المنشور

نشرة «الشرارة»: الحديد يلين .. مدان لا يلين

أحياناً كثيرة يكون المناضلون الكبار رجال مأساة، لأنهم رجال قضايا كبيرة يعيشون حرارة أوضاعها لحظة بلحظة ويضحون من أجلها. هذه الفرضية، وفق تجارب محلية وعالمية، تخالف الاعتقاد الذي يُصوّر لنا بعض المناضلين وكأنهم يعيشون خارج الزمن، بعيدين عن الزحام والضوضاء والصخب، أو يُصوّرونهم بمثابة ‘’برستيج’’ وجاهة؛ ينعمون بالهدوء والسكينة بحثاً عن الطرق السهلة للشهرة والزعامة، أو التهرب من المشكلات.. نعم هذه الفرضية مرفوضة في ذلك الزمان على أقل تقدير، حيث في داخل هؤلاء المناضلين آنذاك، تتجمع جرأة وشجاعة، وأيضاً سلوك وأخلاق ومواقف يَقْدمون عليها ويتحمّلون نتائجها بإيمان عميق، ولذلك فإن المناضلين الحقيقيين دائماً ما يكونون قلة بالنسبة للعامة، يخرجون في لحظة سياق تاريخي ينشد التغيير نحو الأفضل، نحو الأحسن، ونحو ما يريده الناس في غالبيتهم العظمى، وتكون أفكارهم مشروع رؤية.
وعلى عبد الله مدان (1932- 1995) واحد من هؤلاء؛ فالذين يعرفونه عن قرب، دائما ما يصفونه بالرجل البحريني الطيب رقيق الاحساس، المتواضع، يحب شرب الشاي في المقاهي ويعتبره ‘’خمرة الثوار’’ كما يفضل أكل ‘’الجاجيك’’ ـ روب وثوم وخيار، ويُعرَّف أيضاً بأنه ‘’عامل بناء بسيط’’، ولكنه صادق الفراسة، عميق في تحليلاته، قارئ نهم، مؤثر، غير متكلف في حديثه، وفق من التقت بهم ‘’الوقت’’ من معارفه ورفاقه، ومن تقاسموا معه لقمة العيش، وكسرة الخبز، ومرارة الحياة.
وحين البحث، أو القراءة عن المغامرات الأولى لعقلية هذا الرجل، السياسية والأيديولوجية والسلوكية ونشاطاته في الخمسينات، وما قبلها وبعدها، وفكرة تنقلاته من منفى إلى منفى في قطر والإمارات وسوريا إلى أن غادر الدنيا في بلجيكا، إضافة إلى تكوينه الفكري، وأساليبه الكفاحية، النضالية المختلفة بجوانبها الحياتية والإنسانية، يصادفك ‘’الواقع والميتا ــ واقع’’، لكن هذه المغامرات العقلية، تبدو كانت ناضجة، مقدرة إلى حد ما، فائقة على الملاحظة الذكية والربط إلى حد ما أيضاً، وذلك باستخلاص النتائج المنطقية والحقائق والوقائع والمشاهدة، غير أن الذين يكتبون عن مدان، أو يجتهدون في البحث عن سجل تاريخه وبدء نشأته، سواء كانوا من جسد اليسار أو من خارجه، تجدهم يصطدمون بأقواس منكسرة كثيرة في النصوص، سنرمز إليها بـ [ ] وذلك دلالة على وجود نقص في المعلومة، تماماً كما في تشوهات اللوح الفخاري التالف المخطوط عليه أسطورة تم اكتشافها حديثاً، فأحياناً تجد تشوها غير تام في السطر، وأحياناً تجد تشوهاً تاما، خصوصا إذا احتوى القوس المنكسر على نقاط عدة [.] ، وهذا يعنى أن التشويه تام في النص، وهنا تقتضي الأمانة على الباحث جلد الذات، أو أن يضع كلامه بين قوس عادي ( ) على اعتبار ذلك إضافة من الكاتب أو الباحث، لملء الفراغات الحاصلة في القوس المنكسر.
توفي علي مدان (أحد مؤسسي جبهة التحرير الوطني البحرانية الرئيسيين، وأحد مؤسسي الحركة العمالية والنقابية بالبلاد) في 27/1/1995 بمستشفى فيلوفورد في بلجيكا ودفن في 2/2/ 1995 في مدينة (Zaueutew) البلجيكية، وليس في ديلمون، التي تحضن أكبر مقبرة بالعالم، لكنها استكثرت عليه قبراً واحداً لجثة كتبت عنه نشرة ‘’الشرارة’’ في أحد أعدادها في الستينات عنواناً مثيراً: ‘’الحديد يلين .. ومدان لا يلين!!’’ ؟(2)
كان رفاق علي يلقبونه منذ الصغر بأحد أفراد عائلة والدته ‘’مدان’’، وليس بلقب أحد أفراد عائلة والده ‘’نجيناه’’، والجيم تلفظ بالمصرية ((Naginah وهم (معارفه) ربما ليس بالضرورة أن يتلقفوا هذه المعلومة أثناء حياته معهم، حيث جرت العادة عندنا في البحرين وفي سائر أنحاء العالم تسمية الابن على اسم أبيه وعائلة جد أبيه لا على جد والدته، لكن لهذه التسمية حكاية كشفتها إحدى مراسلاته مع رفيق له في قيادة

جبهة التحرير، اطلعت ‘’الوقت’’ عليها أخيراً، حيث إن الرسالة كتبت بعد أقل من عشرة أشهر من وفاته في بلجيكا.
يقول علي في رسالته ‘’ ….. والدي، كما قلت، كان يعمل ويعيش في البحرين، وكان عمره في ذلك الوقت لا يتجاوز أربعين عاماً. وتوفي هناك بنوبة قلبية. أنا في ذلك الوقت، بحسب ما روت لي والدتي، كان عمري لا يتجاوز ستة أشهر فقط، وعندما بلغت الرابعة أو الخامسة من عمري (تم تأسيس قسم التسجيل المدني في البحرين) حيث أخذتنا والدتي (أنا وأختي وأخي حسن) وسجلت اسمها وأسماءنا الأربعة في دفتر قسم التسجيل المدني بهذا اللقب (مدان)، وفي الواقع هذا اللقب اسم وشهرة والدتي..
ويضيف، في القسم الخاص (في البحرين) أنا مسجل على لقب والدي ‘’نجيناه’’ وليس على لقب والدتي (مدان).. وشهرتي الجديدة قد ساعدتني كثيراً في فترات صعبة مررت بها’’.
وفي جزئية أخرى من رسالته، يتحدث مدان بغصة حول ‘’اسمه الجديد’’، فيكتب: أحببتُ ولو باختصار أن أوضح لك .. بصراحة الآن أنا لست بحرانياً، أو إيرانياً، لأنني لا أملك ورقة ثبوتية، لا من البحرين ولا من إيران’’، مضيفاً عندما كنت أعيش في (الشام) واجهتنا ظروف مالية وشظف العيش، وكل منا سئم من بعضه البعض، وأنا كنت شخصياً أعتبر الحلقة الأضعف في الحلقات الأخرى. لم يبق أمامي سوى خيار واحد. كما تعلم راجعت (موظفين) هناك وطرقت مشكلتي لهم؛ وقلت لهم إنني بحراني أواجه مشكلة عويصة، وأرجو مساعدتي .. قالوا بـ ‘’الحرف الواحد’’، إذا كنت بحريني فطلبك مرفوض. راجعتهم مرة أخرى وقلت لهم صحيح أنني بحريني، ولكن أنحدر من أصول إيرانية. هذه المرة ‘’استمعوا إلى كلامي، ولكنهم في النهاية رفضوا طلبي’’.
وفي الرسالة ذاتها المؤرخة في 8 مارس/آذار 1994 يسخر علي مدان على طريقة ‘’الكوميديا السوداء’’ من فكرة طرحها عليه من أسماه (أبو الأفكار) لحل معضلته وهي: مراجعة (قسم رعايا الشؤون الإيرانية في دمشق) ويشير مدان في ذلك بقوله: ‘’قلت له (أبو الأفكار) لنفترض أنني راجعتهم، فماذا أقول لهم؟ فرد علي بحرف واحد: قل لهم ما تريد قوله..
ويضيف مدان: أنا اعتبرت مراجعة قسم الرعايا الإيرانيين في دمشق عيبا ولم أستطع أن أقبل بفكرته.؟ .3
عن هذه الفترات الصعبة التي يتحدث عنها على مدان في رسالته، يقول الناشط السياسي محمد علي حسين فروتن، الذي عاصر الكثيرين من اليساريين الأوائل في الخمسينات، مثل الشهيد حسن نظام، والمسيحي الأرمني أرميك منصوريان وعلي مدان وشقيقه حسن، وأحمد الذوادي، وعلي دويغر ويوسف العجاجي، ومحمد كشتي وخسرو مدارا وسلمان علي وغيرهم: بعد اعتقاله في العام (1957 أو 1958) ومكوثه في سجن ‘’جدا’’ لمدة خمس سنوات، تم نفيه إلى إيران في محاولة تسليمه إلى السافاك على متن باخرة خشبية، حيث كانت المخابرات بانتظاره، وقد نودي على اسمه: أين علي Naginah)) وليس علي مدان المتعارف عليه، وعندها صمت علي لأنه ‘’مدان’’ بحسب المتعارف عليه في البحرين، وليس ‘’نجيناه’’ كما يعرفه القسم الخاص، واستطاع بذلك الهرب من السافاك، حيث مكث في إيران في قرية ‘’جناح’’ بضعة (أسابيع أو شهور) وتم تهريبه إلى قطر في العام (1962 أو 1963) وعاش في ‘’الدوحة الجديدة’’ حتى العام 1974 …. والتواريخ كلها تقريبية [ ].


وللحديث صلة.

؟1ـ (فرانسيس بيزاني ـ ‘’الثورة الساندينية في نيكاراغوا ـ مذكرات شاهد عيان’’)
؟ 2 ـ نشرة ‘’الشرارة’’ لسان حال جبهة التحرير الوطني 1965
؟ 3- رسالة خاصة من علي إلى (ع. خ)


 

 
صحيفة الوقت
27 يناير 2008

 

