المنشور

العودة إلى هيغل؟

سلافوي جيجك وديالكتيك التاريخ

العودة إلى هيغل؟

في كتابه (أقل من لا شيء: ظِل المادية الديالكتيكية)، الذي تجاوز الألف صفحة، ينتقد سلافوي جيجك ما يسميه بـ “كوننة الكلينامين” أو ما أطلق عليه آلتوسير بـ “المادية التصادفية”. في مثل الفصل المعنون بـ : (هيغل، وسبينوزا.. وهيتشكوك)، يضع هيغل في المجابهة مع سبينوزا ليقدم هذا النقد بشكل أكثر نسقي. المشكلة، بالنسبة له، متعلقة بكوننة الكلينامين، وفي طباق الجوهر السبينوزي بالكلينامين نفسه، أو: الجوهر هو هو عملية الكلينامين التي هي “ما – يقع -علينا”، هي أساساً أن هذه الكوننة تُعيد موضعة الرتابة في الكلينامين الذي من المفترض أن يكون “إنحرافاً”، ايّ شذوذاً، على ما هو قائم. رتابة الكلينامين، عبر كوننته، يفقدهُ معناه ومغزاه الحقيقي، أو قل: يجعل منه طبيعة مغايرة لطبيعته. هكذا تتحول الفجأة من جوهرها المفاجئ إلى شكلها الممل، حيث كل شيء يكون وفقاً لجيجك: “.. صدفي، بإستثناء الصدفة نفسها التي هي ضرورية إطلاقاً – الضرورة، إذن، تصبح ضامن خارجي للصدفة الكونية.”

لكنه لا يطرح نوعاً من كوننة الضرورة في مقابل كونية الصدفة، بل أنه يقدم: “اللا – كلي “النسوي” للصدفة: ليس هناك شيئاً ليس تصادفياً، ولهذا السبب ليس- كل-شيء تصادفي. وفي مثل الوقت، هناك اللا- كل للضرورة: ليس هناك شيئاً ليس ضرورياً، ولهذا السبب ليس-كل-شيء ضروري”.

لا يرى جيجك أن هناك أي أساس منطقي وراء وضع هيغل في خانة المثاليين، بل كان على آلتوسير إعتباره واحداً من الشخصيات البارزة للتيار السري لمادية الصدفة، حيث لهيغل مفهوم تصادفي إزاء الصيرورة. يرى جيجك أن الديالكتيك الأصلي لهيغل )بالتعديلات المادية) غير مضر إطلاقاً بالمادية، وإنما هناك مفهوم عام خاطئ متمحور حول هيغل، وهذا المفهوم الذي يجب أن يُنتقد وليس نسبه إلى فكر هيغل بشكل عام.

للمفارقة، مأخذ جيجك على المفكرين والكتاب الذين ينتقدون هيغل هو أن نقدهم مبني أساساً على سوء فهم عام، كونه مفكرين اخرين أو تراكمات لأخطاء نظرية شائعة، حول فلسفة ( ديالكتيك) هيغل. لكنه لا يلاحظ أن نقده الموجه لسبينوزا، في خضم وضعه في هذه المجابهة، مبني على سوء فهم هيغل نفسه للفلسفة السبينوزية ككل، أو كما أحبَّ بيار ماشيري أن يقول: فلسفة هيغل هي العائق الاساسي الذي يحول دون فهمه لفلسفة سبينوزا التي أتت، كما يقول آلتوسير، بشكل إستباقي للهيغلية نفسها.

في كتابه ( الإرتداد المطلق) ينتقد جيجك سبينوزا بتلك الكلمات المطابقة التي استخدمها هيغل ضد سبينوزا في كتاباته: إن الجوهر الاسبينوزي هو جامد ثابت لا حركة فيه، أو قد يضاف إلى ذلك: ممل. سبينوزا لا يعرف السلبية ولا النفي السالب، كل ما في “الجوهر” ما هو إيجابي محض دون أية سلبية، بينما هيغل، أو مقولات : النفي السالب والتناقض، هو المخرج الوحيد للبرود الإسبينوزي، أو فشله النفيي هذا. بإختصار: يعالج جيجك فلسفة سبينوزا بمثل طريقة معالجة هيغل لها .. عبر أن تكون الفلسفة عائقاً لهذه المعالجة، لأنها تقدم، بالفعل، هذه الحدود التي تموقع ذاتها في المكان المناسب للنقطة العمياء، أو قل: منطقها هو هو التموقع هذا بالذات.

هذا يذكرنا كثيراً بما قاله عبدالناصر في خطاب النكسة” “إن العدو الذي كنا نتوقعه من الشرق .. جاء من الغرب”، ما بين النقطتين “نقطة عمياء” تُظهر شيئاً بمظهر مرئي (أو غير مرئي) ولكنه ليس حقيقياً. وضع الديالكتيك الهيغلي نفسه في هذه النقطة، أو بالأحرى الديالكتيك الهيغلي هو النقطة هذه. إن المادية الحديثة إما تكون مشتقة من الإسبينوزية أو لا تكون، أو إذا كان علينا أن نكون أكثر صراحة: المادية إما تكون سبينوزية أو لا تكون.

يوظف جيجك تعبير “ليس – كل- شيء” لدعم مقولاته الفلسفية.. فإذا كان ليس- كل- شيء ضرورياً، وفي مثل الوقت ليس- كل- شيء تصادفياً، فهذا يعطي جيجك القوة الفلسفية في أن يسمح للـ “مستحيل” أن يحدث في فضاء “المحتمل”، وهذا برأيه ما لا تقدر عليه كوننة الكلينامين.. أيّ إنها تفقد عامل “الصدفة” أو “الفجأة” عبر جعلها ضرورة. إذا كان كل ما يحدث هو المستحيل، فإذن تنتفي إستحالته ويصبح المحتمل دائماً في إستحالته.

يبدو هنا أن جيجك يعاني من قصور في فهم آلتوسير المتأخر.. صحيح، أن المادية التصادفية (أو كوننة الكلينامين) تضع “الإستثناءات”، و”ألفجأة”، “والصدفة”، و”الحدث” أولية على كل شيء آخر، وأن هذه الأولية ثابتة، إلا أن شكلها قد ينزاح أو يبدو بأنه آخر.. ولو أنها كذلك بشكل أثري. لا بد من وضع لعبة الأوليات في البال هنا: حين نقول أولية الصدفة على الضرورة، أولية الغياب على الحضور، أولية الإيجاب على السلب، أولية العناصر على البنية.. إلخ، هذا لا يعني أن هذه الأولية ينقصها عامل الإنزياح.

فبينما يضع جيجك قوانين مطلقة للكون عبر تعبير “ليس- كل- شيء”، فإن المادية التصادفية تضع هذه المقولات في لعبة الصيرورة نفسها.. للصدفة أولية على الضرورة، ولكن حالما “تمسك” الصدفة في “فجأتها” فإن علاقة الأولية تتبدل لتكون هناك أولية الضرورة على الصدفة. هناك قوانين، هناك أشياء تحدث بنمطية، هناك ضرورات يمكن قياسها وتحديدها .. هنا يمكن للمرء أن يضع أولية للضرورة، ولكن ليست لهذه الأولية أية ثبات بما أنها في الحقيقة “شكل” زائف لأولية الصدفة على الضرورة. كل ما هناك هو إستثناءات، وتقطعات، وتجذمرات.. لكن بعد “انجاز” الشيء تنقلب الصورة لتبدو في شكلها الضروري، ولهذا السبب تظهر الصدفة بشكلها “المفاجئ” رغم أن لها أولية دوماً.

هذا جلي تماماً حين قال فيتغنشتاين إن العقل دائماً في حدود الجنون؛ المرء قد يجن في أية لحظة. الجنون يظهر دائماً بشكل “مفاجئ”، رغم أننا دائماً على حدوده. بل كان يمكن ليفتغنشتاين أن يقول جميعنا مجانين فعلاً  لكننا نبدو “عكس” ذلك.. إلى اليوم الذي نجن فيه؛ هذا لا يبطل “فجأة” الجنون على الإطلاق. مثال آخر، وهو مثال غير محبذ لدى جيجك: حين يضع فرويد في المجابهة الوعي واللاوعي، فإن للاوعي (الإيجاب المطلق الذي يخلو من أي تناقض وسلب) أولية على الدوام، وإن كان الوعي، ظاهرياً وعلى نحو زائف، يبدو أولي؛ المكبوت من اللاوعي دائماً يباغت الوعي، ينقض عليه من وراء ظهره، ومن بعد سلسلة من الإنكار “لكن.. لا يمكن أن تكون المرأة التي أحلم بها هي أمي، تظهر الحقيقة المفاجأة “أنها كانت، دوماً، أمي”، رغم أنها كانت موجودة هناك دائماً- بالفعل. ومع أن اللاوعي يتم إنكاره، وطمسه، وكبته عبر الوعي نفسه، إلا أنه دائماً يلاحق، بشكل شبحي، الوعي نفسه.. مثلما يلاحق الموت الحياة.. مثلما يلاحق الذوبان الجليد.. مثلما يلاحق الجنون العقل، إلخ. ما عليك سوى أن تستدير إلى الوراء لترى ما يلحقك منقضاً عليك بشكل مباغت.

يجد جيجك في أطروحاته الفلسفية مشروعاً جديداً لمادية ديالكتيكية مبنية على أسس جديدة؛ على  ديالكتيك المادية الديالكتيكية أن يكون ديالكتيكاً إرتجاعياً. هنا يرجع إلى توظيف آخر لمفهوم الكلينامين، أو الـ “اقل من لا شيء” (أو ما يسمى باليونانية بالـ “دِن”: المشتقة من كلمة “ميدِن” التي تعني لا شيء، وبذلك يكون “دِن” بلا أي معنى.. كأنما يقول المرء “يء وليس “لا شيء”.. أو hing وليس nothing).  جيجك يبحث عن مادية  “أقل من لا شيء”، ولهذا السبب يبحث عن لحظة “غير ديالكتيكية” تدخل في الحركة الديالكتيكية نفسها، هذه اللحظة تتمثل في ما هو “زائد”؛ الزائد الذي ينتج عن عملية ديالكتيكية التي لا تعطي نتيجة إيجابية كلية، بل نتيجة لا- كلية غير متوقعة؛ تأثير أدورنو هنا واضح جداً. مثال على ذلك سيكون حركة رأس المال عند ماركس: نقد-سلعة- نقد` (هذ الزائد الذي يطرح مستلزمات وجوده). التاريخ يبقى مفتوحاً على إحتماليات تصادفية متعددة لا يمكن توقعها ولا يمكن فهمها إلا بشكل إرتجاعي، أيّ بدءاً من الأقل من لا شيء.

