المنشور

الرأسمالية تتعرى في مياه خليج المكسيك

حتى الآن ورغم العاصفة السياسية التي ما فتئت تجتاح الولايات المتحدة من جراء تلوث خليج المكسيك ببقعة الزيت المتسربة من بئر “بريتش بتروليوم” النفطي في قاع البحر، وهي العاصفة التي مازالت تتصاعد وتتسع اتساع بقعة الزيت وتفاقمها، فان دولنا الخليجية لا يبدو انها بعد في وارد الاستفادة البتة من دروس هذه الكارثة على الاصعدة السياسية والصناعية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية، فهي تتصرف تماما كالمتفرج كأنها – الكارثة – لا تعنيها من قريب أو من بعيد أو كأنها بمنجاة الى الابد من تعرضها لمثيل لها، في حين توفر دروس هذه الكارثة فرصة ذهبية لدولنا الخليجية لدراستها والاستفادة منها في تفادي وقوع كوارث مماثلة لا سمح الله في مياه خليجنا العربي عبر تشديد اجراءات الوقاية والسلامة المهنيتين في كل ابار هذه الدول النفطية البحرية.
فكأنما نحن أكثر تفوقا في اجراءات ونظم وقوانين السلامة المهنية في المنشآت الصناعية النفطية في البحر من أكبر دولة صناعية في العالم، وكأننا أكثر تفوقا من الولايات المتحدة في نظمنا الدستورية الديمقراطية والرقابية والقضائية من الولايات المتحدة لمحاسبة ومقاضاة الشركات النفطية الكبرى، واجبارها على دفع كامل التعويضات المستحقة عن أي تلوث نفطي تتسبب فيه اقتصاديا وبيئيا وعماليا، وآبارنا النفطية جميعها آمنة 100% ليست بحاجة الى فحص أو تفتيش ولن تتسبب بأي حال من الاحوال في أي نوع من التسرب أو التلوث في مياه خليجنا العذراء المقدسة.
ومما زاد حدة نقمة الناس وسخطهم على الشركة الملوثة لخليجهم حينما علموا بأنها وزعت مؤخرا على مساهميها أرباحاً تزيد على عشرة مليارات دولار في الوقت الذي تتصاعد فيه كارثة التلوث ولم تدفع حتى الآن سوى 69 مليون دولار فقط طبقا لمبدأ “من يلوث يدفع”، الامر الذي دفع الرئيس أوباما إلى التعبير باسم بسطاء الناس المتضررين عن سخطهم على لا مبالاة الشركة تجاه الكارثة المأساوية التي تأخذ بخناقهم وذلك اثناء زيارته الثالثة للويزيانا المنكوبة، اكثر من ذلك فان أوباما عاب على “بريتش بتروليوم” عدم تورعها عن شراء 50 مليون دولار مساحات اعلانية في مجموعة من القنوات الفضائية لستر فضيحتها وعورتها البيئيتين في مياه خليج المكسيك أو مكيجة وجهها المتلوث بالذهب الاسود فيه.
الآن الرأسمالية البريطانية ممثلة في “بريتش بتروليوم” تتصارع فوق المياه الملوثة في خليج المكسيك مع الرأسمالية الامريكية ونظامها السياسي حول من المتسبب الرئيسي في الكارثة ومن هو يتحمل المسئولية الاولى عما حدث في الخليج، فبعد الضغوط المتزايدة على “بريتش بتروليوم” البريطانية من قبل النظام السياسي الامريكي الرأسمالي والممثل في الوقت ذاته لمصالح الشركات النفطية الامريكية الكبرى التي لكل منها نصيب من التلوث النفطي سواء على الصعيد المحلي ام على الصعيد الدولي. فالشركة البريطانية باعتبارها المتسبب الرئيسي في كارثة التلوث وازاء الضغوط الشعبية والرسمية التي تتعرض لها في الولايات المتحدة اعلنت انها ستلاحق شريكتها في استثمار الحقل الكارثة مجموعة “اناداكو” الامريكية في حين توجه هذه الاخيرة اتهاما للأولى بأنها لم تعبأ بتحذيراتها.
وإذ يجري هذا الصراع بين الرأسماليتين البريطانية والامريكية حول من يدفع تعويضات المنكوبين بالكارثة وتنظيف الخليج فان سكان المناطق الساحلية المتضررة من صيادين وشركات صغيرة للصيد ومؤسسات سياحية لم يقبضوا حتى الآن سوى الريح.
هذا في الوقت الذي لم يتورع فيه احد اعضاء الكونجرس من غلاة اليمين الجمهوري عن الدفاع عن “BP” واستنكاره الحملة الحكومية الامريكية عليها، في حين مازال السواد الأعظم من المراقبين المحايدين والناس يعتبرون الحملة الحكومية أصلا ناعمة وليست حازمة بما فيه الكفاية ازاء تسويف ومماطلة الشركة النفطية البريطانية عن التعويضات المستحقة ووقف التسرب بأقصى سرعة ممكنة.
لقد قلنا في مقال سابق ان خليج المكسيك الكبير قبل بقعة النفط المتسربة لا تقارن نسبة تلوثه بتلوث خليجنا العربي الاصغر مساحة والاكبر تلوثا، وهنا يصح السؤال: كيف يمكننا ان نتوقع أو نتفاءل بأن تعلن دول مجلس التعاون أقصى حالة استنفارها وتنسيقها المشترك للاستفادة من دروس كارثة تلوث خليج المكسيك.. نقول: كيف لنا ان نتوقع ذلك منها وهي مازالت محجمة ليس عن تنظيف خليجها من شتى اشكال التلوث فحسب بل معظمها مسئول أو ضالع في تلويثه وقتل الحياة البيئية فيه وان بنسب متفاوتة؟

