداولة أولى العينات الموثقة
ألفا المتحور البريطاني المملكة المتحدة، سبتمبر 2020
بيتا المتحور الأفريقي جنوب إفريقيا، مايو 2020
غاما المتحور البرازيلي البرازيل، نوفمبر 2020
دلتا المتحور الهندي الهند، أكتوبر 2020

وإذا كانت ذاكرتنا جيدة سنتذكر أن المنظمة قامت في سبعينيات القرن العشرين بإعادة تسمية مرض (المنغولي) بــ (متلازمة داون)، نسبة إلى الطبيب البريطاني (جون لانغدون داون، 1828-1896) الذي كان أول من وضع وصفاً للمرض. وقد جاء هذا التغيير بعد احتجاج تقدمت به جمهورية منغوليا الشعبية، حيث كان وصف المصاب بالمرض بـ (المنغولي) ينطوي على إهانة أو تحقير لأحد الأعراق الإنسانية. وكان الطبيب داون هو نفسه الذي وضع للمرض اسم (المنغولي) اعتمادا على النظريات العرقية العنصرية السائدة وقتها في عام 1866 لحظة وضع الوصف الطبي للمرض.
إنّ من أهم أسباب ابتكار منظمة الصحة العالمية هذه التسميات الجديدة لمتحورات كوفيد-19 المأخوذة من الأبجدية اليونانية هي إيجاد مسميات غير مؤذية أو غير مسببة للشعور بالعار بحسب تعبير منظمة الصحة العالمية: Non stigmatizing labels لئلا يؤدي الإسم إلى التمييز أو الأذى بحق أي عرق أو شعب.
لقد ظللنا إلى عهد طويل نسمي مريض متلازمة داون منغوليا، ونسمي أحد الأمراض بالانفلونزا الأسبانية، وما زلنا إلى هذه اللحظة نقول: المتحور الهندي، وثمة شعور تأسس اليوم في منطقة الخليج على ذلك بتصاعد كراهية ما تجاه بعض الجاليات أو نفور أو تحميل مسؤولية نشر الوباء وحتى الوفيات، وهذا كله من فعل اللغة بوصفها الآلة الأكثر فعالية للثقافة.
إن أكثر ما نحتاجه في هذه اللحظة هو أن ننظر إلى كوكبنا بكل فئاته وألوانه بوصفه سجيناً في الصندوق ذاته الذي يحوي الجميع، وبدلاً من أن نتنابز بالألقاب ويُحمّل كل عرق منا العرق الآخر مسؤولية خلق هذا الشر العظيم، علينا أن نتضامن وأن نحرر لغتنا في المقام الأول من عفويتها وتلقائيتها التي تجعلنا نصنف الآخر عدوا أو شرا.
وهنا تتجلى فضيلة الأدب، والشعر منه على وجه أخص، في أنه باستخدامه للمجاز وباقتراحه تغييرات مستمرة في العلاقة بين الدال والمدلول يجعلنا ننظر إلى اللغة بوصفها موضوعاً مفكراً فيه، ونظاماً قابلاً للمراجعة وإعادة التصميم بما يجعلنا موجودات أكثر تضامناً وتحضراً.
وصية منظمة الصحة العالمية لك اليوم، إن كنت تقدّميا وإنسانيا، ألا تصف الوباء ومتحوراته بما ينبز أي فرد أو شعب بما يُشينه، فلئن كان علينا ولو لفترة من الزمن أن نخسر معركة الحياة فنفقد ما لا يُحصى من الأحبة، فلا أقل من ألا نفقد إنسانيتنا وتضامننا في معركة شئنا أم أبينا سنخوضها معاّ، كجنس بشري.

اقرأ المزيد

عشرون عاماً على الاجتماع التشاوري “التأسيسي” للمنبر التقدمي

حدثٌ لم يكون عادياً؛ قالها كاتبٌ في الصحافة المحلية في اليوم الثاني للاجتماع التشاوري لمناضلي وأصدقاء جبهة التحرير الوطني البحرانية، المنعقد في يوم الجمعة 13 يوليو 2001 في قاعة نادي طيران الخليج بمنطقة سلماباد بحضور حوالي 400 من مناضلي وأصدقاء الجبهة، لأول مرة في تاريخهم يجتمع مناضلو جبهة التحرير وأنصارهم في البحرين بشكل علني بعد 46 عاماً على تأسيس حزبهم في 15 فبراير 1955، حتى تاريخ (الاجتماع 13 / 7/ 2001 ).

جاء الاجتماع بعد عقود من النضالات والتضحيات قدّمها مناضلو “جتوب”، ودفعوا الثمن غالياً من استشهاد وسجن واعتقال ومنفى ومطاردة، فصل من العمل ومنع من السفر والبعض الحرمان من السكن، إجراءات تعسفية عديدة إبَّان مرحلة الاستعمار البريطاني وبعده و حقبة قانون أمن الدولة وتدابير محكمة أمن الدولة بعد حل المجلس الوطني المنتخب من الشعب في 26 أغسطس 1975.

حقبةٌ استمرت ربع قرن (1975/2001)، بالرغم من كل هذه الظروف والأوضاع الصعبة التي عاشتها “جتوب”، ظلّت راية النضال الوطني خفاقة في سماء البحرين يرفع الراية لمواصلة المسيرة النضالية جيل بعد جيل وصولاً إلى مرحلة الانفراج السياسي في فبراير 2001، عهد ميثاق العمل الوطني، بإطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين وعودة المنفيين وإلغاء قانون أمن الدولة السيِّئ الصيت، فطويت صفحة سوداء، وفتحت صفحة جديدة وعهد سياسي جديد، كان الأمل معقوداً عليه بأن تتطور التجربة نحو مزيدٍ من الحريات العامة والديمقراطية، ولكن جرت أحداث عديدة كان أكثرها تأثيراً أحداث 2011 التي انقسم فيها الشعب، وتداعياتها الكارثية التي لازالت مستمرة حتى في ظل وجود جائحة كورونا منذ عام ونصف لم نتعافَ من وباء الطائفية والكراهية وهو الأخطر من وباء كورونا .

كيف انعقد الاجتماع التشاوري “التأسيسي” للمنبر التقدمي ؟

هنا نسجل بعض الوقائع للتاريخ، ليس بالتفاصيل لأنه لا يتسع المقام هنا، لذا سنؤجله لوقت آخر لكي يساهم فيه الرفاق المشاركون منذ بداية الإعداد، ربما يقول قائلٌ بأن الحدث ليس قديماً مضى عليه فقط عشرون عاماً لازال الوقت مبكراً لتدوين أو تسجيل أحداثه، فنقول هذا مقال يذكر فيه بعض ماجرى وليس التفاصيل أو نشر بعض الوثائق أو المحاضر في مراحل الاعداد والتحضير، فهذا نتركه لوقتٍ آخر.

