المنشور

الدولة المدنية الديمقراطية…. 2 – 2


“الشعب مصدر السلطات جميعاً” هذا النص تجده في معظم الدساتير في العالم، وان اختلف المحتوى والنص من دستور إلى آخر، وفق هذا النص الدستوري الصريح الواضح تتأسس الدولة المدنية الديمقراطية، وتضع مقوماتها الأساسية، لوجودها وتأدية واجبها الدستوري، اتجاه مواطنيها، والديمقراطية تعني حكم الشعب، وهي كلمة إغريقية قديمة، بدأت في الدولة اليونانية القديمة. الديمقراطية، منظومة شاملة في أبعادها السياسية والاجتماعية، وهي ممارسة من خلال التطبيق لها على واقع بلداننا ولكنها لم تمارس في البلاد العربية، إلا في حالات محدودة وكانت في كل الأحوال والظروف مقيدة ومشروطة ومجزئة، لم تتوفر مقومات صحيحة لقيام ديمقراطية في مجتمعاتنا، حتى عندما قامت الانقلابات العسكرية في العديد من البلدان العربية، ونشأت على أنقاض الأنظمة الملكية والإقطاعية، أنظمة أطلقت على نفسها، أنظمة جمهورية، حيث أول ما قامت به تلك الأنظمة، إلغاء الأحزاب السياسية، وحل المجالس التشريعية المنتخبة في بلداننا والتضييق على أصحاب الرأي الآخر، ومصادرة الحريات العامة، مثل حرية التعبير والإعلام والتنظيم، والتضييق على منظمات المجتمع المدني، النقابات والاتحادات العمالية والطلابية والنسائية والشبابية، وإحلال محلها منظمات تابعة للحزب الحاكم. ومورست سياسة الترهيب والقمع بتكميم الأفواه للمعارضين بما فيهم أعضاء الأحزاب الحاكمة، الذين لهم رأي آخر، في هذا الشأن أو ذاك، أهينت كرامة الإنسان العربي وتحولت تلك الأحزاب الحاكمة، وبعضها عقائدي إلى أحزاب عائلية وأخرى عسكرية، وأصبح الأمين العام أو الرئيس أو القائد للحزب، الرجل الأقوى وصاحب القرار في الحزب والسلطة.
 
أما الحديث عن الانتخابات في المؤتمرات العامة في تلك الأحزاب السياسية الحاكمة، فحدث ولا حرج، فالقائد هو الذي يختار القيادة ويضع قائمة بالأسماء المختارة للهيئات القيادية للحزب، من هنا يبدأ التسلط والانفراد بالقرار ومصادرة حق الأعضاء في الاختيار الحر والديمقراطي، للأشخاص القياديين، وتنتقل عدوى الممارسات غير الديمقراطية من حزبه إلى الشعب، ويصبح يمارس تلك الأساليب القمعية ضد أبناء شعبه، بعد ان مورست ضد رفاقه وزملائه قيادة الدولة والحزب.
 
لهذا ابتلى الوطن العربي بحكام وقادة، قساة ، دكتاتوريين، لا يؤمنون  بالديمقراطية والتعددية، وأصبحت الثقافة السائدة، ثقافة التسلط والطغيان في معظم البلاد العربية، تم اغتيال العديد من الشخصيات المتخصصة في العديد من المجالات العلمية والمهنية والكوادر الحزبية لأنها  ترفض الانصياع لأوامر القائد وحاشيته وما يقوموا به من أفعال شنيعة ضد الناس وكان يقوم بتلك الأدوار المنافية لأبسط حقوق الإنسان، أجهزة الأمن، أجهزة بوليسية قمعية، سلطت على رقاب الناس وقامت بممارسة التعذيب والتصفية الجسدية والنفسية لأعضاء المعارضة، وإشاعة أجواء من الخوف والقلق لدى الناس ومارست عليهم سياسة البطش والتنكيل والقتل، ودمرت وسرقت البلاد ، وترهلت أجهزة الدولة، وازدادت الرشوة والمحسوبية في ظل تلك السياسات الخاطئة التي أسست لها، ونشأت طبقات طفيلية فاسدة ومتنفذة تبادلت معها الأدوار في الدعم والمساندة في ظل حماية النظام السياسي القائم في البلاد .
 وبعض الأنظمة العربية عسكرت المجتمعات، والعديد من تلك الأنظمة فاقت ممارستها النظامين الفاشي والنازي المقبورين في ايطاليا وألمانيا، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945 من القرن الماضي، وبالمقابل ترهلت وشاخت العديد من أحزاب المعارضة، وبالأخص الأحزاب اليسارية والتقدمية والقومية ولم تجدد قياداتها وبعضها شارك بممثلين عنه  مع تلك الأحزاب الحاكمة ولم يكون له دور يذكر ،  ومن جهة أخرى، ازداد نفوذ الأحزاب والتيارات الإسلامية، وبسبب التركيبة الحزبية والعقائدية، ورجعية وظلامية بعضها، نشأت الخلافات والتباينات بين أحزاب المعارضة في العديد من البلدان العربية، وتلك الأحزاب.
 
وذهبت ابعد من ذلك برفع شعارات دينية، مثل شعار “الإسلام هو الحل” في العديد من الحملات الانتخابية والذي يعني لا أهمية للديمقراطية والتعددية، إذا فازت فيها ، وبالفعل استلمت تلك الأحزاب الدينية السلطة في بعض البلدان العربية، السودان وقطاع غزة وحصولها على أعداد كبيرة في العديد من المجالس النيابية والبلدية ،وسارعت في طرح شعار تطبيق الشريعة الإسلامية، وأسلمت القوانين والتشريعات المدنية، عزز هذا الطرح من انعدام الثقة ما بين قوى المعارضة وهي المفككة والضعيفة في معظم الدول العربية،هذا التباين والاختلاف في مفهوم بناء الدولة والديمقراطية لم يساعد على بناء قوى معارضة قادرة على المطالبة بقيام نظام وطني ديمقراطي قائم على التعددية الحزبية وعصرنة القوانين والتشريعات،يضمن حقوق الأفراد والجماعات بم فيها الأقليات،
 
 
  والتأكيد على أهمية التداول  السلمي للسلطة ،وإفساح المجال أمام هيئات ومنظمات المجتمع المدني لتمارس نشاطها بحرية تامة،وفقا للقانون والدستور.
 
كان سائدا في معظم البلدان العربية، شعور بان الجيل الجديد والمقصود “الشباب” جيل الانترنت  والفيسبوك  ،خامل، كسول، لا يمتلك روح المبادرة وغيرها من النعوت تجاه الشباب، ولكن الذي حدث من خلال انتفاضة أو ثورة الياسمين، ثورة الحرية في تونس، وبعدها انتفض شباب مصر، في 25 يناير الماضي، ليعلن عن بدء الثورة السلمية لإسقاط نظام الرئيس محمد حسني مبارك، بعد ان نجحت ثورة الحرية في تونس بهروب الرئيس زين العابدين بن علي، نستطيع القول إننا في مرحلة جديدة تنشأ على أنقاض الماضي، انه تاريخً جديدٌ يسطَره هذا الجيل، وإنهم بحق، يمكن ان يطلق عليهم جيل “التغيير والانتفاضات في الوطن العربي”.
 
فبعد الذي حدث في تونس ومصر والذي سوف يحدث في بلدان عربية، هل بالإمكان إعادة فكرة التعايش والتعاون ما بين الأحزاب المعارضة ، على أسس برامج واضحة المعالم، أهمها الاتفاق على بناء الدولة المدنية الديمقراطية، القائمة على التعددية الفكرية والسياسية، دولة المؤسسات والقانون، واحترام حقوق الإنسان والأقليات، وتترسخ فيها ثقافة التعدد والتنوع واحترام الرأي والرأي الآخر، دولة يكرم فيها الإنسان وتحترم فيه آدميته، دولة مدنية، يفصل  فيها الدين عن السياسة ، دولة مقوماتها الأساسية وركائزها وشروط قيامها، الحرية والعدل والمساواة والتقدم الاجتماعي، دولة توزع فيها ثروات البلاد، توزيعاً عادلاً بين فئات الشعب، دولةٌ الجميع فيها أمام القانون سواسية، ويحترم فيها القضاء، وان يكون مستقلاً ونزيهاً، دولة لا تصادر حقوق المواطنين، دولة لا تطلق العنان لأجهزة الشرطة السرية لتعتقل أصحاب الآراء والأفكار السياسية المعارضة في هذه البلاد أو تلك، وحق تشكيل الأحزاب السياسية،وحرية الصحافة والاعلام وغيرها  من الحقوق والمطالب المشروعة.                 
ففي بلادنا البحرين، بدأ النظام السياسي بخطوات ايجابية، بإحداث انفراج سياسي في” فبراير” شباط عام 2001، وطرح مشروع ميثاق العمل الوطني، الذي تم التصويت عليه من قبل المواطنين وبنسبة عالية من الأصوات، شاركت فيه القوى السياسية المعارضة.
 
