المنشور

إرهاب عابر للقارات

توالت في الأسابيع، لا بل في الأيام القليلة الماضية، عمليات التفجير والدهس وغيرها من ضروب الأعمال الإرهابية التي تستهدف المدنيين الأبرياء في المدن الأوروبية، وآخرها العملية التي أقدم عليها إرهابي من أحد بلدان آسيا الوسطى في العاصمة السويدية استوكهولم، وقبلها التفجير الذي شهدته إحدى محطات المترو بمدينة سانت بطرسبورج الروسية، وأدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا والمصابين، والذي سبقه، أيضاً، التفجير الذي تمَّ في بريطانيا، وأدى هو الآخر إلى وقوع ضحايا وإصابات.
يجمع بين هذه الأعمال الإرهابية أنها تستهدف المدنيين الأبرياء، من مواطنين وسياح وسواهم، ممن لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بسياسات حكوماتهم، ويشاء سوء حظهم أن يكونوا في الأمكنة التي يختارها الإرهابيون لتنفيذ عملياتهم الآثمة لحظة هذا التنفيذ، مما يكشف عن دناءة وجبن من يرتكبون هذه الجرائم، وخلوهم من السوية الأخلاقية والإنسانية.
أكثر من ذلك فإن هذا الإرهاب لا يميز بين البلدان التي يستهدفها، أي أنه لا يختار بلداناً بعينها كانتقام من سياساتها تجاه قضية من القضايا، وإنما يتوزع على كل البلدان بصرف النظر عن طبيعة نظامها السياسي والسياسة التي تتخذها الحكومات فيها تجاه ما يفترض أنه قضايا تعني هؤلاء الإرهابيين.
فالفروقات ليست قليلة بين موقفي كل من بريطانيا وروسيا، مثلاً، تجاه ما يجري في سوريا والعراق وغيرهما من البلدان العربية، ومع ذلك فإن الإرهاب لم يفرق بينهما، كساحتين مستهدفتين منه، ولم تسلم من ذلك دولة مثل السويد معروفة بسياستها الخارجية المتوازنة، وبنأيها عن التورط في صراعات خارجية لا تعنيها، وأكثر من ذلك هي واحدة من أكثر الدول الأوروبية المشهود لها في استيعاب المهاجرين الفارين من جحيم الحروب في مناطق التوتر كالعراق وسوريا، وقبلهما البوسنة وأفغانستان وغيرها، وهي جميعها، على ما نرى، بلدان عربية أو إسلامية.
يلفت النظر أيضاً أن الجمهوريات الآسيوية التي كانت في قوام الاتحاد السوفييتي السابق، قد غدت مورداً للانتحاريين، فالإرهابي الذي قتل أشخاصاً في ملهى ليلة رأس السنة الأخيرة في إسطنبول آتٍ من واحدة من تلك البلدان، وكذلك الحال مع من فجر نفسه في محطة المترو بسانت بطرسبورج، وأخيراً فإن من قام بعملية الدهس بشاحنة في استوكهولم هو الآخر أوزبكي الولادة والتنشئة.
إن هذا يؤكد أن الإرهاب أصبح ظاهرة عابرة للقارات، وهو يستهدف الجميع دون استثناء، كما أنه لم يعد ظاهرة محصورة بالبلدان العربية وحدها، وإنما غدا ظاهرة تستوعب جنسيات كثيرة من مختلف البلدان، بما فيها تلك التي طاب لها التفكير في توظيف الإرهاب في اللعب السياسية.

اقرأ المزيد

في الفرق بين الحشود والجماعات

يفرق علم الاجتماع الثقافي بين ظاهرتين مختلفتين هما: الجماعات والحشود. وهو تفريق يهمنا في اللحظة الراهنة من تطورات أوضاعنا العربية.

وعلى ما يظهر من تشابهٍ في الشكل بين المفهومين، فإن الأمر ليس كذلك أبداً، فالمجموعات هي كتل كبيرة من السكان تتسم بالرسوخ والثبات، وهي وإن كانت غير عصية على التغيير، إلا أن هذا التغيير يتم في إطار دينامياتها الداخلية، فلا يطال من جوهر ثباتها ورسوخها، حتى وإن أحدث شيئاً من «التعديل» في شكل أدائها ودورها.

أكثر من ذلك فإن الحشود لا تظهر إلا على هامش الجماعات الكبيرة، في لحظات تأزم هذه الجماعات، وبالتالي فإن الحشود ظاهرات لا اجتماعية، وتتكون من أناس غير اجتماعيين على نحو ما يبسط لنا منجي الزيدي في مؤلفه: «جماهير الثقافة».

الحشود بحكم كونها طارئة، وخارجة عن نطاقات التوقع في نشوئها، حيث تنطوي على مقادير كبيرة من الفجاءة، تكون محكومة بالفوضى والميل إلى التطرف، وقد تصبح في بعض حالاتها عدوانية، حين تستشعر في نفسها قوة، توهم أصحابها بأنهم أقوى مما استقرت عليه الجماعات، فلا يترددون عن الإقدام على ما لا يمكن تخيل أنه ممكن من ممارسات.

لكن الجماعات، من حيث هي ظواهر تستند إلى مؤسسات وسلطات تحميها وتنظم آليات عملها، بصرف النظر عن طبيعة هذه الآليات، إيجابية كانت أو سلبية، سرعان ما تستعيد المبادرة، فتفكك الحشود، أو تحتويها، أو تجيرها لصالحها، ريثما تفقد مبررات وجودها، لأن من طبيعة الحشد أن يكون مؤقتاً، فيما الجماعة دائمة.

لا يمكن أن يدور الحديث حول هذه المسألة دون تذكر الكتاب الشهير: «سايكولوجيا الجماهير» لمؤلفه غوستاف لوبون، الذي قرن فيه الحشد بمفهوم الجماهير.

ومع أنه جرى النظر إلى مؤلف هذا الكتاب بصفته داعية يمينياً معادياً لحركة الجماهير كونها رافعة للتغيير نحو الأفضل في المجتمعات، ما يقود إلى اعتبار الثورات الكبرى التي غيرت التاريخ مجرد حركة غوغاء ودهماء فاقدة للرشد والبصيرة، إلا أن أشد مخالفيه في الرأي، من الضفة التقدمية، كما هو حال بعض رموز مدرسة فرانكفورت اليسارية، أقروا، لاحقاً، أن أطروحات لوبون تعيننا على فهم ظواهر نشأت في أوروبا كالنازية والفاشية، التي كانت الحشود الجماهيرية روافع لها في البداية.

ربما يسعفنا هذا في فهم ظواهر تنتشر في عالمنا العربي – الإسلامي اليوم، كالجماعات المتطرفة والتكفيرية التي تتوافر على حواضن شعبية واسعة لا يمكن الاستخفاف بها، وتمتلك مقدرة على الاستقطاب الواسع للشبان، رغم همجية أساليبها وتخلف ما تحمله من برامج معادية للسوية الفكرية والمجتمعية.

