المنشور

سيبكي طويلاً بعدك القصب

سيسألُ النايُ عن عينيك والكتبُ
ولن تجيبَ إذا ما اشتاقك القصبُ

ولن تحلق أنغامٌ مرفرفةٌ
تقولُ من دونما قول لنا: اقتربوا!

فإذْ بنا كفراشاتٍ محلقةٍ
تحوم حولك أنت العازف/اللهبُ

فلا نعودُ سوى بالبسمةِ ارتسمتْ
على الوجوه وهذا بعضُ ما تهبُ

أنت البصيرُ الذي خففت وحشتنا
منا لتُكشفَ عن أبصارنا الحُجُبُ

لكي نرانا كما كنا.. لو اقتربتْ
منا الذنوبُ لقالت: كيف أرتَكَبُ؟

لرحمة الله عد من حيث جئتَ وطِبْ
نفسًا! سيبكي طويلاً بعدك القصبُ

اقرأ المزيد

عازف الناي

لو كنتُ “بورخيس”
لكتبت قصة عن عازف الناي الأعمى
عند بوابة معرض الكتاب، هذا الذي
لمن يصغي جيداً، سيَعزف له
أي كتابٍ يختاره .
**
ولو كنتُ “إدغار آلان بو”
لكتبت عن ليلةٍ ـ في ظروف غامضةـ
اختفى عازف الناي
وكذلك جميع الحروف من الكتب.
**
ولو كنتُ “جلال الدين الرومي”
لقلتُ بأن الله ـ حرفٌ مفقودٌ في الأبجدية
لا يكشف عن نفسهِ، إلا لمن أصغى
لأنشودة الناي.

اقرأ المزيد

لتتضافر الجهود لاحتواء الجائحة

شهدت الأسابيع القليلة الماضية انخفاضاً ملموساً في عدد الإصابات اليومية بوباء “كورونا” في البحرين، ونقصت أيضاً أعداد من هُم في غرف العناية القصوى، وإن كانت نسبة الوفيات لا تزال تتراوح بين انخفاض وارتفاع، لكن الأمور تسير نحو انخفاض كبير في هذه الوفيات، كما تفوقت وبشكل كبير أعداد المتعافين بالمقارنة مع عدد المصابين.
وضعنا بات أفضل بكثير مقارنة بما كانت عليه الحال قبل شهر أو شهرين، حيث بلغت الإصابات رقماً قياسياً غير مسبوق، وكذلك عدد الوفيات اليومية، وأعداد من يدخلون إلى العناية القصوى، والذين ينتهي الأمر بالكثير منهم، ومن مختلف الأعمار بالوفاة، ويمكن الحديث عن نجاح الإجراءات التي اتخذت بالاغلاق الجزئي، الذي شمل الكثير من الخدمات، ووضع ضوابط أكثر صرامة في استقبال المسافرين القادمين من البلدان الموبوءة، خاصة تلك التي تفشت فيها السلالات المتحوّرة من الفيروس، والتي تعدّ أكثر فتكاً وأوسع انتشاراً، ووصلتنا البحرين بسبب التساهل السابق في استقبال المسافرين القادمين منها.
استقبلت الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الجهات المسؤولة بقبول شعبي واسع، كون الناس كانت تنتظرها وتطالب بها منذ أن ازداد عدد الإصابات والوفيات، وبلغ الأمر حدّ تصنيف البحرين من قبل بعض دول العالم في “القائمة الحمراء”، أي بين الدول التي يتفشى فيها الوباء على نطاق واسع، بعد أن كانت البحرين، وخلال أكثر من عام، تعدّ من الدول الناجحة في التعامل مع الوباء، وهي أيضاً بين أوائل الدول وأسرعها في تطبيق خطة التلقيح.
واقترنت الإجراءات الناجحة التي اتخذتها الجهات المسؤولة بتزايد الوعي الشعبي بخطورة الوباء وعدم الاستهانة بفتكه، وتمثّل ذلك من جهة في التقيّد بتوجيهات الفريق الطبي، بالحدّ من التجمعات العائلية، والالتزام بتدابير التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات وغيرها من اجراءات، ومن جهة أخرى في إزدياد الإقبال على أخذ اللقاحات، بما فيها الجرعة التنشيطية التي قررتها الجهات الطبية.
اليوم بوسعنا القول، وبدرجة معقولة من الاطمئنان، إننا عدنا ثانية إلى الطريق الصحيح، وأننا سائرون فيه، في اتجاه محاصرة الوباء في أضيق نطاق، لكن طالما الوباء ما زال موجوداً في العالم، وعليه تدخل تحويرات تجعله أكثر خطورة، فإنه من الضروري التأكيد على أن الخطر ما زال ماثلاً، وأنه من الضروري تضافر جهود الدولة والناس معاً لمواصلة الحذر والحزم، والموازنة المسؤولة والواعية بين الضروررات الاقتصادية واجراءات محاربة تفشي الوباء.

اقرأ المزيد

جواد العكري .. شمعة الجِيّل “السجن”

لم يكن يوم الأربعاء 23 يونيو 2021٢٣ كأي يوم، فقد حملت رسائل الهاتف وقت الظهيرة رسالة تقول “جواد العكري في ذمة الله”.. نزل الخبر عليّ كالصاعقة بالرغم أنني كنت مُتابعاً لوضع المرحوم جواد طوال فترة مرضه.

استعدتُ شريط الذكريات ومن أين أبدأ، فالعلاقة مع أبوالجود كما يحلو لنا تسميته ليست علاقة نسب عائلي فحسب، ففضلاً عن إنه إبن الخال وإبن العمة، فهو الصديق والرفيق.

نهاية عام 1973، عاد جواد العكري من سوريا بعد تخرجه من جامعة دمشق، كلية التجارة – قسم المحاسبة التي التحق بها عام 1969، عاد إلى لوطن مُحملاً بآمال واحلام، بيت، عائلة، فضلاً عن خدمة الوطن وقريته الديه وأبناء قريته من خلال النادي، فترشّح لمجلس إدارة النادي ونال ثقة الأعضاء وتبوأ منصب أمين السر العام (السكرتير).

شرع مع الأخوة في مجلس الإدارة واللجان العاملة في تنظيم الدورات الثقافية والنقابية للأعضاء لتطوير العمل بالنادي، كما تمّ تشكيل لجنة خاصة لإعداد دستور متطور للنادي وجرى إقراره والتصديق عليه من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وقد استعانت الكثير من الأندية في البحرين بهذا الدستور كنموذج يُحتذى به.

وقتها كان نادي الديه شعلة على الصعيد الثقافي والفني فضلاً عن الجانب الرياضي ونشاط صيفي للأطفال، حيث قدّمت المسرحيات الهادفة وتمّ إصدار مجلة دورية حملت عنوان” الطريق الجديد” استقطبت الكثير من الأقلام في البحرين، بينما كان الوطن يعيش حالة من النهوض السياسي مع بدء الحياة السياسية وانتخاب المجلس الوطني (البرلمان) في ديسمبر 1973.

ولكن كما يقول الشاعر، “ما كل ما يتمنى المرء يُدركه، تأتي الرياح بما لا تشتهي السفنُ”، ففي 23 أغسطس 1975، ومع تدهور الأوضاع السياسية على إثر صدور قانون أمن الدولة، جرت حملة اعتقالات طالت كوادر من الحركة السياسية وكان جواد العكري من ضمن الذين تم اعتقالهم، وقد تلاها حل المجلس الوطني بتاريخ 26 أغسطس ، أي بعد أيام من الاعتقالات.

