المنشور

خرج الاستعمار أم لم يخرج؟



ذهب
الاستعمار ولم تذهب عقليته ولا أدوات ممارسته ولا سياساته من السهل على
جمهرة واسعة من المحللين والمراقبين والخبراء الذين تزدحم بهم الفضائيات
العربية، ترديد أفيشات كلاسيكية محفوظة من قبيل أن عصر الاستعمار قد ولّى
إلى غير رجعة . وهم محقون في ذلك . إنما ما يذهبون إليه في القصد ينصرف
حتماً إلى جلاء الوجود المادي للاستعمار . وهذا لا يعدو أن يكون تقريراً
مدرسياً كلاسيكياً للتنظير المنهجي إذا أُخذ في الاعتبار الإطار الكلاسيكي
العام للمفاهيم الدارجة منذ غروب حقبة الاستعمار .


ولكن
في ما بعد تبيّن أن مثل هذا التنظير التجريدي، قاصر، وإن خللاً يعتور
مذهبه الكلاسيكي السطحي في ضوء ما تكشف عنه من حقائق على الأرض عجز مفهوم
الاستعمار الكلاسيكي عن احتسابها واستدراكها، فانطلق التنظير آنئذٍ من
أرضيات جديدة قوامها مفهوما الاستعمار المباشر والاستعمار غير المباشر،
وظهرت نظريات اجتهادية، تطويرية للمفهوم “العتيق” للاستعمار، من قبيل نظرية
ما بعد الكولونيالية، ونظرية العقلية الكولونيالية، حيث اتضح أن
الكولونيالية (الاستعمار)، لا تزول بزوال الاحتلال المادي للقوات
الاستعمارية، إذ تذهب “نظرية ما بعد الكولونيالية” لطرح تحدي كيفية التعامل
مع التركة الثقافية للحكم الاستعماري وتخصيصاً الاستعمار الأوروبي المتمثل
في الاستعمار البريطاني والاستعمار الفرنسي والاستعمار الإسباني، ومنها
التركة الثقيلة على الدولة وعلاقات التشبيك الاجتماعي والسياسي والثقافي
المصلحي التي نسجتها القوى الاستعمارية مع بعض مراكز القوى المحلية لتأمين
الاستدامة الكولونيالية والكولونيالية الجديدة .


وهناك
ما يشبه الإقرارات الخجولة والكتابات “القشيبة” حول ما تعتبره (تلك
الكتابات) وجوداً لبقايا الاستعمار، ما زالت قائمة في بعض بقاع الأرض (جبل
طارق الذي تحتله بريطانيا منذ 4 أغسطس/آب العام ،1704 الذي هو عبارة عن
لسان بحري صخري يمتد داخل البحر الأبيض المتوسط على مساحة تبلغ 7 كيلومترات
مربعة، وجزر فوكلاند الأرجنتينية التي أعادت بريطانيا احتلالها واستعمارها
بمساعدة الولايات المتحدة في عام ،1833 وجزر توركس وكايكوس الواقعة في
البحر الكاريبي (30 جزيرة) والتي تبعد 145 كيلومتراً عن جمهورية
الدومينيكان المستعمرة البريطانية السابقة . حيث قامت الحكومة البريطانية
في عام 2009 بتعليق العمل جزئياً بالدستور وفرض وصاية بريطانيا المباشرة
على حكم البلاد، ما أدى إلى اندلاع احتجاجات شعبية عارمة ضد بريطانيا .


لقد
شهد العالم في النصف الثاني من القرن العشرين أكبر موجة من موجات التحرر
الوطني في التاريخ، فكان أن ارتفع عدد الدول الأعضاء في منظمة الأمم
المتحدة من 51 دولة عند تأسيسها في عام 1945 إلى 193 دولة اليوم . ولكن
وبعد مرور أكثر من 50 عاماً، ما زال بعض بقاع العالم مستعمراً، حيث اعتبرت
الأمم المتحدة في عام ،2012 16 منطقة في عداد المناطق التي ما زالت خاضعة
للاستعمار (البريطاني والأمريكي والفرنسي تحديداً)، من بينها جزر كيمان
وبرمودا وغوام وجبل طارق وجزر سالفيناس الأرجنتينية التي احتلتها بريطانيا
وغيرت اسمها إلى جزر فوكلاند . رغم أن الأمم المتحدة لديها لجنة خاصة
بإنهاء الاستعمار مهمتها المتابعة والإشراف على تنفيذ قرار الأمم المتحدة
الصادر في 14 ديسمبر/كانون الأول 1960 والقاضي بمنح الاستقلال للدول
والشعوب الرازحة تحت نير الاستعمار .


وكانت
الأمم المتحدة قد حددت عقد التسعينات 1990-،2000 ومن بعده العقد الأول من
الألفية الثانية 2000-،2010 لإنهاء الاستعمار بشكل كلي وناجز، إلا أنها
فشلت في تحقيق ذلك، فكان أن أعلنت من جديد عقد 2010 -2020 عقداً دولياً
لإنهاء الاستعمار، وذلك عملاً بالمواد 1-55 من ميثاق الأمم المتحدة التي
ينص أحد مبادئها وأهدافها الأساسية على “بناء علاقات صداقة بين الأمم قائمة
على احترام مبدأ المساواة في الحقوق وحق الشعوب في تقرير مصيرها” . فضلاً
عن تكريس ثلاثة فصول من الميثاق، وتحديداً الفصل الحادي عشر، والفصل الثاني
عشر للمناطق التابعة .


وإذا
ما توخينا الدقة والموضوعية فإن الأمم المتحدة لم تُظهر، في الواقع، جدية
كافية لمكافحة الاستعمار ومخلفاته وآثاره في البلدان والشعوب التي عانت وما
زالت تعاني الاثنين، الاستعمار وتركته الثقيلة . ويكفي للتدليل على ذلك
تحري “حرفية” صياغة نصوص ميثاقها سالفة الذكر، التي شاء منشئوها تفادي
تسمية الاستعمار بمسماه والاكتفاء بالإشارة إليه بمسمى المناطق التابعة .
اقرأ المزيد

الخليج المُتحول



ثمة فارق مهم بين التحولات البطيئة، التي تتراكم طبقة فوق طبقة، فتجعل الانتقالات سلسة أو مفهومة، وبين القفزة الطارئة التي وجدنا أنفسنا، في مجتمعات الخليج، في خضم نتائجها العاصفة سلوكياً وقيمياً واجتماعياً، فأُصبنا بما يشبه الصدمة .


ليس في هذا التشبيه أي تعسف، فصورة المدينة الخليجية انقلبت رأساً على عقب، ولم يبق من الرموز التي تذكّر بالماضي سوى القليل أو النادر، فالأجيال الجديدة تعيش، بالمعنى الحرفي للكلمة، في مدنٍ جديدة لا تشبه في شيء تلك المدن، التي عرفها آباؤهم وأجدادهم .


هنا، إذاً، يبرز التفاوت العميق بين الأجيال الجديدة والأجيال الأسبق، هذا التفاوت الذي يكاد يشبه القطيعة النفسية والسلوكية والثقافية، ويبدو أننا سنحتاج إلى وقتٍ قد يطول، حتى نصل إلى حالة من التوازن .


كانت صورة المجتمع الخليجي التقليدية أكثر طبيعية وعفوية وتلقائية، رغم شظف العيش وصعوبته . وكان الإنسان الكادح: بحاراً كان أو حرفياً أو مُزارعاً، متساوقاً مع بيئته ومفرداتها .


فأهل البحر كانوا على معرفة بطوالع النجوم وأماكنها ومواقيت ظهورها، وبمواسم الرياح وتواريخها على وجه الدقة، وأهل الزراعة أدرى بمواعيد المطر ومواسم الزرع وأسماء الرياح ومواقيت هبوبها، وكان المعماري المحلي ابن بيئته في اختياره للمواد المناسبة لهذه البيئة في تشييد البيوت والمعالم المعمارية المختلفة، وما ينطبق على هؤلاء ينطبق على من ندعوهم بالحرفيين من نجارين وحدادين و”قلافين” وسواهم .


