المنشور

عودة الفاشية فى ظل أزمة الرأسمالية واﻻمبريالية المعاصرة – سمير أمين


مقال لسمير أمين .. "عودة الفاشية فى ظل أزمة الرأسمالية واﻻمبريالية المعاصرة"


هذا المقال بقلم  سمير أمين، وهو ضمن مقالات
ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا
يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .

ليس من قبيل المصادفة أن يربط عنوان هذه المقال بين عودة
الفاشية في المشهد السياسي وأزمة الرأسمالية المعاصرة؛ حيث تمثل الفاشية
استجابة سياسية معينة للتحديات التي قد تواجه إدارة المجتمع الرأسمالي في
ظروف محددة.

وقد كانت الحركات السياسية التي يمكن أن تسمى ـ بحق ـ فاشية
في مقدمة المشهد السياسي في عدد من البلدان الأوروبية، وتولت السلطة، خاصة
خلال الثلاثينيات حتى 1945. واشتركت جميع هذه الأنظمة الفاشية في خاصتين:

كانت جميعها ـ في تلك الظروف ـ راغبة في إدارة الحكومة
والمجتمع على نحو لا يسمح بالتشكيك في المبادئ الأساسية للرأسمالية، خاصة
الملكية الرأسمالية الخاصة على وجه التحديد، بما في ذلك الرأسمالية
الاحتكارية الحديثة.

 دائما ما يستند هذا الاختيار الفاشي لإدارة مجتمع رأسمالي في
أزمة، على رفض “الديمقراطية” في إطار قيم تعارض الخضوع لمتطلبات الانضباط
الجماعي وسلطة القائد الأعلى. ثم يصاحب هذا التحول عن القيم دائما عودة
الفكر المتخلف القادر على إسباغ الشرعية على تدابير الإخضاع التي يتم
تطبيقها. ويشكل إعلان الضرورة ـ المفترضة ـ للعودة إلى الماضي والخضوع لدين
الدولة أو لبعض الخصائص المفترضة لـ “الأمة” المنتمية إلى “العنصر” أو
“العرق”، غطاء للخطابات الأيديولوجية التي طرحتها القوى الفاشية.



أولا: فاشية القوى الرأسمالية “المتقدمة” الكبرى التي تطمح إلى الهيمنة:

وتعتبر النازية نموذجًا لهذا النوع من الفاشية. حيث أصبحت
ألمانيا قوة صناعية كبرى بداية من سبعينيات القرن التاسع عشر، وصارت منافسا
للقوتين المهيمنتين في تلك الفترة (بريطانيا وفرنسا) وللدولة التي تطمح
للهيمنة (الولايات المتحدة). وبعد هزيمتها عام 1918، كان عليها أن تواجه
تداعيات فشلها في تحقيق تطلعات الهيمنة. فصاغ هتلر خطته بوضوح: فرض الهيمنة
الألمانية على أنحاء أوروبا ـ بما في ذلك روسيا ـ بمعنى هيمنة رأسمالية
الاحتكارات التي دعمت صعود النازية. وكان يميل إلى قبول تسوية مع خصومه
الرئيسيين: بحيث يسيطر هو على أوروبا وروسيا، ويتم منح الصين لليابان،
وبقية دول آسيا وأفريقيا لبريطانيا العظمى، والأمريكتين إلى الولايات
المتحدة. وتمثل خطأه في الاعتقاد أن مثل هذه التسوية كانت ممكنة: حيث لم
تقبل ذلك بريطانيا العظمى والولايات المتحدة، في حين أيدته اليابان من
ناحية أخرى. حيث تنتمي الفاشية اليابانية إلى نفس الفئة التي تنتمي إليها
الفاشية الألمانية.



ثانيا: فاشية القوى الرأسمالية من الدرجة الثانية:

 ويعتبر موسوليني في ايطاليا، المثال الرئيسي عليها. فقد كانت
الموسولينية هي استجابة اليمين الإيطالي (الأرستقراطية القديمة،
البرجوازية الجديدة، والطبقات الوسطى) لأزمة العشرينيات وللخطر الشيوعي
المتنامي. على أنه لم يكن للرأسمالية الإيطالية ولا أداتها السياسية ـ
فاشية موسوليني ـ طموح إلى الهيمنة على أوروبا، ناهيك عن العالم. فقد أدرك
موسوليني أن استقرار نظامه يعتمد على تحالفه ـ كتابع ـ إما مع بريطانيا
العظمى (سيدة البحر المتوسط) أو ألمانيا النازية. واستمر تردده بين
التحالفين الممكنين حتى عشية الحرب العالمية الثانية.  وتنتمي فاشية كل من
سالازار وفرانكو إلى نفس هذا النوع.



ثالثا: فاشية القوى المهزومة:

على غرار حكومة فيشي في فرنسا، حيث اختارت الطبقة العليا
“هتلر بدلا من الجبهة الشعبية”. وقد اضطرهذا النوع من الفاشية، المرتبط
بالهزيمة والخضوع إلى “أوروبا الألمانية”، إلى التراجع إلى الوراء بعد
هزيمة النازيين.

رؤية اليمين الغربي المؤيدة للفاشية في الماضي والحاضر


كان اليمين في أوروبا بين الحربين العالميتين مؤيدا دائما للفاشية. حتى أن تشرشل نفسه، لم يخف أبدا تعاطفه مع موسوليني.
ولم يكتشف رؤساء الولايات المتحدة، والحزبان الديمقراطي والجمهوري، إلا في
وقت متأخر فقط، الخطر الذي تمثله ألمانيا هتلر وقبل كل شيء، إمبراطورية
اليابان الفاشية. وقد اعترف ترومان؛ بالسخرية الأمريكية المعهودة بما يعترف
به الآخرون سرا: ترك الحرب لتنهك أبطالها ـ ألمانيا، روسيا السوفييتية،
والدول الأوروبية المهزومة – والتدخل في وقت متأخر للغاية من أجل جني
الفوائد. ولا يعتبر هذا، على الإطلاق، تعبيرا عن موقف مبدئي ضد الفاشية.
ولم يظهر أي تردد في إعادة الاعتبار لسالازار وفرانكو في عام 1945.

ولم تثر معاداة هتلر للسامية
الازدراء إلا بعد ذلك بكثير، عندما وصلت إلى أعلى مراحل الجنون القاتل.
وكان التركيز على كراهية “البلشفية اليهودية” التي أثارتها خطب هتلر شائعاً
بين كثير من السياسيين. ولم تظهر ضرورة إدانة معاداة السامية من حيث
المبدأ، إلا بعد هزيمة النازية. وصارت
المهمة أسهل لأن من نصّبوا أنفسهم ورثة “ضحايا المحرقة” أصبحوا الصهاينة
في إسرائيل، حلفاء الإمبريالية الغربية ضد الفلسطينيين والعرب الذين، لم
يكن لهم علاقة بأهوال معاداة أوروبا للسامية!