ظلّ جواد وبعض الأخوة رهن الاعتقال حتى أفرج عنهم حتى 16 يونيو 1976. وبين نوفمبر وديسمبر من السنة نفسها جرت حملة اعتقالات جديدة طالت ناشطين من الحركة الوطنية، ويُعاد اعتقال جواد ضمن الحملة في العاشر من ديسمبر من تلك السنة ديسمبر، ويستمر الاعتقال هذه المرة سبع سنوات عجاف حتى ديسمبر 1983.

أتذكر حين التقيته في 10 ديسمبر 1976، قال لي “حملة الاعتقالات امتدت لتشمل عباس هلال وأحمد مطر والدكتور جعفر طريف وآخرين..”وأردف: “إن دورنا في الطريق..لقد جهزتُ حقيبة اليد بالحاجات الضرورية”..وتوادعنا.. وبالفعل ففي اليوم التالي وما أن حلّ الصباح وإذا بالخبر يتناقل في القرية. لقد تمّ اعتقال جواد العكري، بعد يومين من اعتقاله جرى اعتقالي والتقينا معا في سجن سافرة الصحراوي.
بعد اطلاق سراح الرفيق المناضل أحمد الذوادي في ديسمبر1979، زرته للسلام عليه، سألته كيف أمور الأخوة؟، أجابني: كلهم بخير ويبلغونكم السلام، بادرته وكيف أمور أبو الجود، فردّ أبو الجود شمعة “الجِيّل” ويعني بها السجن.

من جهته يقول الدكتور عباس هلال صديق المرحوم جواد ورفيق دربه مرحلة الدراسة الجامعية والإعتقال وبعدهما: “جواد مُناضل أشعل عتمة السجون بالنور والبهجة”، أما الأخ عادل العسيري في نعيه للمرحوم فيقول: “الراحل بومحمد رفيق النضال الطلابي في أهمّ مراحله، رفيق المعاناة في زنازن القلعة وجدا وجو، رفيق درب تعجز الكلمات عن الحديث عن المشترك معه”.

الأخت نوال عبدالله غرّدت على تويتر”: “بالأمس ودعنا أخينا العزيز جواد العكري الذي عرفناه نقابياً طلابياً له اسهامات كبيرة في مسيرة الحركة الطلابية البحرينية وظل مخلصاً للقيم النضالية التي رافقت مسيرته الوطنية الزاخرة بالعطاء ودفع ضريبة ذلك اعتقالاً وسجناً لسنوات طويلة”.

بدوره نعى فيصل العرشي زميل الدراسة الراحل الرفيق جواد العكري بالقول “ببالغ الحزن أنعي الأخ الغالي جواد العكري (أبومحمد) الإنسان الذي فاقت العلاقة بيننا مستوى الصداقة، بل فاقت مستوى الأخوة، لقد كنّا رفاق درب، وهذا النوع من العلاقات الإنسانية بالذات له طعم آخر لا يعرفه إلا من يُجربه، لقد فقدنا اليوم الصديق والأخ والرفيق الذي لن ننساه ما حيينا”.

الدكتور عباس هلال في مقال نُشر بمجلة ” ديلمون بوست” الالكترونية، يذكر “جواد العكري من مؤسسي رابطة طلبة البحرين في دمشق ومِن مؤسسي فرع اتحاد الطلبة وشارك في المؤتمر التأسيسي للاتحاد الوطني لطلبة البحرين الذي عُقد في دمشق في فيراير 1972، وانتخب عضواً في المجلس الإداري وعضواً في الهيئة التنفيذية عام 1973 لمنصب شؤون الثقافة والإعلام. مثلّ الاتحاد في عدة مؤتمرات طلابية وشارك في مهرجان الشبيبة العالمي، برلين، صيف 1973. نعم هكذا هو جواد، يشعرك بالأمل والتفاؤل في أحلك الظرووف”.

من المواقف المؤثرة والمحزنة في حياة المرحوم جواد أثناء فترة الاعتقال، حادث حريق تتعرض له العمة أم عبدالنبي وتتعرض لحروق بليغة، يُسمح لجواد بزيارة والدته في المستشفى ولكن بعد أن توفت لم يُسمح له حضور مراسم التشييع والعزاء..

العزيز أبوالجود، ستظلّ في الذاكرة. كلماتك التي كانت تخلق المرح والفرح ستظل تُذكرنا بك، أصدقاؤك ومحبوك صاغوا كلمات تعكس حجم المحبة التي يحفظونها لك. أبو الجواد أنت عنوان للطيبة.

نم قرير العين.. ولروحك الطمأنينة والسلام.

اقرأ المزيد

كيف يموت العصفور؟

1.
إن كانت الأرواح لا تفنى، وإن كان الكون لا يضيع ذرة واحدة، وإن كان الـ DNA، هو شريط ذاكرة فوق الوعي للكائنات، فإني أظن التناسخ هو الحقيقة، وهو يأتي بمعنى الارتقاء، فكل روح تفنى، تعود لتعطي رأيا في الحياة، لتصنع الحياة على إثر مليارات التقارير جينات جديدة، مختلفة بدرجات شديدة البساطة في الأجيال اللاحقة، التناسخ إذن هو طفرة معرفية، سبق لها اختبار الحياة وتكوين فكرة عن نواقصها، لكن ليس بالشكل العقلي الواعي، إنما بالشكل الجيني المتكون في شفرات الـ DNA، تناسخ يحدث في أجيال، وأجيال، آلاف وملايين السنوات، لكي يحدث تغييرا بسيطا، وهذا يعني أن فهمي للحياة، وتجاربي، وخبراتي، سيتم اختزالها بشكل لا أفهمه، وكأنه تقرير مشفر، ليستفيد منه الكون في صنع كائنات أفضل، أو حياة أفضل، لا يهم إن حدث هذا بعد ملايين السنوات، لكن، هذا يعني أن حياتي لها فائدة! إنني هنا لأرسل تقريرا للكون عن كيفية العيش؟ إنني بشكل ما مبعوث السماء؟ رسول أو نبي؟ كائن فضائي إنما من الأرض، وللأرض؟ والستون عاما التي سأقضيها هنا، لها معنى! علي إذن أن أجتهد لأفهم الحياة جيدا، ولأعرف بشكل جزئي ما الذي ينقصنا نحن البشر لنكون كائنات أفضل، ولأرسل بعد أن أموت تقريرا مميزا، عن حياتي على الأرض.
المشكلة فقط، أني لا أظن أن تقريري سيلقى صدى، فأنا مؤمن أننا الأجيال الأخيرة على الأرض، وبالتالي لا مجال للاستفادة من تقاريرنا في تطوير نوعنا، لكن ربما يكون هذا هو تقريري.. (أنصحك أيها الكون بإفناء البشرية، واستبدالها بكائنات أحادية الخلية)، ربما نكون الأجيال الأخيرة التي ترسل مثل هذا التقرير، وبالتالي سيقترب موعد التحول القادم.
ياه.. كم أشتاق للحياة في أرض ليس فيها بشر، أرض خالية من هذا الكائن، تعيش فيها خلاياي بذاكرة أخرى وهوية أخرى، فما أنا متيقن منه، أن الارواح لا تفنى، والكون لا يضيع ذرة واحدة، والتقارير التي نرسلها بعد موتنا، هي ديمقراطية الكون.