يمثل نفي النفي ما يسميه جيجك نفياً فاشلاً، من حيث يتم فرض النفي الأول الذي ينتهي بفشل، ليحمله النفي الآخر نحو “تصحيح إيجابي” الذي يولد ما هو اللامتوقع دوماً؛ الذي يسميه أدورنو “اللا- كلية”.  نفي الشيء هو اللاشيء، ولكن نفي اللاشيء المنفي هو ليس شيء آخر بل أقل من لا شيء. يجد جيجك دعمه لهذا المفهوم عبر مفهوم آخر وهو الـ “أوفنبانغ السفلي” المنسي عند هيغل بدلاً من الإلتزام بالـ “أوفنبانغ التصاعدي” المشهور عنده، الأخير ينطلق، إستعمالاً المثال الذي يقدمه جيجك، على النحو التالي: الحياة – الموت – الحياة ما بعد الموت في الذاكرة الجمعية، بينما الأول ينطلق على هذا النحو: الحياة – الموت- اللاموت.  هذا يعني أن الـ “أوفنباغ السفلي” أو “التركيب-السفلي لا ينتهي بخلاصة كاملة بل بأدنى نقطة للسلب الذي يولد لماهو “متبقي” (أدورنو يطلق عليه مثل التسمية كذلك).

لكن ينعكس هذا المنطق في فهم جيجك للتاريخ؛ إن التاريخ دائماً يأخذ الوجهة  الخاطئة، لا يتم الوصول أبداً إلى المقصد الأصلي؛ فالثورة الروسية أدت إلى الكارثة الستالينية أو صعود التطرف الديني في ظل الحرية الإستهلاكية. وبذلك المعنى الحركة الثورية دائماً محتومة بالفشل أولاً، وعليها أن تتكرر مرة أخرى، مستفيدة من كل دروس الفشل، لتنجح.

الآن فقط تكسب الحركة الشيوعية أهميتها في تكرارها بما أنها فشلت في المرة الأولى، حيث بإمكان هذه الحركة الإستفادة من دروس الماضي. هكذا، يجب أن يكون هناك جرحاً في البداية، ومن ثم الجرح سيلتئم بنفسه. لكن تترتب عدة أخطاء على الإستنتاجات التي يستخلصها جيجك، فهو أولاً، مع ديالكتيكه هذا، لا يرجع الفشل إلى الأوضاع الملموسة التي تترتب عليها الكارثة أو الفشل الأعظم لأنه يتجاوز الأوضاع الملموسة لفشل الحركة الشيوعية ويرجع بها إلى ما يشبه الحتمية الكونية (على الحركة أن تفشل أولاً)، وعن غير قصد يستبدل غائية بأخرى.. فحين يبقى التاريخ مفتوحاً إلا أن تحقيق المشروع يبقى هو هو- اللهم عليه أن يفشل أولاً كي ينجز فيما بعد. ثانياً، بهذه الرؤية لا نجد عند جيجك أي تنسيق مفهومي للتلقي، أو ردة الفعل، الذاتية الثورية للـ  اللحظة الراهنة (ما يتضمن ذلك من إستراتيجيات سياسية واضحة).

بل يمكننا أن نقول أننا نادراً ما نجد عند جيجك أي مفهوم يتضمن اللحظة الراهنة، أيّ اللحظة المفردية التي تطرحها الحالة؛ ليس للأمير الحديث – كما يسميه غرامشي- أي حضور كالمتلقي الذاتي لمتطلبات اللحظة الراهنة في التحول الثوري نحو الشيوعية عند جيجك (أو كما عند ماكيافيلي: على الأمير أن يجسد المشروع البورجوازي لتأسيس دولة قومية إيطالية). غياب هذا المفهوم، أو قل: تغييبه، يجعل من فكرة “الفشل المحتوم” فكرة ميتافيزيقية غير قائمة على أي أساس فعلي، بل على أساس أنطولوجي ضروري. ثالثاً، يعزز هذا المنطق إستحقار واضح للذوات الفاعلة الثورية؛ ليس لتجاربها، أو سيرورة عملها، أي معنى- بما أن هناك أساس أنطولوجي ديالكتيكي للفشل الأول (النفي الفاشل) فقط ليأتي من بعده نفياً أخر ليصحح هذا الفشل بشكل إيجابي. لكريستاين فوكس ملاحظة مهمة جداً: لماذا هذا الفشل الجيجكي محكوم بالحركة الثورية نفسها؟ ألا يعني ذلك أنه يمكن للرأسمالية (أو البنية الإجتماعية القائمة) أن تصحح نفسها دوماً كذلك؟ يبدو لي أن هذه الملحوظة صحيحة تماماً، لماذا يفترض جيجك أن منطقه يطبق فقط على الحركة الثورية؟ بمعنى آخر: ديالكتيكه هذا، بما أنه يطبق على كل جوانب الحياة (إلا إذا إفترضنا أن هناك ما يسمى بديالكتيك أعرج)، يفترض -عن غير قصد- أن يمكن للرأسمالية أيضاً أن تصحح نفسها دوماً وتستفيد من فشلها الدوري، وبذلك تتأبد.

يرفض جيجك الـ “كلينامين” ويختار الـ “دِن”، حيث الكلينامين يمثل تدخلاً ما بين الواحد والفراغ، أيّ يفترض مسبقاً وجود كينونات أرسطية “واحدة”. المادية التصادفية، في الجانب الآخر، تفترض أمراً آخر: المسألة هي ليست، كما عند باديو، أن في البدء كانت هناك ذرات (واحدة) تتساقط بتواز في الفراغ (الواحد/الفراغ) ومن ثم يأتي الكلينامين ليفعل التصادم والتصادف. على العكس تماماً، وجود الذرات والفراغ السابقة على الكلينامين هي ليست موجودة سوى بشكل موهوم أو شبحي، ليس لها أي وجود حقيقي على الإطلاق؛ الكلينامين هو الذي يعطي الذرات والفراغ السابق عليه حقيقتها، ولهذا السبب للكلينامين أولية على الخط المستقيم.

ما تنقصه الفلسفة الديالكتيكية عند جيجك هو ما نسميه في لغتنا المفهومية الواقع الذي عليه أن ينجز (كما نجده عند لينين، وماو، والقديس بول، وماكيافيلي، وأبا بكر الرازي أيضاً) فهو يبقى مفهومياً ما بين صيرورة المنجز والواقع المنجز وحسب، ويغيب عنده تحقيق هذا الواقع، أيّ بالضرورة التحقيق الثوري له. ومهما حاول جيجك توظيف التصادفية ما بين صيرورة المنجز والواقع المنجز فإنه سيبقى في رحاب مثالي (أو في أفضل الحالات: مادية ميكانيكية) للإنجاز التصادفي لهذا أو ذاك الواقع. ليس هناك أي إنجاز لهذا الواقع؛ إنجازيته محكومة بحركة ديالكتيكية تبدأ بالفشل ولكنها تتحقق بالتكرار، من دون أية منظمات ثورية، من دون أي نظرية ثورية، من دون “اللحظة الراهنة” التي تطرحها الحالة (والتلقي الذاتي لها)، من دون تعدد الإحتمالات لتحقق النزعة المضادة لما هو قائم. بإختصار: شكل مغلف، حتى لو كان عن غير قصد، للمثالية.

ما نحتاجه اليوم، أكثر من أي وقت مضى، هو فلسفة مادية حقيقية قادرة على إبقاء قبضتها الصارمة على المفاهيم المادية في وجه كل المثاليات وإن تقنعت بالمادية أو حتى آمنت بإنها مادية صرفة. إنتقد تشومسكي مؤخراً تلاعب الألفاظ الذي يستخدمه بعض من الفلاسفة المعاصرين ومن ضمنهم جيجك نفسه.. أعتقد يمكننا تبرير إنتقاد تشومسكي؛ هناك فرق واضح ما بين الصعوبة الفلسفية (التي هي حتمية) وما بين التلاعب اللفظي المتعمد لإخفاء شيء ما، فعلى الرغم من شهرة جيجك وتأثيره الواضح على اليسار إلا أنه من الممكن، عبر بعض أفكاره، يقوم بتسريب المثالية تحت مسمى المادية.

قال ماركس قديماً إن كتاب برودون في بؤس الفلسفة هو عبارة:  (“ألغاز”، “أسرار منزوعة من قلب الله”، “الوحي بنفسه” – لا ينقصه اي شيء إطلاقاً) .. كم يمكننا تطبيق هذا الكلام، بمثل المصداقية، اليوم على أغلب أفكار جيجك!

اقرأ المزيد

تحديات التننمية في دول مجلس التعاون

تمكين المجتمع وتحريك قواه لمواجهة الجمود

تحديات التننمية في دول مجلس التعاون

منذ اواسط 2014 شهدت دول مجلس التعاون انخفاضا حادا في اسعار النفط حيث انخفض من 115 الى اقل من 50 دولار. هذا الانخفاض ادى الى عجوزات في ميزانيتها وتوقف برامج ومشاريع بنى تحتية واضطرت الى السحب من صناديقها السيادية واحتياطياتها. ومايزال الخطر قائما مع استمرار الاسعار في حدود الخمسين دولار مع كل ما يمثله ذلك من عدم استقرار مالي واقتصادي في الدول المصدرة للنفط يهدد بعضها بالتضخم والانكماش. هناك عدة اسباب ادت الى هذا الانخفاض منها الركود في اوروبا وتراجع النمو في الصين، وارتفاع التقنيات في تحسين كفاءة الاستهلاك، وزيادة العرض بسبب الاستثمار في النفط الصخري والرملي.

ان استمرار الانخفاض، في الدول التي لا تملك احتياطات كبيرة مثل البحرين وعمان، يشكل اما تحديا يتمثل في صعوبة استمرار الانفاق الحكومي وما يصاحبه من صعوبات اجتماعية وتوترات سياسية. واما يشكل فرصة مواتية لاصلاح سلوك الحكومات المالي والصرف البذخي والفساد والاسراف والتبذير، والدفع في اتجاه التنويع والاصلاح السياسي والاقتصادي. هذا الإجراء الاصلاحي مع خفص الاسعار سوف يمنح دول الخليج القدرة على كسب حصة اكبر من السوق والوصول الى توازن السعر في المدى المتوسط متى ما خرج من السوق المنتج الاقل كفاءة.