كانت البداية مشجعة لكل الأطراف السياسية في البلاد وكان المطلوب المضي قدماً في عملية تطوير وإحداث مزيداً من التغيير والإصلاح السياسي، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات العامة المعرقلة والمعوقة للإصلاح في المجتمع وان تحترم حقوق الإنسان وتصان كرامة الإنسان في البلاد، والابتعاد عن الأساليب المسيئة للوطن والمواطن، الطائفية، التمييز، الظلم الاجتماعي، وان حدثت بعض المنغصات والأحداث العنيفة في المجتمع، لا تعالج بأساليب أمنية قديمة، بل بالحوار، والبحث عن المسببات والمشاكل، لكي لا يفسح المجال أمام الذين لا تروق لهم أحداث تغيير وإصلاح في البلاد، نعلم جيداً بان التحول الديمقراطي في المجتمع، مهمة معقدة وصعبة، بعد ان عاشت البلاد لأكثر من ربع قرن في ظل قانون امن الدولة، وزُج بالمعارضين في السجون والمنافي، في فترة اتسمت بعدم الثقة ما بين الحكم والمعارضة، استفادت منها فئة وكرشت بطونها على حساب فقراء وكادحي بلادنا، وحرُم الناس من حق الترشيح والانتخاب لسلطة تشريعية، تراقب وتحاسب السلطة التنفيذية، وانعدمت في تلك الحقبة السوداء، حقوق عديدة، حق إبداء الرأي والتعبير في الصحافة والإعلام، والتنظيم والتظاهر والاعتصام، لهذا يتطلب تطوير تلك المكتسبات التي تحققت في المرحلة الجديدة، بمزيد من الديمقراطية والحريات العامة وعدم التضييق على الصحافة والإعلام، وإدخال تعديلات على العديد من التشريعات والقوانين، بدءاً بالإصلاحات الدستورية وما يتبعه من تغير قانون الجمعيات السياسية، الي قانون الأحزاب السياسية، والإسراع بإصدار القوانين الحديثة المعززة للحريات العامة، قانون الصحافة، ليتعاطى ايجابياً مع متطلبات المرحلة، بكلمات قانون عصري، إننا نعيش لحظات تغييرات وأحداث كبيرة متسارعة في مجتمعاتنا العربية، ولا بد للحكم والشعب أن يدركان مخاطر المرحلة وما تحمله الأيام لنا.
 
 لم يعد مقبولاً، سياسة القبول بالأمر الواقع، في منطقة تشهد تغييرات غير متوقعة من خلال الانتفاضات والثورات الشبابية، تسقط أنظمة دكتاتورية فاسدة غير مأسوف عليها لكي ترحل، فلنتعظ من دروس تونس ومصر.     
 
 
 
فاضل الحليبي      
 
 
ملاحظة:
 
  المقال كتب بتاريخ 10فبراير 2011   
ونشر الجزء الأول منه في جريدة الأيام في  23 فبراير الماضي.

اقرأ المزيد

الأزمة السياسية في البحرين.. ومستلزمات الحوار – للكاتب حسن موسى الشفيعي


ضمن دوافع اخرى عديدة، فإن خروج المواطنين للتظاهر في الشارع البحريني كان تعبيراً عن الحاجة الى التغيير. فرغم الإصلاحات السياسية التي بدأت مع مطلع 2001، إلا أنها لم تلبّ كل مطالب المواطنين وتشبع كامل رغباتهم، كما أن الخطوات الأولى للإصلاح ولّدت وحفّزت من جانب آخر الطبيعة البشرية للمطالبة بالمزيد من الإصلاحات، وهو أمرٌ نشهد نماذج له في بلدان أخرى، بدأت بإصلاحات محدودة ثم تطورت مع تطور رغبات المجتمع وحاجاته وتطلعاته. وبالتالي فإنه من الصعب وضع سقف للإصلاحات، أو منع المواطنين من التطلّع الى ما هو أبعد مما لديهم .

بيد أن التعبير عن الحاجة الى المزيد من الإصلاحات في البحرين، اصطدم بادئ ذي بدء بالخشية والقلق من بعض أطياف السلطة، وبعنف وشغب في الشارع، فأخذت عجلة الإصلاحات تفقد بعض بريقها، وتتباطأ بشكل تدرجي، بحيث أنها لم تكن متساوقة مع تعاظم الرغبة الشعبية في تحقيق المزيد من الحريات والإصلاحات .
وحين انفجرت الثورات العربية، كان من البديهي ان تكون البحرين من بين الدول الأولى المتأثرة بها. وفي نظرنا فإن شعوب الدول التي بها عملية اصلاح قائمة أو مساحة من حرية التعبير، تكون ـ في الأعم ـ أكثر استجابة وقدرة على الحركة في التعبير عن مكنوناتها وتطلعاتها من تلك التي تقع تحت نير الديكتاتورية المطلقة. هذا ما يمكن فهمه مما حدث في مصر والمغرب واليمن والعراق وكذلك الأردن والبحرين .

في الملكيات الأربع: المغرب، والأردن، والبحرين، وسلطنة عمان، كان سياق تأثير الثورات العربية إصلاحياً، أو هكذا يفترض، إذ من المتوقع أن تأخذ التحركات والتحولات السياسية طابع (الإصلاح) لا (التغيير الشامل/ الثورة)، وكان يفترض في البحرين بالذات أن يحدث فيها ما حدث في المغرب: أن يتظاهر المواطنون ويتقدموا بمطالب إصلاحية سياسية، فتستجيب لها السلطات أو لبعضها، وبذا يكون تحرّك الشارع فاعلاً في إعادة الزخم لمشروع الإصلاحات، وفي الانتقال بالنظام السياسي والمجتمع برمته الى حالة أخرى متطورة بصورة سلمية ديمقراطية حضارية .

كان هذا هو المتوقع أو المؤمّل. لكن ما حدث شيء آخر، كما نعلم. ففي البداية واجهت السلطات المتظاهرين بقسوة اعتذرت عنها ووعدت بالتحقيق فيها، وسقط عدد من الضحايا، تبعه تشدد من القوى السياسية المعارضة صاحبه بعض العنف والتخريب. وفي ظل هذا الوضع، فشلت نداءات الحوار التي دعا اليها ولي العهد، فيما أخذ طرف آخر من المعارضة بعضاً من الجمهور الى حيث (اسقاط النظام) وتغيير مملكة البحرين الى جمهورية عبر العصيان المدني، انتهى الى ما انتهى اليه من صدامات وتدخل قوة درع الجزيرة، وفرض حالة الطوارئ، وقد هدأت الأوضاع وعادت الروح الى الحياة العامة، رغم بقاء أسباب الأزمة وبعض التوتر .

لقد حاولت بعض أطراف السلطة كسر الشارع بالقوة بادئ الأمر ففشلت، وسعى ولي العهد لاحتواء مطالب الشعب عبر دعوات الحوار؛ لكن القوى المعارضة ردّت خطأ بمحاولة كسر إرادة السلطة عبر الشارع وفرض مطالبها التي اعتبرها البعض تعجيزية؛ وحين سيطرت القوات الأمنية على الشوارع، عادت الحلقة من جديد من أجل فرض إرادة السلطة (الدولة) على المعارضة مرة أخرى .

إن كان لنا أن نستنتج، فإنه يمكن القول بأن الطرفين الحكومي والمعارض الذي مثلته الوفاق وحليفاتها من الجمعيات السياسية الأخرى، قد فشلا في إدارة الأزمة، وكانت الخسارة كبيرة لأطراف الاعتدال في السلطة كما في المعارضة، بل أن الخسارة الأكبر تكمن في الانشقاق الحادّ في النسيج الاجتماعي على أسس طائفية، انساقت معها أطراف مختلفة .

في ظلّ الواقع اليوم، ومن خلال التجربة، يمكن القول بأن هناك حاجة ماسّة الى العودة الى المربع الأول من جديد، بقدر ما يكون ذلك ممكناً وبالسرعة الممكنة، أي الى التفاهم والحوار بين المعارضة والسلطة من أجل النهوض معاً بمشروع الإصلاحات الجديدة، التي يفترض أن تلبي القدر الأوفى من حاجات المجتمع وحاجات الدولة، واعادة الاستقرار. ولتحقيق ذلك، علينا الالتفات الى التالي :

أولاً ـ لا يمكن للحل الأمني أن ينجح في إلغاء الرغبة في تطوير النظام السياسي عبر المزيد من الاصلاحات الجادّة والحقيقية. لقد اثبتت السلطة أنها قادرة على فرض الأمن في الشارع من وجهة نظرها، ولكن هذا الأمن عمره قصير، ويمكن أن ينفجر الوضع مرّة أخرى، ما لم يصار الى حلول سياسية تنزع بؤرة التوتر. ان امتلاك القلوب أهم بكثير من السيطرة على الشوارع والساحات العامّة .

ثانياً ـ من الصعب إنجاح حوار تحت الضغط الأمني على المعارضة المعتدلة. وهذا لو تمّ فإنه سيضعفها ويفسح الطريق لظهور معارضة جديدة متشددة. ومن الصعب أيضاً إنجاح الحوار بضغط الشارع على الحكومة، وإملاء الشروط، إذ ثبت أن الحكومة لا تقبل بذلك، ولا تقبل بأن يراق ماء وجهها كما المعارضة. إن فرض شروط مسبقة على الحكومة غير ممكن ولا يعطي معنى للحوار .

ثالثاً ـ لقد انساقت المعارضة مع الشارع، ورفع المعتدلون منها سقف خطابهم السياسي مقابل الجناح الأكثر راديكالية والمطالب بإسقاط النظام وإقامة الجمهورية. وبدل أن تكون المعارضة هي القائد للجمهور، اصبحت الخشية منه ومن ردود أفعاله معوّقاً للحوار، خاصة أن جماهير عديدة تأثرت بمشهد الأحداث، وانطوت على نفسها او رأت مقاطعة الحوار، حتى إن كان ذلك في غير صالحها. المطلوب ترشيد الشارع، وتخفيف احتقانه، ومخاطبة عقله لا عواطفه، حتى يمكن تجاوز المرحلة المؤلمة الحالية .