صحيفة اخبار الخليج
30 يونيو 2010

اقرأ المزيد

التقدم صناعة الحاضر

تتحكمُ الغيبياتُ في وعي الساسة المعاصرين خاصة في الأقسام الشرقية بشكلٍ هائل، الماضي الديني والاشتراكية القادمة هما غيبياتٌ لا تحققُ شيئاً تحويلياً للإمام، وما لدينا هو الحاضر الذي لا تستطيع أن تقبضَ عليه إلا بالفعل فيه وهو يهربُ يوماً بعد يوم مهيمناً عليه من قبل الأقوياء والمُلاك العظام.
نعم هناك التراث لكنه يتبخر في كلِ لحظة، لا تتصور أن أبنيتَهُ ستظلُ راسخةً أبديةً، الحاضرُ يأكلُ كل شيء ويشكل حيتانَهُ الخاصة، إن ثقافةَ المتقدمين المنتصرين في حروبِ العصر تكتسحُ كل شيء.
ستصرخُ، وتعوي، وتجري نحو الماضي بكلِ الأسلحةِ لكن الحاضرَ يتقدم.
إن القوى المالكةَ للثرواتِ الأسطوريةِ والأجهزة تفرضُ خرائطَها.
والسياسةُ هي قراءةٌ موضوعيةٌ للحاضر، وسؤالها الموجز الفيصل: ماذا تريد أن تحقق للأغلبية الشعبية؟ لابد أن يتعاون ممثلو هذه الأغلبية في كل بلد وعلى مستوى الأمة، أن يعرفوا ما هي صناعة الأسعار والمواد وبناء الشركات والقيم وثروات الأرض والأجهزة وكيف تأكلُ الثروات في أشداقِها الواسعةِ، وكيف تتسمرُ الأغلبيةُ العاملة منهكةً مستنزفةً، وأن يضعَ ممثلو الواقع حلولاً نضالية لمواجهة ذلك.
لا بد أن يتركوا كيفيةَ مجيء يوم القيامة وعلامات المهدي ومن سيدخل الجنة ومن سيدخل النار وكيفية تحقق الشيوعية الماحقة للفقر والغنى ومحققة السعادة الأبدية لرجالِ الدين والغيب، لمصانع الأساطير الكبرى، للذين يشتغلون في السياسات الماورائية، ولصناع الأحلام أو الكوابيس، ولقوى الدكتاتوريةِ الغيبيةِ المتغلغلة السارقةِ لأحلام الجماهير، أو للدارسين الموضوعيين الذين يفرزون النضال عن الأوهام.
إن من مهمات السياسيين مراقبة الأسواق وكيفية حراك البنوك وأين ترحلُ أرباحَها؟ وما هو المجموع الحسابي لفائضِ القيمة وكيف يُوزع؟ وكيف تتشكل الطبقاتُ والفئاتُ الاجتماعيةُ منه؟ وكيف نعملُ على تدفقِ الأرباح لدى الشركات وكذلك نمو مداخيل العمال؟ هذه مسألة مركزية، شائكة، كيف نوفق بين التقدم الاقتصادي والنمو الاجتماعي لمجمل الطبقات؟ كيف نوقف مشاريع الدول على هذه الأرصفة والشوارع والبلاطات والأنفاق التي لا تتوقف وبعد كل مطر تظهر مشاريع أخرى بعد ثُبت أخطاء الهندسة وقد بلعت المجاري عواصف المطر وحولتها إلى فيضانات أطاحت بالأرصفة والشوارع.
لابد أن ينزل المتصوفون إلى معرفة أين توجد المشكلات السياسية الاجتماعية المعرقلة لتطوير كل بنية اجتماعية؟
كيف يصنعُ كلُ تنظيمٍ سياسي رؤيته حول ذلك؟ كيف يتكون اليمين واليسار عبر هذه الخرائط؟ وماذا يقدم كل منهما من برامج مفيدة لقواه الاجتماعية المطحونة أو الشبعانة؟
كيف تترك البلدان الإسلامية صراعاتها الغبية الراهنة؟ وكيف تتعاون على تنمية الأسماك وعدم قتل الصيادين، والبدء ببناء مصانع مشتركة بل حتى ورش وحرف، وليس إرسال المهربين والقتلة بينها؟
السياسي ينسى التراثَ والغيب، ويقبضُ على الواقع الهارب، نعم السياسي ينشىء المدارس ويفتتح كل فترة مشروعاً، ملموساً، مؤثراً في زيادة دخل المواطنين وليس دخول المؤسسات الحكومية والخاصة فقط، السياسي هذا الذي يلحظه الجمهور نازلاً في مشكلاتهم، عارفاً دقائق الواقع، مكتشفاً حلولاً، السياسي هو الذي يطور الواقع.
السياسي هذا الذي لا يعرف العداءات الأبدية القومية والدينية والمذهبية والطبقية، صانع الممكن المغير، الذي يذهب للعدو وينتزع أرضاً ويبني مصنعاً، وليس المتخصص في تهريب الأسلحة وإطلاق الصواريخ التي تقتلُ الشجرَ والحمام، وتوسعُ جيشَ العدو.
لقد قام الطائفيون بحرق المنطقة معتبرينها سياسات فذة، وكل يوم يجري إشعال بقعة من الأرض، من أجل الإعداد الواسع للمحرقة الكبرى.
السياسة الآن هي توحيد الناس، توحيد المواطنين، توحيد المسلمين، توحيد أهل المنطقة ضد الفقر والتخلف وانعدام فرص التنمية وازدهار مشروعات الحروب.
السياسة هي علوم وليست خرافات.
كل لحظة يظهر قائد ما يعلم عن الدين وآياته ودقائق معجزاته وسياساته الخارقة في الماضي، وكيف فعل فلان وكيف انتصر فلان، وهي كلها أشياء صارت محفوظات، وتقال بلغات ميتة مُفتتة، للصفوف، لأنها غير عملية، لا تعطي طفلاً مهداً لينام عليه، ولا تفهم لغات الاقتصاد ولم تدرسْ علومَ الاجتماع ولم تحولَ كلماتها إلى لغة فعل يومية خلاقة، إلى إنتاج، لأنها لغات استهلاك، لغات سرقات بصورٍ جديدة.
بعض السياسيين بدأ يستوعب هذه اللغة السياسية العالمية، لم يعد يهتم كثيراً بقوافلِ الشهداء وأمجاد حزبه، والمعارك الايديولوجية، لكن المشكلة تكمن في الجمهور الواسع العاطفي، الذي لم يستوعب بعد ان السياسة زمن يأكل عمرك، فلا تعتقد ان السنوات التي خسرتها سوف تعود، والزمنُ ثمينٌ لأهلك وبلدتك، ومن هنا ضرورة محاسبة السياسيين برؤية الخطط المحددة التي يعتزمون تطبيقها والحلول التي سوف ينفذونها، والإنجازات التي سوف يحققونها. وكلُ فشلٍ لهم ضياعُ سنواتٍ من حياتك.
السياسي ليس ديناصوراً يظل مئات السنين، وموقعه القيادي مرهون بالتنفيذ والتحديد، وبالخططِ وليس مثل الخطط العربية التي تستمر عقوداً وهي لا تعرف خطط الأيام، والناخبون من الضروري أن يحاكموا نوابهم وقيادييهم محاكمات عسيرة، عن السابق واللاحق، وتتشكل قواعد مسئولة تدققُ في أعمالِهم وفي برامجِ الأحزاب ومدى جدية تحقيقها وتشطب على الإنشائيات الهائلة فيها.
نسألُ: ماذا فعلتم؟ هل رفعتم أجورنَا؟ هل قصصتم مخالبَ الإسكان؟ هل كشفتم ألاعيبَ الكهرباء؟ هل علمنتم تعليمَ أولادنا وبناتنا وجعلتموه وطنياً؟
نريدُ أن نعيش لا أن نذهبَ إلى غرفِ الإنعاش.