السؤال هل استفادت دول المجلس من الانخفاضات السابقة في الاسعار من حيث تنويع الاقتصادات والحد من التعرض لتقلبات الاسعار؟ يتعرض الباحث رشا مصطفى عوض لهذا السؤال في ورقة بعنوان: “التنويع الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي: الواقع الراهن والمستقبل المأمول” تعرض الورقة عملية تنويع الاقتصاد التي ترتكز على خمسة محاور هي:

  • اصلاح الإطار العام لادارة الاقتصاد الكلي في دول المجلس من خلال تحرير العملة الخليجية عن الدولار لكي يمكن استخدامها كأداة لادارة الاقتصاد الكلي مع السياسة النقدية في حالة اقرار نظام ضريبي متطور والسياسة المالية. في الوقت الحاضر تنحصر قدرة دول الخليج في ادارة الاقتصاد على استخدام الانفاق الحكومي فقط.
  • تنمية رأس المال البشري ومراكمته ليصل الى الحد الادنى المطلوب. إن وجود قدر محدود من المتعلمين والمأهلين لا يكفي لخلق حركة تنموية. يحتاج الامر الى خلق قاعدة كبيرة تشكل كتلة حرجة تنطلق منها عملية تنويع فعالة. خلق مثل هذا القاعدة يتطلب ايجاد حوافز مجزية لتحسين جودة التعليم والاقبال عليه. كما يتطلب الأمر الحد من الصراع على التوظيف في القطاع العام كمكافأة على الولاء أو لتوظيف الأهل والاقارب والمعارف أو وسيلة لتوزيع الريع. حدوث ذلك يضعف الدافع للتعلم والاجتهاد فيه. الحد من هذه الممارسات خاضعة لمدى قدرة المجتمع على محاربة هذه الظاهرة من خلال الصحافة والمجلس النيابي ومنظمات المجتمع المدني الاخرى.
  • رفع كفاءة وانتاجية القطاع العام. في الوقت الحاضر وصل القطاع العام الى حد التشبع واصبح من الضروري رفع كفاءته وتعزيز الحوكمة فيه. اول شرط في اصلاحه هو البدء من رأس المؤسسة من خلال توفير النزاهة والاهلية وربط الاداء والانتاجية بمبدأ المحاسبة والثواب والعقاب. هذا من شأنه حفز الشباب على الاجتهاد والتعلم والاستفادة من الكفاءات في المجتمع للتنافس على المواقع القيادية وفق آليات السوق. التواني في احداث ذلك وتمكين الشباب المؤهل يرسل رسالة خاطئة الى الشباب والناشئة بعدم اهمية الاجتهاد والتأهيل. عدم اعتماد ذلك يوصل قيادات ضعيفة تفسد العمل المؤسسي وتعوق تكوين رأس المال البشري وتراكمه، كما يؤدي الى حرف النشاط الانتاجي الى نشاط استحواذي وطلب للريع.
  • اصلاح القطاع الخاص بعيدا عن النخب السياسية والتسول من الدولة. الاقتصاد الخليجي يعاني من قلة التنويع وقد انقاد القطاع الخاص الى سلوك احتكاري يفاقم الوضع. يتركز نشاط القطاع الخاص في مجالات محدودة هي المقاولات، وتجارة الاستيراد من خلال الوكالات التجارية، والخدمات. هذه الانشطة ركزت الثروة في شرائح محدودة من الافراد والعائلات في المجتمع ترتبط مصالح بعضها بالنخب السياسية. شكل ذلك موانع لدخول انماط اخرى من الانشطة مثل التصنيع الذي يتضارب مع مصالح هذه الفئة. فالقطاع الخاص كان قبل النفط اكثر استقلالية وتنظيما وقوة تفاوضية واكثر تاثيرا في صنع السياسات المحلية وفي تقديم الخدمات مثل التعليم. وكان يشكل اكبر قوة معارضة عندما كانت الحكومة تعتمد على الضرائب من الغوص والتجارة والزراعة. ظهور النفط حيد التجار ورجال الاعمال والصناع وخلق منهم طبقة طفيلية تم شرائها من خلال نظام الوكالات. هذه العلاقة واعتماد القطاع الخاص على ايدي عاملة رخيصة قضت على حوافز الاستثمار طويل الاجل في القدرة الانتاجية او في تكوين رأس المال البشري. والاخطر من ذلك ان نسبة كبيرة من رؤوس الاموال المتراكمة تذهب خارج نطاق السوق ولا يستفيد منها المواطن. هذا يستدعي مراجعة نظام الوكالات على مستوى الخليج بما يشجع على المنافسة ويتيح المجال لنمو قطاع صناعي تنافسي يشجع الابتكار.
  • بناء قاعدة صناعية بعيدة عن القطاع النفطي. ارتبطت التنمية بالتوسع الصناعي، مثال على ذلك الثورة الصناعية في بريطانيا واللحاق بها في امريكا واوروبا، والنمو السريع في دول شرق اسيا وامريكا اللاتينية. اما التنمية التي تعتمد على المواد الاولية مثل النفط فهي متقلبة وتتسم بالمضاربة المحلية في القعار والاسهم. اذا الهدف من بناء القاعدة الصناعية هي تنويع الاقتصاد واستحداث مجالات وانشطة جديدة بمحتوى تقني قادر على المنافسة. يتم ذلك من خلال سياسة صناعية تشخص مواطن الخلل والمعوقات وضعف التنافسية والابتكار وايجاد الحلول الملائمة لها وتوليد مبادرات بناء على ذلك. اهم المعوقات هي نظرة رجال الاعمال الى هذا النشاط على انه منخفض الربحية مقارنة بالمتاجرة وبيع السلع المستوردة وفق نظام الوكالات الاحتكاري. والتحدي الذي يواجه دول الخليج هو كيف تحفز القطاع الخاص لتخطي هذا الحاجز.

هذه الدراسات وغيرها تبين أن الوسيلة نحو التنمية معروفة. هناك العديد من الدراسات التي تحدد ما هو مطلوب للتنمية ولدينا الموارد المادية والقوى البشرية لاحداث الانتقال نحو المجتمع الانتاجي لكن وعلى مدى نصف قرن فشلت منطقة الخليج في احداث هذا التحول. لماذا الفشل في الوقت الذي تتوفر مقومات النجاح المادية؟ التفسير الوحيد الذي يمكن ان يصل الى درجة معينة من الاقناع هو الجمود المؤسسي الذي يصيب الدول التي خطت في اتجاه التحول الاجتماعي والتحول الاقتصادي لكن عدم قدرتها على التحول السياسي يفقدها القدرة على الحركة والتقدم واتمام الانتقال نحو الاقتصاد الانتاجي المعتمد على قوى السوق والمنافسة الحرة.

أحد أهم أسباب هذا الجمود هو ان مصالح النخب السياسية في المنطقة تتعارض مع ديناميكية التنمية التي في النهاية تؤدي الى استقلال المجتمع وفئاته المختلفة عن الإرتباط بالدولة الريعية والاعتماد عليها. هذه الاستقلالية نقيض للحاجة إلى الهيمنة والسيطرة التامة على المجتمع ونقيض لتفتيت المجتمع إلى طوائف وتكتلات منقسمة على نفسها وفيما بينها. التنمية تخلق مصالحَ يمكن أن تلتقي عليها الجماعات فيتكون لديها وعي بمصالحها فتطالب بالمشاركة لحماية هذه المصالح التي اصبحت تختلف عن مصالح النخب السياسية في الدولة الريعية.

في حالة الانسداد هذه تنحصر خيارات المجتمع والدولة في التقدم وتحقيق التنمية في خيار واحد هو تمكين المجتمع وتحريك قواه ومصالحه نحو التكتل لمواجهة الجمود والتغلب عليه بخلق زخم مجتمعي يضغط في مسار التنمية في مواجهة المصالح المستفيدة من استمرار الجمود وإبقاء الوضع كماهو يعتمد على قطاع العقار والتجارة والمقاولات.

اقرأ المزيد

المنبر التقدمي يطالب باطلاق سراح المناضلة الفلسطينية خالدة جرار ورفاقها ويعبر عن التضامن مع نضال الشعب الفلسطيني

يعبر المنبر التقدمي في البحرين عن إدانته لاقدام سلطات الاحتلال الصهيوني على اعتقال النائب خالدة جرار، عضو المجلس التشريعي الفلسطيني وعضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ضمن حملة مداهمات واسعة في الضفة الغربية المحتلة، شملت العديد من قيادات وناشطي الجبهة الشعبية وفي مقدمتهم النائب خالدة جرار والناشطة النسوية ختام السعافين والأسير المحرر إيهاب مسعود وسواهم من الناشطين والمناضلين الفلسطينيين صباح يوم الأحد الثاني من يوليو.

ويشدد المنبر التقدمي على إن اعتقال الرفيقة خالدة يعتبر انتهاكاً صريحاً للإتفاقيات الدولية المعنية الضامنة للحصانة البرلمانية دولياً للممثلين المنتخبين من قبل الشعوب، ويأتي في سياق ما اعتادت عليه سلطات الاحتلال في تعاملها مع الشعب الفلسطيني وممثليه الشرعيين.

ويدعو المنبر التقدمي في البحرين إلى مشاركة جميع القوى الوطنية وقوى المجتمع المدني والجمعيات النسائية والإتحاد النسائي الى المشاركة في التضامن مع المعتقلات والمعتقلين الفلسطينيين، واستنكار ما اقدمت عليه سلطات الاحتلال من اجراءات قمعية، والوقوف مع الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية في نضالها ضد الاحتلال وسياساته.  

كما يشدد المنير التقدمي على دعوة جميع القوى الفلسطينية بالعمل على توحيد جهودها في إستعادة وحدة الشعب الفلسطيني، كأداة أثبتت التجربة صوابها وفعاليتها في كسر وردع صلف المحتل، كما أظهر ذلك بوضوح، وقبل فترة قصيرة، صمود ووحدة المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال والذي وقف الشعب الفلسطيني خلفهم طوال فترة اضرابهم عن الطعام، ما حمل سلطات الاحتلال على الرضوخ لمطالبهم.

