المنشور

لماذا العلمانية وكيف نفهمها

في هذه الورقة لن ادخل في مقارنات  بين الدولة العلمانية وغيرها كالدينية والمدنية لما قد يستغرق من وقت وبحث طويل ليس بالإمكان تغطيته في هذا الحيز، وأهمية هذا الموضوع تكمن في محاولة فهم العلمانية وإعادة الاعتبار لها مما قد علق بها من تشوهات وتشويهات متعمدة على أيدي مناوئيها وهذا ما نحن بصدده .

“لا يخرج الفلاسفة من الأرض كما تخرج النباتات الفطرية، وإنما هم ثمار عصرهم وشعبهم، وهم العصارة الأرفع شأنا، والأثمن، والأبعد ان ترى، والمعبرة عن نفسها بالافكار الفلسفية. وإن الروح الذي يبنى الأنظمة الفلسفية بعقول  الفلاسفة، هو نفسه الروح الذي يبني السكك الحديدية بأيدي العمال. فليست الفلسفة خارجة عن العالم، كما أن الدماغ وإن لم يكن في المعدة ليس خارجا عن الانسان. – “كارل ماركس”.

هذا الاقتباس لكارل ماركس أردت به أن أبين بأن الانسان لديه ملكات بأمكانه إستخدامها، فما العلمانية الا نتاج هذا الإبداع الإنساني الذي توصلت اليه البشرية بفضل جهود الفلاسفة ضمن فعل القوانين العامة لحركة التطور التي  خضعت لها المجتمعات الأوربية وفق تلك الظروف ،ظروف  تطور الصراع الاجتماعي والأيديولوجي، ولوضع حد للصراعات والحروب الدينية وغيرها ابتدع الفكر البشري العلمانية كمخرج من دوامة الصراعات واتخذت بذلك العلمانية مسارا قد بلغ في تطوره من خلال بروز الأفكار المادية التى تدعو  بفصل ما هو رباني عما هو دنيوي ليتفرغ الانسان للإعمار .

قبل الولوج في تعريف العلمانية لابد من طرح بعض الأسئلة والاجابة عليها حتى نزيل أي لَبْس في هذا الموضوع وحتى نبسط  البحث ومن ثم نفكك المفاهيم قدر المستطاع، ولنبرهن على أن  العلمانية هى اُسلوب حكم وحياة لمن يود من الشعوب ان يعيش فى ود وسلام ووئام.

لماذا العلمانية وتحديدا في هذا الوقت بالذات ؟ ولماذا يقف رجال الدين جميعا وعلى مختلف اتجاهاتهم المرجعية ضدها ؟ ولماذا يكيلون لها مختلف النعوت  ويجعلونها مرادفا للإلحاد والانحلال الخلقي والفسق؟، ولماذا يعتبرون العلمانية ضد الدين  بل كفرا يجب محاربته؟ هل لأن العلمانية تهدد الأديان وعلى الأخص الدين الاسلامي كما يزعمون ؟ أم لأن العلمانية نتاج غربي؟ هل العلمانية يمكن لها أن تطبق في الغرب وليس بالمستطاع تطبيقها في الشرق؟ .هل العلمانية ستفسد المجتمع أم ستصلحه؟

قبل كل شئ العلمانية هي مصطلح غربي وجذورها تعود الى الفلسفة اليونانية القديمة لفلاسفة يونانيين أمثال ابيقور، غير أنها خرجت بمفهومها الحديث خلال عصر التنوير الأوربي على يد عدد من المفكرين أمثال توماس جيفرسون وفولتير وغيرهما،  وهي نتاج تطور المجتمعات منذ  القرن الخامس عشر وأول من استخدم هذا المصطلح المفكر الانجليزي جورج هوليوك عام 1851وكان يقصد به الفصل بين السلطتين الزمنية والروحية واستقلال الملك عن الكنيسة.

كما أن الفيلسوف الانجليزي الآخر جون لوك واضع أسس العلمانية في القرن السابع عِشر كان قد عنى بالعلمانية الفصل بين الحكومة والدين والفصل بين السلطات، وكان يرى أن وظيفة الدولة هي رعاية مصالح المواطنين الدنيوية، أما الدين فيسعى إلى خلاص النفوس فى الآخرة. وأراد بذلك ان ينقذ الدين من تلاعب السلطة به واستخدامه لأغراضها، ورأى أن انحياز الدولة لدين معين يشجع على النفاق والتدين الشكلي، فضلا عن إنه يهدد وحدة الدولة والتعايش السلمي بين المواطنين. كذلك تشارلز  تايلور  فصل الدولة عن مؤسسة الدين أي إن الدولة لا يتصور ان ترتبط بأي معتقد ديني معين بشكل رسمي، اَي أن الدولة يجب أن تكون على الحياد  في علاقاتها بكل المكونات  المختلفة دينية أو غيرها. وقد أكد الفيلسوف الهولندي سبينوزا على أن الدين يحول قوانين الدولة الى قوانين تأديبية تنتهي بالأوامر والنواهي مما يُحد من تطور المجتمع والدولة ايضاً.

إذن فالعلمانية هي الفصل بين مؤسسات الدولة والمؤسسات الدينية، بحيث ألا تفرض المؤسسة الدينية قوانينها على الدولة بأسم الدين ولكن مع ذلك على الجميع ممارسة حقوقهم الدينية وبشكل كامل ولكن بعيدا عن مؤسسات الدولة.

من هنا نجد بأن العلمانية هي منظومة متكاملة تطورت بفعل الثورة البرجوازية في فرنسا من خلال الشعارات التى رفعت آنذاك وهي (الحرية، المساواة، الإخوة). ومع ذلك فإن العلمانية كما عرَّفها غازي الصوراني  ليست مذهبا أو تيارا فلسفيا، وليست نظرية معرفية ولا هي نظرية في علم من العلوم، وهي لا تعني عقيدة لا دينية، ولا استبعاد الدين عن الحياة العامة، ولا تقييد الحريات الدينية، انها تعني حياد الدولة ومؤسساتها تجاه الأديان  والعقائد حتى تضمن  المساواة الكاملة بين مواطنيها بصرف النظر عن اعتقاداتهم .

وعلى هذا الأساس ومع تطور المجتمعات والصراع الطبقي وظهور مفاهيم جديدة وحقوق عديدة تطور هذا المفهوم ليصبح منظومة متكاملة وشاملة  تدخل في صلب العلمانية الا وهي المواطنة، الحرية، حقوق الانسان، العقلانية ، المساواة، حكم القانون، التنوير، الديمقراطية، دولة المؤسسات ،أي حزمة كاملة من المصطلحات تشكل الارجل التى تقف عليها الدولة الحديثة المعاصرة.

وخلاصة ما تقدم يمكن لنا أن نعرف الدولة العلمانية بأنها هي  تلك الدولة التى تقوم بالفصل بين مختلف السلطات وتخضع كل المؤسسات السياسية والمالية والعلمية والدينية للقانون المدني ، على ان تضمن على وجه الخصوص المساواة الكلية بين كل الأديان السماوية وغيرها بما فيها اللادينية والإلحادية.

لا ثمة شك فى أن الدولة العلمانية قد حققت إنجازات عظيمة على الصعيد الحضاري من حيث إنهاء الصراعات والاضطهاد الطائفي والحروب الدينيةوالقضاء على العنصرية واحترام حقوق الانسان والمساواة بين الرجل والمرأة .