صحيفة اخبار الخليج
30 يونيو 2010

اقرأ المزيد

هل علينا أن ننسحب من المشهد السياسي؟

منذ أن أعلن المنبر التقدمي عن التنافس على بعض الدوائر التي مثّلها في الفصل التشريعي المنقضي نواب من جمعية الوفاق، وهناك حملة متصاعدة ضدنا، بلغت حد التشكيك في مواقفنا الوطنية، ومع أن بيننا وبين الانتخابات بضعة شهور إلا أن الحملة الانتخابية المضادة لترشحنا بدأت مبكراً جداً، وبخفة شديدة لا تنم عن حصافة سياسية، وعن الضيق من الصوت الآخر، ولا أريد أن أقول أكثر من هذا في الوقت الحاضر على الأقل، يجري تصوير ترشحنا على انه مؤامرة على المعارضة، رغم السنوات التي انقضت، ونحن نشارك الوفاق في الكثير من الأنشطة والفعاليات في القضايا المشتركة، مع ان عبدالنبي سلمان وابراهيم كمال الدين وغيرهما من المرشحين الوطنيين لم يسقطوا في المراكز العامة عام 2006، وهذا ما يجري التهرب من مواجهته للأسف، فإذا بنا أمام لحظة يراد فيها تصوير الأمر كما لو أن المعارضة باتت حكراً على الوفاق وحدها.
فبمجرد أن أعلنا ترشحنا في تلك الدوائر يجري إسقاط تاريخ حافل بالتضحيات يمتد أكثر من نصف قرن، آخر علاماته رحيل ثلاثة من مناضلينا ومن رجالات هذا الوطن وحركته الوطنية الشجعان خلال أسابيع قليلة هم المناضل مجيد مرهون الذي قضى عقوبة السجن المؤبد لدوره في تصفية احد رموز جهاز الاستخبارات الاستعماري البريطاني، وجليل عمران الذي مات بشجاعة أمام المرفأ المالي وهو يهتف ضد تسريح المصرفيين، رغم سنوات عمره التي تكاد تبلغ السبعين، وأخيراً المناضل عبدعلي محمد أحمد أحد فرسان جبهة التحرير الوطني الشجعان وكوادرها اللامعة، وأشك أن الكثيرين ممن يجري توريطهم في الحملة ضدنا على دراية بذلك.
فكيف أصبحنا جمعية حكومية، بمجرد أننا ترشحنا في دوائر تحسبها الوفاق مغلقة عليها، ألا يضع ذلك على بساط النقاش مسألة الديمقراطية في علاقات الجمعيات السياسية بعضها بعضاً، وكيف سيصدق الناس المطالبة بتداول السلطة إذا كانت كل هذه الضجة قد أقيمت ضدنا بمجرد أن أعلنا ترشحنا.
ولم يعد سراً أننا أخفقنا في الوصول إلى قائمة مشتركة تمثل الجمعيات الست، بسبب رفض الوفاق لذلك، وبالتالي لم يكن أمامنا من خيار إلا أن نترشح منفردين، وأنا شخصياً أبلغت الأخوة في الوفاق، وقبل عدة شهور من الآن، بحضور الأمناء العامين للجمعيات الست انه في حال تعذر الاتفاق على قائمة مشتركة فإننا سننافس الوفاق في بعض الدوائر، ولما فعلنا ذلك قامت الدنيا.
فهل المطلوب منا أن ننسحب من المشهد السياسي في البحرين لكي يرضى عنا البعض، وإذا كان حدث بحجم الانتخابات النيابية وهو حدث وطني مفصلي غير مسموح لنا المشاركة فيه، فعن أي مطالبة بالديمقراطية يدور الحديث؟
المنافسة الانتخابية متاحة للجميع وسنقدم فيها برامجنا ورؤيتنا والآخرون سيقدمون الأمر نفسه وفي نهاية المطاف فان القرار يرجع للناخب، وكررنا خلال الأسابيع القليلة الماضية إن ما يهمنا ليست فكرة الفوز بحد ذاتها وإنما المشاركة في الانتخابات وطرح برامجنا وآرائنا، والالتقاء بأبناء شعبنا في عدة دوائر، وهذا حق لنا وواجب علينا، ولن يُثنينا هذا التهويش عن المضي في هذا الطريق، ونحن بذلك نضع الآخرين على محك إظهار صُدقيتهم في شرف المنافسة الانتخابية النزيهة وأخلاقياتها.
 
