المنشور

تضخم الجهاز الحكومي

اقترن توجيه رئاسة مجلس الوزراء بإعادة هيكلة الجهاز الحكومي بهدف الحد من تضخم الجهاز الحكومي وضمان رفع كفاءته وزيادة انتاجيته. هذه المحاور الثلاث الرئيسية لإعادة الهيكلة الحكومية جديرة بالتأمل (تضخم- رفع الكفاءة- زيادة الانتاجية)، وقد بيَن التوجيه بأن ذلك سيكون عبر تقليص عدد الوزارات والهيئات الحكومية بدمج الوزارات، وتقليل عدد الهيئات والمؤسسات وإلحاقها بالوزارات القائمة قدر الإمكان.

باعتقادي فإن إجراءات الدمج والتوجه لإلغاء بعض الوزارات والهيئات لا يحل المعضلة التي حاصر بها الجهاز الحكومي نفسه حيث أن المشكلة ليست في وجود الوزارة والهيئة، وإنما في ما تضمه هذه الوزارة أو الجهة الحكومية من مستشارين وكبار موظفين، ولسنا هنا في وارد للحديث عن أرزاق الناس ولكن تضخم الجهاز الحكومي عملية تراكمية ليست وليدة اليوم.

فبالدخول في أي مؤسسة حكومية ومجرد مقارنة بالنظر بين نسبة الموظفين الشباب من الموظفين ذوي الخبرة الطويلة يمكن التعرف على حجم الإشكالية التي باتت تضغط على صندوق التقاعد، الحفاظ على الموظف في مكانه الوظيفي لأطول فترة ممكنة أوفر من إحالته على التقاعد وصرف الكفاءة ومعاشه التقاعدي، وهذه نظرة خاطئة تماماً، وخيوطها تبدأ من سوء الطالع الاستثماري الذي يلازم صندوق التقاعد والذي على أثره يتردد بين فترة وأخرى مطلب رفع سن التقاعد.

 ولو كان صندوق التقاعد في حالة رخاء ويكون التوجه الحكومي بين فترة وأخرى بتشجيع الموظفين الذي أمضوا سنوات طويلة في الخدمة وحثهم على الاستفادة من مميزات التقاعد وإحلال الشباب حديثي التخرج بنسب معقولة تتناسب مع طبيعة العمل الحكومي والحفاظ على دورية هذا التدوير لما وصلنا إلى نقاش حول تضخم الجهاز الحكومي.

اقرأ المزيد

ثلاثية سياسات الدعم والأسعار والبطالة

سينصب حديثنا حول ثلاثة موضوعات رئيسية: توجهات الحكومة  خلال الفترة الماضية  بالنسبة لسياسات رفع الدعم عن السلع الأساسية مثل المحروقات وبعض السلع الغذائية، وعلاقة ذلك بمستويات الأسعار والتضخم وانعكاس ذلك على سلة الاستهلاك اليومية لشرائح مختلفة من المواطنين والمقيمين على حد سواء،  وصولا إلى ما سينشأ نتيجة لذلك من اختلالات قادمة بالنسبة للأوضاع المعيشية في البلاد وقد بدأت ملامحها في الظهور بالفعل، خاصة إذا ربطنا كل ذلك بجملة من الاشكالات الاقتصادية القائمة في بنية الاقتصاد الوطني.

وسنقارب ذلك، قدر الامكان، بكيفية تعاطي الجهات المعنية معها، مثل الحكومة والسلطة التشريعية على وجه الخصوص.  فالأرقام المعلنة تقول لنا إن البحرين تتجه بتسارع نحومزيد من الاستدانة، حيث من المتوقع ان يصل حجم الدين العام  مع نهاية العام الحالي الى 10 مليار دينار ( اي  اكثر من 26 مليار دولار)، وجميع المؤشرات تؤكد أن العجز في الموازنة العامة للدولة سيستمر بنفس الرتم الحالي على أحسن تقدير في حدود 800 مليون دينار عن كل سنة.

 علما أن تقديم الموازنة لمجلس النواب  قد تأخر حتى الآن  أكثر من أربعة  شهور، ومن الواضح هنا تردد الحكومة في تقديمها لمجلس النواب وذلك نتيجة لتعذر حسم مسألتين رئيستين على الأقل،  كما أعتقد، وهما السعر التقديري لبرميل النفط  خلال العامين القادمين حيث لازال النفط   يمثل أكثر من 89% من ايرادات الدولة،  وهذا مؤشر واضح على حجم الإرباك الرسمي تجاه كيفية معالجة الاختلالات القائمة من خلال الموازنة العامة للدولة، وكذلك  بسبب عدم حسم موعد وتسلسل فرض حزمة الإجراءات الضريبية القادمة  الينا بتسارع، وما الذي سيمكن تمريره منها خلال الفترة القريبة القادمة.

 ما نطمح أن نركز عليه هو  انعكاس جملة السياسات الأخيرة على الواقع المعيشي والاجتماعي للناس، فعندما نريد أن نناقش  مسألة رفع الدعم تقفز مباشرة للسطح مسائل أساسية، من بينها كيفية إدارة موارد الدولة وثرواتها وحقيقة الأرقام المعلنة والشفافية الغائبة بكل أسف ضمن ما نطمح اليه في دولة يجب أن يحكمها القانون وتديرها المؤسسات ولا ترتجل فيها القرارات المتعلقة بمعيشة ومستقبل الناس، بل ضمن شراكة حقيقية في صياغة القرار الاقتصادي والسياسي على حد سواء،  وهذه مسألة لازالت مؤجلة بل وغائبة، وتحضر فيها مسألة الرقابة والمحاسبة الحقيقية  وحجم الفساد والهدر في الموارد العامة، بما يوصلنا الى اقتصاد حقيقي يتمتع بكفاءة اقتصادية وانتاجية يمكن قياسها والبناء عليها وصولا لتنمية شامل وحقيقية لازالت بكل اسف شعارا بعيد المنال.

 والدليل أن جملة القرارات الأخيرة المتعلقة برفع الدعم عن السلع وزيادة الضرائب وتوقعات قرب فرض ضريبة القيمة المضافة العام القادم، وهي ستفرض في بعض الدول الخليجية نهاية العام الحالي، كثيراً ما خضعت وتخضع لردود أفعال شعبية رافضة، كدليل على فوقية تلك القرارات وغياب الشفافية في الأرقام، وهي بالتالي لا تحظى بتوافق مجتمعي حتى الآن وتسود مخاوف حقيقية بعد إعلان بعض دول الجوار إنتهاء عصر دولة الرفاه كما قالت الكويت الدولة الغنية مؤخرا.

 إن كفاءة وانتاجية أي إقتصاد هي إحدى ركائز وجود نمو اقتصادي حقيقي ورفاه مجتمعي، وتكمن غاية الكفاءة الاقتصادية أساسا في الوصول بالدرجة الأساس  لمؤشرات قياس جيدة من العدالة الاجتماعية تحقق نتيجة لها حالة مرجوة من الآمان الاجتماعي لمختلف الشرائح والفئات الاجتماعية وتقود في نهاية المطاف لاستقرار سياسي يفترض أن يكون هو طموح مشترك للجميع حكومة وشعبا… فهل نحن فعلا نسير في هذا الإتجاه؟

علينا القول إننا بهكذا أوضاع نسير فعلا عكس ذلك بكل تأكيد، ولن تنقذنا أو تنفعنا لغة الاعلام الرسمي والشعارات المرفوعة حول ذلك.

علينا أن نطرح مرئياتنا بكل وضوح متأملين أن تصل رسالتنا إلى أصحاب القرار فذلك جزء من رسالتنا ومسؤوليتنا الاجتماعية والسياسية تجاه هذا الوطن، فالطبقة الوسطى لدينا على سبيل المثال وهي الطبقة المفترض أن تكون الأكبر والمحرك الحقيقي للاقتصاد الوطني، وهي عنوان ومؤشر معتمد عالميا لازدهار المجتمع اقتصاديا واجتماعيا، أصبحت منذ فترة ليست بالقصيرة في حالة تراجع مخيف، رغم  غياب الأرقام الرسمية بل ومجافاتها للحقيقة أحيانا كثيرة، وهي ترتبط بأمور عديدة من بينها معدلات النمو الاقتصادي ومستوى الأجور وسياسات ونسب الاستثمار ومعدلات التوظيف ومعدلات البطالة الحقيقية والفقر في المجتمع.

 كيف يراد لنا أن نفهم واقع البطالة في البحرين عندما تقول لنا أرقام  وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إن معدل البطالة في حدود4% بينما نجدها لدى مجلس التنمية الاقتصادية الجهة المعنية بالتخطيط للاقتصاد الوطني هي في حدود 7.3% فمن نصدق وكيف نعالج قضية البطالة إذا كنا لا نعرف رقمها الحقيقي؟ ولا يحتاج المتابع أحيانا لأدوات استثنائية لرصد معالم هذه الظاهرة فسوق  العمل البحريني ونتيجة لهيكلة الاقتصاد الحالية أضحى ينتج فرص عمل بغزارة لكنها محصورة وبحسب أرقام وزارة العمل والاتحاد العام لعمال البحرين بالدرجة الأساسية في قطاع الانشاءات وبأجور متدنية جداً، وشروط عمل تجعل من الصعب استيعابها لجيش من العاطلين من أبناء وبنات البحرين، لذلك فهي فرص تذهب للعمالة الأجنبية بكل تأكيد وليستمر الخلل في ميزان سوق العمل لصالح الأجانب دون أن نلحظ توجهاً  جدياً لعلاج هذ الخلل البنيوي وما يترتب عليه من تداعيات خطيرة اجتماعية واقتصادية وحتى أمنية ايضا.

