المنشور

اللعبة المموهة

كنت
أتابع فيلم “اللعبة المموهة” Fair Game الذي يروي جانباً من عملية الفبركة
الاستخباراتية والدبلوماسية والإعلامية الضخمة التي أعدتها وأدارتها
المخابرات المركزية الأمريكية “سي آي أيه” لإلباس العراق تهمة تطوير وحيازة
أسلحة الدمار الشامل – كنت أتابع أحداثه الدرامية والبوليسية المثيرة
بخليط من الانشداد والتحفز الممزوجين بمسحة من الحسرة والالتياع وقد هالني
المدى الذي يمكن أن تصل إليه الدولة العميقة في خيانتها لعملائها المخلصين
وتقديمهم بكل سهولة أضحيةً على مذبح مصالح القوى الحاكمة من وراء الستار في
حال قررت، لسبب ما، إبعادهم عن المشهد والتخلص منهم بإحدى الوسائل غير
المتورعة .
تدور أحداث الفيلم الذي أخرجه للسينما دوغ ليمان وعرض على
شاشات السينما في الولايات المتحدة حول قصة إحدى عميلات السي آي أيه، وهي
فاليري بليم Valerie Plame ، التي أدت دورها نعومى واتس، والتي لا يعرف عن
سرية وظيفتها هذه سوى زوجها جوزف ولسون الذي أدى دوره الممثل شين بن الذي
يعمل سفيرا لبلاده في الغابون، وولديها . وكضابطة في السي آي أيه قامت
بعمليات حساسة، وخطرة أحياناً، خارج الحدود .
ونظراً لما يتمتع به زوجها
من معارف وعلاقات في جمهورية النيجر إبان سنوات خدمته الدبلوماسية هناك،
فقد طلب منه زملاء زوجته في العمل السفر إلى النيجر والاتصال بمعارفه هناك
للتأكد مما إذا كان النظام العراقي برئاسة صدام حسين قد استورد يورانيوم
الكعكة الصفراء Yellowcake uranium من النيجر لاستخدامه في صناعة الأسلحة
النووية . وقد سافر ولسون بالفعل إلى النيجر وأجرى لقاءات مع عدد من معارفه
في السلك الدبلوماسي والسياسي هناك، تأكد على إثرها بأن العراق لم يستورد
هذه المادة من النيجر إطلاقاً .
إلا أن “السي آي أيه” والأجهزة الأمنية
الأمريكية، بالتواطؤ مع البيت الأبيض، اشتركوا جميعاً، كما صار معلوماً
فيما بعد في عملية بالغة السرية، في إخفاء هذه الحقيقة عن الأسرة الدولية
وعن الرأي العام الأمريكي، وعملوا بالتوازي على تلفيق كذبة شراء العراق
ليورانيوم الكعكة الصفراء من النيجر، وترويج وتسويق هذه الكذبة داخل أروقة
الأمم المتحدة، لتتوج هذه الأكذوبة بخطاب الرئيس جورج بوش الابن إلى الأمة
في عام 2003 الذي سوغ فيه العدوان المدبر على العراق بفرية حيازته
اليورانيوم لإنتاج أسلحة الدمار الشامل .
وأمام دهشة وانزعاج ولسون من
هذه الفبركة الرسمية الخطرة، سرعان ما وجد نفسه يخط مقالة يوضح فيها عدم
صحة التقارير التي راحت تبني عليها إدارة بوش مخططها لغزو العراق، وينشرها
في صحيفة “نيويورك تايمز”، ليأتيه الرد الانتقامي سريعاً من مسؤولي البيت
الأبيض بمن فيهم نائب رئيس موظفي البيت الأبيض ومستشار الأمن القومي سكوتر
ليبي، وذلك بتسريب هوية زوجته إلى وسائل الإعلام للطعن في اتهامات الزوج
لإدارة بوش بأنها تتلاعب بالمعلومات لتبرير غزو العراق، ما أدى إلى إقالة
الزوجة ضابطة “السي آي أيه” (فاليري بليم) من وظيفتها وتشويه سمعتها وسمعة
زوجها الدبلوماسي السابق في أعين الرأي العام الأمريكي، قبل أن يتطور الأمر
إلى وصول تهديدات وسباب وشتائم للزوجين عبر الهاتف من أناس مدسوسين، وإلى
توتر العلاقات الزوجية بينهما، قبل أن يعودا ليستجمعا قواهما ويبدآ بشن
حملة واسعة لتعريف الرأي العام بالحقيقة التي أُخفيت عنه . وأخيراً وأمام
لجنة تحقيق في الكونغرس تمكنت بليم من تقديم شهادتها التي أفضت في نهاية
المطاف لإدانة كبير موظفي البيت الأبيض ومستشار الرئيس للأمن القومي سكوتر
ليبي بتضليل العدالة وحكمت عليه بالسجن 30 شهراً، إلا أن الرئيس بوش أوقف
العقوبة!
ومع أن القائمين على فيلم “اللعبة المموهة” لم يتجاوزوا حدود
سقف حرية التعبير الذي توفره ليبرالية مؤسسة الحكم في الولايات المتحدة،
بإلقائهم نقطة ضوء خافتة على تدبير جرمي بالغ الخطورة أسفر عن ملايين
الضحايا العراقيين وتدمير مقومات الدولة العراقية، إلا أنهم جوبهوا بحملات
إعلامية مسعورة من الكتّاب الموالين لمركز الحكم في “ناشيونال ريفيو”،
و”واشنطن بوست”، ومجلة “تايم” وغيرها . رغم علم هؤلاء بأن من الاستحالة
بمكان أن يتمكن نظام صدام حسين من استيراد اليورانيوم من النيجر لأن جميع
مناجم اليورانيوم في هذا البلد وصناعته الاستخراجية تحتكرها فرنسا بالكامل
من خلال شركتها أريفا Areva حتى العام 2006 عندما تم السماح جزئياً لبعض
الشركات الأجنبية بالاستثمار في هذا النشاط . مثلما يعلمون أيضاً أن
المخابرات البريطانية بتواطؤ رئيس الوزراء البريطاني آنذاك توني بلير، هي
التي نسجت قصة يورانيوم النيجر .
على أية حال، لم تكن تلك سوى كرة الثلج
الصغيرة التي تدحرجت لتميط اللثام عن أكبر كذبة في تاريخ العلاقات الدولية
المعاصر، والتي تفوق فضيحتها فضحية ووتر جيت التي لولا صراع اللحظة بين
مصالح مراكز القوى الحاكمة في واشطن لما كُشفت . والمعيب، المخيف في آن، أن
جورج بوش وتوني بلير كذبا وشنّا بالتضامن حرباً إجرامية ضد العراق (بدعوى
نزع أسلحة الدمار الشامل)، وتمكنا من الإفلات من العقاب . تماماً مثلما
أفلت شارون من محاكمة دولية على جرائمه . كانت الإقالة Impeachment هي
المآل المحتم لهذه الفضيحة، ولكن تشاء الديمقراطية الليبرالية الأمريكية
والبريطانية أن تشكل بوليصة تأمين وتحصين لرجال الحكم عوضاً عن أداء
وظيفتها الرقابية والحسابية!





د . محمد الصياد – See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/3d0e5a35-5758-41ff-8106-2ed31550f4a0#sthash.MaedXRWs.dpuf