صحيفة الايام
30 يونيو 2010

اقرأ المزيد

في الطريق إلى انتخابات 2010

بعد ثمان سنوات من العمل البرلماني وأكثر من عشر سنوات على ميثاق العمل الوطني، ماذا عسى الجماهير أن تنتظر أو ما الذي عليها أن تحلم به!!.. وهي التي عايشت وتعايشت مع أجواء البدايات الحالمة والشعارات التي نرجو أن لا تبهت أو يصيبها النسيان، خاصة وان تجربة السنوات العشر تلك قد أسست لقناعات متباينة أو حتى متناقضة لدى رجل الشارع العادي، فضلا عن النخب من سياسيين ومثقفين ومتابعين للتجربة وهي تخطو خطواتها الأولى بدون زخمها الأول وأحيانا من دون وجهة تمتلك الوضوح، يزيدها سوءا تلك الغشاوة الطائفية التي تسببت كثيرا في تشويش وتشتيت زاوية الرؤية الصحيحة على الجميع دون استثناء. ولذلك تبقى القدرة على تحقيق النجاحات المأمولة وتعزيز عوامل الثقة في التجربة ومسار تطورها خاضعة لاعتبارات أضحت مختلة بشكل كبير، نظرا لتباين القناعات والمواقع وتنافر الزعامات والتوجهات وحتى المصالح، بين ما هو ممكن أو غير مقبول، وفي ظل ما أتاحته السنوات العشر الأخيرة من مستجدات تداخلت فيها الرؤى وتعارضت المصالح والأهداف.
منذ البدايات الأولى للتجربة بدت تطلعات الشارع البحريني كبيرة تكاد تعانق السماء، وحاولت الأطراف المختلفة تلمس مواقعها قبل الإقدام على خطواتها اللاحقة، حينها كانت عوامل الشك بين الأطراف تحكم المشهد بكل تجلياته، ومع تبدل المزاج العام تأصل وعي آخر تجاه الحراك ومدى قدرته على التأثير في المشهد من زواياه المتعددة، بعد أن أسس ميثاق العمل الوطني عند التصديق عليه لأجواء متفائلة وأعطى شحنات من الخيال الجامح بحتمية اقترابنا شيئا فشيئا من تدشين دولة القانون والمؤسسات.
في خضم كل ذلك يبقى غير مستغرب لدى شرائح واسعة من الشارع البحريني، والتي نرجو أن لا تترك هكذا دون مراجعات وتمحيص تعيد للناس مجددا ثقتهم على اجتراح الحلول وشيئا من الأمل والذي لن يكون ممكنا دون امتلاك إرادة التغيير التي لن تتأتى من دون استعادة تلك الثقة التي شك أن أطرافاً أساسية في اللعبة يتحملون قسما مهما منها، ولا نبالغ حين نقول أن القول بمسئولية بعض القوى المجتمعية والسياسية لا ينفي مسئولية الدولة باعتبارها اللاعب الرئيس في كل مجريات الأحداث، فهي من يمتلك القدرة والإمكانيات وعوامل النجاح. مسئولية القوى الاجتماعية المختلفة تكمن في ضرورة العمل على استعادة أجواء الثقة والأمل لدى الناس من خلال ما تبتدعه من أساليب عمل ورؤى تحفز في الناس جذوة الأمل الناضب والسعي بإصرار نحو شراكة مفتقدة سبق أن بشر بها مشروع الإصلاح ذاته.
فبعد مضي أكثر من عقد على دعوات الإصلاح وآمال التغيير الموعودة، بات أمامنا جميعا، خيارات لا تقبل الإلغاء والتأجيل أكثر مما هي مؤجلة، لعل أولها يكمن في الإجابة بإيمان حقيقي على سؤال ماذا نريد وأي وطن ننشد؟! وهل يمكن إصلاح ما أفسدته القوى الدخيلة والعابثة من تخريب لبنى ومفاهيم اجتماعية وما خلقته من تنافر وحزازات وتقسيم وتباعد بغيض؟!
تلك مهمات يجب أن لا تترك لتلك القوى التي عبثت طويلا في هويتنا ومصيرنا، فالوطن بمثل ما يحتاجنا جميعا فانه لا يحتاج لمن هم عوامل فرقة وعناوين انقسام، نعني بذلك أن لا تترك الأمور أكثر مما تركت في أيدي القوى الطائفية والفئوية التي يعرف الجميع أن لها مصالح آنية ومستقبلية لا تنتمي أبدا لوطن اسمه البحرين بتاريخه ونضالات شعبه وتطلعات أبناءه في العيش بوئام ومحبة، كما أن أي محاولة لإضعاف أو عزل أو إلغاء أي مكون من مكوناتنا المجتمعية، من أي جهة كانت فهو عبث لا تستقيم معه وحدة الأمة ومصالحها، وهو إضعاف لهيبة الدولة وسلطة القانون وتفتيت مرفوض لنسيجنا الوطني وتناقض صارخ مع روح الشراكة التي نسعى لها.
انطلاقتنا الجديدة إذاً يجب أن تبدأ أولاً باستعادة السكة الصحيحة، وفي ذلك خطوة مهمة لاستعادة الثقة وإنعاش الروح والأمل، وأمام القوى المجتمعية وفي القلب منها القوى الوطنية التي لم تتلوث بنزعات الطائفية، شريطة أن تمتلك خياراتها بصلابة ومسئولية ووضوح رؤية، مستفيدة من أخطاء الماضي لتعطي للناس أملا في استعادة خياراتهم وكرامتهم بل وإرادتهم المصادرة بفعل الانحيازات المكلفة، فلتكن الانتخابات النيابية والبلدية القادمة هي الخطوة الأولى على طريق بلورة وعي جماهيري حقيقي ومختلف ينحاز للوطن ويرفض الفرقة والتشرذم ويضع الجميع أمام مسئولياتهم في مرحلة البناء.

صحيفة الايام
30 يونيو 2010

اقرأ المزيد

أسطول الحرية والأشكال النضالية المغيّبة

يتوقف نجاح أي حركة سياسية أو وطنية ضد الاحتلال الأجنبي لبلادها أو ضد النظام السياسي فيها إذا ما كان شموليا أو دكتاتوريا عاتيا في استبداديته.. يتوقف هذا النجاح على مدى قدرة الحركة على تحليل ودراسة الاوضاع والظروف الملموسة للبيئة السياسية التي تمر بها بلادها سواء على المدى القريب ام على المدى البعيد، ويدخل ضمن هذه الاوضاع أيضا القراءة الموضوعية عما إذا كانت الاوضاع الطبوغرافية والجيوسياسية تسمح بتبني شكل محدد من اشكال النضال ضد المحتل أو ضد النظام التوليتاري القائم. كما يدخل في عداد هذه القراءة ادراك الطابع القومي للشعب وسماته الاجتماعية والثقافية ومزاجه السياسي المتغير في هذه الفترة أو تلك الفترة، في هذه المرحلة أو تلك المرحلة.
وهناك عوامل اخرى بطبيعة الحال لابد من توافرها وتكاملها مع هذا العامل في مقدمتها وحدة صفوف فصائل وقوى الحركة السياسية، ناهيك عن وحدة صفوف الشعب من خلفها، فضلا عن الادوار أو التأثيرات الاقليمية والدولية الخاضعة بالطبع الى التغيرات من وقت الى آخر.
وما محنة وتعقد نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الاسرائيلي لوطنه على مدى ستة عقود ونيف الا لافتقاده قيادة ثورية محنكة تتحلى بأكبر قدر من الواقعية من دون تطرف أو تفريط في ثوابت قضيتها الوطنية، هذا بالطبع على مستوى العوامل الذاتية من اسباب اخفاقات الحركة الفلسطينية ولا يعني ذلك ما للعوامل الموضوعية من دور في تعقد مهام الحركة وانتكاساتها المتواصلة بتضافرها مع العوامل الذاتية.
ان تبني شكل النضال السليم بما في ذلك الاسلحة أو الوسائل النضالية الفاعلة سواء أكانت هذه الوسائل سلمية أم عنيفة قد يأتي بنتائج حاسمة تجبر العدو على الاستسلام، والعكس صحيح فقد تأتي بنتائج كارثية انتحارية على الحركة التي تبنت اسلحة أو وسائل نضالية ليست وليدة دراسة موضوعية عقلانية لمدى مواءمتها للحركة السياسية والشعب الذي يقف خلفها.
الحركة السياسية الفلسطينية الوطنية – لأسباب متعددة ليس هنا مجال الخوض فيها – هي ليست اكثر الحركات الوطنية العربية التي وقعت في اخطاء وسوء تقدير اختيار الوسائل والاسلحة المناسبة للنضال ضد الاحتلال الاسرائيلي فحسب، بل الانكى من ذلك في استمرار اجترارها وتكرارها تلك الاخطاء على نحو دام تراجيدي مؤسف، وفي اكثر الاحيان جرى التقليل من دور وتأثير الوسائل السلمية في دفع القضية الفلسطينية الى الامام من خلال خلق والبناء على تراكم ومنجزات ثورية متحققة بتلك الوسائل التي يخضع ابتكار اشكالها وانواعها لعبقرية وسعة أفق قيادة الحركة السياسية.
من الاشكال النضالية السلمية التي اثبتت جدواها وكان يفترض ان تكون الحركة الفلسطينية هي المبادرة اليها من خلال قنواتها المدنية الخلفية و”لوبياتها” على الساحتين الدولية والعربية تسيير سفن الاغاثة والتضامن مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لكن من المؤسف ان المبادرة جاءت من هيئات وجهات ورموز صديقة غير عربية في اوروبا والغرب واخيرا من تركيا الاسلامية، ولقد اينعت رحلة اسطول الحرية ثمارها السياسية بدماء شهداء السفينة التركية مرمرة التسعة، ومازالت هذه الثمار تؤتي اكلها تباعا.
– فمن ذا الذي يستطيع ان يذكر أنه لولا اسطول الحرية كان معبر رفح سيفتح في التوقيت الذي فتح فيه؟ وهل كان المعنيون بالمعبر بحاجة الى الانتظار لوقوع مأساة “مرمرة” ليفتحوا بعدها المعبر؟ وماذا كان سيجري لو فتح مسبقا من دون انتظار وقوع مأساة السفينة على أيدي البرابرة الاسرائيليين الكوماندوز؟
– ومن ذا الذي يستطيع ان يكابر بأنه لولا اسطول الحرية كان أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى سيزور غزة للوقوف على مأساة حصار مليون ونصف مليون انسان في القطاع؟ وهل كان موسى بحاجة الى كل هذا الانتظار الطويل على مدى أكثر من ثلاث سنوات حتى تقع مأساة الاسطول ليقرر عندها الدخول الى القطاع؟ وماذا كان سيضيره لو حاول الدخول في المرات القليلة السابقة التي فتح خلالها المعبر؟
– وهل كانت ايران وبعض انصار القضية الفلسطينية في البلدان العربية بحاجة الى الانتظار لوقوع حادث اسطول الحرية ليقرروا بدورهم تسيير سفن جديدة؟
– واخيرا، لماذا قررت اسرائيل ان تقوم بمسرحيتها الاخيرة بتخفيف الحصار والسماح بادخال بعض المواد الى غزة؟ أليس ذلك ليس دليلا فقط على تهافت ذرائع استمرارها في الحصار بل على ما حققته رحلة اسطول الحرية؟
هذه التجربة تعني أن تسيير رحلات كسر الحصار البحرية ما هي الا شكل من أشكال عديدة نضالية سلمية يمكن ابتداع الكثير منها وتؤتي ثمارها في حين ما تعجز اغلب الاحيان صواريخ حماس وعملياتها “الاستشهادية” وهي اساليب نضالية اضطرت الحركة الى التخلي عنها عمليا ولو من دون اعلان أو اعتراف بعدم جدواها، كما تخلت “فتح” أو اجبرت على التخلي عن الكفاح المسلح من خارج فلسطين في البلدان العربية المجاورة عام 1982، أي خلال اقل من 15 عاما من تبني هذا الاسلوب بعد نكسة 1967.
 