نحن بصدد حزبٍ سياسي، ماركسي، كان يعمل بشكل سري منذ تأسيسه في الخامس عشر من فبراير 1955، حتى 13 يوليو من عام 2001، يوم بروزه للعلنية لأول مرة في تاريخه، فجبهة التحرير الوطني البحرانية، حزب قام على المبادئ والأسس اللينينية في البناء الحزبي والفكري والتنظيمي، هذا ما عبَّر عنه نظرياً وممارسةً وتطبيقاً عندما تأسَّس على أسس التحالف مابين العمال والكادحين والمثقفين الثوريين وارتبط ارتباطاً وثيقاً بالجماهير، وصاغ برنامجه الأول الصادر في عام 1962 وفق مقتضيات تلك المرحلة، حيث كان يخوض نضالاً وطنياً ضد الاستعمار البريطاني والرجعية، مما يتطلب رؤية وطنية واضحة في مرحلة التحرر الوطني ضد الاستعمار وأعوانه، كان الرفاق الأوائل المؤسسون لجبهة التحرير الوطني البحرانية موفقين في اختيار اسم الجبهة تيمناً باسم جبهة التحرير الوطني الجزائرية التي كانت تخوض نضالاً وطنياً ضد المستعمر الفرنسي تأسست في عام 1954 يعني بعام قبل “جتوب”، والجبهة الوطنية في إيران إبَّان حكومة مصدق الوطنية قبل إسقاطها في عام 1953 من قبل المخابرات البريطانية والأمريكية وإعادة الشاه إلى الحكم في إيران .

ثمة شيء آخر واجه جبهة التحرير ألا وهو العداء للفكر الشيوعي وبوصفها حزباً ماركسياً كان ذلك شائعاً وبارزاً إبَّان فترة المد القومي وتأثير ثورة 23 يوليو 1952، إلَّا أن هذا لم يمنع الجبهة من الانتشار في صفوف الجماهير ورفع مطالبها والدفاع عن حقوقها، منذ تأسيسها ركزّت الجبهة نشاطها في الداخل لأهميته وتأثيره في كيفية اتخاد القرارات السياسية والتنظيمية مع الواقع الملموس لبلادنا بأن تكون وطنياً، وعربياً وأممياً، تتفاعل مع القضايا الوطنية والعربية والعالمية ، وبالأخص في تلك الفترة كانت ثورة الجزائر وبعدها الثورة الفلسطينية التي انطلقت في الأول من يناير 1965، تشكل الثورات الأهم في البلدان العربية والتضامن مع نضال حركة التحرر الوطني العربية وفي العالم ضد الرجعية والاستعمار والإمبريالية ومن أجل الحرية والاستقلال الوطني والتقدم الاجتماعي والسلم، كان الانتصار الذي تحقق من قبل الاتحاد السوفييتي والحلفاء على النازية في الحرب العالمية الثانية “1939/ 1945” له تأثيرات كبيرة على العديد من البلدان والشعوب في العالم، بعد بروز دول المنظومة الاشتراكية، وساهم كل ذلك في نشر الأفكار الاشتراكية في شتَّى بقاع العالم.

لقد واجهت الجبهة صعوبات وتحدّيات كبيرة منذ تأسيسها وتعرضت للعديد من الضربات القمعية طوال تاريخ نضالها، وبشكل خاص ضربة عام 1986، التى استشهد فيها رفيقنا الدكتور هاشم العلوي وزُجَّ بالعشرات من مناضلي الجبهة في السجون والمعتقلات وصدرت أحكام قاسية على البعض منهم، وكان لهذه الضربة البوليسية أثر واضح في نشاط الجبهة في داخل البلاد وبعد خمس سنوات وتحديداً في عام 1991 جاء انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكيك دول المنظومة الاشتراكية وبانتهاء ما كان يعرف بالحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والإمبريالي ونشوة الانتصار الإمبريالي بدون حرب على الانظمة الاشتراكية، كما عبَّر عنه الكثير من منظري الفكر الرأسمالي، وعودة “الليبرالية” تحت عباءة حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية وغيرها من العناوين البرَّاقة.

انساق العديد من الماركسيين، عرباً وأجانب، لتلك الأفكار الليبرالية وأصبحت النظرية الماركسية وأحزابها بالنسبة لهم من الماضي، وهكذا بكل بساطة انكشفت حقيقة الانتهازية السياسية والخواء الفكري للعديد من المثقفين الماركسيين الذين تساقطوا الواحد تلو الآخر، ما شكَّل هذا صدمة كبيرة للعديد من المناضلين ولكن بقي من تمسَّكوا بالفكر والمبدأ في واقع صعب ومعقد للغاية رافضين تلك الارتدادات والتموضعات الجديدة، ومن جهة ازداد صعود التيارات الإسلامية بكل تنوعاتها في بلادنا والبلدان العربية وأصبحت تلتف حولها قطاعات واسعة من الشباب التواقين للتغيير والخلاص من الواقع الذي يعيشه، فلم تعد الأفكار الاشتراكية تستقطب الشباب مثلما كانت في سنوات صعود اليسار في بلادنا.

كان علينا أن نفكر هل نحن بصدد تجميع مناضلي وأنصار جبهة التحرير أو تشكيل إطار حزبي وسياسي جديد ، وهل لازال العديد من المناضلين والأنصار ومن عمل في الأطر الجماهيرية للحزب، العمالية والنسائية والشبابية والطلابية، قبل ضربة 1986، ملتزمين بخط الحزب وكان العديد منهم من النشطاء كلٌّ في موقعه، وإن ترك البعض منهم العمل السياسي والجماهيري، وانشغل آخرون في حياتهم الجديدة “العمل، الزواج، الدراسة وغيرها”، والبعض منهم لم يعد يؤمن بالأفكار الماركسية لتلك الأسباب المذكورة سلفاً، فنحن أمام واقع جديد كيف نتعاطى معه؟

كانت تلك التساؤلات ماثلة أمامنا، فماذا نفعل؟
بدأنا لقاءاتنا بعدد قليل حتى وصلنا إلى تسعة من الرفاق معظمهم من أجيال لاحقة سواء في الجبهة أو أشدب، “فرقة الكومندوز” مثلما كان يحلو لرفيقنا الصحافي الراحل أحمد البوسطة بأن يطلق عليها تلك التسمية، كانت الاجتماعات منتظمة بشكل أسبوعي على مدار أكثر من شهرين، طرحت فيها كل تلك الأسئلة ودارت حوارات واسعة، وبعد تلك الفترة الأولى من مرحلة الإعداد، طرحت فكرة توسيع لجنة الإعداد التي وصل أعضاؤها إلى حوالي 30 رفيقاً ورفيقة، ولكن عند حضور الاجتماعات كان العدد أقل، وآخرون من نفس قائمة الثلاثين رفضوا فكرة تأسيس المنبر التقدمي، وإن أصبح بعضهم فيما بعد أعضاء فيه.

في فترات لاحقة من تأسيسه وبعد إشهاره، و بعد مخاضٍ لم يكن سهلاً كان جيل الشباب هو الذي يقود العمل، في واقع سياسي جديد وتجربة حزبية علنية لم يتعود عليها من مارس العمل الحزبي بشكل سري، تصدر القرارات من القيادة على القواعد الحزبية تنفيذها وفق مبدأ المركزية الديمقراطية، غياب انعقاد المؤتمرات العامة وهي الأهم التي تناقش فيها القرارات الحزبية ويقرّ فيها البرنامج السياسي والنظام الأساسي للحزب وتنتخب الهيئات الحزبية، وتصدر القرارات والتوصيات، هذا نشاط حزبي جديد علينا تحدث فيه السلبيات والثغرات، وبالمقابل هناك ايجابيات منها إبراز الكفاءات والقدرات للعديد من الرفيقات و الرفاق .