اقرأ المزيد

الاستبداد يُوَلِّدُ الإرهاب

الاستبداد
والإرهاب صنوان لحنضل واحد، والاستبداد هو البادي، والعلاقة بينهما سببية؛
الإرهاب الذي يشظي الإنسان والمجتمع يتكون في رحم الاستبداد، ويأخذ في هذا
الرحم مداه إلى أن يخرج ويكون كالعقرب الوليد يأكل أمه؛ هذا الاستبداد
وذاك الإرهاب كلاهما ترهيب للإنسان وتخريب للأوطان، وكلاهما خروج على قواعد
الأخلاق، هذا من ذاته وذاك مضطراً؛ ولا ملامة للاستبداد على الإرهاب لأن
الإرهاب يستمد شرعيته من الاستبداد، فلولا الاستبداد لما كان الإرهاب.
بين
الاستبداد والإرهاب مسافة زمنية تتفاوت من حالة إلى أخرى، وبينهما فراغ
حقوقي عصي على الاستحقاق إلّا بفعل حكمة توقف الاستبداد وتمنع الإرهاب.
العلاقة
بينهما تسترجع من الذاكرة أحداث فيلم سينمائي باسم “الإرهاب والكباب”
بطولة عادل إمام؛ والفيلم باسلوبه الكوميدي وتعاطيه الساخر يكشف الغطاء عن
رموز الاستبداد وشرذمة الحراك المتجمع تحت مسمى الإرهاب حسب الخطاب الرسمي
لرموز الاستبداد، ويتنادى بينهما غائب أساسي وهو الكباب؛ وهذا الكباب رمزية
نستدل بها إلى أن الذي اضطرهم على هذا الحراك الموسوم بالإرهاب هو غياب
الحقوق بمعانيه الشاملة، وما أن حصلوا على مبتغاهم وهو الكباب (الحقوق) ذاب
“الإرهابيون” في جموع الناس ولم يتمكن رموز الاستبداد من التعرف عليهم؛
وهذا الذوبان بين الناس هو رمزية أخرى لتبيان أن الإرهاب من الناس وبين
الناس وما هو بنازل على المجتمع من جار قريب أو غريب بعيد، وهذا الجار وذاك
الغريب لا يستجرؤ النفاذ إلى أوطان الغير إن لم تكن هذه الأوطان حاضنة
لهما.
إن الطبيعة البشرية متفاوتة في جدليتها مع تبعات الاستبداد، وهكذا
نجد أن الذين يرزحون تحت سطوة الاستبداد ليس كلهم تتملكهم ردة الفعل
الغاضبة في لبوس “التعامل بالمثل” والذي يجد سبيله الى نهج العنف في
التعاطي مع الاستبداد، بل هناك خيارات أخرى وانجرارات متناقضة تتفاعل في
عجينة المجتمع الذي يتوجع ويئن من الاستبداد.
إن نهج الاستبداد يكشف،
بشكل عام، عن ثلاث فئات من الناس، فمنهم الخانع المستسلم والذي قد يخدع
نفسه بالقدرية المحتومة، وآخر حانق غاضب متربص، وثالث الفئات الانتهازي
وهذا ينشق إلى صنفين، انتهازية التسلق على سلم الفرص المتاحة إلى مواقع
الاستحسان والقبول لدن سلطة الاستبداد، وانتهازية صاحبة طموحات سلطوية، وهي
الأخطر، تستثمر رصيدها في صفوف الفئة الغاضبة؛ وهذه الفئة الانتهازية
الطموحة إلى السلطة تعمل على أن تستحوذ على مواقع استقطاب اجتماعي تتمتع
باحترام الناس، وليس أفضل لهذا الغرض من الدوائر الدينية والمذهبية، لأن
الموقع العقائدي الديني ساحة جامعة ومنابره تبث الخطاب في اتجاه واحد،
ويلقى هذا الخطاب من الجمهور المحتشد القبول والاستحسان دون مساءلة ولا
مناقشة؛ هذه الانتهازية تغير لونها ومسارها حتى تتشكل وتتماهى برموز
المنابر الدينية والمذهبية؛ هكذا تتربع على هذه المنابر الجاهزة وتبث منها
خطابها الديني المبطن بالتحريض السياسي، لأن التغيير خارج الأطر الدستورية
لا يكون إلّا بالعنف والإرهاب وهو أكثر ضمانة للاستحواذ على السلطة؛ وطبيعي
أن تكون هناك انتهازيات طموحة متعددة على هوى مذاهب الدين.
الفئة
الحانقة الغاضبة تتشظى بين فئة الانكفاء على الذات وبين قاعدة عريضة تنجر
إلى خطاب التحريض والعنف والإرهاب. هذه المنابر التي من المفترض منها أن
تكون منابع لنشر القيم الأخلاقية والتي هي جوهر الدين، وإذا بها تتحول إلى
منابر تمتطي الدين إلى مسالك العنف والإرهاب.
هذه المنابر الدينوسياسية
لا يهمها الخطاب الديني الأصيل الذي يرتكز على قاعدة “بعثت لأتمم مكارم
الأخلاق”، ولكنها تستثمر بخبث شذرات من النصوص المتفرقة التي تعبرعن آنيات
واعتبارات جزئية عابرة اقتضتها مسيرة الرسالة الدينية في مرحلة الكينونة
الجنينية، ويتم التركيز على تأويلات هذه النصوص وتضخيمها وتبجيلها إلى
مراتب القدسية المطلقة والفروض الواجبة، وهكذا يتحقق الخروج عن المسار
الأصيل للدين والذي هو نشر الفضيلة والأخلاق والمحبة والتسامح إلى مسار
مناقض للدين يدعو إلى الحقد والكراهية ويحرض على الإرهاب.
وميزة المنابر
الدينية أن ارتيادها هي لوازم الفروض العبادية اليومية، وهكذا يتكرر
الخطاب الدينوسياسي ويمر عبر قنوات الوعي ويتراكم في مخزون الوعي الباطن.
ومن التكرار يكون التراكم الذي يؤدي إلى تحول نوعي في البنيان النفسي لدى
متلقي الخطاب التحريضي. إن مشروع هذا الخطاب هو تحويل الإنسان من كائن مفكر
وحر في إختياراته إلى إنسان طَيِّعٍ منساق، دون إرادة، لأصحاب المشاريع
الانتهازية الطامحة إلى السلطة؛ إن هذا الحانق الغاضب المغرر به من عامة
الناس يأتمر بتوصيات القيادة الانتهازية وينصاع لتأويلاتها وينفذ أوامرها
ويضحي بنفسه وأهله بإخلاص المؤمن الصادق الذي يحرم على نفسه حق السؤال
وحرية الاختيار.
هكذا يتكون جند الاحتياط للإرهاب من مواطنين عاديين
حالهم حال غيرهم في المجتمع، فيصبح المجتمع ملغوماً بهذا الخفي المخفي عن
أذهان وأنظار سلطة الاستبداد ويعيش المجتمع في غفلة عن وجودهم وعن مواقع
متاريسهم.
من الطبيعي أن يكون هؤلاء القادة الذين شكلوا جند الاحتياط في
حاجة إلى دعم مادي ومعنوي ولوجستي، وهذه الحاجيات الأساسية لتحقيق مشروع
القفز على السلطة لا بد لها من ممول إما من قوى داخلية متنفذة ومقتدرة
اقتصادياً أو من قوى إقليمية ودولية ذات مصالح ذاتية.
وهكذا يتفاكر
الداخل الانتهازي الطموح مع الخارج المتربص ذات المصالح الخاصة به لتحديد
ساعة الصفر والذي يبدأ تقليدياً باستثارة حدث درامي يكون نقطة الانطلاق
لخروج جند الاحتياط من سكونه الاجتماعي إلى صخب العنف والارهاب.
إن
الساحة العربية المزحومة بالارهاب ومنذ ما يزيد على الثلاث سنوات تكشف
للعرب وللعالم أجمع عن المسؤولية الأساسية للحكم الاستبدادي في خلق هذا
الإرهاب الذي يعصف بالسلطة ذاتها ويعبث بالناس الأبرياء… بينما المستقبل
في حكم المجهول.









محمد كمال





اقرأ المزيد

مئة عام مع الوردي

«عشرة أعوام عشتها مع الأستاذ الدكتور علي الوردي كانت بمثابة مئة عام
دار». بهذه العبارة افتتح محمد عيسى الخاقاني كتابه «مئة عام مع الوردي»
الصادر عن «دار الحكمة» بلندن. ويتضمن الكتاب مقدمة وأربعة فصول وخاتمة،
إضافةً إلى ملف بالوثائق والصور تقع جميعها في 340 صفحة و41 صورة
فوتوغرافية نقلنا عبرها المؤلف إلى قلب الحياة اليومية لأبرز المفكرين
الاجتماعيين العرب في القرن العشرين وأكثرهم إثارةً للجدل.

في حديث
لي مع الشيخ عيسى الخاقاني والد المؤلف، وصاحب مجلس الخاقاني الثقافي
البغدادي الذي جاء تأسيسه بمبادرة من الوردي نفسه، قال الخاقاني: «يحق
للعراق أن يفخر بشخصيتين عظيمتين، وأن ينصب لهما التماثيل اعتزازاً
وتقديراً لعطائهم ودورهم في النهضة العلمية في العراق: علي الوردي، وحسين
علي المحفوظ».

في العام الماضي، مرّت علينا الذكرى المئوية لولادة
العلامة علي حسين الوردي (ت 1995) صاحب المؤلفات الغزيرة والمثيرة للجدل.
وفي هذا العام يصدر هذا الكتاب الشيق عن مسيرة حياة الوردي وتجربته
الفكرية.