صحيفة اخبار الخليج
29 يونيو 2010

اقرأ المزيد

خليجنا بلا نفط

ليس لدي ولع كبير بالأمور العلمية، التي تتطلب ذهناً بتكوينٍ مختلف، يمكن صاحبه من سبر أغوار ما تنطوي عليه الطبيعة من أسرار، ولكن هناك من العلماء، أو من المهتمين بالعلوم الطبيعية من يملك القدرة على تقديم معارفهم بتشويق يحمل حتى غير الشغوفين بالأمر مثلي على أن يقرأوها بمتعة واستفادة.
لكن ما أنا بصدده هنا لا يتصل بالعلم وحده، وإنما بتنمية المجتمعات، واقتصادات البلدان، من زاوية علاقة ذلك بموضوع الطاقة الذي هو عصب التنمية، والأمر وجدته في دراسات للدكتور نبيل حنفي محمود، جمعها كتاب صدر في سلسلة «كتاب الهلال».
بالنسبة لنا في بلدان الخليج حين يدور الحديث عن الطاقة فان أذهاننا تنصرف مباشرة نحو النفط، كونه السلعة الاستراتيجية فائقة الأهمية بالنسبة للعالم، الذي تحتوي أراضي منطقتنا في جوفها جزءا كبيراً من احتياطاته، وهو الذي وفر العائدات المالية، التي يسرت كثيراً من الأمور في حياتنا، دون أن يعني ذلك بالضرورة نجاحنا في تحقيق تنمية مستدامة، تهيؤنا لعصر ما بعد نضوب النفط.
حسب احد الباحثين فانه منذ أن اكتشف العالم النفط وحتى اليوم استهلك حوالي ألف مليار برميل، وما تبقى في جوف الأرض من احتياطات هذا النفط لا يزيد، هو الآخر، عن ألف مليار برميل، أي أن العالم قد استهلك حتى الآن نصف الثروة النفطية.
يرد هذا الحديث في سياق تنبؤ مستقبل العالم بعد نفاد الطاقة غير المتجددة التي تشمل النفط والغاز الطبيعي واليورانيوم والفحم، وحسب الكتاب فان ما تبقى من نفط سينفد عام 2050، ولن يكون هناك المزيد من الغاز الطبيعي في عام 2100.
العالم يفكر الآن في استخدام مصادر الطاقة المتجددة، وفي نظامٍ بأنانية النظام الرأسمالي وجشع القائمين على شركاته العابرة للقارات، فان ذلك لن يتم قبل الاستحواذ على حصص الأجيال القادمة من الطاقة غير المتجددة، في غياب الرشد في التعامل مع ثروات الكوكب، وهو غياب يصل حد التهور في شن الحروب واحتلال البلدان لوضع اليد على ثرواتها، ومثال العراق القريب حاضر في الأذهان.
في الجزء المتصل بنا في هذه المنطقة ينطرح السؤال الكبير، القديم المتجدد، عن غياب البصيرة في الاستعداد للزمن الذي يبدو قريباً حد الفزع، حين تكف هذه المنطقة عن إنتاج النفط، لأنه ببساطة نفد من جوفها.
والبحرين جزء من هذه المنطقة، ولعل ما تبقى لديها من مخزون نفطي تحت الأرض هو الأقل بالقياس لنظيراتها الخليجيات الأخرى، وفيما يدور الحديث عن الاستراتيجيات المستقبلية على الصعيد الاقتصادي، هل وضعنا السيناريو الأسوأ الذي يفترض نضوب النفط حتى قبل الآجال المحددة له حالياً، لأننا لسنا من يتحكم في عدد البراميل المنتجة يومياً، وحيث بات من الصعب النظر إلى هذه المسألة على أنها سيادية في كل دول المنطقة. وبالتالي فالسؤال المطروح هو ما مدى جاهزية البدائل الأخرى لتكون فعالة في الأفق المنظور، في الغد القريب أكثر مما نتصور، حين تروح السكرة وتجيء الفكرة.
هل فكرنا ماذا سنفعل؟
 
