المنشور

جدل السياسي والثقافي


يبدو
مفهوماً أن يجري السؤال عن دور المبدعين والمثقفين، الكبار والمرموقين
منهم خاصة، في التحولات الجارية في العالم العربي اليوم، لجهة التأثير فيها
أو التفاعل معها، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أن الجزء الأكثر
توهجاً في المنتوج الابداعي العربي في الرواية والقصة القصيرة والشعر، خلال
العقود الماضية، توجه نحو فضح ومناهضة صور الاستبداد وغياب الحرية في
البلدان العربية، وكانت الكثير من الأسماء والأعمال الأدبية ملهماً لأجيال
من الشبان العرب في تبني دعوات الحرية والتقدم، والتوق إلى غدٍ ديمقراطي في
بلدانهم.






هذا ما جسدَّته روايات وقصص وأشعار الكتاب المصريين مثلاَ،
فلا يمكن أن نغفل مثلاً أثر أعمال روائي مهم مثل صنع الله إبراهيم وبهاء
طاهر ورضوى عاشور ومثلهم الكثير من الأسماء البارزة في دنيا الابداع في
مصر. هذا القول ينطبق أيضاً على تونس: مهد التحولات العربية، التي قدمت لنا
أعمالاً مهمة في هذا السياق. وحدث هذا في سوريا وفي العراق وفي المغرب وفي
البحرين وفي بلدان عربية أخرى عديدة. 


بل أن الروائي الجزائري المعروف
واسيني الأعرج يرصد في روايته: «جملكية آرابيا»- ظاهرة تحول الجمهوريات
العربية إلى أنظمة وراثية مجدداً، وهو السيناريو الذي تمَّ تجريبه في
سوريا، وكانت العدة تعد لتعميمه في مصر وليبيا واليمن، وربما في غيرها من
الدول، وكان هذا أحد المظاهر الصارخة لما بلغه الاستبداد في العالم العربي
من إستخفاف بشروط اللعبة السياسية، ومن الاستحواذ على المال العام، والتصرف
بلدان بأكملها كما لو كانت عزباً شخصية أو عائلية.


يمكن الحديث هنا،
أيضاً، عن روائي عربي آخر مهم هو عبدالرحمن منيف الذي أقامت رواياته
الأخيرة الأقرب إلى الملاحم، ك»مدن الملح»، و»أرض السواد»، معماراً روائيا
ممتدا في التاريخ لتقصي جذور الاستبداد، والتحولات المشوهة في العالم
العربي.


غاية القول أن الإبداع العربي، كما حزء كبير من الفكر العربي
المنتج في العقود الماضية، كان له إسهام لا يمكن إغفاله في إشعال جذوة
الوعي، وفي تقديم بانوراما عن تحولات الواقع العربي وتعقيداته. ولا يقتصر
الأمر على المنتج الإبداعي او الفكري وحده، فالعديد من المثقفين كانوا
منخرطين في العمل السياسي الميداني للمطالبة بالديمقراطية، يمكننا هنا
الاستشهاد بدور المثقفين التقدميين في سوريا في إطلاق ما جرى التعارف عليه
ب»ربيع دمشق»، الذي سبق الربيع العربي بنحو عقد من الزمان، حيث وقع
المثقفون السوريون على بيان 99، الداعي للحقوق المدنية والانفتاح، قبل أن
يصار إلى وأده هذا التحرك بالقمع، حيث سجن العديد بعد ذلك. 


لم يكن
القمع نصيب المثقفين ورجال الفكر في سوريا وحدها، لقد حدث هذا في مختلف
البلدان العربية، حيث واجه المثقفون العرب الضغوط من أجهزة الدولة، وكذلك
من التيارات المحافظة التي إزداد تغوُلها في المجتمع، وقد أفلح هذا القمع
في تحييد أصوات كثيرة، ولكنه في الإجمال أخفق في أن يصادر من الأدب العربي
روحه النقدية رغم قسوة الظروف.


اقرأ المزيد

البحرين الرابعة عالميّاً في الإفلات من العقاب

صادف يوم الـ 23 من نوفمبر/تشرين الثاني مناسبتين مهمتين بالنسبة
للبحرين بشكل خاص، الأولى هي الذكرى الثانية لتقديم اللجنة البحرينية
المستقلة لتقصي الحقائق تقريرها حول الأحداث التي مرت بها البحرين في
فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2011، والذي وثقت فيه الجرائم والانتهاكات التي
مورست ضد الشعب البحريني، أما المناسبة الثانية فهي اليوم العالمي لإنهاء
الإفلات من العقاب، وبهذه المناسبة أطلقت منظمة «ايفكس»، (الشبكة الدولية
لتبادل المعلومات حول حرية التعبير)، والتي تضم في عضويتها أكثر من 80
منظمة تعمل في أكثر من 60 بلداً حول العالم، حملتها السنوية الثالثة لإنهاء
الإفلات من العقاب.

المنظمة وضعت البحرين بين الدول الأربع الأولى
عالمياً في مؤشرها للإفلات من العقاب، حيث أشار موقع «ايفكس» إلى أن
البلدان الأكثر حدوثاً لهذا الانتهاك هي المكسيك، الفلبين، روسيا والبحرين.

بالطبع
لا يمكن إلا الربط بين المناسبتين، فقد نصت التوصية 1716 من تقرير لجنة
بسيوني على أهمية «وضع آلية مستقلة ومحايدة لمساءلة المسئولين الحكوميين
الذين ارتكبوا أعمالاً مخالفة للقانون أو تسببوا بإهمالهم في حالات القتل
والتعذيب وسوء معاملة المدنيين، وذلك بقصد اتخاذ إجراءات قانونية وتأديبية
ضد هؤلاء الأشخاص بمن فيهم ذوو المناصب القيادية، مدنيين كانوا أم عسكريين،
الذين يثبت انطباق مبدأ (مسئولية القيادة) عليهم وفقاً للمعايير الدولية».

ونصت
التوصية 1722(أ) على «القيام بتحقيقات فاعلة وفقاً لمبادئ الردع الفعال
والتحقيق في جميع حالات القتل المنسوبة لقوات الأمن الذي يقع خارج إطار
القانون أو بشكل تعسفي أو دون محاكمة. وكذلك، التحقيق في جميع دعاوى
التعذيب والمعاملة المشابهة من قبل هيئة مستقلة ومحايدة وفقا لمبادئ
اسطنبول. ويجب أن يفضي التحقيق في الانتهاكات المزعومة إلى محاكمة الأشخاص
المتورطين، بطريقة مباشرة وعلى كل مستويات المسئولية، مع ضرورة ضمان اتساق
العقوبة مع خطورة الجرم».

التقرير وثق 20 حالة وفاة لمواطنين قتلوا
أثناء الأحداث، من بينها ثلاث إصابات بالرصاص الحي، و11 حالة بإصابات بسلاح
الشوزن، وخمس حالات توفيت بسبب التعذيب داخل السجن، وإصابة جسدية واحدة
أدت إلى الوفاة.

من بين هذه العشرين حالة، فإن عشر قضايا منها لم
يتخذ فيها أي إجراء، ونسيت تماماً من قبل السلطات الرسمية، في حين خلصت
تحقيقات الجهات الرسمية إلى أن رجال الأمن (قوة دفاع البحرين) تصرفوا وفقاً
للقانون في الحالات الثلاث التي أصيبت بالرصاص الحي، كما تمت تبرئة رجال
الشرطة المتسببين في قتل 4 مواطنين.

أربع قضايا قتل، اثنتان منها تحت
التعذيب واثنتان بسلاح الشوزن، قدم مرتكبوها إلى القضاء وصدرت أحكام ضدهم
بـ 8 سنوات و6 أشهر عن القضايا الأربع، حيث قضت المحكمة في القضية الأولى
على المتهمين بقتل مواطن تحت التعذيب بالسجن لمدة 6 أشهر، فيما حكمت في
القضية الثانية بالحبس 3 سنوات، أما ما يخص قضيتي القتل بسلاح الشوزن فقد
حكم على مرتكبيها بالحبس سنتين في القضية الأولى وثلاث سنوات في القضية
الثانية.

ولذلك فإن البحرين استحقت المركز الرابع وعن جدارة في حالات الإفلات من العقاب على المستوى العالمي.

اقرأ المزيد

محامون بلا جمعية…؟

مرت على إيقاف جمعية المحامين قرابة سنة من القرار الصادر من وزيرة
التنمية الاجتماعية وحتى تاريخ كتابتي هذه السطور، محامون بحرينيون
بلاجمعية، علماً أن الجمعية تأسست من تاريخ 8 سبتمبر/ أيلول 1980 بعد صدور
المرسوم بقانون رقم (26) لسنة 1980 للمحاماة بمملكة البحرين، ومن تاريخ
إيقاف الجمعية حتى تاريخه لا يوجد تمثيل للمحامي البحريني في اتحاد
المحامين العرب، وهذا الأمر إخلال في هذا الجانب وتدخل في ممارسة هذه
المهنة القانونية.

ومنذ انعقاد الجمعية العمومية وإلغاء الانتخابات
العمومية، ظلّت الجمعية معلقة بلا مبرر قانوني، ويعد ذلك تدخلاً صارخاً في
أعمال المهنة لابد من التصدي له من قبل المسئولين وأصحاب القرار في البلد.
كما أن هذه المهنة العريقة والمساعد الأول للقضاء وموارده المالية
والمتمثلة في رجالاتها ونسائها، الذين يعتبرون مركزاً من مراكز التشريع،
وان توقف الجمعية عن العمل وممارسة أعمالها الثقافية والتربوية والإدارية
وأخلاقيات المهنة، ويذهب السبب الذي أنشئت الجمعية من أجله، كما أن ليس
هناك مبرر قانوني بتعليق الجمعية طوال هذه المدة دون انعقاد جمعية عمومية
لها، يختار المحامون من خلالها ممثلين لهم في كافة الأصعدة. كما أن
القرارات التي تصدر من وزارة العدل دون مشاركة المحامين من الجمعية تعد
قراراً من جانب واحد تحتاج إلى مراجعة وتنسيق مع جميع الأطراف، الجمعية
ووزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء، في إصدار القرار لا سيما هي أن
المصلحة واحدة، تصب في موضوع العدالة وإجراءات التقاضي، كما أنه من خلال
الجمعية تخرج الكفاءات التي تسهم في رفع مستوى التدريب والتعليم
والاستشارات المهنية والقانونية في أعمال المهنة.