 
اقرأ المزيد

توجه تيار الإسلام السياسي لحبس الصحفيين

في خضم النضالات والمطالبات والفعاليات التي تقودها مؤسسات المجتمع المدني وفي مقدمتها جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي دعما لجمعية الصحفيين البحرينية من أجل تشريع قانون متقدم للصحافة والطباعة والنشر يخلو من عقوبة السجن للصحفيين يخرج أحد قادة تيار الإسلام السياسي وهو رئيس جمعية الشورى الإسلامية بدعوة يطالب من خلالها بإصرار شديد عبر الصحافة المحلية وبين أروقة مجلس الشورى وتحت قبته بحبس الصحفيين.. ولعل ما أثار استياء المجتمع البحريني وامتعاض الصحفيين والكتاب والمثقفين هو ما جسده أيضا مجلس إدارة جمعية الشورى من الاستبداد بحيث تجاوزا طائلة العقاب الحديدي ألا وهو التشجيع المطلق والدعم الكامل لفتوى رئيس مجلس جمعيتهم.. فهكذا جمعيات إسلامية تحاول تغييب العقول بمحاربتها حرية الصحافة وتهميش الصحفيين، فإنها في واقع الأمر تحارب الكلمة المستنيرة الشريفة، وتلاحق حاملي الأقلام الحرة مثلما ترسخ مقص الرقيب في حجب المعلومات والتستر على مظاهر الفساد وتداعيات وحقائق هدر المال العام بقدر هدر حرية الفكر والرأي والقلم.. ولكن ليس ما يثير الدهشة والغرابة أن يجد المواطن دعوة جمعية الشورى الإسلامية بحبس الصحفيين أصبحت مستهلكة باجترار وتكرار يثيران الغثيان.. طالما جاءت هذه الدعوة المستهلكة امتدادا لدعوة نواب تيار الإسلام السياسي الذين دأبوا خلال طوال الفصل التشريعي الأول بفتاواهم ووصاياهم بحبس الصحفيين، حينما وقفوا خلال جلسات البرلمان في شهر إبريل وما قبله وقفة التيار المتصلب المتشدد تحت قبلة البرلمان ضد حرية الصحافة بتقييدها بأقفال صدئة، والسعي إلى حبس الصحفيين في ايداعهم وراء قضبان السجون بأجندة الخطاب الديني ومحاولة تكميم أفواههم بكسر أقلامهم واستلاب كرامتهم في انتهاك حقوقهم ومصادرة حرياتهم بفتاوى ووصايا تيار الإسلام السياسي. ولعل القول يبقى صحيحا بأن تأكيد جمعية الشورى الإسلامية بالقول «لم تؤيد تمييز الصحفي على بقية المواطنين وضرورة مساواة جميع المواطنين أمام القانون« هو ترسيخ لما أدلى به نواب تيار الإسلام السياسي «الأصالة والمنبر الإسلامي« في الفصل التشريعي الأول بتصريحاتهم بالقول «يجب أن يعامل الصحفي أسوة بباقي الناس فإذا أخطأ يطبق عليه القانون سواء بالغرامة أو الحبس«.. وللتدليل على ذلك هو سعي نواب تيار الإسلام السياسي تحت قبة البرلمان آنذاك من خلال لجنة الخدمات التي يشرفون عليها بمجلس النواب وزجهم (المادة 69) في تقرير اللجنة التي تقضي بموجبها بحبس الصحفيين.. بقدر اعتمادهم أيضا لما جاء في قانون العقوبات وانسحابه على قانون الصحافة والطباعة والنشر.. من هذا المنطلق يبقى القول صحيحا إنه ليس بمستغرب أن تتبنى جمعية الشورى الإسلامية أم الجمعيات الأخرى من تيار الإسلام السياسي دعواتها بحبس الصحفيين.. طالما تظل هذه التيارات الإسلامية المتشددة خارجة عن التاريخ تسبح في الاتجاه المعاكس لأماني وتطلعات الشعب وما ينشده من نسمات الحرية والديمقراطية بقدر ما يكشف هذا التيار الإسلامي عن دعواته العدائية الاستعدائية لمفاهيم الديمقراطية ومبدأ التعددية التي تصفها بالدخيلة على المجتمع وعلى التقاليد والأعراف غريبة على الدين الإسلامي وتعدها حراما موصومة بالنجاسة وعدم العفة والنزاهة بل تحسبها تجاوزا للشريعة والعقيدة ولعل هذا ما صرح به قادة جبهة الإنقاذ الإسلامية الجزائرية في عقد التسعينيات من القرن المنصرم (عباس مدني وعلي بلحاج) وغيرهما، بحيث طالبوا بعد فوزهم في الانتخابات بعودة المرأة إلى البيت مع مناداتهم وتصريحاتهم بأن الديمقراطية حرام ودخيلة على المجتمع الجزائري. إن من الأهمية بمكان القول إنه بقدر ما جاءت دعوة جمعية الشورى الإسلامية بحبس الصحفيين تتويجا لدعوات الجمعيات الدينية لتيار الإسلام السياسي من ضمنه النواب الإسلاميون فإن هذه الدعوات في الوقت ذاته جاءت لتدفن في مهدها بجرأة الوقفة الوطنية لجماهير الشعب البحريني بمؤسساته المدنية ورموزه الوطنية المستنيرة ومعارضته السياسية والديمقراطية والتقدمية.. وبقدر ما سعى تيار الإسلام السياسي ويسعى دائما وأبدا إلى محاربة الصحافة والصحفيين والكتاب وأصحاب الرأي والضمير فإن الصحافة التي تمثل السلطة الرابعة بجسامة مهماتها التنويرية وقدسية رسالتها التوعوية ومسئولياتها الرقابية على السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية قد انتصرت هذه الصحافة على الدعوات الإسلامية والأقلام الجريئة على حملات تيار الإسلام السياسي الترهيبية من التجييش والتكفير والتجريح والتشهير بمن اختلف معهم في الرأي والفكر والمعتقد خلال خطابهم الديني الذي حمل في أجندته «النص والحاكمية والحقيقة المطلقة« لقد انتصرت الكلمة الشجاعة كلمة النقد البناءة التي هي أساس تطوير المجتمع الديمقراطي وترسيخ عملية الإصلاحات العامة بحيث تمثلت تلك الانتصارات في تلك النضالات وتلك المطالبات من قبل مؤسسات المجتمع المستنيرة وفي مقدمتها جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي وجمعية العمل الوطني الديمقراطي «وعد« وجمعية الصحفيين البحرينية وذلك من أجل تشريع قانون للصحافة متطور ومتقدم بطابع من العصرنة والحداثة والمفاهيم الحضارية والمستنيرة.. بحيث يصون كلمة النقد البناءة ويذود عن الأقلام الحرة وإلغاء وخلو كل ما ينص على حبس الكلمة أو عقوبة السجن للصحفيين بحسب ما يكون هذا القانون المدافع الأول عن الصحافة بمهامتها ومسئولياتها الصحفية والوطنية والأدبية والشعبية وبمكانتها الكبيرة في تمثيلها السلطة الرابعة.

صحيفة اخبار الخليج

اقرأ المزيد

حكــــم القانــون

ما الذي نحتاجه في البحرين، وينتظره المواطن لحل المشكلات التي يزخر بهـا واقعنا؟
في رأيي إن تطبيق القانون، وتفعيل دولة القانون هو من أهم ما نحتاجه وننتظره، ويمكن أن نجتهد بالقول بان ذلك يمثل نقطة ارتكاز أو مفتاح تغيير حقيقي لحل الكثير من مشاكلنا، شرط أن يتم التطبيق بحسم دون إبطاء ومباشرة دون التفاف ودون تفرقة أو استثناء مهما علا بشأن ومقام من هم المعنيين بالانصياع لحكم القانون.
وأرجو أن يتسع صدر من يجد نفسه معنياً حينما نجتهد مرة أخرى ونشير إلى حقيقة رغم انه ليس هناك أكثر مرارة أحياناً من الحقيقة، بل أن بعض الحقائق تتجاوز طعم المرارة لتصبح صاعقة. الحقيقة، أننا لا نطبق القانون كما يجب وعلى الجميع، ولم يكن الالتزام بالقانون ومبدأ سيادة القانون مفعلاً على ارض الواقع، بل إننا حتى لم نخلق المناخ الذي يساعد على الالتزام بالقانون طالما أن هناك محترفين في الخروج على القانون، وهناك من يفترض أنهم المثل والقدوة للناس يلزمون أنفسهم ومن حولهم بالقانون هم أول من يخرقون القانون وحكم القانون.
لو كنا نطبق القانون لما حدثت تجاوزات واعتداءات سافرة على البحر والسواحل، ولما توافقت القوى النيابية قبل أيام على تشكيل لجنة تحقيق في مخالفات الدفان البحري. لو كنا نطبق القانون لما تكررت الخروقات والتجاوزات والانحرافات التي يرصدها ديوان الرقابة المالية في تقاريره والتي لا تزال السلطة التنفيذية تنظر وتتعامل معها على أنها مجرد ملاحظات…!!! لو كنا نطبق القانون ونحترم أحكام القضاء لفرضنا التزام  »بعض الشركات« بإعادة النقابيين المفصولين إلى أعمالهم بعد أن حسم القضاء حتى الآن الأمر لصالح ثلاثة منهم. لو كنا نطبق القانون لما احتاجت المجالس البلدية إلى الانتظار غير المسبوق لانفراج أزمة مناقصة النظافة التي دخلت عامها الثاني في واحدة من أطول المناقصات في تاريخ البحرين. لو كنا نطبق القانون لما احتاجت جمعية حقوقية، هي جمعية حقوق الإنسان لتعلن بان أهم عائق يواجهها هو علاقتها بالمسئولين والجهات الرسمية، لأنهم يريدون أن تكون الجمعية تحت الطلب ويتباهون بها في المحافل الدولية ولكنهم يصمون آذانهم عن سماعها، بل ويقاطعونها قطيعة تامة في سبيل الاستمرارية في خرق القانون. لو كنا نطبق القانون لما ظهر لنا من يصر من مسئولين ونواب على وصم أي عمل أو نشاط يحتج أو يكشف أي فساد أو تجاوز أو انحراف في المنصب والسلطة بأنه عمل مسيس، أو طائفي، أو حاقد أو استهداف شخصي فقط، ليعيقوا أي محاولة تستهدف انصياعهم للقانون. لو كنا نطبق القانون لما حصل على منصب أو وظيفة من ليس مؤهلاً لها في وجود معايير الكفاءة، ووجود من هو أفضل أو أحق منه. لو كنا نطبق القانون بحسم ومباشرة وعلى الجميع لسقطت أو تعطلت على الأقل شبكة المصالح التي تمتد وتتسع كل يوم وتمهد طريقها للزحف على كل المواقع على حساب الوطن والمواطن.
تلك عينات… مجرد عينات نوردها ومنها ومثلها الكثير، أوردناه هو من ضمن ما هو معلوم ومتداول ومنشور، هي تعبر عن أوجه خلل تتعدد اتجاهاته وتوجهاته وتتنوع. وكل عينه هي في الغالب تخبئ جراحات غائرة، ومرارات دفينة، وان كان بعضها يعبر عن شطط غير محسوب أو انزلاق غير مسئول من قبل عناصر غير مسئولة المتابعة والتعمق قي تصرفاتها وإخضاعها للمسؤولية والمحاسبة ولحكم القانون، قد تظهر لنا ما قد يفاجئنا، أو بما لم يكن في الحسبان، أو يكشف لنا مستوراً لا يخطر على بال تغلب فيه الهوى على المصلحة.
ربما لا تنقصنا القوانين، فلدينا ترسانة منها، ولكن المشكلة دائماً عدم التطبيق، أو سوء التطبيق… وغيار ثقافة احترام القانون وما نحتاجه مناخا عاما يساعد على تطبيق القانون بحسم ومباشرة دون تفرقة أو استثناء… وعناصر مسؤولة ورجال شرفاء في مواقع المسؤولية يقدمون القدوة للناس، ويلزمون أنفسهم ومن حولهم بالقانون. ولا نهاية لمثل هذا الحديث عن القانون فان تطبيقه يخدم الرؤية الاقتصادية المستقبلية المنشودة ويلبي تطور اقتصادنا ويعزز الثقة في مناخ الأعمار والاستثمار ويدعم جهود مكافحة الفساد إذا كنا جادين في ذلك، وهو أيضا مفتاح لحل الكثير من المشاكل والمعضلات وهو قبل كل شي نقطة ارتكاز للحكم على أي تغيير وتطوير في الأشخاص وأساليب ومناهج العمل والأداء. 
   
صحيفة الأيام

8 فبراير 2008

اقرأ المزيد

ما مدى حُرية التنظيم السياسي في قانون الجمعيات السياسية رقم (26 ) لسنة 2005 !!

 

المحامي / حسن علي إسماعيل
المنبر الديمقراطي التقدمي




مؤتمر الحوار الوطني – 26 يناير 2006



 
المقدمة :


يتميز قانون الجمعيات السياسية الذي شرع لتنظيم عمل الجمعيات السياسية في مملكة البحرين عن التشريعات الأخرى المتعلقة بالحريات  والمعروضة على جدول  أعمال هذا المؤتمر بأنه ينظم واحدة من أهم الخطوات الإجرائية في عملية التحول الديمقراطي ، هي التعددية الحزبية ، وبأنه  قانون  صدر عن السلطة التشريعية القائمة المكونة من المجلسين وجلالة الملك ، إذ كان في البدء اقتراحا تقدم به عدد من أعضاء مجلس النواب كبديل لاقتراح بقانون الأحزاب السياسية المقدم من الكتلة الديمقراطية والذي استبعدته تشريعية النواب لأسباب غير واقعية سبق وان أشرنا إليها بالنقد في مقال نشر في صحيفة الوسط بعنوان الأحزاب السياسية قفزة أم خطوة أولى تجدونه من ضمن مرفقات هذه الورقة * ، وكما تعلمون ان هذا الاقتراح أحيل من مجلس النواب إلى الحكومة لوضعه في صيغة مشروع  قانون ولم يـتأخر لديها كثيرا كما هو الحال في الاقتراحات الأخرى التي لا تروق لها ، فأعادته إلى  مجلس النواب فأقره في جلستين استثنائيتين ، وأحاله للشورى  الذي وافق عليه  على عجل في جلسة استثنائية واحدة   ، وصدق عليه الملك واصدره في 22 يوليو 2005، بينما التشريعات الأخرى المعروضة على المؤتمر ، مازال بعضها مشروع بقانون كالتجمعات ، وبعضها الآخر صدر  بموجب مشروع بقانون كالصحافة والطباعة والنشر عن السلطة التنفيذية دون ان يتوافر لها ركن الضرورة أو الاستعجال اللازم لإصداره بهذه الأداة شأنه شأن معظم حزمة القوانين التي صدرت بعد صدور الدستور في 14 فبراير 2002  وقبل تاريخ  انعقاد المجلس الوطني في 14 ديسمبر 2002 ، وعلى الرغم من هذا التمايز الشكلي بين هذه التشريعات إلا إنها تشترك في النص على أحكام مقيدة للحرية وجاءت على خلاف أحكام الدستور والمعايير الدولية .
 