اقرأ المزيد

قوى التيار الوطني الديمقراطي تستنكر وتدين التفجيرات الإرهابية في جمهورية مصر

تدين قوى التيار الوطني الديمقراطي في البحرين وبأقسى عبارات الإدانة، التفجيرات الإرهابية الأخيرة بجمهورية مصر التي استهدفت كنيستي مارجرجس بطنطا ومحيط الكنيسة المرقصية بالإسكندرية، والتي أدت إلى وقوع العديد من القتلى والجرحى وسط الأخوة الأقباط، وتأتي هذه التفجيرات مواصلة لتفجيرات الكاتدرائية المرقصية في العباسية وسط القاهرة نهاية العام الماضي، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 20 شخص وإصابة العشرات بجروح وإصابات متفاوتة. كما تأتي هذه التفجيرات الآثمة قبل أيام من الزيارة التي من المقرر أن يقوم بها بابا الفاتيكان لمصر نهاية أبريل الجاري، وهو ما يسلط الضوء على الأهداف الإجرامية لهذه التفجيرات بغية زعزعة الاستقرار واستهداف الوحدة الوطنية بين فئات الشعب المصري وتفجير الخصومات المذهبية والتناحرات، لتعم الانقسامات الطائفية والفوضى التي تشهدها العديد من اقطارنا العربية، وآخرها ما جرى في جمهورية مصر العربية، حيث دأب تنظيم داعش الإرهابي ومنذ فترة على استهداف الأبرياء وأفراد الجيش المصري في سيناء بمثل ما يفعل في سوريا والعراق وليبيا واليمن.

إن إعلان التنظيم الإرهابي داعش عن مسؤوليته عن الانفجارات يدلل على أن القادم أسوأ، وأن التنظيم الإرهابي صار يتمدد بسرعة بل وأصبح يمثل خطراً على كامل دول المنطقة والعالم، حيث باتت عملياته تستهدف المدنيين على مختلف جنسياتهم وقومياتهم ودياناتهم. ويرى التيار أن هذا التمدد الخطير لم يكن ممكناً لولا رعاية الولايات المتحدة والدول الغربية للتنظيمات الإرهابية وحماية الأنظمة الدكتاتورية والقمعية في العالم.

ويشدد التيار على دعوته للأنظمة العربية كافة لاجتثاث شأفة الإرهاب في بلداننا من خلال المصالحات الوطنية وإطلاق عمليات ديمقراطية حقيقية وتجريم خطابات الكراهية والتطرف ومراجعة المناهج التعليمية والتربوية والبرامج الإعلامية وإشاعة الحرية والمساواة والعدالة وتوفير العيش الكريم للمواطنين.

التعازي للشعب المصري الشقيق وللأخوة المسيحيين بمصر، مع الأمنيات بالشفاء العاجل للجرحى والمصابين.

التيار الوطني الديمقراطي

التجمع القومي

جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد)

المنبر التقدمي

10 أبريل 2017

اقرأ المزيد

تصريح صحفي صادر عن قوى التيار الوطني الديمقراطي

في إطار الاجتماعات الدورية والمتواصلة لجمعيات التيار الوطني الديمقراطي التقت يوم السبت 8 أبريل 2017 الجمعيات الثلاث (القومي – التقدمي – وعد) لمناقشة مجمل التطورات السياسية وقد استعرضت الجمعيات بشكل مسهب ملف الدعوة المرفوعة ضد جمعية وعد المتوقع أن تبدأ جلسة النظر فيها يوم الأثنين 17 أبريل 2017، وفي هذا السياق أعادت الجمعيات الثلاث تأكيد حرصها على منهج العمل السياسي السلمي وتغليب منطق الحوار كوسيلة وحيدة لحل أية خلافات أو ملاحظات حول سير عمل الجمعيات السياسية وإن توجهات قوى التيار الوطني تنطلق من المصلحة العليا للوطن كما تفرضها المسؤولية الوطنية في تأسيس حياة سياسية متطورة ورحبة تستوعب الجميع مستحضرين المبادئ الأساسية للمشروع الإصلاحي لجلالة الملك وما تتضمنه من قيم حول العمل السياسي وحرية الرأي والتعبير واحترام التعددية في ظل القانون.

وانسجاماً مع هذه الرؤية للجمعيات الثلاث فقد بادرت جمعيتي التجمع القومي الديمقراطي والمنبر التقدمي بإرسال خطاب إلى معالي الشيخ خالد بن علي وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف في يوم 9/3/2017، طالبت فيه بعقد لقاء مع معاليه، للتباحث وتبادل الآراء حول الموضوعات ذات الصلة بالعمل السياسي والاستحقاقات التي يفرضها هذا العمل حاضراً ومستقبلاً.

هذا وإن قوى التيار وبعد مرور شهر على خطابها المرسل لا زالت في انتظار عقد مثل هذا اللقاء في أقرب فرصة ممكنة، كما أنها بصدد بذل كل المحاولات اللازمة لفتح قنوات اتصال مع جهات عليا ومسؤولة لمناقشة المستجدات الراهنة وآفاق العمل السياسي في البلاد.

قوى التيار الوطني الديمقراطي

جمعية المنبر التقدمي

جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد)

جمعية التجمع القومي الديمقراطي

9 أبريل 2017

اقرأ المزيد

 التيار الوطني الديمقراطي يدين العدوان الأميركي على سوريا ويطالب بتشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة حول العدوان بالكيماوي على خان شيخون

تدين قوى التيار الوطني الديمقراطي جريمة العدوان الأميركي فجر أمس الجمعة 7 أبريل 2017 على الجمهورية العربية السورية، باعتباره عدواناً همجياً على دولة مستقلة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة والجامعة العربية وخرق سافر للقوانين والأعراف الدولية.

وفي الوقت الذي تؤكد فيه قوى التيار الديمقراطي على تضامنها الكامل مع الشعب السوري ووحدة أراضيه في وجه مخططات ومشاريع التقسيم المعلنة وغير المعلنة، وضرورة ردع غطرسة الإمبريالية الأميركية وحلفائها، فإنها ترى في هذا العدوان الهمجي ضربة  لجهود الحل السلمي التي تقودها الأمم المتحدة. وبالمثل فانها تدين العدوان الأخير بالأسلحة الكيميائية على المدنيين الأبرياء والأطفال في بلدة خان شيخون قرب إدلب، وتجد أن سياسات الرئيس الأميركي الرامية الى زيادة التصعيد والتوتر في المنطقة، واستنزافها تحت مبررات مرفوضة، لا تقيم وزناً  للقانون الدولي ولسيادة واستقلال دول المنطقة ووحدة أراضيها، الأمر الذي يستدعي تحركاً سريعاً ومسؤولاً من المجتمع الدولي لوقف تدهور الأوضاع هناك، والبدء بتحقيق ومساءلة الجهات التي تدعم وتقف خلف هذا العدوان السافر على الأبرياء، والذي تكرر كثيرا طيلة الأحداث التي تمر بها سوريا منذ أكثر من ست سنوات.