إن التدخل في
انتخابات الجمعية ونشاطاتها يعد إخلالاًَ وتدخلاً في شأن الغير ما يستوجب
معالجته، كما إن المواد القانونية حدّدت من لهم الحق في الانتساب والمشاركة
فيه سواءً المحامين المشتغلين أو المتدربين بشرط القيد في الجمعية،
واستمرار توقيف الجمعية عن العمل يحظر الدخول والقيد فيها بسبب عدم وجود
إدارة فيها، مع مراعاة الاستثناءات فيها، وأن القوانين والقرارات المعدّلة
والتي تتبع القانون جاءت جميعاً لتصب في تنظيم ورفع مستوى هذه المهنة.

عندما
استبدل بنص المادة (19) من قانون المحاماة الصادر بالمرسوم بقانون رقم
(26) لسنة 1980 وتعديلاته النص الآتي: «مع عدم الإخلال بحكم المادة (20)
يكون للمحامين دون غيرهم حق الحضور عن ذوي الشأن أمام المحاكم وهيئات
التحكيم ودوائر الشرطة واللجان القضائية والإدارية ذات الاختصاص القضائي.
ومع مراعاة الاتفاقيات ذات العلاقة المعمول بها في مملكة البحرين يجوز
بقرار من وزير العدل الترخيص لمكاتب الاستشارات القانونية الأجنبية ذات
الخبرات العالمية المتخصصة غير المتوفرة بقدر كاف والتي تحتاج إليها البلاد
بالعمل في مملكة البحرين لممارسة الإفتاء وإبداء المشورة القانونية تبعاً
للاشتراطات التالية:

1 ـ أن يكون لمكتب الاستشارات القانونية الأجنبي
مدير مسئول مقيم بالمملكة، ويجب أن تتوافر لدى هذا المدير مؤهلات وخبرة
قانونية تتناسب مع مستوى ومكانة المكتب، ويجب أن يكون المدير مفوّضاً من
قبل المكتب الرئيسي بإدارة فرع المكتب بالمملكة.

2 ـ ألا يقوم المكتب
بإبداء الفتوى أو المشورة القانونية في شأن يتعلق مباشرة بقوانين المملكة
دون أن يتم تدقيقه من قبل أحد المحامين المقيدين في «جدول المحامين أمام
محكمة التمييز»، وذلك للتحقق من مواءمتها مع هذه القوانين، ويجب على مكتب
الاستشارات القانونية الأجنبي أن يحفظ ضمن سجلاته ما يثبت مراعاة ذلك.

وتسري
بشأن مكاتب الاستشارات القانونية الأجنبية المشار إليها في هذه المادة
أحكام الفصل السادس من هذا القانون، ويكون الترخيص لمدة خمس سنوات قابلة
للتجديد لمدد مماثلة، وتقيد هذه المكاتب في جدول خاص يعد لهذا الغرض، وتحدد
اللائحة التي يصدر بها قرار من وزير العدل بعد موافقة مجلس الوزراء الشروط
والإجراءات ورسوم الترخيص والقيد في الجداول الخاصة بتلك المكاتب.

ولا
يجوز لغير المحامين ومكاتب الاستشارات القانونية الأجنبية المرخص لها أن
يمارسوا بصفة منتظمة الإفتاء أو إبداء المشورة القانونية أو القيام بأي عمل
أو إجراء قانوني للغير.

كما ان الاستثناءات للنص الوارد في المادة
(3) من قانون السلطة القضائية إنما جاءت لتضيف لمهنة المحاماة زيادة
الخبراء القانونيين والمستشارين، الذين أمضوا في العمل القانوني أكثر من
عشر سنوات للترافع أمام محكمة التمييز وقيدهم ضمن جدول المحامين أمام محكمة
التمييز، والمشروط بتوافرها فيهم وفق ما هو مبين بالمادة (2) من قانون
المحاماة والتي تنص «يشترط فيمن يقيد اسمه في جدول المحامين: أولاً: أن
يكون بحريني الجنسية؛ ثانياً: أن يكون كامل الأهلية؛ ثالثاً: أن يكون
حائزاً على شهادة في القانون من إحدى كليات الحقوق بالجامعات المعترف بها
من الجهة المختصة على أن تكون الشريعة الإسلامية من بين برامجها الدراسية،
فإن لم تكن تلك المادة من بين البرامج التي درسها فيجب أن يجتاز امتحاناً
فيها تعده وزارة العدل والشئون الإسلامية أو أن يكون حائزاً على ما يعادل
شهادة في القانون في القضاء الشرعي من إحدى كليات الشريعة الإسلامية
المعترف بها؛ ورابعاً: أن يكون محمود السيرة حسن السمعة أهلاً للاحترام
الواجب للمهنة، وألا يكون قد صدرت ضده أحكام جنائية أو تأديبية ماسة بالشرف
والأمانة والأخلاق ما لم يرد إليه اعتباره.

كل تلك التعديلات
والإضافات جاءت لتعزيز العمل في هذه المهنة الشريفة لمشاركة الجمعية في
مهام عملها، والتي باتت في علم المجهول بعد توقف العمل بها بسبب قرار وزيرة
التنمية الاجتماعية والذي يحتاج إلى إعادة النظر فيه وفك الحصار.

حمد جاسم الحربي

اقرأ المزيد

آفاق ومحددات الإسلام السياسي في بلدان الانتفاضات الشعبية – د. هاشم نعمة

طرح صعود قوى الإسلام السياسي، في
الانتخابات التي اعقبت نجاح الانتفاضات في اسقاط بعض رؤوس الأنظمة في
البلدان العربية أو صعودها في الانتخابات التي تلت إجراء بعض الإصلاحات
الدستورية والسياسية، كما في حالة المغرب؛ طرح العديد من الأسئلة، وأثار
الكثير من النقاشات وسط المفكرين والباحثين والأكاديميين حول أسباب ونتائج
وآفاق تطور هذه الظاهرة، ولامست هذه النقاشات المرجعية الفكرية للإسلام
السياسي فيما يتعلق بموقفه من الدولة وشكل بنائها.



في الواقع، لم يكن
هذا الصعود مفاجئا، بل كان متوقعا قبل اندلاع الانتفاضات، في ظل موجة
العودة إلى الدين التي شهدتها مجتمعات البلدان العربية والإسلامية، منذ
نهاية السبعينات، وأوائل الثمانيات من القرن الماضي. هذه الظاهرة تلاحظ على
مستوى الخطاب والممارسة الدينيين؛ وكأي ظاهرة اجتماعية تقف من وراء صعودها
مجموعة متشابكة ومتداخلة من العوامل السياسية والاجتماعية-الاقتصادية
والتاريخية والثقافية، وهذه لا بد أن تكون حاضرة في سياق التحليل المعمق
والاستنتاج. ورغم إننا في هذه المقالة ليس بصدد تحليل عوامل هذا الصعود
السابق للانتفاضات؛ لكن يمكن أن نشير إلى بعض عوامله الأساسية المتمثلة
بطول حكم الأنظمة المستبدة التي سدت كل إمكانيات التغيير السلمية، وفشل
المشروع القومي العربي بتلاوينه المختلفة، وبالأخص الذي وصل إلى السلطة،
وتراجع نفوذ اليسار العربي، وغياب تنمية اجتماعية –اقتصادية، ثقافية
حقيقية، وسلوك الدول الغربية المنافي للديمقراطية في دعمها الواضح لهذه
الأنظمة، رغم رفعها شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وانهيار
منظومة البلدان الاشتراكية نتيجة تفاعل أسبابها الداخلية بالأساس، وما خلفه
هذا الانهيار من خيبة أمل واسعة وسط الشعوب، وتراجع نفوذ اليسار عالميا،
إضافة لعوامل أخرى.



تزايدت ظاهرة تدين الوعي الجمعي في المجتمعات
العربية، ولامس ذلك منظومة المعايير والسلوكيات والعلاقات الاجتماعية، وهو
ما لا يعني بالضرورة ازدياد مخزون القيم الأخلاقية وإنما بالأساس اللجوء
للهيرومنطقيا في تفسير الظواهر السياسية والاجتماعية بحيث يصبح كل ما هو
اجتماعي سياسي، قابعا تحت سلطة التفسير الديني وتحت هيمنة شيوخه ودعاته
وفتاواهم، ناهيك عن الانفصام الملحوظ بين الدين والتدين، والقيم والسلوك.
وتم توظيف المفاهيم والمصطلحات الدينية على المستوى السياسي إلى أبعد
الحدود. وعادت شعارات “دولة الإيمان” تتعامل بمسميات قيمية لمصالح دنيوية
شرط أن يكون “رجال الدولة من رجال الإيمان”(1). ويمكن أن نجد تفسيرا لهذه
العودة في مقولة ماركس بأن الدين هو زفرة المضطهدين وعزاء لمشكلة الحرمان
الاجتماعي الذي تلجأ له الطبقات المسحوقة تعويضا عما يلحق بها من ضيم
اجتماعي في عالم “لا قلب له”.



والملاحظ أن معظم الحركات الإسلامية
الحالية في الشرق الأوسط، هي فروع أو هي سليلة حركة الأخوان المسلمين في
مصر، بدأت كأحزاب مشغولة بقضية واحدة تتمثل بالاهتداء بالشريعة الإسلامية
وتطبيقها. وفي بداية التسعينات، ولأسباب مختلفة في كل حالة، بدأت تركز بشكل
متزايد على الاصلاح الديمقراطي، وألزمت نفسها علانية بأنها ستكون بديلا
للسلطة القائمة، وطالبت بسيادة الشعب واستقلال القضاء. وقالت بأن
الإسلاميين لم يكونوا وسوف لن يكونوا ليبراليين. وبقت هذه الأحزاب تعتمد
على الفئات المحافظة اجتماعيا، وهي بشكل ثابت تتبنى أفكارا يعتبرها معظم
الأمريكيين بأنها ممقوتة ضمنها موقفها من حقوق المرأة وبأنها ينبغي أن تكون
محدودة والفصل بين الجنسين(2).



نجاح الحركات الإسلامية في تبوؤ الصفوف
الأمامية للمعارضة وتقديم أنفسها كبديل حيوي وحيد للأنظمة العاجزة ساهمت
فيه أيضا سياسات تلك الأنظمة. فخلال العديد من الفترات إبان الحرب الباردة
شجعت ودعمت عدة حكومات، بما فيها الجزائر، والأردن، ومصر، وتركيا،
وإسرائيل، الإسلاميين كنقيض في مواجهة الحركات الشيوعية والوطنية. وعلى
الأقل حتى اندلاع حرب الخليج، كانت السعودية ودول خليجية أخرى تمد الإخوان
المسلمين وحركات إسلامية أخرى في دول عديدة بأموال طائلة. إن قدرة الجماعات
الإسلامية في التقدم على المعارضة تحسنت أيضا نتيجة قمع الحكومات للمعارضة
العلمانية التي ليس لها غطاء مثل الذي تتمتع به الحركات الإسلامية، ومن ثم
فإن قوة الأصوليين ترتبط بعلاقة عكسية مع قوة الأحزاب العلمانية
والديمقراطية الوطنية(3).