وفي
ألمانيا الغربية، تركت الحكومة المحلية ورعاتها (الولايات المتحدة، وبشكل
ثانوي بريطانيا العظمى وفرنسا) جميع من ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد
الإنسانية، باسم “المصالحة”
. ويعتبر تأييد الأحزاب الاشتراكية في
أوروبا الغربية، لحملات مناهضة الشيوعية، مسؤولا عن عودة الفاشية، بعد ذلك.
وفي بداية التسعينيات، سرعان ما أعيد الاعتبار للفاشية في أوروبا الشرقية
في أوائل 1990. فقد كانت جميع الحركات الفاشية في البلدان المعنية، من
الحلفاء المخلصين، أو المتعاونين بدرجات متفاوتة مع الهتلرية. فمع اقتراب
الهزيمة، انتقل عدد كبير من قادتها النشطاء إلى الغرب وكان من الممكن،
بالتالي، “أن يستسلموا” للقوات المسلحة الأمريكية. وقد وجدت جميعها ملاذا
في الولايات المتحدة وكندا. وحظيت بتدليل السلطات بسبب معاداتها الشرسة
للشيوعية! وهناك دراسات جيدة توفر كل ما يلزم من أدلة لا تقبل الجدل على
التواطؤ بين أهداف السياسة الأمريكية (ووراءها أوروبا) وأهداف الفاشيات
المحلية في أوروبا الشرقية (على وجه التحديد، أوكرانيا). وعلى سبيل المثال،
كتب البروفيسور دميترو دونتسوف، جميع أعماله في كندا حتى وفاته (عام
1975)، ولم تكن أعماله تهاجم الشيوعية بعنف فقط، حيث كانت “اليهودية
البلشفية” مصطلحه المعتاد، ولكنها أيضا كانت في جوهرها معادية للديمقراطية.
وأيدت حكومات ما يسمى بالدول الديمقراطية في الغرب (بل أنها مولت ونظمت)
“الثورة البرتقالية”، أي الثورة المضادة الفاشية في أوكرانيا.  وفي وقت
سابق، في يوغوسلافيا، وكانت قد مهدت أيضا الطريق للمجازر الكرواتية.

وهناك طريقة ذكية بسيطة تستخدمها وسائل الإعلام “المعتدلة”
لإخفاء دعمها لهؤلاء الفاشيين: فهي تستخدم مصطلح “القومية” بديلا عن
الفاشية. فهل يمكن أن يكون هؤلاء الراسخون في الفاشية “قوميون” حقا، لمجرد
أنهم يقولون ذلك؟ لا يستحق القوميون اليوم هذه التسمية إلا إذا كانوا
يشككون في موقف القوي المهيمنة فعليا على  العالم المعاصر، أي الاحتكارات
في الولايات المتحدة وأوروبا. ولكن من يسمون بـ “القوميين” هم اصدقاء
لواشنطن وبروكسل وحلف شمال الاطلسي. وتصل “قوميتهم” إلى الكراهية الشوفينية
لجيرانهم الأبرياء غير المسؤولين إطلاقًا عن مصائبهم، حيث أن “المهاجرين”
هم اليمين المتطرف الجديد في أوروبا.

ولا شك أن الخطر الفاشي يبدو
اليوم كما لو أنه لا يشكل خطرا على النظام “الديمقراطي” في الولايات
المتحدة وأوروبا. حيث لا يجعل التواطؤ بين اليمين البرلماني الكلاسيكي
والليبراليين الاجتماعيين من الضروري على رأس المال المهيمن، اللجوء إلى
خدمات اليمين المتطرف الذي يظهر في أعقاب الحركات الفاشية التاريخية. ولكن
ما الذي ينبغي أن نستنتجه من النجاحات الانتخابية التي حققها اليمين
المتطرف خلال العقد الماضي؟ من
الواضح أن الأوروبيين أيضا ضحايا انتشار الرأسمالية الاحتكارية. هكذا،
يمكننا أن نرى لماذا، يختارون العزوف عن الانتخابات أو يلجأون إلى التصويت
لصالح اليمين المتطرف عندما يشهدون التواطؤ بين اليمين وما يسمى اليسار
الاشتراكي
، وفي هذا السياق، يمكن أن تكون مسؤولية اليسار
الراديكالي، ضخمة: وإذا امتلك هذا اليسار الجرأة على اقتراح تقدم حقيقي
يتجاوز الرأسمالية الحالية، فسوف يكتسب المصداقية التي يفتقر إليها.

  وهناك ملاحظة أخيرة حول الحركات الفاشية، حيث يبدو أنها غير
قادرة على معرفة متى وكيف تتوقف عن جعل مطالبها عبادة القائد والطاعة
العمياء، والاقتناع البالغ بالأفكار الأسطورية الزائفة ـ العرقية أو
الدينيةـ التي تنشر التعصب، وتجند الميليشيات لأعمال العنف بما يجعل من
الفاشية قوة يصعب السيطرة عليها. ولا مفر من الأخطاء، التي تتجاوز حتى
الانحرافات غير المنطقية من وجهة نظر المصالح الاجتماعية التي يخدمها
الفاشيون.



سمير أمين


خبير اقتصادي  مصري ورئيس المنتدى العالمي للبدائل، داكار – السنغال

اقرأ المزيد

الاختراق للنقابات و الاتحادات العمالية عن طريق تغلغل الانتهازية

من المعروف ان القوى المعادية في العالم  لتحركات الطبقة العاملة من اجل تحسين اوضاعها
المعيشية  وتحقيق مطالبها للحصول على
حقوقها المشروعة  دائما تواجَه إما برفض
الأنظمة لهذه المطالب, او احياناً  تواجه بالقمع
 أو اللجوء لطرق  التحايل بأسم القوانين التي تكبل حرية الانشطه
العمالية والنقابية, المهم أن لا تلبي  تلك
مطالب العمال والتي هي في الاساس مطالب اساسية و مهمة للغا ية هذا في العديد من
دول العالم ونحن في الوطن العربي نعاني من ذلك و بشكل كبير جداً.

في الواقع هنا احاول  ان اسلط الضوء
علي قضية مهمة جدا ونتركها في إيطار الانشطة الثقافية للإستفادة منها خصو صاً
للجيل الجديد من النشطاء في الحراك النقابي و العمالي.

حقيقةً بهذا العنوان اريد ان اركز في الحديث على  خطورة الشخصية النقابية الانتهازية من خلال
التوضيح عن صفاتها بشكل  مختصر للاهمية.

 لقد اتفق المتخصصون في الشأن  النقابي و الحركة العمالية منذ عقود من الزمان و
لحد الان, ومنهم من طور في الادبيات و المفاهيم النقابية على إن  تشخيص وتحديد الشخصية النقابية الانتهازية و تعريف
جذورها واساليبها و مكمن خطورتها من الامور المهمة للكوادر النقابية والعمالية
الملتزمة.

و السبب في هذا  التكليف هو مهمة بث
الوعي في صفوف الطبقة العاملة وسائر الشغيلة لمخاطر الشخصية النقابية الانتهازية عندما
تسيطر على مجرى الحراك العمالي والنقابي اينما كان.  

ما هي الشخصية النقابية الانتهازية ؟

إنها  شخصية دائماً تعمل لذاتها
لانها  تتمتع بعقلية مشبعة بالانانية,
وعليه فانها  لا تكترث  ابداً بقضايا العمال و لا مصير العمال لانها  دائماً تضع مصالحها الشخصية فوق كل اعتبار, ذلك
من خلال سعيها الحثيث الى ان تكون قريبة جداً من اصحاب النفوذ والقرار الاقتصادي
والسياسي بحيث  انها تكون  مسؤولة عن تنفيذ كل رغبات المسؤ لين و تعمل على
تحقيق مرضاتهم, ذلك على حساب القضايا العمالية 
والنقابية.

 ان في حالة حصول الاختراق للنقابات
او الاتحادات العمالية من قبل الشخصيات الانتهازية تبقى تعمل على جر المسار
النقابي الى مستوى  المتاهات والتضليل ثم
تزرع الخوف و الاستسلام في نفوس العمال و ايضاً تفرض المراقبة على النشطاء من
العمال وتعرض بعضهم للمسائلة او المساومة, و احياناً اخرى يتعرض البعض من النشطاء
للفصل, كل ذلك خدمةً لارباب العمل والقوى النافذة  في ظل الانظمة الشمولية التي ترفض ان تتعايش مع
مطالب العمال الحقيقية ومشاركة العمال كجهه منتجة للخيرات وصانعة المستقبل.