رابعاً ـ لا تحتاج البحرين ـ معارضة وحكومة ـ الى وسطاء لتسهيل عملية الحوار بين الأطراف السياسية المختلفة وتجسير وجهات النظر المتباعدة، بقدر ما تحتاج الى بناء الثقة بين اللاعبين السياسيين، والى رعاية محلية لما ينتج عنه الحوار. وما يدفع بهذا الاتجاه، أن بعض الثوابت قد جرى خرقها، وفي مقدمة ذلك دعوة بعض الأطراف الى إسقاط النظام والعائلة المالكة التي جرى على تحديد دورها ومكانتها استفتاءان: استفتاء 1971 قبيل الاستقلال؛ والآخر استفتاء 2001 على ميثاق العمل الوطني. وكلا الاستفتاءين أكدا بنسبة عالية على الحفاظ على مكانة العائلة المالكة في الحكم. وفي الطرف الآخر الشعبي، حدث خرقٌ مؤثر، تمثل في الخشونة في مواجهة الجمهور، ما أدّى الى سقوط العديد من الضحايا في الأيام الأولى للتظاهرات .

خامساً ـ لانجاح الحوار، هناك حاجة ماسة الى استعادة مبدأ (التسامح). فالحوار بحاجة الى مناخ مناسب غير متشنّج. والحوار بحاجة الى ظرف سياسي ينطوي على بصيص أمل واستعادة للحياة. بصريح العبارة: كل الأطراف الحكومية والمعارضة ارتكبت أخطاءً سياسية، وحدثت تعديات على حقوق الإنسان البحريني، وإن تطبيق القانون سيكون معوجاً إن جرى على جهة دون أخرى. نعم هناك حاجة لتثبيت الأمن والاستقرار باعتدال، أما متابعة المحاسبة في كل شأن فمن شأنه أن يراكم الألم في النفوس المشحونة. ومن الأمثلة التي تضرب في هذا المجال فصل الطلبة المبتعثين، وعدد غير قليل من الموظفين، وسجن بعض المعترضين لمشاركتهم في التظاهرات. في أوقات الفتنة، فإن مثل هذه الإجراءات تعقّد الأمور، مثلما جرت بعض المساجلات المؤلمة في تلفزيون البحرين. فإذا كان الغرض استعادة أوضاعنا وحياتنا، فإن القانون في إطاره العام ضروري مثلما هو التسامح. وإلا فإن المحاسبة الدقيقة تضيق فرص النجاح لإقامة حوار يفتح فصلاً جديداً في تاريخ البلاد ويغلق فصلاً مؤلماً آخر .

سادساً ـ يفترض في الحوار أن يضع حدّاً نهائياً لأزمة لا يحلّها القانون وحده، بل يحلّها في الأساس التوافق السياسي بحماية القانون ودعمه، ومن ورائه الشعب. لقد قيل بأن الحوار يجب أن يشمل جميع الأطياف السياسية في المجتمع، وهذا صحيح، وهو ما أكد عليه ولي عهد البحرين وآخرون. وهنا ينبغي لفت النظر الى أن التوافق يعني أيضاً أولئك المتشددين الذين ذهبوا بشعاراتهم بعيداً. لا يراد لنا أن نستعيد ذات المشكلة القديمة: قسم مع العملية السياسية؛ وقسم معارض لها بشدّة يعيد توتير الأوضاع. وليس هناك من حلّ سوى أمرين: الأول ـ أن ينجح المتحاورون ـ حكومة ومعارضة ـ في اقناع الجناح المتشدد بالمشاركة في العملية السياسية التي يفترض فيها أن تكون مغرية وتتضمن اصلاحات سريعة. والثاني ـ أن يتمّ عزل المتشددين بحزم وفق القانون وبإجماع كل القوى السياسية ودعمها، ولكن الأهم من خلال عملية سياسية ناجحة غير متباطئة. ذلك أن التشدد سبق وأن كسب أرضاً على حساب الاعتدال بسبب تباطؤ الإصلاح السياسي، وتأخر تحقيق بعض المنجزات الخدمية، ولا نظن بأن من الصالح أن نكرر ذلك .

سابعاً وأخيراً ـ إن المناخ الطائفي يضغط على كل الأطراف بعدم التحاور والالتقاء، أو بعدم تقديم تنازلات. لقد حدث شرخ طائفي عميق في المجتمع البحريني. من السهل استثارة المشاعر الطائفية واستخدامها سياسياً، لكن الأضرار الناتجة عن ذلك كبيرة وعميقة وتحتاج ربما الى سنوات لإعادة اللحمة الوطنية الى وضعها الطبيعي. المتحاورون مطالبون بوضع خطوات ملموسة وعلمية لتحقيق الاندماج الوطني على صعده السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ولكن قبل ذلك، والى أن يتم الحوار، هناك ماكينات طائفية لاتزال تقوم عبر الإعلام بدور تخريبي هائل، وقد آن الأوان لإخماد صوتها ان كانت داخلية، والتحذير منها إن كانت خارجية، وذلك لخلق متنفس للنقاش والمصالحة السياسية .

وبعد، فإن البحرين بلد تعددي، وأزمتها السياسية قابلة للحلّ كما في كل البلدان الأخرى. وأساس الحلّ تصنعه الأطراف الثلاثة: العائلة المالكة، والشيعة، والسنّة، وفق نظام ملكي دستوري توافقي. لا أحد يستطيع اختزال الآخر، أو الاستفراد بالسلطة، أو العودة بالبلاد الى وضعها القديم، فذلك زمن مضى، وقد عصفت بالبلاد تحولات سياسية إصلاحية منذ مطلع الألفية يصعب التراجع عنها والتنكّر لها .


 

الكاتب : حسن موسى الشفيعي
ناشط حقوقي وكاتب من البحرين
12 نيسان (ابريل) 2011 

اقرأ المزيد

نظرة موضوعية مستقبلية


لا أحب النظرة الواحدية وحين يتوجه أخ ناقد إلى النظرة الواحدية في قراءة مقالتي (تقلبات غريبة لسياسيين)، فهو لا يبصر سوى جهة واحدة من الوجود ومن التاريخ، والحياة ذات ألوان متعددة.

فحين يركز الناقد في طرف واحد هو الطرف الحكومي المقصر في رأيه أبداً ودائماً فقط فهو يغدو غير قادر على التحليل، وقد قادتنا النظرات المحافظة القديمة المتعددة أن نكون أسرى لقراءات شاحبة للحياة وأن نطالع جهةً واحدة ونتجمد إن لم نتدمر في الزمن.

لابد أن تنقد كذلك نفسك والجهة التي تقف فيها، فليس من المعقول اننا بلا أخطاء وأن الفريق الآخر وحده هو المخطئ.

مآسي الواقع أكثر تعقيداً ونحن بحاجة لقراءة أبعد من ذاتنا المحبوسين فيها، وهنا يكشف التاريخ خطورة عدم التجذر في الفكر، واستخدام الاستعراض اللغوي كأداة وحيدة في فهم حدة الإنسان بين الفعل العقلاني والمغامرة الطائشة.

قاومنا طويلا وكثيرا المراهقين السياسيين الذين خطفوا شعبنَا في غمضة عين من المؤسسات الراقدة في بيروقراطيتها ومشيها السلحفائي في التنمية الوطنية وفي أخطائها التي راحت تعترف بها بخجل، وقاومنا أولئك العاجزين عن التحليل والدرس وكشف الأمراض الاجتماعية والمشكلات، الكسالى في العمل الصبور اليومي ونشطين جداً في المغامرات والانتحار السياسي!

ولكننا لن نؤيد كذلك المنفعلين ومن يريد صراعات طائفية مجددا بشكل آخر، ونحن دولة مستقلة وحرة ولا يعني دخول جيوش اخواننا هيمنةً علينا.

لقد وقفنا ضد أولئك وقلنا عن المشكلات العميقة في البلد التي يمكن أن تحل وتحتاج إلى نظرة صبور وصدر مفتوح، ولن نتوقف عن هذا.

لابد أن نقف ضد من يتجاوز القانون ولتظهر كل الإجراءات في ضوء الشمس وحتى لا يؤخذ الأبرياء بجرائم وتهم لم يقوموا بها.

ومن يرد أن يدفن رأسَهُ في الرمال وأن المشكلات لن تتكرر فهو واهم إذا كانت نظرته للواقع بهذا التبسيط وعدم التبصر.
الأخ يحسبني مصطفا في جهة معينة وإن كتابتي ذات غرض ذاتي، في حين أننا جميعاً يجب أن نخرج من الاصطفافات ونتبع النظرة الموضوعيةَ أينما وُجدت وبهذا نخفف إن لم نمنع الانهيارات الأرضية السياسية.

زميلي الناقد يستخدم الأسلوب الديني نفسه في إنتاج فكر سياسي معاصر، وهذا لا يجوز، كما يتم عزل مشاكلنا التي حدثت عندنا عن علاقاتها بدول الجوار.

استخدام الآيات وإدخالها في الحوار السياسي وعدم مناقشة المعضلات السياسية اليومية يوجد خللاً، فعدم مناقشة الأخطاء الكبيرة التي وقعت من جانب المعارضين المذهبيين السياسيين ومؤيديهم وإلقاء كل شيء على الجانب الآخر(الدولة) لن يفيد شيئاً.

وحين تستخدمُ الآيات القرآنية بهذا الوعي فهو أمر شديد الخطورة.
يذكر الأخ:
(يقول الله في محكم كتابه الكريم – بسم الله الرحمن الرحيم. «وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدلاونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمِاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِين» صدق الله العظيم). الاخ الكريم لا تقلق ولا نريد لك القلق بل نريد لك العزة والكرامة.