وقد حدد الأستاذ  مجدي خليل خمسة عشر مبدأ وجعلها سمات أساسية للعلمانية وهي :

١-الفصل بين السياسي والديني وبين الروحى والزمني وبين العام والخاص

٢- حرية الضمير أي حرية التدين

٣- التسامح الديني وحرية التنقل بين الأديان

٤- حرية النقد الديني

٥- إعمال حرية العقل وحريته أي لا سيطرة على العقل الا العقل ذاته كما يقول الفيلسوف كانت

٦- نسبية المعرفة أي لا حقيقة مطلقة

٧- حياد الدولة تجاه كل الأديان

٨- التشريع البشري وليس الالهي

٩- الحكم البشري وليس الالهي

١٠- عدم وجود سلطة للزعماء الدينيين على القرار السياسي للدولة

١١- لا تتخذ الدولة ديننا معينا ولا تفرضه على الآخرين

١٢- ليس من اختصاص الدولة ان تدخل الناس الجنة بل تحمي الفرد وتحقق له الرفاهية

١٣- حماية حقوق الأقليات الدينية من طغيان الأغلبية الدينية

١٤- الدين علاقة خاصة بين الانسان وربه

١٥- العلمانية ضد الدولة الدينية وليست ضد الدين

وكما يقول د. حبيب سروري “بأن المدرسة العلمانية هي أعظم إنجازات الدولة العلمانية بلا منازع يتأسس عليها التفوق الحضاري لهذه الدول على بقية العالم ، فهذه المدرسة التى يدرس فيها أبناء غير المتدينين أو ذوي الديانات والمذاهب المختلفة معا، بشكل حضاري متآلف متناغم مفصولة تماما عن تأثير  أي دين كان، أو فلسفة ملحدة، تعلم الطالب كيف يفكر بروح نقدية، كيف يحكم لوحده دون أى  يقين مسبق بأي عقيدة أو أيديلوجية، كيف يمارس حريته  في التحليل  والتمحيص والرفض، وكيف يبني يوما بعد يوم شخصيته المستقلة.

تكرس هذه المدرسة في الطالب العقلية العلمية الخالصة  وتنمى استخدامها لفهم الكون والحياة انطلاقا من مبادئ السببية والتجربة والبرهان، وعبر دراسة نظريات العلم الحديث، لا سيما نظريات  النشؤ والارتقاء، والانفجار الكبير ( البج بانج ) تسمح له هذه المدرسة أيضا الانفتاح على استيعاب كل التراث الفكري الإنساني بمختلف تياراته الفلسفية، دينية أو لا دينية هي باختصار: مدرسة ثقافة العقل والحريّة  والحداثة بامتياز.

بناء عليه، يمكننا ان نقول واستنادا الى ما سبق بأن العلمانية ليست ايديولوجيا أو عقيدة بل هي طريقة للحكم ترفض وضع الدين أو غيره كمرجع رسمي للحياة السياسية والقانونية، وإنما اهتمامها ينصب على الأمور الحيانية للبشر بدلا من الأمور الأخروية، أي المادية الملموسة بدلا من الغيبية.

ويتساءل الكاتب السعودي خالد الدخيل: “إذا لم تكن العلمانية ايديولوجيا، فماذا عساها ان تكون ؟، ويجيب بأنها أي العلمانية هى آلية دستورية لتحييد الدولة لتمكينها من إدارة التعددية في المجتمع بهدف تحقيق المساواة والعدالة وحكم القانون للجميع، إذن هل بالإمكان تطبيق العلمانية على مجتمعاتنا الشرقية وهى نتاج غربي ؟

لابد أن نضع هذا السؤال في حسابنا لكي نجلو  الحقيقة كاملة بشأن العلمانية وتطبيقاتها العملية في مختلف البلدان،  فى مجال الإجابة عن السؤال المذكور.

أسارع بالاجابة بنعم، والتطبيقات كثيرة، فالعلمانية أصبحت قيمة عالمية كحقوق الانسان والحريّة والحق في  الحياة وأخذت بتطبيقها الهند الهندوسية واليابان البوذية وتركيا الاسلامية وأوربا المسيحية، وهي قيمة إنسانية تطورت كما أسلفنا على مدى عصور من مفكرين أعملوا العقل واجتهدوا في الوصول إلى هذه التجربة البشرية بعد معاناة من الحروب والويلات.

ومن المفيد ان نوضح بأن بعض الدول قد نصت دساتيرها صراحة على هويتها  العلمانية مثل الولايات المتحدة وفرنسا وكوريا الجنوبية والهند وكندا والبعض  الاخر لم يذكر العلمانية ولكنها لم تحدد دينا للدولة كمعظم الدول الأوربية وأستراليا ونيوزلندا.

ويخلص د. حبيب سروري الى إن الدولة العلمانية تتكئ على مبدأين جوهريين الا وهما :

 

المبدأ الاول: تفصل الدولة العلمانية بين مجالين مختلفين في حياة الناس: العام والخاص فالمجال العام يضم المدرسة ، والفضاء المدني عموما، مكرس لما يخدم جميع الناس، بغض النظر عن اصولهم وألوانهم ومعتقداتهم الدينية أو ميولهم الإلحادية، لا مرجعية فيه لأي دين أو فلسفة الحادية، أما المجال الخاص يستوعب  كل المعتقدات والرؤى الشخصية، دينية كانت أم لا دينية أو الحادية.

المبدأ الثاني: تضمن الدولة العلمانية المساواة الكلية بين كل المتدينين بمختلف مذاهبهم ، واللامتدينين والملحدين ايضا ، تدافع عن حريتهم المطلقة في إيمانهم أو عدم إيمانهم ( حرية الضمير ) وتحترمها بحق، وبذلك فإن الدين فى الدولة العلمانية يتحول الى  حالة روحية خالصة  لا يستطيع السياسي تسيسها واللعب بهذه المشاعر الدينية لغايات دنيوية.

لا ثمة شك في إن الدولة العلمانية أخذت بيد شعوبها الى التقدم وانتشلتها من الظلمات الى النور وهذا ينطبق على الدول بغض النظر عن توجهاتها الرأسمالية  أو الاشتراكية، ولكن علينا ايضا ان نطرح السؤال التالي: هل من السهولة بمكان تطبيق العلمانية في بلداننا دون عراقيل ؟

جواباً على هذا السؤال أسارع وأقول كلا ، فالتعقيدات  كثيرة والتحديات كبيرة والصعوبات عديدة ، فمن جهة الظلاميون الذين يمارسون اشنع وأبشع التأويلات والتضليلات والنعوت  في الهجوم على العلمانية والعلمانيين، ومن جهة أخرى الحكام العرب الذين يتاجرون بالدِّين ويستخدمون فقهاء السلاطين للسيطرة على عقول وقلوب المواطنين لممارسة تسلطهم.

كما أن هنالك ايضا البعض من المثقفين يرى بأن العلمانية مفهوم غربي استعماري والبعض الآخر ونتيجة للخوف من سطوة التيارات الدينية يتجنب الدفاع عنها ويتخفون بين ثنايا اللاهوتية ويستخدمون  مفاهيم ملتبسة ويستعيضون عنها  بمفاهيم كالدولة المدنية  التى هي ولاشك خطوة متقدمة عن الدولة الدينية من حيث أنها أي الدولة المدنية تحقق جملة من المطالَب كالديمقراطية والمواطنة المتساوية وحقوق الانسان والحريات وغيرها من من الأمور التى تحتاجها الشعوب من أجل التطور والتنمية ولكن ضمن إطار الشريعة.

وفِي هذا الإطار فإن الدولة المدنية لم تخرج عن عباءة الدولة الدينية إلا من حيث النزعة نحو الديمقراطية استجابة لمتطلبات العصر، وهذا لن ينهى الصراعات والحروب الدينية والاضطهاد الطائفي. وهنالك عينة أخرى من المثقفين ترى فى الدول العلمانية سلوكها اللا إنساني المنافق، كما يحدث حاليا في الحرب على الاٍرهاب وكما حدث سابقا في التحالف  مع أعتى الدول الرجعية والحركات الإرهابية في أفغانستان بحجة الدفاع عن الإسلام ضد الشيوعية الكافرة .

