المنشور

تحذير من الآثار الوخيمة للسياسات الاجتماعية والاقتصادية المتبعة ودعوة إلى سياسات تشغيل يكون العامل البحريني محورها

 

بكل ما يبذلون من جهود عظيمة وما يقدمون من تضحيات جسام على مر التاريخ في كل بقاع الأرض، يواصل عمال العالم احتفالهم بيومهم العالمي: الأول من مايو/ آيار، عيد الشغيلة والمنتجين لثروات هذا العالم والمتحصلين على العائد الأقل من هذه الثروات. ويُخلد الأول من مايو /آيار تضحيات الطبقة العاملة حول العالم بدءأً بتضحيات العمال في مواجهتهم سلطة رأس المال في شيكاغو عام 1886 والذي وثّقه قرار إجتماع أحزاب الأممية الاشتراكية في باريس عام 1889 الذي قرّر فيه الأول من مايو 1890يوماً لتنظيم مظاهرات تأييداً لهذا القرار ومروراً بالعديد من المحطات النضالية إلى يومنا هذا.

يحتفل عمال العالم بعيدهم ليؤكدوا مواصلة نضالهم من أجل حقوقهم كافة، بما فيها الحق في تأسيس وبناء نقابات فاعلة تتحمل مسؤولية الدفاع عن مصالحهم في وجه الهجمة الشرسة لرأس المال، من أجل ضمان الحق في العمل وتحسين ظروفه، ومن أجل تأمين طبابة وتعليم مناسبين لأطفالهم، وتحقيق المساواة بين جميع العاملين، ومن اجل حماية اجتماعية وتأمين حياة كريمة للمتقاعدين والمسنين والنساء والأحداث.

في كل العالم، وفي هذا اليوم،  يتظاهر العمال من أجل توزيع عادل للثروة التي انتجت من عرقهم وكدهم وجهودهم، ومن اجل التحرر والانعتاق من استغلال رأس المال ومن اجل إقامة مجتمع تسود فيه قيم العدالة الاجتماعية، ومواجهة خطط تحميل الشغيلة نتائج ازدياد وتعمق أزمة النظام الرأسمالي على المستوى العالمي حيث يزداد وحشية وتغول في مصادرة حقوق الشغيلة والكادحين وجر العالم لحروب طاحنة يجني منها الارباح الطائلة على حساب معيشة الكادحين وأمن وصحة الغالبية الساحقة من بني البشر، وما نتج عن هذه السياسات من تدمير للبيئة بحيث اصبحت الحياة على الكوكب تواجه أخطاراً جدية، فيما الرأسمالية المتوحشة توغل في سياساتها الأنانية لاستنزاف الثروات وتدمير الحياة.

نحتفل هذا العام على المستوى الوطنى وعمالنا وحركتنا العمالية تواجه العديد من المصاعب والتحديات أهمها:

  1. استمرار تفتت الحركة النقابية وانشقاقاتها على اكثر من صعيد والصراعات الداخلية في صفوفها، والذي نتج عنه ازدياد ضعفها وعدم قدرتها في الدفاع عن عمالها وتهميش دورها سواء على المستوى الوطني ام مستوى الشركات والمؤسسات ومواقع العمل وتوقف جميع أنواع الحوار حول الحقوق والمطالب العمالية.
  2. تفرد الحكومة في جميع القرارات والاجراءات المتعلقة بالشأن العمالي مع انحياز تام مضاد لمصالح الشغيلة والكادحين وكذلك تغييب التمثيل العمالي في مجلس إدارة الهيئة العامة لتأمين الاجتماعي في مخالفة صريحة لقانون هيئة التأمين الاجتماعي وتجاهل تام لما تنص عليه معايير العمل الدولية.
  3. وللعام الرابع على التوالي، فإن عيد العمال العالمي يمرّ، دون أن يستطيع العمال والنقابيون تنظيم مسيراتهم السلمية المعبرة عن مطالبهم المشروعة
  4. يتواصل عجز الجهاز التنفيذي والمعنين بالعمل من تأمين فرص عمل للشباب، والتمويه على ذلك بتكرار الإعلان عن إحصائيات بعيدة عن الواقع، وبرامج تدريب تصرف عليها الأموال الطائلة بدون ناتج، وخير مثال ما يعرف بقائمة متدربي  تمكين منذ ما يربو على 11 عام والتي آل مصير معظم متدربيها إما ألى الجلوس في البيت أو الى عقود عمل مؤقتة ظالمة وبمرتبات هزيلة وبدون تأمين اجتماعي، هذا عدا عن القائمة الطويلة من خريجي الجامعات من كفاءات علمية ومهنية كالاطباء والمهندسين والممرضين والمعلمين وغيرهم من المؤهلين في جميع حقول العلم والمعرفة والتي تتضخم وتنمو بشكل مضطرد الذين ما زالوا يعانون من البطالة، دون وجود أفق قريب لتوظيفهم.
  5. تستمر وتتعاظم معاناة العمال في عدم تحصلهم على رواتبهم في العديد من الشركات والمؤسسات أمام عجز الجهات المعنية عن معالجة هذه الظاهرة المتزايدة
  6. ونتيجة لسياسات الحكومية بالتوافق مع المؤسسة التشريعية في فرض ضرائب تترتب عليها نتائج كارثية على معيشة ذوي الدخل المحدود مع ما صاحبه من رفع الدعم عن العديد من المواد الغذائية الضرورية، نتج عنها تآكل وتبخر مداخيل الكادحين مع كل بداية الشهر في ظل غلاء المعيشة الفاحش

لهذا كله ولغيره من تحديات نؤكد على:

  • دعوة كل العمال وفي مقدمتهم القيادات العمالية في النقابات والاتحادات وجميع الهياكل العمالية الى تجاوز خلافاتهم وتغليب المصلحة العامة للعمال والكادحين والعمل على إستعادة وحدة الحركة العمالية من اجل انتشالها من حالة الضعف والتهميش التي تمر بها، وتساهم في استعادة دورها ومكانتها مما يؤمن لها المشاركة في إدارة كل ما يعنى بالعمال وحقوقهم.
  • التحذير من الاستمرار في السياسات الاجتماعية الاقتصادية المتبعة الخاضعة لسياسات وتوصيات البنك الدولي وغيره من المؤسسات وبيوت الخبرة الأجنبية المتمثلة في الخصخصة وزيادة الضرائب ورفع الدعم والتي تتجلى نتائجها في العديد من الدول وتمثلت في مزيد من المصاعب للكادحين وأصحاب الدخل المحدود ومزيد من عدم الاستقرار والأزمات الاجتماعية.
  • أهمية أن تكون هناك سياسات تشغيل يكون محورها الأول هو العامل البحريني، بحيث تؤمن له فرص وظروف عمل لائقة تساهم في استقراره وتطوره الوظيفي، وتمكنه من المساهمة في العملية الانتاجية اطول فترة ممكنة مع قدرته على العطاء
  • اتباع سياسة شفافة وحازمة في مواجهة الفساد وهدر الأموال العامة، والعمل على صيانة هذه الأموال وتوجيهها في استثمارات اجتماعية تعود بنفعها على العامة من المواطنين وتوفير فرص عمل لائقة لهم.
  • العمل على تفعيل دور المنظمات العمالية وصيانة استقلاليتها وبناء قدرات كوادرها بما يمكنها من أداء دورها في تمثيل العمال والدفاع عن مصالحهم ومكاسبهم.