2.
مثل الجسد، تتشتت الروح باعتبارها طاقة في أرواح أخرى، تذوب فيما سواها بعد أن تنتقل من جسدها في الذي ندعوه اليوم (الموت)، وهي ليست متحكمة ولا واعية في ذاتها، إنما حكمها ووعيها مرهونان بالجسد الذي تملأ، وبصفاته، أي بالخلايا التي تتحد معها، وتشّكل معها الكائن في وقت ما محدد، ونحن باعتبارنا بشراً متكونين، لا نملك الخيار إلا في ظل التكوّن الذي نحن عليه الآن، لكن حين نموت، حين نقدّم تقاريرنا، فإن كل جزء منا خلية أو ذرة أو شيفرة، تكون له حياة أخرى يعيشها، حياة ليست لها صلة بالحياة والذاكرة والتجربة المعاشة سابقاً، لكن مع ذلك، فإنما تكون مبنية على كل هذا، هي جزء منه، ونتيجة له.
إنما الكلام الذي نقوله اليوم، في جزء كبير منه، تجارب لخلايا عاشت قبلنا، عاشت قبل مليارات أو ملايين السنين، جزء منه هو شعورها بالثقل الوجودي، وجزء منه توقها لما هو أفضل، كأنما الكون كله، ليس إلا مجموعة من الأحلام والرغبات والأفكار غير الواعية، تنتقل عبر ملايين السنين، تتضافر، تجتمع، تلتئم حتى تشكل فكرة في رغبة، أو جزءاً بسيطاً من رغبة أو أمنية.
فلنتخيل لو الإنسان كنوع، ظل كل فرد منه، يحلم بالطيران، لملايين من السنوات، فإن هذه الرغبات والأحلام ستجتمع، حتى تشكّل خلية، أو مجموعة خلايا، لتلتئم هي الأخرى، وتكون وقتها قادرة على صنع جناحين للإنسان بعد كل هذا، ولأجل ذلك فإن الأحلام مهمة، ولأجل ذلك فإن المقاومة مهمة، ولأجل ذلك فإن الأفكار مهمة، لأنها ليست أحلامك وحدك، ولا مقاومتك وحدك، ولا أفكارك وحدك، إنما أنت تحمل عبء مئات الآلاف، ملايين الأجيال، من الخلايا، ومن البشر.

3
هل تظن أيها الإنسان أنك وحدك الذي تسجّل لتتعلم؟ باكتشافك الكتابة، والتدوين، حللت جزءاً من اللغز، لكن انظر، ها هو الكون يسجّل فيك منذ ملايين السنوات، أنا جزء من دفتر الكون، أنا كتابة قديمة لا تهمل، في روحي أجزاء من أرواح لم أعرفها، في هذا الجسد بالذات الذي يحملني، هنالك ملايين البشر، الذين عاشوا سابقاً، ملايين الحيوانات والنباتات والأحجار والطين والطمي والماء والتراب والكائنات متناهية الصغر، في رأسي هذا أفكار وأسئلة وأحلام ملايين الناس، ماذا لو تكلم كل ما يشكّلني؟ إنني كلام الآخرين.. لستُ إلا ذلك.. ومع هذا فأنا نفسي فقط، ولا أحد غيري.
***
قرأت اليوم نصاً عن بطريق يتحسر على الطيران، وقلت للشاعر في نفسي: من قال لك أيها الشاعر إن البطريق يرغب في الطيران؟ لماذا تسقط عليه رغباتك؟ أعتقد أن البطريق كان طائراً وتخلّى عن الطيران، ولأنه تخلّى عن ذلك فقد تقلّص جناحه، وتحوّل ريشه إلى مادة شبه دهنية، لقد أعجب البطريق بحياة الجليد، إني أتخيّل أن مجموعة من الطيور حطّت في تلك البقعة، بعضها رغب في البقاء هناك، ولملايين السنوات، أخذت أجسادها تتحوّل، لهذا فإن البطريق إن شاء الطيران مرة أخرى، فما عليه إلا المحاولة، لملايين السنوات الأخرى، وبالتأكيد سيتمكن من ذلك.
***
في الموروث الديني والشعبي، يقال إن الله جمعنا قبل أن يخلق العالم المادي، وخيّرنا في طريقة حياتنا، وأن كل واحد منا قد اختار فعلاً ما يريد أن يكون عليه، فالطائر اختار أن يكون طائراً، والحشرة اختارت أن تكون حشرة، والإنسان اختار أن يكون إنساناً، بل أكثر من ذلك، ذلك الطائر اختار كيف سيعيش، وكيف سيموت، وتلك الحشرة كذلك، الإنسان أيضاً، كل ما حدث ويحدث في الكون يحدث بمحض إرادة هذه الكائنات، ولا إجبار لأي كائن على أي شيء.
أظن أن هذه طريقة رمزية للقول بفكرة التناسخ/ التطوّر والارتقاء.. إننا نحيا ما اختارته لنا خلايانا، وذراتنا، وأجزاء أرواحنا المتعددة، إنه قانون ديمقراطي لكنه مختلف قليلاً، المسألة هنا لا تتعلق بجيل، بل بأجيال، ملايين الأجيال، من الخلايا والذرات، تختار لشكلها اللاحق كيف سيكون، كيف سيعيش، وكيف سيموت.
***
ماذا لو كانت هنالك ديمقراطية تحترم خيارات الموتى؟ توضع مشاريع القوانين وتصوّت عليها الأجيال، أعوام بعد أعوام، وتحتفظ بهذه الأصوات، أصوات الأجيال الميتة. هكذا انتخاب طبيعي، لطريقة الحياة. ديمقراطية ليست للأحياء فقط، إنما للموتى كذلك. ربما يكون في الكتابة شيء من تلك الديمقراطية!

4
يوصف الإنسان الذي لا يستطيع كبح شهواته بأنه بلا إرادة، لكن هذا يثير ارتباكي، ففي حين أن الإنسان الموصوف بالإرادة هو نفسه الذي يكبح شهواته ورغباته المتمثلة في هذه الإرادة، إنه حين يشتهي يشتهي بملء إرادته، وحين يمتنع عن اتباع رغبة أو شهوة ما، فإنه يغالب إرادته هذه، يقمعها، ويسجنها، ليستطيع التوقف عما يريده حقا، علينا أن نصفه إذن بأنه من ليست لديه سلطة على إرادته، أو بأنه صاحب الإرادة الحرة، هذا لا يعني طبعا أن كل من لا يرغب، هو صاحب إرادة خاضعة، الأمر عائد لما يريد كل فرد حقا، وما يرغب في فعله، وما يعيقه عن فعل ما يريد.