فما هي القيود التي أشتمل عليها قانون الجمعيات السياسية
 وما مدى حرية التنظيم السياسي في ظل أحكامه ؟؟


 
أولا ً: أسم يتعارض مع المضمون:



 
     على الرغم ان تسمية الشخص الاعتباري الذي يمارس العمل السياسي ليس أمرا جوهريا ، قد نسميه جمعية سياسية أو تنظيم سياسي أو حزب سياسي ، غير انه كان يجب أن تكون تسمية القانون متناسبة مع مضمون نصوصه وأن يسمى بقانون الأحزاب  أو التنظيمات السياسية  كما جاء في الاقتراح البديل المقدم من القوى السياسية  ، ذلك أن مفردة (التنظيمات) قد وردت في نصوص القانون نفسه حين عرف الجمعية السياسية على إنها (كل جماعة منظمة ) ، وإنها ( تعمل باعتبارها تنظيمات وطنية ) ، ( وتعمل على تنظيم المواطنين وتمثيلهم  ) ، فما هو الحرج إذن فى  نسمي  القانون بقانون التنظيمات أو الأحزاب السياسية بدلا من قانون الجمعيات السياسية كما هو الحال عند معظم الدول العربية التي قننت العمل السياسي ؟؟  فهي تسمية الصحيحة لا تتجاهل ولا تتجاوز واقعا يؤكد أن  الجمعيات السياسية كانت وما تزال  تعمل  كتنظيمات سياسية ، وهي امتداد لتنظيمات سابقة ، وقد صاغ معظم هذه القوى  نظامها الأساسي الجديد على هذا الأساس  ، خذوا مثلا ما جاء في أول سطر من مقدمة النظام الأساسي لحزبنا – المنبر التقدمي – ( المنبر الديمقراطي التقدمي تنظيم سياسي حزبي )  .
      قد اتفق مع من  يراوده الآن هاجس عدم اهمية إثارة  مثل هذه المسألة الشكلية ، فسيان أن نسميه حزب أو جمعية طالما ان القانون لا يمنع الجمعيات أن  تعمل كأحزاب سياسية ، وأن الأنظمة الداخلية قد نصت بوضوح على ذلك ،  ألا إنني أردت من إثارة هذه المسالة الشكلية كمثال واضح في بيان كيف تعاملت الأغلبية في المجلس الوطني بجناحيه النواب والشورى مع قانون الجمعيات السياسية وكيف كانت تفسر روح النصوص الدستورية ، إذ يستند الرافضون من أعضاء السلطة التشريعية  لمسمى الأحزاب أو التنظيمات السياسية على الدستور وعلى وجه التحديد  مخالفة هذه التسمية  لحكم المادة (27) منه ، فيقولون بأن هذه المادة  تنص على حق تكوين الجمعيات والنقابات فقط دون ان تنص على تكوين التنظيمات والأحزاب ، وقد سايرت اللجنة التشريعية والقانونية في كل من المجلسين هذا الرأي فأبقت التسمية كما هي- قانون الجمعيات السياسية -  ، والحقيقة ان هذا الرأي يكشف عن افتقار غالبية أعضاء  المجلسين ليس إلى الفهم العميق بل الفهم البسيط  بماهية الحقوق التي اشتملت عليها الوثيقة الدستورية ، وان تواجد الخبير الدستوري في اجتماعات المجلسين يشرح للأعضاء نصوص الدستور وأحكام اللائحة الداخلية لا يحل المشكلة وبل ان وجوده هو نظام غريب قد يؤدي لرأي مخالف للدستور ويؤثر في القرارات التي يتخذها المجلس .
 
    ان الركون إلي نص المادة 27 من الدستور في رفض تسمية القانون بقانون الأحزاب السياسية ، يتعارض مع روح النص و يخالف ما هو مستقر لمعنى الحق فى تكوين الجمعيات ذلك  ان دستور مملكة البحرين حين نص فى المادة (27) على ان ( حرية تكوين الجمعيات والنقابات ، على أسس وطنية ولأهداف مشروعة وبوسائل سلمية مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التى يبنها القانون .. ) دون ان يشتمل هذا النص على مفردة الأحزاب أو التنظيم شأنه في ذلك شأن الدستور المصري مثلا  ، قد جاء منسجما تماما مع ذات الصياغة التى وردت فى المواثيق الدولية ، على ان  حرية  تكوين الأحزاب أو التنظيمات السياسية هو حق متفرع من حق تكوين الجمعيات وينبثق  من الحقوق والحريات العامة التى قررها الدستور.
 
    ان هناك منظومة هائلة من المواثيق الدولية تكفل حرية التنظيم كأحد الحريات الجوهرية وأحد حقوق الإنسان الأساسية الضرورية من اجل حركة المجتمعات الديمقراطية الحقيقية والمفعمة بالحيوية .فهي  تحمي الأحزاب السياسية عن طريق ضمان حقوق وحريات واسعة فى الرأي والتعبير والتنظيم والتجمع والمشاركة السياسية ، وهذه الحقوق والحريات سواء أخذت مجتمعه أو كل على حدة ، توفر حماية واسعة للحق في تكوين الأحزاب السياسية . وهذه  المواثيق الدولية ،  تتشابه تماما فى حمايتها لهذه الحقوق والحريات ، فجميعها تكفل حرية التنظيم مهما كان الغرض منه ، سياسيا ، أو اي غرض أخر، وان صياغة مواد معظم هذه الاتفاقيات والمواثيق الدولية  لا تشتمل على عبارة الحزب السياسي كأن تقول ( لكل شخص الحق فى تكوين الأحزاب السياسية ) بل تأتى الصياغة  هكذا : ( لكل شخص الحق فى تكوين الجمعيات ) . مثال  فالمادة  20 فقرة1 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، تنص  على انه ( لكل شخص حق فى حرية الاشتراك فى الاجتماعات و الجمعيات السلمية ، ولا يجوز إرغام أحد على الانتماء إلى جمعية ما. ) والمادة 22 فقرة 1  من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، تنص على انه ( لكل فرد الحق فى حرية تكوين الجمعيات مع آخرين ، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من اجل حماية مصالحه . 
 
 
ثانياً:  تعريف ناقص للتنظيم السياسي :
   
    وضعت القوي السياسية في الاقتراح البديل المقدم منها باسم قانون التنظيمات السياسية  تعريفا للتنظيم السياسي اشتمل على عبارة ( المشاركة في إدارة الشئون العامة ومسئوليات الحكم ) وهو حكم هام  وضروري للتعريف بالجمعية السياسية أو التنظيم السياسي وفارق جوهري للتمييز بين التنظيم السياسي والتنظيم المدني ( المنظمات الأهلية ) غير ان الأغلبية في السلطة التشريعية تجاهلته رغم ان الدستور وميثاق العمل الوطني ، والمواثيق الدولية قد نصت عليه ، فالدستور ينص بوضوح في مادته الأولى البند ( 5) إن ( للمواطنين حق المشاركة في الشئون العامة ) ، ونص  ميثاق العمل الوطني في -  شخصية البحرين التاريخية – على ان قاعدة مستقبل البحرين المشرق هو ( المشاركة الشعبية لكل فئات الشعب في مسئوليات الحكم ) ، وتنص المادة 25 بند أ  من العهد  الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية الذي وافق مجلس الوزراء علي انضمام مملكة البحرين إليه ، على حق كل مواطن دون أي وجه من وجوه لتمييز والتمتع به دون قيود في ( ان يشارك في إدارة الشئون العامة )  .
 
ثالثاً: يتجاهل حق التنظيم السياسي فى
عقد  اجتماعاته دون تدخل من السلطة :
 
      تجاهلت الأغلبية في السلطة التشريعية التي أقرت قانون الجمعيات السياسية  ما نص عليه مقترح التنظيمات السياسية في المادة ( 16 ) على حق التنظيم السياسي فى عقد الاجتماعات العامة والمؤتمرات التنظيمية دون تدخل من السلطة ، وهذا يعنى خضوع هذه الاجتماعات إلى قانون  الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات ، وهو الأمر الذي يجعل مجمل العمل التنظيمي رهنا بمزاج القائمين على السلطة ويعطيهم هامشا رحبا من العمل ضد أي جمعية عبر حرمانها من الموافقة على عقد اجتماعاتها كلما تعارضت مع توجهات الحكم .
 
      فكيف يمكن فى ظل ذلك ، ان نشرع قانون ينص على حق الجمعيات السياسية كتنظيمات فى المشاركة السياسية وبصورة علنية وبوسائل ديمقراطية مشروعة و من اجل تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي ، وتعمل على تجميع الموطنين وتمثيلهم سياسيا ، ويلزمها بالتقيد بمبدأ التعددية السياسية فى الفكر والرأي والتنظيم ، وفى الوقت ذاته يتجاهل حقها فى الاجتماعات والمؤتمرات غير المشروطة ، إذ لا يعقل ان تتدخل السلطة بمنع اجتماع سياسي تعقده الجمعية السياسية بحجة عدم حصول المنظمين على إذن مسبق ، طالما ان الاجتماع لا يمس الأمن الوطني ، أو السلامة العامة ، أو الآداب  العامة ، ولا ينال من حقوق الآخرين  وحرياتهم .
 
   ان حق التجمع السلمي هو حق أساسي يتعين ان يكفله القانون ويتمتع به الأفراد والجماعات فى مجتمع ديمقراطي ، وقد كفلته المواثيق الدولية وعلى وجه خاص المادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 
 
رابعاً : يتجاهل حق التنظيم السياسي
 في إصدار الصحف بدون ترخيص :
 
     رغم كفاح النائب السيد عبد النبي سلمان امام المجلس وتبنيه المادة (15 ) من مقترح التنظيمات التى تنص على حق التنظيم السياسي  في إصدار الصحف والمجلات والمطبوعات وغيرها دون التقيد بالحصول على ترخيص ، ورغم تأكيدنا امام تشريعية الشورى والنواب على اهمية إصدار مثل هذه الصحف والمطبوعات بلا ترخيص  ، فقد اقر القانون دون هذا الحق ودون سبب مقنع سوى  القول بأن ذلك متروك لقانون الصحافة ، وهو يعني قبول السلطة التشريعية بتقييد صحافة الجمعية السياسية بما ينص عليه المرسوم بقانون الصحافة والطباعة والنشر المعمول به من اشتراطات في إصدار الصحف ، وهو يتناقض تماما مع  طبيعة الصحافة الحزبية واختلافها عن الصحافة العادية ، ويشد عما تنص عليه  معظم قوانين دول العالم ومنها  بعض الدول العربية على حق التنظيم السياسي فى إصدار الصحف الخاصة به بدون ترخيص، منها مثلاً قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية فى اليمن ، والذي يضيف إلى هذا الحق ، حق كل حزب فى استخدام كل وسائل التعبير عن الرأي وفقا للدستور والقوانين النافذة ( م 30) ، بل ويلزم أجهزة الإعلام الرسمية بان تمكن جميع الأحزاب والتنظيمات بالسوية من استخدام هذه الأجهزة لنقل وجهات نظرها إلى المواطنين ( م 31 ) ، والمادة 15 من قانون الأحزاب المصري   التي تنص على حق الحزب السياسي في إصدار صحيفة أو اكثر للتعبير عن آرائه  وذلك دون التقيد بالحصول على الترخيص المشار إليها فى قانون الصحافة .
 
    ومما زاد الطين بله وأكد صحة هواجس القوي السياسية تجاه نوايا الحكم بتقييد نشاط الجمعيات السياسية الإعلامي هو صدور قرار وزارة الإعلام  رقم 2 لسنة 2006 بشأن نظام التراخيص بإصدار وتداول النشرات الصحفية والتي نصت عليها المواد 3، 12 ، 17 ، و90 من المرسوم بقانون رقم 47 لسنة 2002 بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر ، إذ لا يجيز هذا القرار للشخص الاعتباري ومنه بالطبع الجمعية السياسية إصدار أو تداول أية نشرة صحفية للترويج  لأغراضه في المملكة دون الحصول على إذن كتابي مسبق من إدارة المطبوعات والنشر في وزارة الإعلام .
 
خامساً: ينال من حرية التأسيس:
 
       يستفاد من أحكام المواد ( 7 ، 8 ، 9 ، 10 ، 11 ) من قانون الجمعيات السياسية وهي المواد المتعلقة بالتأسيس  ، ان الجمعية حتى تتأسس لابد لها ان تتقدم بطلب لوزير العدل ضمن إجراءات عديدة حددتها هذه المواد ، وهذه الجمعية  لا يجوز لها الإعلان عن نفسها  ولا تتمتع بالشخصية الاعتبارية وليس لها أن تمارس أي نشاط سياسي أو جراء أي تصرف باسم الجمعية قبل إعلان سعادة الوزير بالموافقة على الـتأسيس  وهذا يعنى  ان اي جمعية سياسية حتى تتأسس لابد من موافقة مسبقة على التأسيس ، ويشكل وصاية إدارية صارمة  ويتعارض مع  مبدأ حرية  التأسيس   باعتبار ان هذه الحرية هي الركن الأساسي لحرية الجمعيات والأحزاب ويشكل إحدى الضمانات الضرورية للحيلولة دون تدخل الإدارة فى تأسيس الجمعيات مما يكون من شأنه تعطيل مدى هذه الحرية والحد من فاعليتها .
     ان مبدأ الترخيص الإداري  المسبق يمثل تعارضا جوهريا مع مبدأ الحرية فى إبداء الرأي وحرية التعبير. 