إن قوى التيار الديمقراطي ترى أن العدوان الأميركي الأخير على سوريا إنما يأتي تعزيزاً للدور التخريبي المدمر الذي تقوم به قوى الارهاب التي تدعي الولايات المتحدة  الأميركية محاربتها، علاوة على أنه يمثل إعاقة لجهود المجتمع الدولي الرامية لإحلال السلام وتحقيق المطالب التي انتفض الشعب السوري من أجلها في الحقوق السياسية والتحول الديمقراطي والعدالة الاجتماعية، وإنهاء التسلط والانفراد بالسلطة.

إن تحقيق ذلك يتطلب وقف التدخلات الخارجية والحفاظ على وحدة التراب السوري، وعدم السماح بتكرار سيناريو إحتلال العراق عام 2003 تحت ذريعة وجود أسلحة دمار شامل أثبتت الأحداث كذبها.

 جمعيات التيار الوطني الديمقراطي

جمعية المنبر التقدمي

 جمعية العمل الوطني الديمقراطي ( وعد)

جمعية التجمع القومي الديمقراطي

8 ابريل 2017

اقرأ المزيد

ضمان التعددية الحزبية

عُرف المجتمع البحريني ومنذ وقت مبكر بأنه نموذج للتعدد السياسي والحزبي والفكري والمجتمعي، وبنتيجة ديناميته المشهود لها من البعيد قبل القريب ظهرت التيارات السياسية والفكرية المختلفة، وفي المقدمة منها اليسارية والقومية، منذ أن كانت بلادنا خاضعة للهيمنة البريطانية، وقد عبرت هذه التيارات عن نفسها بتنظيمات وطنية، متجاوزة للطائفية والعرقية، ناضلت في ظروف سرية قاسية على مدار عقود مقدمة التضحيات من أجل استقلال البحرين وحرية شعبها وسعادته.

وكان السماح بعلنية العمل الحزبي، التي نظمها قانون الجمعيات السياسية، واحدة من أهم مكتسبات المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، بعد التصويت على ميثاق العمل الوطني، فقد أتت هذه الخطوة مستجيبة لما بلغه المجتمع البحريني ونخبه السياسية من وعي، ولما يتوفر عليه المجتمع المدني في البحرين من جاهزية لحياة حزبية كنا نتمنى لها المزيد من التطوير والتعميق، وفاء لشروط الملكية الدستورية التي نص عليها ميثاق  العمل الوطني.

وفي كل الأحوال شكَّل قيام الجمعيات السياسية، ومنح العمل الحزبي شرعيته خطوة مهمة ومتقدمة، خاصة وأنها فريدة من نوعها في كل بلدان منطقة الخليج والجزيرة العربية، وهو ما رفع من سمعة البحرين ومكانتها كبلد يؤمن بالتعددية السياسية والحزبية.

لذلك لا يمكننا إلا أن ننظر بأسف لقيام وزارة العدل والشؤون الإسلامية برفع دعوى قضائية بطلب حل جمعية العمل الوطني الديمقراطي”وعد”، التي هي، وفق البيان المشترك الصادر عن المنبر التقدمي والتجمع القومي: مكون رئيسي من مكونات التيار الوطني الديمقراطي في البحرين، وهي امتداد لتاريخ  تيار وطني لعب دوراً مهماً في نضال شعب البحرين من أجل الاستقلال الوطني والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وقدم في سبيل ذلك الكثير من التضحيات، كما أنها مكون رئيسي في المشهد السياسي البحريني الراهن.

إننا نتطلع بكل إخلاص إلى أن يجري تغليب منطق الحكمة في التعاطي مع قضية حل جمعية “وعد”، وأن تعيد وزارة العدل النظر في قرارها برفع دعوى  إلى القضاء بطلب حلها، اتساقاً مع مبدأ حرية العمل السياسي في البحرين الذي يضمنه  ميثاق العمل الوطني والدستور وقانون الجمعيات السياسية، فالبحرين في أمس الحاجة، خاصة في ظرفها الراهن، إلى صوت ودور الجمعيات الوطنية غير القائمة على أسس طائفية أو مذهبية، وجمعية “وعد” جمعية رئيسية من هذه الجمعيات.

اقرأ المزيد

خطوتان إلى الوراء

“الأفعى التي لا تستطيع التخلص من جلدها لا يمكنها العيش. مثل العقل الذي يرفض تغيير آراءه .. إنه لا يعد عقلاً”

 – نيتشه –

كيف يمكننا تعريف لحظتنا الراهنة ؟، وبم تختلف مفرديتها ؟ .. بما أن اللحظة، كما هي، دائماً مفردية ؟. أجعلُ، إذن، هذه المقالة مقتضبة في تعيين الملامح العامة لهذه اللحظة بحد ذاتها، وأهميتها السياسية.

هل يمكننا اليوم القول أننا في لحظية مفردية (العالم هو ما تقع عليه الحالة)، يتوجب علينا تحديدها ؟. لنضع المسألة على نحو نقاط نسقية جداً:

          (1): نحن الآن في فترة ما بعد (14 فبراير 2011) التي شكلت نقطة مفصلية لكل الأطراف المتنازعة فيها. الآن هذه الفترة تشهد خسائراً فادحة للمكتسبات الإصلاحية، وبالمناسبة كان يمكن الحصول على الكثير منها لولا تهور بعض الأطراف الدينية المعروفة في توجيه هذه الحركة إلى خط سير مختلف تماماً، التي حصل عليها الشعب البحريني في عشر سنوات. الشارع الجماهيري وصل إلى حالة يأس من التغيير، وكل ما حصل عليه في المقابل هو تزايد وتيرة العنف من كل جانب. يزداد العنف العدمي حين يزداد الشعور باليأس. الآن كل ما بقي هو عدة كلمات ومطالبات مفروغة من معناها الإجتماعي التي لن تحقق شيئاً على الإطلاق .. لسبب واحد: لا يوجد تحليل سليم واحد لما حدث. المعارضة في اللحظة الراهنة، وسألزم حديثي عن اليسار وحسب، هي في موقع الضعف كقوى إجتماعية – سياسية وكقوى محركة فاعلة (الإرادية + المغامرة = هذه الخسارة بحد ذاتها).

هذه النقطة في غاية الأهمية.. من دون هذا الصدق التنظيمي لن يحدث شيئاً على الإطلاق. موقع القوة قد تغير، أو كما كان قد سيقول ماكيافيلي: انقلبت طاولة الحظ.. كان هذا الحظ ملازماً لتشيرزي بورجا طوال سعيه وراء توحيد شمال إيطاليا إلى أن أصابته الحمى ومات قبل أن يحقق مبغاه قائلاً : “إستعديت لكل شيء في حياتي إلا الموت .. الآن أنا أموت”. التصادف لم يقع، ولن تتكرر مثل الفرصة المفردية – بمثل الشروط والظروف – مرة أخرى، ولهذا تحليل اللحظة الراهنة هو مفتاح تحقيق، وهنا أيضاً ألتزم بماكيافيلي، ما لا يمكن تحقيقه.