ايضاً من اهداف الشخصية النقابية الانتهازية العمل على تمزيق صفوف الوحدة
العمالية في المصنع او المؤسسة وحتى على مستوى الشارع, و المراد من ذلك هو ضرب
الوحدة العمالية والنقابية من خلال بث النعرات الطائفية و العنصرية واللعب على
الوتر السياسي لتمزيق التحالفات العمالية و ابعاد الجماهير العمالية عن الساحة
الوطنية بحجج وهمية لا اساس لها من الصحة.

اما الوجه الاخر للشخصية النقا بية الانتهازية  هو العمل على ان لا تصل النقابات والاتحادات
العمالية  لمستوى النمو والتطور والقوة كي
لا  تستطيع ان تأخذ القرار العمالي و النقابي
 الواعي و المستقل لصالح الطبقة العاملة
وسائر الشغيلة, و من ثم ان لا  تكون الطبقة
العاملة شريك في المسار الاقتصادي والسياسي ذلك لحجم و دور الطبقة العاملة في
الحياة كطبقة رئيسية  فاعلة في وسط المجتمع
المدني.

نعم نحن في الوطن العربي ونتيجة لعدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي
والسياسي, و لان اكثر الجماهير العربية تعيش تحت مظلة انظمة دكتا تورية فيها تعاني
الجماهير من عدم توفير الحريات العامة والخاصة, و نتيجة لتراكم التلاعب بثروات
الشعوب العربية وتزايد نسبة الفساد المالي و الاداري  والحرمان لأغلبية  الشعوب العربية  من ابسط طرق العيش بحياة كريمة,  فإن هناك الملايين من العمال العرب يعانون من
الظلم, ومن ثم يأتي الدور المكمل في اجواء التغلغل للشخصيات النقابية  الانتهازية في صفوف الحراك العمالي والنقابي,  ذلك بالرغم من وجود القوى العمالية التي تنا ضل
و تعمل على تصحيح المسار والقيام بعملية التوعية بخطورة الانتهازية في الجسم
العمالي والنقابي.

سوف نتابع الحديث عن شخصيات نقابية اخرى في وقت آخر للاهمية.

جواد المرخي/ عضو لجنة متابعة الانشطة النقابية

  المنبر الديمقراطي التقدمي

 

 


 

اقرأ المزيد

أسئلة حائرة حول ” داعش “


مر قرابة الشهرين على سيطرة مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” على مدينة الموصل ثاني أكبر مدن العراق بعد العاصمة بغداد في العاشر من يونيو/ حزيران الماضي وبعض مدن الغرب العراقي، ووصلت جحافلهم إلى مواقع لا تبعد كثيراً عن العاصمة بغداد . ومع ذلك بدا العالم كأنه غير مهتم بهذا الاختراق النوعي الخطر لنواميس العلاقات الدولية التي كان متوقعاً حينها أن تسارع الأسرة الدولية لوضع هذه المنظمة ضمن قائمة المنظمات الإرهابية المستوجبة للملاحقة باعتبارها امتداداً لتنظيم القاعدة الملاحق دولياً بموجب نظام جزاءات لجنة مجلس الأمن المنشأة عملاً بالقرار 1267 الصادر في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 1999 وقراراته اللاحقة، الشاملة للأفراد والكيانات المرتبطين بتنظيم القاعدة أينما كان موقعهم، والتي صدرت جميعها بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة . وإنما العكس هو الصحيح، إذ بدا العالم للحظة كأنه راح يتقبل ويتعايش مع الواقع الذي أنشأته “داعش” على الأرض رغم فظاعة وحشيته وبربريته وصدمته الإنسانية، من قطع للرؤوس وجلد وصلب ورجم في الساحات العامة المزدحمة بالمهللين والمكبرين ومتمنطقي البنادق والخناجر والسيوف، ومن تطهير ديني وتهجير قسري للمسيحيين من الموصل، وهو ما حدث لأول مرة في تاريخ العراق، حيث خيرت “داعش” المسيحيين بين اعتناق الإسلام الداعشي أو دفع الجزية أو السيف، وذلك كمقدمة لتطهير المدينة من كل من لا ينقل ولاءه إليهم، ومن تفخيخ وتفجير لقبور الأنبياء والمساجد والمزارات الدينية . . الخ من الجرائم التي لم يعرفها التاريخ البشري إلا في عصوره الظلامية . وهو ما يتطابق تماماً مع ما يقوم به الابن الشرعي الآخر للقاعدة “بوكو حرام” في نيجيريا ضد المسيحيين هناك . حيث، مثلها مثل “داعش”، تعمل جماعة “بوكو حرام” على توسيع دائرة عملياتها الإرهابية لتطال المركز، حيث فجرت مستودعاً للوقود في حي الميناء للعاصمة الاقتصادية لنيجيريا “لاغوس” (العاصمة السابقة ذات ال 21 مليون نسمة قبل إنشاء مدينة أبوجا ذات المليون نسمة في ثمانينات القرن الماضي وتسميتها عاصمة رسمية للبلاد في ديسمبر 1991) . وكما في مصر أيضاً حيث أعلن تنظيم “داعش” في بيان أصدره عبر حسابه على موقع “تويتر” مساء 24 يوليو/ تموز الماضي تبنيه لمذبحة الفرفارة أواخر الشهر الماضي والتي أسفرت عن استشهاد 23 من المجندين المصريين وإصابة عدد آخر منهم .
ولكم أن تتصوروا أن تنظيم “داعش”، وبرغم سجله الحافل بالجرائم الوحشية التي يرتكبها في وضح النهار وعلى مسمع ومشهد من العالم أجمع منذ تأسيسه في عام ،2006 غير مدرج لحد منتصف الشهر الجاري من قبل مجلس الأمن الدولي على قائمة المنظمات الإرهابية . وفيما التنظيم ظل يواصل جرائمه بكل ثقة، للتو فكرت الأمم المتحدة في اقتراح إدراجه على اللائحة السوداء للجنة التحقيق الدولية التابعة لها حول حقوق الإنسان في سوريا، حيث اقترح رئيس اللجنة باولو بينيرو ذلك في تقريره الذي عرض على مجلس الأمن في جلسة غير رسمية الجمعة 25 يوليو/ تموز الماضي . ولكن مع الإشارة البالغة الأهمية ها هنا بأن بينيرو نفسه قد انتقد علناً ما وصفها بالدول المؤثرة، لموقفها الغامض من مسألة توفير الدعم للأمم المتحدة في المحاسبة على الجرائم المرتبكة من قبل “داعش” .
ولسوف يزداد ذلكم الغموض الذي أشار إليه بينيرو، غموضاً، مع الالتباس الذي اكتنف موقف الدولة التي أعلنت أنها في حالة حرب مفتوحة على الإرهاب منذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك وواشنطن عام 2001 . فما أبدته واشنطن من ردود أفعال تجاه داعش حتى لحظة صدور قرار مجلس الأمن رقم 7143 يوم الجمعة 15 أغسطس/ آب ،2014 وما كانت تفرد له صحافتها من مساحات لتغطية أعمال وجرائم هذا التنظيم الذي راح يتمدد على مساحات شاسعة من العراق وسوريا وصار ينتقي أهدافه بدقة (مواقع حقول وآبار النفط والغاز)، كانا يشيان بشيء مريب وكانا يطرحان تساؤلات ربما تعمل الصدف أو القريحة الإنسانية الفياضة للضمير الشخصي الإنساني (كما في حالة سنودين)، على إماطة اللثام عن إجاباتها يوماً ما، وربما ستبقى سراً من الأسرار التي ستدفن مع أصحابها مثلها مثل “سر” اغتيال الرئيس جون كنيدي!