 وإذا علمنا  أن سياسات دعم السلع عادة ما ترتبط بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية والتي تحتم بدورها إيجاد حلول من قبل الدولة  للتعاطي مع المعضلات الاجتماعية كالفقر والبطالة مثلا، وهي كذلك مرتبطة أحيانا بمحدودية الموارد أو شحها وكيفية ادارتها علاوة على مدى فاعلية الهياكل الاقتصادية القائمة، لذلك نرى أن الدول المتقدمة اقتصاديا تلجأ باستمرار لسياسات دعم  تتسم بالمرونة والنظر في اعادة هيكلتها  بشكل سنوي أو دوري، وتحكمها منظومة تشريعات وقوانين منضبطة تراعي جوانب البيئة وحتى تغيير سلوكيات الاستهلاك ذاتها وتتميز في العادة بشفافية ومشاركة شعبية خاصة في فترات الانتخابات وبرامج المترشحين وجمعيات حماية المستهلكين، لذلك نجدها تستمد مشروعيتها من مطالب الناس في الحياة الكريمة وتحقق العدالة للجميع، وبالتالي تتعزز الثقة الشعبية  التي هي ضرورية لاسناد خطط الدولة لتحقيق شبكة أمان اجتماعي قوامها اقتصاد كفؤ ومنتج، ووجود رقابة ومساءلة حقيقية وعدالة اجتماعية وشفافية لا يرقى اليها الشك ، وهنا يحق لنا أن نتساءل هل علينا أن نحلم  قليلا بشيء من ذلك؟ أم هل علينا أن نقبل بالتخلي عن دولة الرفاه وبالتالي القبول بمراجعة  وربما التخلي مستقبلا عن مفهوم الدولة الريعية ذاته الذي يشكل جزءا مهما من منظومتنا التشريعية والاجتماعية حتى الآن؟ وما الذي علينا أن ننتظره بعد ذلك يا ترى؟

من المهم ونحن ندخل إلى  مساحة مراجعة منظومتنا الاجتماعية  والتشريعية وواقعنا الاقتصادي بشكل عام، فهي كفيلة بأن تجيبنا على سؤال كثيرا ما يطرح دون ان نوفيه حقه من الإجابة، وهو هل كان أمام الحكومة بدائل للتعاطي مع جملة الأوضاع المعيشية والاقتصادية القائمة؟  دعونا نلقي الضوء على بعض منها ولو بشكل عابر انطلاقا مما وعدتنا به رؤية البحرين 2030 منذ تدشينها في اكتوبر 2008 حتى اليوم ، فقد ذكر معالي نائب رئيس مجلس الوزراء الشيخ محمد بن مبارك  آل خليفة وهو يقدم الرؤية بمعية سمو ولي العهد إلى ملك البلاد ما يلي:

 “إن الرؤية تتمحور حول المواطن ويتمثل هدفها الرئيسي في زيادة دخل الأسرة الحقيقي إلى أكثر من الضعف بحلول العام 2030 وهذا يمثل ما سعينا الى تحقيقه  منذ البداية، مستوى معيشي أفضل لشعب البحرين نتيجة زيادة معدلات العمالة وارتفاع الأجور،  وقال ايضا ان من واجبنا  ان نهيء السبل والفرص  التي تضمن للمواطن الحصول على عمل محترم يمكنه من اعالة نفسه واسرته بكرامة وعزة، ويضيف ان الاعتماد  على مبدأ العدل يعني ان  الحكومة ملزمة بمعالجة المسائل القائمة والمتعلقة بكرامة المواطن البحريني وخاصة السكن الملائم  وايصال الدعم لمستحقيه من المواطنين، كما يجب على الحكومة ان توفر الاطار القانوني والنظامي الذي يضمن المعاملة العادلة لأصحاب الأعمال واستئصال الفساد والسعي الجاد للتطبيق العادل للقوانين”.

وقال أيضا في معرض تقديمه الرؤية لجلالة ملك البلاد:  “إن رؤيتنا تملي علينا كمملكة أن نطمح في الانتقال  من اقتصاد قائم على الثروة النفطية الى اقتصاد منتج قادر على المنافسة عالميا، ترسم الحكومة معالمه ويتولى القطاع الخاص الرائد عجلة تنميته بشكل يوسع الطبقة الوسطى من المواطنين البحرينيين، بحيث ينعمون  بمستويات معيشية عالية جراء  زيادة معدلات  الانتاجية والوظائف ذات الأجور العالية وسيعتمد مجتمعنا وحكومتنا مبادىء الاستدامة والتنافسية والعدالة لكي تتهيأ لكل مواطن بحريني السبل  التي تمكنه من تجسيد قدراته الكاملة وعيش حياة كريمة امنة”.

كذلك  فإن ارقام وزارة العمل الأخيرة تقول لنا بوضوح أن هناك اكثرمن 45000 أسرة  بحرينية لا تتجاوز رواتب  معيليها 300 دينار بحريني وهناك اكثر من 117 ألف اسرة بحرينية تعتمد على علاوة الغلاء، واكثر من 14 الف أسرة مسجلة لدى  وزارة الشؤون الاجتماعية وتعتمد على المساعدات الاجتماعية.

 هنا نحتاج أن نتوقف لنرى بموضوعية وبعد مرور أكثر من تسع سنوات على تدشين الرؤية، هل نحن نسير في تلك الاتجاهات التي طرحتها الرؤية وأين اخفقنا وأين اصبنا.  الملاحظة الأولى انه جرى التخلي رسميا عن البحرنة كتوجه واعتبرت انها سياسة معيقة وفاشلة، وهذا ما تابعناه من خلال تصريحات كبار المسؤلين ومن ضمنهم  كبار المسؤلين في مجلس التنمية الاقتصادية الذي ساهم بالجهد الأوفر من وضع تصور الرؤية، كما ان تنويع القاعدة الاقتصادية التي اعطيت الحكومة باعتقادي  كامل الحرية للمضي فيه منذ منتصف السبعينات وتحديدا منذ حل المجلس الوطني عام  1975 ودون اية اعاقات، وها هي أرقام ومعطيات الموازنة العامة للدولة  تقول إننا نسير عكس ذلك، والدليل استمرار الاعتماد المتزايد على النفط كمورد أساسي  على حساب تنويع القاعدة الاقتصادية، فالنفط بات يشكل كما أسلفنا 89% من ايرادات الدولة .  كذلك فان احصائيات وزارة العمل ومجلس التنمية الاقتصادية تقول ان غالبية الرواتب ذات الأجور المرتفعة تذهب للأجانب وهناك اكثر من95 % من  الوظائف التي يخلقها سوق العمل ذات الاجور العالية (الف دينار فما فوق) تذهب للاجانب ونصيب البحريني منها لا يتجاوز ال 5% فقط!!  كما أن اكثر من 70% من العمالة الاجنبية تتحصل  على تأمين صحي،  واكثر من 67%رمن الاجانب يحصلون على علاوات سفر ويحصل اكثر من 60% من الاجانب على بدل سكن، فيما  لازال معدل البطالة في صفوف البحرينيين  كما أسلفنا غير متفق عليه  حتى  الآن بين  وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ومجلس التنمية الاقتصادية.

 الشيء الثابت هنا أن تلك المؤشرات تجيبنا بوضوح حول الأسباب التي  صنفت  بسببها البحرين كأفضل بلد في العالم يحبذ الاجانب العيش فيه وذلك بحسب المسح الذي قام به (بنك اتش سي بي سي)  ونشر مؤخرا!!

يحق لنا أن نتساءل  هل لا زالت الحكومة متمسكة فعلا برؤية 2030 التي تطرح أركانها الثلاثة الاستدامة والتنافسية والعدالة مقومات لتحقيق تنمية  حقيقية وعدالة اجتماعية فيما لو تم الالتزام بها فعلا، ولكي لا تصبح مجرد حبرا على ورق، فأين نحن من سياسات عدالة توزيع الثروة عندما يتم التخلي عن اهم اركانها وهو جعل البحريني  هو الخيار الأفضل ومحور سياسات التنمية واصلاحات سوق العمل. كذلك هو الحال مع سياسات تنويع القاعدة الاقتصادية التي بشرنا بها منذ عقود وجاءت الرؤية لتطرحها مجددا، فهل يكفي ان يخرج علينا وزير الصناعة والتجارة أو رئيس البنك المركزي  ليقال لنا  أن سقف الدين العام لازال عند الحدود المقبولة وإننا نسير على طريق التنوع الاقتصادي بل وفي مقدمة دول المنطقة ؟! في الوقت الذي نتابع بمرارة خصخصة المشاريع وبيع أصول الدولة دون توقف، وتراجع السياحة  والمشاريع الصناعية في حين يستمر اعتمادنا المزمن على سلعة واحدة ووحيدة هي النفط.