5
إنني لا أعرف كيف يموت العصفور، هل يشيخ، يعجز عن الطيران، ثم يموت جوعاً بسبب ذلك؟ لكني أعرف أننا ككائنات بشرية ذات إرادة كما نصف أنفسنا، أطول أعمارا منه ومن كثير من الكائنات، ليس بسبب إرادتنا، وانعدام الإرادة لدى تلك الأخرى، إنما لأننا ببساطة نخضع لإرادة الطبيعة، فيما الكائنات الأخرى، لا تخضع سوى لإرادتها الحرة، طالما لا يعيق هذه الإرادة عائق مادي..
إنني الآن أريد الخروج من العمل، لكن يمنعني خوفي من المستقبل، أن أطرد منه، أن تخصم عليّ يوميتي، هل هذه إرادة حرة؟ أم خضوع لإرادة أعلى! فيما الطائر ذو العمر القصير، يتبع إرادته، ولا يهمه أنها ستقصر من عمره، أو حتى تترك جنسه عرضة للانقراض!
الغريب أننا كجنس عرضة للانقراض، ليس بسبب ما يفعل أغلبنا، إنما بسبب ما تفعله أقلية ثرية، تلوث الكوكب، وتنقص مناعته، وتجعله مريضا.. إننا نبيع حريتنا وإرادتنا بأثمان بخسة، ثم ما نلبث أن نكتشف أننا نحن فقط من ندفع ثمن ما نبيع، يحصل المشتري على المال وعلى البضاعة، وعلى إرادتنا وحريتنا، ونحصل نحن على وهم الطمأنينة!
أعطونا زمنا طويلا بائسا ثابتا في بؤسه، نعطكم لحظات حبنا وسعادتنا وطيشنا ومتعتنا ومغامرتنا، وانعتاقنا.. ماذا نفعل بأنفسنا؟!
قيدونا بالأمان، إننا نقايض العيش بالزمن، الله يعدنا بحياة خالدة، آمنة من النار، في المستقبل، شرط أن نتخلى له عن ذواتنا اليوم، الحبيب يعد حبيبته بالاستقرار، شرط أن تتخلى له عن حريتها، صاحب العمل يعد الموظف بمرتب ثابت آخر كل شهر، شرط تخليه عن أحلامه، الدولة تعد المواطن بالأمان، شرط تخليه عن هويته، من يضمن استمرار الأشياء، ما نحبه اليوم، نعتاده غدا، ونمله بعد غد، الأمان الحقيقي هو أن تكون أنت، مقتنعاً بما تفعل، غير راجٍ منه إلا لذته الآنية، تعبد الله لأن للعبادة لذة الشعور بالذوبان في الكلي، تعشق حبيبتك لأنك الآن تشعر بالسعادة وأنت معها، تعمل لأنك تستمتع بالعمل، تلتزم لأنك مقتنع، لا من أجل شيء وهمي كالزمن، شيء كلما فكرت فيه رأيته حلماً، وكلما أغمضت عينك عنه، صار ماضياً.

اقرأ المزيد

ذكريات مع امرأة استثنائية

في وداع حصة الخميري
ذكريات مع امرأة استثنائية
في لحظةٍ زمنية جائرة استُلت من بين أيدينا الصديقة الغالية الأستاذة حصة الخميري. غادرتنا إلى دار الآخرة في ظرفٍ نسَجته تراجيديا مخاتلة. غادرت بعيدة عن يدٍ حانية تربت على كفها أو كتفها، أو نظرة حب كالذي كان يملأ قلبها، أو دمعة تخر بقرب جثمانها من عيون محبيها وأحبابها وما أكثرهم.
تنثال الذكريات عودةً لمرحلة دراستي الثانوية حين كنتُ مبهورةً حد الشغف بحصة، أو بالأحرى بمعلمتين شابتين حديثتي التخرج هما منيرة فخرو أطال الله عمرها وحصة الخميري رحمها الله. كانت حصة معلمتي في مادة الفلسفة والمنطق.
من خلال حصة الخميري تعرفت على معنى الفلسفة والمقصود بعلم ونظريات المنطق. وفي دروسها سمعت لأول مرة أسماء عظماء الفلسفة ومفكريها وواضعي أسس علم المنطق. تعرفت على أرسطو وافلاطون وسقراط وكانت وهيجل وماركس وسارتر والفلاسفة العرب ابن سينا والفارابي وابن رشد وغيرهم كثيرين.
كنت أشعر أن المادتين غريبتان، صعبتان حد الجمود، إلا أن جِدتهما في عالمي الدراسي والمعرفي شدتني، شحذت تفكيري، قررتُ ولوج المادتين بما أملك من رغبة وإرادة. جرني لذلك انبهاري بتمكن حصة الخميري وعلمها الواسع في المجال، كنتُ أراها فيلسوفة، كنتُ أعتبرها ذات شجاعة كبيرة أن أقدمت على التخصص في ذلك المجال المعرفي الصعب.
أقبلتُ على قراءة المادة صفحة بصفحة وإعادة القراءة مراتٍ ومرات محاولة فهمها والتمعن في مفاهيمها ومعانيها، بل وسعيت لحفظ أقوال بعض الفلاسفة عن ظهر قلب. تشربتُ المادة واخترتها لاحقاً تخصصاً في دراستي الجامعية.
شدتني كذلك الثقافة الواسعة التي تتمتع بها المعلمتان الشابتان وامكانياتهما في مناقشة الطالبات وتمكنهما من الرد عن أي سؤال يُطرح. أُخذتُ كذلك بتفتحهما الاجتماعي وأناقتهما وجمالهما. تضاعف انبهاري بمنيرة وحصة في خضم انتفاضة 1965 حين انتزعتا مكبرَ الصوت من يد مشرفة طابور الصباح في مدرسة المنامة الثانوية للبنات، وراحتا تخطبان في الطالبات خطاباً سياسياً مؤيداً لأهداف الانتفاضة ومطالبها. وفي خضم المد القومي(قوميون عرب وبعث) الذي كان يجتاح البحرين حينها، بُهرنا نحن الطالبات بإقدام وشجاعة معلماتنا وتجاوبنا مع ما طرحنه.
أن تغدو معلمة صديقة لطالباتها، تتجاوز صداقتها جدران الصفوف وأسوار المدرسة الى الحياة العامة، وأن تستمر تلك الصداقة وطيدةً لسنوات وسنوات، فذلك قليل وربما نادر. حصة الخميري احتفظت بعلاقات وشيجة مع عدد من طالباتها وتحولت تلك العلاقات إلى صداقات قوية جداً مدى الحياة بكل ما تحمله في معناها الإنساني من القرب الروحي والتماهي في العواطف والاهتمامات والرؤى كالذي بين أقرب الأقربين.
لست أزعم أني صرتُ إحدى طالبات/صديقات حصة المقربات، فخلال السبعينيات والثمانينيات الفائتة باعدت بيني وبينها مسافات الجغرافيا وظروف الحياة وانشغالاتها. في حينها اقتربت المسافات أكثر وأكثر بينها وبين عددٍ من طالبات أخريات غدون بعد عودتهن من دراستهن الجامعية زميلات عملٍ معها في مدارس البنات أو في طواقمها الإدارية. وبينها وبين أولئك تواصلت العلاقات الوطيدة شبه اليومية وتعمقت، ولم تلبث أن تجاوزت علاقة معلمة بطالباتها وأذهبت بها حد التلاشي.
ظلت حصة الخميري تتنقل وترتقي في الوظائف التربوية بوزارة التربية والتعليم حتى تبوأت رئاسة قسم التعليم المستمر بإدارة تعليم الكبار، وعلى مدى مشوارها الوظيفي ظلت وفية لمبادئها وقناعاتها وثبات حسها الوطني.
في يونيو 1995 تسلمت حصة الخميري رسالة فصلٍ من عملها بعد أن رفضت سحب توقيعها على عريضة نسائية تطالب بإعادة العمل بالدستور، ورفضت الاعتذار. قالت حصة عن موقفها المذكور:” اتخذتُ قراراً شخصياً بالتوقيع ثم بعدم سحب التوقيع دون تأثير من أحد لأنه كان نابعاً عن قناعة مني. وقلت للمسئول الذي اتصل بي عبارة لا أنساها: الانسان يخسر وظيفته ولا يخسر نفسه، لن أسحب توقيعي ولن أعتذر”.
بدأ تقاربي الحميم مع الصديقة حصة الخميري حين اختارت زوجي المحامي أحمد الشملان ليتابع قضية فصلها. صاغ الشملان رسالة تظلم باسم حصة الخميري موجهة لوزارة التربية والتعليم. بعد فترة جاءها ردٌ برفض الوزارة لتظلمها، فاتفقتْ مع الشملان على رفع دعوى قضائية ضد الوزارة ووقعت توكيلاً رسمياً لهيئة المحامين التي تشكلت للدفاع عنها.
كنت خلال الفترة المذكورة أتواصل مع حصة للاطمئنان عليها، رافقتُ في زيارتها بعض الصديقات المشتركات الأكثر التصاقاً بها. كنتُ ألمس كم كانت تحوز من ثقة بالنفس وسلام داخلي تشفه ملامح وجهها السمحة ونبراتها الناعمة الهادئة وتحنانها الدافق العميق، ذلك رغم ما كابدته من خذلان وما طالها من تشفٍ.
في مايو 1997 صدر حكم المحكمة لصالح قرار وزارة التربية والتعليم. سافرت حصة إلى لندن وظلت مقيمة بها لفترة. في صيف العام ذاته أوقع مرض عضال بأحمد الشملان، فتواصلت حصة معي من لندن أكثر من مرة للاطمئنان عليه.
في يناير 1998 سافرنا إلى لندن في رحلة علاج الشملان. كانت حصة الخميري هناك ظهراً استندنا عليه وقلباً يسع الدنيا احتضننا بكل حب وحنان، استقبلتنا، رتبت مواعيد الأطباء، دلتنا، رافقتنا، نلنا من انسانيتها ووفائها الكثير.
استمرت علاقة الصداقة والتواصل مع حصة الخميري خلال زياراتها للبحرين ثم بعد أن عادت لتستقر من جديد في وطنها. رافقتُ الصديقات ورافقتُ الشملان في زيارتها، ظلت وشائج الصداقة والود تجمع بيننا واستمرت.
عادت حصة للوطن وقد شطَبت أوجاع ما مسها، فلم تبتعد، ولم تنكفئ أو تتوغل في عزلة، بل أقدمت بكل همة وإخلاص على الانخراط في حراك الدفاع عن حقوق الانسان.
في شهادة لها عن أحمد الشملان قالت:” إلى جانب نضاله ووقفته في قضيتي، إلى الآن ورغم مشكلته الصحية، إلى الآن تشعر أن حتى نظرته تحتويك، فيه محبة وهو إنسان حقيقي والانسان الحقيقي الآن عملة نادرة، أقصد الانسان الذي عنده مصداقية مع نفسه ومع قيمه ومع أفكاره ويعيش مبدأه، يعيش ما يؤمن به”.
لا يخالجني شخصياً أدنى شك أن حصة الخميري بذلك القول كانت تعبر تعبيراً صادقاً عن ذاتها وخصالها، وعما تؤمن به من مبادئ وقيم تعيشها في حياتها كإنسانة حقيقية وامرأة استثنائية.
ستظل حصة الخميري رغم عتمة الموت تنعم بسكينة الخلود في قلوب محبيها ما امتد بهم العمر.