 

المجد للطبقة العاملة في البحرين والعالم في عيدها المجيد …

 

قطاع النقابات العمالية والمهنية في المنبر التقدمي

الأول من مايو 2018

اقرأ المزيد

بكين تصنع الاتفاق الكوري

 

في ظننا أنه يتعين قراءة الاتفاق الكوري – الكوري، في سياق أشمل من كونه مجرد اتفاق بين بلدين يشكلان أمة واحدة، شاءت أقدار السياسة والتاريخ أن تنقسم، وأن يكون لكل قسم نظامه الاجتماعي – السياسي المختلف عن الآخر.
صحيح القول بأن قادة الشطرين الشمالي والجنوبي تحلوا بالضروري من الحصافة وبعد النظر ما مكنهم من تفادي أحابيل الإدارة الأمريكية التي كان يروق لها استخدام الفزاعة النووية لشمالي كوريا في ابتزاز جنوبها، ولكن لا بد من الوقوف على الدور الصيني الحاسم في التوصل إلى هذا الاتفاق.
أكثر من ذلك، علينا أن نرى في الدور الصيني علامة أخرى على تبدلات النظام الدولي، وتحوله من أحادية القطب الأمريكي التي سادت نحو عقدين وأكثر بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتقلص نفوذ روسيا في العالم، في اتجاه تعددية قطبية، ولا نقول ثنائية، فإضافة إلى استعادة موسكو الكثير من المهابة الدولية التي فقدتها، وعودتها للعب دور دولي مهم، على الأقل في بعض المناطق، فإن الصين بدأت تحصد ثمار سياساتها طويلة الأمد التي عملت عليها بصمت وتأنٍ ودهاء، منفذة «بروسترويكا» خاصة بها، فَطِنة ومتأنية جمعت بين مركزية النظام الاشتراكي وآليات اقتصاد السوق، على خلاف «بيروستريكا» جورباتشوف الغبية التي دمّرت القائم دون أن يكون لدى صاحبها تصور للبديل.
في الوقت الذي كانت فيه نذر المواجهة العسكرية تشتد بين كوريا الشمالية وواشنطن مع مجيء إدارة ترامب، كانت الصين تعمل بصمت على تخفيف حدة التوتر، فيما كانت في العلن توجه الرسائل التي تخدم خطتها، حين قالت إنه في حال بدأت بيونج يانج الحرب فإنها سوف تقف موقف الحياد، لكن الأمر لن يكون كذلك في حال بدأت الولايات المتحدة الحرب، فحينها ستتدخل للوقوف في وجهها.
المؤكد أن بكين لا ترغب في مواجهة عسكرية مع واشنطن بصورة من الصور، لكنها أيضاً تريد إفهام الأخيرة أنه لا يمكن تجاهل دور الصين الاستراتيجي في تلك المنطقة كون الأمر يتصل مباشرة بأمنها ومكانتها. وحسب بعض التقارير، فإن بكين تعتبر كوريا الشمالية منطقة عازلة بوجه أي تدخل خارجي يستهدفها، بالنظر إلى أنها مطوقة ببلدان ذات أنظمة موالية للغرب. وفي العلاقة مع الكوريين الشماليين فإن لدى بكين أوراق ضغط كثيرة، بينها أوراق اقتصادية مهمة، وبرعت بكين في التلويح بها أو حتى استخدام بعضها، لحمل الزعيم الكوري الشمالي على القبول بتسوية مع الجنوب، تنقذ قسمي كوريا والمنطقة كلها من مخاطر مواجهة مدمرة.
الاتفاق الكوري – الكوري هو نجاح صيني بامتياز، يحمل رسالة متعددة الاتجاهات، أهمها، على الإطلاق، أن أمور العالم ومصائره لم تعد تقرر في عاصمة واحدة، وأن بكين باتت عاصمة ثالثة، بعد واشنطن وموسكو، يجب أن يحسب لكلمتها حساب.

madanbahrain@gmail.com
اقرأ المزيد

التقدمى يثنى على قرار تخفيف عقوبة الإعدام ويدعو الى عدم تقييد العمل السياسي

اثنى المنبر التقدمى على قرار جلالة الملك اليوم بتخفيف حكم الاعدام الذي سبق وان ايدته محكمة التمييز العسكرية صباح امس الأربعاء 25 إبريل 2018 والذي قضى بحكم الإعدام على أربعة مواطنين بحرينيين تمت إدانتهم بالشروع في اغتيال المشير خليفة بن أحمد الخليفة، الى الحكم بالسجن المؤبد هو خطوة ايجابية تركت اثرا طيبا في نفوس المواطنين، ويمكن أن يكون لها مردود ايجابي على عملية استعادة الاستقرار في البلد، وعلى سير الحياة السياسية ، داعياً الى المزيد من الخطوات التى تنعش الحياة السياسية والاجتماعية فى البحرين.

وعبر التقدمي في تصربح صحفي اليوم عن تقديره العالي لقرار جلالة الملك  باعتباره يدخل في نطاق صلاحياته الدستورية؛ معبرا عن طموحه في أن تتبع هذه الخطوة خطوات اخرى، بينها ما سبقت الدعوة  اليه بعدم المصادقة على المشروع بقانون الذي أقره مجلس النواب بحرمان اعضاء الجمعيات المنحلة من حق كفله لهم الدستور بالترشح في الانتخابات النيابية والبلدية.

كما دعا التقدمي في تصريحه بتوجيه الجهات المسؤولة في الدولة بتهيئة الاجواء والعمل على تخفيف الاحتقانات بمعالجة نتائج الازمة بحكمة وترو؛  والتواصل مع القوى السياسية المختلفة لتهيئة الاجواء لمشاركة مجتمعية شاملة في الاستحقاق الانتخابي القادم.

وناشد التقدمي جميع القوى السياسية العمل على المساهمة في انجاح هذه الخطوات التي نعتقد انه سيكون لها اثر ايحابي على المجتمع البحريني والعملية السياسية كأساس يبنى عليه للخروج من  حالة الازمة التي تعيشها البحرين منذ ما يزيد على سبع سنوات؛ عبر الحوار الهادف البناء والمسؤول من جميع الأطراف.

المنبر التقدمي

25 ابريل 2018

اقرأ المزيد

الجُزر الصغيرة للثقافة

في الفيلم الأمريكي الشهير «you,ve got mail» بطولة توم هانكس وميج راين، نتعرف إلى المرأة الشابة، التي ورثت عن أمها مكتبة لبيع كتب الأطفال، تعود لأربعين سنة؛ بحيث باتت معروفة لدى سكان المنطقة، الذين يقصدونها؛ لشراء الكتب لأطفالهم مستعينين، أيضاً، بخبرة الأم، ومن بعدها ابنتها الوريثة، في معرفة الكتب المناسبة لمختلف الأعمار.