 ثم أن علينا ان نذكر ان على الدولة التزامات دستورية وقانونية وادبية تجاه مواطنيها وفي مقدمتها توفير العيش الكريم والتعليم والصحة والسكن اللائق وبقية الخدمات الأساسية، وهذه جميعها تتطلب ميزانيات ضخمة وموارد مالية مستدامة، علاوة على توفير شبكة الأمان الاجتماعي لفئات المتقاعدين  والفئات الضعيفة الأخرى من المجتمع.. فهل  يكمن الحل في مزيد من الاستدانة التي هي اصلا متضخمة؟! وللعلم فان الدول  المتقدمة اقتصاديا لا تستدين لمجرد تغطية عجوزاتها ودفع الرواتب وإنما لتنمية اقتصادها وخلق استثمارات جديدة وبالتالي خلق فرص عمل.

نقول كل ذلك وبهذا الوضوح لأننا نعتبر انفسنا شركاء في الهم الوطني العام نحن والحكومة وان المسؤلية تحتم علينا الارشاد الى مكامن الخلل والمخاطر المحدقة، الأمر الذي يدفعنا للقول ان استمرار تجاهل الصوت الشعبي لن تساعد ابدا في خلق اجواء من الثقة المطلوبة للتعاطي مع المشكلات والأزمات القائمة، فمثلا لماذا يتم التجاوز الرسمي كثيرا للمطالب الشعبية حول ضرورة اعادة هيكلة سياسات الدعم وتحيد الفئات المحتاجة لها بدلا من الغاؤها بالكامل، ولماذا يتم الشروع في سياسات ضريبية دون حوار اجتماعي حقيقي من شأنه ان يضمن خلق حالة من التفاهم ويعزز عوامل الثقة بين صناع القرار ومؤسسات المجتمع وفعالياته؟! ولماذا يتم التساهل مع الغاء سياسات البحرنة؟!

أليس في ذلك دعوة لمزيد من إفقار الناس وزيادة أعباء الدولة نتيجة تراجع الطبقة الوسطى التي هي عصب رئيس لنجاح مجمل السياسات الاقتصادية؟!  كذلك فإن  سياسة ردات الفعل في التعامل مع التوجهات الاقتصادية لا تستند على خطط واضحة أو حتى مزمنة، وبالتالي هي غير مرشحة البتة  لأن تبني اقتصاداً حقيقيا  قابلاً للاستدامة والنمو، وإن الاعتماد المستمر على النفط هو أحد اسباب تراجعنا الاقتصادي وعلينا الخروج من دائرة المراوحة والاعتماد على هذه السلعة الناضبة في ظل وجود بدائل حقيقية قادمة بقوة ونحن لا زلنا بعيدين عن مجرد التفكير فيها، كما أن زمن المساعدات الخارجية أصبح جزءاً من الماضي فالجميع مشغول بمعالجة أوضاعه الاقتصادية والسياسية في ظل الأزمات الكثيرة التي تمر بها المنطقة والتي وإن سمح لها بالتوقف فإن تداعياتها ستستمر لسنوات طوال بكل أسف، لذلك فاننا يجب ان نركز بشكل جاد على اوضاعنا المحلية اقتصاديا وسياسا واجتماعيا بدلا من السقوط دون ان نشعر في زحمة الاستقطابات الجارية في المنطقة حيث ان لذلك تبعات عديدة تطال بشكل مباشر مقدراتنا وثرواتنا وحتى سيادتنا الوطنية.

 وليس مقبولاً أن تستمر رؤية 2030 هي مجرد تجميل لواقع مليء بالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فلا بد من أن تكون الرؤية استشرافا حقيقيا للمستقبل وإدارة واعية للحاضر ضمن مسؤولية وشراكة وطنية حتى نضمن جميعنا نجاحها.

اقرأ المزيد

التفاوض

التفاوض هوعلم وفن وسلوك انساني راقي في أخذ القرارات الإدارية، أو في حل الخلافات بديلا عن الاستبداد أو المواجهات بين أصحاب المصلحة. عملية التفاوض تتم على شكل نقاش، فهي قد تتم بين الأفراد في مجالات عديدة مثل البيع والشراء أو في حل مشالكهم الشخصية أو الأسرية، أو تتم بين أرباب العمل والعمال والموظفين حول مصالحهم المشتركة، أو بين القوى السياسية حول تنسيق المواقف، أو بين قوى المعارضة والحكومة، أو بين الدول حول قضايا التنسيق في المواقف وعقد التحالفات الاستراتيجية، أو التفاوض على قضية قد تكون مصدراً للخلاف وتوتر في العلاقات، وسبباً مباشراً للنزاع السياسي الذي قد يصل إلى المواجهة العسكرية، أويتصاعد إلى خلاف قانوني، الذي على إثره يلجأ الطرفان إلى التقاضي أمام المحاكم الاقليمية أو قد يصل إلى التقاضي أمام المحاكم الدولية، كمثل الخلاف على الجزر أوعلى الحدود بين الدول.

ونظراً لأهمية عملية التفاوض وضرورتها في أخذ القرارات الناجعة، فقد أصبح التفاوض مهنة حرفية، ذات تقنيات ومهارات عالية، يكتسبها الفرد عبر الدراسات الاكاديمية، والخبرة العملية، والدورات التدريبية المتقدمة التي يحضرها المختصون في التفاوض. فقد عمدت معظم الجامعات حديثا إلى إنشاء قسم به أعضاء هيئة تدريس متخصصة، وإجراء البحوث والدراسات وورش التدريب في اساليب التفاوض. كما أولت المعاهد الفنية المتقدمة في العصرالحديث، إلى إنشاء أقسام متخصصة في الدراسات والتقنيات في مجال المفاوضات. وعمدت البنوك والشركات التجارية والاستثمارية وشركات التأمين، إلى توجيه جل عنايتها لمسألة التفاوض، وتدريب موظفيها من خلال الورش والدورات المتقدمة، أو توظيف افراد مختصين في قضايا التفاوض. كما ظهرت في أسواق الخدمات المالية العالمية شركات متخصصة في تقديم الاستشارات في شئون التفاوض، سواء في تطبيق التفاوض في مجال أخذ القرارات الإدارية لتصبح أكثر تسطحا لتوسيع سلسلة سلطة أخذ القرارات، لتسريع انسياب العمل وزيادة الإنتاجية والكفاءة والإبتكار وتحيق الجودة، بديلاً عن العمودية في أخذ القرارات من الأعلى إلى الأسفل، بطريقة إملاء الأوامر، وذلك من أجل أن تصبح بيئة العمل أكثر ديمقراطية.

كما يستخدم التفاوض في إجراء عقد الصفقات أو في حل المسائل المختلف عليها وحل النزاعات على مستوى المؤسسات، وهذا النوع من التفاوض يهدف إلى إنهاء الخلاف عبر التوصل إلى حل تقبل به اطراف النزاع حول مشكلة معينة.

           والتفاوض يوظف ايضا  في كثيرمن الأحوال بين الأطراف التي ترغب في إقامة شراكة استراتيجية سواء كان بين المستثمرين الأفراد أو بين الشركات أو بين الدول في المجالات الاقتصادية والتجارية والسياسية والثقافية. والهدف من هذا النوع من التفاوض هو الوصول إلى اتفاق يسعى إلى التعاون الذي يعزز المصالح المشتركة. أما اذا كان التفاوض يهدف مثلاً في حل الخلافات المعقدة مثل الخلاف على قضايا الحدود بين الدول وهي مفاوضات شاقة، فإن الغرض هنا من التفاوض هو انهاء الخلاف عبر التوصل إلى حل عقلاني يلبي مصالح اطراف النزاع. إذ لا يمكن إزالة النزاع أو التنكر له وإنما تغييره.

 ويقصد هنا تغيير الطريقة التي تتعامل فيها الأطراف بشأن الخلافات بحيث يتم اعتراف كل طرف بمصالح الطرف الأخر. أي بدلاً من الخصام المدمر، هو التوصل عبر التفاوض إلى حلول واقعية للمشكلات بين الطرفين على طاولة المفاوضات. وهي مهمة صعبة لكنها ضرورية لإستمرارية الحياة في فضاء من التفاهم و السلم والنماء.

اقرأ المزيد

قوى التيار الوطني الديمقراطي في البحرين تطالب المجتمع الدولي بضرورة الوقوف بمسؤولية إلى جانب الحق الفلسطيني في الكرامة والحرية والاستقلال الوطني

في ذكرى يوم الأسير الفلسطيني الذي يصادف السابع عشر من شهر أبريل/ نيسان الجاري، يخوض آلاف الأسرى من أبناء شعبنا الفلسطيني في سجون الاحتلال الصهيوني إضراباً مفتوحاً عن الطعام، سبقه بيوم واحد تقديم عريضة بمطالب الأسرى في سجون دولة الاحتلال.