تساؤلات من قبيل:

– ما سر الغموض الذي ظل يلف موقف واشنطن ومعها خصوصاً لندن وباريس، من تنظيم “داعش” منذ تأسيسه في عام ،2006 والذي يتراوح ما بين عدم الاكتراث بما يحدث لضحاياه وإطلاق التصريحات المضللة بشأن التنظيم لزيادة جرعة الغموض الذي يلفه، علما بأن بريطانيا هي التي تكفلت بتقديم القرار الجديد الى مجلس الأمن؟
– لماذا اختفت طائرات ال “درون” (من دون طيار) التي قالت واشنطن انها ستستخدمها ضد عناصر “داعش” في أعقاب استيلاء التنظيم على مدينة الموصل وبعض المناطق في غرب العراق، ولم تظهر الا عندما أصبحت جحافل هذا التنظيم تدق أبواب أربيل عاصمة إقليم كردستان بكل ما تحتضنه من حضور قنصلي واستثماري نفطي غربي؟
– ما هو سر عدم معاداة “داعش” ل “إسرائيل”؟ وما تفسير استقبال “إسرائيل” نحو 1500 جريح من “داعش” وقرينته “النصرة” لعلاجهم في المستشفيات “الإسرائيلية”؟
– ما هو السر وراء قرار قوات الاحتلال الأمريكي للعراق بإطلاق سراح مؤسس “داعش” أبوبكر البغدادي الذي كان نزيلاً بأحد سجون القوات الأمريكية في العراق، ومن أين أتى بالملايين الثلاثين لإنفاقها على تجنيد الأنصار؟
–  أوليس لافتاً أن “داعش” لم تقتل أمريكياً واحداً إلا بعد أن قامت الولايات المتحدة بضرباتها عليها، وذلك على سبيل الانتقام .
الآن، هل لهذه الأسئلة الحائرة علاقة بالهدف المبطن لواشنطن من هذا التمدد الفجائي والواسع لتنظيم “داعش”، وقد صار “يدق الأبواب” في غير قطر عربي، والمتمثل في استخدامه ورقة ضغط تفاوضية إقليمية لما بعد رفع الغطاء “الدولي” عن الجماعات المسلحة في سوريا والعراق؟

اقرأ المزيد

مرفوع الهامة يرحل


“كل الذين نحبّهم ذهبوا . . وسيذهبون . بين عاصفةٍ وعاصفة، قد نجد مَقعداً للحنين أو للوداع . طوبى لهذه السكنى القصيرة المُسَوّرة بالرّيح” .




قائل هذه الكلمات هو محمود درويش، وهو قالها لسميح القاسم، رفيقه وصديق عمره، ليس الشعر وحده ما جمع بينهما وهما القامتان الشعريتان الشامختان، ليس في الشعر الفلسطيني وحده، وإنما في دنيا الشعر العربي كله .



لقد جمعهما الحزب الذي ناضلا في صفوفه، وهما لم يزالا في سني الفتوة الأولى، وجمعت بينهما زنزانة السجان، وظروف الإقامة الجبرية، وجمعتهما الجريدة التي عملا فيها معاً، ليصنعا مع ثلة من خيرة المثقفين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة في ،1948 الثقافة الفلسطينية الديمقراطية المناضلة ضد المحتل حيث كان . وكانت معهما أسماء لامعة أخرى: إميل حبيبي، توفيق زياد، إميل توما، وآخرون . 



هي مأثرة من أروع مآثر الشعب الفلسطيني، الذي لم يقاوم بالبندقية والحجر والصاروخ، إنما بالكلمة التي حفظت الذاكرة الوطنية الفلسطينية وذهبت بها إلى أعلى المدارج التي يمكن أن يبلغها شعب أرضه محتلة منذ أكثر من ستين عاماً .



في لحظة افترق الرجلان في المكان فحسب، اختار محمود المنفى طوعاً لأنه لم يعد يحتمل البقاء هناك، أما سميح فآثر البقاء . لكن سيرتهما ظلت مشتركة، كما هي سيرة كل الفلسطينيين المشطورة أفئدتهم بين الأماكن: “كيف يمكن أن نقسم الأحبة إلى شطرين؟”، يتساءل إميل حبيبي . لكن هذه هي حال شعبه، كانت ولا تزال .



هذه السيرة المشتركة تظل محفوظة، بين أشياء أخرى، في المراسلات المنشورة بين الصديقين، ففيها عبّرا عن أنّ فلسطين كانت دائماً أغنيتهما المنشودة وجنتنهما المفقودة، وفي أقسى المحن لم يفقدا تلك البوصلة التي لا يمكن أن تكون لها وجهة أخرى غير فلسطين، التي بدت لهما إبان انتفاضة الحجر الأولى، قابلة للاستعادة، أكثر مما كانت عليه من قبل .



بعدت فلسطين اليوم أو قربت، طالت المسافة إليها أم قصرت؟



سؤال يحتمل أجوبة مختلفة، لكن الابداع الفلسطيني والثقافة الوطنية الفلسطينية ممثلة في أكبر رمزين شعريين لها في الوقت الراهن، ظلت على الرهان الذي لا يخيب، في أن التوق الفلسطيني للحرية مآله الظفر . نحن إزاء منظومة متكاملة من المقاومة في معناها الإنساني الرحب الشامل: الأرض والشعب والتاريخ والذاكرة الوطنية المصانة بإبداع شعب عصيّ على الخنوع .



كصمود شعبه، منتصب القامة، مرفوع الهامة رحل سميح القاسم إلى الخلود . 
اقرأ المزيد

ماذا بعد رحيل الضلع الثالث من شعراء المقاومة ؟ – رضي السماك

 


 حتى أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات كان مثلث الشعر الفلسطيني  المقاوم الذي يمثله أضلاعه الثلاثة الشعراء الشيوعيون الفلسطينيون توفيق زياد، ومحمود درويش ، وسميح القاسم ، والذين تمسكوا بالبقاء على تراب وطنهم المعروفة بأراضي ١٩٤٨يُجرمون ويخونون من قِبل ليس من أخوتهم العرب من قوى سياسية وشعراء وأدباء فقط ، بل ومن أشقائهم الفلسطينيين  من مثقفين وفصائل فلسطينية في المنفى ..
واليوم بعد مضي أزيد من أربعين عاماً من ذلك التخوين والتجريم ،وبرحيل الضلع الثالث ، لهذا الثلاثي المقاوم ، ألا هو سميح القاسم ، وإذ يقف العرب بكل سياسييهم و بكل مثقفيهم ونخبهم الشعرية انحناءً لما لعبه هؤلاء الثلاثة في ابقاء جذوة المقاومة مشتعلة ليس في داخل أراضي ٤٨فحسب ، بل وعلى أمتداد كل الاراضي الفلسطينية من البحر إلى النهر، لا أحد يتذكر للأسف أو يشير من قريب أو بعيد من قِبل أولئك الفلسطينيين والعرب إلى الدور الذي لعبه الحزب الشيوعي داخل أراضي 48 في احتضان مواهبهم وابرازهم في صحافته وإعلامه،  في وقت كانوا فيه معزولين كلياً محاصرين عن محيطهم العربي والفلسطيني خارج أراضي عرب 48.  لكن هذا الحزب لم يسهم فقط في احتضان مواهبهم وقريحاتهم الابداعية الشعرية في صحافته،  وبخاصة “الأتحاد” ” الفكر الجديد”  ، بل قيّض له موضوعياً بأن يكون هو صاحب الدور التاريخي الاستثنائي داخل الاراضي التي اُقيمت عليها الدولة العبرية في الحفاظ على الهوية الوطنية والقومية لعرب ٤٨ وصيانة  تراثهم اللغوي في قلب محيط استيطاني جديد ذي أغلبية يهودية عبرية ساحقة معادية لكل ما يُمت بصلة للغتهم وتراثهم اللغوي والقُطري والقومي . ومع أنه كل شعب مقاوم يبدع ويبتكر وسائله النضالية الخاصة للدفاع عن هويته وخصوصيته الوطنية المستهدفة من عدوه، إلا أنه من الصعوبة بمكان تخيل مآلات ثقافة وتراث الأقلية الفلسطينية لعرب ٤٨ وسط بحر من الأغلبية اليهودية بدون وجود ذلك الحزب الذي كان قدره النضالي ليس في النضال الطبقي بالدفاع سياسيا عن حقوق الطبقتين العاملة والفلاحية وعموم الكادحين فحسب ، بل والدفاع عن حقوق شعبهم العربي الفلسطيني  الثقافية  واحياء تراثهم اللغوي والقومي وصيانته من الضياع والذوبان في مخطاطات الأسرألة والتهويد .