تتلمذ على يد الوردي العديد من الطلبة البحرينيين، يوم أن
كانت السيادة الفكرية في العالم العربي معقودة لبغداد، وكان أحد طلبته عالم
الاجتماع عبدالهادي خلف، الذي أخبرني أنهم في جامعة بغداد كانوا يعدون درس
الوردي «حصة السوالف» لفرط بساطتها وعفويتها. لكن خلف أعاد النظر في
تقييمه لأستاذه حين انتهى إلى أن اللغة الواضحة لا تعني البساطة، وأن
التعقيد لا تعني الغزارة العلمية.

مبكراً انفتحتُ على كتابات الوردي
الاجتماعية ذات الجرأة النقدية العالية، وكانت لدراستي الجامعية لعلم
الاجتماع أثر في دفعي للاطلاع على تراث الوردي الذي يتخذ من التراث
والتاريخ مادةً لكتاباته التي شغلت العقل العربي لأكثر من خمسين سنة. وكنت
أهرب من قسوة اللغة الجافة لكتب علم الاجتماع التي كنا ندرسها في الجامعة،
إلى نداوة اللغة الشفافة والبسيطة التي يخاطب بها الوردي قراءه وكأنه يتحدث
إلى صديق قديم في سمر ليلي على ضفاف دجلة.

نجحت كتابات الوردي في
إنزال علم الاجتماع من عليائه ونخبويته ولغته المتخصصة، إلى لغة سهلة قريبة
من إدراك عامة الناس، وهو ما جعل يد القراء – على رغم الفوارق الفكرية
والتعليمية بينهم – يتلقفون كتاباته بتعطش وفضول.

وبمقدار النجاح في
الانتشار الذي تحقق للوردي، نالته الأقلام الناقدة والأفواه الحاقدة، وهو
حظٌ نال مثله في فرنسا فولتير، وفي إيران علي شريعتي، على ما بين الثلاثة
من اختلاف في الرؤى والمنطلقات.

ولقد وصل الأمر بأحد علماء الدين أن
قام خطيباً في أحد جوامع بغداد ليعلن في خطبة الجمعة أن «هناك ثلاثة أمور
تؤدي إلى فساد البلاد، هي القمار والبغاء وعلي الوردي»!

ينتمي
العلامة الوردي إلى عائلة دينية عريقة يعود نسبها إلى زيد الشهيد (أحد
أحفاد الإمام الحسين)، سكنوا الكاظمية المقدسة وعمل جدهم الأكبر بمهنة
تقطير الورد فسميت العائلة بالوردي، وبعضهم يلقّب بآل الورد.

ويبدي
إعجابه برجال الدين المصلحين، فيقول: «يعجبني من المصلحين في هذا العصر
رجلان هما الشيخ محمد عبده في مصر والسيد محسن الأمين في الشام، فالشيخ
محمد عبده قد نال في بدء دعوته الإصلاحية من الشتيمة قسطاً كبيراً حتى
اعتبروه الدجال الذي يظهر آخر الزمان، ولكنه الآن خالدٌ لا يدانيه في مجده
أرباب العمائم مجتمعين. وكذلك السيد الأمين الذي لم ينِ ولم ينثن عن محاربة
السخافات التي شوهت الدين وجعلت منه أضحوكة الضاحكين».

في أربعة
فصول ينقلنا الخاقاني إلى حياة أستاذ علم الاجتماع في جامعة بغداد، فيتحدّث
في الفصل الأول عن ولادة الوردي وطفولته وصباه، ثم دراسته في بيروت،
فحصوله على بعثة دراسية إلى جامعة أوستن الأميركية، ثم حصوله على الدكتوراه
بتقدير امتياز عن أطروحته الموسومة بـ»التحليل الاجتماعي لنظرية ابن
خلدون».

والفصل الثاني خصصه الكاتب للحديث عن الوردي كما عرفه الكاتب
بادئاً بالإشارة إلى مذكرات الوردي الضائعة التي أعطاها اسم «سينما
بغداد»، وهي مخطوطةٌ ضاعت في ظروف غامضة رغم أن الخاقاني قد رآها بأم
عينيه. أما الفصل الثالث فيكرسه الباحث للحديث عن فكر الوردي كما تعكسه
مؤلفاته والعلماء الذين تأثر بهم، فيما يتمحور الفصل الرابع في رأي الوردي
بالساسة العراقيين الذين تناوبوا حكم العراق منذ العام 1921 وحتى العام
2003 بدءاً من الملك فيصل وانتهاءً بصدام حسين، الذي عندما ذُكر أمامه
الوردي أشاح بيده وقال «لا أحبه، أنا لا أحب الوردي».

عندما ذهب
الوردي لقضاء إجازته الصيفية الجامعية في بريطانيا نزل في مسكن يعود إلى
عجوز تؤجر بيتها إلى الطلبة الوافدين، شرحت العجوز لأصدقاء الوردي مشكلته
قائلة: «إن صديقكم عندما يدخل إلى الحمام يبكي وينوح وأنا أخشى الحديث معه
خوفاً أن يشعر أني انتهك خصوصيته، عندها طرح أصدقاؤه المشكلة على الوردي،
عندما قالوا له ماذا تفعل عندما تدخل الحمام؟ قال الوردي عندما استحم
أترنّم بالغناء العراقي؛ فقالت العجوز ولماذا كل هذا الألم والحزن الممض في
أغانيكم؟ لماذا تبكون حتى في الغناء»؟

ومضت سنوات ترنّم الوردي فيها بغنائه الحزين والعراق ينوح طويلاً وينزف أكثر ولا يزال.

وسام السبع

اقرأ المزيد

تاريخنا مر فوق الرصيف

في مطلع ثمانينات القرن العشرين أصدر نفر من الأدباء العرب في بيروت، يوم كانت بيروت تحتضن المقاومة الفلسطينية مجلة أسموها “الرصيف” . دينامو هذه المجلة كان الشاعر الفلسطيني علي فودة الذي يتذكره من عاش في بيروت في تلك الفترة جالساً في مقهاه الأثير، بشعره الأشعث وبهندامه المهمل .
استوحى أصحاب المجلة عنوانها، على ما يبدو، من رصيف المقهى الذي كانوا يتجمعون فيه في منطقة الطريق الجديدة في بيروت حيث مكتب منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الأخرى، لكن الاسم يشي بما هو أبعد من ذلك، كأن القائمين على المجلة أرادوا تمييز أنفسهم عن الأنماط الأخرى من المجلات، وعن الثقافة المؤسساتية، كأنهم أرادوا القول للآخرين: لكم السكة السالكة ولنا الرصيف منه نراقبكم ونعبر عن احتجاجنا على ما تفعلون لأنه لا يروق لنا .
للوهلة الأولى بدت هذه كما لوكانت ظاهرة عبثية، وتعبيرالعاجز عن الانخراط في الفعل مكتفياً بالتفرج من الرصيف، مستعلياً على الآخرين، لكن يوم اجتاحت دبابات جيش الحرب الصهيوني أراضي لبنان كان علي فودة بين من حملوا السلاح دفاعاً عن بيروت قبل أن يخر شهيداً، ليبرهن على أن الرصيف وأهله هم نبض الشارع .
لعل الهامش مسمى آخر للرصيف .
كل ما يظن أنه غير أساسي، أو أنه ثانوي يوصف ب “الهامشي” . وهنا أيضاً ما أكثر ما يصبح الهامشي أهم مما يعتقد أنه أساسي . النص يبدو مغلقاً وعصياً على الفهم في حالات كثيرة إن لم تقرأ هوامشه . بل إن الهوامش قد تعد بمثابة حيثيات الحكم إذا ما استعرنا تعبيرات القضاة والمحامين، فالحكم لا يستقيم من دون ذكر الحيثيات التي إليها استند، فهو في النهاية خلاصتها .
في قصيدته: “أحد عشر كوكباً في وداع المشهد الأندلسي” اختار محمود درويش الجلوس فوق الرصيف “على ساحة الأقحوانة ليعد الحمامات والفتيات اللواتي تخاطفن ظل الشجيرات فوق الرخام”، تاركات له ورق العمر أصفر، فمر عليه الخريف وهو عنه ساهٍ .
سينتاب الشاعر الندم حين يدرك: “مر كل الخريف، وتاريخنا مر فوق الرصيف ولم أنتبه” .
كان ذلك في وداع المشهد الأندلسي قبل أكثر من خمسة قرون . أما تاريخنا الراهن فإنه يمر ليس فوق الرصيف، إنما عبر هذا الرصيف دون أن ننتبه، لنباغت ذات غفلة أن الحلم كان وهماً، وأن كواسر متوحشة تصادر منا أقمارنا وتلقي بنا في الوحشة .