  إن الجمعيات السياسية التي توافقت على مقترح التنظيمات السياسية حين وضعت نصا يقضي بعدم حاجة تأسيس التنظيم السياسي إلى أذن مسبق من الجهة الإدارية ، والاكتفاء بالإخطار ، فإنها لم تغفل على  ضرورة إخطار وزير العدل بتأسيس التنظيم وبالبيانات و الوثائق اللازمة التي يتطلبها القانون ، بل ان مقترح التنظيمات  يلزم  التنظيم ان يخطر وزير العدل  بأي قرار يصدره بتغيير رئيسه أو قيادته أو بحله أو اندماجه أو بأي تعديل في نظامه الأساسي . وفوق ذلك فأن القانون المقترح من الجمعيات يعطي الوزير الحق في ان يلجأ إلى القضاء إذا لم يتبع التنظيم إجراءات التأسيس ، وهذا يعني ان حق الجهة الإدارية فى الرقابة والإشراف على عمل التنظيمات السياسية مكفول ومضمون بموجب  مقترح التنظيمات السياسية  فلماذا أذن نقيد حرية تأسيسها باشتراط  ان يعلن الوزير عن هذا التأسيس ؟

       إننا  نعتقد عملا بمبدأ حرية التنظيم وتكوين الجمعيات سياسية أم أهلية  ،  بأن أحكام المواد سالفة الذكر ،تشكل قيدا على تأسيس الجمعيات وعلى وجودها على الأقل من تاريخ الإخطار وحتى صدور حكم القضاء ، ويتعارض مع ما تقرره المواثيق  والإعلانات ، ومنها إعلان حرية الجمعيات فى الدول العربية الصادر عن ورشة العمل المنعقدة فى عمان مايو 1999 من قبل الخبراء القانونيين ونشطاء  في مجال العمل المدني العربي .  إذ جاء فى الإعلان المذكور فيما يتعلق بالتأسيس ما يلي ( المبدأ القانوني الأساسي الذي ترتكز علية حرية الجمعيات ، هو حق التأسيس دون حاجة إلى ترخيص أو إذن مسبق ، فالجمعيات تتأسس بمجرد اتفاق إرادة مؤسسيها ويجوز الإعلان عنها بمجرد الإعلام / الإخطار المسبق ولا يمكن إخضاع التأسيس لأي تدخل مسبق من السلطة الإدارية أو من السلطة القضائية ) . **
 
     والذي نراه هوان يكون تأسيس التنظيم السياسي فى البحرين بمجرد الإخطار اي بمجرد التقاء مشيئة أو إرادة المؤسسين على النظام الداخلي دون حاجة إلى إعلان من الوزير أو ترخيص منه ، وان كل ما يتوجب على التنظيم السياسي هو إعلام وزارة العدل بذلك وفقا لأحكام مقترح قانون التنظيمات ، ومقابل هذا البيان تعطى وزارة العدل التنظيم إيصال يثبت أن الجهة الإدارية قد أخذت علما بتأسيس التنظيم ، وذلك حتى لا يعتبر من التنظيمات السرية أو غير المشروعة ، وابتداء من تاريخ إيداع الأوراق يكتسب التنظيم الشخصية الاعتبارية ، تماما مثل ما نصت عليه المادة (4) من قانون النقابات ( تتمتع المنظمات النقابية العمالية المنصوص عليها في هذا القانون بالشخصية الاعتبارية المستقلة وذلك من تاريخ إيداع أوراق تكوينها لدى الوزارة ) .
 
     إن ذلك يشكل ضمانة للحيلولة دون تدخل الجهة الرسمية فى تأسيس التنظيم مما يكون من شأنه تعطيل نشاطه .
 
     وتجدر الإشارة هنا إلى ان اللجنة التشريعية والقانونية حين كان مشروع القانون لديها  لدراسته أدخلت بعض التعديلات المحدودة على المادة 9 من القانون بجعل مدة إعلان الوزير عن التأسيس  ثلاثين يوما بدلا من ستين يوما ، واعتبار عدم الإعلان عن التأسيس خلال هذه المدة  بمثابة إقرار بالموافقة  على التأسيس بدلا من اعتباره قرارا بالرفض )  إلا ان المجلس رفض حتى هذا التعديل وأبقى على النص الأصلي  ، بل حذف كلمة ( إخطار ) واستبدلوها بكلمة ( طلب ) أينما وجدت فى النصوص  المتعلقة بالتأسيس ، و إذا كانت هناك ثمة حسنه فأن الحسنة الوحيدة التى وافقوا عليها فيما يتعلق بالتأسيس هو جعل المحكمة الكبرى المدنية المختصة فى النزاع المتعلق بالتأسيس بدلا من محكمة التمييز كما كان يقضي به النص الأصلي ( م 10 )   
 
سادساً: يتوسع ويتعسف في حالات إيقاف نشاط التنظيم وحله:
 
     لم يكتف المشرع بالنص على حق الوزير في الإعلان عن تأسيس الجمعية على نحو ما رأينا  بل أعطاه الحق في إيقاف نشاط وحل الجمعية السياسية فى حالات واسعة للغاية وان كان ذلك بحكم من القضاء ، إذ على الرغم من الحكم الهام  والإيجابي الذي  نص عليه القانون في المادة (21 )  بعدم جواز  حل أو وقف نشاط الجمعية السياسية أو( إقالة قيادة الجمعية )،  إلا وفق أحكام النظام الداخلي لها أو بحكم من المحكمة  ، إلا ان هذه الإيجابية ما تلبث ان تزول حين نعرف ان المادة 22   تجيز للوزير أن يلجأ إلى القضاء فى حالات تتصف بالعمومية والشمول لوقف نشاط الجمعية السياسية إذا :
خالفت دستور المملكة
أو هذا القانون ( قانون الجمعيات السياسية )
أو اي قانون آخر من قوانين المملكة
ويحظر على الأعضاء والإدارة والموظفين خلال مدة الوقف التى تقضي بها المحكمة ، مواصلة النشاط أو التصرف فى أموال الجمعية ، ويحظر على اي شخص ان يشترك فى نشاط الجمعية بعد نشر قرار الإيقاف فى الجريدة الرسمية .
 
       وكما تجيز المادة 23 للوزير ان يحل الجمعية إذا :
ارتكبت مخالفة جسيمة لأحكام دستور المملكة
أو هذا القانون ( قانون الجمعيات )
أو اي قانون آخر من قوانين المملكة .
وإذا لم تقم الجمعية بإيقاف نشاطها خلال الفترة التى يحددها الحكم الصادر وفقا للمادة السابقة بإزالة المخالفة.
ولا يجوز للجمعية التى صدر حكم بوقف نشاطها ممارسة اي نشاط خلال نظر طلب الحل امام هذه المحكمة .
 
       وقد كان الأجدر بالسلطة التشريعية ان لا تقر هذه الحالات لأنها تجعل كل  فعل أو تصرف أو قرار يصدر عن الجمعية يعتقد سعادة وزير العدل بأنه مخالف للدستور أو هذا القانون أو اي قانون من قوانين البحرين مدعاة أو ذريعة له لان يطلب من المحكمة  وقف نشاط الجمعية أو حلها فى حالة المخالفة الجسمية ، وان تقدير الجسامة فى الفعل وان كانت  مسألة تقديرية تخضع لتقدير القاضي،  إلا أن النص عليها بهذه العمومية والشمول دون تحديد واضح لماهية المخالفة الجسيمة يجعل من صغار الأفعال عند سعادة الوزير جساما تدفع بالجمعية إلى ساحة القضاء ويعرضها للحل .
 
     ان الوضع الطبيعي الذي يتفق مع مبدأ حرية التنظيمات السياسية ، هو ان يوضع تحديدا منضبطا للأسباب الخاصة بحل أو وقف نشاط الجمعية وفى حالات محددة صراحة وحصرا .
 
      ولعله من المفيد  ان نشير إلى ما جاء في إعلان حرية الجمعيات فى الدول العربية  بهذا الصدد  إذ نص على ( انه لا يحق للإدارة العامة حل الجمعيات ، ولا يمكن ان تخضع الجمعيات للحل إلا بقرار صادر عن هيئاتها الخاصة ، أو بحكم قضائي نهائي بات ، وبعد ان تكون قد استفادت الجمعية من حق الدفاع فى محاكمة علنية وعادلة ، وفى حالات يجب ان يحددها القانون صراحة وحصرا )  .
     وإذا كانت من ثمة حسنه قام بها مجلس النواب بهذا الصدد وبناء على توصيه من لجنته التشريعية بهذا الشأن بأن جعل المحكمة المختصة بنظر نزاع الإيقاف والحل للمحكمة الكبرى بدلا من محكمة التمييز ، وجعل عقوبة الإيقاف ثلاثة اشهر بدلا من ستة اشهر، إلا ان هذا التعديل  لا يشفع إلى السلطة التشريعية  موافقتها على حالات الإيقاف والحل . 
 
سابعاً: يقيد حرية اتصال التنظيم بالخارج  :
 
      يفرض مشروع القانون بشأن تنظيم الجمعيات السياسية  قيودا من شأنها المساس بقدرة الجمعية أو التنظيم السياسي على نسج علاقات لها مع اي جهة خارج مملكة البحرين ، ويتمثل ذلك فى نص المادة 20 الذي لا يجيز لأية جمعية سياسية الاتصال بالأحزاب والتنظيمات الأجنبية  أو التعاون والتحالف  معها إلا  في إطار القواعد التي يحددها وزير العدل .
 
    وعلى الرغم ان قرار وزير العدل رقم 4 لسنة 2005 بهذا الشأن قد أوجب في المادة الثالثة منه على التنظيم السياسي إخطار الوزير باسم وجنسية الحزب أو التنظيم السياسي الأجنبي قبل الاتصال به في مدة لا تقل عن ثلاثة أيام عمل ، اي ان هذا القرار لا  يوجب الموافقة المسبقة ، غير ان المادة الثانية منه نصت على قواعد تتسع لتفسير واسع تحد من اتصال الجمعية السياسية بالحزب الأجنبي وتعرضه في حالة الإخلال بها والإخلال بالقوانين ذات الصلة  للعقوبة المنصوص عليها في هذه القوانين وفي قانون الجمعيات السياسية ، ما هي هذه القوانين ذات الصلة ؟ لم يحددها القرار !!! ، فإذا اتصلت الجمعية السياسية مثلا حسب البند 1 من هذه القواعد المنصوص عليها في هذا القرار بحزب أو تنظيم أجنبي مناهض للمبادئ والقواعد أو الأحكام المنصوص عليها في الدستور وميثاق العمل الوطني  فان الجمعية تكون قد أخلت بهذه القاعدة وربما قواعد أخرى منصوص عليها في القوانين ذات الصلة و تعاقب فضلا عن العقوبات المنصوص عليها في قانون الجمعيات السياسية بالعقوبات المنصوص عليها في القوانين ذات الصلة ولكم أن تتصوروا كيف يمكن ان تفسر ( مناهضة المبادئ الدستورية ) !!! إذ يمكن ان يفسر اتصال جمعية سياسية بمنظمة من منظمات حقوق الإنسان التي تنتقد التعديلات الدستورية مثلا يمكن ان يفسر  على ان هذه المنظمة  تناهض أحكام ومبادئ الدستور .   
 
     والحقيقة ان تخويل وزير تابع للسلطة التنفيذية بصياغة ووضع هذه القواعد على نحو ما رأينا سينال بدون شك من حرية الجمعيات السياسية فى الاتصال بالقوى والأحزاب الصديقة لها فى خارج البحرين . علما انه من الطبيعي فى مثل وضع الحركة الوطنية البحرينية بمختلف تياراتها لها تاريخ وتراث نضالي وسياسي ان ترتبط بعلاقات مع أحزاب أو تنظيمات سياسية عربية وعالمية لاعتبارات قومية وأيديولوجية ولتبادل الخبرات ، وهي تسعى بكل تأكيد إلى ترسيخ أواصر الصلة مع هذه الأحزاب ، وتتطلع إلى نهج أممي يقوى أواصر الصداقة بين الشعوب والقوى المحبة للسلام والتقدم فى العالم ، ويكسب للبحرين سمعة حسنة ،  ان المادة 20 المشار إليها والقرار الوزاري الصادر وفقا لها تأتي متعارضة مع هذه التطلعات  .
 
     ويمكن الإشارة  هنا إلي أن تشريعية النواب وهى تدرس القانون قد أوصت في تقريرها إلى المجلس  بحذف  المادة (13) منه  والتي تنص على انه ( يحظر على الجمعيات السياسية أو اي من أعضاء مجالس أدارتها التدخل في الشئون الداخلية للدول أو القيام بأي نشاط من شأنه الإساءة إلى علاقة المملكة بهذه الدول ) وقد سببت اللجنة ذلك بوجود نص المادة (215 ) من قانون العقوبات التى تغطي ذات الجوانب التى وردت في المادة والتي قد يساء استخدامها لو أقرت ، إلا ان المجلس لم يأخذ بهذه التوصية ، واقر نص المادة المذكورة ، وهو في الحقيقة نص خطير يعرض الجمعية السياسية إلى التعجيل بموتها دون ان يتسنى لنا حتى قراءة الفاتحة عليها .
 
     وقد تم وضع حكم المادة المشار إليه من ضمن قواعد القرار الوزاري المتعلق بالاتصال بالخارج سالف الإشارة إليه.  
 
ثامناً : حرمان فئة الشباب من الانضمام للتنظيم السياسي:
 
    ان فئة الشباب الذين  يبلغون من العمر ما بين 18 إلى 20 عاما هم  اكثر فئات المجتمع نشاطا وحيوية ، وهو العمر المناسب ، للانخراط في العمل السياسي ،  فابن الثامنة عشر قادرا على اختيار أو انتخاب أعضاء المجالس البلدية والنيابية ، فلماذا نمنعه من الانخراط فى العمل السياسي ، طالما ان الوظيفة الأساسية للتنظيم السياسي هي تربية وتوعية المواطنين سياسيا ، وتدريب كوادر قادرة على قيادة العمل الوطني من خلال برامج اجتماعية واقتصادية وقيادة الجماهير لتنفيذها .حسب نص مشروع القانون ، وإذا كنا نتفق نسبيا ان ذلك يتعارض مع شرط آخر في القانون وهوان يكون متمتعا بكافة حقوقه المدنية والسياسية ، فانه كان بالإمكان التغلب على هذا التعارض بالنص على استثناء هذه الفئة من الشرط المذكور أو باقتصار هذا الشرط على المؤسس فقط . 
 