تأتي هذه الخطوة تعبيراً عن حجم المعاناة والانتهاكات الحاطة بالكرامة والمعاملة غير الإنسانية التي يتعرض لها الأسرى في سجون الاحتلال وخذلان المجتمع الدولي، وهي دعوة تتطلب بدورها وحدة الأسرى من مختلف الفصائل، كما تتطلب ظروف ومتطلبات هذه المعركة الإنسانية ضرورة وحدة وتلاحم كافة الفصائل الفلسطينية في إسناد وإنجاح الإضراب، لتحقيق أهدافه المشروعة، وبما يحفظ حقوق وكرامة الأسرى المشروعة التي كفلها القانون الدولي لحقوق الإنسان، ويفضح تجاوزات وممارسات سلطات الاحتلال تجاه الحق الفلسطيني المغتصب.

إن إصرار أسرانا في سجون الاحتلال الصهيوني على الاستمرار في لفت أنظار العالم لقضيتهم العادلة، والتي تتجلى ذروتها في ذكرى يوم الأسير الفلسطيني، الذي أقره المجلس الوطني الفلسطيني باعتباره السلطة العليا في منظمة التحرير الفلسطينية منذ العام  1974 إن ما هي ذكرى تستحث فينا جميعاً قوى وفصائل وأحزاب وكتل سياسية وطنية وديمقراطية وتقدمية، عربية وعالمية، ضرورة شحذ الهمم والوقوف بصلابة إلى جانب الحق الفلسطيني، على الرغم مما يمر به وطننا العربي ومنطقتنا بأسرها من حروب وفتن وتدخلات، ويزيدها سوءاً تراجع وخذلان الأنظمة عن نصرة الحق الفلسطيني العادل والمشروع.

وبهذه المناسبة فإن قوى التيار الوطني الديمقراطي في البحرين ومعها شرائح واسعة من أبناء شعبنا الذي عرف بوقوفه المستمر إلى جانب الحق الفلسطيني، إذ يعبّرون عن كامل مساندتهم لقضية ومطالب الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال ومن أجل الحرية والكرامة، مطالبين المجتمع الدولي بموقف إنساني صادق ومسؤول إلى جانب المطالب الفلسطينية العادلة، حيث يواجه شعبنا الفلسطيني أقسى درجات القهر والانتهاكات المستمرة والحصار والحرمان وسياسات التجويع على أيدي العصابات الصهيونية المحتلة لأرضه، وما معركة الأمعاء الخاوية التي يخوضها الأسرى في سجون الاحتلال ابتداءً من اليوم، إلّا تعبير عن حجم المعاناة المستمرة للفلسطينيين الذين يخوضون نضالًا وطنياً مشروعاً منذ أكثر من ستة عقود مضت، دفاعاً عن أرضهم واستقلالهم الوطني وعدالة قضيتهم، في وجه الصمت والتخاذل الدولي، ومن أجل الحرية والكرامة وإنجاز دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

عاش نضال شعبنا الفلسطيني

الحرية للأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني

قوى التيار الوطني الديمقراطي

جمعية المنبر التقدمي

جمعية العمل الوطني الديمقراطي “وعد”

جمعية التجمع القومي الديمقراطي

17 أبريل/ نيسان 2017

 

اقرأ المزيد

“كلمات” سارتر

يخيب ظن القارئ بشكل كبير عندما يقرأ بداية سيرة جان بول سارتر الشخصية ليكتشف أنه كتاب يهاجم الكتاب ويزدري مهنة الكاتب بحد ذاتها. هو الذي أصر على أن يصبح كاتباً منذ صغره، يشيخ ليعلن عدم جدوى الرواية، ويشكك في إمكانية الأدب على التغيير ليخبرنا فيما بعد أنه قرر ترك الكتابة للتركيز على العمل السياسي: “ماذا يستطيع الأدب فعله؟ هل كنت أعرف أن بعض الكتاّب كادوا يموتون من الجوع؟ وأن بعضاً آخر، من أجل الحصول على شيء من الطعام، باعوا أنفسهم؟ إن كنت أريد الاحتفاظ باستقلاليتي، يجب عليّ أن أختار مهنة أخرى”.

 هكذا اختار سارتر أن يضع قلمه على الطاولة ويستبدل الكلمات بالأفعال.

لكن ماذا عن إنتاجه الأدبي والفلسفي؟ ما الذي دفع سارتر لأخذ هذا الموقف من الكتابة؟

البعض يزعم بأن جان بول مرَّ بموجة صادمة سببها قرب ساعة الوالدة، ومن  ثم موت واختفاء أصدقائه الفلاسفة كألبرت كامو و موريس ميرلو بونتي. كل هذه الأحداث دفعت سارتر إلى التفكير ملياً في التغيير الذي أحدثه عبر فلسفته الوجودية ورواياته  كالغثيان، والحائط وطريق الحرية. لمساعدة عقله على استيعاب ما حصل و كيف أصبح على ما هو عليه، يرجع  سارتر إلى طفولته ليحكي لنا عن أول علاقة أنشأها مع الكتاب.

يروي لنا في بداية “الكلمات” عن انتماء عائلته لنخبة فكرية راقية، يملك كل فرد فيها كنزاً من الكتب و الأفكار. يسعى سارتر الطفل ، أو “بولو” كما كان يسميه جده إلى تعلم القراءة من أجل منافسة والدته التي كان يغار عندما تهمله من أجل إنهاء كتاب. يأتي يوم يلتقط فيه سارتر رواية “محن صيني في الصين” التي لم تكن لراوٍ آخر غير الفرنسي جول فيرن، فيحاول سارتر التركيز على الكلمات المتلاصقة التي لم تشكل بالنسبة له غير خطٍ أسود، و لكن يزعم في الوقت ذاته قدرته على القراءة أمام أفراد أسرته. تلاحظ الأسرة فضول سارتر فتقرر تعليمه القراءة، تبدأ الحصص و لكن سارتر لا يكتفي بذلك : “وصلت الى مرحلة أدرس نفسي بنفسي”. يروي لنا سارتر فيما بعد مشاعره الفرحة عندما تعلم القراءة: “لم أحفر في التراب كباقي الأطفال، لم أبحث عن أعشاش الطيور لأقذف الأحجار على ساكنيها لأن الكتب كانت طيوري و أعشاشي، كانت ريفي الخاص،  كانت المكتبة عالم في مرآة وكنت أرى فيها اللانهائي و اللامتوقع”.

عندما أنهى سارتر سرد قصته مع القراءة، وجه قلمه لاستذكار قصته مع الكتابة  ليعرف من أين ورد قرار: “أريد أن أصبح كاتباً” . في هذا الفصل، يروي  الكاتب مواقفه مع الجد الذي اهتم بتعليمه أسس الكتابة عندما لاحظ بأن حفيده ينتحل الآراء و يسرق كتابات الغير من أجل واجباته المدرسية. سارتر أقبل بعدها على الكتابة بكثافة غير متوقعة،  ليقرر الجد المتسلط السيطرة على زمام مهنة سارتر المستقبلية، التي لا تجب أن تكون الكتابة، يا للمفاجأة! و إنما التدريس، لإيقانه بأن الكتابة لا توفر خبزاً.  كان من وجهة نظر الجد، أنه  يجب على سارتر أن يصبح مدرس أدب فرنسي وأن يكتب في جريدة الأحد إن أحبب. كبر سارتر ليصبح كاتباً ويحمي نفسه مما أراد الآخرين  أن يصبح: “لم أختر إسمي وشخصي، كل هذا كان في يد الكبار؛ تعلمت رؤية نفسي من خلال أعينهم، كنت طفلاً، كنت وحشاً ناتجاً عما لم يستطيعوا انجازه”.

لا نعجب إذاً إن وجدنا الفلسفة الوجودية تجتاح كيان سارتر في مرحلة يستوعب فيها تسلط الأسرة على قراراته، فيستنتج فعلاً أننا نتاج ما أراد الآخرين أن نصبحه. هذا بالضبط ما دفع سارتر للتمرد على سلطة الجد باختيار مهنة الكتابة حتى أصبحت سلاحاً و جزءاً منه: “اتخذت القلم سلاحاً منذ وقت طويل. الآن فقط بت أعرف نقطة ضعفنا، أنا والقلم. في الحقيقة، لا يهم كل ذلك… سأكتب، الكتابة نافعة في كل الأحوال. الثقافة قد لا تنقذ أحداً وقد لا تجد الحلول العالمية، لكنها إنتاج الكائن البشري، من خلالها يتعرف المرء على نفسه ويجدها.