د . حسن مدن

اقرأ المزيد

الطريق لتحرير الطبقة العاملة وسائر الشغيلة من القيود والتسلط الرأسمالي


كان و منذ بدايات نشوء الحركات الشعبية التي
أراد بها الانسان أن يحرر نفسه من قبضة صنوف التسلط و الاستغلال البشع من قبل
الانسان لأخيه الانسان, و ظهور حلم الشعوب الضمطهدة  للعلن في طلب الحرية و ان يعيشوا حياة خالية من
الاستغلال, و قيام العدالة الاجتماعية و المساواة بين البشر في ظل منظومة الحكم
الرشيد القائم على العدل في عملية أن تكون الشعوب لها حق تقرير المصير ومتساوية في
العمل والحقوق والواجبات بحيث تشملهم المساواة بدون فوارق طبقية او سياسية او
عرقية او مذهبية او اجتماعية.


وعليه قد شهدت قرون عديده متعاقبهة تحركات
الإنسان في مجالات عده وتجارب مختلفه خاضت فيها الشعوب بطولات على اصعدة مختلفة في
دروب النضال المستمر, وقد قدمت شعوب العالم التضحيات الجسام ذلك من اجل ترجمة
الاحلام بالحرية لواقع ملموس وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة.


ان تحركات الشعوب في هذا الطريق ابتدت بأشكال
عفويه ثم علي شكل من العصيان بمختلف صنوفه واشكاله, تلاه التمرد و الاحتجاجات
والعصيان المدني وقيام الثورات والانقلابات, وكان البشر المحركون في بداية الامر هم
العبيد والفقراء والمهمشون والجنود وطبقة الحرفيين والفلاحون, و من ثم نشوء طبقة
العمال في عصر الثورة الصناعية التي شملت المانيا وفرنسا وانجلترا وامريكا, وكان
في  ظل تنامي اتساع دور  لطبقة العاملة الذي عزز فيها دور العمال في
البحث عن افكار جديدة  توحدهم وتدعم نضالهم
كي يستمر في سبيل التخلص من قيود النظام الرأسمالي الذي فرض عليهم حياة يشوبها الاضطهاد
والاستغلال البشع الذي انتج  الجوع
والبطالة والفقر من قبل ارباب العمل وقوانين النظام الرأسمالي.


حينها قد اخذ نضال الطبقة العاملة اشكال
مختلفه و متنوعة ثم دخل في اشواط من التحدي والصراع في وسط المصانع والشوارع
يقودها العمال علي شكل من التظاهرات والاضرابات و الاحتجاجات. ومن خلال هذا الحراك
قد هيئت الظروف لتحولات جذرية تاريخية بحيث اصبحت تصب في صالح الانشطه للطبقة
العاملة وتدفع بها للافضل مع بلوغ نسبة الوعي الثوري في صفوف جماهير العمال وسائر
الشغيلة, خصوصاً مع تنامي انتشار الافكار الماركسية في قلب القارة الاوروبية, ثم
إن هذه الافكار قد عبدت الطريق للسير المتواصل نحو تحقيق الانتصارات وقد الهمت
جماهير العمال والفلاحين وسائر الشغيلة وحفزت فيهم روح النضال الثوري ضد صنوف الاضطهاد
السياسي والطبقي,  وقد قادتهم لتحسين ظروف
العمل  الشاقة التي كانت مفروضه عليهم جراء
سياسات اقتصادية احتكارية للنظام الراسمالي العالمي.


حينها قد اصبح الشعار الاممي الذي وحد صفوف
العمال والفلاحين هو المطرقه والمنجل ثم ان هذا الشعار قد عزز الثقة في صفوف
جماهير العمال والفلاحين وسائر الشغيلة لمواصلة النضال المستمر, وقد تحققت  في تلك المرحلة العديد من الانتصارات في عملية
التجارب وفي سيرورة النضال الطبقي المستمر بين العمال والرأسماليين منها.


بدايات حصول الطبقة العاملة علي الايديولوجية التي تحطم
الاغلال


حقيقة ان في مثل هذه الامور لابد وان نشير
الي مسألة الوعي الحقيقي في صفوف العمال وعليه لابد وان نرجع قليلا للوراء كي نبني
عليه في سياق الحاضر, لقد ذكر في البيان الشيوعي عام 1848 م الذي صدر عن المفكرين
العظيمين كارل ماركس و فريد ريك انجلز, هذا البيان الذي حدد فيه مابين ان تكون الطبقة
العاملة لا علاقة لها بمسألة النضال السياسي وعليه ان تبقي طبقة تعمل و تنتج لصالح
الطبقة الرأسمالية التي تمتلك وسائل الانتاج وتربح الملايين من خلال بيع قوة عمل
العمال  لأصحاب المصانع, او السير في طريق
اخر وهو تحرير انفسهم من خلال نضالهم الثوري المستمر و هذا يحتاج ان تصل جماهير
الطبقة العاملة لمستوى الوعي الحقيقي الذى يصقل البروليتاريا وهي طليعة الطبقة
العاملة التي تنتج في المصانع وتدير و سائل  الانتاج حتى ان تستوعب الطبقة العاملة ضرورة مسالة
تحرير نفسها بنفسها  من طغيان الراسمالية و
نظامها الاستغلالي البشع وان تكون الطبقة العاملة نواة لبناء جيش عارم من الكادحين
في ساحة النضال السياسي حتي تصل الطبقة العاملة لمستوى القدرة للاطاحه بالنظام
الرأسمالي وبناء المجتمع الخالي من الاستغلال. ثم جاء البيان الشيوعي الذي يعتبر
اول رسالة تاريخية وضع فيها برامج الحركة الشيوعية ذلك في بداية انشطتها والذي قد
تطور مع تنامي الحركة الشيوعية والعمالية العالمية ذلك مع  تطور الفكر الماركسي اللينيني.


اهمية الاممية الاولى في تا سيس الاطر لنضال الطبقة
العاملة


كان لتاسيس الاممية الاولى في عام 1864 م
الدور الكبير لتحفيز ممثلي العمال من الانجليز و الالمان و البولنديين و الفرنسيين
ومعهم الثوريين الديقراطيين في العديد من البلدان الاوروبية  بحيث كان في الاجتماع الاول للاممية الاولى قد
تعهد فيه بوضع الوثيقتين المنهجيتين: البيان السياسي, والنظام الداخلي الى كارل
ماركس الذي انتخب لعضوية المجلس المركزي لكي يكون مسؤولاً طوال سنوات من 1864
و1868.


وهذا ما قد اشار اليه في البيان السياسي
للاممية الاولى:


1: أن تحرير الطبقة العاملة لايمكن ان يتم
على يد الغير ولا على يد الطبقة العاملة التي لا تستوعب معنى تحرير نفسها بنفسها
من صنوف الاستغلال الاجتماعي والسياسي والفكري والطبقي ذلك عن طريق النضال الثوري
المستمر.


2: التأكيد على ان السلطة السياسية يجب ان
تكون  بيد الطبقة العاملة وحلفائها
الطبقيين ليكون شرطاً اساسياً لتحرير الطبقة العاملة من خصومها وفي المقدمة
البرجوازية الرأسمالية.


3: ان بناء المجتمع الاشتراكي هو الضمانه
لتحرير الطبقة العاملة وسائر الشغيلة من براثن الاستغلال البشع من قبل النظام
الرأسمالي.


4: في تلك الفترة قد دعم الثوريون
الديمقراطيون من العمال الاممية الاولى بكل الوسائل ثم اكدوا وقوفهم مع مطالب
الشعوب المناضلة ضد الاستعمار, وفي هذا السياق اقر في البيان السياسي انه لا يمكن
ان يكون انسان حراً او شعب حر وهو نفسه يضطهد شعباً آخر, وقد ساندت الاممية الاولى
وعلى رأسها ماركس  وانجلز نضال الشعوب التي
كانت تناضل من اجل الحرية ضد المستعمرين في ايرلندا و بولندا و المجر.