سنكون متفائلين إذا قلنا: “ما حدث قد حدث .. نريد المزيد من الإصلاح الآن !”. اليوم، على العكس، سيكون أكثر واقعية إذا قلنا نريد الإحتفاظ بما تبقى من هذه المكتسبات الإصلاحية التي يمكن العمل عبرها، وتوليد إصلاحات أكبر. يجب علينا ألا نفهم هذه المسألة على نحوٍ مختلف، فللخطاب الإشتراكي الديموقراطي سطوة مضرة على الحركة اليسارية بشكلٍ عام. الأسلوب العام للإشتراكية الديموقراطية، أو تلك التي وجدت عند الجناح اليميني من الأوروشيوعية، هو الإنتظار من أجل الإصلاحات أن تأتي .. هذا في نهاية الأمر ما هو المقصود حين يقول تنظيم ما: “يجب أن تكون هناك إصلاحات أكثر”، “يجب أن نسعى إلى دولة شكلها كذا وكذا”، “ما نريده هو العدالة الإجتماعية” إلخ.. كل هذه الأمور، بحد ذاتها، لا تعني شيئاً من وجهة نظر الإشتراكية العلمية. الإصلاحات بحد ذاتها لا تغير من الوضع الطبقي ولا تعبر تعبيراً تحولياً للبنية الإجتماعية القائمة، ولكنها تعبر عن طبيعة الدولة الحديثة التي تأخذ شكل الإجتماعي الديموقراطي أكثر فأكثر. فليس للإصلاحات، إذن، أي معنى بحد ذاتها وإلا وقعنا في الأيديولوجيا الإقتصادوية – الإصلاحية، التي هي الوجه الآخر من اليساروية الطفولية التي تفسر كل مشكلة تنشب على أساس إنها أزمة بنيوية.

لكن إذا أمكننا أن ننظر إلى مسألة الإصلاحات برؤية آخرى، أيّ إذا تمكنا رؤية حقيقة أن اللحظة الراهنة  تلزم بالعمل بما تبقى – أعني بما لم يُخسر- من المكتسبات الإصلاحية، والعمل عليها كمواد خام لتوسعة نطاقها أكثر فأكثر، فإننا سنكون في الجانب الآخر من المفهوم الطاغي للإشتراكية الديموقراطية. ليس للعمل على الإصلاحات كمواد خام، كما قلنا، غاية في ذاته. لك أن تتخيل مفاصلاً حديدية لا يمكن فكها لأنه أصابها الصدأ .. عليك أن ترخي المفاصل أولاً. طبعاً تلك المواقع المتوترة نراها ملتهبة اليوم، إذا صح التعبير .. لكن في المقابل توجد تلك المواقع، أو الفجوات، أو التكسرات، التي لم يجرِ عليها هذا التوتر الملتهب – إلى حدٍ ما – وهي تمثل مواداً خام مناسبة للعمل عليها. لم يكن لدى إيكاروس ودايدالوس إلا الشمع والأجنحة  (مواد خام) للهروب من المتاهة الكبرى .. لكن على المرء ألا يحلق عالياً كإيكاروس وإلا أحرقت الشمس الشمع على جناحيه، على التحليق أن يبقي مسافة بين – بين. لفالتر بينيامين تشبيه أفضل من ذلك بكثير: التاريخ الذي يجمع فتات الماضي وتدفعه الرياح إلى الأمام.. وهو لا يستطيع فعل أي شيء إزاء ذلك.

توازن القوى ليس متوازناً .. هذا هو ما عليه الحالة في اللحظة الراهنة.

          (2): هذا يعني أساساً أن اليوم ليس لليسار أية فعالية حقيقة في دراسة الواقع ولا في الإنخراط في الممارسة الواقعية، هي مسألة تبادلية من جانبين. والسبب في ذلك يعود إلى عدم فهم الحالات التي تولدها الصراعات الطبقية التي تستمر بشكل متدفق. الآن يكثر الحديث عن إقامة تحالف للقوى أو للتيار الديموقراطي – هنا أيضاً تسمية لا معنى لها – لكن من دون أي أساس ممارساتي سليم. لا شك أن التحالف دائماً يشير إلى شيء جيد.. لكن لا يجب على ذلك أن يكون فوق الجماهير، أيّ تحالف على شاكلة التقليد البورجوازي في التنظيم – تحالف ما بين أحزاب فردية. لنضع التحالف الحزبي هذا على جانب، ونمسك أهمية وجود تنظيم يعبر عن الطبقة العاملة والطبقات الشعبية الأخرى، لن يكون هناك أي معنى لوجود تنظيم منفصل ينتظر قدوم هؤلاء إليه ليشكل وحدة تنظيمية عضوية. على المنبر التقدمي أن يكون هو هو التعبير عن التحالف الطبقي هذا، ولن يتم هذا التعبير دون أن يكون هو الممثل عن النظرية الماركسية، أيّ يكون التعبير: الإنصهار ما بين التحالف الطبقي هذا والنظرية الماركسية.

ذكرنا المنبر التقدمي، ومن الملاحظ أننا أستثنينا جمعيات مهمة أخرى التي تُعتبر يسارية بشكل عام .. والسبب واضح برأيي: حين نقول “الحركة اليسارية” فإننا نقصد الوحدة المفهومية لتلك التنظيمات التي يمكن تصنيفها سياسياً تحت مسمى اليسار، وهذا ما يعنيه مصطلح اليسار بشكل عام. وإذا كان سيوجد هذا الإتحاد اليساري يوماً فهو مهم للحظة الراهنة.. رغم أن نجاحات وجوده غير مضمونة على الإطلاق. ولكننا إذا تحدثنا بشكل فردي عن المنبر التقدمي.. جمعية لها بعض أعضاء قدامى شيوعيين وماركسيين متحررين من الصبغة اليسارية والشعبوية والقومية، سيكون حديثنا حينئذ عن تنظيم يتضمن عناصر شيوعية وليست مجرد يسارية.