اقرأ المزيد

جولة بايدن الأوروبية

تبدو جولة بايدن الأوروبية ليست مجرد محاولة لإعادة الدفء إلى العلاقات الأمريكية الأوروبية، بل هي محاولة لإقناع الأوروبيين وغيرهم من الحلفاء بالإنضمام بشكل فعال للولايات المتحدة في الحرب الباردة الجديدة التي تنوي خوضها.
وإذا كانت الحرب الباردة القديمة كانت ضد عدو واحد هو الاتحاد السوفيتي فإن الحرب الباردة الجديدة التي يستعد لها الرئيس الأمريكي ستكون مع عدويين: الصين وبصورة أقل روسيا.
الغرض المعلن من جولة بايدن الأوروبية هو تعزيز هذا الأمر. في مقالٍ نُشر في صحيفة “واشنطن بوست” عشيّة رحلته، تحدث الرئيس عن التزام “متجدد” و”ثابت” بالعلاقة عبر الأطلسي، تقوم على “القيم الديمقراطية المشتركة”.
في الواقع، ترى واشنطن أن موسكو قوة متراجعة تعوض عن نفوذها للتقلص من خلال توجيه الضربات حيثما أمكن، والتسبب في الأذى وبث الفتنة، يُنظر إلى بوتين على أنه مصدر ازعاج وليس منافساً، هذا ما ذكره موقع “Arabic post” ولكن لا ينظر الأوربيون إلى الصين باعتبارها المنافس الند مثلما تُنظر إليها واشنطن، ولا يزالون أكثر اعتماداً على الصين وروسيا في التجارة والطاقة، مقارنة بالولايات.
ويشعر البعض بالقلق من أن مسعي بايدن لتعريف العالم باعتبارها منافسة بين الديمقراطية والسلطوية، هو نظرة ترى العالم من منظور أبيض وأسود أكثر من اللازم حسبما ورد في تقرير صحيفة The New York Times. تعلق صحيفة “الغاردين” البريطانية قائلة “لا ينبغي للدول الأوربية أن تتوقف فترة طويلة إذا كان الخيار هو الإنحياز إلى واشنطن أو بكين، من السهل حشد الاستياء من التبجح العالمي للولايات المتحدة والإشارة إلى النفاق في ادعائها بأنها منارة للحرية السياسية لكن البديل هو دولة ضد الديمقراطية”.
لو كانت الصين دولة فقيرة لكانت مهمة بايدن أسهل، لكن الفجوة الاقتصادية بين القوة العظمى القائمة والمنافس تتضاءل بالنسبة للفرد لايزال الأمريكيون في وضع أفضل ، لكن الصين يمكن أن تتفوق على الولايات المتحدة في الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية هذا العقد.
مع هذا الثقل الاقتصادي تأتي القدرة التكنولوجية الرائدة عالمياً عبر التطبيقات العسكرية المتقاطعة مع الحياة المدنية التي تجعل البنتاغون لا ينام.
عندما تمّ إنشاء مجموعة السبع في السبعينيات كانت عضويتها مجتمعة – الولايات المتحدة – كندا – بريطانيا – وفرنسا – المانيا – إيطاليا – واليابان- تمثل بشكل مريح حصة كبيرة من الثروة العالمية، كان هناك ارتباط طبيعي للمؤسسات الديمقراطية الليبرالية والنجاح الاقتصادي، اليوم انخفض الناتج الإجمالي المحلي. لايزال الغرب ثرياً لكنه لم يكن القائد الوحيد.
تمنح الأموال الصينية أوروبا حوافز تجارية، الصين هي أكبر سوق تصدير لألمانيا، رحب أعضاء الاتحاد الأوربي بالاستثمار الصيني في البنية التحتية والشركات على الرغم من أن المخاوف تتزايد بشأن الخيوط السياسية الداخلية والأبواب الأمنية. تمّ تجميد اتفاق تجاري ضخم بين يروكسل وبكين تمّ توقيعه العام الماضي (الأمر الذي اثار استياء واشنطن)، في الوقت الحالي كجزء من نزاع متبادل بشأن الانتقادات الأوروبية لحقوق الإنسان في الصين.
لكن حكومات الاتحاد الأوروبي ببساطة لا تشعر بأن الولايات المتحدة مُلحّة لاحتواء الصين، هناك اختلاف مفاهيمي ايضاً على حد تعبير أحد الدبلوماسيين، فإن أوروبا لا تحب ما تفعله الصين، لكن الولايات المتحدة لا تحب ما أصبحت عليه الصين، ففكرة استبدال الولايات المتحدة كقوة عالمية عظمى في القرن الحالي هي فكرة مروعة ممن الناحية الوجودية لواشنطن.
تضاعف ظاهرة دونالد ترامب القلق في الغرب، وتلقى بضلالها على جولة بايدن الأوروبية حتى بعد خروج ترامب من البيت الأبيض، لقد كانت تجربة ترامب قريبة من الموت للنظام الدستوري في أمريكا، وتلميح لنموذج سياسي واقتصادي بدأ وكأنه لا يقهر في فجر القرن الحادي والعشرين.
يقول توماس كلاين نائب رئيس مركز “صندق مارشال الألماني” انهم يخشون من إمكانية تكرار الأمر، ومن أنّ أمريكا تغيرت، ومن أن بايدن هو مجرد “فاصل بين رئيسين أكثر شعبوية وقومية، ويضيف: “إنهم يعلمون أن سياسات بايدن ستكون مرفقة سراً بفواتير التزامه ب “سياسة خارجية لأجل الطبقة الوسطى”. وأشار مختصون في السياسة الخارجية إلى أنّ عقيدة بايدن عن وضع حدّ “للحروب اللانهائية” وحماية العمال الأمريكين من المنافسة ستتطلب التزامات اقتصادية وعسكرية جماعية من دول الاتحاد الأوروبي.
في جولته الأوروبية حثّ بايدن الاتحاد الأوروبي على اظهار القوة في التضامن، لأن احتمالية الإنقسام والتراجع وتشوية سمعة الديمقراطية أصبحت أكثر واقعية مما كانت عليه في أي وقت في حياته المهنية التي استمرت خمسة عقود في واشنطن.
نجح بايدن بالصبر والدبلوماسية والحديث اللطيف في أن يكسب جمهوراً ممتناً في أوروبا، ولكن هذا لا يعني أنه نجح في تحقيق هدفه. إنه لا يطير عبر المحيط الأطلسي لينغمس في الحنين إلى التحالفات التي انتصرت في الحرب الباردة الأولى، وأنه يقوم بتجنيد المجندين للحرب الباردة الجديدة من خلال تأسيس تحالف ضد الصين وروسيا.