إن الاختلاف اليوم حول أي مراجعة سياسية وفكرية لتوجهات وسياسات الحزب الشيوعي داخل الاراضي التي اُقيمت عليها أسرائيل في عام ١٩٤٨في تلك المرحلة التاريخية من نضال الشعب الفلسطيني خلف الخط الأخضر لا ينبغي أن يسوغ بأي حال من الأحوال انكار الدور الأستثنائي الكبير الذي لعبه الشيوعيون الفلسطينيون وسط صفوف شعبهم في تلك الأراضي المحتلة خلال مرحلة تاريخية شديدة الخصوصية والتعقيد ، فمثل هذا التغييب لهذا الدور ، بقصد او لسهو من شأنه أن يدمغ كل الشهادات التي تكيل المدح اليوم وتُدبج التبجيل لأدوار الشعراء الثلاثة المناضلين الراحلين العِظام وسائر الشعراء والادباء داخل أراضي ٤٨ بعدم الموضوعية العلمية والنزاهة والأمانةالتاريخيتين ..

 
فليكن برحيل هذا الضلع الثالث الأخير  من ثالوث شعراء المقاومة الفلسطينية التاريخي  والتي تعتبر قصائدهم  ،وبدرجات متفاوتة ، من أكثر ماغناها فنانونا الفلسطينيون والعرب أجمل الأغاني الوطنية والسياسية التي الهبت وألهمت ملايين الفلسطينيين والعرب سواء للثورة الفلسطينية أو لحركات التحرر الوطني العربية والنضال من اجل التغيير الديمقراطي لشعوبهم من المحيط إلى الخليج ، مناسبة لتدوين جزء  لا يتجزأ من التاريخ الثقافي والتراثي واللغوي للشعب الفلسطيني ع في  تلك المرحلة التاريخية من نضالات شعبه وعلى ذلك الجزء الذي لا يتجزأ من وطنه السليب .

 
الكاتب: رضي السماك
اقرأ المزيد

أبعد من حقوق الإنسان

ليس خافياً أن الدعوة إلى “دمقرطة” المجتمعات لم تجر دائماً على معايير النزاهة أو إخلاص النوايا في بناء مجتمعات ديمقراطية حقاً، بمقدار ما كان ذلك مدخلاً لتوسيع نفوذ المنتصر في الوضع الدولي الراهن وتيسير سبل عمل آليات العولمة في وجوهها المختلفة بما فيها وربما بصورة أساسية العولمة الاقتصادية .


ومن ذلك أن سياسة الدول والمؤسسات الدولية التي طرحت موضوع الليبرالية الاقتصادية والسياسية شعاراً لها لم تخل في حالات كثيرة من النفاق والرياء، فهي إذ مارست ضغوطاً على دول بعينها في اتجاه توسيع نطاق الحريات العامة وإشاعة الديمقراطية تغاضت في الآن نفسه عن انتهاكات وممارسات فظيعة ضد حقوق الإنسان في بلدان أخرى حليفة لها .


ثمة معايير دولية متفق عليها في مجال حقوق الإنسان على الدول الالتزام بها، بيد أن هذا موضوع، ومسألة التمويل الخارجي لهيئات ومنظمات ناشطة في مجال حقوق الإنسان موضوع آخر، لأنه يطرح على بساط البحث مدى استقلالية عمل هذه الهيئات عن الدوافع الحقيقية التي تحكم نشاط الجهات الممولة وهي لا يمكن أن تكون دائماً دوافع نزيهة، ما يضعف من مصداقية عمل هذه اللجان أو المنتديات أو مراكز الأبحاث وشعاراتها . 


ونشأت في السنوات الأخيرة في بعض البلدان العربية العديد من الهيئات العاملة تحت شعار الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ضمت نشطاء من مشارب شتى، بمن فيهم وجوه لم يعرف عنها فيما سبق أي التزام أو تبن لحقوق شعوبها، وفي الكثير من الحالات اكتسب الأمر طابع التكسب المالي عبر تلقي التمويل الذي كان يضخ من الخارج . 


وطبيعي أن لمن يضخ هذه الأموال جدول أعمال خاصاً به في العلاقة مع البلدان التي تنشط فيها هذه اللجان .


 وبافتراض حسن النوايا من قبل هؤلاء الناشطين، فإن المرء يتساءل عن مدى قدرتهم على فرض مفكرتهم الخاصة في نشاط هيئاتهم طالما كانوا يتلقون دعماً خارجياً، لا بد من أن يكون مشروطاً، شأنه في ذلك شأن القروض وأشكال الدعم المالي الذي تقدمه المنظمات الاقتصادية والمالية الدولية للحكومات .


قضية احترام حقوق الإنسان في البلدان العربية قضية أصلية وليست مفتعلة، والجهود نحو استقلالية هيئات المجتمع المدني وتفعيلها تتسق ومصلحة بلداننا وشعوبنا، لكن الالتباس بأجندات التدخل الخارجي، خاصة حين يكتسب هذا الالتباس طابعاً مالياً لا يمكن له إلا أن يثير الشبهات .


د . حسن مدن

اقرأ المزيد

نظرة الغرب للبرازيل

مثلما تضغط الولايات المتحدة على بلدان اتحاد جنوب شرق آسيا “آسيان” لكي تتبنى سياستها في مواجهة الصعود الصيني في العالم بصفة عامة وفي جنوب شرق آسيا بصفة خاصة، لاسيما في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي، فإنها بالتوازي تمارس ضغطاً مماثلاً على منظمة الدول الأمريكية – والولايات المتحدة عضو فيها – لعزل البرازيل إقليمياً، على خلفية احتفاظها بعلاقات وثيقة مع فنزويلا ومع الأنظمة الوطنية المستقلة التي أفرزتها صناديق الاقتراع في عدد من بلدان أمريكا اللاتينية .


إعلام الموالاة الأمريكي والأوروبي ما انفك يواصل تغطياته السلبية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البرازيل، وكذلك الأرجنتين، اللتين لا تستطيع واشنطن على ما يبدو كظم غيظها وانزعاجها من سياساتهما، حيث يدأب ذلك الإعلام على توجيه النقد والتقريع الفج لرئيستيهما دلما فانا روسيف، وكريستينا فرنانديز .


مجلة “الايكونومست” البريطانية، وهي إحدى الوسائل الإعلامية التي تتحول تدريجياً إلى صدى للإعلام الأمريكي المعبر عن المصالح والسياسات الخارجية للطبقة السياسية المتقاسمة مواقع السلطة والنفوذ في واشنطن، أفردت مقالين في عددها الصادر في 22 مارس/ آذار 2014 وعددها الصادر في 10 مايو/ أيار 2014 لمهاجمة السياسة الخارجية للبرازيل ورئيستها دلما روسيف .