 

4 يوليو 2017

المنبر التقدمي

اقرأ المزيد

قراءة في واقع الحركة النقابية البحرينية (16)

بعد تصاعد الخلافات في الساحة النقابية كما أوضحنا في الحلقات السابقة، بسبب الخروقات للنظام الأساسي التي ارتكبتها الأمانة العامة لضمان الهيمنة على هياكل الاتحاد العام للنقابات، وما استتبعه من تقديم استقالات العرادي والقصاب، وبروز ظاهرة الاتهامات المتبادلة بين مختلف الاتجاهات النقابية، وانتشارها على صفحات الجرائد، ودخول اللجان العمالية التابعة للجمعيات السياسية والمهتمين بالشأن العمالي والنقابي في الصراع القائم، بدأت الحوارات الجانبية بين الكوادر النقابية في تجمع النقابيين الديمقراطيين وبعض المهتمين بالشأن النقابي بالتحاور مع القيادات في الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين لغرض تهدئة الأمور وحصر الخلافات بين النقابيين وفي إطار الهياكل النقابية في الاتحاد العام النقابي.

وفعلا بدأت الأمور تتجه للتهدئة وتتقلص تدريجيا مساحة النشر في الصحافة وتنحصر الحوارات والمناقشات بين النقابيين في الاجتماعات النقابية سواء على مستوى النقابات أو تجمع النقابيين أو في اللقاءات التي تضم نقابيين وأعضاء من الأمانة العامة أو في اللقاءات الجانبية بين الأمين العام وبعض الكوادر النقابية خارج إطار الأمانة العامة للاتحاد، وبعد انعقاد المجلس المركزي بدأت تنحسر تدريجيا ظاهرة تناول الخلافات النقابية في الصحافة المحلية، وتنحصر في إطار المجلس المركزي.

ظاهرة الانقلابات البيضاء في بعض النقابات العمالية

لم يمض على عملية التهدئة سوى بضعة أسابيع حتى برزت ظاهرة الانقلابات البيضاء في عدة نقابات عمالية، ونقصد بها موجة تدوير المناصب في بعض مجالس إدارة النقابات العمالية، وكانت تستهدف تغيير المسؤلية النقابية خاصة منصب الرئيس ونائب الرئيس وقد حدث ذلك في كل من نقابة الصحة ونقابة الأشغال والإسكان ونقابة طيران الخليج وكان مدرج في القائمة نقابات أخرى.

والغريب في الأمر أن تلك الانقلابات كانت تجري لغرض تغيير الهيكل التنظيمي للنقابات والإتيان بعناصر جديدة قد لا تكون مؤهلة لقيادة العمل النقابي، مما يكشف عن عملية منظمة ومخطط لها من قبل جهات تستدهف استكمال الهيمنة على باقي النقابات العمالية من قبل الكتلة المهيمة على الأمانة العامة وضمان وصول مندوب محسوب عليها للحصول على الأغلبية في المجلس المركزي المزمع انعقاده. وهو ما يفسر التلكؤ والتباطؤ في عقد اجتماع المجلس المركزي المخطط له أن لا ينعقد إلا بعد استكمال فرض الهيمنة المطلقة على أغلبية النقابات العمالية وبالتالي الاستحواذ على المجلس المركزي وامتلاك قراراته بما يخدم توجهات الكتلة المهيمنة على الأمانة العامة لاتحاد النقابات.

حول هذه الأحداث جاء في بيان تجمع النقابيين الديمقراطيين الصادر بتاريخ 7 إبريل 2004م:

“يحذر تجمع النقابيين الديمقراطيين من خطورة مما يجري لبعض النقابات من محاولات لقلب موازين القوى داخل قياداتها لصالح بعض الأطراف السياسية التي تطمح إلى بسط نفوذها على مجمل الحركة النقابية بعد أن نجحت في فرض هيمنتها على أمانة الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين. فما حدث لنقابة الصحة ولنقابة الأشغال والاسكان وما يجري حاليا لنقابة طيران الخليج هي محاولات لإجراء انقلاب داخل مجالس إداراتها لمصلحة القوى المهيمنة على الاتحاد العام في خطوة للاستحواذ على المجلس المركزي المزمع انعقاده وضمان تمرير كل التجاوزات الدستورية التي قامت بها الأمانة العامة وما يمكن أن تمرره في المستقبل لفرض توجهات الكتلة السياسية المهيمنة على الاتحاد.”

“أن ما جرى في نقابة الأشغال والإسكان ويحدث في نقابة طيران الخليج حاليا من تدوير للمناصب داخل مجالس إداراتها وبآلية الإقصاء لا يخدم الحركة النقابية والعمالية ويؤدي إلى تعميق الخلافات وبالتالي شرخ الحركة النقابية الذي لن يستفيد منه سوى الأطراف والجهات ذات المصلحة في تفكيكها وإضعافها.”

الاحتكام لإدارات الشركات لفض المنازعات النقابية – طيران الخليج مثالا

 

لم تتوقف هذه الانقلابات البيضاء عند هذا الحد بل تعداه إلى درجة أن يتم الاحتكام إلى إدارات بعض الشركات لحسمها كما حدث لنقابة طيران الخليج، فقد جاء في بيان لتجمع النقابيين الديمقراطيين صادر في 4 يونيو 2004م:

“أن تفاقم المنازعات بين النقابيين في بعض النقابات العمالية بسبب بروز أصابع خفية لبعض الأطراف السياسية في محاولة للهيمنة على القرار النقابي يثير القلق حول مصير الحركة النقابية وهي في بداية تكوينها لدي الرأي العام العمالي والنقابي، ويؤدي إلى خلق البلبلة في أوساط النقابيين وإلى خيبة أمل العمال وفقدان الثقة بالحركة النقابية. وما يزيد من هذا القلق هو موقف الأمانة العامة للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين من هذه المنازعات والخلافات وتدخلها الصريح لتغليب طرف على طرف آخر، كما حدث في قضية طيران الخليج عندما بعثت الأمانة العامة رسالة إلى إدارة شركة طيران الخليج تطالبها بالاعتراف والتعامل مع أحد الأطراف المتنازعة في مجلس إدارة نقابة طيران الخليج دون الأخرى في حين لا زالت القضية في المحاكم ولم تحسم بعد لأي طرف من الأطراف.”

ويستطرد البيان مؤكدا على “أن ما يجري على الساحة النقابية من خلافات ونزاعات وصل بعضها إلى القضاء وربما يصل غيرها أيضا وبروز كتل نقابية بين الحين والآخر تعلن عن عدم ثقتها بالاتحاد العام للنقابات وتدعو إلى التعددية أو عقد مؤتمر عمالي لوضع حد للصراعات الحاصلة في الحركة النقابية وتصحيح المسار الخاطئ لها، هو نتيجة حتمية لكل الملابسات التي صاحبت التحضيرات لعقد المؤتمر التأسيسي وما جرى أثناء انعقاده من تدخل فج من قبل بعض الأطراف السياسية للاستحواذ على قيادة الاتحاد الوليد ومصادرة قراره النقابي وإقصاء كل معارض وهو ما حذر منه تجمع النقابيين الديمقراطيين في كل بياناته.”

تفاقم الخلافات النقابية وبروز دعوات لتشكيل كيانات نقابية أخرى

ونتيجة لهذه الأحداث بدأت تظهر دعوات للخروج من الاتحاد العام وتشكيل اتحاد آخر، كما بدأت بعض الأصوات في تجمع النقابيين الديمقراطيين تعيد طرح فكرة التعددية وتدعوا لها، وحول هذا الموضوع وتحت عنوان “تشكيل كيان ثان لـ اتحاد النقابات” نشرت الوسط في عددها 799 الصادر في 13 نوفمبر 2004م الخبر التالي بقلم هاني الفردان:

“خلص المشاركون في الندوة التي نظمتها حديثاً نقابة العاملين في شركة ألمنيوم البحرين (ألبا) إلى تشكيل لجنة تنسيقية بين عدد من النقابات العمالية ككيان معارض ثان للآليات التي تتخذها الأمانة العامة للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين بعد كيان التجمع الديمقراطي النقابي والذي تشكل من قبل عدد من النقابيين على إثر خلافات مع الاتحاد في بعض الأمور النقابية، ومن أهمها الاشتراكات المالية التي تدفعها النقابات للاتحاد.

وقال رئيس نقابة «ألبا» إبراهيم الدمستاني: «إن هذه اللجنة جاءت لمناقشة الوضع النقابي من خلال إقامة فعاليات وندوات تسعى إلى تلمس جروح العمل النقابي في المملكة من تهميش حكومي وغياب التعاون بين إدارات الشركات والنقابات العمالية فيها، وتخبط الأمانة العامة في الكثير من القرارات، من دون الخروج عن صف الاتحاد، وعلى ألا يعتبر انشقاقاً عنه، إنما هي حركة تصحيح في الجسم النقابي». وأشار الدمستاني إلى أن تشكيل هذا الكيان جاء للتركيز على ثغرات وسلبيات العمل النقابي بشكل عام وبشكل خاص داخل الاتحاد.”

“وأشار الدمستاني إلى أن تشكيل هذا الكيان جاء من أجل التركيز على ثغرات وسلبيات العمل النقابي عموماً وخصوصاً داخل الاتحاد، خصوصاً مع غياب الممارسات الفعلية للعمل النقابي وإن الوضع الحالي غير «صحيح».”

 

لقد نبهت الكوادر النقابية إلى خطورة بعض السلوكيات التي انتهجتها الكتلة المهيمنة على مجريات الأمور في الساحة النقابية، سواء كان ذلك قبل تأسيس الاتحاد العام أثناء تحول اللجنة العامة إلى الاتحاد العام لعمال البحرين وتشكيل اللجنة التحضيرية بالآليات التي تمت، أو أثناء انعقاد المؤتمر التأسسي وتداعياته، وبعد انتهاء أعمال المؤتمر التأسيسي وإعلان قيام الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، ومواصلة النهج نفسه لضمان الهيمنة على المجلس المركزي بعد نجاحها في الهيمنة على الأمانة العامة، وهو ما استدعى الإسراع  في القيام بالانقلابات البيضاء في بعض النقابات وضمان الأغلبية المطلوبة لتمرير القرارات بتزكيتها من قبل المجلس المركزي.