اقرأ المزيد

كسر جدار الصمت! (1 – 2)

بقلم: Cinzia Sciuto
ترجمة: غريب عوض

تستفيد الإسلاموية المُتطرِفة من صمت المسلمين المُعتدلين الذين لا يرون سبباً يجعل عقيدتهم تنطوي على مسؤولية إدانة عُنفُها. ولكن الإسلاموية ستستفيد أيضاً من عدم وضوح الحدود بين الإسلاموفوبيا الحقيقية (الرهاب الإسلامي) وإنتقاد الإسلام حيثُ يخرج عن الأعراف الديمقراطية.
بعد الأعمال الإرهابية الإسلامية في فرنسا والنمسا في العام الماضي، يمكن مُلاحظة تكرار نفس النص القديم مرة أُخرى. من ناحية، كان هُناك أولئك الذين اتهموا الإسلام بأنهُ دين عُنف في جوهره؛ ومن ناحية أُخرى، هُناك هؤلاء الذين جادلوا بأن العُنف الإسلامي لا علاقةَ لهُ بالعقيدة الإسلامية. وهذا يشبه إلى حد ما الرد على الإعتداء الجنسي على الأطفال في الكنيسة الكاثوليكية إما بالصراخ “الأوغاد الكاثوليك” أو بالإصرار على أن تعاليم المسيح لا علاقة لها بإساءة مُعاملة الأطفال. كِلاهما لا يؤدي إلى أي مكان. ما قد يكون جوهر الدين هو موضع اهتمام عُلماء الدين، ومؤرخي الدين والأفراد المؤمنين. لكن من وجهة النظر العلمانية، هذا غير ذي صِلة.
لكن المُهم هو ما إذا كانت الأديان والتسلسُلات الهرمية الدينية تستجيب للعُنف المُرتَكَبْ بإسمها، وكيف تستجيب، ليس لأن هذا يُشير إلى ما إذا كانت تحترم أسُس عقيدتها، ولكن لأنها تُحدد ما إذا كانت تعترف بالمبادئ الأساسية للتعايش الحضاري.إن ما يُغلق العلمانيين ليس الجانب الديني من الإعترافات، إنما دورها العام، تأثيراتها الإجتماعية والسياسية واستخدام أتباعهم ومُمثليهم لها.
من المهم أن يبذل اللاهوتيون والمؤمنون جُهداً للتوفيق بين إيمانهم ومبادئ التعايش الديمقراطي؛ هذا يؤدي إلى ظهور تفسيرات مُتعدِدة للنصوص الدينية، وبالتالي توليد التعدُدية. ولكن محاولات تبرير حقوق الإنسان على أساس سُلطة خارجية يجب التعامل معها بحذر. لماذا يجب أن تتوافق الحقوق الأساسية مع النصوص المُقدسة قبل أن تعترف بها الأديان؟ ومثل أي ظاهرة ثقافية أُخرى، تؤثر الأديان في المجتمع وتتأثر بهِ. وفي لعبة الأخذ والعطاء هذهِ، يجب على الأشخاص العاديين (المؤمنين وغير المؤمنين) أن يقفوا على أرض الواقع. وإلا فإن الأصوليين سوف يستغلون الميزة.
إن تصوّر الأديان كفاعلين اجتماعيين يعني فهمها على أنها مُكونات حية في المجتمع في تطوّر مُستمر، وليس كمُكونات مُتجانسة ذاتية، كما يعتقد الأُصوليون. هذهِ هي رؤية الأديان على حقيقتها، والحُكم عليها على أساس المُساهمة التي تُقدمها للديمقراطية في الوقت الحاضر. إذا كان الدين في لحظة تاريخية مُعيّنة وفي سياق اجتماعي مُعيّن، يلعبُ دوراً مُحافظاً ورجعياً، فهذا لا يعني أنهُ لا يمكنهُ القيام بذلك إلا على الإطلاق. كما أن حقيقة أن الدين كان لهُ دور تحرُري في مرحلة مُعيّنة في الماضي لا يمنحهُ مؤهلات ديمُقراطية أبدية.
والشيء المؤكد هو أنهُ ليس هُناك ديناً مُحصناً ضد التعصُب. واليوم، نحنُ نشهد انتشاراً للتعصُب الديني في جميع أنحاء العالم. في أوروبا، أكبر تحدي للعلمانية هو الإسلام السياسي. لقد كتب مؤرخ التاريخ الإسلامي Olivier Roy أنهُ، بالنظر إلى الهجرة والوضع السياسي في الشرق الأوسط، يحتوي الإسلام على بُعدٌ سياسي أكثر أهمية بكثير من الأديان الأُخرى. إلا أنهُ، في نفس الوقت، يُجادل Roy أن العلمانية الفرنسية تُعبرُ عن خِشية مُحددة من الإسلام. ولكي يدعم هذا الرأي، يضرب Roy مثلاً بالحاخامات المُحافظين في المجتمع اليهودي الذين يشغلون أيضاً مواقف مُعادية للمرأة ومُعادية للمثليين، لكنهم لا يُثيرون نفس درجة القلق مثل الأئمة المحافظين في الإسلام.
ولكن هذا مفهومٌ تماماً. إن التأثير الإجتماعي والسياسي للحاخامات المُحافظين في فرنسا من الواضح أنهُ أضعف من تأثير الأئمة المحافظين في الإسلام. وكقوة سياسية، فإن اليهودية الأرثودُكسية المُتطرِفة التي لا تقل أصولية عن الإسلاموية ليست ذات أهمية خاصة في أوروبا اليوم. وبينما يجب خوض معارك المبادئ والثقافة على جميع الجبهات، فمن المشروع تماماً أن تُركّز على القوى الإجتماعية التي لها وزن حقيقي. وهذا هو سبب عدم تبرير انتقاد الإسلام السياسي فحسب، بل من الضروري أيضاً.