ومع ذلك نقول كما قال الدكتور  فرج فوده الذي تمَّ اغتياله بسبب آراؤه الجريئة في كتابه ( حوارحول العلمانية) إنكار العلمانية جهل بالحضارة الحديثة، وإطلاق صفة الكفر على العلمانية  جهل  بالعلمانية، والدعوة للدولة الدينية جهل بحقوق الانسان، والمناداة بعودة الخلافة جهل بالتاريخ. ويجب النظر الى العلمانية كمجرى تاريخي موضوعي  يتطور دائما  بتشابك الأفكار المختلفة وتفاعلها، أي أنه يجب النظر  إلى تاريخ العلمانية كمنظومة من المدارس والتيارات المتفاعلة، مع كونها جميعا في نزوع  دائم إلى الارتقاء والتطور حسب احتياجات المجتمعات ومتطلباتها المعيشية.

 

ويشخص الباحث غازي الصوراني  العلمانية بشكل موضوعي ويضع مجموعة من المحددات وتتمثل في التالي

أولا: تأمين الحرية الدينية

ثانيا: فصل الدين عن الدولة

ثالثا: اعتبار الشعب أو المجتمع مصدر التشريع والقوانين

رابعا: تعزيز المحاكم المدنية العامة لضمان المساواة التامة في الحقوق والواجبات

خامسا: عقلنة الدولة والمجتمع وتعزيز الثقافة العلمية العقلانية وفق الآليات الديمقراطية والتعددية الفكرية والسياسية

سادسا: تحرير الدين من سيطرة الدولة وإساءة استعماله لأغراض سياسية ، وكذلك تحرير الدولة من هيمنة المؤسسات الدينية.

 ويضيف بأن العلمانية  يجب ان يفهمها الماركسيون على انها وعلى الصعيد المعرفي تحرير العقل من المسبقات، والمطلقات، أو تحرير الفكر من الاوهام والخرافات وتحرير الانسان من العبودية، وهي بذلك تقيم  سلطة العقل والمنطق، وعلن نسبية الحقيقة وتاريخيتها وتغيرها.

إذن العلمانية انطلقت من واقع تاريخي منهجي معا كان لابد أن يؤخذ في الحسبان ، هذا الواقع هو إن العلمانية لم تتخذ شكلا واحدا ثابتا على مدى عصور تشكلها كقيمة إنسانية بل كانت تتخذ أشكالا عدة خضوعا لتطورات متلاحقة على مراحل متعاقبة من تاريخ تطور المجتمعات البشرية لتحررالدين من قيود الدولة وتحرر الدولة من قيود  رجال الدين، ويكشف  تحليل تاريخ العلمانية أنها كانت حركة صاعدة  بحيث كانت في كل مرحلة لاحقة تتغلب على نواقص مرحلتها السابق، ولا شك في أن التيارات الدينية بمختلف التلاوين قد بالغوا في استخدام الدين ذريعة لتشويه فكرة العلمانية ،وتبشيع صورتها  كما استخدم ايضا لكبح جماح التطلعات العقلانية التى تدعوا لها العلمانية والتطور الحر المستقل للعقل البشري المبدع .

وإن موجة  العداء هذه لم  تكن لتبلغ هذا الحد لولا الخوف من إن العلمانية ستصيغ حياة بعيدة عن اللاهوت والغيبيات، ليمتد هذا العداء حتى للعلوم  الطبيعة والفلسفة والرياضيات كمرتكزات أساسية للعلمانية. ومن حصيلة ما تقدم نرى إن العلمانية هي التى بإمكانها انتشال مجتمعاتنا  من التخلف وهي محطة من محطات التقدم لابعاد المقدسات من التلاعب بها من رجس البشر ليصبح العلم هو المقياس للتقدم، وإن الانطلاق نحو العلمانية سيجنبنا ويلات الحروب الطائفية وشرور الاٍرهاب المتفشي كالسرطان في مجتمعاتنا ويساعدها على التحرر من عبودية رجال الدين ومن استبداد السلطات وديكتاتورية الحكام . ليصبح العقل حرا طليقا محلقا فى سماء البحوث و الابتكارات العلمية والفكر منطلقا نحو الإبداع الفلسفي والانجاز الذهني .

المصادر:

  • من مقالة في ملحق الجريدة الرينية العدد ١٩٥ – ١٤ يوليو ١٨٤٢
  • الآستاذ مجدي خليل– من برنامج سؤال جرئ
  • د. حبيب عبد الرب سرور ” ما الفرق بين الدولة العلمانية والدولة المدنية ”
  • خالد الدخيل ” العلمانية والالحاد رؤية مختلفة “
  • سمير قمبر “تعريف الدولة العلمانية والمدنية والدينية والإسلامية ”
  • تعريف العلمانية ” موسوعة المعلومات
  • د. فرج فوده ” حوار حول العلمانية ”
  • غازي الصوراني ” الماركسية والدين والعلمانية والديمقراطية– الحوار المتمدن
اقرأ المزيد

الوطن والطائفية

الوطن هو نقيض الطائفية، فعندما يسود النظام الطائفي يغيب الوطن وعندما يفرض هذا –الوطن- نفسه تتوارى الطائفية”1

الوطن لا يحتمل ولا يطيق منافسة الطائفة له على السيادة إذ في هذا ضياعه المحقق، أما الطائفة فهي حين تحل محل الوطن وتحتويه فإنها تضفي صفاتها وخصائصها وولاءاتها عليه، إنها تنفيه إلى العدم لتشيد عدمها الخاص مكانه في هيئة حروب تدميرية عقيمة.

يشير الكاتب العراقي علاء اللامي إلى أنه لا مجال “لأية حلول تلفيقية تخترع توازيات وهمية وبدائل ذات مسميات محايدة تلفلف بها جوهرها الايديولوجي الرجعي، كأن يسمي الطائفي نفسه إسلاميا، أو أن يدعو تنويري مزيف إلى سيادة (العدالة والحق) وإلى إزالة التمييز الطائفي ولكنه يرفض البديل الديمقراطي في نفس الوقت”2.

يغيب الوطن تاريخيا وحضاريا حين تجتاحه قوة غازية فتحتله وتلغي حضوره، أو أن تسيطر عصابة من الناس على المؤسسات القمعية ومصادر الثروة في دولة ما فتلتغي سيادة الوطن لصالح سيادة العصابة، أو أن تستثمر قوة سياسية طائفية منظمة ومسلحة وضع تاريخي لبلد ما فتدخل في في صراع شامل وإبادي مع جميع المكونات التاريخية للوطن، حرثا ونسلا ومؤسسات، ماضيا وحاضرا ومستقبلا.

في عالمنا العربي تحديدا ذهب نتيجة الصراعات والحروب الطائفية آلاف الضحايا، في العراق ولبنان على سبيل المثال لا الحصر. والسبب هو اختيار الفرقاء في الوطن الواحد تقديم المصالح الخاصة على حساب مصلحة الوطن. أي عندما غابت الحقوق والمواطنة وسادت الأنانية والطائفية.

أصبحت الطائفية ما بعد الدولة الحديثة سلوك سياسي يقحم اختلافات النسيج الاجتماعي في الميدان السياسي مخترقا بذلك معنى المواطنة في دولة القانون والحريات والمساواة، التي لا فرق فيها بين أحد وأحد. لذلك ليس المشكل أو الخطر في الانتماء للمذهب الديني وممارسة الطقوس الدينية، بل الخطر حين يصبح الانتماء المذهبي يعمل لتسخير الدولة من أجل مصالح طائفية خاصة.