ليس من العدل بطبيعة الحال أن نقلل أو ننظر بازدراء لحجم التحولات التي شهدتها مجتمعات الخليج بعد تدفق الثروات، خاصةً أنه جرى تشييد بنيةٍ تحتيةٍ متطورة قائمة على أحدث المعايير والوسائل وتضاهي مثيلاتها في أكثر البلدان تقدماً .


لكن الهوة بين هذه النهضة وبين التحول الاجتماعي – الثقافي التراكمي ما زالت شاسعة، كأن ذلك ضريبة التحول المفاجئ الذي لم يكن في الحسبان، نتاج أن المجتمعات الخليجية وجدت نفسها في أتون مركب عالمي من العلاقات وأنساق القيم والثقافة التي تفرض نفسها فرضاً، وكان أن أثرت فينا بهذا الشكل الواضح، لأننا في فترة تحول وحراك في كل المجالات، وما لم يجرِ الالتفات الجدي إلى النتائج المتناقضة لذلك، فإن الرموز والتعابير الثقافية المحلية مهددة .
اقرأ المزيد

علي دويغر “رحيل قائد تاريخي من زمن المجد”



لماذا
نكتب عن سيرة المناضلين الأوائل من قادة الحركة الوطنية البحرينية عندما يرحلوا عنا،
وهم الذين لم يكتب عن البعض منهم وبشكل واسع في حياتهم وبالأخص ( المذكرات التاريخية
)، لكي يتعرف هذا الجيل على سيرتهم النضالية ضد الاستعمار البريطاني والسلطة الرجعية،
ومعاناتهم في السجون والمنافي والحياة العامة، نكتب لنوثق  ونؤرخ لتاريخ وطني مشرف ، سجل في التاريخ الحديث
للبحرين والحركة الوطنية بحروف من ذهب في صفحات ناصعة البياض على هذه الأرض المعطاء،
ففي السادس من سبتمبر 2013م ، رحل واحد من هؤلاء المناضلين الشجعان، الرفيق القائد
علي عبدالله دويغر، أحد مؤسسي جبهة التحرير الوطني البحرانية ، بعد معاناة مع المرض



أولاً: الولادة في
منطقة رأس الرمان ،البدايات الأولى والوعي السياسي 





هذا المناضل  عاش يتيم الأب منذ نعومة طفولته فلم يتجاوز الخامسة
من العمر حين مات والده عنه وعن شقيقتيه، قامت بتربيته والدته التي عانت كثيراً وبالأخص
في فترات إعتقاله ونفيه، وكذلك قام برعايته عمه الشخصية البحرينية المعروفة الأستاذ
محمد دويغر المعروف بميوله القومية ، وهو أحد مؤسسي نادي العروبة، وأول مذيع في إذاعة
البحرين ( هنا البحرين )، ففي بداية خمسينات القرن الماضي ، وتحديداً بعد قيام ثورة
الضباط الأحرار في 23 يوليو 1952 في مصر بقيادة جمال عبدالناصر، والتي كان لها تأثير
كبير على الشعوب العربية ، وقبلها كان الانتصار الكبير الذي حققه الاتحاد السوفياتي
على المانيا النازية في الحرب العالمية الثانية في 1945، وقيام دول المنظومة الاشتراكية،
مما ساعد على انتشار الأفكار التقدمية والماركسية في الوطن العربي، وتوسع نفوذ الاحزاب
اليسارية والعمالية في العديد من بلدان العالم، بما فيها البلدان العربية. 


 وقد ألهمت تلك الانتصارات والثورات ، الشعوب الرازحة
تحت نير الاستعمار، وشكلت لها عناصر دعم وتشجيع على النضال والثورة ضد الاستعمار والرجعية
والدكتاتورية ، وبالفعل تحققت العديد من الانتصارات لبعض  البلدان والشعوب  ونالت استقلالها الوطني في اسيا وأفريقيا وأمريكا
اللاتينية، ومن ضمن تلك البلدان كانت الجارة ايران، حيث وصل إلى رئاسة الحكومة
الدكتور محمد مصدق  بعد أن نال ثقة الشعب الإيراني
في الانتخابات وشكل الحكومة الوطنية في بداية الخمسينيات من القرن  الماضي ، وبرز اليسار في ايران كقوى سياسية مؤثرة
في الحياة السياسية ، كما برزت  أحزاب اليسار
في أغلب البلدان العربية ، وتأثر جيل من الشباب في بلادنا بتلك التحولات والتغيرات
الثورية. 


المناضل علي دويغر
كان واحداً من هؤلاء الشباب المثقفين الثوريين الذين إتخدوا من الفكر الماركسي ملهماً
لنضالهم الوطني ضد الاستعمار والرجعية ، كان ذلك أبان المعارك الوطنية التي كانت تقودها
هيئة الاتحاد الوطني في اعوام 1954/1956 ، قبل أن يجهز عليها من قبل المستعمرين البريطانيين
وأعوانهم المحليين .  



 ثانيا: تأسيس جبهة التحرير الوطني البحرانية  والدراسة في العراق 




انبثقت جبهة التحرير
الوطني البحرانية، في وسط ذلك الحراك  الوطني
الجماهيري ، في 15 فبراير 1955، هذا الحزب الذي سوف يكون له دور بارزا بعد تصفية هيئة
الاتحاد الوطني واعتقال ونفي قادتها في 1956، في هذا العام سافر رفيقنا الراحل علي
دويغر إلى العراق  للدراسة الجامعية في العراق
اثناء الحكم الملكي ،وهناك ينخرط في الاتحاد العام للطلبة في العراق وينشط في صفوف
حركة الشبيبة والطلبة العراقية ، فيزداد وعياً فكرياً  وثقافة ونشاط اًمن خلال التقائه بالعديد من المثقفين
والمفكرين العراقيين. 


وحين انتصرت
ثورة 14 تموز 1958 بقيادة الزعيم الوطني العراقي الراحل عبدالكريم قاسم ، كان رأي
الرفيق علي بأن تتعمق الديمقراطية بشكل أوسع ، وأن يسمح للأحزاب  السياسية في 
العراق بأن تمارس نشاطها السياسي بحرية تامة وأن تشارك في الانتخابات النيابية
، وكان رأيه أن العسكر أنجزوا المهمة وهو القيام بالثورة ، وبات عليهم العودة إلى الثكنات
العسكرية لا البقاء في السلطة، وبسبب هذا الموقف أعتقل لفترة وطرد من العراق لنشاطه
السياسي وآراءه الشجاعة. 



ثالثاً: الكونفرس
الأول لجبهة التحرير الوطني البحرانية  





بعدها تأتي المرحلة الثانية في حياته السياسية
وبالأخص بعد (الكونفرس الأول ) للجبهة في عام 1958، كانت المسئولية على عاتقه
وعاتق رفاقه في الجبهة كبيرة ، فبالإضافة  لكتابة
بمسودة برنامج الجبهة الذي صدر في عام 1962، شارك الرفيق علي في العديد من مهرجانات
ومؤتمرات الشبيبة والطلبة في العالم ، وفي المؤتمرات والاجتماعات الخاصة بمنظمات التضامن
والسلم القارية والعالمية ، حيث نسج فيها علاقات واسعة بين جبهة التحرير الوطني البحرانية  والأحزاب الشيوعية والعمالية ومنظمات الشبيبة والطلبة 

أتذكر جيداً انه
عندما زار البحرين في بداية  الانفراج السياسي
في 2002 المفكر الماركسي اللبناني
كريم مروة والقيادي السابق في الحزب الشيوعي اللبناني  سأل عن  الرفيق
علي الذي كان قد التقى به في النشاطات الأممية، وعند اللقاء به أخذه بالأحضان  لأنه لم يلتقي به منذ عقود من السنين ، 


 رابعاً: علي دويغر والتعليم




أولى الرفيق الراحل علي  إهتماما 
خاصا بالتعليم ، وكان يرى انه بالإضافة إلى أهمية تنظيم الكادحين والفقراء من
أبناء شعبنا من العمال والمثقفين في صفوف الجبهة ، فانه من الضروري تعليمهم،  وكان يقول: (لكي تنتصر على عدوك الطبقي ، لابد أن
يكون المناضلين متعلمين وواعيين) ، وهي نفسها التي أولتها قيادة جبهة التحرير الوطني
البحرانية كل الاهتمام، وباسم الجبهة تباحث مع المسئولين في جامعة الصداقة في موسكو
في عام 1962 من أجل الحصول على بعثات دراسية للطلبة البحرينيين، بالفعل تحقق ذلك،
ووصلت أول بعثة جامعية لطلبة البحرين للدراسة في الجامعة في عام 1962،  لتتوالى بعدها البعثات التي شملت المئات من
أبناء وبنات شعبنا، في مختلف التخصصات العلمية. 