 وحدها الثقافة، تلك المرآة النقدية التي تستطيع إعطاءنا صورة لذواتنا”. يستنتج سارتر وهو يكتب  بأن الكلمات ليست مذكرات تعلن نهاية علاقته مع الكتاب وإنما تأكيد بأن حياته ستنتهي مع الكتاب: “بدأت حياتي مثل ما سأنهيها بالتأكيد: بين أوساط الكتب و الكتابة”

اقرأ المزيد

عندما نلتزم بالإصلاح الإداري

إذا كانت الإدارة الحديثة – كما يرى خبراء الإدارة أسلوب يعتمد على بشكل اساسي على الموارد بشقيها البشرية والمادية، وتوجيهها وتنظيمها وفقاً لهيكليات ديناميكية تحقق الأهداف المرجوة بالشكل المطلوب في ظل التوظيف لأفضل لتلك الموارد، فإن الإصلاح الإداري كعملية إدارية تقوم على تحليل المشاكل الناشئة من المهام التي يجب ان تتمتع بصلاحيات واسعة، لان الإصلاح في رأي الدكتور حسين الشامي هو تطهير الشيء من الشوائب وإزالة افساده او عيبه او انحرافه، هو أعادة تكوين من جديد لأبعاد الخلل للحصول على أفضل الأشياء وعلى هذا الأساس هناك – ومن وجهة نظر لونغرود – من يحاول ان يعرف الإصلاح الإداري كمنهج سياسي مستمر موجه إلى ضبط العلاقات القائمة بين الإدارة والمجتمع…وهناك من يرى ان الإصلاح الإداري ليس غاية في ذاته وليس عملية معزولة عن محيطها أنما هو عملية مندمجة في المنهج العام للتغيير، حيث يجب ان يطال زوايا الجهاز الإداري وهيكليته وجميع تقسيماته دون استثناء.

يعرف الشامي الإصلاح الإداري بأنه عملية تكييف دائمة ومستمرة للبنى الإدارية ومهامها، مع مهام الدولة وهو مواكبة دائمة لروح التجديد والتحديث التي يتطلبها المجتمع، بأفضل الطرق والأساليب العقلانية لتحقيق الأهداف القائمة على اشباع حاجات المواطنين بأكبر قدر من الفعالية والكفاية.

مناسبة هذه المقدمة، ثمة تقدم ملحوظ في المؤشرات النوعية التي تحدد الكفاءة في استخدامنا للقوى العاملة والموارد المادية، والأكثر من ذلك كان هناك ما يدل على تطور الإدارة العامة في القطاعين الحكومي والخاص، وتحديداً المؤسسات الكبيرة ومع ذلك نظل بين الفينة والأخرى في امس الحاجة للإصلاح الإداري.

ويرتبط ذلك – في رأيه بمستجدات التحديث الإداري لتحقيق كفاية ادارية عالية، كما يجب ان تنصب الأهداف والاستراتيجيات على معالجة الخلل والانحراف ومكافحة الفساد والتسيب والرشوة، والأهم لقد اجمع علماء الإدارة على ان العنصر البشري أي الموظف هو عصب الجهاز الإداري وان كل مؤسسة عامة وخاصة تساوي ما يساوي الأشخاص العاملون فيها والإدارة المثالية هي تلك التي لا تضم في جميع مستوياتها إلا الأشخاص القادرين والنزيهين والمخلصين لمهامهم.

اذا كان كما يشير الباحث من الناحية الاكاديمية يعتبر الإصلاح الإداري عملاً تنظيمياً يتطلب إعادة نظر دائمة في الهيكل الإداري والنصوص القانونية والتنظيمية ووسائل العمل واساليبه وتفعيل الرقابة فان الإصلاح في الدولة وحدة متكاملة تشمل مختلف أوجه النشاط فيها فلا قيمة لأي اصلاح إداري، مالم يرافقه في نفس الوقت اصلاح سياسي واجتماعي.

ويعني ذلك ان اية محاولة لإصلاح الإدارة بمعزل عن اصلاح الأوضاع الأخرى سيكون مآلها الإخفاق ومن أجل ذلك لابد من تحقيق الإصلاح في مختلف المجالات وتهيئة القوى الوطنية لإنجازه.

صحيح أننا لا نقل من أهمية الرقابة السياسية والإدارية والقضائية، وهو ما انعكس على تطور الإدارة الحديثة، إلا ان بالإضافة إلى أهمية الرقابة والشفافية فان التصدي للمشكلات الإدارية يتطلب مسؤولية وطنية حريصة على إيجاد الحلول لكافة القضايا، إدارية كانت أم سياسية واقتصادية واجتماعية وتنموية.

وممكن القول ان بلادنا كفيرها من الدول النامية كلما اتسعت الحقوق على قاعدة المساواة والعدالة والديمقراطية كلما تحققت الأهداف والآمال الوطنية التي تهم الدولة والمجتمع ومصالح الوطن والمواطن الذي ينشد حياة أفضل وطالما الحديث عن الإصلاح الإداري الذي يتطلب تفعيل الرقابة تبرز الحاجة إلى إزاله وإلغاء البنى الإدارية القديمة التي ترفض التغيير والتحديث، واننا لا نستطيع محاربة المحسوبية والجمود واستغلال النقود وتحقيق مبدأ الجدارة والاستحقاق في تولي المناصب ومبدأ التأهيل والتدريب ما لم نربط الإصلاح بالتنمية الشاملة ونكافح الفساد الإداري وكل انحرافات تعطل عملية التغيير، أذ لا يمكن ان ينهض العمل الإداري في كلا القطاعين الحكومي والخاص دون حل المشكلات بين الإدارة والمواطنين، وتحسين الآلة الإدارية وممارسة الرقابة والمحاسبة دون محاباة وتستر او مؤثرات تفرضها العلاقات الخاصة القائمة على المصالح المتبادلة وهو ما يحدث في حالات عديدة تخص التعين والتوظيف والتقييم الوظيفي!!

وفي هذا الخصوص من المهم للغاية التأكيد على مبدأ تكافؤ الفرص الذي لا يقتصر على مجال دون آخر فهو كما يعرف: “أحد الوسائل التي تساعد على تحقيق العدالة وتقليل الهوة بين أطياف المجتمع” وقد سعت العديد من المنظمات العالمية ومنظمات حقوق الانسان إلى ان تسجل تكافؤ الفرص كأحد الحقوق الأساسية من حقوق الانسان.

يرى ان أهمية هذا المبدأ يتيح لأفراد المجتمع توفير فرص عمل متكافئة ويزيد من إنتاجية العمل، ويبرز المواهب والابداع ويقلل من الخلافات والنزاعات التي تنتج عن غياب العدالة والمساواة والشعور بفقدان الحقوق!!

ويعتبر مبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب مؤشراً هاماً لتزايد فرص نجاح أي دولة او منظمة او مؤسسة خاصة، واما عكس ذلك فانه يعد من اهم أسباب الفساد الإداري والمالي وفشل النظام الاقتصادي!!

ولترسيخ هذا المبدأ لا يتطلب الكفاءة والنزاهة والإخلاص في العمل والأمانة والخبرة والتحصيل العلمي فحسب وانما ايضاً الولاء الحقيقي للوطن، وترسيخ حقوق المواطنة المتساوية وسيادة القانون والعدالة بين مكونات الشعب المختلفة والالتزام بالواجبات واما عدا ذلك فان الإصلاح الإداري وغيره من الإصلاحات قد تتعثر وتمضي في طريق مسدود!!

اقرأ المزيد

“فن الحرب” هو ألا تكون هناك حرب

كتاب صدر في القرن السادس قبل الميلاد

“فن الحرب” هو ألا تكون هناك حرب

يقول زهير بن ابي سلمى في معلقته الشهيرة “وما الحرب الا ما علمت وذقتم وما هو عنها بالحديث المرجم”. المفكر فرانسو فينلون يقارب الحرب من زاوية اخرى : “كل الحروب هي حروب أهلية لأن جميع البشر أخوة” واعترف أوباما قبل توقيع الاتفاق النووي مع ايران قبل عامين قائلا “لقد جربنا كل شي مع ايران، وبتنا أمام خيارين، اما الحرب واما الاتفاق، وقد اخترنا الاتفاق” .

 أما سن تزو خبير الاستراتيجية العسكرية فيقول: الحرب خدعة.

عن تزو أريد أن أتحدث في هذا المقال وعن كتابه الشهير “فن الحرب”،  الكتاب الذي كتب في القرن السادس قبل الميلاد والذي لا يزال صالحاً لزماننا رغم مئات الكتب التي صدرت بعده، والسؤال هو: هل تنطوي الحرب على أي نوع من أنواع الفن؟  هل الموت والدمار والعذاب والتدمير يعد فنا؟

 حسب تزو فإن قمة فن الحرب تتمثل في تجنب الحرب من الأساس والوصول الى التسويات بدونها، واخضاع العدو بدون قتال بالخدعة والحيلة والمناورة والدبلوماسية، لكن إن لم يكن ثمة مفر من الحرب فيجب ان تخاض بذكاء ومباغتة وفن وأن تكون خاطفة وحاسمة وسريعة ومختصرة لتخفيف الألآم والخسائر البشرية وتكبيد العدو أيضا أقل الخسائر الممكنة.

 يقول تزو إن استلام البلد المهزومة سالمة افضل من تدميرها، وأسر جيش العدو أفضل من تدميره، ومنح العدو منفذا للخروج أو الهرب وحفظ ماء وجهه أفضل من تحطيمه كاملاً لتفادي طغيانه وخطورته وانتقامه، وقبل الحرب يجب الالمام التام بقوة الخصم وبالأرض والتضاريس والتوقيت والظروف المناخية والسياسية والعمل على ضرب نقاط ضعف العدو واستراتيجياته وتمزيق جبهته الداخلية، لذا من الضروري ضمان وحدة الجبهة الداخلية والقيم الجامعة لها ومكافأة الجنود واغراءهم وترغيبهم، والاشتغال في الوقت ذاته على خلق الجواسيس والحرب النفسية والشائعات وحرب الاعلام في صفوف العدو، تزو يرى أن الحرب يجب ان تسبقها ليس فقط معرفة خصمك فحسب ولكن المعرفة التامة بقدراتك وبأهدافك وقيمك .