صحيفة الايام
29 يونيو 2010

اقرأ المزيد

بين الجهاد والجهاد

استعيد من قصص الامس ان لم تخني الذاكرة حكاية الشيخ عادل المعاودة ’ الذي سبق وان تمردت جماعة ضده في رفضها الصلاة خلفه تحت مبررات وحجج ’ لم تكن فقهية وشرعية وانما اكثرها سياسية تم ’’ تفقيها ’’ احيانا وقد تكون شخصية تمثل مصالح اشخاص وقد تكون تيارا تمثله كتلة موجودة كتنظيم لا يخفي وجهه تحت قناع ’ بأنها تؤيد كل اشكال الجهاد ضد الكفرة والمشركين في بلاد الاسلام وخارجها. الغريب ان الحكاية اظهرت رأسها من جديد ’ اي الحكاية نفسها ’ تمرد مجموعة في الصلاة خلف الشيخ المعاودة للمرة الثانية ’ فهل هي نزوة وطيش شخصي وسياسي ام انه اتجاه تنظيمي له ذيول ومؤيدون خارجه ؟!’ لا ينبغي الاستهانة بهم سواء كانوا هم الاقلية او الاكثرية او المتساوية او حتى مجرد مجموعة اشخاص. ترى لماذا تتفجر الحكاية كلما وجدنا انفسنا في حالة انتخابات او وضعا سياسيا حرجا يستدعي رفع البورصة. اليوم تستعيد ذاكرتنا الحكاية اياها الاحتجاج نفسه والاسطوانة نفسها ’ والمحتجون انفسهم ’ وكأننا في حفلة زار سياسية جديدة يمارسها هؤلاء المحرضون ضد المعاودة. هل الشيخ بحاجة الى ضجيج إعلام مصطنع يتم افتعاله داخل المسجد؟ ’ حيث كان بإمكانهم عدم الذهاب للمسجد وخلق دراما اعلامية ’ لكونهم يعرفون مسبقا انه الشيخ المعاودة من يتحدث لا غيره ’ ولكن الضجيج الاعلامي هو رسالة للناس والمؤيدين والحانقين من ’’ الشباب المسلم ’’ المعد سلفا لفكرة الجهاد الدائم لمن عصاهم وتمرد عليهم وصار في ركاب من يصفونهم باقذع النعوت واسوأها. سؤال يبقى مشروعا ومشرع الابواب للحوار والتساؤل عن نوعية تلك الاصوات القادمة لحرم المسجد سواء من داخل الجمعية او خارجها او الاثنين معا ؟ فنحن على مقربة قصيرة من مسافة صناديق الانتخابات وقريبين من شهر رمضان المبارك ’ حيث يصبح خطاب السياسة والتدين والادعية فرصة جيدة للعبة السياسية الحقيقية ’ متوهما هذا التيار الاعلامي للقاعدة ومدرستها التقليدية في الجهاد ونصرة الحق وفضح الظالم ضد الباطل ’ كلها مدعاة للشك ان لم نتمكن من برهنتها وهذا ما تسمح به المواثيق المهنية وتابو الكتابة في ديمقراطية وليدة حدودها وشفافيتها ما تزال مقيدة بفعل ظروفها ومحيطها الداخلي والاقليمي. نميل الى سيناريوهات عدة وان كانت بعض من تلك السيناريوهات لا تحمل من القوة والبراهين ما يؤكد على وجود كتلة من القاعدة عمادها المرجعية السياسية السابقة لمكونات عدد من الجمعيات. ما لا نمتلكه بالارقام ايضا سيناريو اخر هو حجم تلك المجموعات او الجماعات المؤيدة في الشارع السياسي الحذر ’ والذي بعد احداث سبتمبر تم ’’ تنتيف ريشه ’’ بالادوات العالمية والامريكية كحرب مباشرة ضد الارهاب. هذه المجموعات تطل دائما عليك من خلال الفضائيات والمواقع والصحف والاعمال المشبوهة بغطاء ’’ الخيرية ’’ والتي صارت تحت طائلة القانون معرضة للاستجواب والمحاكمة بعد فضائح الاموال التي ’’ كبست ’’ في الغسيل الجنائي ومعامله القانونية والمصرفية ’ حيث ماعاد لمثل تلك الجماعات امكانيات سهلة كالسابق في تمرير حقائب السمسونايت عابرة القارات ’ فالاجهزة وعيون الامن مفتوحة على مصراعيها كعيون ابو الهول المتربص لمداخل مدينة طيبة يسألها سؤالا تاريخيا دائما لحل اللغز وسره ’’ الى من تأخذ هذه الاوراق الخضراء المطبوع عليها مفردة ليباركك الرب !’’ صار ابو الهول امريكيا يتابع اوراقه النقدية. السيناريو الاخر الاكثر احتمالا انها المجموعة نفسها ’ التي تصطنع اللعبة في مواقيت الصلاة والمناخات السياسية الساخنة بهدف الاعلان عن نفسها لاستعادة رصيدها المتراجع . اما السيناريو الثالث فهو نظرتهم للشيخ المعاودة كشخصية براغماتية تحسن وظيفة اللعبة النيابية ’ غير اننا من وجهة نظرنا نراها طبيعية لمثل هذه التوجه والتيارات ’ بأن تنتهي في نهاية المطاف الى حلقتين وتيارين وان لم يبلغا درجة الشقاق الواضح ’. من حاولوا اعادة انتاج اللعبة الاعلامية السابقة بخلق زوبعة الاحتجاج والرفض بالصلاة خلف الشيخ المعاودة ’ لهم غاياتهم ومآربهم كعصا موسى التي التهمت ثعابين فرعون وحاشيته وكهانه المشعوذين. بين عصا موسى وثعابين فرعون تكمن المعضلة ’ ففيهما يتجسد الصراع بين فريقين يبشران بحقيقة وجودهما معا ’ حتى في ظل وجود الزوبعة .’ فلعل عصا موسى تتحول الى متراس في وجه التشدد بحثا عن تيار الاعتدال. لم يكن هناك داع للضجيج في بيوت الله على امور سياسية ’ اذ بامكان توظيف مقر الجمعيات ومجالس الاعيان ’ من اجل حوار طائش او عاقل وهادئ’ مشتط او تسكنه شطحات الممثلين البارعين فوق خشبة مسرحنا السياسي. انهم ظاهرة سياسية موجودة ’ لا نعرف كيف ستكون نتائجها الانتخابية القادمة ’ ولكن ما نعرفه ان اصدقاء الامس ضاقوا ذرعا منهم وكذلك الناس والمؤيدون ’ حتى وجدنا ان المعاودة يحافظ على توازن وترابط الجمعية من الداخل.