في حالة انتفاضة البحرين التي بالرغم من جذرها
الاجتماعي والاقتصادي الناجم عن البطالة والفقر والتهميش وتردي الأوضاع
المعيشية وسط الشيعة خصوصا، فإنها ألبست لبوسا طائفيا، نتيجة العديد من
الأسباب منها حرص النظام على تأكيد هذا الجانب للقول بأن هذه الانتفاضة
تهدد وحدة المجتمع البحريني، علما، في البداية، رفع المتظاهرون شعارات
تطالب بإصلاحات دستورية، ولكن عندما تدخلت قوات درع الجزيرة لقمع
الانتفاضة، صعد المتظاهرون من مطالبهم بإسقاط الملكية.



أدت ثلاثة عقود
من التمييز في عهد الاستقلال إضافة إلى التركة الاستعمارية، إلى تكريس
الانقسام الطائفي بين السنة والشيعة، مع شعور ترسخ لدى الشيعة بأنهم مهمشون
وضحية التمييز، بالإضافة لقمع السلطة لليسار طوال السبعينات والثمانينات،
مما أدى إلى تراجعه. لقد أفرزت هذه الوضعية قوى سياسية وقيادات دينية تستند
إلى الطائفة، بل حتى إلى المدرسة الفكرية في الطائفة نفسها. ومن هنا عندما
دشنت المرحلة الجديدة، بعد تولي الملك الحالي للسلطة عام 1999، تشكلت
التنظيمات السياسية الرئيسية استنادا إلى الطائفة أو الخط الفكري في
الطائفة، حيث تشكلت جمعية الوفاق كأقوى تنظيم سياسي مستندة إلى ولاية
الفقيه، فيما تشكلت جمعية العمل الإسلامية، استنادا إلى مرجعية آية الله
الشيرازي (الولاية المشروطة)، وجمعية التجديد استنادا إلى خط سفارة المهدي.
وعلى الجانب السني، تشكلت جمعية المنبر الإسلامي لتمثل الأخوان المسلمين،
وجمعية الأصالة لتمثل السلفيين، وجمعية الوسط لتمثل خط الوسط، اما التيار
الوطني الديمقراطي ممثلا في جمعية العمل وجمعية المنبر التقدمي والتجمع
القومي وجمعية الوسط، فقد استقطبت القلة في أوساط الطبقة الوسطى(4). وقد
انعكست حدة الاستقطاب الطائفي سلبا على مجمل الحركة الجماهيرية، وعلى مجمل
حركة المعارضة، في تبني مشروع وطني ديمقراطي عابر للطوائف، يهدف إلى بناء
دولة مدنية ديمقراطية، وهذه الحالة شبيهة بالعراق بعد سقوط النظام عام
2003! حيث اعاق الاستقطاب الطائفي وتبني نظام المحاصصة الطائفية والإثنية،
إعادة بناء الدولة العراقية على أساس المشروع الوطني الديمقراطي.



ما بعد الانتفاضات



كما
هو معروف، لم يشارك تيار الإسلام السياسي في تفجير هذه الانتفاضات بل
التحق بها متأخرا، بعد أن ظهرت مؤشرات أولية على نجاحها. وقد تبنت
الانتفاضات منطلقات سياسية واجتماعية واقتصادية ولم تكن مرجعيتها دينية.
وعلى الرغم من طابعها الليبرالي الغالب، إلا ان مسارها اتخذ فيما بعد
اتجاها مختلفا، ببروز حضور واضح على المستوى السياسي للتيار الإسلامي بكل
فصائله.



ففي مصر استحوذ الإخوان المسلمون والسلفيون على ثلثي مقاعد مجلس
الشعب والشورى، وتقاسمت باقي القوى الثلث الباقي. وفي تونس حصل حزب حركة
النهضة، ذو المرجعية الإسلامية، على 90 مقعدا في المجلس الوطني التأسيسي أي
بنسبة 41,4%(5). وتعود أهم أسباب هذا التحول إلى أن معظم الجماهير التي
شاركت في الانتفاضات، والتي تنتمي إلى طبقات وفئات اجتماعية عرضية لم تكن
مسيسة، وبمعنى أدق لم تكن منخرطة في تنظيمات حزبية ذات أطر تنظيمية منضبة
وتمتلك برامجا محددة، في حين نجد أن الإخوان المسلمين أكثر التنظيمات
انضباطا، ولهذا استطاعوا تعبئة جماهيرهم في الانتخابات. وهذا يؤكد دور
التنظيم الحزبي، الذي جرى التقليل من اهميته في مجرى الانتفاضات ونشوة
انتصارها، وتحدث البعض عن ضرورة تجاوزه، إذ لا يكفي أن يكون الوضع مهيأ
للتغيير، وهناك جماهير عريضة تسند هذا التغيير بدون أن تكون هناك ادوات
تنظيمية فاعلة.



وقد أثارت تصريحات بعض قيادات التيار الإسلامي في مصر،
قضايا خلافية وفي مقدمتها مسألة الدولة المدنية والدولة الدينية. وبعض
هؤلاء القادة انتقدوا الأولى على أساس أنها تخالف الإسلام بالقول أن
الإسلام دين ودولة. وإذا كان بعض أعضاء الإخوان المسلمين يحاول التوفيق بين
مصالح الدولة المدنية والإسلام، فإن حزب النور السلفي قد أعلن صراحة أنه
لا يقبل مصطلح الدولة المدنية من الأساس؛ لأنها تساوى في رأي قادته الدولة
العلمانية التي تفصل بين الدين والدولة.



وقد تدخلت مؤسسة الأزهر بثقلها
الديني، في محاولة لفك الألتباس والخلط الحاصل بين السياسة والدين وبين
الدولة والدين؛ فأعلنت في بيان التوافق الصادر عن المجتمعين من علماء دين
ومفكرين ومثقفين “أن الإسلام لم يعرف ما يسمى بالدولة الدينية”. وأكدت هذه
الوثيقة على وجوب التفريق بين الدين والسياسة، وأن المؤسسات الدينية، لا
ينبغي لها أن تتحول إلى أداة في الصراعات والمصالح السياسية. وقد دفع هذا
الموقف بعض التيارات الإسلامية إلى المطالبة بتحدي سلطة الأزهر الدينية
وحتى الوطنية(6)، والسعي للسيطرة على قرارها من خلال تغلغل أتباعها في هذه
المؤسسة التي تتسم بالوسطية في فهمها الإسلام.



في هذا الصدد يذكر المفكر
محمد عابد الجابري أن (ليس في القرآن قط، وهو المرجع المعتمد أولا وأخيرا،
ما يفيد بأن الدعوة المحمدية دعوة تحمل مشروعا سياسيا معينا). لذلك هو
يتحفظ على الروايات التي تفيد بأن الدعوة المحمدية كانت ذات مشروع سياسي
واضح يتمثل في إنشاء دولة عربية رافقها منذ منطلقها وبقيت محتفظة به تعمل
من أجله إلى أن حققته. وهذا لا يمنع من وجهة نظره من قراءة الدعوة المحمدية
قراءة سياسية من نوع ما. ذلك لأن خصوم هذه الدعوة، وهم الملأ من قريش، قد
قرؤوها منذ البداية قراءة سياسة فمارسوا السياسة ضدها. إنهم رأوا فيها دعوة
تستهدف الإطاحة بما كان يشكل أساس كيانهم الاقتصادي، وبالتالي سلطتهم
السياسية. لذلك لم يكن من الممكن أن تبقى الدعوة المحمدية “سلبية” أمام
ممارسة قريش السياسة ضدها، بل لا بد أن تحاربها بنفس سىلاحها، أو على الأقل
كان لا بد لها من أن تجعل السلاح السياسي من جملة أسلحتها (7). إذن اختيار
الدعوة الإسلامية لسلاح السياسة لم يكن مقررا سلفا وإنما فرض عليها،
وبتقديرنا، أن تحفظ الجابري هنا على هذه الروايات هو أقرب إلى نفيها، لأنه
احالنا إلى القرآن الذي لا يمكن مقارنة مرجعيته بروايات دونت في فترات
متأخرة، هذا الحذر عند الجابري مرده عدم الرغبة بالاصطدام المباشر مع
الأوساط الدينية، وكذلك، لأن الموروث الديني يشغل مساحة مهمة في بنية ثقافة
المجتمع، ونجد الحذر أيضا عند مفكرين ومثقفين آخرين في المغرب العربي
عندما تلامس نقاشاتهم المقدس الديني.



ويذكر المفكر نصر حامد أبو زيد أن
“ليس هناك شكل للدولة لا في الأحاديث ولا في القرآن، شكل الدولة الذي أقامه
العرب كان هو شكل الدولة السائدة في ذلك العصر وهي الإمبراطورية” وإلى أي
حد كانت هذه الإمبراطورية محكومة طبقا لما يتصور البعض بالإسلام، يجيب
بالنفي أي لم تكن محكومة بالإسلام. ويشير إلى أنه طوال الوقت كان هناك صراع
بين الفقهاء وبين الخلفاء حيث كثير من الفقهاء الأوائل رفضوا أن يشتغلوا
عند السلاطين(8).



في تونس، نجد راشد الغنوشي قد أوضح أن حركة النهضة
“أكدت فيما يتعلق بعلاقة الدولة بالدين التزامها بمقومات الدولة المدنية
الديمقراطية التي لا سند لشرعيتها، غير ما تستمده من قبول شعبي تفصح عنه
صناديق الاقتراع… كما أكدت قاعدة المواطنة والمساواة بين الجنسين اساسا
لتوزيع الحقوق والواجبات، لتأكيدها لمبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق
الإنسان”(9). وبهذا يعد موقف حركة النهضة على مستوى الخطاب متقدما مقارنة
ببقية الأحزاب الإسلامية، لكن هذا لم يمنع من اتهام القوى المدنية
واليسارية حركة النهضة بأنها تسعى للهيمنة على كل مفاصل الدولة من خلال
تعيين اتباعها في المواقع الحساسة.