تاسعاً: المبالغة في الرقابة المالية :
 
      إذا كان هناك من إيجابية تستحق الإشادة بها في قانون الجمعيات السياسية بالمقارنة مع النص الأصلي المقترح ، فهي تتمثل في أن القانون قد خفف لدرجة كبيرة من شروط قبول الجمعية السياسية التبرعات والهبات ، إذا كان النص الأصلي يقضي مثلا بعدم قبول التبرع من الشخص الاعتباري حتى وان كان يحمل الجنسية البحرينية ، فجاء القانون ونص على قبولها من المؤسسات الوطنية العاملة في المملكة ، كما ان القانون قد اخذ بما جاء في مقترح الجمعيات السياسية بالنص في المادة 14 ( وتساهم الدولة بتقديم الدعم المادي للجمعيات السياسية وفق معايير محددة وعادلة ، وفي حدود الاعتماد المدرج في الميزانية العامة للدولة ) ، وتعكف الوزارة حاليا على وضع هذه المعايير ، ويمكنكم الاطلاع على النتائج التي توصلت إليها الحلقة الحوارية التي أقامتها الجمعية البحرينية للشفافية وNDI في 5 يناير 2006 حول آلية تمويل الجمعيات  السياسية والحملات الانتخابية في مملكة البحرين  ، من أجل الوصول إلى رؤية مشتركة يتم تقدميها لوزارة العدل .***
 
 ويمكن القول بأنه رغم الإيجابية المشارة إليها إلا ان النص في  المادة 15  من القانون على التزام  الجمعية السياسية بإبلاغ  وزير العدل بنسخة من الموازنة السنوية للجمعية خلال الربع الأول من السنة ، وبيان الموارد المالية ، ومصادر التمويل ، والوضع المالي للجمعية ، وان يتولى ديوان الرقابة المالية بصفة دورية ، أو بناء على طلب من وزير العدل ، مراجعة دفاتر ومستندات حسابات إيرادات ومصروفات الجمعية ، وغير ذلك من شئونها المالية ، وذلك للتحقق من سلامة موارد الجمعية ومشروعية اوجه صرف أموالها ، وعلى الجمعية ان تمكن الديوان من ذلك ، وعلى الديوان إعداد تقرير سنوي عن كافة الأوضاع والشئون المالية للجمعية وإخطار وزير العدل بهذه التقارير . هو تدخل مبالغ فيه من الجهة الرسمية فى المصادر المالية والشئون المالية للجمعيات السياسية ، ويجعل أمورها المالية مسيرة من قبل وزارة العدل ، وكأنها جزء من الجسم الرسمي الحكومي .
 
     وكان يكفى ان ينص القانون على ان  تقوم الجمعيات السياسية بتبليغ وأشعار الوزارة عن مصادر التمويل ، اي تكون هذه المصادر علنية وواضحة ..
 
      صحيح ان مبدأ الشفافية ، خاصة فى الجوانب المالية ، هو مطلب ملح وأساسي يتعين ان يسود عند الجمعيات السياسية، لضمان ان يكون هناك  عملا حزبيا نزيها يرتكز على المساءلة ، غير ان وضع مبدأ الشفافية موضع التنفيذ لا يتطلب تلك الرقابة الرسمية الصارمة التى نص عليها قانون الجمعيات السياسية ، بل يتطلب ان تكون مصادر التمويل علنية وواضحة للجهة الإدارية ، وان تكون تحت بصر ومساءلة  المؤتمر العام للتنظيم السياسي . 
  
 
عاشراً: رقابة وزارية صارمة  في توفيق الأوضاع : 
 
    لأن القانون قد اشتمل أحكام عديدة مقيدة لحرية التنظيم السياسي على النحو الذي أشرنا إليه ، فأنه من الطبيعي أن تأتي القرارات التي أصدرتها وزارة العدل بذات النهج المقيد للحرية ، ومن الطبيعي أيضاً ان تكون رقابة وزارة العدل على التأسيس أو توفيق الأوضاع ، أو ممارسة النشاط ، رقابة واسعة صارمة ، وقد اتضح ذلك حين تقدمت الجمعيات السياسية القائمة للوزارة بأنظمتها الأساسية بطلب توفيق أوضاعها ، إذ أصرت الوزارة  على إلزام هذه الجمعيات بالنص في النظام الأساسي على حرفية  بعض النصوص القانونية كما وردت في القانون ، وفسرت بعض النصوص القانونية على نحو يفرغ العمل السياسي والتنظيمي  للجمعيات السياسية من محتواه الذي نص عليه القانون . **** 
 
الخاتمة :
 
لقد مثل التصويت على ميثاق العمل الوطني حجر الأساس لتكريس واقع جديد سعيا نحو إقامة النظام الدستوري الديمقراطي ، وإقامة دولة القانون ، وقد لعبت القوى السياسية التي تعمل الآن في إطار قانون الجمعيات السياسية الدور البارز  والمؤثر في نسبة التصويت الكبيرة التي حصل عليها ميثاق العمل الوطني ، وعلى الرغم  من تفاوت الاجتهادات السياسية لهذه القوى السياسية في البرامج وآليات العمل ، وفي طريقة المحافظة على المكاسب التي تحققت ، وفي أسلوب إدارة الصراع مع الحكم ، إلا إنها ومعها الغالبية العظمى من شعب البحرين تتفق على رؤية محددة لطبيعة النظام السياسي وهي  كما جاءت في الميثاق  نظام ملكي وراثي دستوري وديمقراطي  ، يرسي هيكلا متوازنا يؤكد
 
الشراكة  السياسية الدستورية بين الشعب والحكومة والفصل بين السلطات الثلاث ، ويوسع دائرة المشاركة الشعبية في تحمل أعباء الحكم و الإدارة ، من خلال  انتخابات دورية ونزيهة  ،  ويكفل حرية التعبير وحرية تشكيل الأحزاب السياسية ، والتداول السلمي للسلطة ،   ويقوم على مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة وعدم التمييز في الحقوق العامة في ظل دستور يؤمن سيادة القانون واستقلال السلطة القضائية ، والالتزام  بمبادئ وأهداف  الأمم المتحدة والمواثيق والاتفاقات الدولية .
 
 ان إقامة مثل هذا النظام السياسي الديمقراطي بالمواصفات التي يتحدث عنها ميثاق العمل الوطني تتطلب إزالة ارث القوانين والتشريعات الثقيل الذي ورثناه من الحقبة السابقة ، ويتطلب أيضاً وضع تشريعات وقوانين جديدة تساعد على تطور المجتمع نحو الديمقراطية المنشودة تمكنه من خلق مؤسسات المجتمع المدني المختلفة التي تتلاءم والنظام الديمقراطي .
 
 وأن ترجمة النهج الديمقراطي  على مستوى الأحزاب السياسية  يتمثل في وجود  قانون عصري وديمقراطي  ينظم عمل التنظيمات السياسية ، ذلك ان  ممارسة النشاط السياسي العلني والإقرار بالتعددية الحزبية، تعد من السمات الرئيسية البارزة لأي تحول ديمقراطي في مكان ،  وان هذه  التعددية الحزبية لو توفر لها الإطار القانوني الصحيح في مملكة البحرين ، يتفق وأحكام الدستور، ويستجيب لمبادئ الإعلان  العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات والمواثيق الدولية المرتبطة به، لكانت من أهم الخطوات التشريعية اللازمة
 
 
لمرحلة التحول الديمقراطي، ومؤشر هام على مصداقية المسيرة الإصلاحية التي يرعاها جلالة الملك، ومصدراً ضرورياً للخلق والإبداع، خلق مجتمع يرتكز على العدالة والديمقراطية، ويسود فيه احترام مبدأ سيادة القانون. وسيجعل من الأحزاب السياسية قوة فاعلة في تنمية المجتمع البحريني، وفي المشاركة في رسم وبناء التحول الديمقراطي، وفي تطوير وتعميق المسيرة الإصلاحية التي يراعاها جلالة الملك.
 
  أن تقنين العمل السياسي ووجود الأحزاب السياسية في البحرين على هذا النحو لن يشكل أي خطورة على النظام السياسي كما يتوهم الحكم ، بل سيشكل إحدى الضرورات المعبرة عن ديمقراطية الحكم، وأحد أبرز المؤشرات على مصداقية الإصلاح فلا يمكن تصور وجود الديمقراطية دون تنظيم العمل السياسي، إذ يقول أستاذ الفقه الفرنسي (إزمن) بهذا الصدد ( لا حرية سياسية بدون أحزاب) ،  فالأحزاب السياسية فضلاً عن دورها الهام والأساسي في بناء الديمقراطية ، فهي تعد من أهم مؤسسات المجتمع المدني التي تقوم من خلال برنامجها السياسي بتحديد الأهداف وتنظيم وترتيب الأفكار والمبادئ السياسية و الاقتصادية والاجتماعية التي تسعى إلى تحقيقها ، فتعمل على مساعدة الناخبين في تكوين آرائهم السياسية. وفي إعادة صياغة وعي المواطنين باتجاه أهمية حرية الرأي وأهمية الأطر التنظيمية التي تعبر عن هذه الحرية ، وهي بذلك – أي الأحزاب السياسية – تشكل مع يقظة المعارضة النيابية حائلاً دون استبداد الحكومة في استعمال السلطة أو إساءة استعمالها ، فتسهم بالتالي في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المجتمع ، فتكافح البطالة والفقر والفساد
 
 
وتجعل من مشاركة المواطن في ممارسة حقوقه وفي الحياة السياسية، مشاركة فاعلة وواعية. وقد أكد المنبر الديمقراطي التقدمي –أكثر من مرة في إصدارته وبياناته على هذه الأهمية، ففي بيانه الصادر في 19مايو 2003، أوضح   ( بأن تضافر الجهود الوطنية مطلوب للمساهمة في بناء دولة المؤسسات والقانون القائمة على مبدأ فصل السلطات…والاعتراف بالدور الطبيعي للأحزاب وأهميتها في الحياة السياسية للمملكة وصيانة الحريات السياسية بما في ذلك حرية النشر والتعبير والصحافة).
 
ان المواثيق الدولية والفقه القانوني الخاص بها ، أكدت على أن حرية التنظيم السياسي هي إحدى الحريات الأساسية التي يجب كفالتها من أجل الحركة السلمية للمجتمع الديمقراطي ، وعلى أن هذه الحرية – حرية التنظيم وتكوين الأحزاب – لا تنفصل عن غيرها من الحقوق والحريات الأخرى ، كحرية التعبير والحق في المشاركة السياسية وفي التجمع السلمي ، وفي مخاطبة السلطات العامة ، إذ ترتبط بها ارتباطاً وثيقاً وتتداخل معها بشدة ، بحيث يكفي النص في الدستور على مثل هذه الحقوق والحريات لتكون أساساً أو مبرراً لتأسيس الحزب السياسي وفقاً للأوضاع التي يبنيها القانون ، هذا القانون ، حين يقرر مبدأ حرية لأحزاب السياسية عند تأسيسها ، وفي كافة مراحل حياتها ، وفي مختلف جوانب نشاطاتها دون قيود غير التي يقررها ، وتقتضيها الضرورة في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن الوطني أو السلامة العامة ، أو النظام العام أو لحماية حقوق الغير وحرياتهم ، فأنه – أي قانون الأحزاب – ، سيغير بالضرورة تغييراً حيوياً في مجموعة القيم السياسية والاجتماعية ، قيم العطاء والتعددية والاختلاف وقبول الرأي الآخر معاً واحترام سيادة القانون.
 