خامساً:
برنامج جبهة التحرير الوطني البحرانية في عام 1962




في عام 1962 صدر
برنامج “الحرية والاستقلال الوطني والديمقراطية والتقدم الاجتماعي والسلم”
لجبهة التحرير الوطني البحرانية، التي وضع  الراحل مسودته في البداية، قبل أن تناقشه وتقره
منظمات الجبهة وهيئاتها القيادية، وتم توزيعه على جماهير شعبنا في تلك المرحلة النضالية
الهامة ضد الاستعمار والرجعية .



سادساً: الاعتقال
في عام 1964، وفي انتفاضة مارس المجيدة عام 1965





أعتقل الرفيق علي دويغر في البحرين أول مرة في
عام 1964، وقضى في المعتقل ثمانية أشهر في سجن جزيرة “جده”، حيث التقى ببعض
من قادة هيئة الاتحاد الوطني ، بينهم  ابراهيم
فخرو وإبراهيم موسى اللذان كانا يقضيان الفترة المتبقية من حكمهما بالسجن عشر سنوات
، تعلم منهما الصبر والثبات على الموقف ، كما حول رفيقنا الفترة الثانية من اعتقاله
اثناء انتفاضة مارس المجيدة، وهي فترة امتدت من عام 1965 حتى عام 1967 إلى مرحلة إبداع
في الرسم التشكيلي، ولديه العديد من الرسومات واللوحات الفنية المبدعة. 


 في السنوات الماضية قبل أن يشتد عليه المرض كان يحلم
بإقامة معرض خاص ليعرض فيها تلك اللوحات الفتية التي تحكي عن تاريخ القديم للبحرين
، بالأخص عن البحر والسفن الشراعية التي كانت تخرج للغوص ، مستعيداً ذاكرة طفولته
وصباه في مسقط رأسه برأس الرمان، نظراً لقرب بيت العائلة من البحر .



سابعاً: الاعتقال
والنفي في عام 1968







 في الضربة القوية التي وجهت لجبهة التحرير الوطني البحرانية في عام
1968، باعتقال عدد كبير من أبرز قادتها وكوادرها  وأعضاءها 
مكث الرفيق الراحل علي فترة قليلة في السجن ، وبعدها نفي إلى الكويت، حيث عمل
فترة هناك في جريدة الهدف الكويتية وبعدها تم فصله منها بسبب مقالاته الناقدة للعديد
من القضايا. 



ثامناً: السفر إلى
السويد ومرحلة إستقلال البحرين في عام 1971







سافر إلى السويد
في عام 1968، ليواصل دراساته العليا، وهناك يلتقي بشريكة حياته الزوجة المثالية التي
وقفت إلى جانبه في الظروف الصعبة التي عاشها لاحقاً، السيدة كرستينا ( أم فريد ، سامي
، ليث) .هناك كتب العديد من الدراسات والبحوث العملية القيمة عن البحرين والخليج والعراق،
وبعد أن نالت البحرين استقلالها في 14 أغسطس 1971 عاد إلى البحرين. 


عن تلك المرحلة يقول
رفيقنا الراحل: “كان علينا أن نفكر بطريقة أخرى بعد خروج المستعمر البريطاني من
أجل  ان نحقق الديمقراطية  والمساواة والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل
للثروة والمشاركة في القرار السياسي ، وأن نمتلك أدوات التغير ( المنظمات الجماهيرية
والنقابات والمشاركة في المجالس النيابية المنتخبة ) . 



 تاسعاً: المجلس الوطني 1973 و فوز كتلة الشعب في
الإنتخابات 





انطلاقا من هذا الوعي
السياسي ، عمل رفيقنا وبقرار من الحزب على صياغة برنامج كتلة الشعب مع نخبة من الشخصيات
الوطنية المشاركة في الكتلة من أجل  خوض معركة
الانتخابات النيابية ببرنامج وأهداف وطنية 
واضحة ، ولكن المرتزق أيان هندرسون وعصابته والسلطة الرجعية، وإدراكاً
لمحورية دور الفقيد وخشية فوزه في الانتخابات الوشيكة، إتخدت قرارها بتسفيره خارج
البحرين، وحرمانه من المشاركة والترشيح . 


 كانت سعادة رفيقنا الراحل كبيرة عندما فاز رفاقه
في كتلة الشعب بثمانية مقاعد من أصل 12  مرشح
خاضوا الانتخابات للمجلس الوطني، وعندما عاد إلى الوطن من المنفى مع عدد من قادة وكوادر
جبهة التحرير الوطني البحرانية واصل عمله في التنظيم ، ولكن المجلس الوطني لم يستمر
طويلاً ، حيث أقدمت السلطات على حله في 26 أغسطس 1975، فسادت أجواء من القمع والبطش
البوليسي ضد مناضلي الحركة الوطنية البحرينية في ظل قانون أمن الدولة الذي جثم على
رقاب أبناء شعبنا ربع قرن. 


 ونظراً لعدم السماح له في العمل القطاع العام أو
الخاص ، ومن أجل تدبير الشؤون المعيشية له ولعائلته  فتح له مشروعاً خاصاً، ولكن أحلامه تحطمت عندما تم
إفشال مشروعه الخاص من قبل متنفذين في السلطة ، فعاش ظروفاً قاسية ، وزاد الوضع سوءاً،
حين ابتلى بالأمراض وظل طوال السنوات الاخيرة من حياته يعاني منها ، حتى سفره في مارس
2012 ، للالتحاق بعائلته في السويد، وليكون تحت رعاية زوجته وأولاده الثلاثة. 


اشتد عليه المرض
وساءت حالته الصحية في الأشهر الاخيرة ، حتى وفاته في السادس من سبتمبر 2013 ، لتنتهي
حياة مليئة بالكفاح والصمود والجدل والصبر والثبات على الموقف. 


 المجد والخلود لروح رفيقنا الراحل الكبير ولكل رفاقنا  الذين رحلوا عنا ولكل شهداء شعبنا الأبرار.
اقرأ المزيد

تحولات الشارع العربي



الشارع، مثله مثل أي ظاهرة أخرى، يحمل طابعاً متناقضاً أو مزدوجاً،  ويعكس الشارع العربي  اليوم، في أجلى صورة، التغيرات الاجتماعية والسياسية العميقة التي جرت في المجتمعات العربية خلال العقود القليلة الماضية، وهي تغيرات وتبدلات أشبه ما تكون بالانقلاب على المنجز الفكري والسياسي اليسير الذي تم تحقيقه في مراحل تاريخية سابقة .


الأفكار الكبرى الموحدة، سواء أتت في رداء ليبرالي أو قومي أو إسلامي، تتراجع لمصلحة نزعات يغلُب عليها الطابع الفئوي الضيق الذي يغلب الهويات الجانبية أو الفرعية على الهوية العامة الموحدة، التي يلتئم حولها الناس جميعاً في مجتمع من المجتمعات، بصرف النظر عن تحدراتهم المذهبية أو الطائفية أو العشائرية أو العائلية، حينما يدرك هؤلاء جميعاً أنهم يعيشون في أوطان واحدة عليهم تدبر أمر عيشهم المشترك فيها، وتدبر النهوض بأوضاعها وضمان مستقبل أفضل لأبنائها جميعاً .