لذلك، لا زالت هناك نقاط خلاف تعيق
المصادقة على المسودة الثانية للدستور التونسي منها ما تعترض عليه قوى من
المعارضة ضمنها اليسارية مثل “تأسيسا على ثوابت الإسلام” وبأن هناك تشابه
“موجود من حيث الفلسفة، وليس من حيث تطابق المصطلحات” مع الدستور
الإيراني.(10)
وبالنسبة لسوريا كان الإخوان المسلمون قد اصدروا “عهدا
وميثاقا” في آذار 2012، من بنوده الأساسية: إقامة دولة مدنية حديثة تقوم
على دستور مدني منبثق عن إرادة أبناء الشعب السوري، قائم على توافقية
وطنية، تضعه جمعية تأسيسية منتخبة انتخابا نزيها يحمي الحقوق الأساسية
للأفراد والجماعات من أي تعسف أو تجاوز، ويضمن التمثيل العادل لكل مكونات
المجتمع(11). لكن ما يثير المخاوف اصرار الإخوان على فرض مرشحهم لرئاسة
الحكومة المؤقتة غسان هيتو بطريقة فرض الأمر الواقع، مثلما عمل الإخوان في
مصر، الذين قالوا في البداية أنهم لا ينون تقديم مرشح لرئاسة الجمهورية.



الخلافة الإسلامية



لا
يزال حكم الخلافة الإسلامية هدفا رئيسيا لمعظم تيارات الإسلام السياسي في
المنطقة العربية، وقد جاء أوضح تعبير عن هذا الهدف بعد انتفاضة 25 يناير في
مصر على لسان محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين، الذي عبر في آخر
رسائله الإسبوعية عام 2011، عن أن إعادة إحياء الخلافة الإسلامية هي الهدف
الأعظم للإخوان المسلمين، التي تؤهل المسلمين لـ “أستاذية العالم”. وأعرب
بديع عن اعتقاده في أن ثورات الربيع العربي قد جعلت هذه الغاية أقرب إلى
التحقيق. وتحدث بطريقة مشابهة حمادي الجبالي رئيس الوزراء السابق والأمين
العام لحركة النهضة في تونس عن الخلافة الإسلامية، حين خاطب، في منتصف
تشرين الثاني| نوفمبر 2011، مجموعة من أنصار حزبه في مدينة سوسة التونسية،
قائلا: “أنتم الآن أمام لحظة تاريخية، أمام لحظة ربانية، في دورة حضارية
جديدة إن شاء الله، في الخلافة الراشدة السادسة إن شاء الله).
ونتيجة
للاعتراضات الحادة من قبل القوى اليسارية والليبرالية في البلدين، حدث
تراجع عن موقف الإخوان وحركة النهضة عن موضوع الخلافة، وحاولا وضعه في إطار
السعي للتقارب بين الدول العربية الإسلامية. وفي الواقع إن الحديث عن
إحياء الخلافة، كالحديث عن إحياء الموتى، وفيه إشغال للشعوب عن قضاياها
الداخلية الملحة(12). وهو محاولة لترحيل أسباب عدم تحقيق انجازات ملموسة
على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، إلى تمزق قوة الأمة الإسلامية، وعدم
توحدها على المستوى السياسي.



ولعل من المفيد هنا أن نطرح السؤال الآتي:
وفق أي منهج أو مذهب إسلامي ستقام الخلافة الإسلامية هذه؟ حسب نصر حامد أبو
زيد لا يوجد نموذج إسلامي واحد بل نماذج إسلامية مختلفة، في اندونيسيا،
وأفريقيا، والهند، والشرق الأوسط، وأمريكا، وأوروبا، ولهذا لا نستطيع أن
نتكلم عن إسلام واحد لا في الواقع الراهن ولا في التاريخ.



ومع هذا لعل
الظاهرة الجديرة بالمتابعة من قبل الباحثين هي الانخراط المتزايد للتيارات
الإسلامية في الأجندة المحلية، فضلا عن تزايد النزعات البراغماتية لديها،
وهي نزعة تغلب مصلحة الحزب أو الدولة على أي اعتبار آخر. ففي الحالة التي
عمل فيها الإسلاميون كأحزاب سياسية معترف بها قانونا أو واقعا، كانوا
يتحركون في الغالب على خلفية ترسيخ مكاسبهم السياسية داخل حدود دولهم أو في
الحد الأدنى الحفاظ عليها أولا وقبل كل شيء، وفي الحالات التي وصلوا فيها
إلى الحكم رجحت عندهم الشؤون المحلية على اعتبارات الأيديولوجيا والعقيدة.
مثلا في المغرب يبدي حزب العدالة والتنمية الإسلامي ميلا متزايدا نحو
الأجندة الوطنية المحلية، مع سعي حثيث نحو الاندراج الهادئ ضمن النظام
الملكي على أمل أن يسمح له بتسلم “إدارة الحكم”(13)، وهو أكثر من ذلك حريص
جدا على تأكيد طابعه المغربي الخالص،(14) وهذا ما يؤكده خطابه السياسي
اليومي بعد أن وصل إلى الحكم. لذلك نتوقع أن يتراجع هدف الخلافة الإسلامية
أكثر، كلما غاصت التيارات الإسلامية أكثر في وحول السلطة والدولة والثروة
المتحركة. وإن بقى سيكون مجرد حلم رومانسي يدغدغ مخيلة بعض قادة
الإسلاميين.



نماذج الحكم المحتملة



نموذج الدولة الدينية: يتمثل هذا
النموذج بالدولة الكهنوتية أو الثيوقراطية، حيث ينقسم المجتمع إلى فئتين
متمايزتين: حاكمة ومحكومة. تستمد الفئة الحاكمة سلطتها من أساس إلهي، مما
يجعل إرادتها تسمو على إرادة المحكومين. إن صعود التيار الديني في
الانتخابات وبالأخص صعود التيار السلفي المتشدد في حالة مصر مثلا، جعل بعض
الباحثين يطرح احتمالية هذا السيناريو، بحيث تفضي هذه الحقائق إلى قيام
دولة دينية تأخذ بنموذج يمكن وصفه بـ “الإيراني- الوهابي”، يأخذ من النموذج
الإيراني الشيعي سمة وجود مرجعية عليا، يمكن أن تمثلها جماعة الإخوان
المسلمين وهيكلها التنظيمي، وعلى قمته المرشد العام، ويأخذ من النموذج
الوهابي السني فكرة “تطبيق الحدود” في الإسلام. وقد ازدادت المخاوف من هذا
السيناريو مع الشكوك المصاحبة لتوجهات الإخوان والسلفيين في المجال العام.



يبدو
هذا السيناريو بعيدا عن الواقع في الأمد المنظور، حيث سيظهر الإخوان مرونة
سياسية كبيرة تفضي إلى تعامل واقعي مع المعطيات السياسية الإقليمية
والدولية، خاصة مع تراجع الأوضاع الاقتصادية، والحرص على كسب الشارع
السياسي من خلال محاولة الاستجابة لمتطلباته اليومية، وإنعاش الاقتصاد أكثر
من الميل إلى الصدام في أمور تبدو وكأنها تسحب من رصيده الشعبي، كفرض
الحجاب، أو التعنت في الالتزامات الشرعية على غير المسلمين والتضييق على
الحريات مثلا. بالإضافة إلى دور القوى الدولية، خاصة الولايات المتحدة،
التي ترى في هذا السيناريو تأثيرا مباشرا في مصالحها ومصالح حليفتها
إسرائيل(15). ثم أن هذا السيناريو يصدم بمعارضة شديدة من قبل القوى المدنية
الديمقراطية التي لا يستهان بقوتها، والتي اصدمت مع التيار الإسلامي في
أكثر من مجال و عبرت بوضوح عن مخاوفها من أخونة الدولة والمجتمع. وقد حشدت
قواها تحت اسم حركة “تمرد” للنزول إلى الشارع في 30 حزيران| يونيو الماضي
2013 للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة.



النموذج التركي: لهذا النموذج
خصوصيته، فقد أتى بعد مرحلة من العلمنة المتشددة على يد أتاتورك وخلفائه.
وبقدر ما ساهم بدرجة ما، وكرد فعل في تقوية الهوية الإسلامية لدى القطاعات
المهمشة وأبناء الطبقة الوسطى، بقدر ما زرع ثقافة تؤمن بخطورة تطابق الدين
مع الدولة، يتبناها قطاع لا بأس به من المجتمع ومن ثمة لا يمكن لأي من
الدول العربية التي فاز فيها التيار الإسلامي في الانتخابات أن تقترب من
النموذج التركي إلا بحساب. نجد أردوغان على مستوى الخطاب قد تحدث عن دولة
علمانية ومواطنين مسلمين، أو حكم مدني لا يحتقر الهوية الإسلامية، ولا يطبق
الشريعة كما هي.



تبدو تونس تحديدا هي الأقرب لاقتفاء النموذج التركي في
ما لو استمر تقدم الإسلاميين في الانتخابات وهذا مستبعد. فقد عاشت تونس في
ظل خطاب علماني منذ الاستقلال ولديها نسبة كبيرة من السكان ارتبطت
بالثقافة الغربية والحداثة، رغم أن حركة النهضة تعلن بوضوح تبنيها لهذا
النموذج.



أما الأخون المسلمون في مصر، فقد رفضوا تصورات أردوغان عن
نموذج الحكم الإسلامي المطلوب، وأعلنوا بوضوح تمسكهم بتطبيق الشريعة سواء
لأن تلك هي قناعات الجناح المحافظ داخل الجماعة وحزبها الحرية والعدالة،-
رغم أنه يرد في برنامج الحزب ذكر الدولة المدنية كهدف- أو لخوفهم من التحدي
الذي يفرضه السلفيون الذين حصلوا على 27% من مقاعد البرلمان والأكثر تمسكا
بالتطبيق الحرفي لأحكام الشريعة(16).