في لحظة فارقة، يتقدم رجل أعمال طموح بمشروع لبناء مجمع كبير في المنطقة ذاتها، لا يكتفي ببيع الكتب وحدها، وإنما الهدايا والتحف وبضائع أخرى، فضلاً عن أنه سيضم مقهى، ورغم أن الأهالي قاموا باحتجاجات ضد إقامة المُجمع؛ لأنه يشوه الطابع المعماري للحي؛ لكن صاحب المشروع ينجح في إقامته، في النهاية، فلا تقوى مكتبة كتب الأطفال المعمرة الصغيرة، على الصمود في وجه جاذبية المجمع الجديد للزبائن، بما هو عليه من فخامة وأناقة.

من شاهدوا الفيلم، الذي يعود إلى تسعينات القرن الماضي، يتذكرون أن الفتاة التي ورثت المكتبة عن أمها المتوفاة، ورجل الأعمال صاحب المشروع الجديد، كانا يتراسلان عبر الإنترنت، دون أن يعرفا بعضهما بعضاً، وكانت المرأة تشكو في رسائلها للرجل من المصير البائس، الذي ينتظر مكتبتها في حال أُقيم المجمع الكبير، فيرد عليها الرجل: «لا تعتبري المشروع استهدافاً شخصياً لك. إنه بزنس، وحين يجد رجل الأعمال فرصة لتوسيع أعماله، سيكون خطأ منه أن يُضيّعها».

نستحضر حكاية هذا الفيلم على خلفية نقاشات ينشغل بها الوسط الثقافي في البحرين في الأسابيع الماضية، أشعلتها ثلاثة إعلانات بانتهاء مشاريع ثقافية معروفة، ابتدأت بإعلان الشاعر الكبير قاسم حداد عن إغلاقه لموقع «جهة الشعر» الإلكتروني، بعد أن عجز عن تأمين الدعم المالي اللازم لاستمراره؛ بسبب ظروف الداعمين، الذين أمَّنوا للموقع البقاء نحو ثلاثة عقود. تلى ذلك إعلان جاليري «رواق الفنون» الشهير في إحدى ضواحي العاصمة المنامة عن إغلاق مقره، الذي كان مقصد أنشطة فنية وثقافية عديدة؛ لأن مالك العقار تلقى عرضاً مجزياً من أحد المستثمرين بفتح مطعم فيه، فوافق عليه. وأخيراً، أيضاً أعلنت «مكتبة البحرين»، عن إقامة تصفيات على محتوياتها من الكتب؛ لأنها تستعد للإغلاق نهاية هذا الشهر. وهي مكتبة صغيرة المساحة، وفي مكان منزوٍ نسبياً في المنامة؛ لكنها تتميز بتوفر نسخ نادرة من الكتب، بطبعات قديمة، لم تعد متوفرة لا في المكتبات الأخرى، ولا حتى في معارض الكتب؛ لذلك كان المهتمون بالقراءة، حتى من زوار البحرين، يقصدونها لهذه الغاية.

صاحبا المكتبة أوضحا أن السبب يعود، أيضاً، لرفع إيجارها من قبل مالك العمارة، التي تقع فيها منذ نحو عشرين عاماً، ولا تسمح مداخيل المكتبة المتواضعة من بيع الكتب بتأمين الإيجار الشهري الجديد، فاضطرا لإغلاقها، فلا طاقة ل «جزر» الثقافة الصغيرة بمقاومة طوفان المال.

اقرأ المزيد

موســــم صيــــد الحيتــــان..!

أسوأ ما في البلدان التي يحتل فيها الفساد مواقع متقدمة، حين تجد السلطات التنفيذية والقضائية والبرلمانية تتقاذف الكرة وكل منها يلقيها في ملعب الآخر، الأمر الذي يجعل الكل مشبوهًا والكل متهمًا الى ان تثبت.. التهمة..!!

وأسوأ ما في المشهد حين يُقدم الفاسدون والمفسدون أنفسهم او يروّج لهم في صورة المنزهين عن الهوى، والصالحين والمصلحين، وأرباب المشاعر الوطنية والمواقف النبيلة، فيما الكل يأخذ بدل أتعاب من حساب الشعب، ومن حساب الوطن، ومستقبل الوطن..!

في المنطقة العربية وجدنا مطالبات شعبية لا تتوقف تدعو الى محاربة الفساد على أوسع نطاق، ولكنها ظلت في إطار محدد، إطار لا يخرج عن المطالبات العقيمة والشعارات المفرغة من مضمونها، الأمر الذي أدى الى تنامي الفساد بشكل تجعل مكافحته تغدو عصية وشديدة التعقيد، وكم هو بالغ السوء حين يصبح الفساد في صلب ثقافة المجتمع، أي مجتمع، وهي الثقافة التي تحول دون جعل المرتكب للفساد مداناً في أوساط المجتمع، وتغدو الاخلاقيات السائدة متقبلة ومتسامحة حيال المخالفات والتجاوزات والممارسات التي تدخل ضمن تعريف الفساد، وتجعل الرشوة إكرامية حين إنجاز او تمرير معاملة استثنائية او غير قانونية، وليس غريباً ان تؤكد منظمة الشفافية الدولية في تقرير لها بأن غالبية الدول العربية لم تستطع تحقيق نتائج حقيقية تعكس إرادة الشعوب في أنظمة ديمقراطية فعالة تعطي المساحة اللازمة للمساءلة والمحاسبة، وجاء مؤشر مدركات الفساد لعام 2017 ليؤكد في خلاصاته بأن الفساد في المنطقة العربية باقٍ ويتمدد، وان إقامته في هذه المنطقة ستطول.

في العراق حيث الانتخابات البرلمانية قريبة، تابعنا الحديث الرائج هذه الأيام والذي محوره موضوع الفساد، وفي غمرة ذلك وجدنا أجواء ساخنة وزاخرة بالكشف عن ملفات فساد نواب وسياسيين ورؤوس كبيرة، فساد بجميع أشكاله، مالي وإداري وسياسي، ووجدنا من يتبنى القول بأن الحرب على الفساد لا تقل أهمية عن الحرب على الارهاب، وهناك من رأى ان الحرب على الفساد أشرس من الحرب على داعش، ووجدنا من عبّر عن قناعته بأن داعش ولدت من رحم الفساد، ولم يكن غريباً ان نجد شعارات بهذا المعنى رفعت في مظاهرات العراقيين ضد الفساد، أحدهم قال إن الفساد في العراق كان نملة وأصبح ديناصوراً، فيما نشر أحد الناشطين العراقيين على وسائل التواصل الاجتماعي صورة لنخلة يتسلقها عدد كبير من الأشخاص، وكتب عبارة «هكذا تسلق ساسة الفساد ينهبون ثمرات وخيرات بلدي، فمنهم من سرق ولا يزال يسرق، ومنهم سرق وهرب، ومنهم من ينتظر دوره»..!.