لذا بات من الصعب اليوم الحديث عن شارع عربي، وإنما عن مجموعة شوارع في المجتمع الواحد، فهناك شارع مسيحي (أو قبطي)، وشارع إسلامي، وهذا الأخير بدوره يمكن أن ينقسم إلى شارع سني وآخر شيعي، هذا فضلاً عن “الشوارع” الخاصة بالأقليات المختلفة التي تعيش في هذا البلد العربي أو ذاك .


ولنا في ما يجري في  غير بلد عربي عظة، لأن الشارع بالذات بات عنواناً للصراع السياسي الحاد، حيث من المستحيل إغفال أن هذا الشارع إنما يفصح عن التجليات الطائفية والفئوية لما يدور في المجتمع . صحيح أن بلوغ الإجماع في مجتمع من المجتمعات، ينطوي على قدر من الحريات كتلك المتوافرة في لبنان مثلاً، أمر مستحيل  وغير صحي، لكن غير صحي أيضاً أن يصل المجتمع إلى حالة الانقسام العمودي الناشئة حالياً في العديد من بلداننا .


ليست تحولات الشارع العربي الظاهرة على السطح، إلا انعكاساً لما يعتمر في أحشاء المجتمع وقاعه من التحولات والانعطافات السياسية الحادة خلال العقود الماضية، ولا يمكن فهمها إلا من خلال منهج للتحليل يرى التحول الثقافي ضمن منظومة أشمل من التحولات الاجتماعية -السياسية، لا من خلال التهويمات المنقطعة عن جذر هذه التحولات، والبعيدة عن وهج جذوتها، فذلك يعيننا لا على فهم ما جرى ويجري فحسب، وإنما يعيننا أيضاً على رسم خريطة طريق للخروج من حال انحلال العقل الجماعي الذي وجه مراحل النهوض الآفلة .
اقرأ المزيد

بعد المنظمات والدول جاء دور البنك الدولي

يوم أمس الاثنين نشرت صحيفة «الوسط» خبرا صحافيا عن التقرير السنوي
الصادر عن البنك الدولي للعام 2013 بشأن مؤشرات الحكم الصالح في دول العالم
ومن بينها البحرين، وعلى رغم أن التقرير تم إعلانه يوم الجمعة الماضي، فإن
أياً من وسائل الإعلام لدينا لم تشر من قريب أو بعيد إلى هذا التقرير الذي
يعد من أهم التقارير الدولية، كما أن الحكومة لم تصدر ولو بيانا واحدا
يفسر سبب التراجع في أغلب المؤشرات التي يتناولها التقرير والتي من بينها
التمثيل السياسي والمحاسبة، الاستقرار السياسي وغياب العنف، فاعلية
الحكومة، جودة الإجراءات، سيادة حكم القانون، ومكافحة الفساد. البحرين
تأخرت في جميع المؤشرات السابقة فيما عدا مؤشر فاعلية الحكومة، وبمقارنتها
مع الدول الخليجية في هذا التقرير فإن البحرين أقل الدول الخليجية، بعد
السعودية، في مؤشر التمثيل السياسي والمحاسبة، فيما كانت الدولة الخليجية
الأخيرة في مؤشر الاستقرار السياسي وغياب العنف، كما أنها ثالث أفضل دولة،
بعد الإمارات وقطر، في مؤشر فاعلية الحكومة، وتساوت مع الإمارات في أفضل
مؤشر على صعيد جودة الإجراءات، فيما كانت البحرين والسعودية أقل دولتين في
مؤشر سيادة حكم القانون، وجاءت بعد قطر والإمارات في مؤشر مكافحة الفساد.

البنك
الدولي ليس منظمة حقوقية مؤدلجة لتسعى لتشويه صورة البحرين، كما يتهم
البعض جميع المنظمات الحقوقية، كما أنه ليس دولة تحاول فرض سيطرتها أو
أجندتها، وإنما هو مؤسسة اقتصادية، يقوم بتقييم مستويات التنمية في جميع
البلدان، ويقدم قروضاً لكثير من الدول، وبالتالي فإن البنك الدولي عندما
يضع هذه المؤشرات فإنه يهدف من وراء ذلك إلى مساعدة هذه الدول للتغلب على
هدر المال العام. وكذلك فإن البنك الدولي عندما يريد أن يقدم قرضاً لأي
دولة فإنه ينظر إلى هذه المعايير ومدى تطبيقها في الدولة التي تتقدم للحصول
على القرض.

ويعتمد «البنك» على هذه المؤشرات لقياس القدرة على تفعيل
برامج التنمية المستدامة من خلال ضبط الفساد، وإفساح المجال للتمثيل
السياسي ومحاسبة المسئولين، والاستقرار السياسي وجودة الإجراءات، وحكم
القانون، وفاعلية الحكومة.

في العام 2007 قمت بتنظيم ندوة حول تقرير
البنك الدولي عن البحرين خلال العام 2006 حيث استضفت فيها نائب الأمين
العام للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان في ذلك الوقت عبدالله الدرازي ونائب
رئيس الهيئة المركزية لجمعية العمل الديمقراطي عبدالله جناحي، إلى جانب
عضو جمعية الشفافية البحرينية خليل يوسف والنائبين من كتلة الوفاق جاسم
حسين وعبدالجليل خليل.

المشاركون في المنتدى توقعوا أن تخسر البحرين
مليار دولار سنويا على الأقل بسبب الفساد المالي الذي يتسرب إلى الجيوب
الخاصة بدلا من ضخه في برامج التنمية، وأن أكثر من هذا المال يتم هدره في
مشروعات تفتقر إلى البنية التحتية بسبب عدم وجود تخطيط سليم وبسبب تنفُّذ
أصحاب المصالح الخاصة.

وقالوا حينها إن هبوط مؤشرات البحرين واقع
نلمسه من التعدي على المال العام، وفي شتى القضايا اليومية التي يعيشها
الوطن، حيث وصل الأمر إلى أن المخالفات والفساد تمارس بعلانية من دون خشية
من العقاب ومن دون أي اعتبار لوجود برلمان، ويضاف إلى ذلك ما تقوم به
مؤسسات الدولة مثل وزارة التنمية الاجتماعية من مضايقات للمجتمع المدني
بهدف إطباق الخناق على أي نشاط خارج إطار اتجاهات معينة، فضلا عن عرقلة دور
البرلمان ومنعه من مراقبة الأشخاص ومحاسبة الوزراء الذين تدور حولهم مختلف
أنواع الشبهات.

ذلك ما قيل قبل نحو ست سنوات، حين كانت البحرين تمر
بظروف شبه عادية، فماذا يمكن قوله اليوم بعد التراجعات الكبيرة في جميع
مناحي الحياة؟

اقرأ المزيد

التاريخ السري لتحالف بريطانيا وأمريكا مع الإسلاميين المتطرفين





أصدر المركز القومي للترجمة، الطبعة الثانية لكتاب «التاريخ
السري لتحالف بريطانيا مع الأصوليين» والذي تصدر قائمة الأكثر مبيعًا منذ
صدوره، من تأليف مارك كورتيس، ومن ترجمة كمال السيد، بعد أن حققت طبعته
الأولى نجاحا كبيرا بحيث تصدر الكتاب قوائم الكتب الأكثر مبيعا منذ صدوره.


وصرحت مدير المركز القومي، في بيان صادر عن المركز «تعود أهمية الكتاب إلى
أنه يمكن أن يكون وثيقة دامغة في مواجهة الادعاءات الإسلامية السلفية
والإخوانية، التي تتهم القوى المدنية بأنها عميلة للغرب، في الوقت الذي قام
فيه الغرب ممثلا في بريطانيا وأمريكا برعاية بل وتأسيس معظم الحركات
الإسلامية، التي ترفع شعارات العداء له حاليا، كما ترفع أيضا شعارات حول
استقلال الإرادة الوطنية، فالكتاب يعرض الدور القيادي لبريطانيا في التأمر
مع الإسلاميين ثم تحولهم إلى أداة في يد الأمريكيين تقوم بالأعمال غير
الشرعية التي يأنف الآخرون القيام بها» وبالإضافة إلى ذلك فهو يوضح الكثير
من النقاط المسكوت عنها، ويعتبر هو الكتاب المثالي للقراءة في الوقت
الحالي.