الدولة الطائفية نقيضة للدولة الحديثة، الأولى تقوم على أساس المحاصصة الطائفية والولاء المذهبي والانتماء القبلي والعصبية المناطقية والعرقية وسواها. أما الثانية فتقوم على الحقوق والواجبات والحريات والمساواة. على احتواء التعدديات وحفظ حقوقها بما يشمل ذلك من حق المذهب الديني في ممارسة شعائره التعبدية داخل الدولة. بينما الطائفية تلغي مفهوم الشعب الواحد، وتجعل الدولة مسخرة من أجل حماية الطائفة وقمع الطوائف الأخرى.

عندما تخفق الدولة في إيجاد هوية وطنية مشتركة تجعل للشعب الواحد مفهوما راسخا في نفوس المواطنين، سيعود أبناء الوطن الواحد إلى التشكيلات الفئوية الصغيرة، سيكون الانتماء والهوية السياسية مرتبطة بالمذهب الديني والانتماء القبلي والعصبية المناطقية والعرقية وسواها.

في العالم العربي لم ترتقِ أي دولة عربية لتكون دولة حديثة بالفعل، فقد ظلّت المعوقات السياسية الداخلية قبل الخارجية حجر عثرة أمام التحول لدولة الحقوق والحريات والعدالة والمساواة ودولة المؤسسات المدنية. بل الأفدح من ذلك، اعتاشت الأنظمة العربية على التقسيمات الطائفية عقودا عديدة، واستفادت من التقسيمات الفئوية للمجتمعات لكي تفرض سيطرتها على المال والأمن والاقتصاد، بل وحتى أصبحت هي السلطة ذات المشروعية التي تلجأ إليها فئات المجتمع المتصارعة.

وعندما اندلعت ثورات الربيع العربي في مطلع العام 2011 في أكثر من بلد عربي، قامت الحكومات العربية بقمعها بشراسة واستغلت التأجيج الطائفي والتخوين لطرف ما داخل الدولة، داعمة نفسها بوسائلها الإعلامية، وبالطبع تاركة لأجهزة الدولة الأمنية العنان لتتصرف بكل بشاعة ضد المحتجين

ومن اللافت الاصطفاف الطائفي (السني/الشيعي) على مستوى الدول العربية من ثورات الربيع العربي، لذلك ليس من المستغرب أن تعتبر مؤسسة أو جماعة أو دولة عربية – على سبيل المثال-ما يحدث في سوريا ثورة تقدمية ضد نظام حاكم مستبد، وفي المقابل تعتبر ما يحدث في تونس أو مصر خروج على الدولة والشرعية وعمل إرهابي منظم مدعوم من قوى خارجية.

إخفاق الدولة في إيجاد الهوية الجامعة، وقمع الدولة لأشكال من مؤسسات المجتمع المدني، وانحياز الدولة لطيف مذهبي دون آخر؛ يُوجِد حينها القابلية للسلوك الطائفي عند جميع الأطراف، بما فيها أطياف المعارضة المهمّشة من قِبل السلطة. فعندما تقوم أي حركة احتجاج داخل الدولة، ثم يستخدم النظام لُغة التخوين ولغة الانتصار للطائفة، فإن الاستجابة ستكون سريعة لدى كل الطرفين. المعارضة ستتخذ لها شكلًا طائفيا، في الوقت الذي تنحاز فيه الطائفة الأخرى لما يقوله النظام.

 

الطائفية والاستبداد هما  معضلتي الدول العربية. والطائفية هي السلاح الفتاك الذي يهدد البلدان العربية، ولا سبيل للتغلب على هذا السلاح الفتاك والقضاء عليه إلا بإحلال الدولة المدنية الديمقراطية(العلمانية) التي تحتوي في إطارها جميع الأطياف الدينية والمذهبية والعرقية كقوس قزح جميل يغطي كل مساحات الوطن وبالتالي يساعد على توفير الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي ليرتقي الوطن إلى أعلى المستويات إقليميا ودوليا .

 

1- أستاذ التاريخ المصري يونان لبيب .

2- الظاهرة الطائفية في العالم العربي، علاء اللامي

اقرأ المزيد

مهام ملحة أمام الحركة العمالية

في الأول من مايو، العيد الأممي للطبقة العاملة، الذي تحييه طبقتنا العاملة ومنبرنا التقدمي لا بد من التأكيد على مواجهة ما يجري من محاولات لتفريغ العمل العمالي والنقابي من مضمونه، ليصبح شكلياً وفارغاً من المحتوى لا صلة له بواقع وهموم وتطلعات الطبقة العاملة في البحرين، ولكي تكون الحركة العمالية والنقابية أكثر قدرة على الدفاع عن حقوقها المشروعة، خاصة في ظل السياسات والتوجهات والقرارات المعلنة التي تنال من الحقوق المعيشية للمواطنين وفي مقدمتهم العمال وذوي الدخل المحدود.

ولا تقل أهمية عن ذلك ضرورة مواجهة تشوهات سوق العمل، وخاصة منها المتاجرة بالعمالة الوافدة واستغلالها، والانحراف بخطط وبرامج البحرنة عن مسارها الصحيح والمأمول، حيث تجري المجاهرة ليس فقط  بفشل خطط هذه البحرنة، وانما اعتبارها مقيدة للتنافسية والنمو الاقتصادي، هذا في الوقت الذى تتفاقم فيه مشكلة البطالة وبشكل خاص في صفوف الجامعيين البحرينيين وأصحاب المؤهلات العلمية والتخصصات التي تعتبر البحرين في أمس الحاجة إليها.

إن السياسات الاقتصادية المعلنة بعد انخفاض أسعار النفط،  والمرجح أنه انخفاض سيطول، تتوجه نحو تحميل العاملين تبعات التدابير التقشفية الصارمة، عبر رفع الدعم عن سلع حيوية، وعبر فرض ضرائب مباشرة وغير مباشرة على المواطنين، بدلاً من المعالجة الجادة والمسؤولة لأوجه الخلل الهيكلي في بنية الاقتصاد، وإعادة توزيع الثروات بشكل منصف، والتمسك بالحقوق المكتسبة التي نالتها الطبقة العاملة ومجمل الكادحين عبر مسار مطلبي وتفاوضي طويل.

ويضع المنبر التقدمي في مقدمة أولوياته، دعم الحقوق المستحقة للطبقة العاملة والحركة النقابية لتحقيق ما يتطلع اليه عمال وشغيلة البحرين، ويجدد الدعوة التي تضافر الجهود في أوساط الحركة العمالية والنقابية، من أجل وحدة الصف النقابي، وفتح مناقشات جادة للتركيز على عمل نوعي مدروس يفتح آفاقاً جديدة لنشاط النقابات المختلفة، ويعزز من مهام الدفاع عن مصالح وحقوق ومكتسبات عمال البحرين ومنع التعدي على ما تحقق لهم منها والحفاظ عليها وتنميتها، خاصة امام التحديات غير المسبوقة التي تواجه عمالنا ومجتمعنا وبلدنا، مؤكدين أن الأهداف الوطنية الكبيرة تكتسب أسمى معانيها عندما تغدو احساساً بالواجب وشعوراً بالمسؤولية تجاه الوطن وأبنائه، خاصة الكادحين منهم.