 إن الاسقاطات والتطبيقات على كتاب سن تزو تكاد لا تعد ولا تحصى، حيث تبدأ الحرب بمعادلة وتنتهي بأخرى مغايرة، وكلما طال امدها عصف التغيير بعناصرها وأهدافها، فترى اعداء الامس يتحالفون مع بعضهم واصدقاء الماضي يختلفون ويفترقون، واسوأ الحروب تلك التي تخاض بلا مشروع ولا هدف، فحين يختل التوازن القديم تنشأ مناخات ومعادلات جديدة قد تقود الى تحالفات بين أعداء وحلفاء الامس، ثم قد يترتب على ذلك نشوء صراعات وحروب جديدة ايضا وحرب تلد أخرى، وهنا يجدر بنا العودة الى مقولة تسوو حول الهدف الأساس من الحرب وضرورة تجنبها قدر الإمكان، وحول مدى تطابق القيم والقواسم المشتركة بين الحلفاء، وهل الحلفاء على قلب واحد، وهل ثمة اتفاق على عدو واحد ووحدة هدف واحدة ؟

تكمن قيمة كتاب فن الحرب في أنه لم يعد مرجعا حربيا وعسكريا وسياسيا او دفاعيا ودبلوماسيا فحسب، ولكنه بات يستخدم على نطاق واسع في استراتيجيات الإدارة والتطوير الذاتي وتنمية القدرات البشرية، وفي العمل التنافسي التجاري والاعلامي والدعائي والتسويقي وفي الحرب النفسية وغيره من المجالات، فنحن نخوض الحروب والصراعات كل يوم مع أنفسنا ومع الآخر، وتخوض الدول والمؤسسات والشركات الحروب التجارية لتمكين ذاتها ورفع مستوى انتاجيتها وربحيتها وتقليل خسائرها واصلاح اخطاءها وتلمس نقاط ضعفها وجذب الاستثمارات اليها وكسب مزيد من العملاء وسط اجواء تنافس كبيرة وشرسة .

 إن ولوج الحروب والمنافسات يقتضي أن تسن المؤسسة أو الشركة أو الدولة لنفسها رؤية واستراتيجية ومخطط عمل لانجاز اهداف محددة وواضحة، واي أمة أو فرد يعيش بلا هدف محتم عليه أن يخوض الصعاب يوما وان يكون عرضة لكل التقلبات والتغيرات المستقبلية المتوقعة وغير المتوقعة، كما ان الهدف الذي لا يتضمن سموا ونبلاً وشمولاً وأبعاداً إنسانية وأخلاقية مصيره التلاشي والسقوط، ان فن الحرب مع النفس هو ان يعيش الانسان بطاقة ايجابية عبر السيطرة على النفس واهوائها والانتصار عليها، منتاغما مع الذات المسالمة والطبيعة الخيَرة والفطرة السوية عبرموائمة النفس بالمبادئ والاخلاق والقيم الانسانية.

قد يتساءل المرء:  لماذا تنهزم هذه الدولة أو تتراجع وتنهار تلك الشركة أو يعجز فرد أو أمة عن تحقيق أحلامه، هذه الأسئلة نجد لها جواباً في هذا الكتاب المهم الذي تقام حول مبادئه وتطبيقاته اليوم العديد من الندوات وورش العمل العديدة.

إن الأمم التي هي بلا مشروع ولا تجمعها قيم واحدة، وتعجز عن مواكبة التوجهات العالمية وتخفق في تحقيق الرضا الداخلي والتجانس والسلام بين مكوناتها، وتفتقر إلى العتاد والمهارات وأدوات العصر الحديثة في التعليم والاقتصاد والتكنولوجيا والسياسة وفي الحكم وفي ادارة الدولة وفي تطبيق العدالة والمساواة وحكم القانون العادل، هي أمم منذوره للمشاكل والأزمات.

لقد تغيرت الحياة منذ وضع تزو كتابه وظهرت مفاهيم جديدة وشهدنا عصراً مختلفا يقوم على القوة الباطشة وبسط النفوذ وسحق الضعفاء وتحطيم المنافسين: “أنا ومن بعدي الطوفان”، وتدمير الطبيعة وسيطرة الرأسمالية المتوحشة التي هي بلا قلب ولا رحمة ولا أخلاق ولا إنسانية، لكن حتى أعتى دعاة الرأسمالية يقرون ويعترفون بحتمية ، فإن لم تتغير هذه المنظومة التي تحكم العالم فسوف ندمر أنفسنا وندمر معنا هذا الكوكب الذي نعيش فيه في سلسلة حروب لا تبقي ولا تذر .

اقرأ المزيد

ازدواجية السياسات الأمريكية من حقوق الانسان

في العام 2004 تلقيت دعوة لزيارة الولايات المتحدة في إطار برنامج قيادة للزائر الدولي من الشرق الأدنى وشمال افريقيا، وهو برنامج معد من قبل أكاديمية التنمية التعليمية وبرعاية مكتب الشئون التعليمية والثقافية بوزارة الخارجية الامريكية.

بدأ البرنامج في الاول من يونيو 2004 واستمر حتى الثامن عشر منه، وكان همنا آنذاك ان نتعرف على مختلف المؤسسات المدنية والرسمية لمعرفة ما يدور في هذه المؤسسات وطريقة التفكير والمعلومات التي يحصلون عليها، وماهي نظرتهم للعرب والمسلمين وما هو موقفهم من سياسة الإدارة الأمريكية، آنذاك، في حربها على العراق ودعمها الدائم لإسرائيل، وكانت الفرصة سانحة لطرح هذه الأسئلة والتساؤلات على أعلى المستويات كاللقاء الذي تم مع نائب وزير الخارجية آنذاك مايكل كوزاك، إضافة لمؤسسات اخرى قمنا بزيارتها.

كما سنحت لنا الفرصة في الاجتماع مع منظمات حكومية وغير حكومية، ومع نشطاء عاملين في مجال حقوق الانسان، إضافة إلى محامين وصحافيين وقضاة وكذلك باحثين يعملون في مجال زيادة الوعي بحقوق الانسان.

وفي إطار البرنامج المذكور زرنا الجامعة الامريكية وكان لنا لقاء مع أساتذة عرب أمريكان وغيرهم من الأعراق الامريكية يتقدمهم د. عبدالعزيز سعيد، د. مبارك عِوَض، د. إدموند غريب، د.جو البرج، د. عائشة حيث اشتركوا معنا في نقاشٍ لا يخلو من الطرافة بسبب انتقاداتهم الشديدة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وموقفها المزدوج والمخاتل من حقوق الإنسان ومن دعمها للأنظمة الدكتاتورية على حساب الشعوب في ظل الحرب الباردة والموقف من الصراع في الشرق الأوسط وانحيازها الدائم لإسرائيل.

فالهيئة التدريسية المدعوة للقاء معنا بادرت بإعطاء لمحة عن السياسة الخارجية الأمريكية والدور الذي تلعبه في بلورة مفاهيم مزدوجة لحقوق الانسان، وكيف أن الإدارة الأمريكية سعت، كما ذكر د. جو البرج، إلى تسييس حقوق الانسان إثناء الصراع مع الإتحاد السوفيتي، وبدا ذلك واضحاً بعد انهيار المنظومة الاشتراكية والمعسكر الشرقي.

كما بدا ذلك واضحاً، أيضاً، من خلال علاقة الولايات المتحدة بالبلدان الأخرى بالسكوت عن الإنتهاكات التي تحدث فيها، وغض النظر عنها والدخول في صراع مع دول أخرى كالعراق وغيرها تحت شعار الدفاع عن حقوق الأنسان ونزع أسلحة الدمار الشامل، وبالتالي نجد أن الأحداث أظهرت بأن التزام الولايات المتحدة بحقوق الإنسان كان بلاغياً، بل أستخدم كسلاح انتقائي لردع الدول التي تختلف مع الهيمنة الامريكية.

فكثيرا ما أدت سياسة حكومة الولايات المتحدة إلى التضحية بحقوق الانسان من أجل مصالحها السياسية والإقتصادية والعسكرية، فخلال الحرب الباردة قتل عدد كبير من المدنيين العزل على أيدي قوات دربتها ومولتها وسلحتها او أشرفت عليها الولايات المتحدة بصورة سرية أو علنية وكما يحدث حاليا مع داعش وغيرها من المنظمات الإرهابية.

واستمرت كذلك في استخدام القانون الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الدولية لتحقيق مآربها السياسية وكيف أن الادارة الأمريكية لا تأبه لتلك المنظمات بل لا تعيرها إهتماما وتدينها عندما ترى في ذلك تعارضاً مع مصالحها.

كما أوجز د. عبد العزيز سعيد البرنامج الخاص بحقوق الإنسان في الجامعة وعرج د. مبارك عِوَض على الحقوق الفردية التي حصل عليها المواطن الأمريكي بخلاف ما يحدث في بلداننا العربية، كما أن المعلومات متوفرة لهذا المواطن بشكل كبير لتساعده على تأسيس وتكوين قاعدة معرفية للمضي به قدما نحو عالم الإبداع والازدهار.