فالآية تتحدث عن الصراع بين المؤمنين والكفار في زمن مختلف وهذا لا يجوز تطبيقه على صراعنا الوطني الداخلي، فالاستخدام التأويلي الديني الذاتي السياسي هو خطر بحد ذاته، ومثاله لدى صاحبنا وقد حول الآية القرآنية وطبقها في مكان آخر، هي لا تدخل فيه، فصراعنا الأخوي البحريني هو صراع مواطنين مختلفين سياسياً وليس مختلفين في الإيمان والدين، ليس هو صراع بين مؤمنين وكفار. ومثل هذا الاشتغال السياسي الديني لهذه الجماعات محفوف بالمخاطر فهنا كلام مقدس لا يجوز استخدامه بهذه الأشكال.

إن اختلافنا ينطلق من جماعات تتبعُ نموذج دولة جارة لنا ذات (مشروع سياسي) خطر على شعبها وعلى شعوب المنطقة وإذا لم نقف (كلنا) ضد هذا المشروع تحطمنا جميعاً، ومن هنا كانت أدوات العمل السياسي المطروحة من قبل النظام في البحرين كثيرة لكل القوى السياسية وحذرة كذلك، وعدم استخدامها والإساءة في تطبيقها هما أمران تتحمل مسئوليتهما الجماعات التي أخطأت في ذلك، ويجب أن تراجعَ نفسها وتنتقد عملَها ومحافظتها الجامدة من أجل مصداقيتها وعودة وجودها للعمل الوطني، وهذا لا يعني عدم وجود الأخطاء أو القصور في الجانب الحكومي، لكن التغيير يحدث ويتراكم وقد تعطل الآن!

وإذا نحن كنا قلقين وخائفين على مصير وطننا فهذا أقل ما نفعله في مثل هذه اللحظة العصيبة متمنين من كل القوى السياسية النظرةَ الموضوعيةَ وبُعد النظر، أما استخدام الدين في العمل السياسي فهو يَظهر من مثال صاحبنا حيث قلة التبصر ومحدودية فهم الإسلام والاحتقان الذاتي، وهو أحد الجذور الكبرى للمشكلة.

منذ المشروع الإيراني المحافظ ونحن مبتلون بهذا (الوعي)، وتطور الديمقراطية الوطنية في البحرين يتطلب تطور الديمقراطية في إيران وفي القوى المحافظة الدينية التي لا تريد أن تتغير وفي كل جوانب المنطقة.

لقد انتقدنا المشروعات القومية الحادة سابقاً في كل من القاهرة وبغداد، فهي كذلك مغامرات، ولابد أن يقول المواطنون والعرب في المنطقة إن مشروع الحكم الإيراني هو مغامرةٌ كبيرةٌ خطرة. هذا الواجب التاريخي وما يمليه أي ضمير حر.

إن انضمام المحافظين الدينيين لمشروع الحداثة والتغيير الديمقراطي مع جمهور البحرين وجمهور إيران وكل القوى الشعبية والدول في المنطقة هو الحل.

فلا بد أن تناضلوا للديمقراطية في مختلف الجوانب والبلدان، ولا أن تغدو السياسة هيمنةً على بلدنا فقط.

شاركونا هذا النضال، هذا هو الحل!

أخبار الخليج 12 ابريل 2011

اقرأ المزيد

المعونات والسياسة الخارجية المصرية الجديدة


كتبنا في مقال الأسبوع الماضي (الجمعة 8 إبريل/ نيسان 2011) مقالاً تناولنا فيه السياسة الخارجية المصرية بعد ثورة 25 يناير، التي توحي إشاراتها الأولى بأن تغيراً ملحوظاً سوف يطرأ على توجهاتها العامة المنطلقة من صميم مصالح مصر الوطنية والقومية المتسمة، حتى الآن، بالحيوية والجدية، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، قرار النظام الجديد بإعادة النظر في سعر الغاز المصري المباع ل “إسرائيل” بسعر تفضيلي يقل كثيراً عن أسعار الغاز المباع داخل السوق المصرية وبالتأكيد أقل من أسعار الغاز العالمية، وهو سعر تعاقد عليه مع “إسرائيل” النظام السابق وتسبب فيه بخسائر فادحة للاقتصاد المصري .
 
وإذا ما واصل النظام الجديد في مصر السير على هذا النهج، وهو ما توحي به توجهات السياسة الخارجية المصرية حتى الآن، فإنه، وبسبب اتصال وتداخل شبكة المصالح الدولية المتصلة خصوصاً بمواضيع التجارة الدولية في السلع والخدمات والاستثمار والتمويل ونقل/ نشر التكنولوجيا، وبسبب الحضور الطاغي لهذه المصالح الدولية في السوق المصرية واقتصادها المستوعب لكل قضايا العلاقات الاقتصادية الدولية المنوه عنه، جراء عمليات التربيط والتشبيك لعلاقات مختلف أفرع الاقتصاد المصري مع أسواق التصدير والتوريد للقوى الاقتصادية الكبرى الرئيسية والتي تمت وتكرست منذ تطبيقات ما سمي بسياسات الانفتاح الاقتصادي منتصف سبعينات القرن الماضي  نقول إذا ما واصل النظام الجديد في مصر نهجه النابع من مصالح مصر العليا، فلسوف يكون مضطراً في أحايين عدة إلى تصحيح مسار علاقات مصر الخارجية هنا وهناك، ما قد يضعها في مواقف متضادة مع تلك القوى العظمى التي تتمتع بأفضليات مكتسبة في السوق المصرية، خصوصاً مع الولايات المتحدة التي تتمتع فعلاً بهذه الأفضليات التي اكتسبتها وأمنتها من خلال نظام المعونات والمساعدات التي تقدمها لمصر سنوياً .
 
هذه الإشكالية تطرح تساؤلاً بشأن كيفية تعامل النظام الجديد في مصر معها، هل يتعين عليه الاستغناء عن هذه المعونات والمساعدات؟ وهل بوسعه فعلاً الاستغناء عنها وقد غدت جزءاً لا يتجزأ من الإيرادات الثابتة للموازنة العامة المصرية وعنصر دعم وتوازن لميزان المدفوعات المصري؟
 
إن حجم هذه المعونات والمساعدات لا يستهان به، فهو إيراد ريعي لا يقل شأناً عن بقية الإيرادات الريعية الرئيسية للخزينة المصرية مثل دخل قناة السويس وإيرادات مبيعات المنتجات الهيدروكربونية (النفط والغاز) ونحوها . ففي إطار صفقة اتفاقية كامب ديفيد التي وقعها أنور السادات بالنيابة عن مصر ووقعها رئيس الحكومة “الإسرائيلية” مناحيم بيجن في عام ،1979 تقدم الولايات المتحدة مساعدات اقتصادية وعسكرية لمصر بواقع حوالي 1،8 مليار دولار سنوياً، ما يجعل مصر ثاني أكبر متلقٍ للمساعدات الأمريكية في العالم بعد “إسرائيل” . في العام الماضي فقط قدمت واشنطن لمصر 1،3 مليار دولار لتقوية الجيش المصري و250 مليون دولار لدعم اقتصادها و1،9 مليار دولار للتدريب على تقوية التعاون العسكري الأمريكي، إضافة إلى تسليح مصر سنوياً بمعدات عسكرية فائضة عن حاجة البنتاغون تساوي قيمتها مئات ملايين الدولارات . وقد طلبت إدارة الرئيس باراك أوباما من الكونغرس اعتماد نفس مخصصات هذه المساعدات لعام 2011 .
 
من غير المنطقي، والحال هذه، أن تتخلى مصر عن مثل هذه الامتيازات والمعاملة التفضيلية التي توفرها العلاقة الخاصة التي تربط مصر بالولايات المتحدة . فلسوف يتطلب الأمر إدارة حاذقة وماهرة للتعامل مع هذه الإشكالية بما يوازن بين أخذ مصالح مصر الوطنية والقومية في توجهات سياستها الخارجية (والداخلية بالضرورة) وبين الأخذ في الاعتبار خصوصية علاقة مصر بواشنطن . هذا على المدى القصير والمتوسط . وعلى المدعى الأبعد سوف يتعين على مصر التفكير في العمل التنموي المستقبلي بعيداً عن تلك المعونات والمساعدات .
 
ثم إن الكونغرس الأمريكي سوف يتابع ويراقب اتجاهات السياسة الخارجية المصرية في عهدها الجديد، وسوف يلوح بسلاح المعونات والمساعدات كلما اقتضى تنبيه النظام الجديد في مصر إلى عدم موافقته عليها، بل إنه من الراجح جداً أن يعمد إلى تقليصها كلما نوقشت بنود الموازنة العامة الأمريكية في الكونغرس .
 
خالص القول إن النظام الجديد في مصر ليس مطالباً على الإطلاق بالابتعاد عن العلاقات المتينة التي تربط مصر بالولايات المتحدة، فمصر بأمس الحاجة لهذه العلاقات ولهذه الدولة العظمى الأولى في العالم، ولكن في استطاعة النظام المصري الجديد أن يستفيد من نماذج الهند والصين والبرازيل التي تحتفظ بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة وفي الوقت ذاته تحتفظ لنفسها بهامش من الاستقلالية الحصيفة الذكية . ويعتقد أن مصر تتوفر على رصيد كبير من الحنكة السياسية التي تؤهلها للقيام بهذا الدور .
 