اقرأ المزيد

حقوق المرأة العاملة في البحرين

تحتفل شعوب العالم بالأول من مايو عيد العمال العالمي تجسيداً وتقديراً لدور الطبقة العاملة التي ناضلت عبر عقود طويلة وقدمت الكثير من التضحيات والشهداء من أجل تحسين ظروف العمل وتحقيق المزيد من المطالب الاجتماعية والاقتصادية العادلة التي تؤمن لهم حياة مستقرة آمنة وعيشاً رغيداً.

وفي هذه المناسبة نوجه تحية الاعتزاز للحركة العمالية الكادحة في بلادنا التي ناضلت وما زالت تناضل من أجل تحسين وضع العامل البحريني وتحقيق مطالبه ونيل حقوقه العادلة والمشروعة، ويسر قطاع المرأة بالتقدمي أن يتقدم بالتهنئة إلى طبقتنا العاملة البحرانية وإلى رفاقنا في لقطاع العمالي متمنين لهم مزيداً من النجاح والعطاء في مشواره النضالي والمطلبي .

كما  يتقدم  القطاع بالتهنئة والتحية إلى المرأة البحرينية العاملة ويشيد بدورها البارز في العمل الذي من خلاله حققت الكثير من الانجازات الذي يشهد لها تاريخها الطويل من الكفاح و الخدمة في المساهمة من أجل تحقيق التنمية البشرية والاقتصاد الوطني وتنوير المجتمع وتطويره، بالرغم من الظروف الصعبة التي   كانت تواجه النساء في العمل، خاصة منهن عاملات مصانع النسيج والملابس ورياض الأطفال حيث كانت طبيعة أعمالهن غير متطابقة مع معايير العمل اللائق لدى منظمة العمل الدولية .

إن هذه المناسبة التي تجسدت بتضحيات العمال ضد الظلم وكل أشكال الاستبداد الذي أنتجه النظام الرأسمالي أصبحت فرصة لتدارس أوضاع الطبقة العاملة نساءً ورجالاً وتقييم إنجازاتها ورفع مطالبها في مسيرات وبيانات ومهرجانات خطابية احتجاجاً على سياسة الحكومات الاجتماعية والاقتصادية وما تحقق لها من حقوق ومكاسب، لذا يتحتم علينا كمدافعين عن حقوق المرأة العاملة مهمة تصحيح أوضاعها في الدفاع عن حقوقها في العمل والمطالبة بها، خاصة فيما يتعلق بموظفات القطاع الخاص اللاتي يتعرضن للتسريح والبطالة والتمييز في الأجور وفي حقوقهن المتعلقة بالأمومة واجازة الوضع وساعة الرضاعة وفي توفير مرافق الرعاية داخل بيئة العمل وفرص التدريب والترقي وضرورة تعديل وإصدار قانون يقر حرية التنظيم النقابي في القطاع الحكومي وتعديل التشريعات والأنظمة لغرض توسيع حقوق المرأة العاملة وإلغاء النصوص التي تسمح بالتجاوز على هذه الحقوق من قبل الإدارات وأرباب العمل.

كما يشمل ذلك تطبيق العمل اللائق في دعم الأم لرعاية الطفل مع حصولها على جزء من الراتب وإتاحة الفرصة أمام الأب ايضاً للحصول على إجازة مدفوعة الأجر وذلك لمساعدة الأم في فترة ما بعد الولادة وفي توفير المرونة في ساعات عمل الأم وسهولة حصولها على أذن أو اجازات مرضية حسب ما تتطلب حالتها الصحية أو صحة  طفلها ورعايته، وإتاحة الفرصة أمام الأم لاختيار العمل الجزئي من وقت الدوام الرسمي الكامل مقابل حصولها على جزء من الراتب، والإهتمام بمصير الموظفات أصحاب العقود المؤقتة وتثبيتهن بدلا من  تسريحهن من أعمالهن في ظل الظروف المعيشية الصعبة ، والعمل على معالجة الأعداد المتزايدة للبطالة في أوساط المرأة وإيجاد الحلول السريعة لها .

اقرأ المزيد

أفكار ماركس بين الأمس واليوم – 5

شبحها ما زال يطارد الرأسمالية

أفكار ماركس بين الأمس واليوم – 5

رؤية ديناميكية للتاريخ

إن هؤلاء الذين لا يعترفون بوجود أية قوانين تحكم التطور الاجتماعي البشري يُقاربون التاريخ بشكل ثابت من موقف أخلاقي ذاتي. مثل إدوارد جيبون Edward Gibbon (ولكن بدون موهِبتهِ غير العادية) يهزون رؤوسِهم على العُنف المجنون اللاَفت للنظر وألا نِهائي، وإِللا إنسانية الإنسان ضد أخيهِ الإنسان وهكذا دواليك. وبدلاً من وجهة النظر العلمية للتاريخ نجد وجهة النظر الشخصية للتاريخ. غير إن المطلوب ليس موعِظة أخلاقية إنما المطلوب تَبَصرٌ عقلاني. فوق ووراء الحقائق المعزولة، إنهُ من الضروري تمييز الميول العامة، والتَحَولات من نظام اجتماعي إلى آخر، واستنباط القِوى المُحَرِكة الأساسية التي تُحَدِد هذهِ التَحَولات.

وحينما نُطبق أسلوب المادية الجدلية على التاريخ، يبدو واضحاً مُباشرةً أن تاريخ البشرية لهُ قوانينه الخاصة بهِ، ويترتب على هذا أنهُ من المُمكن فهم تاريخ البشرية على أنهُ صيرورة. إن نشؤ وسقوط التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية المُختَلِفة يمكن شَرحَهُ علمياً من حيثُ قُدرتها أو عدم قُدرتها على تطوير وسائل الانتاج، وعليهِ تدفع قُدُماً آفاق الثقافة الإنسانية، وتَزيد هيمنة الإنسان على الطبيعة.

يعتقد مُعظم الناس أن المجتمع ثابت طول الزمن، وأن أخلاقه ودينه وقيمهِ الإيديولوجية غير قابلة للتغيير، بِرِفقة ما نُسميه ”الطبيعة البشرية“. ولكن أبسط معرِفة بالتاريخ تُظهِر إن هذا غير صحيح. إن التاريخ يَتَمَثل في نشؤ وسقوط النُظُم الاجتماعية الاقتصادية المختلفة. إن المجتمعات كالأفراد من الرجال والنساء، تولد وتنمو وتصل مداها وتدخل في تدهور ومن ثم أخيراً يتُم استبدالها بتشكيل اجتماعي جديد.

وفي التحليل النِهائي، تتحدد قدرة نظام اجتماعية اقتصادي ما على الحياة بقدرتهِ على تطوير قوى الإنتاج، نظراً لأن كلُ شيء آخر يعتمد على هذا.وتدخل الكثير من العوامل الأخرى في المُعادلة المُعقدة: الدين والسياسة والفلسفة والأخلاق وسيكولوجية الطبقات المختلفة والمُميزات الفردية للقياديين. ولكنَ هذهِ الأشياء لم تنزل من السماء، ومع ذلك سوف تُظهِر التحليلات الدقيقة ولو بطريقة جدلية مُتناقِضة أنها تُحَدِدُها البيئة التاريخية الحقيقية والميول والعمليات المُستَغِلة عن إرادة الناس.

إن دلائل مستقبل مجتمع ما في مرحلة صعودهِ، والذي يُنمي وسائل الانتاج ويدفع آفاق الثقافة والحضارة إلى الأمام، تختلف جداً عن سيكولوجية مجتمع في حالة جمود وتدهور. إن السياق التاريخي العام يُحدد كُلُ شيء. فهو يؤثر في المناخ الأخلاقي السائد، وفي مواقف الرجال والنساء من المؤسسات السياسية والدينية القائمة. بل أنهُ يؤثر في نوعية القادة السياسيين الأفراد.