المعضلة أن الفساد في العراق وصف وعلى لسان ساسة عراقيين بأنه فاق التصورات، منهم من قال بأن الفساد كان نملة وأصبح ديناصوراً، ومنظمة الشفافية الدولية اعتبرت هذا البلد العزيز بأنه في صدارة الدول المنكوبة بالفساد، ليس لهذا السبب وحده نتحدث عن العراق، بل يضاف الى ذلك ان ثمة حراك قد بدأ أطلق عليه «موسم صيد الحيتان»، استهل بعمليات اعتقال محافظين ومسؤولين حكوميين، منهم من تمكن من الهروب خارج البلاد، هذا أولاً، ولأن بعض قادة الحراك

المدني ضد الفساد أكدوا بأن جهود محاربة الفساد لا ترتقي الى الحد الأدنى من الطموح، وان أقدام الفاسدين ترسخت في الكثير من المواقع والمراكز، هذا ثانياً، ولأن ساسة فاسدين كثر وحلفاءهم من التجار والسماسرة والنواب ومنظمي الصفقات والمشاريع الوهمية والذين شيعوا ضمائرهم الى مثواها الأخير جعلوا الفساد وسيلة للمحافظة على المحاصصة والتوازن في تقاسم السلطة والملفات بين بعض الأحزاب والتسويات السياسية التي في الغالب ما تكون غطاء لحماية الفاسدين، وأخيراً لأن هناك وعياً شعبياً متنامياً بعدم إعطاء الفرصة للمترشحين كذباً بالدين، والذين يجيدون مخاطبة العامة والبسطاء ويدغدغون مشاعرهم باسم الدين وهم أول من يعرف ان شعاراتهم الدينية لا تطابق التزامهم الحقيقي بالدين، ولا توافق مسعاهم في دنيا السياسة..!!.

ولأن الانتخابات قريبة في العراق فقد وجدنا حرب شائعات وتشهير غير مسبوقة وغير أخلاقية على حد وصف سياسيين عراقيين بين مرشحين وقوائم، وفي الوقت ذاته وجدنا من يرفع شعارات رافضة للجوقة التي تسيل أفواهها بلعاب الامتيازات والمناصب والمناهب، والتي لا تجيد سوى التلون والتلوين، على هذا الأساس وجدنا شعارات ترفع «مثلي لا ينتخب مثله»، و«لا نريد نواباً يلعبون دور الكومبارس في سيناريو عبثي»، و«لا نريد نواباً ينهبون ويعظون»، و«لا نريدها مهزلة»، شعارات تستحق ان نستنسخها، وان نرفعها في انتخاباتنا البرلمانية المقبلة التي تتزاحم بشأنها علامات الاستفهام، وهنا لابد ان نقول للمعنيين بشأنها لا تجعلوها نسخة مكررة من الانتخابات الفلكلورية السابقة، لم يعدْ من الجائز ان تتجاذبنا شعارات التقدم ووقائع التخلف في الممارسة الديمقراطية ومسار التجربة البرلمانية، باختصار نريده مسار انفراج لا مسار فرجة، والبرلمان إما ان يكون برلماناً او لا يكون..!!.

اقرأ المزيد

جمعيتا “القومي” و”التقدمي”: تؤكدان أن الاقتراح بقانون بمنع أعضاء الجمعيات المنحلة من حق الترشح غير دستوري ونطالب بعدم تمريره

رفضت جمعيتي المنبر التقدمى والتجمع القومي  محاولة منع أعضاء وقيادات الجمعيات السياسية الفعليين المنحلة من الترشح  فى الانتخابات البرلمانية والبلدية وقالت الجمعيتان فى بيان مشترك ان ذلك أمر غير دستوري وينتقص من حقوق المواطنة التى نص عليها دستور مملكة البحرين والمواثيق والاتفاقيات الدولية ، وطالبت الجمعيتان السلطة التشريعية  ان تلاحظ مدى العوار الدستورى الذى شاب المقترح النيابى ، كما ناشدتا جلالة الملك بعدم التصديق عليه تعزيزاً لعملية الاصلاح وتطويراً لها، واستعرض البيان الحيثيات القانونية التى تجعل مشروع القانون النيابي متعارضان مع ما ينص عليه الدستور ، وفيما يلى نص البيان:

على غير عادتها، وفي فترة قصيرة أحالت الحكومة الى مجلس النواب بصيغة مشروع بقانون الاقتراح المقدم من مجلس النواب والذي أقره المجلس في جلسته بتاريخ 20 فبراير الماضي والقاضي “بمنع أعضاء وقيادات الجمعيات السياسية الفعليين المنحلة بشكل نهائي بسبب ارتكابها مخالفة جسيمة للدستور أو أي قانون من القوانين، من ممارسة حقهم بالترشح في الانتخابات البلدية والنيابية المقبلة.

كما يشمل المنع، بحسب المقترح، كل من تم طرده “أو سحبت عضويته” من مجلس النواب وكل من استقال من المجلس بهدف تعطيل عمل البرلمان، بالإضافة إلى من صدرت ضده أحكام قضائية جنائية”. ووضعته في صيغة مشروع قانون واعتبرته متوافقا مع دستور وقوانين المملكة.

إننا في جمعيتي التقدمي والقومي في الوقت الذي نؤكد فيه على ما سبق وذكرناه في بيانات سابقة بعدم دستورية هذا الاقتراح وفي صيغته المقدمة من الحكومة، وأن الشروط الجديدة التي وضعها تنال من مبدأ السيادة الشعبية والاقتراع العام ومن حقوق المواطنة التي نص عليها الدستور والمواثيق والاتفاقيات الدولية ومن أبرزها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي وقعت عليه مملكة البحرين.

إذ ينص الدستور في المادة الاولى في الفقرة (د) على أن نظام الحكم في مملكة البحرين ديمقراطي، السيادة فيه للشعب مصدر السلطات جميعا، عملاً بمبدأ الاقتراع العام، الذي يخول كل مواطن حق الانتخاب، دون أن يحرم أحدا في استخدام هذا الحق. وهو ما أكدَّت عليه المادتان 56 و57 من الدستور بالشروط التي حددتها في عضو مجلس النواب وهي ذات الشروط التي نصَّ عليها قانون مجلسي الشورى والنواب.

ونؤكد للسلطتين التشريعية والتنفيذية والرأي العام مدى تعارض هذا المشروع مع ما ينص عليه الدستور في العديد من مواده ابرزها كما يلي:

1 – المادة الاولى الفقرة (هـ ) نصت بوضوح على أن (للمواطنين، رجالاً ونساءً، حق المشاركة في الشئون العامة والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق الانتخاب والترشيح، وذلك وفقاً لهذا الدستور وللشروط والأوضاع التي يبينها القانون. ولا يجوز أن يحرم أحد المواطنين من حق الانتخاب أو الترشيح إلا وفقا للقانون). والذي قيّدته  المادة -31- على أنه “لا يجوز أن ينال تنظيم أو تحديد الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور من جوهر الحق أو الحرية” وهذا ما يتنافى مع ما ينص عليه هذا المقترح.

2- ما نصّت عليه المادة -120- الفقرة (ج) حول أنه “لا يجوز اقتراح تعديل المادة الثانية في هذا الدستور، كما لا يجوز اقتراح تعديل النظام الملكي ومبدأ الحكم الوراثي في البحرين بأي حال من الأحوال، وكذلك نظام المجلسين ومبادئ الحرية والمساواة المقررة في هذا الدستور”.