  لقد تابع المجتمع البحريني  الدور الموحد النشط الذي قامت به القوى السياسية الفاعلة  فى البحرين من اجل صدور تشريع ديمقراطي ينظم العمل السياسي في البحرين  ويضمن لهذه القوى  حرية العمل طبقا لأحكام  الدستور والمواثيق والاتفاقات الدولية ، فعقدت الندوات ، وروش العمل ، كتبت فى الصحافة ، ناشد بعضها الملك ، والتقى بعضها الأخر الكتل النيابية والمجلسين برؤية موحدة لتنظيم العمل السياسي  أطلق عليها الاقتراح البديل  ، وقد كان هذا الاقتراح  تحت بصر المجلسين النواب والشورى ، وكان  يمكن ان يكون لهذا  النشاط الموحد للقوى السياسية تأثير أكبر لو رافقه معارضة برلمانية يقظة تدرك اهمية ان يكون في البحرين حرية حزبية حقيقية لا حرية مكبلة . إلا ان القانون قد  صدر  بقيود نالت من جوهر الحق والحرية ، لا نجد لها من أساس سوى هاجس الخوف – خوف الحكم ونوابه من الحرية – حرية التنظيمات السياسة – ونعنى  بها الحرية المسؤولة ، التي تأتي في إطار الواجبات التي نص عليها الدستور . ، فالقانون – قانون الجمعيات السياسية -  كما رأينا  يكرس تسمية خاطئة للعمل السياسي و ينتقص من مبدأ حرية تأسيس التنظيم السياسي ويتجاهل حقه في إصدار الصحف  والمطبوعات بدون ترخيص ، وحقه في عقد اجتماعاته ومؤتمراته دون تدخل من السلطة، ويتعسف ويتوسع في حالات وقف نشاط التنظيم وحله ، ويبالغ في الرقابة على مصادره المالية وأوجه صرفها  ، انه باختصار يتعارض مع الحريات التي نص عليها الدستور ، وهو بهذا الوصف يعد قاصرا عن وضعه ضمن العناصر الإجرائية اللازمة لعملية التحول الديمقراطي ما لم تعدل أحكامه المقيدة لحرية التنظيم .  وما لم  يتخلى الحكم عن تعنته وتعسفه ضد المبادرات التى تقوم بها الجمعيات السياسية ، ويتخلى الحكم أيضا عن سعيه لتحجيم منظمات المجتمع المدني .
 
وإذا كنا نطالب الحكم بالتخلي عن التعنت والتعسف ضد المبادرات التي تقوم بها الجمعيات السياسية وان يشجع المشاركة الشعبية ويدرك اهمية هذه المشاركة في صنع السياسات والقرارات ، وأن لا يقف حجر عثرة امام سن التشريعات والقوانين المتعلقة بالحريات وان يتخلى عن الوصاية الصارمة تجاه العمل السياسي والعمل الأهلي ، فانه في المقابل يتعين على المعارضة حتى تكون مؤثرة في تجاه ما هو مطلوب من الحكم ، ان تدرك فن إدارة الصراع مع الحكم وان تتعاطى مع الأحداث والقضايا الوطنية برؤية واقعية  ، ويتم ذلك بتعزيز ثقافة المشاركة ، واحترام الحقوق الفردية وقبول الآخر ، وان تكون المعارضة على استعداد للوصول لحلول وسط ، وقادرة على حل الصراعات بطريقة سلمية ، فان ذلك نحسبه شرطا لازما من شروط أخرى لازمة لأي تحول ديمقراطي ، ولأي نظام دستوري ديمقراطي حقيقي يوفر مستلزمات بناء وطن حر وشعب سعيد  ، وان وذلك بالطبع يتطلب من المقاطعة أن تعيد النظر في معالجتها للمسألة الدستورية،  وان تتعاطى مع دستور 2002 ، ومع  كافة المؤسسات التي ترتبت عليه بما فيها المؤسسة التشريعية القائمة ، ومع حزمة  المراسيم بقوانين ، والقوانين التي صدرت قبل وبعد تاريخ انعقاد المجلس الوطني ، بما فيها قانون الجمعيات السياسية ، تعاطيا يسهم في إلغاءها  أو تعديلها ، تعاطيا لا يؤدي كما يقول المناضل والشخصية الوطنية  المرموقة أحمد الذوادي  إلى ( اعتباره واقع ساكن لا مفر منه بل واقع متحرك يخلق واقعا افضل منه .) ونحسب ان هذه الرؤية في التعاطي مع الأحداث  هي  التي ستمهد الطريق لتوافق وطني يوحد المعارضة ليس فقط في سبيل تعديلات دستورية تحقق الفصل بين السلطات الثلاث بل سيوحدها في سبيل تشريعات تضمن الحق والحرية ، وفي سبيل عدالة اجتماعية تضمن المساواة وعدم التمييز ، ونحسب أيضا بأن هذا التوافق الوطني بين فصائل المعارضة هو الذي سيخلق أرضية قوية للحوار مع الحكم .*****
 
المصادر:
 
إعلان حرية الجمعيات فى الدول العربية الصادر عن الخبراء القانونيين والنشطاء فى مجال العمل المدني العربي المجتمعين فى ورشة العمل المنعقدة فى عمان فى مايو 1999 .
 
 تنظيم الجمعيات فى لبنان : بين الحرية والقانون والممارسة ، للمحامي غسان مخيبر .( دراسة ) . 
  
دراسة الأحزاب السياسية الصادرة عن مركز هشام مبارك للقانون . 
  
   
واقع حرية الجمعيات وتنظيمها القانوني فى فلسطين للباحث شقيرات خضر .( دراسة )
 
دروس فى القانون الدستوري ( ميكانيكية العلاقة بين السلطات فى النظام السياسي الكويتي) ، للدكتور عثمان عبد الملك الصالح .
 
الأطر القانونية والأنظمة الداخلية المتعلقة بنشاط الجمعيات الأهلية فى الأردن للمحامية أسمى خضر ( دراسة ) .
 
الإطار القانوني للهيئات الأهلية – حالة مصر – دراسة للمحامى أمير سالم .
 
 مداولات ورشة العمل حول أزمة العمل الأهلي فى مصر المنعقدة فى أكتوبر 2000 .
 
مجموعة من قوانين الدول العربية المتعلقة بالجمعيات والأحزاب السياسية ، والمواثيق والاتفاقات الدولية .
 
هوامش :
 
* انظر مقالنا ( الأحزاب السياسية العلنية : قفزة أم خطوة أولى ) المنشور في صحيفة الوسط العدد 746 الثلثاء 21 سبتمبر 2004 .
 
** انظر مقال الأستاذ عبد الرحمن النعيمي  ( ما هي المعايير الدولية المعتمدة في قانون الجمعيات السياسية وغيرها ) المنشور 
 
في صحيفة أخبار الخليج  العدد 9675 السبت 18 سبتمبر 2004 .
 
*** انظر أعمال ونتائج الحلقة الحوارية التي أقامتها الجمعية البحرينية للشفافية  وNDI في 5 يناير 2006 حول ( آلية تمويل الجمعيات السياسية والحملات الانتخابية في مملكة البحرين ).
 
**** أنظر مذكرات وزارة العدل بشأن  ملاحظاتها على الأنظمة الأساسية لمعظم الجمعيات السياسية التي تقدمت بطلب توفيق أوضاعها .
 
***** أنظر مقالنا المنشور على موقع المنبر الديمقراطي التقدمي الإلكتروني

www. altaqadomi.com  ( المسألة الدستورية بين الإشكالية والحل ) .
 

اقرأ المزيد

من أجل حرية الصحافة في البحرين

لا نستطيع الحديث عن حرية الصحافة في بلادنا ، الصحافة كسلطة رابعة في المجتمع تقوم بدورها الحقيقي في كشف بؤر الفساد والسرقات ، وانتهاكات حقوق الإنسان بدون وجود ديمقراطية حقيقية وليس ديمقراطية شكلية، على طريقة قولوا ما تريدون، وسنفعل ما نريد، أي بمعنى آخر نفسح لكم المجال في حدود معينة، لا تستطيعون تجاوز تلك الحدود أو بالأحرى الخطوط الحمراء، فلا غرابة عندما نقول بأن معظم الكتاب في بلادنا في داخلهم رقيب لا يستطيعون تجاوزه، فهم يعرفون اللعبة جيداً،   ولا يستطيعوا التهديف في المرمى من كل الزوايا، فلا يكفي الرقيب الداخلي في نفوس كتاب الرأي بل هناك الرقيب الذي يشهر مقصه ليحذف ويقص الكلمات التي لا تروق للمسئولين في بلادنا، أنهم يخشون قول كلمة الحق ، أنهم يخشون النقد، النقد الهادف البناء الذي يشير إلى مواطن الخطأ ويحذر من الانزلاق إلى الهاوية ويكشف عن بؤر الفساد والمفسدين، النقد الذي يهدف إلى الإصلاح والتغيير. ماذا نريد من الإعلام والصحافة في بلادنا؟ نريد صحافة حرة، بعيدة عن إملااءات ووصايا النظام  السياسي، صحافة تعبر عن الناس، وعن قضايا المجتمع، صحافة تقف بشجاعة ضد الطائفية والفرقة، وترسخ وتكرس الوحدة الوطنية في المجتمع، صحافة الرأي والتعبير، وليست صحافة الطائفة والنزعة الشوفينية أو السلطوية، صحافة تنشر الوعي الوطني والاجتماعي بعيداً عن التعصب والتشدد، بكلمات صحافة ديمقراطية تؤمن بالرأي والرأي الآخر. 
وعلى الصعيد الإعلامي:
أود أن أذكر ما جاء في البرنامج العام لحزبنا المنبر الديمقراطي التقدمي:
صوغ سياسية إعلامية جديدة ترمي إلى تعزيز الثقافة الوطنية وتمكين القوى السياسية والاجتماعية من الاستفادة من الأجهزة الإعلامية المختلفة في طرح آرائها ومواقفها بما يعكس التعددية السياسية والاجتماعية في البلاد.
ضرورة العمل لمنع احتكار التلفزيون والقناة الفضائية البحرينية للنشاط الرسمي فقط، وإعطاء تيارات المجتمع المختلفة والمبدعين والمثقفين حقوق المشاركة في مختلف أنواع البرامج والمساهمات الفكرية والسياسية.
العمل من أجل حرية البث الإذاعي والتلفزيوني وإنشاء قنوات فضائية مستقلة.
العمل من أجل حرية الصحافة بإلغاء قوانين النشر التي تتيح للحكومة التدخل في تعيين رؤساء التحرير وفي تقييد النشر والعمل من أجل إطلاق حرية إصدار المطبوعات المختلفة، وحق التنظيمات السياسية في أن يكون لها صحافة ناطقة باسمها. 
أخيراً:
متى يصدر قانون للصحافة والمطبوعات، قانون عصري، قانون لا يحتوي في مواده على تقييد حرية الرأي والتعبير، أو حبس الصحفي على ما يُكتب، قانون بدون مواد الترهيب والترغيب ضد الصحفيين والكتاب في بلادنا. وهو المطلب الذي تلتقي حوله كل القوى السياسية والجسم الإعلامي في البحرين، الذي يرفض القانون المعمول به حالياً والذي يقيد فعلياً الحريات الإعلامية، ويفرض على الصحافيين عقوبات تصل حد الحبس بسبب مواقفهم وآرائهم. 
 
خاص بالتقدمي

اقرأ المزيد

سرقة آنية أم وطن؟‮!‬

 