كثيرا ما تردد على لسان بعض المسؤلين في الأمانة العامة وكوادر نقابية محسوبة علىهم، بأن تدوير المناصب في النقابات التي تم فيها جاءت بشكل ديمقراطي وتعبيرا عن رأي الأغلبية في مجالس إداراتها، والسؤال الذي يطرح نفسه مالذي تغير واستدعى إعادة التدوير في مجلس الإدارة ولم يمض على تشكيل النقابات العمالية وانتخاب مجلس إداراتها أقل من عام واحد؟ ولماذا انحصر التدوير في منصبي الرئيس ونائب الرئيس؟ وإذا كان هناك خرق يستدعي أعادة تشكيل مجلس إدارة نقابة من جديد، أليس الأجدى والأصح دعوة الجمعية العمومية وبالآليات التي ينص عليها النظام الأساسي للنقابة لمحاسبة المقصرين وسحب الثقة منهم؟ وإعادة التدوير ألا يعني قبول الخرق أو الخطأ الذي ارتكبها أعضاء مجلس الإدارة والاكتفاء بتغيير الرئيس ونائب الرئيس وبقاء المرتكبين للخطأ في مجلس الإدارة؟ لو أن هذا حدث في نقابة واحدة كان يمكن تفهمه ولكن أن تحدث موجة إعادة تدوير المناصب في عدة نقابات وفي نفس التوقيت فهو أمر يطرح الكثير من التساؤلات ويثير الكثير من علامات الاستفهام!!

في ضوء هذه السلوكيات التي لا تخدم عمال البحرين، عقد تجمع النقابيين الديمقراطيين اجتماعا ناقش فيه المستجدات على الساحة النقابية وسبل تجاوز الخلافات والصراعات التي تنخر الجسم النقابي، وفي ختام الاجتماع أصدر التجمع بيانا جاء فيه “أن التجمع يراقب باهتمام بالغ المستجدات والتطورات على الساحة النقابية وما آلت إليه أوضاع النقابات والاتحاد العام لنقابات عمال البحرين من تفكك وتشتت لا يصب في اتجاه وحدة الحركة النقابية التي يدعو إليها ويعمل من أجل تحقيقها”

مؤكدا في الوقت نفسه على أهمية “الحفاظ على وحدة الصف في الحركة النقابية تحت مظلة الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، والعمل من خلال هياكله على تثبيت المبادئ والأسس النقابية الديمقراطية، لتصحيح المسارات الخاطئة وذلك من أجل تأسيس عمل نقابي مطلبي، ديمقراطي، يحفظ استقلاليته ووحدته يأخذ دوره الريادي في النضال الوطني والديمقراطي العام، من أجل تحقيق الأهداف السامية والمكاسب التي يتطلع إليها عمال البحرين، والعمل على صيانة استقلالية الحركة النقابية من أية تدخلات خارجية، والنضال من أجل تحسين أوضاع العمال المادية والمعنوية وفق ما تقرره القاعدة العمالية عبر الهياكل النقابية.” (الوسط العدد: 788 | الثلثاء 02 نوفمبر 2004م الموافق 19 رمضان 1425هـ)

ونتيجة لتفاقم الخلافات في الساحة النقابية بسبب تلك الخروقات التي ارتكبتها الكتلة المهيمنة على الاتحاد العام، ومع اتساعها بدأت تبرز ظاهرة التعدي على العمال والنقابات العمالية، فقد استغلت القوى المعادية للمصالح العمالية إنشغال الحركة النقابية بهذه الخلافات وبدأت تنتهك الحقوق العمالية والنقابية، حيث جرت موجة من التسريحات للعمال في عدة مواقع عمل وفصل قيادات نقابية من أعمالهم، وهو ما نبه له تجمع النقابيين الديمقراطيين سواء من خلال هياكل الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين أو من خلال بياناته العديدة التي تناولت هذه الخلافات وتداعياتها المحتملة على الحركة النقابية وأوضاع العمال.

اقرأ المزيد

لا تسرقوا لقمة العيش من أفواه الفقراء..!

تأخر الإعلان عن الموازنة العامة لعدة شهور

لا تسرقوا لقمة العيش من أفواه الفقراء..!

يمكن القول إن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة  التي تعيشها  بلادنا البحرين متشابهة في الكثير من وجوهها وافرازاتها مع ما تعيشه العديد من دول المنطقة العربية والخليجية على وجه الخصوص، وذلك راجع إلى طبيعة الهيكلة النمطية للاقتصادات الخليجية وجملة السياسات المتبعة بشكل عام، والتي استمرت في الاعتماد على النفط كسلعة ومورد وحيد في بنية اقتصاداتها الريعية لعقود طويلة، وبالتحديد منذ الاكتشافات النفطية مطلع الثلاثينات من القرن الماضي، حيث استمرت تموجات الأسعار ومستلزمات العرض والطلب هي المتحكمة في موارد تلك السلعة الناضبة، بالإضافة طبعا إلى جملة من التحديات ووجوه التنافس والاستحواذ والهيمنة لقوى بعينها على الأسواق الإقليمية والعالمية، والتي فرضت  سياسات وسقوف اسعار كانت على الدوام تتناسب وتتماشى مع برامجها وخططها الاستراتيجية المستندة على موقع ومركزية النفط كسلعة رئيسة في الاقتصاد العالمي.

ما يدعونا لتكثيف الحديث عن أوضاعنا المعيشية، هو ما نتابعه من مؤشرات وأرقام  وحقائق أضحت تمثل عوامل قلق حقيقياً للسواد الأعظم من الناس وخاصة الفقراء والعمال والشغيلة وفئات المتقاعدين تحديدا. على الرغم مما تطرحه بعض وسائل الاعلام المحلية من ترويج ممجوج، هو في حقيقته لا يعكس واقعاً معاشاً وملموسا من قبل فئات واسعة من مجتمعنا البحريني، بل يعكس قلقا وضياعا.

فقد تابعنا خلال الفترة القليلة الماضية، مؤشرات ودعوات ومبادرات، يتبعها صمت وهروب إلى الأمام بعيدا عن ملامسة تلك الأسئلة أو حتى الاصغاء إليها، مما  يفهم منه تعاظم وضيق الناس وتململهم من أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية التي تزداد تدهورا دون أن تجد حلولاً أو اجابات على ما يطرح من تساؤلات لا زال المهم منها مبهما، وهذا في حد ذاته يؤشر على حجم الارباك والتخبط الذي تعيشه السياسة الاقتصادية للبحرين، تلك السياسات التي  تعكس بشكل واضح غياب الرؤية الاستراتيجية ويزيدها تخبطا تعدد وتعارض قنوات القرار في البلد مما يفضي في نهاية الأمر إلى عدم وجود سياسة اقتصادية يمكن الاعتداد بها والوثوق في مخرجاتها، بل إنها تمثل في وجهها الأكثر وضوحا ردات فعل وقتية لا تستطيع مجرد الصمود والإستمرار أو اقناع الناس بجديتها وجدواها.

ولكي نعطي أمثلة على ذلك، يهمنا القول إن مجرد تأخر الاعلان عن الميزانية العامة لأكثر من خمسة شهور هو عامل قلق، ويدلل على أمور عدة من بينها  عدم قدرة السلطة التنفيذية وتتشارك معها السلطة التشريعية أيضا، في مصارحة الناس بما ترمي اليه من برامج تقشفية وضرائب ورسوم وتقليص منتظر في ميزانية بعض الوزارات الحيوية مثل الصحة والاسكان والتربية ومشاريع البنية التحتية وربما غيرها.

 وبعيداً عن طرح التساؤل التقليدي المعتاد المتمثل في  عجز الحكومة طيلة اكثر من اربعة عقود عن تنويع القاعدة الاقتصادية والاعتماد على النفط كمورد  شبه وحيد، حيث كانت أمام الحكومة فرص لعمل ذلك وتجنيب البلاد العيش تحت رحمة تقلبات أسعار النفط كما هو حاصل حاليا، والمرشح ان يستمر لفترة لا نعلم مداها.   أحيانا لا نفهم لماذا يتم غض الطرف عن الأخذ بسياسات استثمارية  عالمية أثبتت جدواها في ظروف مشابهة لظروف اقتصادنا على الرغم من توافر الامكانيات والموارد المالية والبشرية، وعوضا عن ذلك  ينشغل الإعلام بالترويج  بفهم احيانا وبغير فهم احياناً كثيرة لمشاريع لا ترقى لاقناعنا بجدواها او حتى امكانية اعتمادها كموارد بديلة، وكثيراً ما قيل في غعلامنا بجعل البحرين سنغافورة الخليج أو مركزا اقليميا  للسياحة العلاجية في المنطقة، أو موقعا دوليا استراتيجيا لتجارة الاستيراد والتصدير، ومؤخرا  قبلة للأعراس الباذخة لكبار القوم في العالم، على الرغم من  أن ذلك حق مشروع لنا كدولة واقتصاد وشعب، إلا أن التجارب علمتنا أن البهرجة الإعلامية العابرة  وغير المدروسة لا يمكنها أن تنتج  سياسات جادة يمكن الاعتداد بها.

 وعلى الجانب الآخر، نراقب تخبطات تتصل بمعضلة غياب ميزانية البرامج والاستراتيجيات والتخطيط للمستقبل، وهي سمة ملازمة لمختلف السياسات القائمة في البلد منذ عقود، حيث تتعدد قنوات القرار وتضيع الجدية وتنعدم الرؤية، وسبق أن تحدثنا في أكثر من مقال حول رؤية 2030 وعدم التعامل معها بجدية.  وكمثال على ذلك يمكننا القول إن كثرة الحديث عن حكومة مصغرة أو دمج بعض الوزارات خلال الفترة القليلة الماضية لم تفرز لنا الا مزيداً من الوزارات والوزراء والوكلاء ومزيدا من التضخم في الهيكل الوظيفي للدولة مما ينعكس بوجوه عدة على قنوات الصرف والباب الأول ( الرواتب) والمصاريف الادارية التي تستنزف منذ سنوات طوال اكثر من 80% من الميزانية العامة للدولة وبعلم الحكومة، فيما يضيع القطاع الخاص وتتراجع نسب العمالة الوطنية في سوق العمل  وتغرق صناديق التأمينات الاجتماعية وسط كل هذا التخبط وغياب السياسات!!