2- ما نصَّ عليه الدستور في المادة 20 الفقرة -ب- بأن العقوبة شخصية. حيث أكدّ نص المادة على هذا المبدأ لأهميته ووضوحه، فالعقوبة شخصية بمعنى أنها لا تلحق إلا شخص الجاني، ولا تنال أحداً غيره.

3- إن الاحكام النهائية الصادرة بحل الجمعيات السياسية منها على سبيل المثال الحكم الصادر في مواجهة جمعية وعد قضى بعقوبة حل الجمعية وإعادة أموالها إلى خزينة الدولة بصفتها الاعتبارية، ولم يقضِ الحكم ولم يشتمل مطلقا على أية عقوبة ضد أي من قيادة وأعضاء الجمعية، وبذلك لا يجوز حرمان أحد من حق الترشح لمجلس النواب دون عقوبة تصدر في مواجهته هو شخصياً، عملاً بمبدأ شخصية العقوبة الذي نصَّ عليه الدستور.

وتؤكد الجمعيتان على أن أي شروط أو قيود تم وضعها أوسيتم وضعها تتجاوز الشروط التي وضعها الدستور لحق الترشيح لمجلس النواب، لا تنال فقط من مبدأ السيادة الشعبية والاقتراع العام ومن حقوق المواطنة التي نص عليها الدستور والمواثيق والاتفاقيات الدولية ومن ابرزها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي وقعت عليه مملكة البحرين،  بل  يتعداها الى ان ينال من مصداقية ونزاهة العملية الانتخابية، ويضيق من المشاركة فيها، وهو أمر نعتقد أنه لا يتوافق مع طموح كل الحريصين والمعنين بإعادة  دوران حركة الاصلاح وتجنب المزيد من الازمات السياسية والاجتماعية عدى الاقتصادية وتبعاتها.

إن الجمعيتين تطالبان السلطة التشريعية  بملاحظة مدى العوار الدستوري الذي شاب مشروع القانون  وأن تقرر رفضه، وفي جميع الأحوال نناشد جلالة الملك بعدم التصديق عليه، تعزيزاً لعملية الاصلاح وتطويراً لها.

المنبر التقدمي

التجمع القومي

المنامة 19 ابريل ٢٠١٨

 

 

اقرأ المزيد

عن اليمين الليبرالي العنصري

 

أصوات اليمين الليبرالي العنصري لن تتوقف عن بث خطاب الكراهية بهدف إشغال المواطنين في قضايا تافهة؛ كي لا يتوحدوا في الدفاع عن قضاياهم المعيشية والوطنية المشتركة، وهي أصوات عنصرية قبيحة موجودة في كل بقاع العالم، ولكن المشكلة عندما تتحول الأصوات العنصرية إلى سياسات وقرارات عامة تتبناها الحكومة!

تقوى شوكة اليمين الليبرالي العنصري ويرتفع صوته القبيح، كما ذكرنا من قبل، أثناء الأزمات الاقتصادية الرأسمالية، حيث يعمل على دغدغة عواطف الناس وتسطيح المشاكل العامة، ويفسر الأزمة الاقتصادية تفسيراً سطحياً تافهاً لا يحتاج إلى تفكير عميق، بل إنه شغل الناس في خلافات وهمية تكرس التفتيت الاجتماعي وتلهيهم عن قضاياهم المعيشية والوطنية المشتركة.

وهي خلافات تدور غالباً حول الأصول والدين والمذاهب ولون البشرة، وتشتت انتباه الناس، وتصرف أنظارهم عن الأسباب الحقيقية للأزمة في محاولة بائسة لإبعاد المسؤولية عمن تسبب فيها، وذلك مثلما حدث ويحدث في أميركا ودول الاتحاد الأوروبي وروسيا منذ الأزمة الاقتصادية الرأسمالية التي انفجرت عام 2008، ويحدث هنا أيضاً في خطاب اليمين الليبرالي العنصري تجاه الوافدين، وأحياناً تجاه المواطنين أنفسهم، حيث يركز خطابه العنصري الكريه على تقسيمهم تارة بحسب أصولهم ومذاهبهم، وتارة أخرى بحسب تاريخ قدوم أسلافهم أو الجهة التي قدموا منها للكويت.

ثم يوهم هذا الخطاب بعض الناس أن أسباب مشاكلهم العامة والأزمة الاقتصادية والمالية، بل طبيعة الصراع السياسي في المجتمع كلها تعود إلى الاختلافات الطبيعية الموجودة بين الأصول والأنساب والمذاهب، في حين الصراع الأساسي، كما ذكرنا من قبل، هو في حقيقته صراع مصالح اقتصادية، أي مصالح طبقية لا علاقة لها بالأعراق والطوائف ولون البشرة.

ومن أسف أن بعض المواطنين ينساقون، بحسن نية، وراء الخطاب العنصري البغيض نظراً لبحثهم عن تفسير سهل للأزمة الاقتصادية الطاحنة من جهة، ولسيطرة دعاته ومن يرعاهم ويدعمهم ويشجعهم من كبار الأثرياء الذين تسببوا في الأزمة الاقتصادية وينبغي محاسبتهم، على وسائل الإعلام المؤثرة على الرأي العام من جهة أخرى، وذلك على الرغم من أنه خطاب سطحي وتافه مليء بالمغالطات، حيث يكشف جهل مسوقيه بتاريخ الكويت وكيفية تكونها وما حدث لخريطة الكويت بعد مؤتمر العقير الشهير بتاريخ 2 ديسمبر 1922.

إن أي شخص موضوعي وعاقل يعرف أن شعبنا متعدد الأصوال والأعراق والمذاهب والأديان أيضاً، فالدولة تكونت تاريخياً نتيجة هجرات بشرية متتالية من دول الجوار، وبالذات من الجزيرة العربية وإيران والعراق، وازدادت وتيرتها بعد اكتشاف النفط وبداية قيام الدولة الحديثة، خصوصاً بعد تهديد الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم عام 1961 بضم الكويت، وهو الأمر الذي عجّل، ضمن أسباب داخلية وخارجية أخرى بالطبع، في إصدار الدستور ووضع تشريعات وقوانين دولة حديثة من أهمها، في ذلك الوقت، قانون الجنسية، ثم البدء بنشاط سياسي ودبلوماسي جاد للبحث عن اعتراف عربي (جامعة الدول العربية) ودولي (هيئة الأمم المتحدة) بالدولة الكويتية الوليدة والصغيرة من أجل دحض مطالبات العراق المزيفة، والذي لم يكن من الممكن أن يتحقق، أي الاعتراف العربي والدولي، من دون وجود مقومات الدولة، ومن أهمها وجود شعب، إذ لا دولة من دون شعب.

وعلى أي حال، فإن أصوات اليمين الليبرالي العنصري لن تتوقف عن بث خطاب الكراهية بهدف إشغال المواطنين في قضايا تافهة؛ كي لا يتوحدوا في الدفاع عن قضاياهم المعيشية والوطنية المشتركة، وهي أصوات عنصرية قبيحة موجودة في كل بقاع العالم، ولكن المشكلة عندما تتحول الأصوات العنصرية إلى سياسات وقرارات عامة تتبناها الحكومة!