كانت الرأسمالية في شبابها قادرة على القيام بأعمال بطولية جبارة. لقد طوَرت قوى الإنتاج إلى مستويات ليس لها مثيل، ولهذا كانت قادرة على دفع تخوم الحضارة البشرية إلى الخلف. لقد شعر الناس أن المجتمع كان يتقدم، بالرغم من عدم العدالة والاستغلال الذي اتصف بها هذا النظام دائماً. لقد أعطى هذا الشعور لنمو روح عامة من التفاؤل والتقدُم التي كانت الطابع المُميّز لليبرالية القديمة، مع اقتناعها الثابت بأن اليوم كان أفضل من الغد وأن بُكرة سيكون أفضل من اليوم.

إن هذا لم يَعُد القضية. إن التفاؤل القديم والإيمان الأعمى بالتقدم قد تم استبدالهما بإحساس عميق بعدم الرضى بالحاضر وبالتشاؤم بما يتعلق بالمستقبل. إن هذا الشعور بالخوف وعدم الأمان الموجود في كل مكان في آن واحد ما هو إلا انعكاس سيكولوجي لِحقيقة أن الرأسمالية لم تَعُد قادِرة على القيام بالدور التقدُمي في أي مكان.

في القرن التاسع عشر كانت الليبرالية، الإيديولوجية الرئيسة للبرجوازية، تُمَثل (نظرياً) التقدُم والديمقراطية. ولكن الليبرالية الجديدة بالمعنى الحديث ما هي إلا قِناعاً يُخفي الواقع القبيح للإستغلال الأكثر جشعاً؛ واغتصاب الكوكب وتدمير البيئة دون أدنى اهتمام بمصير اجيال المستقبل. إن الاهتمام الوحيد لدى مجالس إدارات الشرِكات الكبيرة وهم الحُكام الحقيقيون في الولايات المتحدة الأمريكية وفي العالم بأكمله إغناء أنفُسُهُم من خلال النهب: تجريد الأصول والفساد وسَرِقة الأصول العامة من خلال الخصخصة والتطفُل: هذهِ هي السِمات الرئيسة للبرجوازية في مرحلة وهن شيخوختها.

نهوض المجتمعات وسقوطها

”إن الانتقال من نظام إلى آخر كان يُحدِدَهُ نمو قوى الإنتاج، بتعبير آخر، تقنية وتنظيم العمل. وإلى حدٌ مُعين، إن التغيُرات الاجتماعية كمية في صفاتها وهي لا تُغَيّر أسوس المُجتمع، أي، الأشكال السائدة للمُلكية. ولكن تم الوصول إلى نقطة حينما لم تَعُد قوى الانتاج الناضِجة قادرة على احتوى نفسها ضمن الأشكال القديمة للمُلكية؛ ثم تَبَعَ ذلك تغييراً رادِيكالياً في النظام الاجتماعي، بِمُصاحبة هزات.“ (الماركسية في عصرنا، أبريل/نيسان 1939، ليون تروتِسكي.)

والمُجادلة الشائعة ضد الاشتراكية هي أنه من المستحيل تغيير الطبيعة البشرية؛ الناس بطبيعتهم أنانيين وجشعين …إلى آخرهِ. في الواقع، ليس هناك شيء إسمهُ طبيعة بشرية فوق تاريخية. إن ما نعتقد أنها طبيعة بشرية تعرضت لتغيُّرات كثيرة على مدى تطور الإنسان. يُغَيّر النساء والرجال الطبيعة باستمرار من خلال العمل، وبفعلِهم هذا يُغيرون أنفُسِهِم. أما بالنسبة للمُجادلة أن الناس بطبيعتهم جشعين، أثبتت حقائق الإرتقاء البشري عدم صحة هذا القول.

إن أجدادنا الأوائل، الذين لم يُصبحوا بشراً بعد، آن ذاك، كانوا صِغار الحجم وأجسامهم ضعيفة مُقارنةً بالحيوانات الأخرى. لم تَكُن لديهم أسنان أو مخالب قوية. وانتصاب قامتهم معناه أنهم لا يستطيعون الجري بسرعة كافية تُمَكّنهم من اصطياد الغزلان التي يرغبون في أكلها، أو الهرب من أمام الأسود الضارية التي تُريد أن تفترِسهم. وكان حجم أدمغتهم هو نفس حجم دماغ الشمبانزي. يتجولون فوق اعشاب السافانا في شرق أفريقيا، كانوا أقل حظاً في كل شيء تقريباً بالنسبة للأنواع الأخرى من الأحياء – ما عدا في مظهراً أساسياً واحداً.

ويوضح أنجلز في مقالهُ الرائع العمل في التحول من القِرد إلى الإنسان كيف عمل انتصاب قامة الإنسان على تحرير يديه، والتي تطورت إلى عضواً مكنهُ من تسلق الأشجار، ولأغراض أخرى. لقد مثل انتاج الآلات الصخرية قفزة نوعية، أعطت أجدادنا الأوائل ميزة تطورية. وكان الشيء الأكثر أهمية هو الشعور القوي بالحياة المجتمعية والإنتاج الجماعي والحياة الإجتماعية، والتي كانت بدورها مُتصِلة بنَشأة اللُغة.

إن الضُعف الشديد للطفل البشري مُقارنةً بِصِغار الأنواع الأخرى معناه أن أجدادنا الأوائل، الذين أجبرتهم ظروف بقاؤهم من صيد وتجميع لمواد الغذاء على التنقل من مكان إلى آخر بحثاً عن الطعام، كان لابد أن يُنَموا احساس قوي بالتضامُن لحماية أطفالهم ومن ثم تأمين بقاء القبيلة أو الجماعة. نستطيع القول بِكُل ثِقة بأنهُ لولا وجود هذا الاحساس القوي بالتعاون والتضامُن، لانقرض النوع البشري قبل حتى أن يُولد.

ونحنُ نُشاهد هذا حتى اليوم. إذا لوحِظَ أن طفلاً على وشك أن يغرق في نهر، مُعظم الناس سيحاولون إنقاذهِ وحتى أنهم يُخاطرون بحياتهم لإنقاذه. غرق الكثير من الناس في محاولة منهم إنقاذ آخرين. وهذا لا يمكن شَرحَهُ من منطلق حِسابات أنانية، أو روابط علاقات الدم في مجموعة قَبَلية صغيرة. إن الأفراد الذين يتصرفون بهذهِ الطريقة هم لا يعرفون من هو الذي يحاولون إسعافهِ، ولاهم يتوقعون أية مُكافأة على ما يقومون بهِ. إن هذا السلوك الإيثاري يحدثُ تلقائياً ويأتي من استعداد فطري عميق مُتجذر من أجل التضامُن. إن المُجادلة بأن الناس بطبيعتهم أنانيين، والتي هي انعكاساً للمجتمع الرأسمالي الغريب وغير الإنساني والقبيح، هي خزي وعار على الجنس البشري.

وبالنسبة للجزء الكبير جداً من تاريخ النوع البشري، عاش الناس في مجتمعات حيثُ لا وجود للمُلكية الخاصة بالمعنى الحديث للمُصطَلح. لم تكُن هناك نقود ولا مُدراء ولاعُمال، ولا مصرفيين ولا صاحب فُندق ولا دولة ولا دين مُنَظْم ولا شرطة ولا سُجَناء. وحتى العائلة حسب فهمنا لها الآن، لم يكُن لها وجود. واليوم يجد الكثير من الناس من الصعوبة بمكان تصوّر عالَم بدون هذهِ الأشياء؛ فهي تبدو طبيعية جداً حتى أنها قد تكون تدبير إلهي. ومع ذلك فقد تَدَبَرَ أجدادُنا الأوائل أمورهم على نحوٍ لا بأس بهِ بدونها.