جدير بالذكر أن الكتاب يتكون من تسعة عشر فصلا، يستعرض من
خلالها المؤلف الوثائق الرسمية البريطانية التي رفعت عنها السرية، خاصة
وثائق الخارجية والمخابرات، ليفضح تآمر الحكومة البريطانية مع المتطرفين
دولا وجماعات وأفرادا، في أفغانستان وإيران والعراق والبلقان وسوريا ومصر
وإندونيسيا ونيجيريا وذلك لتحقيق مصالحها الاستيراتيجية والسياسية
والاقتصادية، ويوضح الكتاب أن بريطانيا نبذت من استغلتهم عندما لم يعد هناك
جدوى منهم مثل أسامة بن لادن والجماعات الأفغانية.


الكتاب مليء
بالأمثلة على استغلال أمريكا وبريطانيا لجماعات الإسلام السياسي، وتحالفهم
معها في تنفيذ استراتيجيتهم، لكن السحر انقلب على الساحر في كثير من
الأحيان، وانقلبت جماعات الإسلام السياسي على من قام بصناعتهم، الأمر الذي
أثار حروبًا بين الطرفين، وجعل كلًا من بريطانيا والولايات المتحدة أكثر
حرصًا في تعاملهما مع جماعات الإسلام السياسي، وإن ظلت لهما اليد الطولى،
واستمروا في استغلال هذه الجماعات رغم صخب الأخيرة في إعلان عدائها للغرب.


والمفاجأة الكبرى هي أن الحكومات البريطانية من العمال والمحافظين على حد
سواء، تواطأت عقودا طويلة مع القوى الإسلامية المتطرفة، بما في ذلك
التنظيمات الإرهابية، فقد تسترت عليها وعملت إلى جانبها، بل ودربتها أحيانا
بهدف الترويج لأهداف محددة للسياسة الخارجية، وغالبا ما فعلت الحكومات ذلك
في محاولة يائسة للحفاظ على قوة بريطانيا العالمية، التي عانت من أوجه ضعف
متزايدة في مناطق أساسية من العالم.


بحسب المؤلف، أنه من القوى
الفاعلة التي تواطأت معها بريطانيا هي الحركات المتطرفة ومن بين أكثرها
نفوذا التي تظهر طوال الكتاب جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر
1928 وتطورت لتصبح شبكة لها تأثيرها على النطاق العالمي.


يورد الكتاب
الكثير من جرائم بريطانيا في العالم الإسلامي، ومع ذلك لم ينس إنجازات
الأمريكيين الذين تفوقوا على البريطانيين في هذا الصدد، فقد اعترفوا بأن
عبد الناصر أجبرهم على مساندة نظم ظلامية ورجعية وأنهم جعلوا القومية عدوهم
الأول، ونال اليساريون الجزء الأول من اهتمامهم فقد لعبوا الدور الأساسي
في ذبح أعضاء حزب توده الإيراني في 1953، وفي إبادة الحزب الشيوعي
الإندونيسي الذي كان يضم مليوني عضو على أيدي صديقهم سوهارتو، ومن معه من
المتأسلمين، كذلك فعلوا في العراق والأردن وفي أفغانستان، الذي كان عميلهم
حكمت يار، فيها سلخ جنود أعدائه اليساريين أحياء، فقد ساندوه بكل قوتهم رغم
أن الكونجرس قال إنه أكثر القادة الأفغان فسادا، وقد جندت مخابرات أمريكا
كثيرين من قادة المتأسلمين منهم سعيد رمضان مؤسس التنظيم الدولي للإخوان
الذي يقال انهم مولوه بمبلغ 10 ملايين دولار، واجبروا الأردن على منحه جواز
سفر. وورد أن أمريكا بدأت من أوائل الخمسينيات تمول الإخوان في مصر
ومساعدتهم في سوريا وتعاونت معهم لتكوين خلايا منهم في السعودية لمحاربة
القومية العربية، وهذا قليل من أمثلة يزخر بها الكتاب.


يجيب الكتاب عن
أسئلة كثيرة، خاصة في هذا التوقيت، حول كيف استعملت بريطانيا وأمريكا
الإخوان المسلمين، وكيف أبرمت الصفقات مع طالبان والأصوليين، حيث كان
التحالف مع هذه القوى ذا نتائج وخيمة، حيث إنه أسهم في صعود الإسلام
المتطرف وتقويض القوى العلمانية القومية الأكثر ليبرالية. فلقد شجعت هذه
السياسة الحروب والعنف والإطاحة بالحكومات الشعبية عادة، ودعم القوى الأشد
رجعية، وكذلك إذكاء التوترات بين الدول والانقسامات الطائفية داخلها. ومع
ذلك فان هذا التآمر قد زاد خطر الإرهاب الذي يواجه بريطانيا والعالم، وهو
جانب غير أخلاقي صارخ للسياسة الخارجية التي جعلت الشرق الأوسط وباقي
العالم أقل أمنا.


أخبار الخليج العدد : ١٢٩٦٧ – الاثنين ٢٣ سبتمبر ٢٠١٣ م، الموافق ١٧ ذو القعدة ١٤٣٤ هـ
اقرأ المزيد

من العزلة إلى النفط



في دراسته المهمة عن “الحياة الأدبية في جزيرة العرب” الصادرة عام 1935 يتساءل الدكتور طه حسين عن “سبب العزلة التي نشأ عنها أن أصبحت هذه البلاد التي كانت مصدر النور للشرق الإسلامي كله موطن الجهل والظلمة”، كما أصبحت هذه البلاد التي كانت مهد اللغة العربية والأدب العربي أقل البلاد حظاً من الامتياز في الأدب واللغة فضلاً عن العلوم الأخرى؟


لم يؤد اهتمام الغزاة الأوروبيين بهذه المنطقة، مع تصاعد التنافس بين القوى الاستعمارية على مناطق النفوذ في العالم، والذي انتهى كما نعلم جميعاً بنجاح البريطانيين في فرض حمايتهم على المنطقة والهيمنة التي امتدت مديداً عليها، إلى إنهاء ما عانته المنطقة من عزلة، بل إنهم كرسوا هذه العزلة من خلال سياسة الحفاظ على الأمر الواقع، دون المساس الجدي بجوهر الهياكل الاجتماعية وأنماط العيش في المنطقة، فلم يغد الهدف أكثر من استخدام هذه المنطقة رأس جسر لعملياتهم في بلدان ومناطق أخرى، ولم يكلف المستعمرون أنفسهم عناء إقامة بنية تحتية حديثة، وإدخال الخدمات التعليمية والصحية وسواها، ناهيك عن الخدمات الثقافية التي كانت في عداد الترف .


الاختراق الكبير الذي حدث في مسار السير الرتيب البطيء لمجتمعات هذه المنطقة جاء مع اكتشاف النفط وتصديره، والطفرة الاجتماعية الاقتصادية التي ترتبت على ذلك، مما أحدث هزة عميقة هددت معالم الثقافة الشفاهية السائدة بالاندثار قبل أن توثق أو تجمع مادتها، الأمر الذي بات يهدد المجتمع بأن يصبح مجتمعاً بلا ذاكرة .