اقرأ المزيد

مراكزُ تخريـبٍ


صحيح إنها مراكز للحضارةِ الحديثة لكنها أدوات للإعلام الرأسمالي الاستغلالي، وعلاقاتها بالحضارة العميقة علاقة عملية استخدامية، تستثمر أدواتَ التواصل الاجتماعي والمحطات الإذاعية والتلفزيونية من أجل التخريب، والتخريبُ هنا ليس حرق باص، أو تدمير مبنى، بل استغلال ثروات الشعوب وجعلها عاملة من أجل هؤلاء الأسياد أبداً.

أهم الأمثلة الراهنة هو الاشتغالُ على الفتنِ الطائفية، وتحريك هذه الصراعات والاندساس بين المتصارعين ومعرفة دقائق تصرفاتهم وحياتهم وتحريك الخيوط بعد ذلك بأشكالٍ هائلة من الدهاء.

تتلاقى هنا أدواتُ المعرفةِ المتطورة خاصة الأجهزة الحديثة البالغة التكلفة التي هي ثمرةٌ عظيمةٌ لتطورِ العقل البشري والتقنية مع علوم المخابرات، عبر كيفية ملاحقة الدقائق الصغيرة في الصراعات السياسية ومعرفة الشخصيات المؤثرة والهامشية وكيفية استخدامِها وإدخالِها في الصراع، وتحريك الصراعات نحو غاياتٍ معينة هي تغليب جهة على أخرى أو تصعيد نظام ما، وهي كلها تصبلا في فتح مجالات الاستثمار والتحكم في المواد الثمينة والتوغل في الأسواق.

إن مرحلة الرأسماليات الحكومية الشرقية وانغلاقها خلال عقود مثلت قيوداً كبيرة أمام الرأسماليات الغربية لتلتهم الأسواق الشرقية، فقد عرقلت تطورها سابقاً، وحين حدثت(الثورات) في تلك الرأسماليات قفزت بالرأسمالية الغربية قفزات كبرى وانتقلت مليارات من شرق أوروبا إلى غربها وإلى أمريكا ثم استخدمت في الاستهلاك الباذخ المأزوم في العقار.

وتمثل البلدان العربية حالات مشابهة لشرق أوروبا وروسيا وإن كانت متخلفة، ولهذا تغدو مهمةً لقوى الاتصال والاستخبار والتآمر الغربي وكذلك من أجل التهام القطاعات العامة والانتشار الأوسع في الأسواق.

كذلك فإن هذه الأدوات من إنترنت وإذاعة وتلفزيون هي ذاتها أدوات إعلان وتجارة وإنتاج أفلام، فهي أدوات استغلال تجاري إضافة إلى أنها استغلال سياسي.

ومن هنا حين تتركز أغلب الموضوعات في الصراعات السياسية الاجتماعية الدينية، وتغدو دخولاً في النسيج الخاص الحميم للشعوب، تغدو محل تساؤل كبير، فلماذا الوقوف المستمر عند هذه الصراعات؟

نجد ان المذيعين والمسئولين ليسوا هم فقط فنيين بل هم أعضاء في شبكات استطلاع وكشف وتنظيم، إنهم يجمعون معومات كثيفة عن هذه الجوانب ويقدمونها لمن يستثمرها، ففي الخلف هناك التحليل والبرمجة ويأتي دور الخبراء والسياسيين في خاتمة المطاف يقومون بأدوارهم.

تتركز المسائل حول الصراعات وتوظيفها، ففي إذاعة لندن نجد هوساً بصراعات البحرين الطائفية السياسية، بعد أن فقدت بريطانيا حظوتها في المنطقة فيتحول هذا إلى غليان في المؤسسات الاستخبارية والسياسية، وإلى تغلغل في تفاصيل ودقائق الصراعات اليومية والأسماء وحتى العناوين، فتنطلق الندوات واللقاءات في مظهر موضوعي زائف لاستثمار أي خيوط في هذا المستنقع.
يُفترض في هذه المؤسسات في العالم(المتحضر) أن تقدم ثقافة العلوم والآداب والفلسفة والجغرافيا للشعوب (المتخلفة) وليس أن تكون مثل قوى الشياطين والأرواح الشريرة تجري وراء الدماء والأشلاء وتمضغها وتجترها كل يوم.

وهذا ما نجده في ثقافة هذه البرجوازية الغربية (المنحطة) من الأفلام حيث يدور أغلبها حول مصاصي الدماء، في عروض انعكاسية لذوات سائدة مريضة لدى المسيطرين على الإنتاج السينمائي والتلفزيوني.

ولهذا فإن الشباب الذي يندفع في تقديم خدمات معلوماتية مجانية لهذه المراكز ويتباهى بأنه صنع ثورات، لينتبه بعد هذا من سوف يستفيد من هذه الثورات؟ وأصلاً لماذا يقدمُ كشوفاً عن بلدانه ويَعرض بمؤسسات أوطانه؟

وأن من يركض لتقديم خدمات معلوماتية لهذه الأوكار الجائعة للحم البشري فعليه أن يرى نتائجَها المؤسفة بعد ذلك.
الثورة كما تغدو فعلاً وطنياً تغدو كذلك فعلاً عالمياً، فهناك جهات داخلة في اللعبة، وسوف تتشكل جهاتٌ استغلالية جديدة في الوطن المعني والمركز الغربي لاستثمار جديد.

أكبر ما تبثه من تلوث معرفي هذه الأدوات الغربية من إعلام وهيمنة اقتصادية هو تكوين أوضاع استهلاكية، غير بانية للإنتاج الصناعي -المعرفي الذي تحتاج إليه البلدان النامية، فهي نظراً لخوائها المضموني العميق تركز في الاستهلاك في كل شيء، فهي تدفعُ البلدانَ الأخرى للاستهلاك لتصريف منتجاتها، والاستهلاك يغدو لهذه البلدان استنزافاً جديداً.

هناك علاقةُ حياةٍ ؟ موت، بدلاً من تعاون لفرز حياة بشرية مشتركة صاعدة.

ولهذا فإن موضوعات أساسية لا تُناقش هنا مثل ثروات البلدان النامية المسروقة من قبل البلدان الغربية وكيف تتم ثوراتها الصناعية العلمية، ولكن هذا ليس مهماً على مائدة أشلاء بشر العالم الثالث، وما يهمها هو نشر استهلاك السلع واستهلاك الدماء، فتتساءل في حدب مسعور متى سيقوم الزعيم الطائفي بإعادة جيشه للعمل؟ وما هي ملامح الحرب الجديدة في المنطقة؟ وكأنها إلحاحٌ على التعجيل بشراء أسلحة الموت الباردة في المخازن لبضعة أيام.
 
أخبار الخليج 11 ابريل 2011

اقرأ المزيد

مصداقية تقارير “الصندوق”


كما هو معروف يقوم صندوق النقد الدولي بإصدار أنواع مختلفة من التقارير التي تتناول مختلف الاقتصاديات العالمية واقتصاديات الدول الأعضاء، منها ما هو سنوي ومنها ما هو شبه سنوي .
 
وكان صندوق النقد الدولي قد أصدر في إبريل/ نيسان الماضي تقريره الخاص بجمهورية مصر العربية لعام ،2010 وهو عبارة عن مراجعة وتقييم أداء للاقتصاد المصري خلال عام 2010 أشاد فيه بنجاح الحكومة المصرية في التغلب على تداعيات الأزمة الاقتصادية وتحقيقها معدل نمو اقتصادي مدهش بلغ 7%، وأن سياسات قد اتخذتها الحكومة لمكافحة الفقر والبطالة ودعم النمو الاقتصادي .
 
وقد أرفق المدير التنفيذي في صندوق النقد الدولي المسؤول عن ملف مصر، هذا التقرير ببيان ذكر فيه أن السلطات المصرية تمكنت من معاودة إجراءات التثبيت والتعزيز المالي بعد أن كانت تركتها بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية في ،2008 ويشمل ترشيد استهلاك مادة البيوتين المدعومة وزيادة فعالية إجراءات التحصيل الضريبي .
 
التقرير نفسه لا يعدو أن يكون تقريراً مكتبياً رغم أن الجزء الرابع فيه يشير إلى قيام معديه بإجراء مشاورات مع السلطات المصرية انتهت في السادس عشر من فبراير/ شباط ،2010 إذ تنتهي هذه الاستطلاعات لرأي المسؤولين المصريين (السابقين) إلى مجرد قراءة إنشائية لمؤشرات أداء الاقتصاد المصري وليس إلى رأي محكم للجهاز التنفيذي للصندوق في هذا الأداء . فهو بهذا المعنى تقرير مكتبي ذو نفحة سلطوية بيروقراطية، غير معني بأي مسألة مستقبلية للاقتصاد المصري ذات شأن، مع أن السخط الشعبي في مصر كان قد بلغ مبلغه خصوصاً مع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية .
 
يقول التقرير إن الإصلاحات الاقتصادية الواسعة والمستدامة منذ 2004 قد قللت من فرص تأثر الاقتصاد بحساسية الانعكاسات السلبية لمفاعيل أدوات السياسات المالية والنقدية وحسنت المناخ الاستثماري، وهو ما أعطى الاقتصاد مساحة أوسع لاتخاذ السياسات الملائمة المضادة لأي آثار سلبية لمفاعيل تلك الأدوات .
 
واللافت أن التقرير لم يلحظ الانعكاسات السلبية المحتملة لتدفقات الاستثمارات قصيرة الأجل على عملية صناعة القرار الخاص بالسياسة النقدية، خصوصاً في ما يتعلق بتأثيرات هذه التدفقات الرأسمالية قصيرة الأجل على سعر صرف الجنيه المصري وعلى العرض النقدي ومستويات الأسعار وعلى الحساب الجاري لميزان المدفوعات .
 