يبدو أن النموذج التركي الذي لم
يترسخ بعد بحكم قصر فترة تواجده في السلطة، يواجه الآن تحديا كبيرا يتمثل
في الاحتجاجات الشعبية الواسعة وغير المسبوقة التي اندلعت في 27 أيار 2013
والتي ضمت مكونات اجتماعية وسياسية مختلفة، من بينها يساريين وماركسيين،
ورفعت شعارا كثيرا ما تردد هو (معا ضد الفاشية)، وهي تنم عن استياء القوى
العلمانية من سياسة الحكومة التي تسير في تجاه تعديل الدستور نحو نظام
رئاسي، وضد التسلط والتضييق على الحريات، وبأن اردوغان بات يمثل مصالح
الفئات البرجوازية الإسلامية الصاعدة. ولم يكن في الحقيقية مشروع البناء
على متنزه تقسيم في أسطنبول إلا مجرد محفز أطلق المشاعر المكبوتة، وإن نجحت
هذه الاحتجاجات في تحقيق مطالبها أو جزء مهم منها فإن ذلك سيساهم بدرجة
مهمة في خفوت لمعان هذا النموذج الذي سوق له البعض ليكون بديلا لبعض أنظمة
ما بعد الانتفاضات، على الأقل من الناحية النظرية، وسيشكل خيبة أمل كبيرة
لمعظم التيارات الإسلامية في المنطقة العربية التي تفاخرت به، وسيؤثر على
مستقبلها السياسي.



مهما تكن النتائج، إلا أن الشيء المتفق عليه أن صورة
هذا النموذج قد اهتزت، نتيجة القسوة والعنجهية والغرور التي تعامل بها
أردوغان مع المحتجين حيث وصفهم بأنهم “خونة ومتآمرون معهم في الخارج” وأن
“هذه المؤامرة احبطت وهذا السيناريو أصبح في سلة المهملات قبل البدء
بتطبيقه”، هذا الخطاب في الواقع، لا يختلف عن خطاب قادة الأنظمة المستبدة
في الشرق الأوسط عندما يواجهون احتجاجات شعبية.



النموذج الباكستاني:
يبدو هذا النموذج هو الأكثر قربا مما يمكن أن يسقط فيه الإخوان المسلمون في
مصر، وتشير السوابق إلى أن هذا التحالف يكون ممكنا دائما مع العسكر، ولكن
من المحتمل ايضا أن يتم تقويضه بسبب انعدام الثقة بين الطرفين. فقد كانت
تجربة حركة الضباط الأحرار وجمال عبد الناصر، بالتحالف مع الإخوان لفترة
قصيرة بين 1952- 1954 من أجل مواجهة القوى السياسية المدنية، دليلا على
انتفاء العقبات التي تحول دون تحالفهما. ولولا محاولة الإخوان المبكرة
الهيمنة على الحكم وتهميش العسكريين لدام هذا التحالف فترة أطول. وقد تعرضت
المؤسسة العسكرية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تسلم إدارة البلاد
بعد 11 شباط| فبراير 2011، لهجوم قاس وعنيف من القوى الليبرالية. فيما نجد
أن تيار الإخوان يبدو أكثر مهادنة معها، ومستعد أكثر من غيره لإبرام صفقة
تضمن مصالح المؤسسة العسكرية(17).



النموذج الوهابي (السعودي): هذا
النموذج خاص جدا ولا يشكل اغراءً حقيقيا لأي من الانتفاضات في البلدان
العربية، وهناك من يرى أن ليبيا يمكن أن يلائمها هذا النموذج، ونحن نستبعد
ذلك لأسباب منها تباين البنية المذهبية؛ حيث يسود المذهب المالكي في ليبيا
وبقية دول المغرب العربي، علما أن الوهابية التي تستند للمذهب الحنبلي، لم
تنجح منذ نشأتها في الجزيرة العربية في التمدد خارجها، لأسباب منها التشدد
الذي تتسم به قراءتها للشريعة الإسلامية. كذلك هناك سبب آخر مهم يتمثل
بحصول القوى والأحزاب المدنية في أول انتخابات جرت في ليبيا على حوالى نصف
مقاعد البرلمان.



نموذج الدولة المدنية الديمقراطية: في كل الأحوال، تبقى
كل الاحتمالات قائمة في العالم العربي، نحو تطور ديمقراطي يستند بالأساس
إلى دولة المواطنة المتساوية، وعدالة اجتماعية طال زمن انتظارهما، يساهمان
في إرساء اسس هذا النموذج، علما من المتوقع على نطاق واسع أن تفشل التيارات
والأحزاب الدينية في تقديم حلول حقيقية لمشاكل الشعوب على المستوى
الاقتصادي و الاجتماعي والسياسي، وهذا ما بدأت مؤشراته واضحة في خيبة أمل
قطاعات واسعة من الجماهير من أداء هذه الأحزاب.



آفاق الإسلام السياسي



للاقتراب
أكثر من معرفة آفاق الإسلام السياسي لا بد من تحليل رؤيته للشريعة
والتراث. حين يظهر السلفيون، الإصرار على رؤية الحاضر من خلال الماضي، دون
العكس، أي نقل افكار الماضي ذات الأبعاد الاجتماعية الماضوية التي تجاوزها
التطور التاريخي، ليحلوها محل الأبعاد الجديدة المتصلة بمنجزات تطور
الحاضر، إنما هم ينطلقون، حقيقة، من الموقع الذي تحتله في هرمية البنية
الاجتماعية الحاضرة، طبقة معينة يعبرون هم عن أيديولوجيتها، إما لأنهم في
موقعها الطبقي نفسه أو لسبب آخر يتعلق بتكوينهم الفكري ونوعية الوعي
السياسي والطبقي عندهم. المقصود بذلك أن المضمون الحقيقي لرؤيتهم الفلسفية
إلى التراث، أي دعوتهم إلى اسقاط الماضي على الحاضر، هو مضمون ترتبط جذوره
بتربة الحاضر، وهو صيغة من صيغ الصراع الأيديولوجي، ويمثل استنجادا
بالأفكار المحنطة في متحف “الماضي” لتثبيت موقع طبقي متزعزع في بنية
اجتماعية تتصدع تحت مطرقة الحاضر(18). وتأكيدا لذلك كشفت التقارير الأخيرة
أن بعض قادة الإخوان المسلمين في مصر هم من شريحة المستثمرين الكبار في عهد
مبارك ولا زالوا كذلك.



يذكرنا ذلك، بقناعة (ماكس فيبر) الراسخة مفادها
عجز الدين- مهما كانت درجة عقلنته وتماسكه الداخلي- عن مقاومة ضغوطات
الواقع الحديث ومغرياته، بل إنه يرى أن الدين كلما نزع أكثر نحو العقلنه،
ازدادت علاقته بالعالم الخارجي توترا، ومن ثم تتسع الهوة بينه وبين عالم
مادي مغموس بروح الصراع والمنافسة لا يقيم وزنا للمشاعر الدينية
والأخلاقية. وبالتوازي مع ذلك، فكلما اتسعت مظاهر الترشيد والعقلنة في
البنى الاقتصادية والاجتماعية، انفكت هذه الأخيرة عن الموجهات الدينية.
ويشدد فيبر على أنه يتعذر التعايش بين المسلمات الدينية والنظام الرأسمالي
الحديث القائم على روح الصراع والاستئثار(19).



لذلك، ما زالت الحركات
الإسلامية في نظر قطاع واسع من النخب العلمانية متهمة في صدق نيتها تجاه
الديمقراطية، وهو ما دفعها إلى توضيح موقفها تجاه هذه القضية من خلال
مجموعة من الأعمال والتنظيرات، يصب أغلبها في الاحتفاء بالبعد الأدائي
والتقني للديمقراطية، ويقصي بعدها الفلسفي. ومن بين الاسماء الفكرية، التي
ساهمت نوعيا في هذا الحراك: حسن الترابي، وأحمد الريسوني، وراشد الغنوشي،
وغازي صلاح الدين، وعبد السلام ياسين، وأقصى ما تطلبه هذه الفئة من
الإسلاميين من الديمقراطية، مع وجود قناعة بالشورى- التي بقت تاريخيا في
إطار المبادئ العامة ولم تتعداه إلى النظم والإجراءات- جملة من الأدوات
والإجراءات، حيث يتقلص مفهومها إلى صيغ واشكال تنفيذية.



إن التحفظ
والتردد اللذين أبدتهما الحركات الإسلامية تجاه الديمقراطية بمعناها العام
يرجعان في الأساس إلى شروطها الفلسفية، وخاصة ما يتعلق بمبادئ: الحرية،
ووضعية القوانين، والمساواة. وقد أثارت هذه المبادئ، ولا تزال كثيرا من
التحديات للحركات الإسلامية، خاصة بعد التطورات القيمية والسياسية
والثقافية التي شهدها العالم العربي في النصف الثاني من القرن العشرين،
بحكم الاحتكاك بالغرب، والانفتاح الثقافي والتعطش للحداثة(20)، والذي تعجز
الحركات الإسلامية عن تلبيته أو مجاراته بحكم انشدادها لجمود النصوص.



إن
ما نشهده حاليا ليس بالفعل “حقبة إسلامية” شكلا ومضمونا. فمن حيث الشكل،
فإن ما نشهده فعليا هو ما يمكن تسميته “حالة صعود إسلامية”. ويطرح في هذا
السياق عدد من الأسئلة؛ هل يمكن لهذا الصعود أن يستقر في بنية السياسة
العربية، سواء على مستوى الدول أو الإقليم، ليصبح ذا حضور ممتد يتيح الحديث
عن “حقبة إسلامية” فعلية على الأقل من ناحية الامتداد الزمني لوجود
الأحزاب الدينية في الحكم؟ ما هي العوامل التي قد تعزز من هذا الحضور أو
تحول دونه، سواء داخل بنية الأحزاب المعبرة عنه، أو في البيئة المحيطة بها؟
وهل يمكن أن يطور هذا الصعود آليات للتوافق مع بيئته الداخلية والخارجية؟
أم ستكون العلاقة بينه وبين هاتين البيئتين أو احدهما على الأقل
صراعية؟(21).



تتطلب الإجابة عن هذه الأسئلة بعمق، المزيد من الجهد
البحثي، ولكن يمكن القول أن التفاعلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية
الجارية، وما أفرزته من نتائج في البلدان التي حقق فيها الإسلاميون
الأغلبية في الانتخابات، وتوازن القوى السياسية والاجتماعية، تشير إلى حدوث
تراجع في نفوذ الإسلاميين؛ وهذا ما أظهرته الحالة المصرية بتراجع كبير
للإخوان في انتخابات طلاب الجامعات والصحفيين والصيادلة. وبتراجع شعبية حزب
أردوغان إلى 35% مقارنة بنحو 50% خلال انتخابات 2011 التشريعية، بحسب
استطلاع نشرته مؤخرا صحيفة “توداي زمان” القريبة من الحكومة(22). وبتراجع
شعبية حزب العدالة والتنمية المغربي. لذلك ستضطر القوى الإسلامية أمام ضغط
الشارع والقوى المدنية الديمقراطية لأجراء بعض التعديلات على شعاراتها
وبرامجها، بعد أن تخفق في تحقيق شيء ملموس على الصعيد الاقتصادي
والاجتماعي، وأنه من المستبعد جدا أن تقبل الجماهير بعد الآن الاذعان لأي
شكل من اشكال الاستبداد السياسي أو الديني، وبعد بضع سنوات من الآن من
المرجح أن تبدأ الكفة تميل تدريجيا لصالح القوى المدنية الديمقراطية، مع
إمكانية وجود تبان بهذا القدر أو ذاك بين البلدان في تطور هذه المسيرة غير
السهلة. أما على مستوى التعامل مع البيئة الخارجية، فقد سلكت القوى
الإسلامية منحى براغماتيا واضحا في مد جسور تعاونها مع الدول الغربية التي
كانت تسميها لوقت قريب بقوى الكفر، وهذه الحالة تنطبق بوضوح على مصر وتونس.