 لذا حين نقول أن على المنبر التقدمي أن يكون هو هو التعبير عن التحالف الطبقي هذا، فإننا نقول ذلك لأن للمنبر التقدمي، دون غيره من الجمعيات اليسارية (التي طغت فيها النزعة الإشتراكية الديموقراطية بشكل محض)، الإحتمالية لأن يكون كذلك – رغم أن التوجه والنزوع نحو الإشتراكية الديموقراطية أصبح واضحاً جداً – بسبب وجود بعض هؤلاء العناصر والأعضاء الذين بإمكانهم تحويل خط السيّر نحو عمل مختلف في ظل الأوضاع الراهنة. فهذا يعني أن هذا ليس الوقت المناسب، ولا الظرف السياسي الصحيح، لأية إنشقاقات .. ولن يحتمل أي تنظيم مستقل أن يبقى قائماً على ذاته، بسبب الإختلاف في الرأي، وبسبب أيضا، من الجانب الآخر، تطبيقات خاطئة تماماً – من دون تحديث وتجديد- للديموقراطية المركزية. من دون العودة الحقيقة إلى النظرية الماركسية، أعني نظرية ماركسية حقيقية – وليست مجرد كليشيهات سوفيتية قديمة قدمت عبر شروحات ألف باء دار التقدم، لن يتحقق أي شيء من ذلك على الإطلاق .. ولمهدي عامل قول في هذه المسألة حين كتب: “متى تكتشف السياسة … حاجتها الملحة إلى النظرية ؟”.

لم تعد التحالفات الطبقية كما هي في الكليشهات السابقة: تحالف العمال والفلاحين وما شابه ذلك، حيث ليس في البحرين أو في الخليج، أو حتى في العالم العربي، فلاحون بالمعنى الإقطاعي للكلمة .. يثبت الواقع الموضوعي أن على التحالف الأساسي أن يكون ما بين الطبقة العاملة والطبقة البورجوازية الصغيرة الجديدة، وفي ذات الوقت عدم معاملة الآخر على أساس أنه مجرد جسراً لغاية “معينة”. إن مدى تحريك الطبقة العاملة بشكل سياسي هو أمر في موضع عدم الإستقرار، حيث الطبقة العاملة في بلاد مثل بلادنا ليست قوية، وليس لها وعي طبقي قوي، بما يكفي من حيث هناك غياب واضح لرأس مال محلي. التحريك السياسي هذا عادة يجري على الطبقة البورجوازية الصغيرة الجديدة بشكل عام. اللحظة التي نعترف بإستقلالية الطبقات من الناحية: السياسية، والإقتصادية، والإيديولوجية نفهم أن هذا التحالف قد ينقلب في أية لحظة. بلا شك، في أبنيتنا الإجتماعية توجد طبقات شعبية أخرى مثل: البورجوازية الصغيرة التقليدية والريفية التي لبعض فئاتها مصلحة في إقامة تحالفاتها الطبقية. بإختصار: لا يمكن أن يتم أي تنظيم يدعي الإشتراكية العلمية دون التعبير عن التحالف الموسع ما بين الطبقة العاملة والطبقات الشعبية الآخرى، من دون تعبير عن مصالحها وعن مصالح صراعاتها، ومن دون إدراك التناقضات بينها.

فوق هذا، هناك تحركات إجتماعية وثقافية أخرى يجب إدراكها وفهمها التي قد تشكل قوى إجتماعية في لحظة من اللحظات كالطلبة، أو المدافعين عن البيئة، أو المثقفين،  أو المدافعين عن حقوق الأقليات ( الجندرية، والعرقية، وحتى الجنسية)، إلخ.. تلك التحركات لها توجهها الخاص وإستقلاليتها السياسية والفكرية، ولذا يجب إحترامها على أساس إستقلاليتها وإقامة هذه الروابط بينها على أساس متبادل.

من الأشياء التي لم تفهمها الحركة الشيوعية العالمية، ولا سيما محلياً، أن الموقع الإيديولوجي للطبقات، ولا شك الطبقة العاملة، غير ثابت على الإطلاق. لهذا السبب تحديداً تجد مثل الطبقة العاملة في هذا البلد تتجه نحو النازية، وفي بلد آخر تظفر بأول ثورة عمالية في تاريخ البشرية. المسألة لا تتعلق بما تقول لنا الايديولوجيات الدينية حول “الفطرة السليمة”- للعمال فطرة سليمة مهما تعددت مواقعهم الأيديولوجية بسبب الإغتراب والتلغيز. للمسألة علاقة بالتحديد الأيديولوجي المضاعف (وبذلك الموقع الطبقي) وعلاقته باللحظات السياسية الراهنة وتغيراتها.

في الواقع، لا نرى عند اليسار أي محاولة لإقامة هذه الروابط (ما بين تلك التحركات الإجتماعية)، ولا التحالفات ما بين الطبقات الشعبية (أو حتى دراستها على الأقل)، ولا التأكيد على الماركسية في النظرية والممارسة. كل هذا يعتبر طوباوياً إذا ما تفوهنا به .. ولكن اليوم، أكثر من أي وقت مضى، على هذا الأمر أن يتم.

          (3): الكل يُعلن حرباً ضد التجنيس السياسي.. الكل يخاف من النمو السكاني والإختلافات الثقافية الواسعة ما بين الناس. لكن هذا ليس كافياً في تحليل ما هو حاصل بالفعل. الواقع هو أن هذا الأمر “حاصل”، والآن التوزيع الديموغرافي ثقافياً تغير تماماً عما كان معروف تقليدياً. لا نفع من النحب ولا التذمر من ذلك.. نواجه هذه الحالة بشكل مُعطى كما كان قد سيقول هوسرل، والآن هناك عدد من القوميات  لا تنتمي إلى التقسيم الإجتماعي الرباعي ( العرب – العجم – البحارنة – الهولة) المعروف  ضمن المكون البحريني ككل. لن يكون هناك أي معنى، بإستثناء إن شاء المرء أن يكون شوفينياً أو يعاني من الزينوفوبيا، من رفض هؤلاء المجنسين الذين قدموا، أو أقدموا، من بلدان آخرى.. ضمن التقسيم الإجتماعي للمكون البحريني.

تبقى مسألة أخرى في غاية الأهمية، وهي الحالة الإجتماعية، والثقافية، والسياسية، لجماعات ما يسميها غرامشي بالـ “هامشيين”.. هؤلاء الذين ليس لهم تمثيل سياسي، على العكس من الطبقات المستغلة كالطبقة العاملة، في البنية الإجتماعية. وهنا الحديث يخص شرائح واسعة من الطبقة العاملة الرثة، والطبقة العاملة، والطبقة البورجوازية الصغيرة الجديدة تحت مسمى “العمال الآسيويين”، أو “العمالة الخارجية”.

لا نجد بالطبع أية محاولات من قِبل اليسار لإقامة هذه الروابط التي تعبر عن هؤلاء المستغلين، أشد الإستغلال، سواءاً أكانوا مجنسين أو مقيميين دائميين أو مؤقتين. بل نجد نوعاً من نزعة غير حرة من العنصرية في التأكيد على وجود عمالة “محلية” فحسب والدفاع عنها.. لكن بذلك المعنى “العمال” أو الموظفون الذين تم تجنيسهم أصبحوا جزءاً من النسيج الإجتماعي المحلي، السبب الوحيد الذي سيجعل أي شخص يرفض تسميتهم ببحرينيين هو أنهم لا ينتمون إلى التقسيم الرباعي التقليدي المعروف، غير ذلك هم بحرينيون قانونياً وسياسياً، وعما قريب إجتماعياً. لا نجد أية محاولة في التعبير عن أحوال هؤلاء الذين يعاملون من قِبل جميع القوى، ومن ضمنهم القوى التقدمية، على أساس وجودهم المهمش بحد ذاته. لا يوجد ولو ممثل واحد يعبر عن أحوالهم في الجمعيات التي ترفع راية اليسار وما شابه ذلك.