يُشَكّل الانتقال من الصيد وجمع الغذاء إلى الاستقرار الزراعي والريفي، أول ثورة اجتماعية كبيرة، والتي أسمها عالِم الآثار الاسترالي الكبير (الماركسي) غوردون تشايلد Gordon Childe، ثورة العصر الحجري الحديث. إن الزراعة تحتاجُ للماء. وحينما تتعدى الانتاج البسيط على مستوى عيش الكفاف، فإنهُ يلزمها الري والحرث والسدود وتوزيع للماء على مساحة واسِعة. وهذهِ مَهام اجتماعية.

يَحتاج الري الزراعي الواسع إلى مُستوى واسع من التنظيم على مستوى كبير. فهو يحتاج إلى حشد أعداد كثيرة من العُمال وإلى مستوى عالٍ من التنظيم والنظام. إن تقسيم العمل الذي كان موجوداً في شكلِهِ الجنيني في التقسيم الابتدائي بين الجنسين ينبَثقُ من احتياجات عملية المخاض وتنشئة الأطفال، وتَطوَرَ إلى مُستوى أعلى. إن العمل الجماعي يحتاج إلى قادة، رؤساء عُمال ومُراقبين وإلى ما هُنا لك، وإلى جيش من الأشخاص الرسميين للإشراف على الخِطة.

يَتَطَلَب التعاون على مثل هذا المستوىى الكبير إلى التخطيط، وتطبيق العِلم والتقنية. وهذا فوق طاقة المجموعات الصغيرة المُنظمة في عشائر التي شكلت نواة المجتمع القديم. إن الحاجة إلى تنظيم وحشد أعداد كبيرة من العُمال أفضى إلى نشأة الدولة المركزية، بِرِفقة الإدارة المركزية وإلى الجيش كما حدث في مصر وفي بلاد ما بين النهرين.

كان ضبط الوقت والقياس عُنصرين أساسيين للإنتاج، وكانا هما بذاتهما قوتا إنتاج. ولهذا تَتَبع المؤرخ اليوناني هيرودوت Herodotus بِدايات الهندسة الرياضية في مصر من أجل عادة قياس الأرض المغمورة كُلُ سنة. إن كَلِمة geometry في حد ذاتِها معناها لا أكثر ولا أقل من قياس الأرض.

لقد مكنت دراسة السماوات والنجوم، والرياضيات رجال الدين المصريين من التنبؤ بفيضان النيل، وإلى آخرهِ. وهكذا، فإن العِلم ينشأ من الضرورة الاقتصادية. كتب أرسطو في كِتابهِ بعنوان: ما وراء الطبيعة: ”بدأ الإنسان يتفلسف لأول مرة عندما توفرت ضرورات الحياة.“  إن هذهِ العبارة تذهب مُباشرة إلى جوهر المادية التاريخية – 2,300 عاماً قبل كارل ماركس.

وفي قلب هذا الانشقاق، أغنياء وفُقراء حُكام ومحكومين مُتعلمين وأُميين، يوجد الانقسام ما بين العمل الذهني والعمل اليدوي. يُعفى رئيس العُمال عادةً من العمل اليدوي الذي يحمل الآن وسماً. ويذكر كِتاب الإنجيل ”مُحطِبو حَطَب ومُستقو ماء“، الجماهير التي استُثنيت من الثقافة، التي تم لفُها في رداء من السِرية والسِحر. إن أسرارها تحرِسُها طائِفة من الكُهان والنواميس التي كانت مُحتَكرة عليهم.

وهنا لقد رأينا الخطوط العامة للمجتمع الطبقي، تقسيم المجتمع إلى طبقات: المُستَغِلين وشِبه المُستَغِلين. في أي مُجتمع حيثُ يكون الفن والعلوم والحكومة مُحتَكَرة من قِبَل الأقلية، فإن تلك الأقلية سوف تستغل وضعها من أجل مصالِحها. إن هذا هو أعظم أسرار المجتمع الطبقي وبقي سِراً مخفياً على مدى الإثني عشر ألف عام الماضية.

وخِلال كُلُ هذا الزمن كانت هناك تَغييرات أساسية عديدة في أشكال الحياة الاجتماعية والاقتصادية. ولكن العِلاقات الأساسية بين الحُكام والمحكومين وبين الأغنياء والفُقراء وبين المُستَغِلين والمُستَغَلين بقيت لم تتبدل. وعلى نفس المِناول، رغم أن أشكال الحكومات مَرَت بتغُيرات كثيرة، بَقيت الدولة على ما كانت دائماً عليه: أداة إكراه وتعبيراً عن الحُكم الطبقي.

إن نشأة المجتمع العبودي وسُقوطِهِ في أوروبا تَبَعَها النظام الإقطاعي، والذي بِدورهِ استُبدِل بالنظام الرأسمالي. إن نشأة البرجوازية، التي بدأت في البلدات والمُدُن الإيطالية والهولندية، وصلت إلى مَرحلة حاسِمة مع الثورات البرجوازية في هولندا وإنجلترا في القرنين السادس عشر والسابع عشر، والثورة الفرنسية الكُبرى من 1789 إلى 1793. صَحِبَ كُل هذهِ التغييرات تَحَوِلات عميقة في الثقافة والفن والأدب والدين والفلسفة.

اقرأ المزيد

كبش فداء

    تروي الحكاية أن سلطاناً طلب من وزيره بناء باخرة ضخمة وفخمة يجوب بها سواحل بلاده، ليتفقد عبرها الأقاليم البعيدة عن مقر حكمه، ويزور بها أصدقاءه من ملوك الدول المجاورة، وتكون باخرته مفخرة للعباد ومعلما من معالم البلاد. وقدم السلطان للوزير خمسائة ألف دينار ذهبي لتغطية تكلفة الباخرة الفاخرة الضخمة. وظل الملك سعيدا وهو يحلم بتلك الباخرة وينتظر إنجازها بفارغ الصبر.

      كلف الوزير نائبه القيام بهذه المهمة السلطانية وقدم له ثلاثمائة ألف دينارا ذهبيا لإنجازها. عبر نائب الوزير عن فخره بهذا التكليف وعن استعداده التام لإرضاء الوزير وخدمة السلطان وتقديم خدمة وطنية للبلاد، وتعهد للوزير أنه سيشكل طاقما مؤهلا لتنفيذ المهمة من أكفأ رجال الدولة وسينتقي العمال بعناية ممن تتوفر فيهم الكفاية والدراية. فاطمأن الوزير لحماس نائبه واندفاعه، وانصرف فرحا وفي جيبه مئتا ألف دينار ذهبي أخذ يخطط كيف ينميها ويشتري بها العقارات والمزارع و….

     استدعى نائب الوزير كبير معاونيه لشؤون الصناعة، وعرض عليه الرغبة السلطانية وقدم له مئتا ألف دينار ذهبي لإتمام هذه المهمة. استدرك كبير معاوني الوزير بأن هذا المبلغ قاصر عن بناء باخرة بتلك المواصفات من حيث جلب خشبها وأثاثها وتسديد أجور العاملين المحترفين الذين يتعين استدعاؤهم من أقاليم بعيدة في البلاد والاستعانة بخبرات من خارجها، وأن المبلغ كفيل ببناء باخرة متوسطة فخمة وقوية تفي بالغرض. غضب نائب الوزير من كبير معاونيه واتهمه بالعجز والوقوف حجر عثرة أمام تحقيق طموح جلالة السلطان في امتلاك شعبه باخرة عظيمة. أجاب كبير المعاونين أنه ليس إلا رجلٌ يسدي النصح بصدق ويقدم المشورة بأمانه، وأنه يضع نصب عينيه مستقبل الباخرة إن تم إنجازها، وسلامة من سيركبها، وأن من يزعم أنه قادر على بناء باخرة بهذه المواصفات وبهذه الإمكانيات ليس إلا واهم أو مدلس وسيبوء عمله بالفشل والغرق.