وعلى هذا الأساس توجد شبكات واسعة وعديدة ومتنوعة من نشطاء حقوق الانسان في الولايات المتحدة وهنالك العديد من المدافعين الذين كرسوا جل حياتهم لهذه المهمة ومن تلك المؤسسات ما هو قديم تأسس منذ مدة طويلة ومنها ما هو حديث العهد، والبعض منها ديني والآخر علماني وهي شبكات محلية أو على مستوى الولاية أو على مستوى البلاد بأسرها والكثير من هؤلاء النشطاء يعملون على تحسين الأحوال المعيشية للفئات المحرومة بينما يركز آخرون على تعزيز الحماية القانونية للذين يتعرضون للتمييز والانتهاكات.

كما أن كثيراً من المنظمات تعمل على حماية حقوق المرأة والأقليات العرقية والإثنية والجماعات الدينية والفقراء والمعوقين والأطفال والجانحين الأحداث والمهاجرين واللاجئين، وتقوم هذه المؤسسات بدور كبير وحيوي في ضمان الحقوق من خلال إقامة الدعاوى والدفاع عن تلك الحقوق إضافة لزيادة الوعي لدى المواطنين وافهامهم بحقوقهم ولمجمل قضايا حقوق الانسان.

في الثاني من يونيو كان هذا اللقاء الأهم مع السيد مايكل كوزاك النائب الرئيسي لمساعد وزير الخارجية، من حيث انه أرفع مسؤول نلتقي به، ومن حيث الموضوع المطروح المتعلق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة وعلاقتها بحقوق الإنسان.

طرحنا علية عدة أمور تتعلق بالسياسة الأمريكية في مختلف البلدان وبالأخص الشرق الأوسط، خاصة في فلسطين والعراق ومعتقلي غوانتنامو والاتفاقيات الدولية التي لم تقم الولايات المتحدة بالتوقيع عليها. وذكرناه بالمعايير المزدوجة للولايات المتحدة حول الحماية الدولية لحقوق الإنسان من خلال رفضها الاعتراف والاذعان لتحقيقات أجهزة الامم المتحدة وبتباطئها في الموافقة على المعايير الدولية لحقوق الإنسان وعدم مصادقتها على الإتفاقيات الدولية العديدة كاتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتجاهل بنود في الاتفاقيات والموقف من إنشاء محكمة الجزاء الدولية.

كما ذكرناه أيضا بكيفية تقويض الولايات المتحدة الأميركية للمعاهدات من خلال إضعاف قوتها بالتحفظات والتفسيرات التي توضع على هذه الاتفاقيات مما يُحد من الحماية التي توفرها، كما أن الولايات المتحدة قد أعلنت بأنها ستقوم بتطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب ولكن إلى الحد الذي تسمح به القوانين الوطنية، الأمر الذي يجعل مثل هذه الاتفاقيات غير ذات جدوى في مجال تعزيز حماية حقوق الانسان.

كما ان الولايات المتحدة قد تحفظت على المادتين (6،7) للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمتعلقة بالإعدام والمواد (1،3،16) من اتفاقية مناهضة التعذيب.

وكان اللقاء مع وزارة العدل، بالنسبة لنا نحن المحامين من اللقاءات الضرورية والمهمة لما للجانب الاختصاصي من أثر نحتاجه في عملنا القانوني، موضوع هذا اللقاء كان حول الحكومة الفيدرالية وحماية الحقوق المدنية، حيث قدمت لنا لمحة عامة عن بعض آليات النظام القانوني الأمريكي لحماية الحقوق المدنية وحقوق الانسان للمواطنين وكيف أن دائرة الحقوق المدنية بوزارة العدل تم تأسيسها بناءً على خشية الوزارة من عدم التبليغ عن حالات التمييز في الولايات المتحدة بسبب عدم معرفة المجني عليهم لحقوقهم أو خوفهم من تقديم شكوى للحكومة ولمواجهة ذلك أسست هذه الدائرة مجموعة من المواطنين من اجل مساعدة الآخرين من المهاجرين وغيرهم لمعرفة حقوقهم الشرعية.

ودور هذه الدائرة هو الكشف عن مواطن التمييز في مجالات التربية والتعليم والتوظيف والعمل والسكن والإقراض والخدمات العامة وسوء المعاملة من قبل الشرطة والجهات المختصة في تنفيذ القوانين.

كما ان هذه الدائرة تأخذ على عاتقها تطبيق القوانين التي تمنع التمييز بسبب العجز وتحمى حقوق الأشخاص الذين هم تحت رعاية بعض مؤسسات الدولة على الصعيد المحلى أو الولاية، كما ان لها دور في المحاكمات التي ترتكب بسبب العرق أو اللون او الموطن الأصلي للمجني عليه.

في الثالث من يونيو اخذنا الي مؤسسة السوق الحرة التابعة للمعهد الاسلامي، حيث استقبلنا من قبل السيد خالد صفوري عضو مجلس الادارة ليحدثنا عن “الجالية الإسلامية الأميركية والمشاركة السياسية”، والسيد صفوري هو بالمناسبة من أصول فلسطينية أخذته الحياة في الولايات المتحدة وانتماؤه للحزب الجمهوري عن علاقته بموطنه الأصلي ليدافع بكل قوة عن سياسات الإدارة الأميركية في السراء والضراء وكان وقع ذلك سيئا على الكثير من الوفود العربية للطريقة التي بدا فيها ملكياً أكثر من الملك.

تأسست هذه المؤسسة في العام 1988 وهي مؤسسة غير ربحية وأهدافها تتمثل في توفير فهم أفضل بين الجالية الإسلامية الأميركية والقيادة السياسية، وتوفير برنامج للترويج للمنظور الاسلامي حول قضايا محلية اجتماعية ومالية وزيادة مشاركة الجالية الاسلامية في العملية الانتخابية وتعريفهم بالقيم الأميركية التقليدية وصانعي القرار بالقيم والتعاليم الاسلامية التقليدية.

في الخامس من يونيو 2004 حطت بِنَا الطائرة في مطار جاكسون مسيسبي وللوهلة الأولى اتضحت لنا الفروقات بين واشنطن وهذه الولاية من حيث التقدم في مختلف المجالات ليخال إليك بأنك في دولة اخرى.

فهذه المدينة سُميت على اسم الجنرال أندرو جاكسون الرئيس السابع للولايات المتحدة الأميركية وهي منطقة تجارية أسسها الفرنسيون وهي العاصمة لهذه الولاية وفِي هذه المدينة تطورت الملاحة والصناعة والتعليم وأصبحت مركزا هاما للسكك الحديدية.

وبرنامج جاكسون هو عبارة عن دراسة لحالة حركة حقوق الانسان والحقوق المدنية في الولايات المتحدة وتحديدا حركة الحقوق المدنية للأفارقة الأميركيين، حيث أن البرنامج في هذه الولاية يؤكد على دور المجموعات والمنظمات المختلفة في الترويج التاريخي والمعاصر للحقوق المدنية وحقوق الانسان من حيث ان البرنامج يشتمل على الأدوار التي تقوم بها الولاية والحكومة المحلية والنساء والمنظمات الدينية، والشركات، والمنظمات الشعبية في ضمان حماية الحقوق والفرص المتكافئة لمختلف الفئات.

كما إن البرنامج الدراسي في هذه الولاية سيوضح لنا أهمية حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة وفِي إطار سياسات الحقوق المدنية وحقوق الانسان وكيف يمكن لهذه السياسات ان تؤثر على السياسة الخارجية الأميركية العامة فيما يتعلق بمختلف القضايا التي تمس حقوق الانسان.

كان اللقاء الاول في هذه الولاية مع البرفيسور ايدل كنج  وهو مناضل أبيض تعرض كثيرا للمضايقات والاعتقالات بسبب دوره البارز في حركة الحقوق المدنية والدفاع عن السود والملونين في الولايات المتحدة حيث اعطانا فكرة تاريخية عن نضال السود في محاربة الفصل العنصري والعبودية والفقر، وكيف انهم استطاعوا أن يقضوا على نظام الفصل العنصري في المداس  وغيرها  من خلال  النضال  السلمى والمطالبة المستمرة بالحقوق ومن خلال المحاكم وكيف أن للسود حاليا مشاكل عديدة في مجال التعليم والصحة والفقر والمخدرات وغيرها من المشاكل وأهمية التغلب عليها من خلال الحاجة إلى عمل شبكة دعم وطنية ودولية للتخلص من هذه المشاكل .

واللقاء الثاني في هذه الولاية مع رابطة النساء الناخبات، وهذه الرابطة لها رئيستان كان لنا لقاء مع إحداهن وهي السيدة Fran Labor التي شرحت لنا طريقة عمل منظمتهن من حيث أن النساء قد حصلن على حق التصويت في العام 1920 وينصب عملهن تثقيف الناخبين وذلك عن طريق تسجيلهم في الدوائر الانتخابية وإصدار الكتيبات والنشرات ومن خلال الانترنت، كما أن لهذه المنظمة دور في دعم النساء للترشح والعمل ومساواتها مع الرجل في مختلف الميادين وبالخصوص العمل على مساواة المرأة بالرجل في الاجور.