من المهم جداً إدراك ودراسة وجودهم الطبقي والإجتماعي والسياسي، والتأكيد على مشاركتهم الفعالة في التعبير عن أحوالهم وتطلعاتهم وتوجهاتهم، وإطلاعهم على حقوقهم التي في الغالب لا يعرفون شيئاً عنها، وتفكيك المفهوم المغلوط المتركز حول التقسيم الرباعي الذي ذكرناه آنفاً. البحرين متعددة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، من الناحية الإجتماعية والعرقية والثقافية .. وهذا الإقصاء للآخرين الموجودين لا يعبر سوى عن نزعة عنصرية متأصلة في التعامل مع هؤلاء “الهامشيين”.

من دون فهم هذه الحالة التي “وقعت” علينا، لا يمكن البدء بأي شيء سوى بدوغمائيات وكليشيهات قديمة اعتاد عليها الخطاب السياسي التقليدي دون تغيير أي شيء.

نقطة أخيرة.. وليست (4) : هذه المرحلة ليست هادئة وواضحة .. التشتت، على العكس، واضح جداً، هذه الفترة تتطلب خطوتين إلى الوراء للتفكير العميق، إنها مرحلة العودة إلى العمل الفكري والفلسفي عبر السياسة، والعكس بالعكس. المشتتون ليس لهم موطن، ولا مكان، ولا توجه واضح، لهم أدواتهم المعرفية والسياسية المتبقية لإنتاج ظروف وواقع جديد من لا شيء. فراغٌ دون إنحراف أو إلتقاء أو تصادف. حالة إقرارية يجب الإقرار بها في لعبة الرقص، والفرح، والمشاعر السعيدة .. نحو زمن الخبز والورود للجميع !

اقرأ المزيد

ما زال الأخضر الباقي شامخاً

 لقد كان يدور في خلدي منذ ديسمبر 1983 كتابة مقال عن رفيق جبهوي صلب قوي الشكيمة، من المناضلين الصادقين إلى أبعد الحدود، وقد يتبادر إلى الذهن لماذا ذكرت ديسمبر 1983، فذلك لأنه يقع فيه اليوم الذي أطلق فيه سراحي من السجن البغيض الضيق.

غادرت هذا السجن بالفعل ولكنني تركت، مرغماً، رفيقي يعيش مع آخرين بين القضبان وضيق المحيط، تركته في ذلك اليوم، بأمل ألا أعود ثانية إلى هذا المكان  القاسي، وأنا أحمل ذكريات إنسانية صادقة، حلوة ومرة في آن واحد حيث كنا معتادين أن نحول كل أمر مر إلى واقع حلو جميل حسب إرادتنا وتكييف رغباتنا وتقلب أمزجتنا في تلك الأوضاع غير الطبيعية.

حين تحررت من السجن وجدت في استقبالي كوكبة من الرفاق المخلصين ومن الأهل المشتاقين الذين اضناهم البعد والفراق، وسرعان ما تواصلت مع رفاقي لأخبرهم  بأحوال من لا زالوا في السجن من مناضلين، والسماع منهم عن قادم المقابلات الشهرية وتقديم ما يطلبون من أغراض لإيصالها لهم.

لقد عشنا مع هذا الرفيق العزيز في سجن القلعة بالمنامة، كما عشنا سوياً في سجن جدا مدة أطول حيث تعرفنا على بعضنا بعضاً بصورة أفضل وتآلفنا وتبادلنا الأفكار والأخبار والأسرار، وشاءت الصدف  أن يطلق سراحي لفترة معينة، ثم يعاد اعتقالي ثانية، لأعود إلى بقية الرفاق والمناضلين في سجن جدا محملاً بأخبار الأهل والرفاق والديرة فيصلهم ما انقطعوا عنه من أخبار ومجريات.

وهكذا تمضي أيامنا، حيث نبتعد عن الروتين والملل الذي ينتاب الحياة في السجن، ما يساعد على رفع حالتنا المعنوية والنفسية والاجتماعية، في السجن الذي كان يضم باالاضافة لي الرفاق المناضلون أحمد عيسى الشملان، أحمد محمد علي حميدان، سلمان كمال الدين، حميد القائد، وكنت أنا  وأحمد الشملان في زنزانة رقم 4 أما الباقي فكان كل واحد منهم في زنزانة  منفردة،  فأحمد حميدان في زنزانة رقم 1 وعبدالحميد القائد في زنزانة رقم 2 وسلمان كمال الدين في زنزانة رقم 3.

كانت الأبواب تقفل مساء كل يوم ابتداء من باب السجن الرئيسي أما في النهار فتكون الأبواب مفتوحة في داخل الرواق حيث كنا نذهب إلى الحمام في أي وقت  نشاء،  وفي البداية كان لا يسمح لنا بالتجول في سور السجن أكثر من ساعة واحدة في اليوم وبعد مطالبات متعددة ومتواصلة سمح لنا بالتجول طيلة النهار حيث تتعرض اجسامنا للشمس، وكذلك نتمكن من رؤية المعتقلين والسجناء في الزنازن الواقعة في الناحيتين الشمالية والجنوبية.

الرفيق المعني الذي وصفته في بداية المقال هو الرفيق المناضل أحمد عيسى الشملان الذي عشت معه طيلة سنوات لم نعشها خارج السجن في حياتنا الاعتيادية.

ففي اليوم التالي لاطلاق سراحي، في كل مرة، أذهب إلى بيت عائلته في أم الحصم حيث أقابل أخته السيدة صفية عيسى الشملان وألقي التحية على والدته ام أحمد، واقدم إليهما التحيات والتمنيات وأسألهما عما تجتاجان إليه، وأوصيهما بما يحتاجه أحمد من أغراض كي تصله في السجن، وفي هذه المرة ذهبت  أيضاً في نفس اليوم إلى بيت الملا جواد الشيخ محمد علي حميدان أخ الرفيق أحمد حميدان وأوصل للعائلة التحيات والتمنيات وما يطلبه من أغراض، وفي نفس اليوم أذهب لزيارة السيدة فوزية حسين مطر خطيبة الرفيق أحمد الشملان المخلصة المؤتمنة وأوصل لها التحيات والتمنيات، وأجيبها عن الأسئلة بالتمام والكمال.