في الاجتماع التشاوري طرحت العديد من الآراء والمقترحات، غير الذي قدمته لجنة الإعداد من مسودة لديباجة سياسية تحتوي على مقدمة وتصورات وأهداف سياسية بما في ذلك مقترح اسم التنظيم المنبر الديمقراطي التقدمي، وفي نهاية الاجتماع تمّ انتخاب لجنة تحضيرية من أحد عشر عضواً من الحضور مهمتها إعداد البرنامج العام وأهداف المنبر التقدمي، وفيما بعد تمّ عقد اجتماع آخر في فندق الدبلومات بتاريخ 14 سبتمبر 2001 لتسجيل الأسماء وجمع البطاقات الشخصية وإقرار النظام الاساسي والأهداف وهذا المتبع في حال تأسيس أي جمعية تابعة لوزارة العمل لتقديمها للوزارة من أجل إشهار أي جمعية التقدمي، حيث لم يكن هناك بعد قانون للأحزاب، وحصل المنبر التقدمي على الاشهار في 10 أكتوبر 2001، وبعد ذلك قامت اللجنة التحضيرية من خلال لجانها المتعددة بالإعداد والتحضير للمؤتمر التأسيسي الذي انعقد في 10نوفمبر 2001 في جمعية المهندسين لانتخاب أول مجلس إدارة للمنبر التقدمي.

مضى عشرون عاماً على ذلك الاجتماع التاريخي، وخلال تلك الفترة جرت أحداث ووقائع عديدة كان المنبر التقدمي حاضراً ومشاركاً في بعضها، أما أين أصاب في موافقه وآرائه وأين أخفق، فلا بدّ من التوقف عندها لاستخلاص الدروس والعبر، وتطوير الإيجابيات وتلافي السلبيات، لكي يواصل المسيرة النضالية التي بدأت في 15 فبراير من عام 1955 من أجل الوطن والشعب، وتحقيق المساواة والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية.

اقرأ المزيد

الشملان وأيامُ الشدّة

نزلت عليّ فجأة كآبة الصمت التي لم أستطع مقاومتها إثر سماعي لخبر نقل أحمد الشملان للمستشفى بعد إصابته بالجلطة الدماغية، يوم أليم استقبله المواطنون المحبّون لأحمد والعارفون بدوره النضالي الجسور في الدفاع عنهم عند كل محطة من محطات مطالبهم المحقة. تقاطروا على المستشفى للوقوف على صحته وليطمئنوا عليه، عادوا بحزن صعب عليهم تخبئته أو تفاديه، داخَلهم الخوف ورسم ملامحه فوق وجوههم.

أبصر أحمد النور وقد تعمدت عائلته بالنضال، هي التي قدّمت الشيخ سعد الشملان ومن بعده عبد العزيز، فإذن لا مندوحة من أن يكون أحمد موضوع هذه المقالة التي نود لها أن تعطي لمحة لا غير عن سيرة مناضل واصَل وأبقي شعاع نضال عائلته مشتعلاً، متوهجاً نوراً لم يهدأ ، منحوه ما شاءوا من ضحكاتهم ودموعهم وحنينهم وحركوا فيه مشاعر الفتوة النابضة بالحياة في الدفاع عن المستضعفين والمحرومين والثكالى كمحام وقبل كل شي إنسان حرّ خبر معترك الحياة وذاق في سبيل ذلك عذابات التشرد والاعتقال لفترات طوال.

هل يجب أن أُذّكر مرة أخرى بما كتبته من سيرة عطرة عنه زوجته وشقيقة روحه فوزيه مطر: “سيرة مناضل وتاريخ وطن” ( 1024 صفحة)، ذلك المتن الذى احتفطت فيه بكل تفاصيل حياة أحمد حيّة ومشتعلة وبأسلوب شفاف وشيق وجميل؟

لا ضرورة لذلك، إذن، لا عبقرية لي فيما أرويه في زمن يركض بسرعة، وما علينا سوى استعادة ألق شخصيات حفرت في ذاكرتنا نبض حياة متجدد لنعيرها اهتماما ووفاءاً لما قدمته لوطننا من تضحيات جسام على حساب الصحة والعائلة والعمل، كان بودي أن أتعرف إلى أكثر الكلمات رقّة وإنسانية وأعظمها معان لكي أصف الشجاعة والثقة التين تخفقان في قلبك يا أبا خالد .

فقد أقسم أحمد على أن يكون في مقدّمة المدافعين ضد الظلم والطغيان الذي استشرى وضبط ساعته النضالية على مواقيت واقعية من أجل تحقيق حلم التحوّلات الاجتماعية والسياسية منذ ستينيات القرن الماضي، وفي سبيل ذلك عمل المستحيل وخاض غمار الحياة بشجاعة نادرة، وعمد إلى تكثيف قرءاته لينتقل من تنظيم إلى آخر يلائم قناعاته بعد أن أعاد النظر بطريقته القديمة في التفكير وأخذ يفتش عن دروب أُخرى ليصبح أحد قيادات جبهة التحرير الوطني البحرانية.

مشى في طريق صعب ووعر وأخذ يردد بئسا لمجد ينشىء الموت والقتل، فلنحيا بشرف ورجولة أو لا مبرر لوجودنا، فالحرية تتطلب أن يهبها الإنسان كل لحظاته، كل قواه، هكذا هم المناضلون أرواحهم على أكفهم لايهابون الصعاب ولا الملمات. لم يرتجف له قلب في وطيس المعارك الحامية من أجل الحرية ولم ينل منه الخوف في أصعب المواقف وأشدّها قسوة.

في سفن الخوف والمنفى والترحال من بلد لآخر القلق والحزن الملازم لكل ذلك عاش أحمد، كانت تنتظره هناك بعينين مليئتين بالحيرة والشوق والخوف زوجته. يصعب عليهما ذلك، ولكن للنضال أكلافه يتحملها المناضلون وأصحاب المبادىء الانقياء والقديسون والأبطال. وبالهمة التي لايدركها الكلل وبحب الحياة وبشروطه الصارمة وضع نصب عينيه مفتاح التغيير المنشود لوطنه ليصبح شخصية من ألمع وأقوى الشخصيات في وطننا، فقد كان أمامي إنسان قوي ذو إرادة ومراس، فبإرادته التي لا تلين أعانت كيانه المتداعي على مغالبة المرض الذي تسببت فيه السلطات أثر الاعتقالات المتتالية والتعذيب والمنع من السفر، ليصاب بجلطة في القلب وجلطة دماغية عنيفة أعاقته عن الكلام والكتابة وكان ذلك في يوليو 1997 ومازال يقاومها ببسالة مما أفقد البحرين قلماً نابضاً بالحس الوطني الإنساني، مثقفاً عضوياً، شاعراً وأديباً مبدعاً، مقدرة فذه في الكتابة والتحليل والتنظير.

حاملة ذاكرتها وقلبها وحنينها والنور الذي يملأ عينيها، بقت زوجته ملازمة له كالظلّ في كل خطوة، فكونوا مطمئنيين عليه، فوزية هي القلب والذاكرة والحنين والحضن الرؤوم وملاذه، إنها لحظة السهرعلى صحته التي تكلف العمر والذاكرة.