وهذه المنظمة تطوعية يبلغ عدد أعضاؤها حوالي 120 ألف عضو ويحصلون على الدعم من مختلف المؤسسات وهي ليست مرتبطة بأي من الأحزاب.

كما ان الدور الأساسي لهذه المنظمة هو ضمان الحقوق المدنية وحقوق الانسان للمرأة وحشد وتمكين النساء عن طريق تشجيعهن على الانخراط في السياسات المحلية والتصويت.

ثم التقينا بالسيدة Benita Burt   مديرة رابطة جاكسون المدنية وهذه المنظمة غير تطوعية تحصل على الدعم والتمويل من الحكومة الفيدرالية من خلال قيامها بالترويج للبرامج التي تساعد السود في الحصول على المسكن وعمل برمج للشباب الذين ليس لديهم مهارات أو وظائف، وكيفية التعامل مع المشاكل الصحية التي تواجه السود.

وهي رابطة من مجموع 114 رابطة في مختلف الولايات المتحدة وقد بدأت العمل منذ العام 1910 عندما هاجر السود للمناطق الصناعية في الولايات المتحدة وبروز المشاكل العديدة لهم اثناء هذه الهجرة.

ومن أهم اللقاءات التي حصلت كانت مع النائب فريزر وهو من السود المناضلين والمسؤول الأول عن إعداد الموازنة الخاصة بالولاية والذي قام باطلاعنا على تجربتهم في الحصول على الحقوق من خلال النضال السلمي وكيف أن سياسة الفصل العنصري كانت تُمارس حتى العام 1954 حتى استطاعوا ومن خلال المحاكم أن يحصلوا على أحكام تمنع التمييز في المدارس والمرافق الاخرى.

كما شرح لنا الدور الذي قاموا به في تعديل دستور 1890 والذي بموجبه منع السود من المشاركة في الانتخابات  بسبب العراقيل العديدة التي وضعت لهم للترشح كعدم تمكنهم من القراءة والكتابة، إضافة لعدم إمكانياتهم في الحصول على الأموال اللازمة لدعم حملاتهم الانتخابية وبالتالي حتى العام 1967 لم يترشح أي من السود في برلمان الولاية بسبب سياسات  الحكومة الفيدرالية والحكومة المحلية للولاية والمظاهر غير العادية التي تعرض لها السود من حيث الرعاية الصحية والتعليم والبيئة الاجتماعية مما ساعد على الارتفاع الاستثنائي في معدلات الوفيات بينهم .

بخلاف ما حدث من تطور ففي الولاية اليوم ١١عضواً اسود من أصل 52 في مجلس الشيوخ و37 عضوا في مجلس النواب من أصل 122 عضو.

كما شرح لنا الدور الذي قاموا به في التقدم بمشاريع قوانين للمصادقة على التعديل في الدستور في العام 1994 في حظر العبودية، وإصدار تشريع باعتبار يوم ميلاد لوثر كينج  كيوم اجازة رسمية .

كما قاموا بدور كبير في إصدار قوانين تحضر الفصل العنصري في المدارس وإلزامية التعليم وتحويل المدارس بشكل متساو، والضغط على المشرعين الفيدراليين في إصدار قوانين لمصلحة السود وحذف القوانين التي تضمن للبيض معاملة مختلفة.

اقرأ المزيد

استهداف مصر

التفجيران الإرهابيان الأخيران في جمهورية مصر العربية اللذان استهدفا كنيستي مارجرجس بطنطا ومحيط الكنيسة المرقسية بالإسكندرية، يأتيان في سياق مسلسل تفجيرات سابقة أسفرت، بدورها، عن سقوط ضحايا ومصابين.
وأتي التفجيران الغادران الأخيران قبل أيام من الزيارة المقررة لبابا الفاتيكان لمصر، كأن المجرمين من مخططي ومنفذي التفجيرات يريدون إرسال رسائل حول استهداف الأقباط في مصر، على غرار ما جرى للمسيحيين في مدن العراق المختلفة على أيادي عصابات «داعش» وسواها من تنظيمات إرهابية.
أكثر من ذلك، لا يمكن أن نفصل هذا المسلسل الإجرامي في استهداف أقباط مصر، عن المخطط الشرير الرامي لزعزعة الاستقرار واستهداف الوحدة الوطنية بين فئات الشعب المصري وتفجير الخصومات المذهبية والتناحرات، لتعم في مصر أيضاً الانقسامات الطائفية والفوضى التي نشهدها في بلدان عربية أخرى، على نحو ما نشهد في سوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها.
والمراد هو معاقبة مصر على ما اضطلع به شعبها وجيشها من دور مشهود في الحيلولة دون نجاح مشروع «أخونة» الدولة، وفي هذا تندرج الحرب التي تخوضها الجماعات التكفيرية في سيناء، ضد الجيش الوطني المصري وضد الدولة المصرية، ضمن مخطط شرير تقف خلفه دوائر خارجية نافدة وصهيونية لاقتطاعها من الدولة المصرية، وتحويلها إلى ساحة استنزاف لها، في سياق ما هو جارٍ في أكثر من مكان من تفكيك لوحدة الكيانات الوطنية العربية، وإعادة هندسة المنطقة على أسس مذهبية وطائفية وعرقية، لتمكين المشروع الاستعماري – الصهيوني من المزيد من التوغل والتمدد.
حين يدور الحديث عن مصر بالذات، فإنه يجري عن الدولة العربية الأهم من حيث الوزن الاستراتيجي والبشري والعمق التاريخي، وهي إلى ذلك عمود الخيمة العربية التي تتجاذبها الأنواء من كل جهة، ويراد إسقاط هذا العمود لتكتمل دائرة الإطباق على المنطقة كاملة، لذلك فإن حماية مصر هي مسؤولية عربية، بمقدار ما هي مهمة وطنية مصرية.
وقد أثبت الشعب المصري في محطات تاريخية فاصلة، إنه قادر على إفشال ما يحاك من مخططات ضد مصر ودورها، وبعض هذه المحطات الفاصلة ما زالت طرية في الذاكرة، حين فاجأ المصريون العالم مرتين، واحدة في 25 يناير والثانية في 30 يونيو، ورغم كل الصعاب والخطط الشريرة ضد مصر، فإن شعبها يمتلك من الإرادة والعزم والتصميم ما يجعله قادراً على إحباط ذلك.
إن ما تقوم به الدولة والجيش في مصر لمواجهة ما يحيق بها من مخاطر يحظى بدعم شعبي واسع، فالمجتمع، معني بدرجة لا تقل بهذه المهمة، التي تتطلب استراتيجية شاملة تشمل تجريم خطابات الكراهية والتطرف ومراجعة المناهج التعليمية والتربوية والبرامج الإعلامية.

اقرأ المزيد

التقدمي يستنكر الاعتداء الغادر على مقر محلية الحزب الشيوعي في مدينة الديوانية

الرفيق العزيز رائد فهمي         المحترم

الأمين العام للحزب الشيوعي العراقي

ببالغ السخط يدين المنبر التقدمي وأنصاره وأصدقائه في البحرين الهجوم الغادر على مقر اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في مدينة الديوانية، وكما أشار بيان حزبكم حول تحميل الميليشيات المسلحة الخارجة على القانون مسؤولية هذا الهجوم، الذي لم تقتصر نتائجه على الأضرار المادية فقط، بل تعداه إلى زيادة التوتر وتهديد أمن وسلامة المدينة، ومحاولة جرها إلى اقتتال لا يخدم سو ى أعداء العراق وشعبه.

تأتي هذه الجريمة وما تبعها من محاولة يائسة لتحميل الحزب الشيوعي وأنصاره تهم واحداث لا دخل لهم فيها، والعراق يخوض معركة مصيرية ضد قوى الإرهاب وتشارك فيها جميع قوى ومكونات الشعب العراقي، مما يستدعي معه  الحاجة إلى شد الهمم وتوحيد جميع الطاقات وتلاحم الصفوف،  وهى ضريبة طالما دفعها ويدفعها الحزب الشيوعي العراقي ومعه جميع القوى الوطنية المناضلة  نظير مواقفهم الشجاعة في محاربة الفساد وقوى الظلام والتطرف، وفضح التلاعب بالأموال العامة  والثروات الوطنية، وضد سياسة المحاصصة ومن اجل الدفاع عن مصالح الشعب العراقي العظيم.

اننا على ثقة من أن هذه الجريمة ومحاولة الترهيب التي يتعرض لها الحزب الشيوعي العراقي وأنصاره لن تثني الحزب عن مواقفه الصلبة في محاربة الفساد المستشري أو المشاركة الفاعلة في معركة الشعب العراقي ضد قوى الظلام والإرهاب والتآمر ومواصلة النضال نحو بناء الدولة المدنية الديمقراطية والتقدم به نحو وطن حر وشعب سعيد.

        خليليوسف                                                                                         

الأمين العام للمنبر التقدمي

          مملكة البحرين

                                                                                                

اقرأ المزيد