تقول المجلة في مقالها الأول إن البرازيل خيبت ظن العالم الخارجي (والمقصود بطبيعة الحال العالم الغربي الذي درج الأمريكيون على “توأمته” مع مسمى المجتمع الدولي فيُختزل الأخير في الأول) الذي كان “يتوقع من البرازيل أن تضطلع بدور قيادي في حل مشاكل الإقليم مثل أعمال العنف المندلعة في شوارع فنزويلا” . ولكن من الواضح – دائماً بحسب المجلة – “أن هذا الدور لا ترغب الرئيسة البرازيلية في القيام به، ما وضع السياسة الخارجية البرازيلية في مأزق” . المجلة تتحدث بلسان الأمريكيين الذين يريدون للبرازيل أن تأخذ صفهم في تمكين المعارضة في فنزويلا من الوصول إلى السلطة، بالضغط على النظام الحاكم في كاراكاس برئاسة نيكولاس مادورو .


ولا تخفي المجلة سخطها على الشركات البرازيلية وغيرتها من الأوضاع الاستثمارية التي تتمتع بها في فنزويلا . وتسرد المجلة في المقال نفسه عدداً من الانتقادات التي توجهها نيابة عن واشنطن للبرازيل، ومنها موقفها الذي اعتبرته غير بناء من المفاوضات متعددة الأطراف الجارية في إطار منظمة التجارة العالمية (حيث تصطف البرازيل مع مواقف الدول النامية)، وتركيز حكومة روسيف على تمتين أواصر علاقاتها مع أمريكا الجنوبية ومع الحكومات اليسارية التي جاءت بها صناديق الاقتراع هناك، وتحويل تجمع ميركوسور الاقتصادي الذي تقوده البرازيل (يضم في عضويته كلاً من البرازيل، الأرجنتين، فنزويلا، باراغواي، أوروغواي، وبوليفيا) إلى منطقة اقتصادية تميل لتفضيل الممارسات الحمائية في تجارتها الخارجية، كما و”تنصح” بتحويل هذا التجمع إلى منطقة للتجارة الحرة والتكامل مع التجمع الاقتصادي الآخر الذي تفضله واشنطن وهو التحالف الباسيفيكي (Pacific Alliance) الذي يضم تشيلي وبيرو وكولومبيا والمكسيك . ولا تخفي المجلة انزعاجها من نجاح سياسة القوة الناعمة البرازيلية في الفوز بمواقع نفوذ اقتصادية في القارة الإفريقية .
.
وقد استتبعت المجلة مقالها لشهر مارس/ آذار بمقال آخر في شهر مايو/ أيار خصصته هذه المرة للانتخابات الرئاسية البرازيلية التي ستُجرى في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل تعلوه صورة للرئيسة البرازيلية تبدو فيها حائرة وهي تضع بنصرها على فمها، وبجانبها صورتان لمنافسيها الرئيسيين أيسي ونيفس (Aecio Neves) رئيس الحزب الاجتماعي الديمقراطي البرازيلي (PSDB) الذي “يراهن عليه الغرب – بصوت إعلامه – في هزيمة دلما روسيف وحزبها الحاكم حزب العمال (Worker Party PT)، وإدواردو كامبوس رئيس الحزب الاشتراكي البرازيلي (PSB) . برنامج نيفيس الانتخابي يحقق بعض رغبات وتطلعات الغرب، ومنها فصل البنك المركزي عن نفوذ سياسات الاقتصاد الكلي الحكومية، من خلال استقلاله، وتيسير النظام الضريبي (لمصلحة قطاعات الأعمال وعلى حساب خزينة الدولة وجبايتها)، وخفض عدد الوزارات (أي ضغط النفقات الحكومية)، وإطلاق حرية الاستثمارات الخاصة في عدد من مرافق البنية التحتية، وتبني ممارسات السوق المفتوحة .


هي أمنيات وستبقى كذلك على ما يبدو، إذ إن شعبية دلما عاودت الصعود في آخر استطلاعات الرأي إلى 48%، رغم الاحتجاجات التي شهدتها البرازيل في الأشهر الثلاثة الماضية ضد بعض سياساتها وضد استشراء الفساد داخل حكومتها .


ومن المرجح أن تشهد خلال الفترة المتبقية حتى موعد الانتخابات الرئاسية البرازيلية، ارتفاع وتيرة الضغوط الغربية ضد البرازيل ورئيستها، وإظهار الانحياز بصورة أكثر سفوراً لمنافسها أيسيو نيفيس .


إنما السؤال المحوري الذي يطرح نفسه هنا: ما الهدف الاستراتيجي الأمريكي/ الأطلسي من وراء نقل ثقل الضغوط الأمريكية ناحية الصين وروسيا والبرازيل؟


هذا سؤال سنتوقف عنده استطلاعاً وقراءةً في مقال الأسبوع المقبل .
اقرأ المزيد

في الوطن العربي تاريخ من القضايا السياسية الغامضة


يستطيع المرء أن يبحث عن ذلك في بعص الكتب  ومنها التاريخية التي تتحدث عن تاريخنا العربي المؤلم,
و الاولوية في  هذه المرحلة أن نعيد
القرائة في كتاب “تراثنا كيف نعرفه؟”  للمفكر الرفيق حسين مروه. ذلك من اجل ان نفسر
ونحلل ما يجري الان من وضع سياسي غامض من خلال معرفة الاسباب بطريقة علمية.  


في الواقع إن مايجري الان في الوطن العربي من بروز  ظاهرة التطرف الاعمى و هي في الحقيقة ليست
منفصلة عن الماضي و كيف كانت الافكار المتطرفة مهيمنة في الوطن العربي ذات التوجه
في قساوة التعصب القبلي المنبثقه  من ثقافة
الصحراء  الرافض لقبول التنوع  الانساني والحضاري,  ثم إن مثل هذه الثقافات هي دائماً  ماتنصب العداء  للعلم والحداثة و التقدم, و ايضاً كانت هذه  من ضمن  القوى 
الرجعية وثيقة الصلة بالاستعمار بحيث انها دائماً,  تعمل على محاربة الافكار التقدمية  على المكشوف مدعومةً من قبل أطراف لأنظمة عربية
و قوى مجتمعية محافظة لدرجة عدم قبول الأخر أيٍ كان الا من هم على الشاكلة في
المذهب والعقيده والتوجه  ذات المنافع
الضيقة الفئوية.


من المعروف إن الوطن العربي  قد عاش
فترات معينه من التطور والتنور الا انه كان في حالة من الصراع بين هذا التطور و
قوى التخلف, ثم خضع الوطن العربي لموجات من حكم الطغيان  في تشكيلات الحكم لأنظمة عربية تحالفت مع
المستعمرين, وايضاً أبان  حكم الاجانب  للوطن العربي الذين حاصروا الحضارة العربية في
عز تطورها مثل التتار, و المغوال, و جيوش الاتراك, و الصليبيين.


و ها نحن الان في الوطن العربي نعيش حالة من التفسخ الاجتماعي والتخلف
الاقتصادي و التدهور السياسي والتراجع الحاد عن الافكار العربية التي كانت تنادي
بالوحدة العربية, و التي قد التفت حولها الجماهير العربية من المحيط الى
الخليج  ذلك مع نجاح الثورة المصرية عام
1952  والثورة العراقية في عام 1954,
والثورات  في سوريا والجزائر وليبيا واليمن
الجنوبي. نعم كانت فترة قد عاشها الوطن العربي في حالة من قبول الجماهير العربية
لأفكار مختلفة يسارية واشتراكية وتقدمية وقومية داعمة  للتحرر و الحرية و ضد  المستعمر الاجنبي ذلك بالرغم من حماقة بعض النظم
العربية العميلة التي حاربت الشعوب العربية التي كانت تطالب بالاستقلال الوطني, وايضاً
نتيجة لبعض الانظمة الانقلابية العسكرية الدكتاتورية التي حاربت التعددية السياسية
والفكرية.