ذلك أن فجاءة التحولات الاقتصادية الاجتماعية وسرعة وتيرتها أحدثت من الآثار على هذا الصعيد ما لم يحدث سابقاً، فخلال عقود قليلة جرى ما يشبه الانقلاب القيمي الذي نجم عنه تصدع في منظومة القيم، واندثرت الكثير من الحرف لصالح شيوع نمط انتاج جديد جلب معه ثقافةً فيها الكثير من مظاهر التشوه، بوصفها في الغالب الأعم ثقافة استهلاكية تتوسل السهولة والاسترخاء والاتكالية، ومع الوقت صُدرت صورة سلبية عن المجتمعات الخليجية بوصفها مجتمعات نشأت مع اكتشاف النفط، فيما الدراسة التاريخية تشير إلى وجود نماذج تعبيرية ثرية ومتعددة في حقول الثقافة والحرف والأشعار والأمثال الشعبية التي تلخص الخبرة الشعبية المديدة في الفترة السابقة لاكتشاف وتسويق النفط، وإن جزءاً كبيرا من هذه النماذج قد اندثر فيما يهدد الاندثار ما تبقى منها .
اقرأ المزيد

التجمهر السياسي بين نصوص الدستور وأحكام القانون – المحامي علي الورقاء

التجمهرُ كلمةٌ منبثقةٌ من مصطلح «الجمهور» أي جمهور الشعب، وتعني
بالمُجمل تجمهر (أو تجمع أو تظاهر) أغلبِ أو بعضٍ من الجمهور لسبب من
الأسباب أو لمناسبة معينة.

والتجمهر بمفهومه العام يدخل فيه التجمهر
الرياضي، والتجمهر الديني كصلاة الجمعة أو الجماعة أو مواكب العزاء
الحسيني، وكذلك التجمهر الاجتماعي كحفلات الأعراس أو الزفاف. وأخيراً
التجمهر السياسي لأمرٍ سياسي معين أو لحدثٍ سياسي واقع.

ولكي لا نتوه في أروقة «التجمهر» بأنواعه السابقة سنتناول فقط «التجمهر السياسي».

فالتجمهر
السياسي قد يكون صامتاً وساكناً في بقعة واحدة ويسمى «اعتصاماً»، وقد يكون
متحركاً وناطقاً ويسمى «تظاهرةً» أو «مسيرةً»، وفي الحالتين قد يكون
مؤيداً لسياسة الحكومة أو معارضاً لها، فيأتي إما معبراً عن رأي وإما
حاملاً لمطالب شعبية، وهو حق للمواطنين وحدهم فقط، وفي غير ذلك لا يمكن
اعتباره تجمهراً سياسياً.

ولكن أياً تكن أنواعه وحالاته فهو بوجه عام
يُعد منبراً للجمهور يعبرون من خلاله عن ارائهم ومطالبهم انطلاقاً من حرية
الرأي وحق التعبير، ما لم يكن هذا التجمهر دون هدف أو أن يكون حراكه غير
سلمي، عندئذ يصبح هذا التجمهر شغباً.

وحيث نتحدث في هذا المقال عن
التجمهر السياسي بين نصوص الدستور وأحكام القانون يحسن بنا أن نشير بداية
إلى أن دستور البحرين ليس من الدساتير المرنة التي يمكن تعديلها بقانون
برلماني عادي أو عن طريق المؤسسة التشريعية، كالدستور البريطاني مثلاً،
إنما هو من الدساتير الجامدة التي لا يمكن تعديلها إلاَّ بالمشاركة
الشعبية، إما عن طريق مجلس تأسيسي أو بالاستفتاء «التشريعي» الشعبي المباشر
طبقاً لقانون مباشرة الحقوق السياسية. ولهذا فإن هذا الدستور يسمو على
القوانين وليس العكس باعتباره الأعلى مرتبه منها. وبالتالي يجب أن تكون
القوانين متوافقة مع نصوصه ومبادئه وروحه، وأي قانون يخالفه يصبح قانوناً
غير دستوري، وهذا ما يُطلق عليه «بعدم دستورية القوانين».

وبالعودة
إلى الحديث عن التجمهر السياسي بين نصوص الدستور وأحكام القانون في المملكة
نستفتح الكلام عنه بالوقوف على ما جاء في نص المادة رقم (23) من دستور عام
2002 فنقرأ منها «ان حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسانٍ حق التعبير عن رأيه
ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما…». ثم يأتي ميثاق العمل الوطني ليؤكد
النص السابق في الفقرة الرابعة من الفصل الأول «ان لكل مواطن حق التعبير عن
رأيه بالقول أو بالكتابة أو بأي طريقة أخرى من طرق التعبير عن الرأي…».

فإذا
كان التجمهر السياسي هدفه الأساسي، على نحو ما أشرنا إليه سلفاً، هو
للتعبير عن الرأي فنستنتج من النصين السابقين «الساميين» أن التجمهر حق
كفله الدستور للمواطنين، وأن أي قانون يُحرِّم أو يُعطِّل هذا الحق يُعد
قانوناً غير دستوري.

علماً أن قانون رقم (18) لسنة 1973 بشأن
الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات الصادر قبل دستور 2002 قد اعتبر
الاجتماعات العامة ومنها المظاهرات السياسية هي من حيث المبدأ مباحة.

في
حين تستوقفنا نص المادة رقم (178) من قانون العقوبات التي تنص على الآتي
«كل من اشترك في تجمهر في مكان عام مؤلف من خمسة أشخاص على الأقل الغرض منه
ارتكاب الجرائم، أو الأعمال المجهزة أو المسهلة لها، أو الإخلال بالأمن
العام ولو كان لتحقيق غرض مشروع، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين
وبغرامة لا تجاوز مئتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين».

فهذا النص
واضح الدلالة يؤكد على حق التجمهر، فاعتبره مباحاً من حيث المبدأ، بشرط
ألاَّ يكون الغرض منه ارتكاب جرائم أو الإخلال بالأمن العام، أي بمعنى
ألاِّ يكون مرتبطاً أو مصاحباً لعنف.

وعندما نقول «بشرط ألاَّ يكون
مصاحباً لعنف» فهذه الصحبة من المفترض ألا تظهر إلاّ أثناء قيام التجمهر،
أي متزامنة معه، لا قبله ولا بعده. وبالتالي لا يصح القول «ان التجمهر
ممنوع خوفاً من أن يصاحبه عنف»، لأن في ذلك استباقا للحدث قبل وقوعه، فقد
يقع وقد لا يقع. فيكون بذلك سلباً لحق رتبه الدستور للناس من دون مبرر
ظاهر.

ولكن خشية من ألا يصاحب التجمهر عنف يستوجب أن تكون هناك
تدابير مسبقة تحميه، منها (أولاً) أن يكون هناك من يرعى التجمهر تحت
مسئوليته، و(ثانيا) أن يتم تبليغ الأمن العام عنه مسبقاً ليتخذ من جانبه
التدابير اللازمة سواء من حيث التنظيم أو لمنع ما قد يحدث من عنف خلال
التجمهر طبقاً لأحكام قانون رقم (18) لسنة 1973 سابق الذكر.

وحيث ان التجمهر حق فلا يمكن اعتباره رخصةً تُعطى بضمان مالي أو بعوض، أو منحةً يتم التفضل بها.

وعليه
نخلص إلى القول ان أي تجمهر سياسي سلمي مباح للمواطنين دستورياً لا يجوز
منعه أو صده ولو بقانون إلاّ إذا تخلله عنف، وبشرط أن يكون هناك من يرعاه
تحت مسئوليته، وأن يُبَّلغ عنه وعن أهدافه مسبقاً الجهات المختصة.

ونافلة
القول الإشارة إلى أن التجمهر السياسي وإنْ يكن حقاً للجميع (وليس رخصة أو
منحة) إلاَّ انه يجب على أصحاب هذا الحق عدم التعسف في استعماله بإطلاق
شعارات أو رفع لافتات تُخرجه عن أهدافه أو تمس الدولة والنظام العام أو
تسيء إلى اية شخصيةٍ أو رمزٍ كان عالي المقام أو أدنى من ذلك ، لأن التجمهر
السياسي ما هو إلاَّ وسيلة للوصول إلى هدف نبيل ، وحيث أن الهدفَ نبيل يجب
أن تكون الوسيلةُ أكثر نبلاً.