وهكذا ومن خلال نشر الافكار الماركسية في
صفوف جماهير العمال وتبني الحركات الثورية العمالية للنظرية الماركسية, تسارعت
وتيرة تحقيق الانتصارات العظيمة و الهائلة لصالح العمال في جوانب عديدة منها
الحقوقية و الاجتماعية و النقابية والسياسية , ثم قد ساهم الفكر الماركسي في تحسين
الاداء الحزبي وقد عبد طريق لنضال الطبقة العاملة  ذلك بعد الانتصار المذهل لأول ثورة اشتراكية في
العالم وهي الثورة الاشتراكية في روسيا عام 1917 م بقيادة لينين للحزب الشيوعي
الروسي, لينين الذي طور في الفكر الماركسي خصوصا عندما فضح الرأسمالية وعرى طورها
للنظام الامبريالي عندما قال ان الامبريالية هي اعلي مراحل الراسمالية  ثم اسس لقيام الاتحاد السوفياتي و تشكيل
المنظومة الاشتراكية ذلك بعد الانتصار الساحق للجيش الاحمر السوفيتي على فلول
الانتهازية الهتلرية في معركة الحرب العالمية الثانية.


حينها قد اصبح الاتحاد السوفيتي والمنظومة
الاشتراكية العضد في دعم نضالات الطبقة العاملة في العالم وجميع سائر الشعوب التي
كانت تناضل ضد الهيمنة للرأسمالية والاستعمار, وهكذا قد اصبحت النظرية الماركسية
اللينينية مصدر الهام لنضال الشعوب تحت رايات يا عمال العالم ويا ايتها الشعوب المضطهدة
التحدوا ولن تخسرو الا القيود.


وفي تلك  الفتره من الزمان قد تطور بناء الاحزاب الشيوعية
والعمالية والماركسية والاشتراكية في العالم اجمع وانتشرت النقابات العمالية
والمهنية وحركات التحرر الوطني, وكان شعار المنجل والمطرقة قد اعتلي العديد من
الرايات للاحزاب والبلدان الاشتراكية ومنها شعار لعلم الاتحاد السوفياتي وعلي اثر
ذلك تم تاسيس اول حزب شيوعي في الوطن العربي في فلسطين في العشرينات من القرن الماضي.


مسألة الانهيار المفاجئ للاتحاد السوفياتي و تداعياته


نعم كان الانهيار المفاجئ للاتحاد السوفيتي
عام 1991 من القرن الماضي والذي لم يكن متوقعا من قبل كل القوى التي تناصر وتدعم
المشروع الروسي الاشتراكي وكل القوى المعتمده في نضالها على الدعم السوفييتي و المنظومة
الاشتراكية في نضالها  وفي المقدمه جماهير  الطبقة العاملة في العالم التي تناضل ضد الجشع
للنظام الراسمالي والمخطط العدواني للراسمالية و مشروعها الليبرالية المتوحشة التي
تعمل على ايجاد مخارج للحروب وخلق فتن في مناطق كثيرة لتمرير مشروعها الفوضى
الخلاقة الذي هو الان يطبق في الوطن العربي مثل العراق وسوريا وليبيا  لصالح الصهيونية العالمية والرجعية العربية .


ومن تلك اللحظة لانهيار الاتحاد السوفياتي
عملت الدول الرأسمالية وعلي راسها امريكا و بريطانيا ان يعملوا في اتجاه القطب
الواحد المسيطر على القرارات السياسية  الدولية, ثم عملوا على فك  كل الارتباط بين الدول المتحالفة مع الاتحاد
السوفياتي وضرب الانظمة الوطنية و زيادة التحالف بين القوى الرجعية والانظمة
الدكتاتورية والصهيونية للهيمنة علي منابع النفط والغاز و العمل على برمجة تحويل
القطاع العام الذي بني في دول عديدة بمساعدة الاتحاد السوفياتي والمنظومة
الاشتراكية الى القطاع الخاص عن طريق الخصخصة لمشاريع حيوية حتي في روسيا.


ثم راجت تجارت الاسلحة وتوسعت واصبح
الامريكان والاوروبيون يتعاملون مع مطالب الشعوب بالحرية والديمقراطية والعدالة
الاجتماعية  بشكل مزدوج ذلك حسب المصالح
للنظام الرأسمالي العالمي بعيداً عن مسالة حقوق الانسان والعدالة الاجتماعية التي
كانت اهداف سابقة للغرب.


ثم استغلت الامبريالية العالمية وعلى رأسها
امريكا والصهيونية العالمية والرجعية حدث سقوط الاتحاد السوفياتي وشنوا حربا
اعلامية ودعايه ضخمه لتشويه الاشتراكية والشيوعية والماركسية. إلا ان الماركسية بقيت
بجوهرها الاصلي في المادية الجدلية العلمية, ثم ذلك بنسبه لجماهير الطبقة العاملة
وسائر الشغيلة وهو الصراع الطبقي بين الطبقة العاملة وسائر الشغيلة وطبقة
البرجوازية الرأسمالية و الرجعية, ثم ان مسالة استغلال الانسان لاخيه الانسان لا
يمكن ان تحل بإصلاحات شكليه مثل الديمقراطية المنقوصة التي لا تحقق العدالة
الاجتماعية و المساواة, ايضا من منظور الماركسية ان هناك ما يعيش عليه الرأسمالي هو
استغلال قوة عمل الملايين من  العمال, هذه
هي التي توفر الملايين من الدولارات  في
خزانات البنوك لارباب العمل على حساب انتشار الفقر والبطالة وتدهور الحياة
المعيشية جراء غلاء المعيشة الفاحش, و هو انتاج لسياسة الاقتصاد الراسمالي الذي
تتضرر به غالبية  الشعوب في العالم  بما فيها الشعب الامريكي والشعوب الاوروبية.


الازمة الاقتصادية للنظام الرأسمالي


نعم في ظل الازمة الاقتصادية التي ضربت بعض
مكونات الاقتصاد الرأسمالي العالمي وبروز قوى اقتصادية جديدة مثل الصين وتنامي قوى
اخرى وتعافي روسيا وبروز قوى جديدة معادية لسياسات الامبريالية خصوصاً في امريكا
الجنوبية  كل ذلك قد ساهم في تبدد الاوهام
التي وعدت بها الليبرالية المتوحشة  ان
توفر الرفاهية للشعوب الاوروبية والشعب الامريكي.


وهكذا اصبحت ضرورة النهوض  من جديد للشعوب المناضلة وفي المقدمة الطبقة
العاملة  ضد الامبريالية ذلك  بعد الكبوه وفقدان الامل الذي حل بالملايين من
شعوب العالم الذين كانو قد تشبثوا بأحلام الاشتراكية كبديل عن النظام الرأسمالي,
ثم ان هذا الحلم الذي كان يراود  الشعوب
المضطهدة خصوصاً بين جماهير العمال في بلوغ الاشتراكية قد  اصبح ينتعش مع انتعاش الحركة اليسارية في العالم
اجمع.


الاجتماع للقوى اليسارية العالمية في المكسيك يبشر بخير


لقد عقد في الفتره من 27 الي 29 من مارس 2014
الاجتماع الموسع للقوى الشيوعية والعمالية والماركسية والاشتراكية في المكسيك تحت
ضيافة حزب العمل المكسيكي اليساري, وهذا هو اللقاء الثامن عشر لهذه القوى الذي
يعقد سنوياً عباره عن طاولة مستديرة يلتقي حولها اليسار العالمي لبحث العديد من
الاوضاع والمستجدات على الساحه السياسية العالمية والاقتصادية والاجتماعية, لقد
حضر الاجتماع الموسع 210 من الاحزاب والمنظمات اليسارية الذين مثلو 37 بلداً, منها
القوى اليسارية الاوروبية وقوى اليسار في امريكا الجنوبية واحزاب شيوعية كبيرة مثل
الحزب الشيوعي في روسيا الاتحادية والحزب الشيوعي الفرنسي و الالماني واليوناني  و اكيل القبرصي, وكان هناك تمثيل للدول
الاشتراكية مثل الصين وكوريا الشمالية وفيتنام.