و في ظل هذا الوضع الراهن نرى إن تلك القوى التي كانت تحارب التطور والتقدم
و التحرر هي اليوم تتزعم الهجمة الشرسة ضد التقدم والتحرر سواء إن كانوا على شكل
من الانظمة العربية, أو الجماعات المتطرفة وهم الان يستعينون بإسرائيل والصهيونية العالمية
والامبريالية الداعمه لأهدافهم التدميرية في هذا المشروع  الخبيث و الذي يحشد اليه فلول من الرجعية من كل
بقاع  العالم على شكل من جيوش المرتزقة في
محاولة لتقسيم الوطن العربي لدويلات متخلفة تحمل افكار رجعية قوامها العداء القومي
العنصري والمذهبي الطائفي و السياسي,  و
لهم  مصالح  في ما يجري من التدمير  لسوريا والعراق ولبنان واليمن و ليبيا ومصر, لأن
هذه القوى من المرتزقة  تمتلك  النفس العدائي و اهداف مرسومة  من اجل تدمير الوطن العربي.


ان  الآثار لهذه الافكار الرجعية المتطرفة
و التي  هي اليوم مغروسه  في أكثر من قطر عربي وتدرس ضمن المناهج  في المدارس  الخاصة والحكومية  في الكثير من الدول العربية و الاجنبية, حقيقةً  إن القوى الرجعية تمول ومن ثم تدعم وتدرب في دول
عربية و  بأموال عربية حاضنة للرجعية شديدة
التخلف الفكري والاجتماعي لمن ينتمون  للأفكار
الارهابية غير القابلة للحياة. و هكذا نحن الان نعيش فتره تاريخية من الزمان التي  يحاول فيها الاستعمار الجديد بالتعاون مع
الرجعية العربية بكل طوائفها وقواها و انظمتها القضاء على كل المنجزات التي تحققت
للشعوب العربية  بعد الاستقلال الوطني
للبلدان  العربية  في مجال  التقدم الفكري والتعليمي و الاجتماعي والحقوقي و
الاقتصادي وبعض البصيص من الحرية و قيام الانشطة الاجتماعية و تطور الانشطة  المدنية في البلدان  العربية التي 
شاركت فيها حركات  و احزاب سياسية و
انشطة  نسائية وشبابية  وأدباء ومثقفون   و حركات
عمالية ونقابية ومهنية. إلا اننا الان نحتاج لوحدة القوى الوطنية الديمقراطية
والتقدمية واليسارية و كل القوى  المتنورة للتلاحم  في سبيل صد ظاهرة التطرف الارهابي ذات التوجة
التناحري الذي يقسم الوطن العربي  على شكل
دويلات متخلفة ذلك  خدمةً لأنظمة  الدول  العربية الرجعية التي  تخاف من التطور و التقدم,  فهي الان على استعداد تام ان تتحالف مع التتار
الجدد أو المغول و الاستعمار و  الصهيو نية
 في تعزيز ثقا فة التطرف  والتخلف 
مدعومة من قبل جحافل المرتزقة من الاجانب من كل بقاع العالم اجمع, ذلك من
اجل بث الفوضى والدمار وتدمبر كل المنجزات ومنها تغييب الحقائق  المتمثلة في مطالب الشعوب العربية بالحرية
والديمقراطية الحقيقية النابعه من المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار السياسي,
هكذا  إن القوى الرجعية الآن تحاول و
بقوة  طمس ما تبقى من الحريات المكتسبة
نتيجة لنضال الشعوب العربية الذواقة للحرية.

اقرأ المزيد

زمنهم المضيء وزمننا الكالح

يحز في النفس أن نطالع انخراط مثقفين وناشطين سياسيين آتين من منابع فكرية حديثة في سجالات، سواء عبر الصحافة أو التلفزة أو وسائل التواصل الاجتماعي، لا تنطلق من المرجعيات الفكرية الجامعة ذات البعد الوطني والإنساني الشامل، وإنما من انتماءات ضيقة، مذهبية تارة، وطائفية تارة أخرى، وقبلية أو إثنية تارة ثالثة .


ولن ننجو من السؤال الموجع: أين ذهبت مرجعيات هؤلاء، وكيف ارتدوا في غمضة عين إلى بيئاتهم المحدودة الضيقة التي نشأوا فيها أول مرة، وأين ذهبت الكتب “التقدمية” التي قرأوها والأفكار والشعارات الوطنية التي أفنوا سنوات من أعمارهم وهم يلهجون بها، فعادوا إلى نقطة الصفر، وربما إلى ما دونها، لأن أخطر ما في المثقفين هي قدراتهم في التبرير، لتوفرهم على ملكات الكلام والكتابة، التي لا تتوفر عادة لعامة الناس، الذين هم أكثر اتساقاً وفطرية مع أنفسهم، وأكثر حصانة بوجه التقلبات الفكرية والسياسية، التي تنقل المثقف من أقصى خانة إلى أقصى خانة نقيضة لها .


يقول عبدالرحمن الكواكبي “إن الاستبداد لغة هو غرور المرء برأيه والأنفة من قبول النصيحة أو الاستقلال في الرأي وفي الحقوق المشتركة” . وبهذا التعريف فإن الكواكبي لا يشخّص الاستبداد بوصفه ظاهرة سياسية فحسب، وإنما بوصفه ظاهرة عامة واسعة تغطي مساحة بمساحة المجتمع كله، ناهيك عن الفكر نفسه بوصفه الفضاء الأوسع والأكثر تعقيداً في الآن ذاته لتجلي القناعات .
وعلى صلة بحديثنا أمس عن ضرورة الإصلاح الديني بوصفه عاصماً بوجه موجات التطرف الدموية الداعشية وغير الداعشية وقعت عيني على مقالة للدكتور طه حسين نشرها في عام ،1910 في مجلة “الجريدة”، وإذا علمنا أن طه حسين ولد في عام ،1898 فإن عمره لحظة كتابته ذاك المقال بالكاد يتجاوز العشرين عاماً، ولكنه في هذه السنة الغضة كان أبعد بصيرة من “جهابذة” التنظير الذين يسممون فضاءنا اليوم .


عنوان المقال المذكور هو: “ليس الإيمان ملكاً لأحد”، وفيه يذهب العميد إلى “أن الإسلام لا يعرف لأحد من الناس حق السيطرة على العقيدة والهيمنة على القلوب، وإنما ذلك حق الله وحده”، و”لا يصح أن يحال بين الناس والدين بأسوار من الوهم والخرافات، بل يجب أن يظل كعهده أيام النبي لا زيغ فيه ولا عوج” .
عدتُ لطه حسين والكواكبي لأقول إن زمنهما كان أكثر تقدمية من زمننا الكالح .