اقرأ المزيد

الرؤية السياسية… بين الدولة الأمنية والدولة الديمقراطية

ليس من قبيل المبالغة القول اننا جمعياً كسلطة وقوى سياسية وجماهير
شعبية أصبحنا أمام تحديات وخيارات مصيرية وتأريخية، فأما أن تتخطى البحرين
هذه المرحلة الصعبة عبر تصحيح المسار السياسي والدستوري، والعودة الى حياة
سياسية عادلة مستقرة، وهو أمر ليس في الامكان تحقيقه إلا من خلال «التوفيق»
بين ضرورتين، الأولى وجود أو حضور دولة قوية، والثانية السيادة الكاملة
للشعب في هذه الدولة التي تعني حضور الشرعية الديمقراطية والدستورية، هذه
هي المعادلة الغائبة ومعها غابت القدرة أو الرغبة في إيجاد حلول للأزمة
المستمرة منذ ما يزيد على العامين، هذا الاخفاق أو الفشل في معالجة الأزمة
يعود الى أن هناك من يصر على ضرب هذه المعادلة أو الاخلال بها عبر ترجيح
طرف القوة والخيار الأمني على حساب حقوق المواطنين الذين يتحولون الى مجرد
رعايا، وليس خافياً ان الانحياز الى خيار القوة فقط لا يصنع الشرعية كما
أنه يحول الدولة الى دولة «مستبدة» اما النجاح في ترسيخ طرفي المعادلة
فيعني أن الدولة يمكن أن تصبح «ديمقراطية» وليس مهماً هنا شكل أو طبيعة
الحكم ملكياً أو جمهورياً، رئاسياً أو برلمانياً، المهم الجوهر أو النسق
السياسي الذي يحكم هذا النظام، الذي ينبغي أن يكون بعيداً عن التسلط
والإكراه، وبعيداً عن سياسة الاستعباد التي تعمل لصالح أقلية مقابل إقصاء
وإبعاد الجموع الوطنية، وتنكرها لمفهوم أو مبدأ التعددية السياسية
والاجتماعية.

ان الفشل في تخطي هذه الفترة الحرجة، يعني الانزلاق الى
مزيد من الاستقطاب والصراع الداخلي الذي يحمل في طياته مخاطر جسيمة على
المجتمع والوطن كله وكلما تأخرت خطوات المعالجة الصحيحة، وكلما طالت عملية
تصحيح مسار الوضع السياسي والاجتماعي المضطرب، وكلما استمرت محاولات
الالتفاف او الهروب من الاستحقاقات السياسية والدستورية الشاملة والعادلة،
كلما يعني أننا نفسح المجال اكثر لزيادة ومضاعفة حجم الاستقطاب في المشهد
السياسي والاجتماعي في البلاد.

قد ينظر البعض الى ما نقوله هنا من
زاوية تشاؤمية، او اننا نحاول غلق أبواب الأمل في البحث عن حلول سياسية
توافقية، اذا ما وضعت هذه الرؤية في سياق ما يجري على أرض الواقع من تصاعد
لخيار فرض القوة وتشديد الاجراءات القمعية التي تنتهك حقوق المواطنين، الا
أن ما نؤمن به ونسعى إليه غير ذلك تماماً فرغم كل الصعاب فإننا لا نريد أن
نجعل اليأس بديلاً للأمل وبديلاً عن التحرك واجتراح الحلول فليس هناك أكثر
من الأزمات المستعصية ما يدفع الى التفكير وإعادة النظر في المواقف
والسياسات وعدم الإذعان لمنطق الجمود القائم، او التسليم لإرادة وأصحاب
الخيارات الأمنية والحلول «الجزئية» او «الترقيعية».

بهذا المعنى
نصبح جمعياً أمام خيارين لا ثالث لهما، أما استمرار الوضع الراهن على حاله
وزيادة تفاقمه مع مرور الوقت، وخاصة مع استمرار الاجراءات والقرارات
المتشنجة وغير المدروسة، وصولاً الى مزيد من «الاهتراء» السياسي والتوتر
الطائفي وبلوغ حد الانفجار (لا قدر الله) الذي يصعب التكهن بنتائجه
المدمرة، او الاسراع في كسر حالة الجمود عبر التقدم بمبادرة وطنية شاملة
وعادلة، تكون أولى خطواتها رفع او نزع سيف القوة الأمنية المفرطة عن مجريات
الواقع السياسي، ومن ثم نزع فتيل الانفجار الطائفي الذي يتفاعل مع مجرى
التطورات في المنطقة، وليس هناك طرف قادر ومسئول عن تقديم مثل هذه المبادرة
سوى السلطة السياسية، فكل الأطراف السياسية بل والمجتمع البحريني كله،
يعيش حالياً أجواء مناخ سياسي واجتماعي موبوء، مشحون بنار الأحقاد
والعصبيات المذهبية المنفلتة، كما انه مجتمع صار مشحوناً بالتحريض بفعل
إعلام لا همّ له سوى التضليل وقلب الحقائق، وعدم التورع عن استخدام أقسى
العبارات النابية والسباب المقذع في حق المعارضين السياسيين.

وما
يضاعف من حالة القلق والتوتر أنه في ظل هذا الواقع المأزوم الذي هو نتاج
عقود من الاستبداد، برزت قوى مصلحية مشبعة بثقافة الإقصاء والاستئصال، لا
يوجد في فكرها او سلوكها مكان للتعددية والمشاركة، وهي تضيق ذرعاً بالتعايش
مع الخصم السياسي، كما أن فهمها للديمقراطية فهم بدائي ومتخلف، تحكمه
مصالح فئوية وطائفية ليس لها علاقة بالمصلحة الوطنية العامة، وليس في الأمر
غرابة هنا إذ ان هذه القوى هي في الواقع مخلفات ونواتج حالة الاستبداد
التي عانى منها البلد لعقود طويلة)، كما انها اليوم هي من يقف وراء تفاقم
الأزمة واستعصاء حلها، رغم كل الجهود والمحاولات المخلصة التي تبذل من هنا
وهناك، والسبب يعود الى ان هذه القوى قد قررت على ما يبدو خوض مواجهة
عقابية واستئصاليه شاملة مع المعارضين تحت وهم القدرة على سحقهم واستئصالهم
سياسيا، والغريب ان هذه القوى تستند في تحقيق أهدافها على جزء من «قوة
الدولة» ومقدراتها التي يفترض ان تكون دولة الجميع وليست لصالح فئة أو
أقلية معينة، كما انها تستند على ارث فكري وسياسي مثقل بالغرائز البدائية
المنفلتة وبالعصبيات المذهبية المتخلفة.

كان من الممكن النظر الى
الحراك الشعبي الوطني الذي حدث باعتباره فرصة تأريخية لتصحيح مسار العملية
السياسية الذي يعاني من الاضطراب والاختلال، والدخول في طريق الحوار السلمي
الحضاري، من أجل الانتقال بالمجتمع السياسي البحريني الى التعددية
والمشاركة الحقيقية عن طريق الديمقراطية، وليس عن طريق العنف والإقصاء
وانتهاك الحقوق او الانتقام، وكان يمكن ان يكون الحراك فرصة للتخلص من كل
أمراض الفساد والاستبداد وكل الحالات المستعصية التي تفتك بالمجتمع
البحريني، ولكن المؤسف ان هذه القوى قد اضاعت هذه الفرصة، ومازالت تعوق
إمكانية نجاحها حتى وقتنا الحاضر، بل هي قد تحولت الى معول هدم يمزق
المجتمع اجتماعياً وطائفياً، عبر إصرارها على اقحام البعد الديني والمذهبي
في الصراع السياسي، من أجل تعطيل أي حل سياسي والمضي في ارباك المشهد العام
أكثر وأكثر، لذلك هي تعمل بكل السبل الملتوية وأشكال التزييف الممكنة على
تسعير الجنون الطائفي واتباع نهج تحريضي قّل مثيله ضد قوى المعارضة
الوطنية، والمزايدة في الوقت ذاته على مبادئ الوطنية التي تدعي احتكارها
كذباً وزوراً، فالوفاء للوطنية لا يعني الممارسة العنصرية والشوفينية ضد
شركاء الوطن، والدخول معهم في دائرة انتقام مغلقة وشريرة دون أي مبرر.