صارم وحازم وجاد وعلى قدر بالغ من الحنو والرهافة واللباقة والكياسة والسمو والنبالة. طيب القلب مليئ بعزة النفس والكبرياء صبورعلى الرغم من العذابات وهوالذي نال منها ما لايقاس، فكان له نصيب وافر حيث بدأت عذاباته منذ الستينات حينما تمّ اعتقاله إثر انتفاضة مارس 1965 فلم ينحنِ. تعرّف إلى كل الآلام، وظل ثابتاً ليبقي سجيناً لمدة عامين بعدها تمّ نفيه ليبقى ثلاث سنوات ليعتقل ويسجن في سجن نايف بدبي ولتتوالى الاعتقالات بعد ذلك، لمدة سنتين من 1972حتى 1974 ليعاد اعتقاله مرة أخرى في نفس العام ويطلق سراحه في العام 1975، وبعد تخرّجه من موسكو في العام 1981 ومن المطار يعتقل مرة أخرى ويبقى في المعتقل خمس سنوات ليعاد اعتقاله مرة أخرى في فبراير 1996 لدوره البارز في المطالبة بإعادة الحياة البرلمانية ودوره الفاعل في حراك العريضة النخبوية والشعبية ليطلق سراحه بعد ذلك بثلاثة أشهر وهي أقصر مدة قضاها أحمد في المعتقلات.

فهل لنا أن نتصور حال هذا الانسان الصلب وحال عائلته التي كابدت هذه العذابات، فقد سرقوا منها الاستقرار والفرحة والاطمئنان على مستقبلها ومستقبل طفليهما. وكأن لسان حال أم خالد يقول: أحاول أن أتذكر كل ما فات وما تبقى من المأساة التي جرحت القلب وما تزال حتى اللحظة تعذبني واصطلي بنارها لحظة سقوط أحمد في الحمام فاقد القدرة على فتحه إثر الجلطة الحادة في الدماغ وما أعقبها من معاناة حتى هذا اليوم ،شيء ما يغلي في قلبي بقوة. هل كان حلماً؟ هل كان حزناً؟ هل كانت عاصفةً ؟ شيء من كل ذلك. إنها المأساة بفعل حماقاتهم وقسوة أنظمتهم وأفعالهم غير المبررة في التعامل مع شعوبهم المسالمة التواقة للحرية والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية .

الأيام والليالي مرّت طويلة على أم خالد كانت تعد الساعات والدقائق والثواني بعد تلك الحادثة في ذلك اليوم الذي طال كثيرا من شهر يوليو للعام 1979 حتى عاد أحمد من دون أمل في استعادة النطق فهل من قسوة تضاهي هذه القسوة؟

تقول كنت أهجس أن شيئاً حدث لأحمد في الحمام، قرقعة مسموعة ولكن لا صوت له سوى إنه يجر جسده جراً وبصعوبة كبيرة محاولا فتح الباب، وبقى فترة طويلة دون ان يتمكن من ذلك، الا بمحاولات عديدة وبعد أن تمكنا مع جار لنا من نقله للمستشفى بعدها وضعت رأسي بين يدي لاخبئ دموع فائضة انزلقت من عيني في غفلة مني وبقلب مكسور بقيت ملازمة له .. آه من وجع القلب.

هل عرفتم آلآم هذا الرجل وعائلته الذي ناضل من أجل غدٍ أفضل لبلدنا وهو في عزّ عشقه للحياة؟ فلا عجب أن يُهدى كتاب بسيرة عطرة من زوجته لتقول في هذا الإهداء إليه:

“في صمته المهيب
إجلالاً لأيام عمره التي وهبها للوطن
وحباً له سكن الفؤاد وألهمني القوة
لأرفع رأسي بعد كل عاصف
فأضع يدي بيده وقلبي مع قلبه”

أنت يا أحمد وبعض من رفاقك ما تبقى من صدق الزمن الغابر وهذا الوقت الصعب، في عينيك صدق لايخطئ وحنين لايموت، تُفضل الصمت وكأنك تقاومهم بصمتك المهيب فهم يهابونك حتى في صمتك ويخشون صوتك الصادح المطالب بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات جميعها غير منقوصة.

تركت لقلبك وعينيك لغة الوهج التي لا تعرف الكذب أو النفاق أو المهادنة والإنحناء، فكان شرف المبادئ والعمل بالنسبة إليك شرطاً للحياة، ولذلك حاربوك ليسكتوا صوتك، ها أنت تعود محملا بحقيقتنا جميعاً، كنت الحق وكنت النور الذي أخترق الخوف والظلمة، عدت بصفائك وعنفوانك رغماً عنهم. فالخسارات التي تتالت إثر الاعتقالات المتتالية والشهداء الذين قدّموا أرواحهم فداء للوطن لن تثنينا عن مواصلة المسير والدرب الذي اخطيته أصبح مُعّبداً للكثيرين من أبناء شعبك، فمواقفك المبدأية لن يستطع أحد محوّها من الذاكرة.

رسالتك يا أحمد ألهمت الكثيرين وألهبت المشاعر وأوضحت لنا طريق المسير وفتحت أبواباً للأجيال القادمة للتزوّد بما غرسته من حبات البذار. فكما يقول الشاعر المصري نجيب سرور: “نحن حبات البذار/ نحن نعلم أن أطلال القبورستُغطى ذات يوم بالسنابل/ وسينسى الناس أحزان القرون/ وسينسون السلاسل/ والمقاصل والمنافي والسجون/ وسنكسو الأرض يوماً بالزهور/ وستأسوا الفرحة الكبرى جراحاً في الصدور/ فرحة النصر إذا جاء الربيع/ وإذا متنا فمن أجل الربيع”.

فالربيع الذي بشرّتم به قادم لامحالة، فما ضاع حق وراءه مطالب، وها أنت سخرّت وكرّست حياتك كلها من أجل مطالب الناس واسترداد حقوقهم الإنسانية، ونحن نعلم بأن رماد الشهداء حياة لايدخلها الموت أبداً وتضحيات المناضلين لن تذهب هباء، فأبواب جديدة للامل فُتحت مع أن الظلام لم يتوقف لكن شعلة النور قد طلت على وطننا بفضل صمودكم البطولي وتضحياتكم اللامحدودة حيث كان شعارك الذي تردده دوماً على مسامع أم خالد: مسيرة النضال لاترتهن لأفراد ولاتنتهي بتوقف مجموعات، ومادام الظلم والحق مصادراً والإنسان يعاني، فالمسيرة النضالية من أجل غد إنساني أفضل لابد أن تمضي قدما بمن لديه الاستعداد والعزم على المواصلة.

فالحياة لامعنى لها عندما تُباد الأشواق، وتنحر الأحلام، وتقتل المدن، فكانت مهمتك شاقة وعملت بكد وجد لايقاظ العقول لتطالب بأن يكون لوطننا مكان تحت الشمس، فكنت فارساً للأمل وللحرية، فليس بمقدورهم بعد الان أن يجعلوا اليأس يستولي على قلوبنا مهما بلغت كثافة الظلم الذي حاربته بهمة وبجدارة واقتدار.

المصدر: فوزيه مطر – “أحمد الشملان: سيرة مناضل وتاريخ وطن”

اقرأ المزيد

خطأ الدمج بين اليهودية والصهيونية

الصورة النمطية لليهود من جانب العرب والمسلمين لا تنفصل عن دولة إسرائيل والحركة الصهيونية. هذه الصورة تُدمج اليهودية في الصهيونية كمفهوم واحد لا ينفصلان عن بعضهما البعض. بل تعود إلى التاريخ البعيد فتماثل بين يهود بني إسرائيل أو يهود خيبر مع اليهود في دولة الكيان الصهيوني.