د . حسن مدن

اقرأ المزيد

بؤرة توتر في جنوب آسيا

تاريخياً
وتقليدياً كان الجمهوريون في الولايات المتحدة الأمريكية “كبار فرسان”
الحرب الباردة التي تخوضها بلادهم دون انقطاع ضد روسيا (وقبلها ضد الاتحاد
السوفييتي المنهار) وضد الصين . وكان الديمقراطيون يقفون في الخط الثاني من
تلك الرؤوس الحامية النازعة إلى التسخين الدائم للمجابهة والصدام مع هاتين
الدولتين المنافستين لواشنطن على مناطق النفوذ والمصالح في العالم .
ولكن،
وعلى غير المعتاد، فإن الذي يعمل هذه الأيام على استحضار أجواء الحرب
الباردة ويتصدى لمهمة التصعيد الإعلامي والسياسي والدبلوماسي والاقتصادي ضد
روسيا عبر الدولة التي كانت يوماً توأمتها فأضحت اليوم عدوتها، أي
أوكرانيا، ويقوم بالتصعيد في الآن معاً – وإن بوتيرة أخفض حتى الآن – ضد
الصين عبر اتحاد دول جنوب شرق آسيا الذي يضم عشر دول هي إندونيسيا،
ماليزيا، تايلاند، سنغافورة، الفلبين، بروناي، فيتنام، لاوس، بورما،
وكمبوديا، وكذلك عبر اليابان وكوريا الجنوبية اللتين لاتزال تحتل جزءاً من
أراضيهما في صورة قواعد عسكرية، تشكّل جبهة حرب متقدمة للجيش الأمريكي في
قارة آسيا – هما الرئيس الأمريكي باراك أوباما وحزبه الديمقراطي الحاكم .
فمع
تصاعد الطاقات الاقتصادية والعسكرية للصين الشعبية واتساع نفوذها بشكل
طاغٍ في العالم بصفة عامة وفي القارة الآسيوية بصفة خاصة، قررت الطبقة
السياسية للمؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة، والتي تصادف أن يكون على
رأسها هذه المرة الحزب الديمقراطي، أن ترمي، على ما هو واضح، بكل ثقل
اهتمامها نحو جنوب القارة الآسيوية من دون التفريط في نفوذها ووجودها
العسكري والسياسي والاقتصادي في بقية مناطق العالم، وذلك لمواجهة المد
الصيني في المنطقة على وجه التحديد .
ويشارك في هذه الخطة الهادفة لكبح
اندفاع وتقدم الصين في الإقليم وفي المناطق الآسيوية المجاورة، عدد من
الأجهزة العسكرية والأمنية وكذلك وسائط الميديا الأمريكية التي تسلّمت
وفهمت مضمون رسالة “المؤسسة”، وراحت تمارس دورها على هذا الصعيد .
الإعلام
الأمريكي، ومنه صحيفة “وول ستريت جورنال” كمثال غير حصري، يحرض دول آسيان
في أحد مقالات حملته على الصين، “للوقوف صفاً واحداً ضد الصين لإجبارها على
توقيع “مدونة السلوك” (Code of Conduct) “التي كانت قد أعدتها من أجل وضع
حد لممارسات الصين الأحادية في بحر الصين الجنوبي”، وذلك في أعقاب
الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها فيتنام ضد المصالح الصينية في فيتنام إثر
قيام الصين بتثبيت حفار نفطي ضخم في المياه المتنازع عليها مع فيتنام . بل
إن الإدارة الأمريكية نفسها تدخلت عنوة في هذا الإشكال، وضغطت على زعماء
الدول العشر الأعضاء في “آسيان” الذين اجتمعوا في ميانمار في شهر مايو/
أيار الماضي، من أجل إقرار تلك المدونة .
في معرض تحريضها تُذكّر وسائل
الإعلام الأمريكية بقيام السفن الصينية في عام 2012 بتسييج منطقة بمحاذاة
الساحل الفلبيني غنية بالأسماك، وبقيام الصين بتعزيز قدراتها العسكرية
بصورة سريعة لاسيما قواتها البحرية، وتكرار استعراضها عضلاتها البحرية في
المنطقة . وينسب بعض الإعلام الأمريكي المواظب على المتابعة الحثيثة للشأن
الصيني، إلى “محللين غربيين”، اعتقادهم بأن قيام الصين بنصب حفار النفط
الضخم في بحر الصين الجنوبي، والذي أثار غضب فيتنام، هو بمثابة رسالة صينية
إلى الولايات المتحدة مفادها أن الصين لن تسمح لأحد بالتطاول على حقوقها
البحرية وعلى مصالحها الاقتصادية في بحر الصين الجنوبي وفي منطقة جنوب شرق
آسيا . وهذا يعني أن الأمريكيين فهموا الرسالة الصينية المعنونة لهم
ولطموحاتهم الجديدة في الحوض الجنوب شرق آسيوي .
بهذا المعنى، فإن
الطرفين المتجابهين، الولايات المتحدة والصين، يعلمان تماماً أن المعركة
الأصلية هي معركة بينهما حتى وإن قامت الفلبين برفع دعوى قضائية ضد الصين
في محكمة التحكيم التابعة للأمم المتحدة بشأن حقوقها في بحر الصين الجنوبي،
والتي لم تعرها الصين أدنى اهتمام، أو مطالبة تجمع “آسيان” لإبرام اتفاق
“مدونة سلوك” مع الصين لتنظيم ممارسات الدول المطلة على بحر الصين الجنوبي
وفقاً للقانون الدولي للبحار . وبهذا الصدد، لا تبدو خطة التصعيد الأمريكية
– بواسطة الغير – مع الصين في التنافس على مواقع النفوذ في حوض بحر الصين
الجنوبي، من خلال العمل في الخلف بدفع الآسيويين لاظهار الصين وكأنها دولة
متمردة على القانون الدولي، ومحاولة تشكيل حلف في المنطقة ضد الصين – سهلة
التطبيق في ضوء اتخاذ كمبوديا وتايلاند وسنغافورة جانب الصين، وخلو البيان
الذي أصدرته “آسيان” في العاشر من مايو/ أيار الماضي من أي اشارة لا إلى
الصين ولا إلى مدونة السلوك التي تضغط واشنطن على “آسيان” لإجبار الصين على
توقيعها، إذ اكتفى البيان بالإعراب عن القلق عن حوادث الصدام في بحر الصين
الجنوبي، في إشارة غير مباشرة إلى حادثة الحفار الصيني وردة الفعل
الفيتنامية العنيفة عليه .
على أن اليابان التي يقودها اليوم رئيس
الوزراء شينزو آبي الذي يعمل صراحةً على بعث الروح القومية اليابانية،
وإعادة النظر في عقيدتها العسكرية لما بعد هزيمتها في الحرب العالمية
الثانية، ويسعى حثيثاً لتوسيع انتشارها العسكري خارج الحدود، تبقى محور
التعويل الأمريكي على بناء سياسة مجابهة قوية ضد الصين وطموحاتها في بحر
الصين الجنوبي والشرقي .
والصين التي استشعرت تجدد هذا الانبعاث للتحدي
والطموحات اليابانية، لم تستطع كتمان غيظها من مساندة حكومة آبي لواشنطن
التي قررت نقل جزء كبير من ثقلها العسكري والسياسي وحركتها الدبلوماسية
باتجاه منطقة جنوب شرق آسيا، راحت تسرع الخطى للتصدي لهذا التحدي بأشكال
استعراضية عسكرية وسياسية ودبلوماسية مختلفة . وتصب زيارة الرئيس الصيني شي
جين بينغ إلى سيئول الجمعة 4 يوليو/تموز الماضي في هذا الإطار، حيث يجمع
البلَدان موقفهما التاريخي من طوكيو، إذ تعرضا للغزو والاحتلال الياباني
إبان الحكم الفاشي في اليابان في أربعينات القرن الماضي (احتلت اليابان
كوريا وضمتها واحتلت نصف أراضي الصين القارية) . . مثلما تصب المفردات
القاسية التي استخدمها الرئيس الصيني ضد اليابان في خطابه أمام الجمعية
الوطنية الكورية الجنوبية خلال تلك الزيارة، حيث وصف سياسات اليابان تجاه
بلاده وتجاه سيئول ب”الحرب البربرية والعدوانية” . – See more at:
http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/570d72f3-d5aa-4280-b873-fcc4a33a823c#sthash.HgXIpm5t.dpuf
اقرأ المزيد