 وتدور الأيام دورتها وتأتي الاخبار المفرحة بأن خطيبة أحمد الشملان حصلت على بعثة في الاتحاد السوفيتي، إلا انها أصرت على البقاء حتى خروج أحمد فأخبرتها بأن تسافر لأن هذا الأمر يرضى ويفرح الرفيق أحمد الشملان، فما كان منها إلا أن وافقت في النهاية على مضض، ولحسن الحظ فإن الرفيق أحمد خرج من السجن رافع الرأس معززاً مكرماً،  فالتحق بفوزية في موسكو، ليواصلان معاً دراستهما.

ولا يمكنني هنا أن انسى أحمد الشملان الشاعر والأديب والكاتب، صاحب القلم النابض بالحياة، حيث كان يطلعني على كل شيء يكتبه في سنوات السجن، ويسألني عن رأيي فيه، وكنا نتحاور بشكل رفاقي ديمقراطي حميم،  وقد سربت بعض هذه الكتابات إلى خارج السجن بعد التشاور، حيث وصلت بسلام إلى المكان المطلوب عن طريق أحد السجناء العاديين.

وإستمر الأمر على هذا النحو  بعد لقائنا خارج السجن فكان كلما كتب مقالاً  يشاورني فيه ونتناقش فيه قبل نشره، وحتى عندما تصدركتبه نناقش محتوياتها ايضاً، وكنا دائماً نجد التناغم الفكري والاتفاق في وجهات النظر.

وعلى الصعيد الإنساني فإني وجدت فيه نعم الرفيق والصديق القريب من الروح، يجمع بيننا حبنا للوطن وتعلقنا بخط تنظيمنا، واتفاق آرائنا، ورغم مضي السنوات وتبدل الأحوال فما زالت صداقتنا متينة، ومع الزمن تزداد قوة ورسوخاً،  وهذا ما حملني، على كتابة هذا المقال  كتحية تقدير ومودة ومحبة واعتزاز بأحمد الشملان، رفيق الدرب المخلص.

اقرأ المزيد

حق المرأة البحرينية في العمل اللائق وتكافؤ الفرص

يعتبر حق المرأة في العمل مطلباً أساسياً، حيث أصبح الاهتمام بالمرأة و دورها جزءاً أساسياً في عملية التنمية والعمل على تطورها، ومن هذا المنطلق إهتمت الأمم المتحدة بقضايا المرأة وأصدرت في إطارها مجموعة من الوثائق الخاصة التي تتعلق بالعمل، وإعتمدت عدداً من الاتفاقيات الدولية التي تنص على مبادىء أحكام المساواة بين الرجل والمرأة ومناهضة كافة أشكال التمييز التي تمارس ضدها في العمل، وهذا ما أكدته اتفاقية منظمة العمل الدولية المتعلقة بالتمييز في العمل وشغل الوظائف عام 1985، ويعرف التمييز في الإتفاقية بأنه (ما ينطوي على أي تفرقة أو استبعاد أو تفضيل على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو الرأي السياسي أو الأصل الوطني أو المنشأ الاجتماعي ويسفر عن إبطال أو انتقاص المساواة في الفرص أو في المعاملة على صعيد العمل وشغل الوظائف أو أي نوع من أنواع التمييز)، وأيضاً الإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي أكد على مبدأ المساواة في الحقوق بين الرجل و المرأة كحق أساسي للإنسان و أن العمل حق من حقوق الانسان وأداة اساسية لتحقيق المساواة والتنمية و السلم. والعمل من الوسائل التي تساهم في تمكين المرأة اقتصادياً وتحقيق التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي ورفع التمييز ضدها.

وبما يخص تطور المجتمع البحريني سيظل ناقصاً ما لم يتم منح المرأة حقوقها كاملة مناصفة بالرجل على مختلف الأصعدة ورفع كافة أشكال التمييز التي تتعرض لها بالرغم من أنها تشكل نصف طاقة المجتمع الإنتاجية وأصبح تطورها معياراً لمدى تطور ونمو المجتمع . لذا لابد من إسهامها في عملية التنمية على قدم المساواة في الحقوق والواجبات مع الرجل .

ونتساءل هل أعطيت المرأة حقها في العمل وفي وحدات تكافؤ الفرص في الوزرات والمؤسسات والبنوك أو حتى من خلال المجتمع ككل بالرغم من مبادرات الجهات الاهلية والمنظمات النسائية والجمعيات السياسية في المطالبة بتطبيق مبدا تكافؤ الفرص وعدم التمييز بين المرأة والرجل. للأسف لم يطبق ويرجع ذلك لعدم وجود موازنات خاصة للمرأة مستجيبة لإحتياجاتها .. وتدعم فكرة إدماجها في السياسات الإقتصادية. ومن هذه الإحتياجات: زيادة فرص التوظيف للنساء ذوات الكفاءة والأكثر احتياجا، وتقديم  برامج خاصة لتأهيل المرأة ودورات تدريبيه لرفع كفاءتها، وتوفير ساعات عمل مناسبة للمرأة، وإيجاد مبانٍ خاصه للمرأة في مكان العمل في القطاع الحكومي، وحضانات لأطفالها، وغرفة خاصة للحوامل، ولذوي الإحتياجات الخاصة ونوادي صحية وغيرها، مثل هذه الاحتياجات تعمل على تدعيم الكفاءة الإقتصادية وتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص بين الجنسين في التنمية الإقتصادية والإجتماعية.

اليوم نرى العملية في تراجع وتسير ببطء تجاه المرأة فهناك العديد من الوزارات والمؤسسات والشركات لا تعير اهتماماً للموضوع  بالرغم من جدارة المرأة في الكثير من مجالات العمل .

كما أن الوضع العام في البلاد الذي ما زال يعاني من الأزمة الاقتصادية وارتفاع الدين العام وزيادة الأيدي العاملة الاجنبية، اخذ ينعكس على المواطن البحريني خصوصاً النساء، حيث تشكل الإناث العاطلات عن العمل ما نسبته 85% من مجموع العاطلين عن العمل حسب آخر احصائية للمجلس الأعلى للمرأة، وهذه النسبة في ازدياد ملحوظ مع زيادة أعداد خريجات الجامعات دون الوصول إلى حلول تعالج ازمة العاطلات ومعظمهن من حملة الشهادات العليا، حيث نتمنى أن يعي المسؤولون حجم هذه المشكلة المستمرة منذ أكثر من سبع سنوات، وهن على قائمة الانتظار في حين أن مشاركة المرأة في إعداد القوى العاملة يساهم في زيادة النمو الاقتصادي والقضاء على الفقر.