اليهودية هي ديانة الشعب اليهودي، وهي ديانة توحيدية قديمة، وأقدم الديانات الإبراهيمية، وتستند في تعاليمها على التوراة. أما الصهيونية فهي حركة سياسية يهودية، ظهرت في وسط وشرق قارة أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر ودعت اليهود للهجرة إلى أرض فلسطين بدعوى أنها أرض الآباء والأجداد ورفض اندماج اليهود في المجتمعات الأخرى للتحرر من معاداة السامية والاضطهاد الذي وقع عليهم في الشتات، وبعد فترة طالب قادة الحركة الصهيونية بإنشاء دولة منشودة في فلسطين والتي كانت ضمن أراضي الدولة العثمانية. وقد ارتبطت الحركة الصهيونية الحديثة بشخصية اليهودي النمساوي هرتزل الذي يُعدّ الداعية الأول للفكر الصهيوني الحديث والذي تقوم على آرائه الحركة الصهيونية في العالم. وبعد تأسيس دولة إسرائيل عام 1948م أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها توفير الدعم المالي والمعنوي لدولة إسرائيل.

لهذا توجد العديد من المنظمات اليهودية المعادية لإسرائيل والصهيونية، من ضمنها منظمة ناطوري كارتا اليهودية التي تكونت في عام 1938 من يهود محافظين سكنوا فلسطين قبل قيام إسرائيل. وهم من اليهود الأرثوذكس المعادون للصهيونية وينادون بضرورة إزالة دولة إسرائيل، ويعتبرون أن الله عاقب اليهود بإزالة دولتهم في العهد القديم وأن محاولتهم الآن معارضة لمشيئة الرب وستعرضهم للعقاب الإلهي. وغيرها من المنظمات اليهودية المعارضة للصهيونية، مثل صوت يهودي للسلام وهعيدا هحريديت و فوضويون ضد الجدار وزوخروت.

في حين يقدم كتاب “الصراع مع الصهيونية: أصوات معارضة يهودية” الصادر عام 2020 مواقف وتحولات لواحد وعشرين مفكرًا يهوديًا، بينهم علماء وباحثون وصحفيون ونشطاء عارضوا الصهيونية منذ نشأتها سياسيًا ودينيًا، على أسس ثقافية أو أخلاقية أو فلسفية، ومنهم ألبرت أينشتاين، ومارتن بوبر، وحنة أرنت، ونعوم تشومسكي، وإسرائيليون معارضون مثل يشعياهو ليبوفيتش، وزييف ستيرنهيل، وشلومو ساند، وإيلان بابيه وغيرهم.

ومؤلفة الكتاب دافنا ليفيت هي إسرائيلية تعيش حاليًا في كندا، خدمت في الجيش الإسرائيلي، وأدركت ببطء أن الرواية الإسرائيلية للأحداث تتعارض مع منطق التاريخ، ورأت بنفسها سوء المعاملة اليومية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة؛ لتكتب “بدأت خطواتي الطويلة من خيبة الأمل في الرواية الصهيونية، والبحث عن أصوات معارضة أخرى بعد حرب الأيام الستة عام 1967 بفترة وجيزة، عندما خدمت كضابط اتصال صحفي في جسر اللنبي، وشاهدت اللاجئين الفلسطينيين يحاولون الفرار عبر الحدود. كان الانفصال عن بلدي تدريجيًا واستغرق عدة عقود. في عام 2002، غادرت إسرائيل متوجهة إلى كندا، في وقت أصبحت فيه الأجندة الصهيونية أكثر تشددًا وأقل تسامحًا مع المعارضة”.

ووفقًا للباحث في شؤون التاريخ بالجامعة الإسلامية في غزة “يونس عبد الحميد” فإن كثيرًا من اليهود المتدينين رفضوا الفكر الصهيوني منذ بدايته، بل وحاربوه واعتبروه ضارًا بمصالحهم في العالم، وأدرك زعماؤهم أن الصهيونية حركة علمانية، ليس فقط لعلمانية مؤسسيها، وإنما لمعارضتها الصريحة لاعتقادهم في مملكة إسرائيل التي سيُقيمها لهم “الماشيح” – المسيح – المنتظر .

من الملاحظ أن عداء اليهود للصهيونية يصدر من منطلقين، الأول من تلك الرؤية التي رأت في الحركة الصهيونية كفرًا وانحرافًا عن موروث الآباء نجدها في تصريح الحاخام “موشيه هيرش”، المولود بفلسطين وأحد زعماء حركة ناطوري كارتا المناهضة للصهيونية، وكذلك في تصريح حاخام آخر هو “إلمر برجر”، الرئيس الأسبق للمجلس الأميركي اليهودي، حين أعلن عام 1968 في جامعة “ليدن” الأميركية أن “أرض صهيون ليست مقدسة إلا إذا سيطرت عليها شريعة الرب”.

المنطلق الثاني – الأرفع – يكمن في رفض الشخصيات الحرّة البعيدة عن العقيدة الدينية اليهودية والمنفتحة على الثقافة الحديثة والروح الإنسانية الحرة العادلة برفض الظلم والإرهاب اتجاه فلسطين أرضًا وشعبًا.

إذًا عدم التمييز بين اليهودية والصهيونية يجعل كل يهودي بالضرورة صهيوني ومؤيد لها ولإحتلالها لفلسطين ولكل ما تقوم به من انتهاكات صارخة بحق الفلسطينيين من قمع وسلب وقتل. بينما في الواقع يوجد آلاف اليهود الرافضين والمعارضين لدولة إسرائيل وللحركة الصهيونية.