 

د. بدر الديحاني

جريدة الجريدة الكويتية العدد: 3749

 

 

 

اقرأ المزيد

النواب وضمائرهم الحيّة..!!

أخيرًا وجدنا في مجلس النواب من يتحدث عن الضمير، وتأنيب الضمير..!

حدث ذلك تحديدًا خلال جلسة انعقدت مؤخرًا نوقش فيها مشروع بقانون أعدته الحكومة على ضوء اقتراح بقانون مقدم من مجلس النواب نفسه بشأن طلب تعديل نظام التصويت على مشروع برنامج عمل الحكومة كل 4 سنوات.. وهو المشروع الذي أريد منه التوافق على أساس أغلبية عدد أصوات الحاضرين بالجلسة وليس على أساس أغلبية عدد أصوات المجلس بالكامل..!

تهمنا من وقائع هذه الجلسة ما نسب الى نواب اعترضوا على ذلك بذريعة ان ضمائرهم لا تسمح لهم بأن يسّلموا مجلس النواب الجديد نظامًا او موقفًا لا ترضى عنه ضمائرهم، كان هذا لافتًا بالنسبة لنا، حكاية الضمير هذه التي ظهرت فجأة دون مقدمات وفي الوقت الضائع حيث المتبقي نحو شهرين بالكثير تنتهي بعدها ولله الحمد صلاحية البرلمان الحالي، وتنتهي معها صفة 40 شخصًا كنواب يمثلون شعب البحرين، او يمثلون عليه، لم تعد تفرق..!!

ما دام ثمة نواب ذكروننا بالضمير، وبانهم يعملون من وحي ضميرهم، فلا ضير من التوقف عند مسألة الضمير، فهي مسألة تستحق التوقف حقًا، ويكيبيديا الموسوعة الحرة تعرّفه بانه قدرة الانسان على التمييز بين ما هو حق وما هو باطل، وعُرّف ايضًا بانه الشيء الذي يؤدي الى الشعور بالندم عندما تتعارض الأشياء مع القيم الأخلاقية، وفي تعريف آخر هو الاستعداد السليم للتفرقة بين الحق والباطل والصواب والخطأ واستحسان الحسن واستقباح القبيح، وقيل بانه ليس من شيء اكثر بؤسًا من ضمير مذنب، وقيل ايضًا بان أسوأ ما يمكن ان يواجه الوضع السيئ في اي مجتمع هو بقاء ذوي الضمائر الحية صامتين، ونسب الى عظيم الهند غاندي قوله ان الضمير اذا كان لا يحول دون ارتكاب الخطيئة، فانه يفترض ان يمنعك من الاستمتاع بها..

بناءً على ما تقدم لا يحتاج المرء لخبير ليقنعنا بان فساد او غياب او انعدام او موت الضمير او إصابته بالصم والبكم، او حين يصبح ضميرا متدنيا، او ضميرا إمعة يسير حسب الرياح او ما تمليه الظروف والمصالح، امر يؤدي الى أفعال نتنة لا تفرق بين الحق والباطل، كما يؤدي الى تكاثر السرقات وعلو الأنانيات، وزيادة المهرجين والمتزلفين والمنافقين وراكبي كل موجة، غياب الضمير يؤدي ايضًا الى فساد يمس العقول والنفوس ويجعل مظاهر الرياء والنفعية والانتهازية لها الحضور الذي لا يضاهيه حضور، ذلك كله يعني باختصار تعطيل إنسانية الإنسان لأنه بموت الضمير يصبح كل شيء مباحا، كلام الزُّور، التشهير بالناس وبأعراض الناس، الخيانة، السكوت عن الحق، وممارسة للأعمال الشائنة، وهنا نستذكر شخصية انطونيو في مسرحية شكسبير الذي لم يشعر قط بوجود ضمير وكان يعتبره أقل اهمية من تورم إصبع قدمه، ويبدو ان واقع الحال يفرض علينا استحضار أيام زمان حيث كانت الضمائر ظاهرة وحيّة ولها محل من الاعراب والقلوب، والتعاملات المختلفة بين الناس، اما الضمائر المستترة الميتة فلم يسمع عنها البحرينيون الا في كتب النحو..!!

نعود الى ما قاله النواب، بأنهم لن يسّلموا البرلمان القادم نظامًا اوموقفًا او رأيًا او مشروعًا لا ترضى عنه ضمائرهم، وكأن نوابنا لا يفعلون، ولا يقولون، ولا يتبنون اقتراحًا او مشروعًا او استجوابًا او رأيًا او موقفًا الا اذا كان متوافقًا مع ما يرضي ضمائرهم، ونحن اذ نذّكر بهذا الكلام، فاننا في الوقت ذاته يمكن ان نذّكر ونستحضر أمورا كثيرة حفل بها المشهد البرلماني لم تخل من دلالات عميقة ومحزنة وباعثة على أسى شديد، أمور أمتعض الناس منها، وجدنا أنفسنا حيالها امام تساؤل مؤرق أين كان الضمير يا نواب..!

أين كان هذا الضمير حين تخلى النواب عن صلاحياتهم في دور الانعقاد السابق وقيّدوا عملية الاستجواب وجعلوها شبه مستحيلة، وحين أراد نواب في الآونة الأخيرة ان يستكملوا مسيرة من سبقوهم وطالبوا بالتخلي عن السؤال البرلماني بذريعة انه مضيعة للوقت متجاهلين كونه احدى وسائل الرقابة البرلمانية، وحين ميّع النواب مسألة التعاطي مع تقارير ديوان الرقابة، ووجدنا احدهم اخيرًا وفي أواخر عمر المجلس النيابي وهو يطالب بإدراج تقرير لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بخصوص «ملاحظات» ديوان الرقابة المالية والإدارية الأخير على جدول اعمال المجلس، ولم يفت النائب ان يهدد ويتوعد قائلًا وبالنص «لن نتوانى كنواب عن استخدام أدواتنا الدستورية لمحاسبة الجهات التى ارتكبت المخالفات الجسيمة التي وردت في تقرير ديوان الرقابة، وان سياسة غياب المحاسبة والإفلات من العقاب ولت الى غير رجعة»..!! علاوة على ذلك وعلى خلفية توصيات لجنة التحقيق في الخدمات الطبية وجدنا قبل ايّام نائب آخر يصّرح «أنا أُحمِّل جميع النواب الـ 40 مسؤولية ممارسة دورهم، واستخدام كافة الأدوات الدستورية المتاحة لهم، بغية التأكد من تنفيذ كافة التوصيات»..! ألا يعني ذلك اننا نقترب حثيثًا من أمور تمس الضمير.