ثلاث أنواع من الإسلام
كُلما أصبحت المجتمعات أكثر تعقيداً من الناحية الدينية، كُلما أصبحت العلاقة بين الدين والدولة أكثر تعقيداً. تاريخياً، ترتبط العلمانية الأوروبية ارتباطاً وثقيقاً بالمواجهة بين الكنيسة وخاصةً الكنيسة الكاثوليكية والدولة. لكن يجب أن يُسأل ما إذا كانت الأنظمة التي طورتها المُجتمعات الأوروبية لإدارة العلاقات بين الدولة والدين (وإن كانت بشكل غير كامل) لا تزال تعمل عند تطبيقها على الديانات الأُخرى، ولاسيما الإسلام الأوروبي.
الإسلام الأوروبي جديد نسبياً. إن تطورهُ المستمر يتبع طُرُقٌ مُعقّدة وهي غالباً تكون مُتناقضة وأبعد من أن تكون مُوحّدة. هُناك أشكال عديدة من الإسلام في أوروبا. البعض منها مُتوافق تماماً مع المجتمع العلماني الليبرالي الديمقراطي، والبعض الآخر أقل من ذلك – تماماً كما هو مع أي دين آخر.
يكتبُ عالِم الإجتماع فرهاد خسروخافار Farhad Khosrokhavar عن طريق كونك مُسلماً في فرنسا اليوم، ويُميّز بين “إسلام الإندماج” و “إسلام الإستبعاد” و “الإسلام الراديكالي”. يتم تجربة الأول ليس كعضوية مجموعة ولكن كـ “بناء هوية فردية في حُضن المجتمع الفرنسي”.هذا هو النوع الأكثر انتشاراً، لكنهُ أيضاً أقل أنواع الإسلام وضوحاً، لأنهُ الأقل تشدُداً. من ناحية أُخرى، فإن إسلام الإقصاء هو ’شكل من أشكال التشاركية الجديدة القائمة على المُقدس، حيثُ يُحاول الأفراد … إعطاء معنى لوجودهم من خلال استبعاد انفسهم من مجتمع لم يعودوا يرون فيهِ فرصة ليكونوا أحد “المدرجين فيه”.
وبسبب غموضه، بإمكان إسلام الإقصاء تمهيد الطريق نحو النوع الثالث، تحديداً الإسلام الراديكالي المُتطرف. ولكن حتى عندما يبقى إسلام الإقصاء غير عنيف، يخلق الإنقسامات، دون أن يُساهم في التماسك الإجتماعي. فبالنسبة للنظام الليبرالي الديمقراطي، هذا في حدِ ذاتهِ مشكلة.
إن الشعور بالإقصاء تُحدِدهُ مشاكل إجتماعية وإقتصادية، والتي لأسباب تاريخية، تؤثر كثيراً في قسم كبير من السُكان المسلمين. ورغم أن هذهِ الحقيقة لا جدال فيها، إلا أنهُ لا يمكن استخدامها كذريعة لرفض المعايير الديمقراطية. في النهاية، يمكن أن يكون للدين وظيفة تقدمية أو رجعية في أي سياق، بما في ذلك الصعوبات الإجتماعية والإقتصادية. لا يمكن للمرء دائماً التذرع بالشروط “الهيكلية” من أجل الحصول على الحل.
ربما يعترض المرء على إن النوع الثاني من المُسلمين – ناهيك عن النوع الثالث – هُما أقلية، في حين أن الغالبية العُظمى من المسلمين في أوروبا مُندمجة تماماً في المجتمع الديمقراطي. إلا أن، من وجهة النظر الإجتماعية والسياسية، إن مدى قدرة الظاهرة على التأثير في الخطاب العام لا يقل أهمية عن كميته العددية. ولسوء الحظ، فإن الغالبية الصامتة من المسلمين هي كذلك. صمتهُم يُمكّن الأصوليين من السيطرة على الفضاء العام والخيال الجماعي؛ أو ما يُشير إليه غرامشي Gramsci، للحصول على هيمنة ثقافية.
أن يرفض المرء المبدأ الجوهري معناه الإعتراف بالطبيعة التعدُدية للإسلام الأوروبي. لا يوجد ’إسلام‘ واحد، ولكن العديد من الإسلام. هُناك إسلام بالحجاب وآخر دونه؛ وهُناك إسلام باللحية وآخر بدونها. هُناك إسلام حميمي يستبعد السياسة، وهُناك الإسلام السياسي الذي يسعى إلى أسلمت الفضاء العام. والمسيحية ليست أقل تنوعاً. ولكن بينما تعودنا على الاعتراف بالفروق في العقيدة المسيحية، نميل إلى الاعتقاد بأن الإسلام كتلةٌ واحدة. وهذا بسبب الهيمنة الثقافية اليوم من قِبل أكثر أتباع الإسلام تحفُظاً. إنهم من “يفرضون الأجندة”، ليس أقلها من خلال أعمال العُنف؛ وقد أصبح سردهم هو السائد.