من
جانب آخر، وعلى المدى الأبعد نسبيا، يفرض واقع الحياة المتغير صعوبات
كبيرة لا يمكن تجاوزها في مصالحة السياسة مع الدين. فالسياسة ميدانها
النسبي والمتغير، وتستخدم وسائل المساومة والحلول الوسط، أما الدين أي دين
فميدانه المطلق والثابت. لذلك دفعت البشرية خسائر فادحة خلال قرون عندما
تعاملت مع حل المشاكل السياسية والاقتصادية الاجتماعية من منظور النص
الديني، وخير مثال على ذلك، الحروب الدينية الدموية التي دارت رحاها في
أوروبا، وبالأخص بين الكاثوليك والبروتستانت، بدءا من القرن السادس عشر،
إلى أن وصلت الأطراف المتصارعة إلى قناعة بضرورة تحييد الدين عن السياسة،
وكان هذا الصراع المرير أحد العوامل المهمة التي ساهمت في فصل الدين عن
الدولة رسميا.



الهوامش
1- راجع خالد الحروب نقلا عن مصطفى مرسي، “هل
الإسلام السياسي قادر على التعامل مع مشكلات الحكم المعاصر؟”، شؤون عربية،
العدد 150، 2012، ص 27-28.
2- للمزيد راجع Shadi Hamid, “The Rise of Islamists” Foreign Affairs”, Vol. 90, No. 3, May| June 2011, pp. 40-47.
3- راجع صموئيل هنتنغتون، صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي، ترجمة مالك شهيوة ومحمود خلف، بنغازي، 1999، ص 223-224.
4-
راجع عبد النبي العكري “الحركة الجماهيرية في البحرين: الآفاق والمحددات”،
في مجموعة مؤلفين، الديمقراطية والتحركات الراهنة للشارع العربي، بيروت،
2007، ص 141- 143.
5- مصطفى مرسي، مصدر سابق، ص 25.
6- المصدر نفسه، ص 29-30.
7- للمزيد راجع محمد عابد الجابري، العقل السياسي العربي “محدداته وتجلياته”، ط 5، الدار البيضاء، 2000، ص 23.
8- راجع نصر حامد أبو زيد، “مشكلات الفكر الإسلامي المعاصر”، محاضرة، الثقافة الجديدة، 338 لسنة 2010، ص101- 123.
9- مصطفى مرسي، مصدر سابق، ص 29.
10- الشرق الأوسط، 30|3| 2013.
11- الشرق الأوسط، 28|3| 2013.
12- مصطفى مرسي، مصدر سابق، ص 32-33.
13-
فاز الحزب المذكور بالأغلبية في الانتخابات الأخيرة التي جرت بعد أن تم
إجراء استفتاء شعبي على الدستور الجديد في 1 تموز|يوليو 2011 والذي أقر
بغالبية كبيرة، ونص على اختيار رئيس الحكومة من الحزب الفائز في الانتخابات
ويتمتع بصلاحيات أوسع من السابق بعد أن رحلت بعض من صلاحيات الملك له رغم
أن الأخير ظل يتمتع بصلاحيات هامة، وتشكلت حكومة ائتلافية برئاسة حزب
العدالة والتنمية وأحزاب أخرى غير إسلامية منها حزب التقدم والاشتراكية
الذي شارك في الحكومة بأربعة وزراء.
14- رفيق عبد السلام، في العلمانية والدين والديمقراطية، الدوحة، 2008، ص 128.
15- راجع تحولات استراتيجية، ملحق السياسة الدولية، 187، يناير 2012، ص 8-9.
16- تحولات استراتيجية، ملحق السياسة الدولية، 188، أبريل 2012، ص 17- 38.
17- المصدر نفسه، ص 39-40.
18- راجع حسين مروة، النزعات المادية في الفلسفة العربية- الإسلامية، المجلد الأول، ط 2، الجزائر، 2002، ص 28-37.
19- رفيق عبد السلام، مصدر سابق، ص 68-69.
20- امحمد جبرون، الإسلاميون في طور تحول: من الديمقراطية الأدائية إلى الديمقراطية الفلسفية، الدوحة، 2013، ص 3-6.
21- تحولات استراتيجية، 187، يناير 2012 ، ص 4.
22- الشرق الأوسط، 21-6-2013.

* نشر في مجلة الثقافة الجديدة العدد 360 أيلول 2013

اقرأ المزيد

تقرير «بسيوني»… وانتهاكات لم تنتهِ في البحرين

بعد مرور عامين من إعلان تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصّي
الحقائق فإن المشهد السياسي في البحرين مازال لم يتقدم نحو تحقيق جميع ما
جاء في هذا التقرير الذي كان حديث العالم في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011.
إن التنفيذ الجاد لتوصيات التقرير يتطلب الاعتراف بالممارسات التي تسببت
إمّا في قتل أو تعذيب أو فصل أو ملاحقة قضائية أو تشهير أو تهديد المواطنين
وتعريضهم لصنوف مختلفة من الممارسات التي أساءت لسمعة البحرين وقسمت
المجتمع بصورة تهدد الأمن والاستقرار.

إن قضية التعبير عن الرأي
مازالت قضية مترنحة داخل مجتمعاتنا العربية، والمواطن لايزال يمنع بصورة
عامة من التحدث بلغة مختلفة عن الطرح الرسمي، ولكن الزمان قد تغير، ومحاولة
حرف القضية من مطالب إصلاحية إلى تخندق طائفي لن ينفع أحداً في شيء. ويكفي
أن نقرأ ما قاله عضو اللجنة البحرينية المستقلة لتقصّي الحقائق السير
نايجل رودلي في حديثه مع صحيفة «الوسط» في عددها الصادر أمس (السبت) إذ
أشار إلى أنه لا يخفي خيبة أمله في عدم تنفيذ توصيات هذا التقرير والوضع
الذي وصل إليه المشهد الحالي في البحرين، موضحاً أنه لا يوجد شيء يدعو إلى
تغيير وجهة نظره خاصة فيما يتعلق بملف تحسين حقوق الإنسان من خلال تنفيذ
التوصيات التي كانت ستمهد إلى عملية مصالحة وطنية التي بدورها قد تستبعد
الشعور بالظلم إلى شعور يتسم بالعدالة.

كلام السير رودلي جاء في صميم
الواقع الذي نعيشه في مشهد لا يخلو من الاضطراب والتحسس والانقسام بين
أفراد المجتمع الواحد، والذي تحوّل على مدى ثلاثة أعوام تقريباً إلى
مجموعات فاقدة الثقة من بعضها البعض بسبب السياسة التي استغلت الظروف وسعت
إلى خلق عوالم متناقضة داخل مجتمع البحرين… إذ أن هناك عالم المؤتمرات
والمعارض والفعاليات الثقافية وهناك عالم انتهاكات وسجن وأحكام ومطاردات
ومولوتوف وغازات مسيلة للدموع وتواجد أمني كثيف ونقاط تفتيش… الخ.

هكذا
وصل حال المشهد في البحرين ولم يتغير بعد عامين من صدور تقرير تقصّي
الحقائق، لم يتغير شيء سوى تكرار التصريحات التي تؤكد تنفيذ التوصيات رغم
أن الواقع يقول شيئاً آخر، كما أن الممارسات في الشارع مختلفة كلياً؛ ولهذا
فإن الشعور بالظلم يتنامى مع تنامي ثقافة الإفلات من العقاب بحجة «الولاء
والطاعة» وهو مفهوم يتعارض كلياً مع مفهوم حقوق المواطنة السياسية والمدنية
التي تأتي من منطلق احترام حقوق الإنسان التي نص عليها الإعلان العالمي
لحقوق الإنسان.

جميع ما ذكره السير نايجل رودلي يحتاج إلى التمعُّن،
ونحن نحتاج إلى الإرادة السياسية الحقيقية لتحقيق الشعور بالعدل ونحتاج إلى
الجرأة والشجاعة الكافية للاعتراف بقائمة طويلة من الأخطاء وفاقمت روح
الانتقام والكراهية بدعم رسمي واضح كوضوح الشمس، مع استمرار حملات التحريض
عبر وسائل الإعلام بصورة ممنهجة.

مرة أخرى، فإن الوضع يحتاج إلى
مراجعة جادّة لتنفيذ توصيات تقصّي الحقائق بصورة لا لبس فيها، كما ويجب
الاعتراف بالأخطاء والدفع باتجاه يحقق العدالة الانتقالية وإنهاء ثقافة
الإفلات من العقاب وعدم المراهنة على الانقسام والتناحر الذي يؤدي في
النهاية إلى مشهد سياسي موتور لا يُفرح أحداً.

اقرأ المزيد

لكي لا يستمر الدوران في حلقة فارغة

وزارة الخارجية البريطانية أصدرت بياناً أمس بمناسبة الذكرى الثانية
لنشر تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصّي الحقائق، ذكرت فيه أن تشكيل
لجنة تقصّي الحقائق كان ردّاً غير مسبوق على الاضطرابات التي وقعت في
البحرين في ربيع 2011 ولقي ترحيباً عالمياً، ورحّبت بالخطوات التي اتخذت
حتى الآن، ولكنها قالت أيضاً «إلا أننا واضحون بقولنا بأن إحراز تقدم
بالتنفيذ في بعض المجالات كان بطيئاً. فعلى وجه التحديد مازال هناك المزيد
مما يتعين عمله بشأن المساءلة، وخصوصاً فيما يتعلق بحالات الوفاة ومزاعم
التعذيب أثناء اضطرابات عام 2011 والرد على المزاعم المستمرة حول
الانتهاكات».