وقد تناول في الاجتماع العديد من القضايا
الاجتماعية والتنمية والاقتصاد وملفات التكامل الاجتماعي والقضايا السياسية بشكل
عام ومنها الساخنة على الساحه الدولية مثل قضية  فنزويلا و اوكرانيا. حقيقة ان هذا الاجتماع قد
اعطى الامل لجماهير العالم المناهضة ا لسياسات الامبريالية والصهيونية العالمية و انعش
احلام جماهير الطبقة العاملة وسائر الكادحين وفي المقدمة الشيوعيين الذين اصبحوا
من جديد تذب في اوساطهم  الثقة بأنهم جزء
اساسي من حركة التغيير العالمي في العديد من الدول بكونهم مناضلون, و في المقدمة
في ساحات النضال علي مبداء التزاوج بين النظرية والتطبيق واثبات الوجود في الصراع
المستمر ضد الرأسمالية عدوة الشعوب. وهذا حتماً سوف ينعكس علي اليسار في العالم و
الوطن العربي.


 


جواد المرخي / عضو لجنة القطاع ا لنقابي /
المنبر الديمقراطي التقدمي

اقرأ المزيد

في العراق كما في القرم . . ابحث عن النفط والغاز

بفضل الغزو
والاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق في عام ،2003 عادت الشركات النفطية
الغربية لمزاولة نشاطها في العراق . وبحسب وول ستريت جورنال الأمريكية فقد
نجح العراق في شهر مايو/ أيار الماضي في رفع إنتاجه النفطي إلى أعلى مستوى
له منذ 30 عاماً . وللشركات النفطية الغربية الكبرى الرئيسية: اكسون موبيل،
بريتش بتروليوم وشركة رويال داتش شل الهولندية – البريطانية حصة وفيرة من
هذا الإنتاج . في أواخر شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي فازت شركة “شل”
بعقد بقيمة 17 مليار دولار في صفقة لمعالجة مشاعل الغاز (Flared gas)، وبعد
بضعة أيام من ذلك التاريخ قدمت الشركة النفطية الامريكية إميرسون
(Emerson) عطاءها للتعاقد على إدارة حقل الزبير النفطي العملاق . وفي مطلع
العام الجديد فازت الشركة نفسها بعقد لتزويد التجهيزات التكنولوجية ونظام
قياس النفط لمنصة نفطية جديدة في مدينة البصرة، وهي منصة قيد التشييد
حالياً على الخليج العربي . كما حصلت الشركة نفسها على عقود لتزويد محطات
الطاقة في مدينتي الحلة وكربلاء بأنظمة تحكم . أما حقل الرميلة العراقي
العملاق فتتولى تطويره شركة بريتش بتروليوم، في حين تتولى مهمة تطوير حقل
مجنون شركة شل .
وللوقوف على حجم الثروات التي ستجنيها هذه الشركات
الأمريكية والبريطانية من تعاقداتها النفطية مع بغداد يكفي التبصر قليلاً
فيما كان صرح به الناطق باسم وزارة النفط العراقية عصام جهاد بأن العراق
سيزيد إنتاجه النفطي إلى 12 مليون برميل يومياً بحلول عام 2017 . ولهذا
احتفظت الولايات المتحدة لنفسها بقواعد عسكرية في العراق بموجب الاتفاقية
الأمنية (الاتفاقية الامريكية العراقية حول وضع القوات) التي وقعها كل من
الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش ورئيس الحكومة العراقية نوري
المالكي في 14 ديسمبر/ كانون أول 2008 قبل الانسحاب الرسمي لقواتها في
ديسمبر من عام 2011 . وعندما أعلن وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل في شهر
يونيو/ حزيران الماضي في جلسة استماع الكونغرس حول العراق بأن مصالح
الولايات المتحدة في العراق تتعرض للخطر، فإنه كان يقصد الشركات الامريكية
وتعاقداتها الحالية والمستقبلية .
هذا في العراق، أما في الأزمة الغربية
الروسية بشأن أوكرانيا، فسوف نكتشف بقليل من التقصي لاقتصادات الطاقة في
تلك المنطقة من العالم، أن الموضوع هنا أيضاً يتعلق بصراع روسي – أمريكي
على مخزونات النفط والغاز . ففي السابع عشر من مايو الماضي نشر وليام برود
(William Broad)، وهو أحد كبار الكتاب في صحيفة نيويورك تايمز، تقريراً حمل
عنوان “باستعادته شبه جزيرة القرم، بوتين يربح مخزونات طاقة تحت مياه
البحر”، أشار فيه بالأرقام والخرائط إلى أن ضم القرم قد وسّع المنطقة
الاقتصادية (البحرية) لروسيا ووفر اتساعاً وامتداداً في البحر الأسود وبحر
قزوين، وأنه فوّت على شركة اكسون موبيل فرصة استثمار امتياز التنقيب الذي
كانت حازته من أوكرانيا في عام 2012 . وقد سرد وقائع هذا الصراع الطاقوي
على النحو التالي: راح الاتحاد الأوروبي يضغط بشكل مكشوف على أوكرانيا
للتوقيع على اتفاق شراكة غير متوازن، وكان ذلك في مارس/ آذار 2012 . بعد
شهر من ذلك التاريخ أي في شهر إبريل/ نيسان 2012 وقعت روسيا اتفاقاً مع
شركة ايني الإيطالية للتنقيب عن النفط والغاز في البحر الأسود . وفي أغسطس/
آب 2012 وضعت شركة اكسون موبيل مبلغاً كبيراً في حساب الرئيس الأوكراني
المُطاح به فكتور ياناكوفيتش في جزر البهاما من أجل إخراج شركة لوك أويل
النفطية الروسية من مناقصات التنقيب عن النفط والغاز في المياه الأوكرانية
بالبحر الأسود، وهي صفقة مهمة لتأمين خطة تخفيف القبضة الروسية على امدادات
الغاز إلى أوروبا . وفي العام الماضي وتحت ضغط الاتحاد الأوروبي
والإيداعات المصرفية للشركة الأمريكية، دفع ياناكوفيتش البرلمان الأوكراني
للتصديق على كافة القوانين اللازمة لمقابلة متطلبات خطة التقشف المالي لكل
من الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي . وحين بدا أنه نجح في مسعاه، إذا
بالرئيس بوتين يفرض على أوكرانيا في أغسطس 2013 حظراً على امدادات الغاز
إليها، ما انعكس سلباً على الاقتصاد الأوكراني واضطر ياناكوفيتش للابتعاد
عن الاتحاد الأوروبي وعن إبرام صفقة الاتفاق التجاري معه . فكان أن دبرت
شركة اكسون بالتعاون مع كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الانقلاب
عبر إشاعة الفوضى على ياناكوفيتش ابتداءً باحتجاجات ما سمي بالميدان في
نوفمبر 2013 بمشاركة قوى الفاشية الجديدة والتي انتهت بأعمال عنف دموية
وإطاحة للنظام في فبراير 2014 . فكان أن رد الرئيس بوتين على محور اكسون –
واشنطن – الاتحاد الأوروبي بقضم شبه جزيرة القرم وقطع الطريق على خطة اكسون
موبيل لتقليص نفوذ شركة غاز بروم الروسية في أوروبا . – See more at:
http://www.alkhaleej.ae/analyzesandopinions/page/11A4EBD0-92AF-430C-9AC2-E9FAF33BAE5F#sthash.c6uwFPk6.dpuf
اقرأ المزيد