صحيفة الايام
29 يونيو 2010

اقرأ المزيد

صوت بحريني واحـد


يختلف العمل الانتخابي في البحرين عنه في الغرب المتقدم بأنه مازال يخضع لاعتبارات لا تركز على مضمون البرنامج الانتخابي للمرشح أو المرشحة بقدر أنه يتحدث عما إذا كان المرشح يذهب إلى المسجد أم إلى المآتم والمذهب الذي ينتمي إليه.
 
ورغم أن التجربة وليدة العهد بالنسبة إلى البحرينيين غير أن المواطن الغربي مثلاً لا يكترث عن المرشح عما إذا انتمى إلى هذه الكنيسة أم إلى تلك، فكل همه هو البحث عن البرنامج الانتخابي وإذا فاز هذا المرشح ولم يفِ بوعود برنامجه فإن المواطن ينصرف عن ترشيحه مرة أخرى وكل ذلك يتم بشفافية وبديمقراطية تتمتع بروح عالية تترفع عن صغائر الأمور.
 
وفي مقارنة بما يحدث عندنا وعندهم هو أننا كغيرنا من بلدان عربية نزج الدين في العملية الانتخابية التي هي واقعاً لعبة سياسية فيها الربح كما فيها الخسارة، والتحضير لها يحتاج إلى جهد وتعاون لنقل الصورة الجديدة، وإن لم تكن فهناك أسلوب دغدغة المشاعر لحصد الأصوات أو إطلاق فتوى أو أي شيء آخر من أجل التصويت ورفع رصيد المرشح المطلوب.
 
فمن يقول إن الجميع سيصوت لفئة ولجماعة واحدة هو كلام يناقض مفاهيم الشعارات الوطنية التي ننادي بها كمجتمع ودولة بحرينية؛ وبالتالي فإن إعادة النظر في سير أمور قضايانا ومشاكلنا الداخلية لا تحتاج إلى اختيار مرشحين على اعتبارات طائفية ومناطقية بل على اختيار وطني يحترم جميع البحرينيين بمن فيهم من استحق جنسيتها بجدارة لا حصدها لاعتبارات أخرى يسترزق من جرائها؛ لأن ذلك أصبح واقعاً لا يمكن أن نغيره إلا إذا توقفت المعايير التي يتم فيها إكساب الجنسية البحرينية لغير البحرينيين وخاصة أن هناك فئة تعاني في مجتمعنا من أبناء البحرينية المتزوجة من غير بحريني وما حصد بعضهم إلا استثناءات.
 
أما الكلام عن أن التنظيمات الوطنية لا تحقق الهدف المرجو بالنسبة إلى أبناء الشارع البحريني وأن التنظيم المذهبي والقبلي هو ما يحقق النجاح؛ هي مسألة بحاجة إلى إعادة نظر، خاصة مع معايشة التجربتين السابقتين في الانتخابات؛ لأن ما تحقق في السابق قد لا يتحقق كاملاً مع التجربة الثالثة في انتخابات 2010. ومن الخطأ أن نعزز مثل هذه الأطروحات في الوقت الذي ننتقد فيه ممارسات بعض المواقع المتنفذة بالسلطة بتحيزها لفئة دون أخرى.
 
إن الصوت الوطني الواحد غير الطائفي هو الذي يجب أن نصوت له، فذلك بلا شك سيكون مكسباً للجميع وللتجربة البرلمانية المقبلة التي نحتاج فيها إلى تيار يمثل جميع ألوان وأطياف المجتمع البحريني، بينما من يقول إن المقاطعة خير قرار في ظل وجود برلمان مسلوب الإرادة هو حديث مستهلك ولا يصب في مصلحة المجتمع البحريني.
 
صحيفة الوسط   29 يونيو 2010م

اقرأ المزيد

انتخابات 2010


بالعودة إلى قراءة المشهد السياسي في البحرين فإن المرحلة الحالية تتطلب تجديداً في لغة الخطاب السياسي كما هي الأدوات وكيفية إدارتها لدفة العملية الانتخابية؛ لأن انتهاج اللغة والأساليب القديمة لن يحالف حظ المرشح أو المرشحة مع التجربة الانتخابية المنتظرة خلال نهاية العام الجاري.
 
كما أن النظرة الشمولية في دعم توجه وتيار واحد متقوقع إما بحس مذهبي أو عقائدي أو حتى فئوي لن يخدم الوحدة الوطنية ولن يتحدث بصوت بحريني واحد وإنما سيكون مقسماً يخدم هذا الفصيل عن غيره.
 
لذلك فإن إدخال الدين والمذهب في كل صغيرة وكبيرة فيما يتعلق بالتصويت للمرشح لا يخدم حقيقة قضايا مجتمعنا بقدر أنه يسمح بتجزئة المجتمع وتحويله إلى مجموعات تخدم مصالح بعضها لا مصلحة الجميع.
 
وقد يكون توقيت تحالف التيار الديمقراطي المتمثل في ثلاث جمعيات هي: العمل الوطني الديمقراطي (وعد)، المنبر التقدمي, والتجمع القومي جاء في وقت نحتاج فيه إلى ترتيب البيت البحريني وأيضاً إلى ترتيب الأولويات التي يراد تفعيلها بصورة وطنية وبصورة واقعية بحيث لا تطرح وعوداً لا يكون المرشح أو القائمة التي ينتمي إليها بمقدورها تنفيذ الوعد الذي كانت طرحته كشعار في حملاتها الانتخابية لأن الكثير مما قيل لم يرَ النور مع التجربتين البرلمانيتين وهذا ينطبق حتى مع من يطرحون أنفسهم كمستقلين.
 
إن المرشح الكفء هو من يفرض نفسه على الساحة الانتخابية، هذا في حال لو تم إلغاء اختراع «مراكز التصويت العامة» وأيضاً إلغاء اعتبارات التصويت لصالح نظرية «جماعتي لا جماعتهم» أو التصويت رغبة في تنفيذ الأوامر تحت مسمى خدمة من خدمات الوطن ضد فئة غير مرغوب بوصولها إلى قبة البرلمان بسبب صوتها الناقد.
 
أما موضوع نزول المرأة في الانتخابات فهذا مرهون بالعمل كقوة نسوية ضاغطة تدعم في الاتجاه الذي يمنح الفرصة للمرشحة بالوصول إلى قبة البرلمان وهذا تحقق في الكويت في دوائر كانت أشد تعصباً من تلك التي نحظى بها ومع ذلك فهناك مرشحات فزن في دوائر قبيلة محافظة جداً وأخرى في دوائر مغايرة لمذهب المرشحة نفسها وبالتالي فإن الكلام عن التخندق في إطار وتوجه معين هو ما لا يجب أن يتكرر مع التجربة البحرينية الثالثة التي نأمل أن تحمل مفاجآت التغيير معها.
 