اقرأ المزيد

محاصرة الفساد

لا يرقى عمل دون مراجعة ورقابة، ولا يٌصوّب خطأ دون مساءلة ومحاسبة. أمر إيجابي ومهم إحالة رئاسة الوزراء نتائج تدقيق استقصائي، صادر عن ديوان الرقابة المالية والإدارية، إلى النيابة العامة، والإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والإلكتروني بوزارة الداخلية، بعدما أظهر التدقيق مخالفات تستوجب اتخاذ الإجراءات القانونية، وبصورة أخف اللجنة الوزارية للشؤون القانونية والتشريعية، التابعة لمجلس الوزراء، حسبما جاء في الخبر الرسمي.
دارت مخالفات التدقيق الاستقصائي لديوان الرقابة المالية والإدارية حول ثلاث وزارات أسمتها وكالة أنباء البحرين، هي: وزارة التربية والتعليم، وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني، بالإضافة إلى وزارة العمل والتنمية الاجتماعية. فيما لم يحدد الخبر طبيعة تلك المخالفات وحجم جسامتها، واكتفى بتوزيع المخالفات إلى ثلاث درجات وزعها حسب اخصاص الجهات المحالة إليها والمشار إليه آنفاً. اللافت في الخبر هو تأكيد رئاسة الوزراء على استمرارية مثل هذه التقارير الاستقصائية، بالإضافة إلى تأصيل المحاسبة والرقابة في العمل الحكومي.
تلك الخطوات والإجراءات لا يمكن القفز عليها والتغافل عنها بلا شك، بل وإنها من صلب الحكم الرشيد والعمل الحكومي الذي يرنو إلى التخلص مما دُأب على وصفه “ترهل الجهاز الحكومي”، خطوات المساءلة والمراجعة والرقابة حينما تنبع ذاتياً وداخلياً من داخل مؤسسات العمل الحكومي الرسمي انما هي خطوة حسنة ولكنها غير كاملة.
مراقبة الجهاز الحكومي يحتاج إلى فتح المجال للسلطة التشريعية لأن تأخذ دورها الطبيعي في المسائلة والرقابة بدون أريحية ودون تعقيدات بيروقراطية وكمائن قانونية. والحلقة الأخرى من سلسلة الرقابة والمحاسبة يجب أن تشمل المجتمع المدني، إعادة تمكين المجتمع المدني ومنح مؤسساته الثقة والفرصة للتعبير بأريحيه انطلاقاً من مفهوم الديمقراطية التشاركية، والذي لو أحسنا التعامل وفقه سيخف ضغط مسؤولية الرقابة عن كاهل الجهاز الحكومي والذي سيتفرغ للتنفيذ والعمل. ولا يمكن أن تكتمل حلقات الرقابة والمسائلة على الجهاز الحكومي دون تعزيز واقع الصحف، دعم الصحف ومن خلفها وسائل الاعلام الأخرى التقليدية منها والحديثة يصب في تكامل عملية الرقابة والمسائلة، ومحاصرة المخالفات والإجراءات غير القانونية فبدلاً من وجود أداة وحيدة للرقابة سيصبح لو تمّ ذلك أربع أدوات بأذرعها للرقابة ولملاحقة كل فاسد ومخالف للقانون.

اقرأ المزيد

هل مات فقيدكم ب “كورونا” ؟

هل مات فقيدكم ب كرونا ، اي نوع من اللقاح ، كم جرعة ؟ متى ؟، كم يوم بعد الجرعتين؟، هل تلقى الجرعة التنشيطية؟ كم عمره؟ هل لديه أمراض كامنة: سكر ضغط، سرطان، سيكلر، سمنة؟ هل كان في العناية القصوى؟، كم يوم؟، هل كان تحت جهاز التنفس الصناعي أم الاعتيادي؟ كم يوم؟، أي مستشفى؟ كيف اصيب؟، من الذي نقل له العدوى؟، هل سلمت عائلته أو زوجته أو أولاده؟ مَن نجا ومَن أصيب؟ من خالط؟ هل هي الإصابة الأولى؟ “كوفيد” القديم أو المتحور الجديد ؟ اصابة في البيت أم في العمل أم من الشارع؟ هل هو شخص ملتزم بالتعليمات والاحترازات والتباعد والكمامة أم مستهتر بها؟، هل هو مدخن؟ مدمن كحول مثلا؟، أهو متزوج وهل لديه أولاد ؟
تلك نماذج من الأسئلة المعتادة التي يتلقاها ذوو المتوفيين أو المصابين بكوفيد حين يتواصلون مع الناس الناس، أسئلة تبدو للوهلة الأولى بريئة في مجتمع صغيرويعرف بعضه بعضاً وترمي إلى التشارك في المصاب والمواساة والمؤازرة وواجب العزاء.
الأسئلة أعلاه خاصة جداً وتفصيلية جداً وتقف على حياة هذا الإنسان، وقد لا يعرف حيثياتها حتى الأقربون منه، ورغم أنها أسئلة قد تبدو معتادة ومن حق الناس معرفتها، فإنها أيضاً تزعج الناس وتجرحهم وتحرجهم وتضعهم في موقف صعب كونها أسئلة تدخل عميقاً في حياة الآخر، وتخوض في سيرته الذاتية وأمراضه وتتطفل على أسراره التي يحرص الكثيريون على إبقاءها طي الكتمان في الصحو والمرض، في الحياة وفي الموت.
من قال إن الناس لا ترى في المرض خصوصية وإن للميّت حرمة، وإن له في ذمة أهله حقوق يجدر بهم الحفاظ عليها، وتلك أبسط حقوق الإنسان، بيد أن أسئلة الناس التلقائية تشير إلى تعاظم المخاوف من جائحة شديدة الانتشاروالخطورة، جائحة وضعت العالم كله أمام تحديات غير مسبوقة. أسئلة الناس لا ترمي إلى اشباع الفضول الغريزي في المعرفة والتلصص بقدر ما ترمي إلى تفادي الأخطاء والتعلم من الدروس والاعتبار.
لاحظوا أن من كان يصاب بكورونا في السابق كان بإمكانه ان يخفي اصابته، ينزوي في بيته او يُحجر أو يتنقل حراً دون احترازات وقائية، لأن الجائحة كانت في بواكير نشأتها، ويصح القول إننا كنا في نزهة مع سلالة كوفيد القديمة قياساً بما نشهده الآن مع السلالة الجديدة “متحور دلتا “
إن زمن الوباء الشامل جعل مسألة الخصوصية وحقوق الإنسان تتراجع كثيراً لصالح معرفة كل التفاصيل والبيانات الخاصة بمرضى كوفيد، فنحن جميعاً على مركب واحد، نعاني الأمر ذاته وقد نكون الرقم المقبل، والناس تعيش حالة من الخوف والرعب، وتود التأكدّ من سلامة تعاطيها مع المرض، وهل تلقت اللقاح المناسب أم لا ؟، وهل قامت بالاحترازات الضرورية كما يجب؟ وهل عليها أن تمارس على نفسها المزيد من التشدد مستفيدة من أخطاء الآخرين لتلافي سقطات الآخرين، هل تصنف نفسها ضمن الفئات العمرية والصحية الخطرة وذات الاحتمالية العالية للاصابة والوفاة أم لا، إن تفاصيل وفيات كورونا من عدمه قد اختفت من منصات التواصل ومن تقارير المنظومة الصحية في بلدنا، الناس هي التي صارت تبحث عن المعلومة وتتكهن وتخمن وتسأل وتتحرى، لا إشباعا للفضول كما أشرت ولكن كنوع من الاطمئنان.
وهكذا غابت كل أسباب الموت وبقيت كورونا، وبدا إنّ كل راقد في المستشفى هو مريض كرونا بالضرورة؟
وكل صفارة اسعاف هي لمريض كورونا وكل انبوبة اكسجين مخصصة لمرضى كورونا، وكل حالة وفاة هي لمصاب بكورونا، وهو أمر غير صحيح بالمطلق، فلا تزال المقابر تستقبل الوفيات ولا تزال المشافي تعج بالأمراض المتنوعة الكامنة المستترة والظاهرة والواضحة للعيان، بيد أن كوفيد سيطر على المشهد الطبي والصحي، وتصدررقم الوفيات، وقد كان أقسى على المرضى وكبار السن وضعاف المناعة وغير المطعمين أو أولئك الذين لم تقاوم اجسادهم قسوة الفيروس المتحورالفتاك، والذين انتقلوا في لحظة إصابة عابرة من دائرة الصحة إلى سرير المرض، نعم ضاعت خصوصية المرضى وحقوقهم الإنسانية بسبب تفشي وباء كوفيد، وصار سؤال: كيف توفي مريضكم سؤالاً طبيعياً ومعتاداً في معركة الحرب على كوفيد التي لا تعرف نهايتها .

اقرأ المزيد