هل إلى التقسيم ذاهبون؟

نقل أحد الصحفيين اللبنانيين مؤخراً أن أحد الزعماء المسيحيين اللبنانيين قال في ذروة الحرب الأهلية في لبنان منتصف سبعينات القرن الماضي: “إننا كمسيحيين لا نملك قرار تقسيم لبنان أو توحيده . قرار التقسيم رهن بحدوث أمر واحد في المنطقة . فإذا حدث نذهب جميعاً مسيحيين ومسلمين الى التقسيم رغماً عنا” .
ولما سئل عن الحدث أجاب: “تقسيم العراق، إذا تقسّم العراق، يقسّم لبنان وسوريا وبلدان أخرى، وفي حال لم يقسّم العراق، فلن يحدث أي تقسيم لدول المشرق” .
قيل هذا وسط تعالي الأصوات الانعزالية في اليمين اللبناني، يومها، عن خيار تقسيم لبنان، لكن ضجيج هذه الأصوات لم يحجب حقيقة أن التقسيم، آنذاك، كان عصياً، لأن خريطة المنطقة الراهنة لم تصمم على مقاس بلد بعينه، وإنما على قياس المنطقة كلها، وبالتالي لن يكون بوسع بلد من البلدان العربية أن يذهب إلى خيار التقسيم مالم تتوفر له “إرادة” دولية، تمنحه الغطاء اللازم، وهذا ما بدأت تلوح مظاهره اليوم .
ورغم أن الحديث عن التقسيم عاد للظهور على خلفية تفاقم الأزمة السورية المستمرة منذ ثلاثة أعوام، حيث جرى تداول سيناريو تقسيم سوريا، لينشأ على أراضيها كيانان على الأقل، واحد في الساحل للعلويين، وآخر للسنة تكون الشام مركزه، لكن الأمر ظل عند حدود التداول الاعلامي، فيما الذي يجري في العراق اليوم قد أسس ميدانياً لفكرة التقسيم .
وعلينا أن نقرأ في تصريح الزعيم الكردي مسعود البرزاني عن إجراء استفتاء في كردستان العراق حول الاستقلال خلال شهور أحد تجليات هذه الفكرة، فنتيجة استفتاء مثل هذا محسومة سلفاً، كما كانت محسومة نتيجة استفتاء القرم بالانفصال عن أوكرانيا والانضمام إلى روسيا، مع فارق مهم هنا، هو أن الغطاء الدولي قد يتأمن لاستقلال أكراد العراق عنه، في إطار الميل المتزايد لتفكيك الكيانات الوطنية القائمة إلى مجموعة دويلات على أسس عرقية أو مذهبية، وهو أمر جرى التحضير له خلال العقد الفائت، تارة على نار هادئة، وأخرى على نار ساخنة حسب مجريات الحال .
العقبات أمام ذلك ليست قليلة . فقيام كيان كردي مستقل ومعترف به شمالي العراق سيطرح على بساط البحث حق أكراد تركيا وإيران وسوريا في تقرير المصير، وحينه لن يعود الأمر محصوراً في نطاق الكيانات العربية وحدها، وإنما سيشمل الجوار غير العربي، وتلك حكاية أخرى .


د . حسن مدن

اقرأ المزيد

عوامل الحرب العالمية الثانية تتجدد

في
إطار دبلوماسية العلاقات العامة، التأم شمل الحلفاء في الحرب العالمية
الثانية في الذكرى السبعين لعملية الإنزال العسكري الكبرى التي نفذتها جيوش
الحلفاء في الحرب العالمية الثانية على شواطىء النورماندي، لتحرير شمال
فرنسا من الاحتلال النازي، حيث تم إنزال مئة وخمسين ألفاً من المظليين
الأمريكيين والبريطانيين والكنديين على تلك البقعة من أراضي الشمال الفرنسي
. وكان ذلك في السادس من يونيو/ حزيران من عام ،1944 وهي العملية التي
تكللت بعد 80 يوماً من القتال بتحرير شمال فرنسا والتقدم منه لتحرير بقية
أنحاء أوروبا من الاحتلال النازي بالتوازي مع الهجوم المضاد الذي شنه الجيش
السوفييتي بقيادة الجنرال جيورجي جوكوف لدحر النازيين الألمان عن أراضي
الاتحاد السوفييتي، والتقدم لتحرير بلدان أوروبا الشرقية، وصولاً إلى برلين
ومحاصرة الزعيم النازي أدولف هتلر وأركان حكمه في مقر قيادتهم ومطالبتهم
بالاستسلام، قبل أن يقرر هتلر الانتحار على تسليم نفسه لعدوه اللدود
الجنرال جوكوف .
كانت تلك بالفعل نقطة تحول فارقة في التاريخ الإنساني
سطر فيها الحلفاء في النورماندي وعلى جبهات القتال الأخرى ملاحم بطولية،
دفعت فيها الولايات المتحدة ثمناً كبيراً من أبنائها بلغ عددهم حتى انتهاء
الحرب 300 ألف جندي، في حين بلغت أعداد ضحايا الاتحاد السوفييتي أكثر من 22
مليوناً، مع الفارق في التوقيت بين انخراط الولايات المتحدة في الحرب (في 7
ديسمبر/ كانون الأول ،1941 بعد أن قام الطيران البحري الياباني بهجوم
مفاجئ على القاعدة البحرية الأمريكية في بيرل هاربر، وبين بداية الهجوم
الألماني المفاجئ على الاتحاد السوفييتي في 22 يونيو/ حزيران 1941 .
انتهت
الحرب في أوروبا بسيطرة الاتحاد السوفييتي على برلين والاستسلام غير
المشروط من قبل الألمان في 9 مايو/ أيار 1945 لقوات الحلفاء (الولايات
المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفييتي)، الذين وضعوا خريطة جديدة للعالم
وأنشأوا منظمة الأمم المتحدة لإشاعة الأمن والسلم الدوليين، ومنع الصراعات
المفضية للحروب . وهذا ما حدث، فلم تندلع حرب عالمية جديدة منذ ذلك التاريخ
رغم الضجيج والغبار الكثيف الذي أثارته الحرب الباردة بين حلفاء الأمس،
المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد
السوفييتي قبل انهياره .
وفي الرابع من يوليو/ تموز من كل عام تحتفل
الولايات المتحدة بذكرى الجنود الأمريكيين الذي ضحوا بأرواحهم، بخطابات
رسمية عاطفية وطنية تؤكد أن “أمريكا مدينة لهؤلاء باستمرار تمتعها بالحرية
والعدالة والطريقة الأمريكية في الحياة” .
ولكن إذا ما وضعنا هذه الخطب
الرنانة على أرض الواقع فسنجد أن أمريكا المؤسسة الرسمية الحاكمة قد أحالت
هذا اليوم إلى يوم للاحتفال المبطن بالحرب، وإهدار قيم الحرية والعدالة
التي ناضل من أجلها المؤسسون الأوائل للولايات المتحدة . ومن استعراض سريع
لهذا النكوص سنكتشف أن الرئيس الأمريكي السادس عشر أبراهام لينكولن
(1861-1865) أصدر أمراً تنفيذياً لاعتقال جميع الصحفيين بمن فيهم رؤساء
التحرير لصحف الولايات الشمالية، لاسيما صحيفة “نيويورك وورلد جورنال”
العائدة للحزب الديمقراطي، وصحيفة “نيويوك جورنال أوف كوميرس” والصحف
الصادرة في مدينة نيويورك، وأغلق 300 صحيفة واعتقل 14000 سياسي لمجرد
دفاعهم عن الفيدرالية، وانتقادهم لسياسته الحربية ضد الجنوب الذائد عن
حقوقه في عوائد موانئ الجنوب الأمريكي التي كانت تشكل آنذاك 75% من إيرادات
البلاد . والرئيس الثامن والعشرون وودرو ويلسون (1913-1921) استغل الحرب
العالمية الأولى لقمع الحريات، أما الرئيس فرانكلين روزفلت فاستغل الحرب
العالمية الثانية وأودع السجن 120 ألف أمريكي من أصول يابانية بدوافع محض
عنصرية . أما الرئيس جورج دبليو بوش فيعتبر أكثر الرؤساء الذين استغلوا ما
تسمى بالحرب على الإرهاب للهجوم على الحريات المدنية . وما زاد الطين بلة
أن لوبي المجمع الصناعي العسكري إذ لم يشأ توريط بلاده في حرب عالمية
ثالثة، فإنه لم يترك فسحة زمنية من نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى
يومنا هذا إلا وشغلها بحروب متصلة تبدأ من الحرب الكورية (1950-1953)،
مروراً بحروب فيتنام ولاوس وكمبوديا في ستينات وسبعينات القرن الماضي،
وصولاً إلى حروب الخليج الثلاث وحرب أفغانستان وليس انتهاءً بالحرب الجوية
القائمة حالياً، والتي تغطي مساحات واسعة من قارتي آسيا وإفريقيا، من
باكستان واليمن إلى الصومال في القرن الإفريقي والعراق حالياً .
يقول
الجنرال برتبة رائد في سلاح البحرية الأمريكي سميدلي بتلر (Smedley
Butler): “لقد خدمت في كل المهام التي أنيطت لي من رتبة ملازم ثاني إلى
رتبة جنرال . وخلال تلك الخدمة، أمضيت معظم وقتي في تسخير قوتي لخدمة
البيزنس الكبير، وأوساط حي وول ستريت المالي وكبار البنوك” . ومازالت نخب
“المؤسسة” تبشر الأمريكيين بأن حرب بلادهم على الإرهاب سوف تستمر لثلاثين
سنة أخرى مقبلة . وهذه النخب هي التي أبقت الولايات المتحدة ومعها وكيلتها
المحلية “إسرائيل” الدولتين الأيديولوجيتين الوحيدتين في العالم،
أيديولوجية المحافظة الجديدة (Neo-conservatism ideology) . في الولايات
المتحدة التي تتأسس عليها اتجاهات السياسة الخارجية، والأيديولوجية
الصهيونية (Zionism) في “إسرائيل”، وكلتا الإيديولوجيتين تقومان على مبدأ
التفوق (Superiority) . ولكي يتكرس هذا التفوق فإن واشنطن، بصرف النظر عمن
يسكن بيتها البيضاوي، تعمل بهدي من مبدئي زبغنيو بريجينسكي وبول وولفويتز
المتمثلين في تأمين الهيمنة على شعوب وبلدان منطقة أوراسيا، بما يشمل ذلك
العمل الاستراتيجي الحثيث على تفكيك روسيا إلى دويلات ترتبط بنظام فيدرالي
تكون دويلاته أقرب إلى الدول المستقلة منها إلى الائتلاف الفيدرالي .
والشيء نفسه يجب أن يُطبق على الصين بحسب رؤية بريجينسكي، وذلك للإبقاء على
التفوق الأمريكي العالمي في إطار استراتيجيته المسماة “إطار الأمن العابر
للقارات (Transcontinental Security Framework)” .
يقال إن الفرق بين
استراتيجية زبغنيو بريجينسكي واستراتيجية المحافظين الجدد تجاه روسيا
والصين، أن الأولى ترى امكانية احتوائهما ووضعهما تحت المظلة الإمبراطورية
الأمريكية باعتبارهما عنصرين مهمين يمكن الاستماع إلى أصواتهما دبلوماسياً،
في حين لا يرى المحافظون لهاتين الدولتين المنافستين أي مكان تحت شمس
إمبراطوريتهم، ولا مجال للتعامل معهما سوى باستخدام العصا العسكرية والضغط
المتواصل عبر الدعم المالي والسياسي لمنظمات المجتمع المدني النشطة على
أراضيهما، والاستعانة كذلك بالمنظمات الإرهابية للقيام بأعمال تخريب واشاعة
فوضى مدمرة داخلهما .