ولا يخفى على الجميع ما تعانيه المرأة العاملة من أوضاع سيئة وخاصة تلك الفئة التي تعمل في القطاعات المهمشة كرياض الاطفال ومصانع الملابس الجاهزة وبعض مؤسسات القطاع الخاص فيما يتعلق بالاجر والتمييز أثناء الحمل وساعات الرضاعة وعدم تطبيق معايير العمل اللائق الذي وضعته منظمة العمل الدولية لتحسين اوضاع العمال، وبالذات المرأة العاملة وذلك في مؤتمرها الحادي والسبعين عام 1985 الذي اتخذت فيه قرارات لصالح المرأة أهمها تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة بين الجنسين ودعت إلى أتخاذ تدابير مكثفه من جانب أطراف الانتاج الثلاثة (الحكومات ومنظمات العمال وأصحاب العمال) لصالح النساء العاملات وحثت على التوسع في مشروعات التعاون الفني لصالح المراة العاملة في ميادين العمل والتدريب والثقافة العمالية والضمان الاجتماعي، وأكدت على تحسين نوعية عمل المرأة ومعيشتها وحمايتها من الاستغلال وفي مجال التشريع العمالي أصدرت 18 أتفاقية دولية منها حماية الامومة وعدم التمييز في الاستخدام والمهنة وعمل المرأة المسئوليات العائلية والمساواة في الأجور .

إن النضال من أجل قضية المرأة هو واجب وطني وفكري وسياسي وتنظيمي لكل فرد أو منظمة تدافع بإخلاص عن مصالح الشعب رجالاً ونساءً بلا تمييز. وواجبنا اليوم كحركة نسائية تكثيف النضال للمساهمة على التغيير والدفاع عن مطالب النساء العاطلات عن العمل والتصدي لكافة المعوقات والتحديات التي تحول دون تقدم المرأة في العمل .

اقرأ المزيد

اليسار والثقافة في البحرين

بمناسبة الذكرى ال 62 لتأسيس جبهة التحرير الوطني البحرانية سوف أتحدث عن ترسيخ القيم الثقافيه التقدمية في المجتمع البحريني، حيث جرت العادة أن يكون الحديث عن النضال السياسي في ذكرى تأسيس الجبهة، بما في ذلك عن  القطاعات المختلفة التي نشطت فيها الجبهة، ( العمال ، المرأة، الشباب ، الطلبة، المثقفين ) وغيرها من قطاعات.

ولكني سأتحدث في هذه المناسبة  عن نشر الوعي الثقافي الذي لا يقل أهمية عن تلك الأنشطة والنضال السياسي الذي قامت به الجبهة، فبفضل نشر  الأفكار التقدمية  وتحديدا الفكر الماركسي برزت في ستينيات وسبعينيات و ثمانينيات القرن الماضي العديد من الإبداعات الثقافية والأدبية في ( الشعر والرواية والموسيقى) وفي غيرها من الابداعات الأدبية، كذلك يعود الفضل في ذلك إلى أعضاء وأصدقاء الحركة الوطنية البحرينية العابرة للطوائف والقبائل والاعراق.

ونخص حديثنا هنا عن “جتوب” حيث أولت أهمية خاصة للتثقيف والتثقيف الذاتي الذي ترسخ بشكل رئيسي في النشاط الحزبي للجبهة و الشبيبة في صفوف الأعضاء والأصدقاء والأنصار، حيث كانت تتداول الكتب التقدمية ويتم تلخيص بعضها وقراءتها في الخلايا الحزبية،  بالإضافة إلى الروايات والقصص والأشعار لكبار الكتاب  العرب والأجانب وبالأخص الروس من أمثال تولستوي و دوستويفسكي ومكسيم غوركي وتشيخوف.

كانت الجبهة و”أشدب” يهتمان  بالتثقيف للأعضاء والأنصار، فعندما يمتلك العضو  الوعي الثقافي والسياسى يستطيع ان ينجز مهامه الحزبية بالشكل المطلوب في القطاع الذي ينشط فيه، ومن خلال ذلك الوعي الفكري يستطيع إيصال برنامج وأهداف وأفكار الحزب  إلى الجماهير، وبهذا الصدد كتب المفكر الإيطالي غرامشي قائلا: “المثقف الذي لا يتحسس قضايا شعبه ويدافع عنها لا يستحق لقب المثقف”.

فالنظرية الماركسية ليس نظرية   لتفسير  المجتمع بل لتغييره نحو الأفضل، نحو مجتمع المساواة والعدالة الاجتماعية وعدم استغلال الإنسان لأخيه الإنسان.

لهذا كانت الكتب الكلاسيكية الماركسية – اللينينية  الزاد والغداء اليومي للمناضلين التواقين للحرية والاستقلال الوطني والتقدم الاجتماعي  من نير الاستعمار البريطاني والرجعية، إلى جانب الروايات والقصص التي كانت تحفزهم وتشجعهم على النضال والتغيير، وأذكر أن الأستاذ علي ربيعة،  الشخصية الوطنية المعروفة، حدثني مرةَ عن التحول الفكري الذي حدث له نحو الفكر الماركسي والاشتراكي، بقوله: كنا من ضمن معتقلي الحركة الوطنية في انتفاضة مارس المجيدة عام 1965، في سجن جزيرة جدة، وكان معنا في الزنزانة المناضل الوطني الراحل  علي دويغر أحد مؤسسي جبهة التحرير الوطني البحرانية، الذي كان مولعاً بالأدب الروسي والاشتراكي بشكل عام، فكان يحدثنا  عن روائع هذا الأدب، وعن كبار شعراء وروائيي روسيا  والاتحاد السوفياتي، وقد ترك ذلك تأثيراً كبيراً عليّ وأحدث عندي تحولاً فكرياً.

وبالفعل، كان لذلك الأدب تأثير كبير على وعي الإنسان لأنه يحاكي الواقع  بعيدا عن الخيال والفانتازيا، فعندما تقرأ رواية  “الأم” لمكسيم غوركي، فإنك تود قراءتها  أكثر من مرة لجمالها.

وساهم التثقيف والتثقيف الذاتي في خلق وعي ثقافي وسياسي للعديد من الأعضاء والأصدقاء  ومن خلال الالتزام الحزبي به برزت كوادر عديدة كان لبعضها مساهمات بارزة في صحافة الحزب و”أشدب”، وفي سنوات لاحقة تحولت نشرة “الفجر” التي كانت جبهة التحرير الوطني البحرانية تصدرها في الخارج إلى مجلة تضم كتابات سياسية وفكرية متنوعة للرفاق، كما ساهم رفاقنا في الكتابة لمجلة (قضايا السلم والاشتراكية) التي كانت تصدر في براغ، كمجلة للأحزاب الشيوعية والعمالية في العالم، وفي بدايات ثمانينيات القرن الماضي صدرت مجلة (النهج) الصادرة عن مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي .

كان للكتاب في تلك الفترة قيمته  الأدبية والمعنوية  سواء إبان مرحلة الإستعمار البريطاني أو حقبة قانون أمن الدولة السيء الصيت، يعرض من يقتنيه للمساءلة القانونية كأن يعتقل ويطبق عليه قانون  أمن الدولة، لهذا كانت الكتب الكلاسيكية الماركسية  والتقدمية ممنوعة،  وتباع بالسر في بعض المكتبات وبالأخص الكتب الصادرة من دار الفارابي  أو دار بن خلدون  أو دار الطليعة وكذلك دار التقدم السوفياتية.

اقرأ المزيد