اقرأ المزيد

سيّدة المدن الساحرة

ها أنا أعيد إكتشاف القاهرة المدينة التي سحرتني وسحرت كثيرين قبلي منذ فجر التاريخ، من مكتشفين ومؤرخين وعلماء أنثربولوجيا، ومغامرين ورومانسيين وحالمين غذوا المخيلة العالمية بكتاباتهم على أنواعها. جوستاف فلوبير، بيير لوتي، جيرار دي نيرفال، وآخرين. أو حتى بمرورهم مثل جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار اللذين اعتُبِرت زيارتهما للقاهرة حدثا تاريخيا في ستينات القرن الماضي.
سنة 1956 ولد أنتوني ساتين في لندن، مارس الصحافة في أهم عناوين بريطانيا، الديلي تليغراف، الجارديان، والبي بي سي، و قد قاده افتتانه بالعالم العربي وإفريقيا إلى القاهرة، وهناك أصيب بلمسة السحر التي تصيب أغلب زوارها. لكنّه سيسلك طريقا مختلفة، ستصبح معبّدة لعشاق الأدب وسحر الشرق معا. سيروي لنا حكاية شابة إنجليزية صعدت على متن باخرة متوجهة إلى الإسكندرية، بحثا عن شيء تفتقده في ذاتها، وعلى تلك الباخرة من الإسكندرية إلى القاهرة العام 1849 تلتقي بشاب فرنسي يقاربها في العمر وبالكاد يبلغ الثلاثين، يبحث هو الآخر عن شيء يحرّك بحيرة إلهامه الرّاكدة.
بعد سنوات سيدهش كلاهما العالم بعد تلك الرحلة التي وثّقها التاريخ، ولكن أنتوني ساتين سيعيدها للأذهان بالشكل الرومانسي الأدبي الذي يليق بها لفتح باب القاهرة الساحر على مصراعيه بطريقته، وليسجل هو الآخر أكبر نجاحاته في مسيرته المهنية والإبداعية بكتابه “شتاء على النيل” منشورات هاتشينسن 2010، والذي أعتبر أفضل منشورات ذلك العام من طرف عدد من الصحف، وقد وصف ب “انتصار الخيال التاريخي”، وقد كتب جايلز فودين في مجلة “كوندي ناست ترافيلر” واصفاً أنتوني ساتين بأنه أحد المؤثرين العشرة الرئيسيين في كتابة السفر الحديثة.
هاذان الشابان هما فلورنس نايتنجيل الملقّبة بالسيدة حاملة المصباح، والكاتب الفرنسي غوستاف فلوبير، اللذان جمعتهما تلك الباخرة شتاء 1849 ووضعتهما على موعد مع قدر استثنائي، فالأولى ستصبح أول من وضع قواعد التمريض الحديث وأسس التطهير والنظافة والإغاثة في المستشفيات، والثاني سيصبح كاتب “مدام بوفاري ” الشهير.
من الإسكندرية إلى “أبوسمبل” يعيد ساتين تركيب حكاية هاتين الشخصيتين الإستثنائيتين بوتيرة بطيئة لكن مدهشة، واصفا بدقة لا متناهية المكان الذي منحهما الكثير من المعرفة والشغف ووهب كليهما النّبضة التي لم يتوقف وهجها أبدا حتى وفاتهما فيما بعد.
هل تتخيلون قصة حب من نوع آخر؟ قصة رجل وامرأة لم تجمعهما علاقة مباشرة قط، ربما التقيا على متن الباخرة، وتبادلا التحيات، والإبتسامات، وبعض الكلمات، شاب فرنسي أنهى دراسة الحقوق ينتمي لعائلة بورجوازية كاثوليكية، وشابة إنجليزية من النبلاء كسرت قالب التقاليد التي ترفض تعليم البنات آنذاك وتحتقر مهنة التمريض، وقبل أن تطأ أقدامهما أرض مصر، كانا متعبين، تملأهما الشكوك والمخاوف من الحياة، فلوبير بمعاناته الخاصة من مرض عصبي، وفلورنس من قلقها تجاه أسباب وجودها كأنثى في عالم يرفض كيانها الحر. التقى الإثنان فعلا وعاشا قصة حب خرافية من نوع آخر حين تعلّق قلباهما بشمس مصر، وهوائها، وبالتأكيد بالسحر الذي لم يكن له أي تفسير، فقط هو شيء ثمين ولد فيهما وقادهما نحو عوالم يملأها النّور.
إفتتان فلوبير بالشرق سيسكن أدبه إلى الابد، سنجد آثاره في كل ما كتب، لقد كتب في مذكراته المجنونة: “حلمت دائما برحلات بعيدة نحو الجنوب، رأيت الشرق بقصوره ورماله اللامعة الشاسعة تدوس عليها جمال بأجراسها النحاسية، رأيت خيولا تقفز في أفق تلونه شمس حمراء، رأيت أمواجا شديدة الزرقة، وسماء زرقاء نقية، ورمالا فضية، ونساء سمراوات بعيون جريئة يعانقنني ويتحدثن معي بلغة الحوريات”.
لنقل إن هذا الحالم تأثر بأكاذيب شهرزاد، ولنعتبر كل ما كتبه عن النيل والأهرامات وسماء مصر وحورياتها كان وهمه الخاص، فقد نفته سيمون دي بوفوار في مذكراتها حين وصفت النيل بالنهر العادي، مستغربة من أين استمدّ شهرته، فهل نصدّق هذه السيدة المفتونة فقط بوجه سارتر ومحتويات رأسه؟ سارتر الذي أدهش العرب بمواقفه ورفضه لجائزة نوبل؟ أم نصدّق من يتأففون من واقع مصر بعد مئة وسبعين سنة من أيام فلوبير فيها، أم نصدق ساتين الذي اقتفى آثار شخصيتين عاشتا في مصر وتشبعتا بسحرها؟ وكل ما كتبه انطلاقا مما لمسه هو من جمال البلد وطيبة أهله، قبل العثور على مراسلاتهما وإعادة حبك قصته حسب رؤيته الخاصة لماضي مصر وحاضرها؟
حسنا لقد كتبت فلورنس نايتنجل في أواخر فبراير 1850 في إحدى رسائلها: “وداعا يا نبيلتي الجميلة، يا فقيدتي مصر، ا بلدا شهد ولادة جنسٍ من العمالقة، عمالقة في الحرب، والعلوم والفلسفة، وداعاً، لا ندم ولا ألم، باستثناء الألم الشخصي، فلا شيء حزين على بقايا هذا البلد مثل نهره الجليل المنسكب على شواطئه وأخصب العالم”.
صحيح أن “نيويورك تايمز” كتبت أن “رسائل فلورنس أهمّ وأجمل وأكثر إثارة للإهتمام من رسائل فلوبير ومذكراته الفوضوية، فقد كتب بشكل جيد عن المواخير، فيما كتبت هي عن المعابد بشكل أفضل”، لكن كلاهما توقف مدهوشاً أمام قباب النور الذهبية والمآذن الخزفية، والجبال الجرداء التي تخفي بساتين في جنباتها، وأغاني الحب الكثيرة جدا، أكثر من أكواخ الخيزران، والمقابر القديمة والأديرة.
نجد كل هذا في أدب فلوبير، وفي رسال فلورنس، يلتقيان على مساحة شاسعة من الكلمات، على طريق عبّداها باللغة نفسها، لغة الإمتنان للأرض الملهمة لهما. “إستمع أيها المفكّر، سوف يروى عطشك، وستكون حياتك كلها كالحلم لأنك ستشعر بأن روحك تذهب إلى النور وتطير في اللامتناهي” وردت هذه الفقرة في كتاب فلوبير “التربية العاطفية” وهي تشبه كثيرا ما كتبته مرارا فلورنس في رسائلها…
هذا الإكتشاف المتأخر لي وليد زيارتي لقرية “تونس المصرية” التي أصبحت مقصدا لمبدعين أجانب، وجدتهم مقيمين فيها للإمتلاء بالضوء وخامات الطبيعة التي لم يفسدها زحام وضجيج مدنهم، هم القادمين من بلدان الغيم والضباب والشمس الخجولة والبرد والثلج والصقيع.
وجدوا في مصر في هذه القرية البهية دفئا لا وجود له في أوطانهم، في رحلة تقلب مفاهيمنا رأسا على عقب، نحن الذين يتدافع أبناؤنا في ربيع العمر عبر قوارب الموت إلى الأوطان التي تركوها.
تحدٍّ كبير رفعه المهندس المعماري حسن فتحي ونجح فيه، بيوت بقباب من طين، جذبت السواح والفنانين والمبدعين، واتسعت حتى أصبحت مدينة صغيرة بشهرة عالمية، لها مهرجانها السنوي الذي اتسعت دائرة المشاركين فيه وزواره، وهي فوق كل ميزاتها السياحية والتاريخية والثقافية فهي قائمة على مبدأ إنساني جميل، فقد أطلق عليها مؤسسها إسم “تونس” تخليدا للصداقة التي جمعته بصديق تونسي.
علامات استفهام كبيرة اصطدمت بها أنا المفتونة أيضا بسحر القاهرة وأجواء مصر، كيف تترك أرض الأعاجيب هذه من أجل حياة خالية تماما من الدفء؟
قد تكون أسئلتي استفزازية، لكني أحيا في القاهرة، أعشق ضجيجها، صخبها، يقظتها المستمرة دون انقطاع، ليلها المضيء، ونهارها المفعم بالحياة، أجواءها الرمضانية التي لا مثيل لها في الدنيا، وطرافة أهلها وخفّة دمهم الفريدة.
شوق قديم إلى أيامي الجامعية عشته مجدداً مع فريق تصوير برنامجي الجديد “الملهم”، أعادني إلى أجمل فترة عمرية في حياتي، عمر الفرح الشبابي والمشاكسات اللذيذة والضحك الحقيقي النابع من القلب. طاقة لا يمكنني وصفها رافقتني طيلة إقامتي هذه، ورحلاتي الإستكشافية الجديدة بعد غياب طويل تخللته زيارات قصيرة لم تمنحني الفرصة لليقام بكل ما قمت به مؤخرا.
ثمة زخم في داخلي لكتابة المزيد، إذ يبدو أن ما تخبئه القاهرة أكثر بكثير مما كتب عنها ولا يزال يكتب، إنها ملهمة، وسيدة المدن الساحرة بامتياز.