د . محمد الصياد – See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/81f684d3-b6cc-4a44-ba4d-698ba98b6d54#sthash.nVSV5vFf.dpuf

اقرأ المزيد

حاضنتا الإرهاب

في مقالة
نُشرت على هذه الصفحة من الصحيفة بتاريخ 7 يونيو/حزيران 2014 بترتيب مع
موقع “بروجكت سنديكيت”، لتوني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق
(1997-2007)، قارب بلير جوهر معضلة “الثورة الإرهابية العالمية”- إن جاز
التعبير- في بقاع مختلفة من العالم، وإن عمد بصورة مكشوفة لاستغلال هذه
المعضلة العالمية الجديدة، للترويج لمؤسسته ولمشاريعها في عدد من البلدان
الإفريقية، لاسيما أن المقال كرس على ما هو واضح للتعليق على جرائم بوكو
حرام في نيجيريا ومنها خطف أكثر من مئتي تلميذة من مدارسهن، وذلك برسم
تصدير المقال بعنوانه اللافت “إيديولوجية الخاطفين النيجيريين” .
ومع
ذلك فإن بلير قد أصاب كبد الحقيقة بملامسته الخاطفة للخلفية الإيديولوجية
ولمصدر نبتة الإرهاب، لولا أنه، كما هو حال الزعامات الغربية التي تقارب
موضوع الإرهاب بمواقف لفظية وفعلية في غاية اللبس والإثارة الاستفهامية،
لولا أنه كان رقيقاً – أو احتيالياً إن شئتم- في تعاطيه الوصفي والتوصيفي
للإرهاب الهمجي .
يقول بلير “يلعب الفقر وانعدام التنمية دورين كبيرين
في إيجاد الظروف التي تحتضن التطرف، ولكن الفقر وحده لا يفسر المشكلة” .
وفي مكان آخر من المقال يقول: “تستند هذه الإيديولوجية – يقصد إيديولوجية
الإرهاب – إلى نظرة مشوهة وزائفة للدين . وإن هذه النظرة يتم تدريسها داخل
أسوار المدارس الرسمية وغير الرسمية في مختلف أنحاء العالم” .
ويتابع في
مكان ثالث “في كل عام ينفق الغرب مليارات الدولارات على الأغراض الدفاعية
في مكافحة الإرهاب، بيد أن الشيء الذي نحاربه يجد رخصة للنمو في الأنظمة
التعليمية في العديد من البلدان التي نتعاون معها وحتى في بلداننا” .
في
تقديرنا، فإن توني بلير ربما يكون قد وضع يده على مكمن خلية تخليق
الإيديولوجية الإرهابية أو “التربة التي تمد فيها هذه النبتة السامة
جذورها”، بحسب تعبيره، وهي ذلكم النوع من التعليم الذي يُدار داخل أسوار
المدارس الرسمية وغير الرسمية في عديد البلدان . هذا صحيح، هنا تُزرع بذرة
غسل العقول بتغذيتها يومياً بأمصال كراهية الآخر المختلف وتكفيره واستحلال
دمه وماله وعرضه . وهذا ما يجعل التعليم، أو على الأقل هذا النوع “الخاص”
من التعليم، اليوم، قضية أمنية عالمية تستأهل، بل تستوجب، على ما يقترح
بلير، وضعها على أجندة اجتماع قمة مجموعة العشرين في دورته القادمة، من أجل
الخروج بما يلزم كافة دول العالم بتحمل مسؤولياتها في اعتماد التعليم
الحاض على التسامح الديني والإخاء والمساواة، وإلغاء المواد التعليمية
الحاضة على ذم الآخر وكراهيته من مقرراتها .
ولأن الشيء بالشيء يذكر،
فلعلنا نضيف إلى ملاحظة بلير الوجيهة حول الدور المحوري الذي تلعبه
الإيديولوجية الإقصائية المتجذرة في تلك المناهج التعليمية في إنتاج
الإرهاب – نضيف ملاحظة ثانية جديرة بالإثارة والتنويه، لا تقل أهمية عن
الدور التعبوي التحشيدي لايديولوجية إنكار الآخر وإهدار حقه في الحياة
توطئةً لإهدار دمه واستباحته همجياً، وتتمثل في أن قليلاً من التفرُّس
والتمعن في البيئات الأولى الحاضنة لهذه الإيديولوجية الإرهابية، سنجد أنها
متوطِّنة في البيئات القبلية والعشائرية بوجهيها البدوي والآخر البدوي
المدجن (ظرفياً . . تطورياً) .
ينطبق هذا على كافة الأصقاع والمعاقل
التي نشأ فيها هذا الفكر وترعرع وصولاً إلى مرحلته المليشياتية العسكرية
الحالية . . . في اليمن، كما في الصومال، كما في العراق، كما في أفغانستان،
كما في باكستان، كما في سيناء، كما في ليبيا، كما في الجزائر، كما في
النيجر، كما في مالي، كما في تشاد، كما في نيجيريا، وكما في الأمكنة الأخرى
. . سيجد المتفرس والمتمعن في هذه الظاهرة الإرهابية أن مرتعها الأساس هو
هذه البيئات الجاذبة .
الفقر والبؤس الذي يلف هذه المناطق، ليس هو
المغناطيس الوحيد الذي تتوافر عليه بوفرة بائنة، وإنما العصبية والعشائرية
المشدودة إلى تربتها القاسية بكل ما لازالت تختزنه من مكونات ثقافية تليدة
عصية على مصادقة الجديد والحديث والتآلف معه حتى ولو كان بحجم وثقل وضراوة
المستوى المتعولم لعلاقات الإنتاج لعالم القرن الحادي والعشرين .
بهذا
المعنى فإن مكافحة الإرهاب على جبهته الفكرية ربما كانت أكثر تعقيداً من
محاربته أمنياً . إذ تغدو مهمة تفكيك البنى الثقافية والوشائج القبلية
والعشائرية التي يحيط نفسه بها في غاية التعقيد في ضوء اجتماع عنصري
التعليم الديني المؤدلج والبيئة القبلية والعشائرية على توفير الحاضنة التي
يطلبها، ما لم يكن ذلك مؤسساً على قرار دولي حاسم مشمول برعاية ودعم
دوليين وذي هدف محدد على نحو الهدف الأسمى الخاص بخفض معدل الفقر في العالم
وما شاكله . – See more at:
http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/542aa0f3-4070-48f5-8ceb-317a88c7baec#sthash.rFRtBcZU.dpuf
اقرأ المزيد