بريطانيا، بحسب تصريحات المسئولين البحرينيين، تعتبر
الأقرب للحكومة من بين كل الحلفاء الاستراتيجيين، ولذا فإن البيان الذي
أصدرته وزارة الخارجية البريطانية يكتسب أهمية خاصة. يمكن أن نقرأ الكثير
بين السطور ولاسيما عندما أشار البيان البريطاني «ونحن ندرك بأن الإصلاح
المستدام والشامل يستغرق وقتاً، ونحث الحكومة البحرينية على البناء على
الخطوات التي اتخذتها وضمان التنفيذ الكامل، وسريعاً، للتوصيات التي وردت
في تقرير لجنة التحقيق المستقلة في البحرين وكذلك في الاستعراض الدوري
الشامل للأمم المتحدة في 2012 الذي قبلت به الحكومة… ونحن ندعو كافة
الأطراف في البحرين لأن يلعبوا دوراً بنّاءً في هذه العملية لأجل استقرار
المملكة على الأجل الطويل».

هذا البيان يأتي ضمن سلسلة متواصلة من
التصريحات والتقارير والإصدارات من مختلف الجهات الحكومية والبرلمانية
والإعلامية والحقوقية والبحثية في العواصم العالمية، وهذه لا يمكن أن تكون
قد «تآمرت» فيما بينها كما يردد البعض، وإنما تأتي كتعبير لرأي عام عالمي
تجاه ما يحدث في بلادنا، ولذا فإنه من الأفضل الاستماع ولو قليلاً لهذه
النداءات والبدء بإصلاحات يمكن أن تنطلق من خلال التنفيذ الكامل لتوصيات
لجنة تقصّي الحقائق وتحقيق العدالة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.

لاشك
أن كل ذلك سيحتاج إلى اتخاذ قرارات صعبة، وسيحتاج إلى رصد من قبل جهات
تمتلك الاستقلالية والحيادية، وأن تكون موثوقة من قبل كل فئات المجتمع
والجهات الدولية. وهذا كله يعني أن الخطوة الأولى تتمثل في اتخاذ تدابير
لبناء الثقة، لأن مشكلتنا الحالية ناتجة في الأساس عن «انعدام الثقة»،
واعتماد «خطاب الكراهية» كوسيلة للتواصل اليومي. والمشكلة أنه من دون «ثقة»
لا يمكن تحقيق المصالحة الوطنية التي تؤسس لأمن واستقرار مستدام. علينا أن
نشخص المشكلة ونسعى لحلها، وإلا فسوف نستمر في الدوران في حلقة فارغة
ونتذكر آلام ذلك مع كل مناسبة تمر علينا، كما هو الحال مع الذكرى الثانية
لصدور تقرير تقصّي الحقائق.

اقرأ المزيد

مشتركاتنا مع الموالاة – يعقوب سيادي


مفردة مثل «الانقلابيين» التي كثيراً ما يردّدها الموالون، ولا يفقهون معناها، نشاركهم الهمّ فيها، فهناك انقلابيون على الوطن، والانقلاب يقوم به طرف مقتدر تسليحاً وعتاداً وأفراداً، فلا انقلاب دون سلاح، وبالصفة العسكرية، إذ هو عملٌ للإجبار بالقوة على نقل المجتمع من حال إلى حال، بتهميش دور فئةٍ من الناس في القرار الوطني، واستحواذه من قبل الطرف صاحب فعل الانقلاب. نعم نشارككم الهمّ من ناحية الانقلاب على الوطن، فلنبحث سوياً عن من استخدم السلاح في الوطن ضد قواه المجتمعية، ليس مهماً هنا أن يكون الانقلابيون من بني جنسي وديني، لأنهم يأتون فعلاً لتقسيم الوطن باستخدام قوة السلاح، ويأتون فعلاً يمكّنهم من الهيمنة على مقدراته، فمن كان ذاك الطرف؟

ورأينا شعباً ينتفض بحراك شعبي هادر، من أجل التغيير إلى الأفضل، من بعد تفشي الفساد في كل صوره، وفي مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والمنظومة التشريعية التي ناصرت المنظومة التنفيذية، في انقلابها على الإرادة والمبتغى الشعبيين.

وفي حال الانقلابات، يسقط العقد الاجتماعي، المتمثل في الدستور، وتميّع القوانين، إن لم يُلقى بها في سلة المهملات، ويسود الإجبار والتطاول بالباطل، فتُلغى العدالة ليحل محلها السلاح وسيلةً للإجبار، ويقابله من المنقلب عليه، مقاومة لا تخلو من القوة والسلاح، لاسترداد الوضع قبل الانقلاب، هذا إذا كان الوضع السابق في صالح الوطن وشعبه، إلا أن الأمر البحريني، لم يكن كذلك، فما حدث لم يكن بخلاف الوضع القائم، بل من أجل تكريسه، فلم يكن هناك مقاوم لذاك الانقلاب بحمل السلاح والإجبار على الاندحار، فلم نر حرباً تتبادل فيها الأطراف المدججون بالسلاح القتل والتدمير، بل رأينا حراكاً شعبياً مدنياً، من أجل رسو سفينة الوطن على ساحل الأمان بنشر العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات، وقبالة ذلك كان هناك إمعانٌ في القمع والتفريق، ورأينا من بين مناصري ذاك، إسقاط وصف الانقلاب على الطرف الشعبي. لا بأس، لن نختلف معكم في إنقلاب الشعب على سلطاته، التي لم تكن من خياراته، ولكننا لن نتفق معكم، حول حكم الوطن بالمذهب، فلا مذهبكم أهل بذلك ولا مذهب الآخرين، بل مذهب المواطنة المتساوية، فلا تدّعوا على الآخرين ما أتيتم به.

وسوءات قلة من أفراد من المذهب، التي درجتم على تشويه المذهب الآخر بها، لا يخلو مذهبكم من سوءات أفراد مثلها وأكثر، المذهب في كلتا الحالتين منهما براء، فلا تأخذوا على الغير ما يموج به حالكم، بل استنصروا الحق في مذهبكم بالحق في المذهب الآخر، وادرءوا الباطل لديكم ولديهم، واجتمعوا شعباً وسلطات بما يمطر على الوطن زخات العدالة والمساواة، فلا غيرها يخرج البحرين من أزمة طالت لسنوات ثلاث، الأمر المختلف، عما عهده الشعب والسلطات، من أزمات سابقة.

إن الأزمة بين الطرفين، الشعب والسلطات، أضحت متأصلة، ولا ينفع فيها ماحدث من انتقامات، تطال القتل والتعذيب المفضي إلى الاستشهاد، وإفلات الجناة من العقاب، واكتظاظ السجون بالمحكومين والمعتقلين والموقوفين على ذمة قضايا يمتد التحقيق فيها لسنوات، ولن يفيد استحثاث السلطات ومواليها للاحتراب الطائفي، فالآخرون أكثر صبراً واحتمالاً على الأذى الفردي، تضحيةً لقضايا الوطن، وهم بذلك يثبتون أنهم أهل الوطن، وليسوا طارئين عليه، وأن الوطن ينجرح بجرحهم، ولابد من الثبات والصبر، الذي سيؤتي أُكُلَه ولو بعد حين.

ماذا تبقى في الجعبة؟ هل الاعتقال والتهجير بسحب الجنسيات الأصيلة، حقاً إنسانياً وقانونياً، لمئات الآلاف من المواطنين، وهل ستتسع السجون المكانية والوجدانية لهذا التعداد، وهل نَفَعَها ما جنت عليهم من تطاول على الكرامة الإنسانية، التي جمعت الموالين بتبعيتهم اللاإرادية والمعارضين بالعقاب، إلا قلة من الطرفين، منتفعة من الوضع، والتي تأبى التغيير إلا إلى الأسوأ، أم أنها في حالة انتظار أن تؤتي مظالمها المستمرة أن يسود المجتمع الاحتراب والخراب، لتوكِل إلى بسطاء الناس الحرب نيابةً عنها في معركةٍ لن تنجو هي الأخرى من سعيرها، بل تطالها في أول من تطال، أم أنها تنتظر الإجبار من المجتمع الدولي، المتصارعة فيه مراكز القوى والمصالح، بما يغنيها عن المبادرة بإصلاح ذات البين، امتناعاً بمبدأ العزة بالإثم، وعليّ وعلى أعدائي، كما صيحة شمشون الجبار حين هدم المعبد على من فيه؟.

يعقوب سيادي
صحيفة الوسط البحرينية -  الأحد 24 نوفمبر 2013م
اقرأ المزيد

بعد عامين من تقرير بسيوني…ما الذي تحقق؟

في الثالث والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 حبس جميع البحرينيين
أنفاسهم تحسباً لما سيقوله رئيس اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق
محمود شريف بسيوني في تقريره عن الأحداث التي وقعت خلال شهري فبراير/ شباط
ومارس/ آذار من العام نفسه، بعد أن أمضى مع فريقه الخاص قرابة خمسة أشهر
التقى خلالها مختلف الجهات الرسمية والأهلية واستمع إلى شكاوى المتضررين
والشهود خلال هذه الفترة العصيبة من تاريخ البحرين ليصل إلى صورة شبه
متكاملة عما حدث بالفعل.

كان الجميع قلقين، ومتلهفين لسماع ما توصلت
إليه اللجنة في تقريرها وبأي اتجاه سيصب، كان البعض يرى في التقرير نقطة
الخلاص التي طالما انتظرها لشهور طويلة، بعد أن مورست ضده كل أنواع
الانتهاكات والفظاعات و(التي وثقها التقرير) في حين كان البعض الآخر ينتظر
أن يبرر ما قام به من ممارسات لمجرد الاشتباه في النوايا بحجة الحفاظ على
الأمن العام.

لقد جاء التقرير مخيباً لآمال من مارس البطش والانتقام،
حيث اكفهرت الوجوه وهي تستمع إلى كلمة رئيس اللجنة محمود بسيوني وهو يسرد
على الهواء مباشرة ما قامت به الأجهزة الأمنية خلال هذه الفترة من تعذيب
وتنكيل بالمعتقلين، حين قال: «إن تحقيقات اللجنة أثبتت تعرض الكثير من
الموقوفين للتعذيب ولأشكالٍ أخرى من الانتهاكات البدنية والنفسية داخل
محبسهم… الأمر الذي دلل على وجود أنماط سلوكية معينة تقوم بها بعض الجهات
الحكومية، تجاه فئات بعينها من الموقوفين. إن حجم وطبيعة سوء المعاملة
النفسي والبدني، يدل على ممارسة متعمدة كانت تستهدف، في بعض الحالات،
انتزاع اعترافات وإفادات بالإكراه، بينما تستهدف في حالات أخرى العقاب
والانتقام. وكان من بين الأساليب الأكثر شيوعًا لإساءة معاملة الموقوفين
تعصيب العينين، وتكبيل اليدين، والإجبار على الوقوف لفترات طويلة، والضرب
المبرح، واللكم، والضرب بخراطيم مطاطية وأسلاك كهربائية على القدمين،
والضرب بالسياط وقضبان معدنية وخشبية وأشياء أخرى، والصعق بالكهرباء،
والحرمان من النوم، والتعريض لدرجات حرارة شديدة، والاعتداءات اللفظية،
والتهديد بالاغتصاب، وإهانة الطائفة الدينية للموقوفين من الشيعة…».