وغني عن القول إن التدفقات الداخلية لرأس المال المتحفزة بأسعار فائدة جاذبة وأوراق مالية بأسعار سوقية مغرية وأصول أخرى ثابتة (عقارية مثلاً)، كانت تملك كل أسباب تحقق مخاوف الاقتصاديين المعتادة من هذه التدفقات لاسيما في ما يتعلق بالتسبب في رفع قيمة العملة المحلية وتضخيم قيمة الأصول، أي التسبب في فقاعات هنا وهناك، الأمر الذي يفاقم الهشاشة المالية .
 
بهذا المعنى فإن التقارير السنوية لصندوق النقد الدولي الخاصة بكل دولة من الدول الأعضاء تشترك مع تقارير التقييم المالي التي تصدرها مؤسسات التصنيف الدولية، في الخاصية المتمثلة في أنه يصعب الاطمئنان إلى خلاصات مرئياتها بسبب نقص الشفافية والمصداقية في إيراد المعلومة وتحليلها .

حرر في 7 ابريل 2011

اقرأ المزيد

تقلبات غريبة لسياسيين


قلنا إننا بعد عقود من التحولات والصراعات اقتربنا من النضج، وأسست لنا التجربة السياسية الأخيرة قاعدة فكرية قوية، نفرز فيها ما هو الوطني وما هو الأجنبي، ما نبني عليه وننقده ونعالجه، وما هو خارج تجربتنا الوطنية.

إننا تجاوزنا ما هو غير وطني، ما هو امتدادات  ايديولوجية لمشروعات الدول الأخرى والقوى الأخرى، وإننا على الرغم من خلافنا اقتربنا من الصراع الخلاق، الصراع الذي يقوي اللحمة، والصراع الذي يكشف أخطاءنا ويطور نسيجنا.
توقعنا أو توهمنا ان تجربتنا التاريخية قد جعلتنا بمنأى عن أن يخطف عقولنا السياسية أحد، خاصة بعد أن انهارت إمبراطوريات  إيديولوجية.
توقعنا أن القوى الجديدة قد استوعبت هذا الدرس وأن الوطني النضالي غير ممزوج ومتداخل بأجندة دول ومعارك خارجية لا تخصنا، خاصة ان ما تحقق يمهد لأشياء أكبر وأن الذين يريدون التغيير حققوا مواقع مهمة في المجلس الوطني والوزارات والبلديات والنقابات والحياة التعليمية والفكرية، كرسوا أسماء، شكلوا تنظيمات ومواقع مع الجمهور، نشروا شبكة من الصلات.

ولكن فجأة يذهب هذا كله في الدخان السياسي.

كل ما كُرس لأجلِ معارضةٍ برلمانية وكتل وأعمال ميدانية طويلة يزول بقصاصة من ورق.
كل ما أردناه بأن هذه المعارضة المذهبية السياسية سوف تتطور وأن نرى علاقات متداخلة وطنية بين الكتل تؤسسُ نضالا بحرينيا صميما من داخل قنوات النظام، فهل كل ما بني هو مجرد سراب؟
أو أن كل ما تخيلناه هو أوهام تعشش في رؤوسنا وليس لها أي انعكاس حقيقي في الخارج؟
لا نفترض سوء النيات في الكثيرين من النواب والسياسيين ولكن كنا نريد فقط درجةً من الحصافة، نريد شعرةً واحدة فقط من الدهاء السياسي، لمسة صغيرة من بُعد النظر.

فلنفترض أن ثمة تخلفاً في الحياة السياسية الاجتماعية الاقتصادية ولكن كيف تحرق كل أوراقك وتقدم انتحارك السياسي وتعلن استقلاليتك وتحرق كل السفن التي تسمح بعودتك إلى شاطئ بلدك؟

أفكر في هؤلاء كثيراً، هؤلاء الذين أُعطيت لهم فرصٌ لم تُعط لكل أجيالنا المناضلة السابقة: مناصب كبيرة وكراسي قوية وكتلة ومنابر وجمهور تحت يدهم يصرفونه ويدعونه كيفما شاءوا.

ثم لا تمتلك الجماعة المؤتمنة ذرة من الحصافة، تفرط في هذه المقاعد الثمينة في المجلس، كأنها مقاعد في قهوة شعبية، أو سيرك، وكأن هذه المقاعد ليست ثمرة مهمة من نضال أناس يريدون تغيير معاشهم وتبديل حاراتهم الفقيرة وتحسين حياتهم.

هذا يعطينا طبيعة هؤلاء الاخوة بأنهم شديدو العاطفة مهتاجون، لا يمتلكون هدوءًا سياسيا وبعدَ نظر، وأنهم لم يجعلوا أهدافهم متعددة، تتدرج بين البعيد والقريب، ووسائلهم متنوعة، وكلها تجري في فن الممكن، وفي فن السياسة الهادئ الديمقراطي وعدم إثارة الأعصاب إلى درجة الحرق والهستيريا.
نعم، كان يمكن أن ترفع صوتك، وتعرف إلى أي مدى، وأن تطلب إلى حد معين، وأنت في كل هذا تستهدف التغيير الممكن، وبالتالي فإن معركة السياسة وأهدافها تكون معك، وتخرج من آثارها ونتائجها وأنت حائز شيئا مهما وثمينا.
كان النضالُ الوطني السابق خاصة في تيار اليسار الوطني العقلاني يرفعُ لافتة مهمة هي (أن تناضل بأقل الخسائر الممكنة) من دون أن يدمرَ الأشياءَ العامة أو يُربك حتى المرور، لكن الجيل الجديد لا يعرف الثقافة التاريخية لشعب البحرين ونضاله، ولا يعرف التراكم وجعل المكاسب تعلو بصبر وحرص فها هو يبدأ من الصفر.

بعد ربع قرن من الصراخ والنار وحشود السجون ينتهي في ذات النقطة التي بدأ منها.

نعم، لديه كمية من التنظيمات والأشياء والمكاتب والأنصار ولكن كم هي المكاسب الآن؟
ليست المسألة مسألة التدخلات الخارجية بدرجة أساسية، بل المسألة هي مستوى هذه القيادات والعقليات المتشنجة غير المراكمة لنضال صبور، وأي ثقافة راسخة في هذه الأرض، هي أشبهُ بالفقاقيع نقولها بأسف وأسى شديدين، ويعصرنا الألم، ونشعر بكم خيبتنا الثقيلة.
وهي بفراغها هذا قابلة لأي تأثير خاصة حين يكون في مسار تشنجها.
قد يقول قائلٌ من هؤلاء إنني اشتغلت بهذا الشكل (الحكيم) ولكن غيري هو الذي خرب، وحاولتُ أن أمنعه وأتصدى له لكن كانت حركاته أسرع.

قد يجوز هذا، ولكن لماذا حرقتَ قواربكَ كلها خاصة في المؤسسة التي ناضلت من أجلها كثيراً؟ لماذا لم تصارعه سياسيا وتقف في وجهه؟
لماذا لم تترك خط رجعة عند المؤسسات الرسمية، وقمت بأعمال حوار ولقاء تظهر جوانب أخرى غير التصعيد؟
هل نقول إنها لحظة خطرة تاريخية نحن فيها نجثم في أطلال سياسية؟ وفي خرائب روحية نتظاهر بتجميلها بزينة من ورق؟
أطلال سياسية حقيقية، وناشئة ليس فقط من الخسائر البشرية، بل أيضاً من اننا وجدنا مسرحا سياسيا فارغا، وجدنا أطلالا.

فالجماعاتُ المذهبية السياسية خطفتْ البلدَ في مسارات مروعة.

وكنا ننتظرُ أن تقوم القوى الأخرى غير المذهبية بطرح اتجاه آخر وتنفض عن هذا المولد.
والمروع اننا وجدنا ان (الكل) دخل في الصراع المذهبي السياسي.

فأين ما راكمناه من فكر سياسي وثقافة وطنية؟

خسارتُنا كبيرةٌ عبر هذا، لأننا توقعنا اننا بنينا شيئا مهما، وأن ثمة قوى حتى صغيرة تمتلكُ تلك العقلانية الدرة التي كرسها نضالنا عبر السنين، فتعرف الخيطَ الأبيضَ من الأسود.

خسارتنا فادحة فكيف سيتكون هذا الطللُ المدمرُ مرةً أخرى؟

وهل سيتم حل مشكلاتِ طائفيين بجلبِ طائفيين آخرين؟

وهل في كل بضع سنوات يتم تعريضنا لخسائر بشرية وروحية كهذه مع حقول كبيرة من الرماد؟

أخبار الخليج 9 ابريل 2011
 

اقرأ المزيد

نعم .. نخاف على بلادنا


لسنا من دعاة القومية المتعصبة ولا من المروجين لشعار أما معي أو ضدي وإنما من دعاة الحفاظ على هذه البلاد في ربوع الأمن والاستقرار، نؤمن بالحوار الوطني لأنه الأنفع في كل الأزمات ونخاف على بلادنا من أي تدخل خارجي يفرض عليها أجندته الخاصة ويتدخل في شؤونها الداخلية كما تفعل إيران اليوم التي تريد ان تصفي حساباتها لصالح القوى الطائفية التي نرى فيها ظلاما وصوليا يعيدنا إلى الوراء.