اتساءل أحيانا لماذا تحتاج البحرين لوزارة عمل وهيئة تنظيم سوق عمل وتمكين، ومعها لجان عديدة لا نعلم عددها، ومجلس تنمية اقتصادية ومجالس أخرى عليا للاتصالات وغيرها، وهي جميعها تبدو متشابهة ومتكاملة في الأدوار، في الوقت الذي  نعيش عصر التقشف وتراجع الموارد بصورة حادة، وفي حين لا أحد في السلطتين التشريعية والتنفيذية يريد ان يسأل عن تلك الملايين المهدرة التي تتحدث عنها تقارير الرقابة المالية منذ أكثر من خمسة عشر عاما، وغيرها الكثير من الملايين المضيعة في أروقة الفساد والمحسوبية، فيما تغرق البحرين بمزيد من الأجانب وتغوص شرائح واسعة من شباب بلدنا في الفقر والبطالة، ليخرج علينا تقرير رسمي مؤخرا متباهيا بأن البحرين قد وظفت 63 ألف أجنبي مقابل 969 بحريني فقط!! معتبرين ذلك نجاحا للسياسات الاقتصادية ودليلا على حيوية الاقتصاد الوطني!!

لسنا مضطرين أن ننظر بسلبية أو عدمية أو أن نكون غير منصفين، فمؤشرات التراجع الاقتصادي والتصنيف الائتماني للبحرين تحدثت عنها قنوات وجهات دولية تحظى بالمصداقية لدى الحكومة قبل غيرها، فيما صندوق النقد الدولي يقول لنا إن  سقف مديونية البحرين قد تجاوز 62% من ناتجها المحلي الاجمالي، وهو مؤشر خطير جدا ويدلل على انكماش اقتصادي لابد للحكومة من أن تتعاطى معه  بجدية خلال الفتر القادمة.

في الختام، نرجو ألا يكون التعاطي الرسمي مع كل ما ذكرنا من مؤشرات على حساب  أبناء شعبنا، فالبحرين لا تحتاج أن تسرق لقمة العيش من أفواه ابناءها لكي تصلح اقتصادها، ما يحتاجه اقتصادنا الوطني ومستقبل بلادنا هو الاحتكام لارادة سياسية وطنية مخلصة تضع الأمور في نصابها، ترتقي بمستويات العدالة الاجتماعية، وتهتم كثيرا بعومل المواطنة واحتضان العقول والكفاءات من أبناء الوطن ووضعهم في مواقع المسؤولية والقرار دون تمييز أو محسوبية، وعدالة توزيع الثروات وتحقيق شراكة حقيقية في صياغة القرار الاقتصادي والسياسي، حتى نكون بالفعل أوفياء لميثاق عملنا الوطني الذي توافقنا وصادقنا عليه منذ مطلع الألفية الجديدة، ولرؤية البحرين 2030 التي يكفينا الالتزام الأمين بتنفيذ ما ورد في حيثياتها.

اقرأ المزيد

كيف سنعالج مرضنا الصحفي إذا لم نقر بوجوده؟

في الأزمات تزداد الحاجة للصحافة الحرة

كيف سنعالج مرضنا الصحفي إذا لم نقر بوجوده؟

نحتفل في كل عام بيوم الصحافة ونتطرق إلى قانون الصحافة المستعصي على الصدور والذي تماطل الحكومة في إصداره عاما بعد عام، عبر ابقاءه أداة ضبط وسيطرة على الصحافة والنشر، في حين يتمنى الصحفيون والنواب تحديثه واصداره بنسخة منقحة وجديدة وخاضعة لمبادئ ومعايير حرية التعبير، لكن اذا تأملنا في الأمر فسوف نجد أن القانون وحده ليس هو السبب الوحيد في تراجع ترتيب البحرين صحفيا وفق ما تقول منظمة فريدوم هاوس، ومراسلون بلا حدود.

 إن السبب يعود إلى حالة الطقس السياسي المتذبذبة، فإذا كنا في حالة حراك سياسي صحي وسليم وانفراج وتحاور وتشارك مجتمعي وإن كان نسبياً، انعكس ذلك إيجابا على الصحافة وإذا تراجع الحراك السياسي تراجعت الصحافة وزادت الضغوطات على حرية التعبير، ولا ننسى انه في أعوام 2006 و2008 تحسن ترتيب البحرين وجاء ترتيبها في تصنيف البلد الحرة جزئيا، وذلك تطور لافت، وهو يؤكد ما سبق أن أشرت إليه من علاقة طردية بين الانفراج السياسي وحرية الصحافة.

 والآن وبعد مرور أكثر من 14 عاما على صدور قانون رقم 47 لعام 2002 لا يلوح في الأفق أن هذا القانون سوف يتغير، فبعد كل المطالبات والدعوات لتغييره سواء جاءت من قبل الصحفيين أو النواب أو نشطاء حقوق الانسان والمجتمع المدني فقد بقى القانون المليء ببنود القيود وتغليظ الأحكام على مجمل الحريات الصحفية، وبموجبه عوقب وأعتقل الصحفيون في 2011 وما بعدها، وقد أشار اليه تقرير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق والذي أفرد فصلاً كاملاً عن الانتهاكات التي لحقت بالصحافة والصحفيين في تلك الفترة، وسواء اعترفنا بوجود ازمة سياسية راهناً او بزوالها وعدم وجودها فإن القانون بقى على حاله، وهو إن دلَّ على شيء فهو خشية الدولة من الصحافة ومن الكلمة الحرة .

ثانيا: من البديهي أن يقوم أصحاب المهنة والعاملون فيها وحتى الجماهير الذين تخاطبهم هذه الصحافة بقرع جرس الإنذار في حالة تراجع درجات وترتيب هذا البلد أو ذاك صحفيا، لكن المفارقة هنا هو هذا التجاهل وحالة الإنكار وعدم الاعتراف من قبل إعلامنا الرسمي وصحفنا المحلية بهذا الترتيب المتدني، إذ لا ينشر التقرير الدولي إلا في صحيفة واحدة هي صحيفة “الوسط” وكأن الامر لا يعنيهم، أو أنهم على ما يبدو راضين بوضعهم وبالسقف المحدود المسموح لهم بالتحرك فيه، وحسبهم أن ينالوا الرضا الحكومي وتدفق الإعلانات  في تماهِ تام مع النظام السياسي وإلغاء تلك المسافة الهامة والضرورية بين السلطة والصحافة من أجل الإبقاء على استقلالية المهنة التي بدونها يصعب التحدث عن صحافة حرة، ربما لأنهم يعتبرون أنفسهم مجرد مشاريع تجارية لا يشغلها غير الربح والخسارة الماديين وليست مشاريع إعلام وتنوير وشفافية ومصارحة.

 وليس هذا فحسب بل أن مؤشر الحريات العالمي للصحافة والذي يقيس مستوى الحريات في كل دول العالم ومن ضمنها البحرين يثير حفيظة صحفنا المحلية سنوياً فتنبري لمهاجمته والتشكيك في موضوعيته، فكيف سنعالج مرضنا الصحفي المزمن اذا كان ننكر وجوده بالأساس ؟

ثالثاً:  خلال فترة سيادة قانون أمن الدولة تم تقييد الصحافة بشكل كبير وكان قانون الطباعة والنشر في تلك الفترة شديد التضييق على الحريات بل جرى اعتبار الصحافة الناقدة بوصفها أداة مشاغبة، تعمل على تعطيل مسيرة التنمية، لكن بعد عام 2002 ومع مطلع المشروع الإصلاحي وفي سنواته الأولى انتعشت الصحافة رغم صدور قانون صحفي أسوأ من القانون السابق بل أنه لا ينسجم ولا يتوافق مع مرحلة الإصلاح السياسي وكان شديد الارتباط بقانون العقوبات، فإذا لم يعاقب الصحفي بموجب الأول جرى عقابه بموجب الثاني، وإذا حمى الصحفي نفسه بالرقابة الذاتية في الصحافة الورقية تم عقابه في الصحافة الالكترونية، لكن مع ذلك جدير بنا القول إن صحافتنا تنفست بعض هواء الحرية في عدد محدود من السنوات، فشهدنا انفتاحاً صحفياً، واعتبرت الصحافة في هذه الفترة رافعة لهذا المشروع السياسي الجديد، فازهرت الصحف وتشجع رأس المال لخوض غمار التجارة الصحفية وتم انشاء صحف جديدة وساد التنافس الصحفي وارتفعت أجور الصحفيين وعرفنا ربيعا صحفياً جميلاً وإن كان ككل الأشياء الجميلة قصيرا، لا بل انه انتهى اإى كارثة بعد أزمة 2011 وما تلاها من إشكالات ضربت الصحافة في مقتل ولا نزال نعاني من آثارها لغاية اليوم، وبموجب قانون الصحافة السالف والمغضوب عليه صحفيا عوقب الصحفيون واعتقلوا وتعرضوا للتعذيب والانتهاكات، لقد احتاطت الدولة لنفسها بالإبقاء على ذلك القانون ليوم الضرورة.

رابعا: هل نتحدث عن صحافة اليوم الورقية دون الإشارة إلى عالم الفضاء الاجتماعي وصحافة الزمن الرقمي الذي نشهده؟ حيث تشكل هذه التقنيات أكبر منافس للصحافة الورقية بوضعها الراهن ، فالأولى سريعة وسباقة ومثيرة ومرتبطة بوسائط إعلامية أخرى، لقد سرقت من الصحافة الورقية أهم عناصرها، وحان الوقت لكي تجتهد الصحافة الورقية وتسترد الصحافة مكانتها وقدرتها التنافسية وذلك لن يتأتى دون توسيع هامش الحرية، وإلا فسوف نستيقظ على تناقض رهيب بين الأولى والثانية، وسوف تنصرف الجماهير عن الصحافة الورقية التي لا تلبي حاجات الناس الراهنة ،ولسنا نريد لمؤسساتنا الصحفية الوطنية الا ان تكون قادرة ممكنة ومنافسة وجديرة بالبقاء في هذا العالم المتغير

خامسا: إن مملكة البحرين تعيش اليوم مرحلة جديدة اقتصاديا، حيث ارتفاع الدين العام وانخفاض مداخيل النفط ومجيء زمن الضرائب والرسوم، إنه زمن رفع الدعم والبدء بالتقشف وهي تحتاج الصحافة وتحتاج إلى التركيز على الجانب الاقتصادي ولغة الأرقام والشفافية والرشادة في إدارة البلد واداة المال العام وفق منهجية جديدة ومختلفة ،ان الاعتماد على سلعة واحدة كمصدر للدخل وصعود الدين العام لا يجب أن يتحمله الناس الذين لم يشاركوا يوما في صنع القرار الاقتصادي أو السياسي وهو يدعو إلى التساؤل حول تلك التنمية التي نقول إننا انجزناها سابقاً عبر الاعتماد على النفط وحده.