إن سرقة أثر حضاري‮ ‬يعادل في‮ ‬قيمته سرقة وطن،‮ ‬وكل أثر في‮ ‬هذا الوطن له علاقة مباشرة بتاريخ هذا الوطن ومواطنيه،‮ ‬وعليه‮ ‬يعتبر المواطن بالضرورة شريكاً‮ ‬في‮ ‬استعادة هذا الأثر المسروق،‮ ‬لأن هذا الأثر‮ ‘‬لا‮ ‬يعني‮ ‬جهة بعينها أو مؤسسة بذاتها أو شخص محدد‮’‬،‮ ‬ومن هذا المنطلق‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يكون المواطن رقيباً‮ ‬صارماً‮ ‬على من‮ ‬يعبث بآثاره وتراثه وتاريخه ووطنه،‮ ‬لا متفرجاً‮ ‬سلبياً‮ ‬بليداً‮ ‬على مسرحية هو أحد شخوصها الأساسيين،‮ ‬ولعل هذه المسؤولية هي‮ ‬ما دعت مواطني‮ ‬إيطاليا،‮ ‬قبل حكومتهم،‮ ‬للمطالبة باسترجاع آثار روما النفيسة المسروقة وتشديد الرقابة على الأماكن الأثرية وعلى من‮ ‬يعمل فيها ويرتادها،‮ ‬وبذلك تمكنت الحكومة الإيطالية بإلحاح من مواطنيها وحرص مسؤول من استرجاع الكثير من القطع الأثرية النفيسة وعرضها في‮ ‬متحف روما الأثري،‮ ‬بجانب توقيعها الاتفاقيات المشروطة مع سلطات بعض الدول لحماية آثارها المستعارة من التلف أو التعرض لخدوش أو تزييف،‮ ‬وكذا الحال بالنسبة لليونان وفرنسا وغيرها من الدول التي‮ ‬يقدر مواطنوها قيمة هذه الآثار قبل حكوماتهم،‮ ‬ويشعلون لهيب الجدل فيما إذا تجاوزت رغباتهم أو حرصهم الغيور على هذه الآثار،‮ ‬ولنا في‮ ‬ذلك أسوة بفرنسا حين اعتزمت نقل بعض الآثار من متحف اللوفر إلى أبوظبي،‮ ‬وكيف هاج وماج مواطنو فرنسا وخبراء الآثار والنقابات المعنية بهذا الشأن وطالبوا وبقوة نحو عدم اتخاذ هذه الخطوة،‮ ‬خشية على آثارهم والآثار الإنسانية النادرة التي‮ ‬احتواها حضن اللوفر لأعوام طويلة من السرقة أو التلف،‮ ‬ولم‮ ‬يتم إقناعهم إلا بعد جدل طويل وإن ظل هذا الجدل لدى بعضهم قائماً‮ ‬وساري‮ ‬المفعول‮..‬
لذا‮ ‬ينبغي‮ ‬أن نثمن القرارالذي‮ ‬اتخذه وزير الإعلام جهاد بن حسن بو كمال في‮ ‬تشكيل لجنة للتحقيق في‮ ‬قضية سرقة الآنية الدلمونية،‮ ‬والذي‮ ‬أعتقد أنه القرار الأول في‮ ‬هذا الشأن الذي‮  ‬يقدم عليه وزير للإعلام ممن تعاقبوا على هذه الوزارة،‮ ‬وأهمية القرار تكمن في‮ ‬استعجاله واستعجال البت فيه،حتى‮ (‬لا تضيع الطاسة بين كاني‮ ‬وماني‮) ‬كما ضاعت قبلها‮ (‬طاسات‮) ‬وجواهر ومقتنيات نفيسة لم‮ ‬يصدر بشأنها قرار ولم‮ ‬يعرف بعد ما مصيرها،‮ ‬ولا من هو السارق أو المهرب،‮ ‬ومن هذا المنطلق المسؤول والحريص من قبل وزير الإعلام نطمح في‮ ‬توسعة مهام هذه اللجنة لتشمل آثار أو مقتنيات قبلها طالها النهب أو الضياع أو الغموض،‮ ‬خاصة وأن هذه الآثار والمقتنيات لم‮ ‬يصدر بشأنها جرد واضح ودقيق،‮ ‬كما أن هذه الآثار والمقتنيات تولى مهمة حمايتها أكثر من مسؤول،‮ ‬كما نطمح أن تعضد هذه اللجنة بخبراء آثار لديهم التجربة والخبرة العميقتين والكافيتين لمعاينة الآثار ورصد تواريخ التنقيب عنها وتحديد عمرها الزمني،‮ ‬فلعل مثل هذه المعاينة البحثية الدقيقة للآثار الدلمونية تقودنا إلى خيوط أخرى للسرقة وربما تقودنا إلى سرقات أخرى‮ ‬غير هذه الآنية،‮ ‬خاصة وأن بعض المواقع الأثرية حسب العاملين فيها تخلو من الحراسة والحماية،‮ ‬بمعنى ما،‮ ‬أن آثارنا الدلمونية وتراثنا الوطني‮ ‬العريق عرضة للنهب بسهولة تامة،‮ ‬ولولا التبليغ‮ ‬عن سرقة هذه الآنية الدلمونية لربما خلى متحف القلعة من كل آثاره بسبب‮ (‬عدم وجود حراسة‮). ‬
المسألة في‮ ‬رأيي‮ ‬لا تقف عند تشكيل لجنة تحقيق فحسب،‮ ‬وإنما‮ ‬ينبغي‮ ‬أن تسهم بعض الجهات الحكومية ذات الشأن في‮ ‬تعضيد مهمة هذه اللجنة،‮ ‬خاصة أمن المطار ونقاط الحدود،‮ ‬إذ أنه ليس بمستبعد أن تمر هذه الآثار مرور الكرام من هذه المنافذ،‮ ‬ومهربي‮ ‬الآثار وشبكاتهم في‮ ‬العالم كثر،‮ ‬وكم مرة تم ضبط مهربي‮ ‬آثار في‮ ‬منافذ بغداد الجوية والبرية وكذلك إيطاليا وغيرها من الدول ذات التراث الغني‮ ‬والنادر،‮ ‬وأعتقد أن‮ (‬بركة‮) ‬هذه الآنية المسروقة أنها نبهتنا لحضارة معرضة آثارها للسرقة،‮ ‬و‮ (‬الأبرك‮) ‬أن تعود هذه الآنية المسروقة إلى موقعها الأصلي،‮ ‬فهل‮ ‬يتحقق ذلك؟‮ ‬
أعتقد أن المشكلة التي‮ ‬ستواجه لجنة التحقيق ليست في‮ ‬كيفية سرقة هذه الآنية أو إهمال المواقع الأثرية،‮ ‬إنما في‮ ‬كيفية التعرف على من سرق الآنية ولماذا وهل‮ ‬يمكن استعادتها أم لا؟‮ ‬
يبقى من المهم جدا أن نستمع لرأي‮ ‬الطرف المسؤول عن هذه الآثار،‮ ‬وعن سرقة هذه الآنية،‮ ‬وعن توجيه العاملين اللوم والإدانة إليه،‮ ‬فحتى الآن لم نستمع إلا لطرف واحد،‮ ‬أما الآخر والذي‮ ‬أسهم بلا شك في‮ ‬تسجيل مواقعنا الأثرية ضمن التراث العالمي‮ ‬في‮ ‬قائمة اليونسكو،‮ ‬لم نستمع منه إلى رأي،‮ ‬هل هو متورط فعلا في‮ ‬القضية أم لا أم هي‮ ‬قضية مفبركة ضد‮ .. ‬بات من المهم أن تنشر بعض صحفنا رأيه في‮ ‬مثل هذه القضية وبأمانة مثلما نشرت كلام من وجه اللوم إليه وحمله المسؤولية‮.. ‬وكما قلنا في‮ ‬استهلالية الموضوع،‮ ‬المسألة تتجاوز حدود الأثر إلى الوطن،‮ ‬فهل نفسح المجال أكثر ليتسنى لنا معرفة من له مصلحة في‮ ‬سرقة الوطن؟‮!.‬ 

صحيفة الوطن    6 فبراير 2008

اقرأ المزيد

فرصة أمام الدولة

استكمالا لحديث الأمس،‮ ‬نقول إن المؤتمر المنتظر الذي‮ ‬تنظمه الجمعيات السياسية مجتمعة في‮ ‬مارس القادم الذي‮ ‬تحدثنا عنه منذ‮ ‬يومين في‮ ‬هذه الزاوية،‮ ‬يمكن أن‮ ‬يشكل مناسبة تُظهر من خلالها السلطة التنفيذية،‮ ‬والدولة مجتمعة،‮ ‬حرصها على أن تكون حاضرة في‮ ‬نقاش‮ ‬يعنيها بمقدار ما‮ ‬يعني‮ ‬المجتمع‮.‬ محور هذا النقاش،‮ ‬كما سبقت الإشارة،‮ ‬هو المسألة الطائفية التي‮ ‬تهدد النسيج الوطني‮ ‬للمجتمع،‮ ‬إذا ما استمر اللعب السياسي‮ ‬بورقتها،‮ ‬وهذا التهديد سيطال كل من هم على ظهر المركب الذي‮ ‬هو هذا الوطن الذي‮ ‬يضمنا جميعاً،‮ ‬وعلينا صون وحدة أبنائه،‮ ‬إذا ما أردنا له أن‮ ‬يبحر بسلام إلى مراده‮.‬ وحتى بمعزلٍ‮ ‬عن الموضوع مثار النقاش ذاته،‮ ‬فان تجمعا بهذا الحجم‮ ‬يلتقي‮ ‬خلاله ممثلون عن‮  ‬كل القوى السياسية في‮ ‬المجتمع هو فرصة للقاء وتبادل الرأي،‮ ‬لا‮ ‬يصح أن تكون الدولة‮ ‬غائبة عنه،‮ ‬وهي‮ ‬المعنية بأن تكون جسورها مفتوحة مع المجتمع،‮ ‬ممثلاً،‮ ‬في‮ ‬هذه الحال،‮ ‬في‮ ‬القوى السياسية المختلفة‮.‬ لا نريد الترويج لأوهام في‮ ‬هذا السياق،‮ ‬فالمؤتمر موضوع الحديث ليس له صفة إلزامية،‮ ‬وهو اقرب إلى طرح القضايا والتباحث حولها،‮ ‬ومحاولة الوصول إلى مشتركات عامة حولها،‮ ‬ولكن وجود ممثلين عن الحكومة فيه سيقدم إشارات ايجابية عن أنها لا تتغافل عن  قوى تمثل جسماً‮ ‬رئيسياً‮ ‬في‮ ‬المجتمع،‮ ‬ولا تغفل عن قضايا‮ ‬ينشغل بها المجتمع بصورة جدية،‮ ‬وعليها أن تكون كذلك مصدر انشغال للدولة بمقدار لا‮ ‬يقل‮.‬
موضوع الطائفية،‮ ‬إذا ما نوقش بصورة جدية،‮ ‬سيتفرع عن منظومة من المفردات التي‮ ‬تعني‮ ‬أجهزة حكومية عديدة،‮ ‬فكيف نكرس مفهوم المواطنة الحقيقية إذا ما اعترت سياسات التعيين والتوظيف معايير لا تعتمد الكفاءة وحدها،‮ ‬وإنما الانتماءات والرغبة في‮ ‬الحفاظ على توازنات معينة‮.‬ وكيف‮ ‬يمكن لنا أن نؤسس لروح ومفهوم المواطنة المتكافئة في‮ ‬الحقوق والواجبات في‮ ‬أذهان الناشئة،‮ ‬إذا لم توجه المناهج التربوية منذ المراحل الدراسية الأولى نحو ذلك،‮ ‬بإظهار التاريخ الوطني‮ ‬المشترك للبحرينيين جميعا،‮ ‬وإبراز رموز هذا التاريخ بصرف النظر عن الموقع الذي‮ ‬كانوا فيه،‮ ‬أو الموقف الذي‮ ‬اتخذوه،‮ ‬أو الطائفة التي‮ ‬منها انحدروا،‮ ‬فالأساس هو تقديم التاريخ،‮ ‬بانورامياً،‮ ‬بكل ما فيه من معطيات وأحداث،‮ ‬بروح التصالح مع هذا التاريخ،‮ ‬بوصفه تاريخنا المشترك وذاكرتنا الجمعية،‮ ‬التي‮ ‬لا تكتسب هذه الصفة إذا جرى التعاطي‮ ‬معها بروح التجزئة والتشظي‮.

 
‬ يمكن الذهاب أكثر في‮ ‬سوق الأمثلة،‮ ‬لنبلغ‮ ‬تلك الجوانب المتصلة بموضوع الإصلاح السياسي‮ ‬والدستوري،‮ ‬الذي‮ ‬يحتاج إلى نظرة جسورة،‮ ‬حرة من جوانب الريبة والشك وعدم الثقة بين مكونات المجتمع،‮ ‬وفي‮ ‬العلاقة بين الدولة من جهة وبعض أو كل تلك المكونات‮.‬ ستكون الدولة في‮ ‬غنى عن العديد من اجراءتها المبنية على نظرتها الحذرة،‮ ‬لو أنها قامت بتدابير جذرية في‮ ‬النهوض بمستوى الخدمات والحقوق الاجتماعية،‮ ‬وعلى مقدار من التكافؤ،‮ ‬للمواطنين جميعا،‮ ‬بخاصة في‮ ‬المناطق التي‮ ‬تشكو أكثر من سواها من الإهمال والتجاهل‮.

 
    صحيفة الأيام  6 فبراير 2008

اقرأ المزيد

الدولة مدعوة

حضرت الدولة جلسات الحوار التي دعا إليها نادي مدريد، وفي الجولة الأخيرة من هذا الحوار شارك اثنان، على الأقل، من كبار المسئولين في هذا الحوار هما وزير العدل والمستشار الثقافي لسمو رئيس الوزراء، فاستمعا لما قاله قادة الجمعيات السياسية وبعض النواب والشخصيات الوطنية المستقلة، ثم أنهما طرحا وجهة النظر الرسمية إزاء ما هو مثار من موضوعات. في كلمات أخرى، أظهرت الدولة أنها مستعدة للجلوس على طاولة واحدة مع ممثلي المجتمع المدني، وللإصغاء لما يقولونه، والدخول في سجال مع أطروحاتهم. ولكن ثمة سؤال يثار هنا : هل الدولة فعلت ذلك فقط لأن هناك جهة أخرى ثالثة، دولية الطابع ممثلة في نادي مدريد، هي من دعا لهذا الحوار ونسقه واشرف عليه؟! ونذهب بهذا السؤال أبعد قليلا ونقول: هل الدولة مستعدة للبحث في آلية أخرى أكثر انتظاما وديمومة، دون الحاجة إلى إشراف جهة ثالثة بالضرورة، للحوار بينها وبين ممثلي المجتمع المدني وفي مقدمتها الجمعيات السياسية حول تلك القضايا التي نعدها قضايا مفصلية في مسألة البناء الديمقراطي في البحرين، كالتشريعات المتصلة بالجمعيات السياسية وبحرية الصحافة والتعبير وبالنظام الانتخابي وبالصلاحيات التشريعية لمجلس النواب وما إلى ذلك من قضايا؟ القول بأن مجلس النواب هو شكل من أشكال الشراكة بين الدولة والمجتمع قول ينطوي على وجاهة، لأننا لا نقلل، في حال من الأحوال، من أهمية وثقل الاتجاهات الممثلة في هذا المجلس، بصرف النظر عن درجة اتفاقنا أو اختلافنا معها، فهي في نهاية المطاف تعبر عن قطاعات مجتمعية موجودة فعليا على الأرض لا يصح تجاهلها. لكن مجلس النواب بتركيبته الحالية لا يمثل الخريطة الاجتماعية – السياسية في البلد كاملة، ولا يغطي كل المجتمع في تعبيراته المختلفة، ولذلك أسباب عدة بينها النظام الانتخابي المعمول به، والذي إن لم يعد النظر فيه فإنه سيستمر في إنتاج مجالس نيابية قادمة على ذات الصورة في المدى المنظور. المجتمع البحريني أكثر حيوية وديناميكية وفاعلية وتنوعا بما لا يقاس بمجلس النواب القائم، الذي لا يكاد يعكس أكثر من وجه من وجوه المجتمع، إذا ما صرفنا النظر عن التضاريس المذهبية والطائفية في هذا الوجه، وهي تضاريس لا تلغي الجوهر الاجتماعي- الفكري المتشابه لأعضاء هذا المجلس، الذي يمكن أن يفرغ،مُجتمعاً، في وجه بقية ضروب الأفكار وأنماط المعيشة الأخرى في المجتمع. لا يمكن التصرف على أساس إن هذا البرلمان يعكس تنوع المجتمع البحريني وتعدديته، وتجاهل ما يضج به المجتمع من تعبيرات وأفكار وتوجهات أخرى، لعلها أكثر صدقا في تجسيد المزاج العام للمجتمع البحريني، إذا ما نظرنا إليه برؤية بانورامية، ولم نكتف فقط بالانسياق للحسابات السياسية الراهنة التي تحكم سلوك أجهزة حكومية عدة، كما تجلى ذلك بوضوح في الانتخابات النيابية والبلدية الأخيرة في أجلى الصور. الدولة مطالبة بأن تصغي للمجتمع كاملا، وتتحاور مع مكوناته المختلفة جميعها.
 