مهما
تباينت وجهات النظر في طبيعة الحراك الشعبي السلمي، والتداعيات التي خلفها
ومهما تضاربت الآراء في حجم الأخطاء التي وقع فيها هذه الحراك، إلا أنه
ليس في مقدور أحد أن ينكر ان هذا الحراك في أحد إيجابياته قد كشف عن عمق
الخلل السياسي والعفن الطائفي اللذين يعاني منهما مجتمعنا، كما كشف عن غياب
المواطنة الحقيقية التي وحدها فقط يمكن أن تكون رافعة لأي مشروع ديمقراطي
حقيقي، هذا هو أحد أهم التحديات التي أشرنا إليها في مستهل هذه المقالة،
والتي يجب معالجتها دون تأخير أو تسويف لضمان نجاح أي حل سياسي للأزمة
الراهنة. وللحديث صلة…

اقرأ المزيد

واشنطن تحتوي فضيحة تجسسها بدهاء



في
قمة مجموعة العشرين التي عقدت الخميس 5 سبتمبر/ أيلول في مدينة سان
بطرسبيرغ الروسية، ظهر الرئيس الأمريكي باراك أوباما وهو في كامل اهتمامه
وانشغاله باللقاء الذي طلب من مساعديه ترتيب عقده، على هامش القمة، مع
رئيسة البرازيل دلما روسيف في محاولة لاحتواء وتهدئة غضب البرازيل المتولّد
من فضيحة التجسس الأمريكية على تحركات ومراسلات رئيسة البرازيل وحكومتها .
فقد كان أكثر اهتماماً من اللقاءات الثنائية الأخرى التي فرضها الإصرار
الأمريكي على التوجه للحرب ضد سوريا . فما بدأ في شهر مايو/ أيار الماضي من
تسريبات من جانب إدوارد سنودين محلل المعلومات لدى وكالة الأمن القومي
الأمريكية المنشق، حول قيام عملاء الوكالة بالتجسس على مكالمات ووسائل
الاتصال الأخرى عبر الانترنت لمدة عقد من الزمان، تطور إلى كشف أكثر دقة
للحقائق وشمل قيام الشبكة الإعلامية البرازيلية “تي .في .غلوبو” في الأول
من سبتمبر/ أيلول الجاري بالكشف عن أن وكالة الأمن القومي الأمريكية (ثاني
أكبر وكالات التجسس الأمريكية بعد وكالة المخابرات الأمريكية سي . آي .
إيه) بالتجسس على الرسائل النصية للرئيس المكسيكي أنريكي بينا نيتو إبان
حملته الانتخابية في العام الماضي . كما أماطت الشبكة اللثام عن تجسس
الوكالة الأمريكية على البريد الإلكتروني والمكالمات والرسائل النصية
لمستشاري الرئيسة البرازيلية دلما روسيف حتى قيل إن الرئيس أوباما كان
يطلع، بمساعدة أعمال تجسس وكالة بلاده للأمن القومي (NSA)، على البريد الإلكتروني للرئيسة البرازيلية أولاً بأول .


وإذا
كانت المكسيك، بسبب تبعيتها الاقتصادية للولايات المتحدة، لم تبد ردة فعل
موازية لفعل التجسس الأمريكي ضدها، مكتفية بطلب تفسير لهذا العمل من السفير
الأمريكي لديها، فإن البرازيل ذهبت بعيداً في غضبها، وهددت بإلغاء زيارة
الرئيسة البرازيلية إلى واشنطن المقررة في شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل،
والنظر في إغلاق شركات الاتصالات التي تعاونت مع وكالة الأمن القومي
الأمريكية في أعمال تجسسها، وكذلك صفقة شراء البرازيل ل 36 طائرة مقاتلة من
شركة بوينغ بقيمة 4 مليارات دولار .


وزادت صحيفة “الغارديان” البريطانية الطين بلة بكشفها في الخامس من سبتمبر/ أيلول الحالي عن أن وكالة الأمن القومي الأمريكيةNSA) ) ونظيرتها البريطانية GCHQ  لا تكتفيان بأجهزة حواسيبهما العملاقة Supercomputer  للتجسس
العالمي وإنما تستعينان أيضاً “بخدمات” شركات الاتصالات والإنترنت
العالمية مثل غوغل وياهو وغيرهما . وفي “الغارديان” أيضاً، كتب الخبير
الأمني بروس شنير بأن “وكالات التجسس الغربية تستغل فضاء الإنترنت وتحيله
إلى منصة كبيرة للسياحة الجاسوسية متعددة الأغراض” .


يوم
الإثنين الأول من يوليو/ تموز الماضي عمل الرئيس باراك أوباما جاهداً
لتبديد الغمامة التي ظللت علاقات بلاده مع حلفائها الأوروبيين بعد تقارير
عن تجسس الولايات المتحدة على عدد من حكومات البلدان الأوروبية الحليفة لها
مثل فرنسا وألمانيا، ما وضع قادة هذه الدول في حرج شديد مع شعوبها، حتى إن
رد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولند على هذه الفضيحة، كان مخجلاً، إذ اكتفى
بالقول “نريد لهذا التجسس أن يتوقف بسرعة”!


وما
أثار دهشة الحلفاء الأوروبيين مسارعة الرئيس أوباما خلال زيارته إلى
تنزانيا لتبرير أعمال التجسس التي قامت بها بلاده ضد حلفائها، قائلاً إن
ذلك يعد أمراً بديهياً في عالم يسوده التنافس . وعلى منواله نسج جون كيري
وزير خارجيته الذي علّق على الموضوع خلال وجوده في بروناي قائلاً إن
الولايات المتحدة ليست الوحيدة التي تقوم بهذه الأنشطة التجسسية .


إلى
ذلك أيضاً، كشفت صحيفة “الغارديان” (التي يبدو أن محلل المعلومات في وكالة
الأمن القومي المنشق والمقيم في موسكو بعد حصوله على حق اللجوء السياسي من
الحكومة الروسية، إدوارد سنودين قد اختصها بجزء من خزين معلوماته) يوم
الخميس 11 سبتمبر/ أيلول ، أن وكالة الأمن القومي الأمريكية تنقل مباشرة
إلى نظيرتها “الإسرائيلية” قسماً من البريد الإلكتروني وملايين الاتصالات
الهاتفية التي تراقبها، وذلك بموجب بروتوكول تعاون موقّع بين الوكالتين .


بهذا
المعنى فإن قضية التجسس من القضايا التي تؤثر سلباً في الحالة
الاستراتيجية الأمريكية، حتى ولو بصورة غير مباشرة، سواء لجهة الثقة في
علاقاتها بحلفائها، أو لجهة معاودة مطاولة سهام الطعن في مصداقيتها على
الصعيد الدولي كقوة عظمى مهابة، تجاهد دوماً لتفادي اتهامات ازدواجية
المعايير بين تبنيها لقضايا الحريات وحقوق الإنسان وانتهاكاتها العلنية
والسرية لهذه الحريات والحقوق . خصوصاً أن أعمال تجسسها التي كُشف النقاب
عنها أخيراً، لم تقتصر على أعدائها وإنما طاولت أصدقاءها ومواطنيها أيضاً .


والأرجح
أن الطبقة السياسية الأمريكية المكونة من قيادات الصف الأول والصف الثاني
للحزبين الجمهوري والديمقراطي اللذين يهيمنان حصراً على مؤسسة الحكم
الأمريكية وكامل “السيستم” الذي “يُشَغِّلها”، قد شعرت بحرج اللحظة، مع
تحوّل التململ الأوروبي الشعبي إلى غضب جمعي ثم إلى تظاهرات احتجاجية ضد
الولايات المتحدة (تظاهر في برلين السبت 7 سبتمبر نحو 20 ألف شخص ضد أعمال
التجسس الأمريكية) . فكان لابد من التحرّك سريعاً لتحويل أنظار العالم عن
هذه الفضيحة وإشغاله بقضية أخرى . فكان الضجيج الإعلامي الهادر الذي أُطلق
لمصاحبة تحضيرات الهجوم على سوريا، كفيلاً بسرقة الأضواء من تلك الفضيحة .
اقرأ المزيد