 إن  النخب الاقتصادية يجب أن تنال فرصتها اليوم في ابداء رأيها وفي المشاركة في التعاطي مع المرحلة التي نعيشها، وعلى النظام أن يصغي لأصوات المخلصين من هذا الوطن وأن يقدم التنازلات والتضحيات كي يسير مركبنا بأقل قدر من الخسائر، إن النظام السياسي يحتاج الصحافة أكثر في فترة الأزمات، شرط أن تكون الوسيط الحر الأمين والموضوعي والمحايد كي تنال ثقة الجماهير وليس رضا النظام السياسي فحسب.

أخيراً: إن تمكين الصحافة الحرة المستقلة والمهنية والمسؤولة ذات الطابع التعددي هو تمكين للديموقراطية وللمشاركة الشعبية، إن صحافة كهذه تقف في خندق مؤازر وليس معادياً للسلطة السياسية الرشيدة وعلينا جميعا أن نعمل لتحقيق هذا الهدف النبيل .

اقرأ المزيد

أمن الخليج العربي

رغم العواصف العاتية التي يعاني منها العالم العربي، إستطاعت دول الخليج العربي أن تحافظ على درجة معقولة من الاستقرار، رغم أنها لم تسلم بصورة تامة من ارتدادات وشظايا ما يجري في محيطها العربي من حروب وفتن، ولكن ذلك كله ظلّ تحت السيطرة، رغم قلق شعوب المنطقة من أن يطال بلدانها ما طال بلدان عربية شقيقة لها، فالفوضى إذ تعم فإنها لا توفر أحداً، خاصة مع المخططات والأجندات الدولية والإقليمية المنخرطة في مشروع “الفوضى الخلاقة” الجاري تنفيذه على قدم وساق.

وكان المطلب الذي تطرحه شعوبنا وقواها الوطنية هو العمل على تحصين جبهاتنا الداخلية، عبر التوافقات المجتمعية والحلول الوطنية لأية مشاكل داخلية تجابه بلداننا، كما هو الحال بالنسبة لوطننا الغالي، والنأي عن التجاذبات الإقليمية وعن الرهانات على حلول من الخارج، فالخارج هذا معني بمصالحه وطموحاته لا بمصالحنا، وهو غير معني باستقرارنا، فعينه على تمدد نفوذه ومواصلة استنزاف ثرواتنا.

ومن هذه الزاوية فإن شعوبنا تتطلع بكل حرقة وصدق إلى أن يجري تجاوز أزمة العلاقات الخليجية – الخليجية التي نشأت مؤخراً، وتسوية الخلافات بروح الحوار والتفاهم وتوحيد المواقف إزاء التحديات الماثلة أمامنا وفق القواعد التي أشرنا إليها أعلاه، خاصة وأننا مجتمعات مترابطة ومتداخلة عائلياً في نسيج لا يمكن تفكيكه.

خلال العقود الثلاثة الماضية خطت دول المنطقة خطوة، لا بل خطوات، في الاتجاه الصحيح بتشكيلها لإطار مجلس التعاون الخليجي كوحدة إقليمية تمتلك درجة كبيرة من التجانس، وبتمكنها من الحفاظ على استمرار هذا الكيان رغم بعض الخلافات، ورغم الهزات الكبيرة التي عرفتها المنطقة، لذلك يقلقنا أن يتعرض هذا الكيان إلى التصدع، في هذه اللحظة التاريخية الحرجة، التي تتطلب أكثر من السابق بلوغ التوافق حول موقف خليجي واحد ومتسق إزاء التحديات المصيرية لدول المنطقة، وصون سيادة بلداننا واستقلالها.

إن مجلس التعاون الخليجي لو أخذ كوحدات مستقلة لكنا إزاء دول صغيرة المساحة ومحدودة السكان، وحتى إذا أخذناه كمجموع فانه سيغدو مجموعا لهذه الوحدات الصغيرة، مع مراعاة أن الجمع بين وحدات متناثرة يضفي عليها قوة نوعية تتعدى التجميع الكمي، وعلى هذا نعول في أن نحافظ على ما تحقق من مكتسبات وتثبيتها لصون أمن بلداننا ودرء المخاطر عنها، وتجنيب شعوبها الخطر.

اقرأ المزيد

ترامب في المنطقة

بالنسبة لنا كشعوب عربية، ليس هناك ما يبهج في نتائج زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة، فهو سيعود إلى بلاده محملاً بالغنائم من صفقات وأموال، تعينه على مواجهة تعثراته الداخلية الكثيرة، وارتباكاته هو وإدارته في الأداء أمام حملات النقد التي تواجهه، فيما ستظل منطقتنا مشتعلة بالحروب والفتن الطائفية والمذهبية وغارقة في الدماء، وأسيرة تجاذبات المصالح والصراعات الإقليمية، فيما قضية الشعب العربي الفلسطيني تبعد أكثر فأكثر عن فرص الحل المشرف الذي يضمن للفلسطينيين كرامتهم وحقهم في الخلاص من الإحتلال وإقامة دولتهم الوطنية المستقلة وصاحبة السيادة على أراضهم.

أكثر من ذلك فإن ترامب يعود بجيوبه المليئة في الوقت الذي ما زالت فيه أسعار النفط الذي تعتمد عليه دول منطقتنا كمصدر يكاد يكون وحيداً في عائداتها في تراجع، دون أن يلوح في الأفق أي أمل في أن تنهض مجدداً من سقوطها المريع، ما يستلزم المزيد من الاجراءات التقشفية القاسية التي ستفرض على شعوب المنطقة على شكل المزيد من الضرائب والرسوم والمكوسات المباشرة وغير المباشرة، والمساس بالضمانات والخدمات الاجتماعية المهمة، التي هي بمثابة الحقوق المكتسبة التي لم تتخيل شعوبنا أن يجري النيل منها يوماً.

في كلمات أخرى فإن شعوب المنطقة في أمس الحاجة اليوم، أكثر مما كانت عليه في السابق، في أن يجري صون الثروات وتوظيفها في مشاريع انتاجية، وللحفاظ على مستوى المعيشة المتحقق الذي هو جزء من حق هذه الشعوب في ثرواتها الوطنية، كما هي حق لأجيالنا القادمة  بعد نضوب هذه الثروات أو تآكلها أو تناقص أهميتها في السوق العالمية.

ما يحتاجه العالم العربي حقاً هو بلورة موقف عربي متماسك يكون في مستوى الندية إزاء مختلف التجاذبات والمشاريع الاقليمية والدولية، موجه لحماية هذه المنطقة وشعوبها مما يتهددها من أطماع، وفي مقدمتها الخطر الصهيوني الذي يزداد خطورة مع ضعف العالم العربي وتمزقه وغرقه في المحن والحروب الأهلية، ما يغري الصهاينة من جهة،  والقوى الإقليمية في أنقرة وطهران بتوسيع نفوذها فيه.

وهذا يتطلب إطلاق طاقات الشعوب العربية وتمكينها من المشاركة في القرار وفي الثروة، كي تكون سداً منيعاً بوجه هذه الأخطار، لا الاعتماد على الدول الكبرى الباحثة عن مصالحها، والتي لا تكن لبلدان هذه المنطقة وحكوماتها أي تقدير، وهو ما يعكسه الخطاب العنصري لترامب نفسه المتعالي على العرب والكاره لهم، ومجاهرته بأن هدفه هو الاستحواذ على الثروات العربية وتوظيفها في التغلب على ما تواجهه الولايات المتحدة من عجز.

اقرأ المزيد

محاولة للفهم.. مجرد أسئلة..!!

ليس مضمونًا ان يحصل المواطن على أجوبة شافية على جملة الأسئلة وعلامات التعجب المثارة في شأن الميزانية العامة للدولة لعامي 2017-2018، فقد تعود المواطن على عدم حصوله على اجوبة لا في شأن الميزانية ولا في غيرها، لا شافية، ولا مبهمة، ولا مراوغة، ولا تلك التي لا تعني شيئًا، او تلك التي تصنف بأنها لا تشفي الغليل، وبافتراض تكرم احدهم بالإجابة على اي من الأسئلة المطروحة فلن يكون مستغربًا ان تكون هذه الإجابة من النوع الذي لا نستطيع بلعها، او لنقل انها تحتاج الى “اعادة هيكلة”..!

المواطن سيظل بخصوص الميزانية الجديدة تحديدًا يطرح أسئلة، وهو في الوقت ذاته يتابع ويلتقط ويستذكر الأسئلة التي انطلق عنانها وباتت تغمر واقعه وتزايد معدل طرحها خلال الأيام الماضية، أسئلة من كل حدب وصوب من اقتصاديين ومحللين واصحاب اعمال ومن نواب وشوريين وغيرهم، القاسم المشترك في معنى كل هذه الأسئلة هو ان ثمة حالة من الغموض وعدم الشفافية في الكثير من الجوانب ذات الصلة بوضع الميزانية، وغياب الرؤية الواضحة لما ستفرضه مقتضيات هذا الوضع خاصة في ظل تصريحات لبعض المسؤولين بدت وكأنها تريد إقناع الناس بالكيفية التي ينبغي ان يفهموا بها وضع الميزانية، وما ينبغي ان يعتقدوا به في هذا التوقيت من ضرورات وتضحيات لشد الأحزمة، هي أسئلة تتزاحم، نسردها في سياق محاولة للفهم، قد تكون اكثر فائدة من الأجوبة، وهذا أمر في حد ذاته يستحق قسطًا من التأمل الجدي.. وأرجو المعذرة فليس أمامي الآن سوى طرح عينة من الأسئلة المثارة بلا حساب والتي لن ينقطع تدفقها حتى مع اي اجابات مرتقبة على اي منها من قبل اي وزير تحت قبة السلطة التشريعية. وحتى هذه الإجابات المحتملة نكاد نجزم بأنها لن توقف مسيرة تدفق الأسئلة، فلنبدأ..