هذه
الفقرة لم تكن إلا غيضاً من فيض مما أورده التقرير، ولذلك كان من مورست
ضده هذه الانتهاكات يتمنى أن يكون التقرير نقطة انعطاف لتصحيح الأوضاع، من
خلال تنفيذ التوصيات الواردة فيه والتي تعهدت السلطة بتنفيذها.

غدا (السبت) تمر الذكرى الثانية لتقديم التقرير، فما الذي تحقق حتى الآن؟ وكيف استفادت البحرين من تجربتها الماضية؟

لا
شيء… فالبعض مازال مصرّاً على السير في الطريق السابق نفسه، على رغم أن
الكثير من المحللين يرون أنه «إذا لم تطبق التوصيات التي ذكرها تقرير
اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، فإن البحرين ستجد نفسها مرة أخرى
أمام المشاكل ذاتها مجدداً».

اقرأ المزيد

قُل لي ما هو إعلامك أقل لك من أنت

بمطالعة سريعة لمانشيتات الصحف الصادرة في العواصم العربية،
يمكن للمرء أن يستقرأ ويستنبط حقيقة ما يدور من أحداث وتطورات داخل الأوطان
العربية، ككيانات مؤسسية سيادية، وكمجتمعات تستظل بحاكمية هذه الكيانات، ليس فقط
الظاهر منها على مشهد الحدث الجاري، وإنما حتى ما هو واقع خلف المشهد.
 
فبعد أن درجت أجهزة الميديا العربية، وجلها يشكل، بصورة
مباشرة أو غير مباشرة، جزءاً من المنظومة المؤسسية السيادية للدولة العربية
المعاصرة، على تدبيج الكتابات الإيجابية للعمل المؤسسي الحكومي، إذا بها تجد نفسها
بعد تصدع الأنساق التقليدية لأجهزة التسيير الكلية تحت تأثير الفوضى التي أشاعا ما
يسمى بالربيع العربي في عموم المنطقة العربية، مضطرة للتعامل مع هذا المستجد
النوعي من تحديات، ظاهرها وباطنها الفلتان التنموي الشامل الذي نعايش دقائق أموره
اليوم بقلوب خافقة وقلقة على المصير العربي العام.
 
اليوم اختلفت الصورة في الإعلام العربي، الرسمي وغير
الرسمي، تماماً عما كانت عليه من نسق كتابات نمطية رتيبة تكاد تكون محفوظة المحتوى
والمبتغى، بل وحتى السياق ووتيرته، قبل اندلاع موجات الاحتجاجات العارمة التي
أطاحت بالإيقاع المعتاد للحياة العربية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية
والثقافية والنفسية.
 
عناوين صحافة اليوم في غالب بلداننا العربية للأسف
الشديد، تعكس حال الاحتقان والتوتر والتجاذبات المؤسسة أصلاً على انقسامات
اجتماعية متراكمة، متعلقة بتوجهات دينية أو طائفية أو مذهبية، بما تتضمنه من عراك
وقدح وهجاء ومناكفات لا تنتهي، في وجبة يومية متقدمة على ما عداها من تغطيات
لأعمال وأنشطة الشأن العام التي لم تعد تحظى بالأولوية في الاهتمامات الرسمية وغير
الرسمية.
 
على أنه وقبالة هذا النفس المشحون والسلبي الذي يعكسه معظم
صحافتنا العربية السيارة اليوم، هنالك وجه آخر تعكسه صحافة بعض الدول العربية
المنصرفة كلياً للاهتمام بشـئونها التنموية، حتى يصـح عليها القـول إنها فعـلاً
دول “مشغولة” (Busy States). وفي مقدم هذه الدول بالتأكيد دولة الإمارات العربية
المتحدة الشقيقة التي تشعر بمجرد أن تلقي نظرة سريعة على عناوين صحافتها، إنك أمام
دولة مكرسة كل اهتمامها وجهودها للبناء والنهوض التنموي على كافة المستويات دون
استثناء، فلا يكاد يمر يوم من دون إنجاز (حقيقي وليس هامشي بروباغاندي) تعكسه
أجهزة الميديا الإماراتية، التي تميزت هي الأخرى عن باقي أجهزة الميديا العربية،
نوعاً وانتشاراً.
 
ومن دون شك فإن هذا التفاوت في درجات الاهتمام والتركيز
على الهم التنموي، الواضح والمتزايد، بين مختلف مناطق الإقليم الجغرافي العربي،
والذي يعكس بالضرورة درجات التفاوت في البناء التنموي التراكمي، سوف يزيد بلا شك
الفجوة اتساعاً، والواقعة أصلاً، بين مختلف الكيانات العربية.
 
ولذلك حين تهدأ هذه العواصف الهوجاء التي تعصف اليوم
بالعالم العربي يمنةً ويسرة، وتعود الأمور إلى بعض مستقرها، فإن أجهزة الميديا
النمطية لن يكون بمقدورها العودة الطبيعية “الرشيقة” لرتابتها ونمطيتها
السابقتين، بعد أن تخطتها الأحداث و”علّبتها” بصورة يعصب استيعابها
ثانية ضمن بوتقة التشكيلات الاقتصادية/الاجتماعية المتصيرة بعد ارتخاء حبل الزوابع
الحالية. حتى إذا ما عاد ذلكم النوع من الإعلام النمطي إلى سابق عهده، بمباركة من
مراكز القوى التقليدية الممانعة للتغيير والتحديث، فإن المتوقع على نطاق واسع أن
يجري استقبال إعادته إلى دائرة الضوء ولكأن شيئاً لم يكن، بفتور تام من جانب
المجتمعات العربية التي رأت فيه بأم أعينها الدور “الفاعل” الذي أداه في
تعقيد مناخات التأزيم وإطالة أمدها.
 
وبهذا المعنى يصبح من نافلة القول ان تنطوي التشكيلات
الاقتصادية/الاجتماعية ما بعد انكفاء قوى التأزيم وتواري بيئتها الحاضنة، على
تبدلات في البناء الفوقي تطاول الخطاب الإعلامي ليقارب ويتآلف مع بيئة العمل
التنموي (على صعيده الإداري الكلي) الجديدة.
اقرأ المزيد

الحزب الشيوعي اليوناني – 40 عاما ًمضت على انتفاضة البوليتخنيِّو‎


في اﻠ17 من تشرين الثاني/نوفمبر جرت تحركات جماهيرية و
على حد السواء في أثينا و في العديد من مدن اليونان الأخرى من أجل تكريم
الذكرى اﻠ40 لانتفاضة الطلبة و العمال في أثينا ضد الحكم العسكري في تشرين
الثاني/نوفمبر 1973.




حيث أجريت في أثينا مسيرة ضخمة انطلقت من مبنى البوليتخنيِّو وبعد مرورها بشوارع المدينة الرئيسية توجهت إلى السفارة الأمريكية .

هذا
و اتصفت كتل الحزب الشيوعي اليوناني و شبيبته في المسيرة المذكورة،
بالجماهيرية و الكفاحية، في حين أكمل الحزب الشيوعي اليوناني في هذا اليوم
95 عاما من الكفاح المستمر من أجل قضية الطبقة العاملة.


و كان بيان
أصدره المكتب السياسي للجنة المركزية في الحزب الشيوعي اليوناني بمناسبة
مرور 40 عاماً على انتفاضة البوليتخنِّو قد شدَّد في سياقه على: “إن
الهبَّة البطولية للشعب والشباب في البوليتخنيِّو في تشرين الثاني/نوفمبر
1973 لا تزال تُلهب قلوب كل أولئك الذين لا يتوافقون مع الظلم و الهمجية
بربرية اللتين تجلبهما للشعب و الشباب السياسة و السلطة التي تخدم
الاحتكارات والاتحاد الأوروبي، و أحزابها.


فهي انتفاضة ترمز إلى
هبَّة شعبية ضد الدكتاتورية العسكرية أبرزت حينها الأسباب الأعمق
المتواجدة خلف فرضها، عبر مناهضة حلف شمال الأطلسي و وجود القواعد
الأمريكية في اليونان”.


كما و يتابع البيان في سياقه: “بعد مضي
أربعين عاماً على انتفاضة البوليتخنيِّو 1973، يواصل الحزب الشيوعي
اليوناني الكفاح من أجل خروج الشعب والشباب للمشهد بزخم لبناء حركة
جماهيرية قوية على خط مناهضة الرأسمالية و الاحتكارات للتخلص من الفقر و
القهر و معاناة الأزمة. و ذلك مع حزب شيوعي يوناني قوي كدعامة للشعب و عبر
نكران الشيوعيين للذات و نشاطهم و تقدمتهم الطليعيتين، كما كان الحال دائما
في تاريخ الحركة الشعبية من اجل شق طريق تحرر الشعب. إن هذه هي الشروط
الأساسية لكسر القدرية التي يغذيها النظام، و لتدعيم تنظيم الشعب بالخبرة
من أجل النصر.


فعلى الرغم من الصعوبات التي جلبها إسقاط
الإشتراكية، فهي لا تزال راهنية و ضرورية أكثر من أي وقت مضى. يُحضرها إلى
المشهد التاريخي التناقض الكبير للنظام الرأسمالي. و هو التناقض الموجود
سلفاً و المتعاظم بين ملايين العمال المنتجين للثروة من جهة، و من جهة أخرى
بين الاحتكارات و الملكية الرأسمالية التي تستملك هذه الثروة مع سحقها
لحاجات الشعب و قيمه و حياته. إن الاشتراكية هي الحل الوحيد للأزمات
والحروب و لهمجية الرأسمالية التي يعيشها الشعب اليوناني وشبابه”.


أدناه تجدون روابط لمقاطع فيديو من مسيرة الحزب و شبيبته في شوارع أثينا:

مَقطع فيديو يظهر جزءاً من مسيرة الحزب و شبيبته أمام السفارة الأمريكية:


اقرأ المزيد