صحيفة الأيام

5 فبراير2008

اقرأ المزيد

التمييز الوظيفي والطائفية


لا اعرف مبررا مقنعا يستدعي وقوف نواب الشعب ضد تشكيل لجنة تحقيق برلمانية حول التمييز الوظيفي كما لا افهم كيف يمكن لهذه اللجنة أن تساهم في إشعال الفتنة الطائفية رغم اعتراف الجميع بمن فيهم النواب المعارضون لتشكيلها بوجود “أنواع لا تعدّ من التمييز الطائفي والعرقي والقبلي وغيرها” كما صرح احد النواب.
إن الاعتراف بوجود الخطأ يستدعي العمل على إزالته وليس الدفاع عن مبرراته, ولذلك يجب أن تكون لدى الجميع وخصوصا نواب الشعب الشجاعة الكافية للوقوف بشكل جدي ضد التمييز بين أبناء الشعب الواحد, بعيدا عن الحسابات الطائفية والسياسية وتقاذف التهم.
وبعيدا عن من تقدم باقتراح تشكيل اللجنة أو دوافعه “الكيدية” فان بقاء الوضع على ما هو عليه منذ عقود عدة هو ما يساهم فعليا في تكريس مفهوم الطائفية في المجتمع البحريني و يزيد من وطئته فلم يعد مقبولا أن يستثنى أبناء إحدى الطائفتين من العمل في العديد من المؤسسات الرسمية وجعلها حكرا على طائفة بعينها .
في إحدى المرات اخبرني احد الأصدقاء بان مسئولا في إحدى الهيئات شبه الحكومية طلب منه أن يبحث له عن صحفيا للعمل في إدارته ولكنه اشترط في هذا الصحفي أن يكون من إحدى الطوائف وانه لن يقبل بأي صحفي من الطائفة الأخرى مهما كانت مؤهلاته أو خبرته أو كفاءته. في حين روى لي احد المعارف من انه تقدم للعمل في إحدى الإدارات وعند تقديم أوراقه لهذه الإدارة لاحظ فرز الأوراق إلى كومتين منفصلتين وعندما سال الموظف عن ذلك اخبره بان إحدى هاتين الكومتين ستتلف في حين سينظر في طلبات الكومة الأخرى والتي تقتصر على طلبات أبناء إحدى الطوائف.
هناك العديد من الشواهد التي تؤكد على أن وزارات معينة وإدارات معينة لا يشغل وظائفها إلا طائفة معينة ويمكن ملاحظة ذلك عند إجراء أي معاملة معها إذ  يمكن ملاحظة أن جميع الموظفين هم من طائفة معينة.
صحيح “إن بعض القضايا المجتمعية لا تعالج بلجان تحقيق ولكن بثقافة مجتمعية يربى عليها الجيل” كما عبر احد النواب ولكن كيف يمكن أن يربى الجيل الحالي على ثقافة نبذ الطائفية و التسامح وقبول الآخر في حين يرى التمييز يمارس ضده في العمل وفي الكثير من مناحي الحياة؟ أوليس من المفترض أن يكون نواب الشعب هم أول من يزرع هذه الثقافة في المجتمع بدلا من إشعال نار الفتنة؟
إن جميع ما نحققه من انجازات اقتصادية وتنمية وعمران يبقى قاصرا إن بقى المجتمع منقسما على نفسه ينظر لبعضه البعض بعيون الريبة والشك و التشكيك في النوايا, كما إن التاريخ لن ينسى من يقف مدافعا عن التمييز في القرن الواحد والعشرين.
 
صحيفة الوسط

22 يناير 2008

اقرأ المزيد

شيخوخة نظرية الدولة الريعية

على الرغم من التحولات النوعية الكبرى التي شهدها العالم في المائة سنة الأخيرة على الأصعدة الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والاجتماعية والثقافية، وبرغم التطور الكبير الذي حققه علم الاقتصاد السياسي على أيدي علماء من مختلف المدارس والاتجاهات ومن مختلف بلدان العالم، لازال بعض رموز حرسنا القديم في بعض مدارس علم الاقتصاد السياسي يجترون ما كانوا استنسخوه من نظريات ومقولات ومفاهيم اقتصادية هي نتاج عصارة جهد عقلي وفكري لأعلام اقتصادية غربية فذة لم يكن ممكناً تحقيق كل هذه المنجزات الاقتصادية والاجتماعية العظيمة في عالمنا اليوم لولا إسهاماتها الكبيرة والمتميزة في إطلاق وتطوير مدارس الاقتصاد التنموي بمختلف توجهاتها. ولكأن هؤلاء العلماء الاقتصاديين عندما صاغوا وقدموا نظرياتهم ومفاهيمهم الاقتصادية، كانوا يفكرون في تأبيدها، أي جعلها صالحة لكل زمان ومكان، وليس إخضاعها بين مرحلة وأخرى للتقييم وإعادة التقييم في ظل الظروف والمستجدات الاقتصادية والاجتماعية المتلاحقة التي تحيط بكل ما حولها وتؤثر فيه قطعا بهذا الاتجاه أو ذاك. فما النظرية الاقتصادية في نهاية المطاف سوى محاولة لتفسير العلاقة المنتظمة داخل كينونة الظاهرة الواحدة موضوع البحث والتقصي، فإن تغيرت عناصرها أو طرأ تغير ما على مدى انتظام وثبات علاقة هذه العناصر بعضها ببعض، فلابد وأن تتغير النظرية أو المفاهيم التي ثبتت على أساسها.
وهكذا فإننا لو عدنا إلى مفهوم الريع، كما هو مُكْتَشَف نظري بالـغ الأهمية (ومتداول فيما بعد)، لوجدنا أنه قد ارتبط بالأرض وما تدره على مُلاَّكها من عوائد مالية لم يُبذل في اكتسابها وحيازتها أي جهد أو نشاط إنتاجي تنجم عنه قيمة استعمالية أو قيمة تبادلية، ناهيك عن أنه هو نفسه ليس له قيمة كقوة عمل مبذولة يمكن قياسها كمياً.
ولذلك فإن ظهور مفهوم الريع لابد وأن يرتبط بالتركيبة الاقتصادية الاجتماعية لنظام القنانة (الإقطاعي)، والنظام الرأسمالي الذي نهض على أنقاضه، وبمعنى آخر بالأرض واستثمارها من قبل الملاك الزارعين المستغلين لعمل الأقنان في أسلوب الإنتاج الإقطاعي، ومن قِبَل هؤلاء والمستأجرين الرأسماليين للأرض في النظام الرأسمالي.
وإنه وبسبب محدودية الأراضي الخصبة والأخرى القابلة للزراعة، فإن ذلك يوفر لملاك الأراضي الخصبة خصوصاً والأراضي الزراعية بشكل عام، فرصة احتكارية للحصول على ريع تفاضلي يفوق ذلك الذي يحصل عليه ملاك الأراضي الأسوأ من حيث الخصوبة.
ولا شك أن هذه القراءة المتعمقة لعلاقات الإنتاج في مجتمعات الاقتصاد الطبيعي ولاحقاً مجتمعات الاقتصاد القائم على الربح الرأسمالي، والتوصيف الدقيق لها، قد عُدَّ حينها كشفاً تقدمياً، وإضافة متميزة لنظريات ومفاهيم الاقتصاد السياسي العالمي.
 من دون أن ننسى لفت الانتباه في هذا المضمار إلى ما كانت تذهب إليه بهذا الصدد المدرسة الفيزيوقراطية في الاقتصاد السياسي فيما يتعلق بالاقتصاد الطبيعي وتحديداً الاقتصاد الزراعي، حيث غاير الفيزيوقراطيون، ومنهم رائدا هذه المدرسة الشهيرة في الاقتصاد السياسي في القرن الثامن عشر ‘ف . كيني’ و ‘تورغو’ النظرية المركانتيلية التي ظهرت في القرن الخامس عشر أي في المرحلة الأولى من صعود الرأسمالية عندما كان الرأسمال الصناعي لا يزال مندغماً في الرأسمال التجاري، وطبقتها الدول الأوروبية في القرن الثامن عشر. وبموجبها فان النقود (وليس الإنتاج الزراعي كما يذهب إلى ذلك الفيزيوقراطيون) هي ثروة الأمة، الأمر الذي يتوجب عدم إخراجها من البلاد وإنما العمل على زيادة إدخالها إليها. حاصل القول أن عدداً من المفكرين الاقتصاديين وبعض أقرانهم المجتهدين في بلدان العالم الثالث، قاموا في مراحل تالية، بإسقاط هذه المقولة (الريع) على عديد الأنشطة الاقتصادية التي تشترك في طبيعتها مع ظروف وطبيعة العمل في الرقعة الزراعية وعلاقات العمل والإنتاج التي تحكم أطرافها وهم ملاك الأراضي الزراعية، ومستأجريها بغرض الاستثمار، والفلاحين الأُجراء.
ويعتبر نشاط إنتاج النفط حالة مثالية لتَجَسُّد تلك المقولة، وبالتالي سهولة إسقاطها عليه. حيث ذهب التنظير الاقتصادي الآسيوي إلى أن عملية استخراج وإنتاج النفط في الدول البترولية هي نشاط لا يعدو أن يكون ريعياً، وأن اقتصاد صناعة النفط هو بالضرورة اقتصاد ريعي، اعتباراً بغياب الجهد الإنتاجي الواضح والملموس لملاك الحقول النفطيــة (وهم هنا حكومات الدول النفطية)، حيث تجود الأرض عليهم بما هو مخزون في باطنها من ذهب أسود لا يد لهم في تصنيعه.
ولكن ذلك كان في الماضي عندما كانت الصناعة النفطية في بلدان الاكتشافات النفطية الجديدة (العالم ثالثية)، ومنها بلدان الخليج والمنطقة العربية عموماً، مختزلة في نشاط الاستخراج (Extracting) فقط. فلقد تغير المشهد النفطي كثيراً وتغيرت بصورة أكبر موازين القوى بين الشركات النفطية العالمية وبين الحكومات المستقبلة لرأس المال النفطي وشركاتها النفطية الوطنية التي نشأت وسلمت زمام أمور الصناعة النفطية في بلدانها. فلم تعد الصناعة النفطية في هذه البلدان مقصورة على الاستخراج وإنما تطورت بصورة كلية مع إنشاء المصافي النفطية التي ‘تصاهرت’ وتكاملت فيما بعد مع الصناعة البتروكيماوية فكانت النتيجة إشادة مجمعات بتروكيماوية ضخمة تنتج اليوم العديد من اللدائن والخامات البلاستيكية واللقائم البتروكيماوية المختلفة التي فتحت الباب أمام قيام صناعات تحويلية (تفرعية) أفقية ذات قيمة مضافة عالية. وحتى أنشطة الاستكشاف والتنقيب البترولي لم تعد كما كانت عليه من بدائية تكنولوجية، وإنما هي تغيرت بصورة كلية، نظراً للتطور التكنولوجي الهائل الذي أصابها وأدى إلى إطالة أعمار الآبار وتعظيم وترشيد الإنتاج وجعل التنقيب البحري في المياه العميقة أمراً ممكناً ومجدياً في نفس الوقت.. الخ. فضلاً عن بروز الشركات النفطية الوطنية التي أُنشئت مطالع السبعينيات، وتحولت مع الوقت إلى لاعب أساسي في ميدان الاستكشاف والتنقيب والتكرير، ليس على المستوى الوطني وحسب، وإنما على المستوى الدولي بارتيادها أسواق نفطية خارجية في ميادين الاستكشاف والتنقيب والإنتاج وحتى التوزيع.
ولذلك فإنه لم يعد مسوغاً من الناحية العلمية الاقتصادية ومن الناحية العملية الواقعية، الاستمرار في ترديد مفاهيم اقتصادية تجاوزتها الحقائق الاقتصادية على الأرض.
 
صحيفة الوطن

5 فبراير 2008

اقرأ المزيد