  • الميزانية هي قاطرة الاقتصاد.. هل جرى التمعن الى أين تقود الاقتصاد وأوضاع الناس..؟ ولماذا يظل التركيز على أهداف قصيرة المدى مقابل التغافل عن فقدان الميزانية لوظيفتها كأداة تخطيطية في تنفيذ برامج الحكومة لتصبح ميزانية الأمر الواقع، طالما ان النفقات الجارية تمثل ‎%‎81 والدَّين العام يهدد آفاق النمو الاقتصادي والذى سيبلغ بنهاية العام الجاري نحو 8.95 مليار دينار، اي نحو ‎%‎74 من الناتج المحلي الاجمالي وبكلفة باهظة تفوق معدلات النمو الحقيقية نفسها، والسؤال ما هي طبيعة او ملامح الاستراتيجية متوسطة المدى التي أعلن عنها وزير المالية «للتحكم في نمو مستويات الدَّين العام والحد من نمو الاعتمادات المخصصة لسداد الفوائد المترتبة على ارصدة الدين العام»، وللإحاطة فإن الحديث عن الدَّين العام يعني حديثًا عن المستقبل، عن ثقة المستثمرين في بيئة الاعمال والاستثمار، والتصنيف الائتماني للبحرين..؟
  • أين هي البدائل والمعالجات التي يفترض انها درست بعناية لمواجهة الخلل المزمن في الميزانية وفق سياسة مالية شفافة تبين لنا أيضا ما تحقق وما لم يتحقق من البرنامج الحكومة المدرجة او المخطط لها في الميزانية السابقة..؟
  • انخفاض إيرادات الدولة خلال السنوات العشر الماضية بنسبة ‎%‎7 مقابل ارتفاع المصروفات بنسبة ‎%‎94، يقود الى السؤال.. ماذا حققت الخطوات والتدابير الحاسمة التي أعلن عنها منذ سنوات لتنويع الإيرادات وتحقيق الانضباط المالي..؟ وما مدى انعكاس ايرادات جميع الرسوم والغرامات في الفترة الماضية في الميزانية الجديدة منها غرامات المخالفات المرورية وفرض بعض الرسوم على السجلات التجارية والمناطق الصناعية والمرافق السياحية، وعلى خدمات البلدية والكهرباء والماء، وغير ذلك من الرسوم التي فرضت منذ رفع شعار التقشف وضبط النفقات..؟ وما هي خطط الحكومة لمواجهة انخفاض أسعار النفط لما هو مقدر له في فترة الميزانية وهو 55 دولارًا للبرميل، في حين يتعين لتحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات متوسط سعر عد مستوى 119 دولارًا خلال السنة المالية 2017 و114 دولارًا خلال عام 2018 بحسب ما أعلن وزير المالية، علما بأن هناك مخاوف وتحذيرات مثارة حول توقعات مستقبيلة رهيبة لمسار سعر النفط عالميًا، وان الاتجاه المؤكد بحسب بعض المحللين والدوائر يسير نحو 40 دولارًا للبرميل في المستقبل القريب..؟
  • لماذا الإصرار على عدم إدخال كافة الإيرادات الحكومية الى الميزانية العامة للدولة، بما فيها نحو 17 هيئة ومؤسسة حكومية، اضافة الى شركة ممتلكات القابضة وما يقع تحت مظلتها من نحو 48 شركة..؟ وما هو الأساس القانوني لاستمرار ضخ أموال إضافية في ميزانية طيران الخليج المملوكة بالكامل لـ «ممتلكات» التي لا تضخ شيئا في الميزانية..؟ والى متى يستمر هذا الدعم؟ وما نتائج صرف الملايين من الدنانير التي صرفت كدعم للشركة طيلة السنوات الماضية..؟
  • هل يمكن أن يكون ضبط الإنفاق على حساب المواطن «مهدود الدخل» مهما كانت التطمينات..؟. وماذا يمكن ان يفهم من تصريحات بعض المسؤولين حول الميزانية التي تكررت في اكثر مناسبة، الأهم فيها تلك الإشارة الى دعم المواطنين الأكثر استحقاقًا، ألا يعني هذا ان هناك معايير جديدة ستوضع لاستحقاق المواطنين لمخصصات العلاوات الاجتماعية، وعلاوات المتقاعدين، والغلاء والإيجار والسكن، وستكون شريحة من المستحقين عرضة للخروج قسرًا من قائمة المستحقين، الى جانب المتقاعدين منهم الذين سيكونون عرضة لخطر تقليص مزايا التقاعد..؟
  • انخفاض المساعدات والمعونات بواقع ‎%‎12 عن الميزانية السابقة.. ألا يعد مؤشرًا على ان ثمة مساس قد يصيب مستوى معيشة الفئات الضعيفة في المجتمع، ثم الى اي مدى هي حصافة ومشروعية التصرف في أموال احتياطي الأجيال القادمة، والمساس بصندوق التعطل لدعم الميزانية او المس بأي صورة كانت بمزايا ومكتسبات المتقاعدين، وهنا سؤال على الهامش: الى متى يغيب التمثيل العمالي في مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي؟
  • هل سيكون يا تُرى تصريح رئيس لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بمجلس النواب المنشور قبل ايام والتصريحات التي نشرت والتي تبشرنا بخيارات بديلة تتجنب انتقاص دعم المواطن، وبانه «لا صحة لأي كلام أو حديث بشأن المساس بالرواتب الاساسية والزيادات السنوية المقررة للموظفين والمتقاعدين في مشروع الميزانية»، هل ستكون هذه التصريحات كافية لطمأنة الناس وسط حالة من الغموض والتصريحات المتضاربة وعدم الشفافية خاصة في ظل من يبشرهم بأن في الطريق رسومًا على بعض الخدمات الحكومية وخصخصة بعضها وضرائب ستفرض..؟!
  • تشجيع القطاع الخاص، والشراكة مع القطاع الخاص.. هل هناك صورة واضحة في هذا الشأن، منذ نحو 30 عامًا والعزف على هذا الوتر مستمر دون معرفة وطبيعة هذا التشجيع، وشكاوى تطرح من منتسبين لهذا القطاع، راجعوا ما دار وما نشر في ندوة «انعكاسات الميزانية العامة على الاقتصاد» التي نظمتها الغرفة التجارية مؤخرًا، يكفي ما أشير وبالنص الى «معاناة القطاع الخاص من ازدواجية القرارات وتعدد الجهات التي تضع السياسات الاقتصادية والخطط التي تعد كردة فعل متخبطة فاقمت العجز وأوصلت الدَّين العام الى مستوى يصعب سداده إلا بالقروض وبالتالي جعل من المشكلة “كرة ثلج”..!!
  • هل تم وضع الإجراءات الكفيلة بوقف كل أوجه الهدر والتجاوزات والفساد، وهل تم محاسبة المعنيين في الأجهزة والجهات التي سجل عليها ديوان الرقابة المالية والإدارية مخالفات متكررة..؟!

تلك عينة ليس إلا من جملة الأسئلة التي لا نهاية لها والمثارة على وقع الميزانية العامة وأحسب انها معبرة عن حالة التوجس والقلق مما ستؤول اليه أحوال الاقتصاد والناس وأوضاعهم المعيشية، وكل يوم تزداد قائمة الأسئلة التي هي في حقيقة الأمر دليل على غياب الشفافية، ولعل أبرز مثال على ذلك انه لم يظهر ولا مسؤول حكومي واحد يفسر ويوضح ماهية السياسة المالية والاقتصادية ويشرح ماذا يعنـــي انه سيتم توفير الخدمات الرئيسية ذات الأولوية للمواطنـــين، الى جـــانب شرح طبيعة التوجهات التي تفرض نفسها والتي يفـــترض ان تخضــع لحوار مجتمعي، وليس الاكتفاء بتصريحات مكـــتوبة وجــاهزة توزع على الصحف او ترد على النواب، المؤسف حــقًا ان نجد انشغال المسؤولين بالوســائل دون اهتمام مماثل بالغايـات والنتائج المستهدفة، لذا ليس غريبا حصر المعالجــات في مجــرد الاقتراض من الداخل والخارج والجبايـة من الــداخل..!!

اقرأ المزيد

قوى التيار الوطني الديمقراطي وقف المزايا التقاعدية للمسحوبة جنسيتهم مخالف للدستور والمواثيق الدولية

قالت قوى التيار الوطني الديمقراطي إن قرار لجنة الشؤون التشريعية والقانونية بمجلس الشورى يوم الأربعاء 28 يونيو 2017 بوقف المزايا التقاعدية للمسحوبة جنسياتهم يعتبر مخالف لجميع الأنظمة والقوانين والدستور البحريني، فضلاً عن كونه قرار يتعارض تماماً مع المواثيق الدولية ذات الصلة وأهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يحرّم نزع الجنسية عن أي إنسان وإبقاءه بلا جنسية، كما يرفض مصادرة حقوق العمالة بأثر رجعي يسبق الجريمة إن وقعت.

وأضافت أن القرار الذي يراد تمريره والعمل به يعاني من عوار قانوني واضح من ناحية حرمان المسحوبة جنسيتهم من حقوق سبقت العقوبة المفروضة، حيث التزموا بالقوانين المعمول بها في أنظمة التأمينات الاجتماعية وبالعقود التي وقّعوها مع رب العمل ودفعوا ما عليهم من التزامات مالية، وبالتالي فإن حرمانهم من حقوق مقررة مسبقاً في القانون يعتبر تعدياً على حقوقهم وحقوق أسرهم، وتعميماً للعقوبة لتصبح عقاباً جماعياً يتجاوز النص الدستوري الصريح الذي يؤكّد على أن العقوبة شخصية ولا يجوز تنفيذها بحق أهالي من صدرت بحقهم أحكام .

وأردفت، إن مواجهة الأزمات المالية والاقتصادية التي تعاني منها الموازنة العامة من حيث العجز المستمر والدين العام المتراكم الذي بلغ مستويات خطرة، لا يمكن معالجته بسحب حقوق المواطنين والعاملين، إنّما بمزيد من الشفافية والإفصاح ومكافحة الفساد وإعادة ترتيب أولويات المصروفات وضبطها في بنود الموازنة العامة وتقليص المصروفات التي تستنزف الموازنة، فضلاً عن إلغاء المصروفات التي لا تقدّم قيم مضافة للاقتصاد الوطني ولا يستفيد منها المجتمع.

وطالبت قوى التيار الوطني الديمقراطي بشطب قرار لجنة الشؤون التشريعية باعتباره مسيئاً للمواطنين والعاملين في البلاد ويقدّم صورة سلبية عن التشريعات في البحرين، والتوقف عن سحب جنسيات المواطنين الذين تصدر بحقهم أحكام وتركهم بلا جنسية، وشدّدت على ضرورة إخراج البلاد من الأزمة المستفحلة التي تعصف بها منذ أكثر من ست سنوات، من خلال الانفراج الأمني والسياسي ووضع بلادنا على سكة الحل الصحيح والدائم والتفرغ للتنمية المستدامة.

قوى التيار الوطني الديمقراطي

المنامة

30 يونيو 2017

اقرأ المزيد