نعم نخاف على بلادنا من اي ممارسات سياسية متطرفة ومغامرة أياً كان مصدرها تعيدنا إلى المربع الأول بعد ان قطعنا شوطا لا يستهان به في المسيرة الإصلاحية.. ولأننا نؤمن بالنقد والكشف عن مواطن الضعف ومراجعة الأخطاء نقول ان الأحداث التي شهدتها بلادنا مؤخرا كانت مؤلمة لم نحصد منها الا الفوضى والكارثة التي مزقت نسيجنا المجتمعي بفعل الممارسات السياسية غير المسؤولة التي كانت تدار بعقلية طائفية ولدت شرخاً اجتماعياً كبيراً واصطفافات طائفية دمرت التعايش الطائفي والسلم الأهلي الذي كان أهم الثوابت في هذا الوطن، وطن التسامح والتعدد والانفتاح على الآخر. ونقول أيضا آن الأوان لمراجعة خططنا التنموية وإعادة النظر في أولوياتنا وترتيب أوضاعنا الداخلية للحد من كافة الأزمات والتحديات دون القفز فوق جذور مشكلاتنا الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية.

ولا مراء ان وحدتنا الوطنية هي الحصن المنيع للدفاع عن هذا الوطن الذي تتربص به مخططات سياسية وعسكرية إيرانية تود فرض سيطرتها العدوانية على البحرين ومنطقة الخليج بأكملها، هذه السياسة التي تبناها الشاه محمد رضا بهلوي بعد ان سحبت بريطانيا حمايتها وقواتها المسلحة من المنطقة في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، نجد النظام الإيراني اليوم وفي عهد الثورة ماضياً وبإخلاص في تحقيق استراتيجية الشاه التوسعية في منطقة الخليج!! ولعل التهديدات الإيرانية للبحرين وباقي دول الخليج كالكويت التي كشفت مؤخراً عن شبكات تجسس إيرانية هي من ابرز منطلقات المشروع الإيراني الذي يذكرنا بمشروع الإمبراطور الشاه.

ومن المفارقات ان نقف موقفاً سلبياً من تلك التدخلات والتهديدات الإيرانية وفي الحقيقة ان الموقف الذي اختارته الفعاليات السياسية في مجتمعنا تجاه هذا المشروع ينم عن مدى إخلاص تلك الفعاليات تجاه الوطن وتجاه تحولاته ومكتسباته التي قلنا عنها مراراً وتكراراً الحفاظ عليها وتطويرها من أولويات المرحلة بمعنى ان حمايتها هو حماية منجزات كثيراً ما ناضل هذا الشعب وحركته الوطنية من اجلها.

ومن بين هذه الفعاليات المنبر التقدمي الذي أكد في بيان له حول هذه المسألة « إن أمن البحرين هو جزء من منظومة الأمن الخليجي والعربي، كما رفض كافة أشكال التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للبلاد واستنكر التقدمي البيان الذي أصدرته لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني والذي يعتبر تدخلاً سافراً في شؤون البحرين الداخلية ومن شأنه ان يزيد الأمور تعقيداً فيما بلادنا تحتاج إلى كل ما من شأنه تعزيز الصف الوطني وإشاعة روح المحبة والتسامح.

على أية حال ان محاولات إيران لتغيير الخريطة السياسية والجغرافية في الخليج وفقاً لأهداف وغايات إيرانية لا يمكن إدراكها واستيعابها الا بالعودة الى المشروع الإيراني الذي حلم به الشاه وتحلم به الآن القيادة الايرانية، هي محاولات بالغة الخطورة تزعزع امن واستقرار الخليج، وبالتالي فاذا كانت ايران بصدد لعبة تريد منها او الهدف من ورائها ولأسباب تكتيكية في المنطقة، لامريكا ودول اوروبية اخرى اهداف ومصالح كبرى نفطياً واقتصادياً واستراتيجياً، فان هذه اللعبة لن تعود على إيران الا بنتائج عكسية وخاصة اذا فقدت دول الجوار الذين لا تخيفهم فزاعة ايران التي من المفترض منها حل مشاكلها الداخلية التي تثير سخط الشعب الإيراني قبل ان تتوعد بدول الخليج.
 
الأيام 9 ابريل 2011

اقرأ المزيد

شرعية ديمقراطية.. لا شرعية ثورية – للكاتب صلاح عيسى


في الحوار الذي أجاب فيه الأستاذ «محمد حسنين هيكل» عن أسئلة الشبان الذين شاركوا في انتفاضة يناير المصرية، شبه حالة الحيرة التي يعانونها، بعد أن حققوا هدف إسقاط النظام السابق، بالذين قادوا صاروخا أوصلهم إلي القمر، فلما سئلوا عما يتمنونه طلبوا كيلو كباب.. وهو تشبيه يؤكد حقيقة أن المصريين علي مشارف الثورة، كانوا قد اتفقوا على ما لا يريدونه، وأجمعوا على أن النظام السابق لم يعد صالحا للبقاء، لكنهم لم يكونوا قد توافقوا بعد، على ما يريدونه، أو على الملامح العامة للنظام الذي يحل محله.

ولولا ذلك لما شغل المصريون جميعا وفي طليعتهم الثوار، هذا الانشغال المبالغ فيه، بالرغبة العارمة في الثأر من الماضي، وتصفية كل رموزه، وبهواجس الثورة المضادة التي تسعى لكي تعيده، أكثر مما يشغلون أنفسهم بالحوار حول المستقبل .. وإذا كان صحيحا أننا لا نستطيع أن نزرع الأرض بنبت جديد، إلا إذ انشغلنا أولا بتطهيرها من الطوب والحصى والحلفا والصبار، وصرف ما تجمع في بطنها من ماء آسن، لنضمن أن ينمو هذا النبت ويخضر، فمن الصحيح – كذلك – أنه لا يمكن أن يطرح ثمارا مختلفة إلا إذا اشتركنا في انتقاء بذوره وتعهدناها بالرعاية وتأكدنا أنها ليست فاسدة، وأنها لن تثمر شوكا وقتادا واستبدادا يحل محل استبداد. وعلى عكس ما يعتقد البعض فإن الانشغال بالثأر من الماضي ليس وحده الذي يحقق وحدة القوى صاحبة المصلحة في الثورة أو يصلح لكي يكون بديلا عن الوحدة التي يحققها توافق وطني حول ملامح المستقبل، كما أنه على عكس ما يعتقدون، لا يسد الباب أمام التباين في وجهات النظر بين هذه القوى، حول منهج التخلص من آثار هذا الماضي وهو منهج لا يجوز أن يكون مناقضا لرؤى المستقبل! .

هذه قضية ينبغي التوقف أمامها، على ضوء وقائع الأسبوعين الأخيرين اللذين شهدا اعتراضا واسعا بين صفوف الثوار، حول ما وصف بأنه تباطؤ مقصود في اتخاذ اجراءات تطهير الحياة السياسية من آثار الماضي، وبصرف النظر عن أن المطالبة باتخاذ اجراءات حاسمة وسريعة في اتجاه هذا التطهير، تستهدف فقط اشخاصا من المسئولين السابقين، من دون أن تقرن ذلك بالمطالبة بتطهير الأوضاع المؤسسية والقانونية التي أتاحت لهم ممارسة ما ينسب إليهم من فساد مالي وسياسي، فقد تباينت الرؤي بين الذين يطالبون بهذا التطهير، حول أسلوب القيام به، ففي حين أقر بعضهم، المنهج الحالي الذي يقوم على إحالة كل الوقائع التي تتعلق بارتكاب جرائم جنائية ذات طابع سياسي مثل قتل المتظاهرين، أو مالية مثل الاستيلاء على المال العام أو التربح منه، أو إساءة استغلال النفوذ، إلى النائب العام يجري تحقيقاته فيها طبقا للقانون ويحيلها إلى القضاء، وطالبوا فقط بالإسراع في إنهاء هذه التحقيقات وتقديم المتهمين فيها إلى محاكمات عاجلة، رأى آخرون أن التطهير لابد وأن يشمل قضايا الإفساد السياسي، وأن يتم في كل الحالات طبقا للمشروعية الثورية، وأمام قضاء ثوري، حتى لا يستطيع الذين مكنوا للاستبداد والفساد – في ظل النظام السابق- من استغلال ثغرات القانون واجراءات التقاضي، ومهارة فرق الدفاع المدربة، في الإفلات من العقوبة أو البقاء على الساحة السياسية!.

ولابد من التسليم بأن مطالبة النيابة العامة بإنهاء التحقيقات في البلاغات التي تلقتها بشأن وقائع الفساد المالي والإداري، أو التحريض على قتل المتظاهرين أو اقتحام أقسام الشرطة والسجون، ومطالبة القضاء بسرعة البت فيها، وتمكين الطرفين من القيام بذلك في أسرع وقت ممكن، في ضوء الحقيقة التي تقول إن عدد البلاغات في هذا الصدد ، قد تجاوزت 15 ألف بلاغ هو مطلب مشروع ومنطقي.