اقرأ المزيد

صحيحٌ ما ينبيء القلب

حقّا، إنّ هذا الثراء يغري كلّ ذهن للتساؤل عن الحياة الأفضل للإنسان. لقد أمضى أبوك عمره شريفا متعفّفا عن المال الحرام، لكنّه عاش فقيرا ومريضا أيضا، بالكاد أمّن لقمة عيشك وشقّيقاتِك، وتمكّن بمشقَّة من الإنفاق على تعليمك، بينما خالك الثري، سيء السمعة، يبعثر المال بلا حساب، غير عابيء بشيء.
وهذا المنتجع الجميل، والساحل الذي لا يختلف عن ذلك الذي يحلم به المتديّنون في جنَّات النعيم، شاهد على مبلغ ما ينعم فيه من جاه ورفاهيَّة يحسده عليها الكثيرون. إنّه يرده على الدوام، مُنفقا في ساعة ما يكفيك وشقّيقاتك لعدَّة أيَّام.
خطوات خالك تقترب، يقبل كعادته على هيئة الشباب، يلبس ما يلبسون ويأكل ما يأكلون، ويحلم كما يحلمون أيضا.
يتحايل هذا الكهل على الكبر، ولا بدّ أن دعوته لك لقضاء يوم معه، سببها رغبته في أن يشعرك بشبابه وليس بشعره الأبيض، بقوِّته وليس بجسده المُترهّل…
– أسرَّك المنتجع؟
– ومن لا يسعد بالمنظر الجميل والهواء العليل؟
– إن شئت جعلتك تعيش على الدوام بين المنظر الجميل والهواء العليل.
أنت تعرف بالطبع، مغزى هذا الكلام؟ إنّه يدعوك مُجدَّدا للاقتران بإحدى بناته، والعمل في الوظيفة التي تروق لك في مؤسسته.
هو بحاجة إليك لا شك، فعلى الرغم من أنَّ بنات اليوم مثقّفات متعلّمات، يمكن الاعتماد عليهنَّ، لن يجد رجلا يمكنه الوثوق بكفاءته وأمانته مثلك، خصوصا والولد الذي تمنّاه، وأنفق الكثير لأجله، لم تأذن السماء بخروجه للدنيا…
– هَاي، إلى أين مضيت؟
– معذرة خالي، شردت قليلا.
– كيف حال أبوك؟ أما زال يشكو ألم ظهره؟
– ما زال للأسف.
– نصحته فلم يستمع لي، كان عليه أن يطالب بتعويض مُجز، يساعدة على نفقة العلاج.
– لكنّ الرجل صديقه يا خال.
– صديقه ماذا يا أخي؟! لقد تسبب له بعاهة مستدامة.
– كانا صديقين منذ الطفولة، وما حدث كان قضاءً وقدرا، لم يسع الرجل يوما لأذيّة أبي.
– كما تشاء يا أخي، تعبت وأنا أنصح فيكم.
ويضيف وهم يهمُّ بالوقوف:
– أبوك معجون بطين الفقر، ويبدو أنّك على شاكلته.
ويمضي مبتعدا، فيما عيناك ترقبانه، وتقول مُشفقا:
– ألم تجد غير أبي تسأله أن يشتكيً على صديقه؟!
وتبتسم ابتسامة إكبار وإجلال لطيف أبيك، الرجل الصلب، الذي قضى عمره وما زال، أمينا على مبادئه، لم يضعف ولم تنل الشدائد منه.
وتسأل قلبك سؤال العارف، المُدرك لطريقه جيدا:
– أحقّا أودّ أن أكون مثل خالي؟
ويرنّ هاتفك، وتقرأ رقم أبيك، فتردّ عليه بسرور، وتمضي لخالك، معتذرا لاضطرارك إلى مفارقة المكان، فلا يمنعك.
تمت

اقرأ المزيد

حشرجة مزمنة

لم يعلمني أحد كيف أجرد حزني من ابتسامته المستعارة
أو كيف تقف روحي كأشجار المقبرة..
من السهل أن تكتب: “لقد نجتْ من الموت” ويضمر صوتك “ولم تعد حية”..

***

‏أبتسم بمرارة كلما عصفت ذكرى ماكرة في قلبي
وبحجة الشعر أكمش موضعه لئلا تطير…

***

لم أتغير كثيراً
ربما..
زاد وزني
بضع كيلوات صغيرة
شعري الطويل
استراح على الكتفين
في خدي الأيمن
اختباء الماضي
وفي الآخر انتباه الحاضر..
في أحداقي ابتسامة مبتذلة
وعلى جوانب شفتي
تجاعيد طفيفة..
تضاعفت ربما استدارتي للخلف بفعل القلق
أجهضت تجاربي دهشة الجزاف
لكنها هنا
هنا في الجانب الأيسر
الكدمة الزرقاء تخفق بالألم
كبحرٍ عاجز عن استرجاع شهيق الغرقى
كلهم.. دفعة واحدة

***

وكزتُ القلب أتحسس مكانه وفي شفتي بسملة..
رتقت الروح وفي زهرتها يقترف الأمل الغياب..
كيف أنسل من بين جروح الوطن
أين أدس وجهي والجنائز مدائن؟

***

لا تؤرقك هالاتك السوداء تحت عينك..
الأرق كله لحظة بكائك
كأغنية متورمة في مأتمٍ للعزاء..

***

كنا نركض نحوهم
نشدّ بضلوعنا على دمنا وقلوبنا
خوف أن يأفل نور عتمتنا الوحيد..
لم يكن ذنبنا
أن لهاثنا أبكَمَ اللهفة
وبدد دفء الأمس
لم يكن ذنبنا ولا ذنبهم
هو ذنب الطريق..