أين كان الضمير حين أقر النواب تقاعدهم بالشكل المثير على النحو الذي رأيناه، وأين هذا الضمير حين تخلى بعض النواب عن مسؤولية الالتزام بحضور اجتماعات المجلس النيابي ولجانه، وحين هروب بعضهم من جلسات المجلس بعد تأديتهم الصلاة، وحين استغل بعضهم حصانته البرلمانية في قضايا مدنية، وحين استغل بعض النواب نظام الانتداب الذي بدأ سريانه في يوليو 2016 والذي بموجبه يعطى لكل نائب 500 دينار كمخصصات فتح مكتب وعيّنوا زوجاتهم وأقاربهم من الدرجتين الاولى والثانية، وقيام بعضهم بعملية تمويه حين تبادلوا عمليات انتداب وهمية بين بعضهم البعض، جعلوها وظائف مفّصلة للأحباب والأقارب..!!

تلك عيّنة ليس إلا، فهناك الكثير لمن يريد ان يرصد ويحصي ويوثق، اضافة الى الكثير الذي علق في اذهان الناس، وكله لا يتطلب جهدًا كبيرًا للإلمام بتفاصيله والرجوع اليه في اي وقت، وذلك أمر يحتمل أسئلة حساسة يتهامس بها، ومنها ما جرى تداوله على بعض مواقع الانترنت، محورها ممارسات من ذلك النوع الذي يمس الضمير، صحيح ان هناك من لا يزالون يؤدون ما عليهم من مهام ومسؤوليات وواجبات بوحي من ضمائرهم، ولكن مشكلتنا مع هؤلاء الذين انعدم الضمير عندهم او جعلوه موضع شبهة..!!

الضمير يا سادة يتناول الحاضر والمستقبل، بقدر ما يتناول الماضي، ومشاكلنا نحسب ان الجزء الأكبر منها تولدت بغياب الضمير او موته، وعلينا ألا ننسى ان هناك شعوبًا وأممًا كانت الضمائر الحية فيها القاطرة في علو شأنها ونهضتها وقوة برلماناتها..!!

اقرأ المزيد

وهج الكتابة: حب الأدباء: سارتر وسيمون دبفوار مثالاً

بقلم: عبدالحميدالقائد

من أجمل رسائل الغرام تلك التي يتبادلها الشعراء والكتّاب والمبدعون عموما فيما بينهم. رسائل وقصائد وحتى لوحات تشكيلية تعبّر عما يدور في دواخلهم. رسائل وقصائد تظل طازجة وساخنة على مرِّ العصور. في الوطن العربي ما زالت الرسائل الباقية منذ سنوات طويلة تتحدث عن مشاعر الحب بين جبران خليل جبران ومي وزيادة ورسائل وقصائد عباس محمود العقّاد إلى مي زيادة، ورسائل الشهيد غسان كنفاني إلى غادة السمّان ورسائل أنسي الحاج إلى غادة السمّان (إن صدق كلام الأخيرة). رسائل حب يمكن أن تعتبر صنفًا أدبيًا قائمًا بذاته. في العصر الأندلسي ما زالت قصائد ابن زيدون تنبض بالحياة إلى ولاّدة بنت المستكفي وقصائد الأخيرة إلى ابن زيدون. أجمل مشاعر الحب التي لا ينساها التاريخ. هذا على المستوى العربي، اما على المستوى العالمي، لا تنسى الساحة الثقافية رسائل الكاتب الأمريكي هنري ميلر إلى الكاتبة الأمريكية أنيس نين. كتب ميلر مرة اليها: «أحبك والنافذة مفتوحة، أنت لي، والأشياء لي، وحبي يغير الأشياء من حولي». فيما بعد عشق آرثر ميلر الفنانة الفاتنة مارلين مونرو ووصفها: «كانت كالضوء الذي يحيطني، تثيرني تناقضاتها وغموضها. الفتاة الأكثر حزنًا التي قابلتها في حياتي». فيما كتبت مارلين مونرو ذات مرة عن هذا العاشق الذي اقترنت به: «رقته ترتعش في سكونه وعيناه لا بد أنهما تطلان بذهول من كهف الصبي الصغير».

ومن أجمل ما شهدته الساحة الثقافية علاقة الحب بين الكاتب والفيلسوف الفرنسي جان بون سارتر (21 يونيو 1905 – 15 ابريل 1980) والكاتبة وصاحبة نظرية الحركة النسوية سيمون دبفوار (9 يناير 1908 – 14 ابريل 1986). والغريب في الموضوع، أن سارتر عرض عليها الزواج فرفضت ولكنها قضت كل حياتها معه من منطلق أنها لا تؤمن بما يسمى ببيت الزوجية. ففي كتاب «شاهد على حياتي: رسائل جان بول سارتر لسيمون دي بوفوار، 1926 –1939«كتب سارتر إلى سيمون: «لوقت طويل انتظرتُ أن أكتب لكِ، في المساء بعد واحدة من تلك النُزهات مع الأصدقاء التي سأصفها عن قريب في «هزيمة»، ذاك النوع حيث يكون العالم لنا، وقد أردتُ أن أُحضر لكِ فرحة المُنتصر وأضعها تحت قدميكِ كما فعلوا في عهد ملك الشمس، ولكنَّني عندما أتعبُ من الصراخ أذهب دائمًا للنوم، واليوم أنا أقوم بهذا لأشعر بلذَّة لا تعرفينها بعد، لذَّة التحوُّل فجأة من الصداقة للحُب، من القوَّة للرقَّة؛ هذه الليلة أُحبِّكِ بطريقة لم تعرفيها بي بعد، فأنا لستُ مُتعبًا من السفر ولا ملفوف برغبتي بحضورك، أنا أحترف حُبِّي لكِ وأحوِّلُه داخلي كجزء مُتأصِّل منِّي؛ يحدُث هذا أكثر بكثير مما أعترف به لكِ ولكن نادرًا وأنا أكتبُ إليكِ، حاولي أن تفهميني؛ أنا أُحبِّكِ بينما أنتبه للأشياء الخارجيَّة، أحببتكِ ببساطة في تولوز، والليلة أُحبُّكِ كمساء ربيعي، أُحبُّكِ والنافذة مفتوحة، فأنتِ لي والأشياء لي ولكنَّ حُبِّي لكِ يُعدِّل الأشياء حولي وتُعدِّل الأشياء حولي حُبِّي لكِ». وفي رسالة أخرى كتب اليها: “فتاتي الصغيرة العزيزة، أخبرتكِ ما ينقُصكِ في الصداقة، ولكن الآن وقتُ نصيحة عمليَّة أكثر، ألا تستطيعين إيجاد صديقة امرأة؟ كيف بإمكان تولتوز ألا تحتوي على امرأة مُفكِّرة واحدة تستحقكِ؟ ولكن ليس عليكِ أن تُحبيها، فأنتِ للأسف دائمًا مُستعِدَّة لتُعطي حُبَّك وهو أسهل ما يُمكن أخذه منك، وأنا لا أتحدَّث عن حُبِّكِ لي، والذي يتخطَى ذلك، ولكنَّكِ مُبذِّرة بمحبَّتكِ الثانويَّة، مثل تلك الليلة في تيافيريز عندما أحببتِ الفلاّح الذي كان ينزل التل في الظلام مُصفِّرًا والذي اتضح أنَّه كان أنا. حاولي أن تعرفي الشعور الخالي من الرِّقة الذي يأتي من أن تكونا شخصين، إنَّ الأمر صعب لأن كُل الصداقات حتى تلك التي بين رجلين بدم أحمر فيها لحظات من الحُب، فعلي أن أواسي صديقي الحزين فقط لأحبَّه، إنَّه شعور يضعُف بسهولة ويُشوَّه، ولكنَّكِ قادرة أن تشعري به ويجبُ عليكِ أن تُجربيه، ومع هذا ورُغم شعورك بكراهيَّة الناس، أتتخيَّلين كم ستكون تجربة جميلة أن تبحثي في تولوز عن امرأة تستحقك ولا تقعين في حُبِّها؟ لا تلتفتي للجانب الجسدي أو الاجتماعي للموقف، وابحثي عن الصدق وإن لم تجدي شيئًا فحوِّلي هنري بون والذي لا تُحبينه بعد الآن إلى صديق».