أما الذي ينبغي التوقف عنده ، والتفكير فيه بروية فهو المطالبة بمحاكمة الفاسدين – ماليا وسياسيا ـ أمام محاكم ثورية وطبقا لقوانين ثورية، وهو اتجاه سبق لمصر أن عرفته بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، وحتى رحيل الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر» حين صدرت «قوانين ثورية» قضى أولها بتشكيل لجان التطهير، وهي لجان إدارية ذات صبغة قضائية، يرأسها قاض وتضم أحد رجال النيابة ، عدداً من كبار الموظفين، أنيط بها تلقي الشكاوى والبلاغات ضد موظفي الحكومة، الذين مارسوا ـ فيما كان يوصف أيامها بالعهد البائد ـ الفساد أو استغلوا نفوذهم أو تربحوا من وظائفهم، والتحقيق فيها وإصدار قرار بفصل الموظف عن غير الطريق التأديبي، وقضي الثاني بتشكيل «محكمة الغدر» برئاسة مستشار من محكمة النقض ومستشارين من محكمة الاستئناف وأربعة من ضباط القوات المسلحة، لمحاكمة وزراء العهد البائد ونوابه وكل شخص كان مكلفا بخدمة عامة، شارك في إفساد الحياة السياسية، أو استغل نفوذه للحصول على فائدة لنفسه أو توسط لحصول أحد يمت له بصلة على وظيفة عامة، ليعاقب بالعزل عن الوظيفة أو الحرمان من الحقوق السياسية لمدة لا تقل عن 5 سنوات أو الحرمان من المعاش، وأجاز القانون الحكم بإسقاط الجنسية عن الغادر، ومصادرة الأموال التي أفادها من غدره.
وتتالت بعد ذلك أشكال وألوان من المحاكم الثورية كان من بينها «محكمة الثورة» التي حاكمت قادة أحزاب ما قبل الثورة، «والمجالس العسكرية العليا»، التي حاكمت الشيوعيين وعمال كفر الدوار و«محكمة الشعب» التي حاكمت «الإخوان المسلمين» وتتالت القوانين الثورية التي أعطت رئيس الجمهورية سلطة فصل الموظفين عن غير الطريق التأديبي، وفرضت العزل السياسي على كل أعداء الثورة، وشمل ذلك الوفديين والإخوان المسلمين والشيوعيين، وأباحت لرئيس الجمهورية الحق ـ في غير حالة الطوارئ ـ اعتقال كل من سبق التحقيق معه أو محاكمته أو اتهامه أمام محاكم الغدر والثورة والشعب وأمن الدولة، أو سبق اعتقاله، وأجازت له أن يقدم أي قضية، إلي المحاكم العسكرية، حتى لو لم يكن للتهمة صلة بالقوات المسلحة، وحتى لو كان المتهمون فيها جميعًا من المدنيين.

وبصرف النظر عما إذا كان هناك ما يبرر صدور القوانين ـ أو تشكيل المحاكم أو اتخاذ الإجراءات ـ الاستثنائية، مما له صلة بأحوال الأمة والعالم آنذاك، فذلك فصل من تاريخ الوطن، ينبغي ألا يفكر ـ أو يحرض ـ أحد تحت أي اعتبار على العودة إليه، مهما كان الدافع إليه نبيلا، وهو محاسبة الذين ارتكبوا جرائم في حق الشعب، والاقتصاص منهم، وحماية الثورة من قوى الثورة المضادة التي تتآمر بها.

أما السبب فلأن هذه القوانين الاستثنائية صدرت بدعوى حماية الثورة من أعداء الشعب، ومع الزمن اتسعت قائمة هؤلاء الأعداء، لتشمل كل من ينتقد النظام، وكل من يجتهد في شئون الوطن، وانطوت على مظالم لا حصر لها، شملت عشرات ـ وربما مئات الألوف. من المصريين، وأفسدت أجهزة الأمن، حين منحتها سلطة الخروج على القانون، وأتاحت لها الفرصة، للتدرب على ممارسة التعذيب، وأكل لحوم المواطنين، حتى استعصى ـ مع الزمن ـ إصلاحها.

أما المهم، فهو أن صدور أحكام بمصادرة الأموال من محاكم استثنائية، أو طبقا لقانون استثنائي سوف يفقدنا الحق القانوني في استرداد الأموال التي هربها الفاسدون من أركان النظام السابق إلى الخارج، طبقا للقوانين الدولية! أما الأهم فهو أن الثورة ينبغي أن تتسق مع نفسها، فقد قامت لتهدم الاستبداد، ولا يجوز لها تحت أي اعتبار أن تمهد الأرض لاستبداد جديد يبدأ عادة بالمحاكم والقوانين والإجراءات الاستثنائية. باختصار ووضوح: نريد شرعية ديمقراطية.. لا شرعية ثورية!
 
الكاتب : صلاح عيسى
كاتب مصري
الأيام 8 أبريل 2011

اقرأ المزيد

الوعي الديني والديمقراطية


الوعي الديني المبكرُ لدى الشيعة في بداية العصر الحديث كان متجهاً للنضال مع الأغلبية الإسلامية من أجل الديمقراطية والحداثة بغض النظر عن المذاهب، وكان مهتماً بهذا التوحد العام، ونقد رجال الدين الانتهازيين الاستغلاليين بقوة.

ربما يعودُ هذا بشكل خاص لكون هؤلاء الأفراد قد وجدوا أنفسهم بعيدين عن الدول الدينية المتعصبة، أو كانت ثمة فترات توجب التوحد بين قوى المسلمين دولاً وجماعات ضد الغزو الغربي.

كما أن الديمقراطيين الحقيقيين لا تفرقهم المذاهب والأديان والأقطار لأن هدفهم واحد هو تقدم الشعوب.
ومن هنا لا نستغرب حين يقومُ عالمٌ ديني شيعي بمدحِ الخليفة الراشد عمر بن الخطاب.

الميرزا محمد حسين النائيني في كتابه (تنبيه الأمة وتنزيه الملة)، وقد صدر الكتاب سنة 1906، يستعرضُ أسسَ الديمقراطية وفصلها عن الدول الاستبدادية، ويقول إن الديمقراطيةَ في نظرهِ تعني (رفض ما للسلطنةِ من مالكيةٍ مطلقةٍ وفاعلية ما يشاء وحاكمية بما يريد وقهرها بالإراداتِ السلطانية من جهة، وعدم مشاركتها)، ويضيف (إن الأمة لها حق المحاسبة والمراقبة ومسؤولية الموظفين أيضاً من جملة فروع هذين الأصلين).
والطريف أن الميرزا محمد النائيني يقدم هذا المثل للدلالة على الحكم الرشيد:

( وقد بلغ استحكام هذين الأصلين في صدر الإسلام مبلغاً عظيماً حتى قيل للخليفة الثاني – مع تلك الأبهة والهيبة- وكان قد رَقى المنبرَ يستنفرُ الناسَ للجهاد: لا سمعاً ولا طاعةً، لأنه كان عليه ثوب يمان يسترُ جميعَ بدنه، مع أن حصةَ كل واحد من المسلمين من تلك البرود اليمانية لم تكن كافية لستر جميع بدنه. وما استطاع أن يدفع اعتراضهم هذا عنه إلا بعد أن أثبت لهم أن عبدالله (ابنه) هو الذي وهبه حصته من تلك البرود.
قيل له في جواب الكلمة: لنقومنك بالسيف وما كان أشد فرحه عند رؤيته هذه الدرجة من استقامة الأمة!). ص 317 من كتاب المشروطة والمستبدة لرشيد خيون.
النائيني وبعض رجال الدين عملوا وقتذاك في بداية القرن العشرين للعمل المشترك مع بعض العناصر المتنورة في الدولة العثمانية لتوحيد جهود المسلمين في (جبهة ديمقراطية) في ذلك الحين، لكن جموعا كثيرة من رجال الدين كانت ضد ذلك.
في رؤية آية الله محمود الطلقاني من خلال تقديمه هذا الكتاب الطليعي في زمنه حيث جاءت مقدمته للطبعة الثانية في سنة 1954 إن الكثير من رجال الدين يمنعون تقدم مثل هذه الأفكار الوحدوية ولهذا من الصعب أن تنتصر.
(كنتُ أرى بعض الروحانيين وقد حولوا الزي الديني إلى وسيلة لقضاء حوائجهم الخاصة مستعينين بما تيسر لهم الاطلاع عليه من آيات وروايات يقرأونها على العوام، ويستغلون تأثرهم بها في ركوب رقاب بسطاء الناس وخداعهم.)

يرى الطلقاني إن المشكلة لا تنحصر في وقوف عدد من الروحانيين ضد المشروطية (الديمقراطية) بل كان السبب الرئيسي هو غياب الفهم الدقيق والتفصيلي (للديمقراطية) وكيفية تطبيقها بين الجمهور العام.
أي أن عدم التدرج في تطبيق الديمقراطية ونقل النموذج الأوروبي والصدام مع تقاليد المسلمين يؤديان إلى خوف الناس من هذه العملية السياسية التي تتجه لعاداتهم الدينية والاجتماعية القديمة.

إن أكبر المتصدين لتحقيق العملية الديمقراطية هم رجال الدين أو من يتأثر بهم، ولكن التراث الذي يستندون إليه ليس له علاقة بهذه الديمقراطية المؤسساتية، رغم أنها تتلاقى مع فترة اللقاح العربية القرشية، حيث يتم رفض الذل وأن الناس متساوون، لكن هذه الفترة انتهت مع تقدم الفوارق الطبقية، وليس لمسألة بني أمية وبني العباس فقط، وبهذا فإن التراث الذي غُربل من خلال سيطرات هذه القوى لم يَعُد ديمقراطياً، عبر رؤيته عدم المساواة بين الأجناس وبين الطبقات.

ورجال الدين الذين يتصدون للعملية الديمقراطية يأتون من هذا التراث الاستبدادي عامة، ولهذا فإن السياسيين المتصدين للعملية الديمقراطية لديهم العصر الديمقراطي الحديث وتكييفه لمجتمعاتهم من دون الصدام مع التراث والعادات.

لقد قام المتنورون في بداية العصر الحديث بالبحث في ذلك ولم تسعفهم أدواتهم في حل الإشكاليات بين الماضي والعصر لكنهم قدموا البدايات المهمة في هذا الصدد.
 
 
أخبار الخليج 8 ابريل 2011

اقرأ المزيد