***
‏أنا حزينة
ولا أعرف كيف عليّ أن أقرّ بهذا
من دون أن يبدو مثيراً
من دون أن يتكشف مبللاً ومضرجاً..

كل حزنٍ نبتلع دمعه..
يتحوّل إلى حشرجة مزمنة
يعذبها الصمت ولا تقوى الكلام

***
كيف يا الله
تخلق القلب بهذه الرقة
والذاكرة بكل هذه القوة؟

اقرأ المزيد

المبادرة الوطنية البحرينية لمناهضة التطبيع مع العدو الصهيوني ترفض السماح لدخول أو إستقبال أي وفود صهيونية قادمة إلى وطننا البحرين

إننا في المبادرة الوطنية البحرينية لمناهضة التطبيع مع العدو الصهيوني ،نؤكد رفضنا التام لدخول أو إستقبال أي وفود صهيونية تحت أي مسميات (سياحية،تجارية ،إقتصادية،رياضية،ثقافية،أو غيرها).
ونعتبر أنّ رفضنا لجميع أشكال العلاقات مع الكيان الصهيوني الغاصب ،هو انعكاس للموقف الوطني والديني للشعب البحريني تجاه القضية الفلسطينية على مر التاريخ.
ونجدد وقوفنا الثابت والمبدئي مع الشعب الفلسطيني الشقيق في نضاله ومقاومته للاحتلال الصهيوني لدحره وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

ففي الوقت الذي لا زالت تداعيات عدوان الكيان الصهيوني الغاشم على الشعب الفلسطيني في جميع المناطق ،وخاصة في القدس الشريف الذي يتعرض سكانه الاصليين لسياسة تهجير ممنهجة سعياً لتهويدها ،وكذلك قطاع غزة المحاصر حيث تعرض لعدوان همجي لمدة (11) يوماً تجاوز فيه الكيان المجرم القوانين والاعراف الدولية مرتكباً أبشع جرائم الحرب التي راح ضحيتها مئات المدنين الفلسطينين وبينهم عشرات الاطفال،فضلاً عن الجرحى والنازحين.
إنّ تلك الجرائم التي يرتكبها الكيان البغيض بحق الشعب الفلسطيني والقدس الشريف ،توجب موقفاً صارماً ورادعاً من الجميع وخاصةً العرب يكفل وقف الاعتداءات على شعبنا في فلسطين، وليس المزيد من التطبيع واستقبال الوفود السياحية ، فإن ذلك وبكل تأكيد يشجع العدو الغادر على الإستمرار في انتهاكاته الخطيرة.
وفي الحين الذي نؤكد فيه احترامنا لجميع الاديان السماوية ،نكرر التأكيد وبكل وضوح على ثبات شعب البحرين ورفضه التام على ان تكون أرضه الطاهرة محطاً لنجاسات وفود الكيان الصهيوني عدو الانسانية والموغل في دماء الفلسطينين.
وأخيراً نطالب الحكومة بوقف التطبيع مع الكيان الصهيوني المجرم بكافة أشكاله ،وطرد ممثليه وإلغاء الاتفاقات الموقعة معه.

نتعهد بالوقوف مع الشعب الفلسطيني المظلوم حتى نيل كامل حقوقه.
الرحمة والمجد والخلود للشهداء.

أعضاء المبادرة الوطنية البحرينية الموقعون على البيان:
١- التجمع الوطني الديمقراطي الوحدوي
٢- جمعية الاصالة الإسلامية
٣- التجمع الوطني الدستوري
٤- الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني
٥- المنبر التقدمي
٦- جمعية الشبيبة البحرينية
٧- جمعية الصف الإسلامي
٨- المنبر الوطني الإسلامي
٩- جمعية فتاة الريف
١٠- جمعية مدينة حمد النسائية
١١- الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين
١٢- تجمع الوحدة الوطنية
١٣- جمعية مناصرة فلسطين
١٤- رابطة شباب لأجل القدس البحرينية
١٥- جمعية الإجتماعيين البحرينية
١٦- جمعية أوال النسائية
١٧- الأتحاد النسائي البحريني
١٨- التجمع القومي الديمقراطي
١٩- جمعية المرأة البحرينية
٢٠- جمعية نهضة فتاة البحرين
٢١- جمعية الوسط العربي الاسلامي
٢٢- جمعية الشباب الديمقراطي البحريني
٢٣- الجمعية البحرينية للشفافية

اقرأ المزيد

جددت رفض شعب البحرين التطبيع مع الكيان الصهيوني الجمعيات السياسية ترفض دخول واستقبال أي وفود صهيونية إلى البحرين

تؤكد الجمعيات السياسية الموقعة على هذا البيان رفضها التام دخول أو استقبال أي وفود إسرائيلية صهيونية تحت أي مظلة كانت، سياحية، أو تجارية، أو اقتصادية، أو غيرها، وترى أن هذا نابع من موقف شعب البحرين الثابت حيال القضية الفلسطينية، والتى كانت ولازالت وستبقى قضية العرب الأولى.

وفى الوقت الذي تشهد هذه القضية تفاعلات وتعاطفاً كبيراً وغير مسبوق من كل شعوب العالم خاصة فى ظل ما تعرض له شعب فلسطين من عدوان سافر وانتهاكات صارخة لحقوقه ومقدساته فى القدس الشريف وقطاع غزة والضفة الغربية والداخل الفلسطينى، وفى الوقت الذى سطّر شعب البحرين مواقف مشرفة فى إدانة الكيان الصهيونى وضد التطبيع مع هذا العدو المحتل امتداداً لمواقفه المبدئية والثابتة من القضية الفلسطينية، نفاجئ بتصريحات صادمة وكأنه يحمل لنا بشارة خير ليعلن لنا بأن الزوار والسياح الإسرائيليين سيبدأون التوافد على البحرين خلال شهر يونيو الحالى، مضيفاً القول أن وفداً تابعاً للبنوك الإسرائيلية قدم إلى البحرين للتنسيق بخصوص التحويلات المالية والتمهيد للتطبيع الاقتصادي والتجاري، ويكشف عن توافر تراخيص السفر والإقامة بين البحرين والكيان المحتل!.

إن الجمعيات السياسية الموقعة على هذا البيان إذ تستنكر هذه التصريحات والأخبار وكل الخطوات التطبيعية، وتؤكد بأن حراس التطبيع ووكلاءه والمروجين له والضاربين بمأساة الشعب الفلسطيني لن يفلحوا أبداً فى تغيير مواقف شعب البحرين من الكيان الصهيوني، والقضية الفلسطينية، وتؤكد جمعياتنا في الوقت ذاته أن مثل هذه الزيارات وأية خطوات تسعى إلى التطبيع في كافة المحالات ستقابل بالاستهجان والرفض القاطع، وسنظل مساندين لفلسطين شعباً وقضية، كما سنظل داعين مع القوى المجتمعية والشعبية إلى حظر التعامل أو التطبيع مع العدو المحتل، مشددين على الدعم والتأييد لحق الشعب الفلسطيني في استراداد كافة حقوقه المسلوبة، مع قناعتنا بأن الأرض العربية واحدة والدم العربي واحد.

وفي الختام تدعو الجمعيات السياسية الحكومة إلى إلغاء الاتفاقيات والتوجهات الرامية إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني وذلك انسجاماً مع الموقف الشعبي من التطبيع مع الكيان المحتل وذلك لحين قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.

الجمعيات السياسية الموقعة على البيان:

المنبر التقدمي
تجمع الوحدة الوطنية
التجمع القومى الديمقراطي
التجمع الوطني الديمقراطي الوحدوي
الصف الإسلامي
المنبر الوطني الإسلامي
الوسط العربي الإسلامي

الأحد ٦ يونيه ٢٠٢١

اقرأ المزيد