 سيمون دبفوار اشتهرت ككاتبة ومفكرة فرنسية وناشطة مهتمة بقضايا المرأة وكان لها تأثير واسع على الحركات النسائية عبر العديد من الروايات والكتب التي أصدرتها وخاصة كتابها «الجنس الآخر» الذي صدر عام 1949. بيع منه مليون ومئتي ألف نسخة وقد تُرجم إلى 27 لغة. كانت النقطة الإنتقالية في حياتها تعرّفها على فيلسوف الوجودية الأشهر «جان بول سارتر» عندما كانت في بداية العشرينيات ورافقته العمر كله، وخاضت معارك فكرية ضارية ضد استعباد النساء.

وبالرغم من علاقتهما الإستثنائية الوطيدة، كانت هناك تناقضات غريبة في حياة سارتر وسيمون، حيث أنها لم تتردد في خيانته مع الكاتب الأمريكي «نيلسون أليغرين» بل تبادلت معه رسائل حب عديدة نشرتها الصحف الفرنسية، فيما عاش سارتر علاقات أخرى إلى جانب علاقته مع سيمون، حيث وضعا معًا قاعدة غريبة تقول «أخونك بمعرفتك» لكي تسير حياتهما دون أن تدمرها الغيرة التي اعتبراها عادة برجوازية. والأغرب في الحكاية، أن سيمون دي بوفوار عُرفت بميولها المثلية حتى أن احدى تلميذاتها اتهمتها بالتحرّش الجنسي أثناء تدرسيها. وقد اعترفت بذلك في مذكراتها التي نشرتها فيما بعد.

ليس هذا فحسب، بل وُجهت اتهامات كثيرة للكاتبة الفرنسية بخصوص التحرش، وبأنها كانت تستدرج طالباتها القاصرات لإقامة علاقات جنسية معها ومع سارتر. ويقال بأن آخر عشيقة لسيمون دي بوفوار وجون بول سارتر كانت الطالبة «نتالي» البالغة من العمر 17 عامًا، وكانت سببًا في سحب رخصة التعليم منها مدى الحياة بناءً على شكوى مقدمة من الدتها للسلطات الفرنسية بتهمة التحرّش. عالم غريب، كتَاب أغرب، وأمراض نفسية خطيرة عاشها بعض الأدباء مثل هؤلاء وتصرفوا بشكل متناقض تمامًا مع ما يكتبونه وما يدّعون به. انه اللامعقول في زمن فقد عقله!.

اخبار الخليج العدد 14631

السبت ١٤ أبريل ٢٠١٨

اقرأ المزيد

شيء ما النقطة صفر في الكتابة

لم تستغرق كتابة رواية «اسم الوردة» من أمبرتو إيكو أكثر من سنتين. من قرؤوا الرواية ويعرفون حجمها سيصابون بالدهشة من هذا القول، ولكن الكاتب أعطانا التفسير، بقوله، إن السبب بسيط، فهو لم يكن محتاجاً للقيام ببحث في القرون الوسطى، حيث تدور أحداث الرواية، ذلك أن أطروحته لنيل الدكتوراه كان موضوعها الجماليات القروسطية، كما أنه أنجز أبحاثاً أخرى حول هذه المرحلة.
يضاف إلى ذلك ما ذكره، من أنه قام بزيارة أديرة رومانية وكنائس قوطية ومنشآت قروسطية عديدة، لذلك كان الأمر بالنسبة له، حين قرر كتابة الرواية، كما لو كان يفتح رفاً كبيراً، حيث كانت ملفاته فيه مكدّسة منذ سنين عديدة، ولم يكن عليه سوى أن ينتقي ما كان في حاجة إليه لإنجاز روايته التي كانت فكرتها جاهزة في ذهنه.
نستنتج من هذا أن إنجاز الرواية لم يستغرق سنتين فقط، وإنما استغرق عمراً طويلاً من صاحبها. لم يكن بوسعه أن ينجزها لولا أنه راكم من المعرفة ومن المعلومات والاطلاع، ما جعله قادراً على توظيف كل هذا في كتابة الرواية في فترة قياسية بالنظر إلى عمق مضمونها وكبر حجمها.
بالنسبة لرواياته اللاحقة كان الأمر مختلفاً، وهو هنا أيضاً يقدم لنا تفاصيل إضافية في كتابه «اعترافات روائي ناشىء» الذي أتينا على ذكره هنا قبل فترة وجيزة، ووضع ترجمته إلى العربية الناقد المغربي سعيد بنكراد، فعلى الرغم من أن اختياره لموضوعاتها عائد إلى ألفته مع هذه الموضوعات، لكنها تطلبت منه وقتاً أطول: مثلاً استغرقت كتابة رواية «بندول فوكو» ثماني سنوات، أما روايتاه: «جزيرة اليوم السابق» و«باوولينو» فقد تطلبت منه كل واحدة منهما ست سنوات.
ظرف مشابه لظرف كتابة «اسم الوردة» حصل معه عند كتابة «الشعلة الغامضة للملكة لوآنا»، لأن الكتاب استغرق منه أربع سنوات فقط، كونه استند على قراءات الكاتب في سنوات طفولته بين ثلاثينات وأربعينيات القرن الماضي، لذلك كانت المادة الأولية في حوزته، من قبيل الشرائط المصورة والتسجيلات والمجلات والجرائد، إضافة إلى مخزونه من الذكريات، وكذلك مشاعر الحنين لديه، ولمسات مختلفة أخرى.
نخلص إلى أنه لا توجد في الكتابة نقطة اسمها الصفر. لا يوجد كاتب جدي ينطلق من الصفر، وإنما من مجمل خبراته ومعارفه وقراءاته وذكرياته ومشاعره، وبمقدار ما تكون هذه كلها أغنى وأعمق تأتي الكتابة حاملة جيناتها الغنية والعميقة، والعكس صحيح تماماً، حين تكون الثقافة سطحية والخبرات ضئيلة أو متواضعة فإن الموهبة وحدها لا تسعف في أن تجعل من الكتابة جيدة، أو على ما يكفي من الجودة في أحسن الأحوال، تماماً كما لا تكفي الخبرات والتجارب والمعارف لإنتاج كتابة متميزة، قادرة على البقاء، في حال لم يتوفر المرء على ما هو ضروري من موهبة.

madanbahrain@gmail.com

الخليج الاماراتية

السبت 28 رجب 1439 هـ ، 14 ابريل 2018 م
اقرأ المزيد