صحيفة الوسط 28 يونيو 2010م
 

اقرأ المزيد

كان صرحاً فهوى

قبيل ظهر العاشر من هذا الشهر اجتمع موظفو مركز البحرين للدراسات والبحوث في قاعته الرئيسية في حفل تكريم لإحدى موظفاته. لم يدر بخلد أحد منهم أن هذا هو الاحتفال الأخير قبل أن تتفرق بهم السبل ويمضوا كل في طريق. فصبيحة ذلك اليوم صدر قرار بحل المركز وتصفيته تصفية تامة ونهائية بعد أكثر من ثلاثين عاما من نشاطه.
كان وقع الخبر شديد الوطأة ليس على موظفي المركز فقط، بل وعلى كل من له علاقة بمستقبل العلم والبحث العلمي في مملكة البحرين والمنطقة. إن بلدان ومناطق العالم تتزاحم في تنافسية متزايدة الشدة من أجل احتلال مكانها اللائق في ظروف العولمة وتحدياتها. ولم تعد مؤشرات كمستويات الدخل والفقر ومعدل توقع الحياة على أهميتها كافية لقياس درجة تطور ورفاهية الشعوب. المعيار الأكثر أهمية هو وضع العلم سواء على مستوى التعليم أو البحث العلمي أو درجة إدخاله كقوة منتجة في الاقتصاد الوطني. فبالحسابات الكبيرة هنا تكمن إحدى أهم قضايا الآفاق الوطنية الحقيقية. العلم والبحث العلمي إذا ما توافر المناخ الديمقراطي لتطورهما، هما المسئولان الأساسيان عن صياغة نواة القدرة التنافسية الوطنية.
يسهل على أي مراقب أن يشير إلى عشرات الثغرات والإخفاقات في عمل مركز البحرين للدراسات والبحوث. لكنه أيضاً يمكن أن يشير إلى الكثير من الإنجازات في مجالات الدراسات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والحضارية وفي مجال البحر والمياه والأحياء البحرية، ومجال الخرائط والمسوحات الجغرافية والاتصالات والطرق والنقل والمرور وخدمات الكهرباء والماء. وقد أنجز تلك الدراسات إما وفق برامجه الداخلية أو بالتعاون والتعاقد مع وحدات ومراكز الدراسات والأبحاث ولصالح مؤسسات حكومية وشركات خاصة محلية وأجنبية أو بعض منظمات المجتمع المدني، كما لصالح منظمات تابعة للأمم المتحدة.
القاعدة الذهبية في الدول المتحضرة تقول إنه مهما كانت مؤسسات البحث العلمي قوية فإنه يجب أن تدعم وتسخر لها الإمكانيات لتحقق منجزات وأبحاث أرقى، أما الأضعف فيجب النهوض بها بسرعة. ولنضرب بروسيا مثلاً. فبعد التدمير الذي أحدثته سياسات يلتسين بالعلم الروسي، جاء خلفه بوتين ليشير بصريح العبارة إلى أنه إذا كان هناك من يستهدف أكاديمية العلوم الروسية لينظر إليها من باب الربحية، فإن على الدولة أن تستهدف هؤلاء الأشخاص الذين سيضعفون قدرات البلد العلمية والتقنية التكنولوجية. بعد هذا لم يعد تطور العلم الروسي يسير على مبادئ بيروقراطية لعدد محدد من كبار المسئولين، بل على أساس بروز القادة في مجرى عمليات إجرائية تنافسية مفتوحة وشفافة في ميادين البحث العلمي وإدارته. وبالفعل استطاع العلم الروسي أن يستعيد الوضع الذي كان عليه قبل انهيار الاتحاد السوفياتي وتنطلق الرؤوس المضيئة بإبداعات وإنجازات واعدة. وأمامنا مثال آخر في برنامج تعاون دول حوض المتوسط العربية الثماني مع الاتحاد الأوروبي في مشروع «تقييم القدرات العلمية والتقنية والابتكارات» المسمى بمشروع ESTIME والذي بدأ العمل به مع بداية الألفية لوصف وتطوير القدرات العلمية والتكنولوجية في مجال البحث العلمي الذي انعكس إيجاباً في دعم القاعدة العلمية التقنية لهذه البلدان.
بالمقابل فإن صدور شهادة وفاة مركز البحرين للدراسات والبحوث تبعث على طرح أسئلة كثيرة تمس مستقبل العلم والبحث العلمي. في مقدمة الأسئلة: ما الدراسة العلمية التي استخلصت منها جدوى حل المركز، وما الاستراتيجية والعقيدة العلمية الجديدة البديلة لذلك، وبأية جهة ستناط مهامها؟ إذا كان الباعث هو عدم الرضا عن مجلس الأمناء فلماذا ظل سنتين إضافيتين بعد انتهاء مدته دون بحث؟ وإذا كان الخلل في الإدارة فلماذا لم يجر تغييرها؟ هل كان الخلل في الرسالة، الأهداف أم في الرقابة والمتابعة والمحاسبة؟ ولماذا لم تتم مراجعة كل ذلك؟ وإذا كان الخلل في عدم التوافق بين مهام المركز والعمل التجاري الربحي، وخصوصاً بالنسبة لفرع الجيوماتيك فلماذا لم يجر تعديل وضع هذا الفرع أو أن يلحق بهيئة «ممتلكات» مثلاً؟ ماذا عن عقود المشاريع المبرمة بين المركز وعدد كبير من مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمؤسسات الأجنبية، حيث يرتبط «جيوماتيك»، مثلاً، بعقود مع أكثر من خمسين جهة أهمها مشروع كبير مع إدارة الكهرباء والماء؟ هل ستجري تجزئة هذه الشبكة الواسعة من التعاقدات على شركات خاصة تنتظر ذلك؟ هل ستكمن مهمة التصفية في النواحي المالية وشئون الموظفين الموجودين في حالة انعدام الوزن حالياً، أم ستطال التصرف بالإرث العلمي البحثي وتوظيفه لاحقاً، وخصوصاً الدراسات التي بقيت معلقة على الرفوف رغم أهميتها؟ هل من جدوى، وهذا مجرد اقتراح لكي لا تضيع الجهود، بأن يجري تشجيع العاملين في المركز بتحويل أقسامه إلى مؤسسات علمية بحثية متخصصة على غرار تعاونيات البحث العلمي في عدد من البلدان، بحيث تعود ملكيتها إلى العاملين أنفسهم؟
وبما أنه لم تطرح أسباب حل المركز فإن أكثر ما لا يتمناه المرء هو أن تكون الأرض الشاسعة المساحة التي يقوم عليها هي السبب وراء حله لتضم مشاريع أخرى من مشاريع ما يسمى «بالتنمية العقارية» بعد أن كانت مهداً لصرح علمي؟
هل من إجابات على هذه وغيرها من الأسئلة لتريح، أو لا، بال جميع من يعز عليهم وضع ومستقبل العلم والبحث العلمي في المملكة؟
 
صحيفة الوسط
28 يونيو 2010

اقرأ المزيد