    زاد حديث كبير المعاونين من استياء نائب الوزير، فلا جدال في تحقيق الرغبة الملكية وتنفيذ توجيهات الوزير، ورأيُ كبير المعاونين يستشف منه عدم الجدية في العمل وابتزاز النائب (والتفلسف) في قضية وطنية!!؛ لذلك استبعده النائب واستدعى معاونه الآخر لشؤون التجارة وكلفه بالمهمة. سُر المعاون كثيرا بهذا التكليف الذي اعتبره شرف يحلم به أي موظف في الدولة. وفسر المعاون اعتراضات كبير المعاونين بأنها حديث رجل تقادمت به الخبرة وتراجعت به الدراية عن المستحدثات في هذا الزمن، فقد ابتكرت العديد من البلدان مواد بناء خفيفة الحجم وأنيقة الشكل ومتينة الصنع وقوية الاحتمال، وأن في البلاد من العمال من يتقن الصنعة ويفي بالغرض، وأن بناء باخرة ليس عملا يستحق كل هذا (التفلسف) والحسابات، بل يحتاج رجلا مثل معاون التجارة قادرٌ على تحويل الأحلام إلى حقيقة بخفة وذكاء.

     أثلجت أقوال معاون التجارة صدر نائب الوزير، واطمأن إلى الخبرة الحديثة والمهارة الجديدة التي يمتلكها المعاون، وتعهد له أن يرقيه إلى مرتبة كبير المعاونين حال إتمامه بناء الباخرة، وانصرف نائب الوزير فرحا وفي جيبه مئة ألف دينار من الذهب، وانشغل بتنميتها في شراء البيوت والمحلات التجارية، وترك معاونه يتولى المهمة الوطنية التي أمر بها جلالة السلطان.

    استدعى المعاون أصدقاءه من أصحاب محلات النجارة وبناء السفن وكلفهم بالمهمة مقابل ربح قدره ثلاثة ألاف دينار ذهبي، واحتفظ لنفسه بعشرين ألف دينار، وأمرهم بالاهتمام بفخامة السفينة، واختيار الخشب اللامع الأنيق، وصناعة الأثاث الفاخر والستائر الحريرية وانتقاء الأقمشة المعشقة بأجمل الزخارف، والزجاج الملون المصقول منه والمنقوش. وأتم الصُناع من أصدقاء المعاون المهمة بنجاح وفخامة وأناقة باهرتين!!

    ذُهل السلطان بالباخرة جمالها وفخامتها ورفعة ذوقها، لم يتخيل أن تُصنع بهذا الألق والأبهة. وركبها في رحلة بحرية تجوب سواحل سلطنته وكان شعبه يستقبله بالتهليل والتلويح والبهجة والفخر بهذا الإنجاز. وتعبيرا من السلطان عن فخره بباخرته، أمر بمكافأة كبيرة لوزيره، وتعبيرا عن حبه لشعبه سمح بجولة (شعبية) أسبوعية على متن الباخرة العظيمة تحمل في كل مرة ألف راكب من مواطنيه المخلصين.

   استعد المواطنون لركوب الباخرة السلطانية التي منَّ عليهم جلالة السلطان بالتعرف عليها ومشاركتهم إياها، وفي الرحلة (لشعبية) الثانية هبت ريح متوسطة أخذت السفينة تتمايل لها، ولم يقلق أحد من الوضع لأن الجو صحو وتلك الرياح تحتملها المراكب الصغيرة فكيف بالباخرة السلطانية العظيمة التي تعد فخر الصناعات الوطنية، ولكن الأمر تغير حين ازداد ميلان السفينة واشتد تأرجحها وكانت الكارثة غير المتوقعة أن تنقلب السفينة على يمينها ثم على وجهها وسط البحر ليغرق جميع من فيها، وتتحول الفرحة بالباخرة إلى مأساة!!

   جُن جنون السلطان واستدعى وزراءه وقضاته ورجال الأمن وكل حاشيته ليُفتوه فيما يرى، وألقى باللائمة على وزيره الذي تنصل من المسؤولية التي كلف بها نائبه، ولم يتأخر النائب في تنصله هو الآخر من المسؤولية، وعبر عن استعداده لإجراء تحقيق مع الفريق الذي تولى مهمة بناء السفينة.

     حقق النائب مع معاونه الذي تولى مسؤولية بناء السفينة وأعرب المعاون أنه أدى ما عليه ولم يقصر وأن ما حدث خلل فني قد تتعرض له أي سفينة. ولكن حجم الكارثة لا تغطيه أي مبررات والنهاية المرعبة للباخرة الفاخرة يجب أن يتحمل مسؤوليتها أحد. فلم يجد النائب بُدا من تحويل معاونه إلى (كبش فداء) ينجو به من هذه الورطة، وأن يحمله وحده مسؤولية موت أكثر من ألف مواطن، فأمر بتحويله إلى القضاء بتهمة الإهمال وتبديد المال العام، وأمر بإغلاق جميع المحلات التي اشتركت في بناء الباخرة وحبس مُلاكها.

   وهكذا أعلن السلطان لشعبه أن الفساد في قضية الباخرة قد تم تتبعه وأن الجاني قد نال جزاءه، وأن نائب الوزير يستحق المكافأة على ما بذله من جهد منقطع النظير في حل القضية بتفان وإخلاص!!

اقرأ المزيد

بيان صادر عن اللقاء اليساري العربي بمناسبة الأول من أيار، عيد العمال العالمي

في العيد الواحد والثلاثين بعد المئة للمواجهة البطولية التي خاضها عمال شيكاغو من ضد الاستغلال الرأسمالي ومن أجل حقهم في الحياة الكريمة، نوجّه تحية إكبار وإجلال إلى شهيدات الطبقة العاملة وشهدائها وإلى كل المناضلين في العالم العربي والعالم من أجل التحرر من الاستعمار والامبريالية والمكافحين لإرساء العدالة الاجتماعية والمساواة.
لقد أكّدت الطبقة العاملة العربية وأحزابها، في السنوات الماضية التي تلت ثورتي تونس ومصر والانتفاضات التي عمّت العديد من بلداننا، أنها لا تزال طليعة التغيير الهادف إلى الخلاص من التبعية وما سببته من تخلف وفقر وقمع، وأنها مستعدة لتقديم كل ما يلزم في سبيل تحقيق الأهداف الوطنية والطبقية التي تطمح شعوبنا لانجازها، وفي المقدمة منها مقاومة تفتيت أوطاننا وإنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية ومحاربة الارهاب وداعميه ومموليه. ولم تنس الطبقة العاملة وأحزابها وتنظيماتها النقابية الثورية القضية المركزية لشعوبنا والتي تتمحور حول تطوير المقاومة بكافة أشكالها من أجل تحرير أرض فلسطين المغتصبة من قبل الصهاينة وإنجاز حق العودة للشعب الفلسطيني ومساعدته على بناء دولته الوطنية وعاصمتها القدس. كما لم تنس أن المهمة الأولى في هذا المجال تكمن اليوم في تحرير الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين المضربين عن الطعام على امتداد أرض فلسطين الأسيرة.
عاش الأول من أيار، يوما للنضال من أجل التغيير.
اللقاء اليساري العربي
لجنة التنسيق
اقرأ المزيد